إسفار الفصيح

باب مايقال بحروف الخفض
...
باب ما يقال في بحروف الخفض 1
يقال: (سخرت منه) 2 بكس الخاء، أسخر بفتحها، سخرا بفتح السين والخاء، وسخرا بضمهما، وسخرا بضم السين وسكون الخاء، [45/ب] وسخريا وسخرية بضم السين وسكون الخاء أيضا، وسخريا وسخرية بكسر السين فيهما أيضا: إذا استهزأت به، أي خدعته حتى يذل لك ويطيع فيما تريد لضعف عقله، أو مكر مكرته به، فأظهرت له غير ما أضمرت حتى أطاعك، والفاعل ساخر، والمفعول به مسخور منه.
(وهزئت به) 3 بكسر الزاي، وبالهمز، أهزأ هزءا وهزؤا بسكون
__________
1 الخفض من اصطلاحات الكوفيين، ويسمونها أيضا حروف الإضافة والصفات. والبصريون يسمونها حروف الجر. ينظر: شرح المفصل لابن يعيش 8/7، والأشباه والنظائر 2/84، والكليات 353، وحاشية الصبان على الأشموني 2/203.
2 ولا يقال سخرت به، على مذهب الكسائي وأبي عمرو والفراء. ما تلحن فيه العامة 108، والتهذيب (سخر) 7/168. وأجازه الخليل وأبو زيد والأخفش. العين 4/96، والصحاح 2/679 (سخر) . وينظر: إصلاح المنطق 281، وأدب الكاتب 419، والأفعال للسرقسطي 3/546، ولابن القطاع 2/146، وتقويم اللسان 123، وتصحيح التصحيف 308، والمحيط 4/261، والمجمل 1/490، والمحكم 5/47، والقاموس 519 (سخر) .
3 في التهذيب (هزأ) 6/369: "قال يونس إذا قال الرجل: هزئت منك، فقد أخطأ، إنما هو هزئت بك، واستهزأت بك". وهي جائزة في إصلاح المنطق 428، والجمهرة 2/1072، والصحاح 1/84 (هزأ) . وينظر: الألفاظ المهموزة 36، والعين 4/75، والمحكم 4/252، والقاموس 72 (هزأ) .

(1/477)


الزاي وضمها، وهزوا بضم الزاي وتخفيف الهمزة، وهو مثل سخرت منه في الوزن والمعنى. وقيل في قوله عز وجل: {أَتَتَّخِذُنَا هُزُؤاً} 1، الهزؤ: اللعب والسخرية. وقيل: معنى هزئت به: أي استصغرته وأظهرت له غير ما في نفسي2. وقال جرير3:
إذا حدثتهن هزئن مني ... ولا يغشين رحلي في المنام
والفاعل هازئ، والمفعول مهزوء به.
(ونصحت لك) 4 باللام، أنصح نصحا ونصيحة، فانا ناصح: أي اجتهدت وبذلت المودة في المشورة، وأشرت عليك بالصواب. ومنه قوله تعالى: {وَأَنْصَحُ لَكُم} 5.
__________
1 سورة البقرة 67. والآية على قراءة الجمهور، وقرأ حمزة عن عاصم "هزوا" بغير همز. قال أبو زرعة: "وهما لغتان، التخفيف لغة تميم، والتثقيل لغة الحجاز". حجة القراءات 101. وينظر: السبعة 157، وعلل القراءات 1/50، والحجة لأبي علي 2/102، والكشف 1/247.
2 معاني القرآن وإعرابه للزجاج 1/90. وينظر: تفسير الطبري 1/337، والقرطبي 1/145، والمحكم (هزأ) 4/252.
3 ديوانه 1/197.
4 ما تلحن فيه العامة 102. ونصحتك لغة، ولكنها أقل فصاحة من الأولى في: معاني القرآن للفراء 1/92، وإصلاح المنطق 218، وأدب الكاتب 424، والصحاح (نصح) 1/410. وهما لغتان من غير ذكر مستواهما الصوابي في: الأفعال للسرقسطي 3/192، ولابن القطاع 3/216، والعين 3/119، والتهذيب 4/249ن والجمهرة 1/544، والمقاييس 5/435، والمحكم 3/113 (نصح) . وفي المجمل (نصح) 2/870: "نصحته أنصحه" لا غير.
5 سورة الأعراف 62.

(1/478)


(وشكرت له صنيعه) 1 شكر شكرا وشكرانا وشكورا، فأنا شاكر، وهو مشكور: إذا أثنيت عليه لما أسداه إلي من جميله، وقابلت فعله بثنائي2 عليه [46/أ] . ومنه قوله تعالى: {وَاشْكُرُوا لِي وَلا تَكْفُرُونِ} 3.
(ونسأ الله في أجله) 4 ينسأ نسأ، على مثال جمع يجمع جمعا، ونساء أيضا بالمد، على وزن فعال، ونسيئة، والله تعالى ناسئ، والرجل منسوء له في أجله، (وأنسأ الله أجله) 5 ينسئه إنساء، والله تعالى منسئ بكسر السين، والرجل منسأ أجله بفتحها، ومعناهما واحد: أي أخر الأيام وزادها في أجله، وأجل الإنسان: غاية عمره، وكذلك أجل كل شيء: غايته، يقال: بلغ الشيء أجله، أي غايته. وجمعه
__________
1 ما تحلن فيه العامة 102. وفي معاني القرآن للفراء 1/92: "العرب لا تكاد تقول: شكرتك، إنما تقول: شكرت لك" ثم قال في مكان آخر 2/20: "والعرب تقول: كفرتك، وكفرت بك، وشكرتك وشكرت بك، وشكرت لك". وهما لغتان، وأفصحهما باللام في: إصلاح المنطق 281، وأدب الكاتب 424، والنهاية 2/493، والجمهرة 2/732، والصحاح 2/702، والمغرب 1/452، والمصباح 122 (شكر) . واللغتان من غير تحديد لمستواهما في: الزاهر 1/192ن وتهذيب الأسماء واللغات 3/166، والمحكم 6/424 (شكر) .
2 ش: "بثناء".
3 سورة البقرة 152.
4 الفاخر 276، وحروف الممدود والمقصور 95، وأدب الكاتب 444، وفعلت وأفعلت للزجاج 92، وما جاء على فعلت وأفعلت 72، والجمهرة 2/1074، والتهذيب 13/83، والصحاح 1/76 (نسأ) . وفي الزاهر 1/559: " نسأ الله في أجله، وأنسأ الله في أجله". وينظر: المصباح (نسأ) 231.
5 الفاخر 276، وحروف الممدود والمقصور 95، وأدب الكاتب 444، وفعلت وأفعلت للزجاج 92، وما جاء على فعلت وأفعلت 72، والجمهرة 2/1074، والتهذيب 13/83، والصحاح للزجاج92، وما جاء على فعلت وأفعلت 72، والجمهرة 2/1074، والتهذيب 13/83، والصحاح والصحاح1/76 (نسأ) . وفي الزاهر 1/559: " نسأ الله في أجله، وأنسأ الله في أجله". وينظر: المصباح (نسأ) 231.

(1/479)


آجال بالمد. وقال الكميت1:
وليس الجلوس بمحيي النفوس ... بل الله ينسئ أعمارها
(واقرأ على فلان السلام) 2 مهموز مفتوح الراء، والألف مكسورة إذا ابتدأت بها، فإن وصلتها بحرف قبلها، أو كلام غيره حذفتها في اللفظ وأثبتها في الخط، ومعناه: اتل عليه السلام، واذكره له. وأقرئه السلام بفتح الألف في جميع الأحوال وكسر الراء، إذا أردت أنه مكتوب في الكتاب3، فتقول: أقرئه إياه، والأول أمر من قرأت، والثاني من أقرأت، وهما يرجعان إلى معنى واحد4.
وقيل: معنى قول القائل لصاحبه: سلام عليك، أي قد سلمت مني، لا أنالك بيد ولا لسان، أي [46/ب] برئت وتخلصت. وقيل: معناه: السلامة من الله عليك. وقيل: هو الرحمة. وقيل:
__________
1 البيت ليس في ديوانه، ولم أهتد إليه في مصادر أخرى.
2 قال الأصمعي: "يقال اقرأ عليه السلام، ولا يقال: أقرئه السلام، لأنه خطأ" التهذيب (قرأ) 9/275. ووجه الخطأ عند الزبيدي في لحن العامة 202 أن معنى أقرئه السلام: "اجعله أن يقرأ السلام، كما يقال: أقرأته السورة". وهذا الذي أنكراه أجازه أبو الحسن الأخفش وغيره. المدخل إلى تقويم اللسان 51. وفي الزمخشري 156: "والعامة تقول: قريت السلام بغير همز، وهو خطأ". وينظر: تقويم اللسان 78 (حاشية) وتصحيح التصحيف 120، والصحاح 1/65، والساس 360 (قرأ) .
3 ينظر: التهذيب 9/275، 12/451، والقاموس 62 (قرأ) .
4 وهو الجمع أو الضم. ينظر: تفسير غريب القرآن لابن قتيبة 33، والمقاييس 5/78، 79.

(1/480)


الأمان1. وقال جل وعز: {ادْخُلُوهَا بِسَلامٍ آمِنِينَ} 2. ويقال منه: سلمت على فلان بالتشديد.
(وزريت على الرجل) 3 أزري زريا وزراية، فأنا زار، والرجل مزري عليه: (أي عبت عليه) فعله القبيح، وعنفته ليرجع عنه.
(وأزريت به) بالألف، أزري به إزراء فأنا مزر بكسر الراء، وهو مزرى به بفتحها: (إذا قصرت به) ، أي استخففت به، وتنقصت به وتهاونت.
(وجن عليه الليل) 4 يجن بالكسر، جنا وجنونا وجنانا، فهو
__________
1 تنظر هذه الأقوال وغيرها من معاني السلام في: معاني القرآن وإعرابه للزجاج 1/252، والزاهر 1/158، واشتقاق أسماء الله 217- 221، وشرح أسماء الله الحسنى للرازي 196، واللسان (سلم) 12/289.
2 سورة الحجر 46.
3 فعل وأفعل للأصمعي 514، إصلاح المنطق 234، وأدب الكاتب 444، والألفاظ الكتابية 21، والأفعال للسرقسطي 3/456، 457، ولابن القطاع 2/106، والعين 7/318، والجمهرة 2/1064، والتهذيب 13/246، والصحاح 6/2367، 2368 (زرى) . والمحيط (زرى9 9/85: "وزرى به يزري: أي عابه، وهو زار عليه وبه". وفي اللسان (زرى) 14/356: "قال ابن سيده: وأزرى عليه قليلة". وينظر: القاموس (زرى) 1666.
4 فعل وأفعل للأصمعي 494، وإصلاح المنطق 295، وأدب الكاتب 445، وفعلت وأفعلت للزجاج 15، ومعاني القرآن وإعرابه له 2/266، وما جاء على فعلت وأفعلت 31، والعين 6/21، والجمهرة 1/93، والتهذيب 10/501، والمحيط 6/410، والصحاح 5/2093، والمحكم 7/153 (جنن) . وفي معاني القرآن للفراء 1/341: "يقال: جن عليه الليل وأجن، وأجنه الليل، وبالألف أجود، إذا ألقيت على، وهي أكثر من جنه الليل". وينظر: معاني القرآن الأخفش 2/279، والأفعال للسرقسطي 2/244، ولابن القطاع 1/177.

(1/481)


جان، والمفعول مجنون عليه.
(وأجنه الليل) إجنانا، ومعناهما واحد: إذا ستره الليل بظلمته، والليل مجن بكسر الجيم، والمفعول مجن بفتحها.
(وذهبت به) 1، فأنا أذهب به ذهابا وذهوبا ومذهبا، فأنا ذاهب به، والمفعول مذهوب به: إذا مررت به معك. (وأذهبته) بالألف أيضا: بمعناه2، فأنا أذهبه إذهابا، وأنا مذهب بكسر الهاء، وهو مذهب بفتحها.
(وأدخلته الدار، ودخلت به الدار) ، ومعناهما واحد3، إذا
__________
1 وأذهبت به أيضا، وهي لغة ضعيفة. وينظر: معاني القرآن وإعرابه للزجاج 1/50، والمحكم (ذهب) 4/211.
2 أي لا فرق بين تعديتهما بالهمزة أو بالباء، وهذا رأي الجمهور، وفرق بينهما المبرد والسهيلي، فمعنى "ذهب به" عندهما: صاحبه في الذهاب، و"أذهبه" حمله على الذهاب، أو صيره ذاهبا وحده. وكذا في أدخلته ودخلت به، ورد عليهما غير واحد من العلماء. ينظر: في الغريب المصنف (140/ب) وأدب الكاتب 444، ومعاني الحروف الرماني 39، ومعاني القرآن وإعرابه للزجاج 4/50، وإعراب القرآن للنحاس 1/193، والحروف للمزني 55، والروض الأنف 3/413، ودرة الغواص 20، ورصف المباني 140، والجنى الداني 38، ومغني اللبيب 138، والكشاف 1/74، والدر المصون 1/162، والتعدية بالهمزة والباء (رسالة لابن كمال باشا نشرت بتحقيقنا في ملحق التراث بجريدة المدينة المنورة- العدد 8025 في 62/7/1412 هـ) ، والتكملة 1/131، والتاج 1/257 (ذهب) .
3 أي لا فرق بين تعديتهما بالهمزة أو بالباء، وهذا رأي الجمهور، وفرق بينهما المبرد والسهيلي، فمعنى "ذهب به" عندهما: صاحبه في الذهاب، و"أذهبه" حمله على الذهاب، أو صيره ذاهبا وحده. وكذا في أدخلته ودخلت به، ورد عليهما غير واحد من العلماء. ينظر: في الغريب المصنف (140/ب) وأدب الكاتب 444، ومعاني الحروف الرماني 39، ومعاني القرآن وإعرابه للزجاج 4/50، وإعراب القرآن للنحاس 1/193، والحروف للمزني 55، والروض الأنف 3/413، ودرة الغواص 20، ورصف المباني 140، والجنى الداني 38، ومغني اللبيب 138، والكشاف 1/74، والدر المصون 1/162، والتعدية بالهمزة والباء (رسالة لابن كمال باشا نشرت بتحقيقنا في ملحق التراث بجريدة المدينة المنورة- العدد 8025 في 62/7/1412 هـ) ، والتكملة 1/131، والتاج 1/257 (ذهب) .

(1/482)


جعلته داخل الدار، وهو ضد خارجها. وتقول في تصريف الأول: أدخله إدخالا، فأنا مدخل بكسر الخاء، وهو مدخل بفتحها. وتقول [47/أ] في الثاني: أدخل، على مثال أقتل، والمصدر دخول، فأنا داخل به، والمفعول مدخول به.
(ولهيت من الشيء وعنه) 1 بالياء وكسر الهاء، ألهى لهيا2 ولهيا بضم اللام وكسرها، والهاء منهما مكسورة، والياء مشددة، ولهيانا ولهيانا بكسر اللام وضمها وسكون الهاء منهما: أي اشتغلت عنه، وسلوت وتركت ذكره، فأنا له منه وعنه، والشيء ملهي منه وعنه
__________
1 وقال الكسائي: "لهيت عنه لا غير" التهذيب (لها، لهى) 6/428، وفيه أيضا عن بزرج: "لهوت ولهيت بالشيء: إذا لعبت به". وفي موضع آخر عن ثعلب عن ابن الأعرابي: "لهيت به وعنه: كرهته، ولهوت به: أحببته". وفي العين (لهو) 4/87: "واللهو: الصدوف عن الشيء، لهوت ألهو لهوا، والعامة تقول: تلهيت" وأنكره الأزهري في التهذيب 6/427. وينظر: إصلاح المنطق 201، وأدب الكاتب 344، والمنتخب 2/555، والكامل للمبرد 3/1400، والأفعال للسرقسطي 2/441، ودرة الغواص 236، وتقويم اللسان 189، وتصحيح التصحيف 566، والجمهرة 2/989، 990، والصحاح 6/2488، والمحكم 4/306، (لهو، لهى) .
2 ولم يعرف الأصمعي مصدر لهيت عن الشيء. الجمهرة 2/991.

(1/483)


بالياء، مثل مرمي. (ويقال: "إذا استأثر الله بشيء، فاله عنه") 1 بفتح الهاء، أي إذا استخص بشيء واستبد به2، فاتركه وتغافل عن طلبه.
(ولهوت) بالواو وفتح الهاء، (من اللهو) ، ألهو لهوا: أي لعبت، فأنا لاه.
__________
1 القول في المجموع المغيث 3/165، والنهاية 4/283. وحكى المبرد أن قائله عمر بن عبد العزيز – رحمه الله-. الكامل 3/1400، ومما استأثر الله بعلمه – مثلا – أسماء الرسل الذين لم يخبرنا بأسمائهم كما قال تعالى: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلاً مِنْ قَبْلِكَ مِنْهُمْ مَنْ قَصَصْنَا عَلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ نَقْصُصْ عَلَيْكَ} (سورة غافر 78) وغير ذلك مما استأثر الله بعلمه كثير.
2 أي انفرد به. الصحاح (بدد) 2/444.

(1/484)