إسفار الفصيح

باب ما الهاء فيه أصلية
(جمع الماء: مياه) 1 بإظهار الهاء، والماء: معروف، وهو اسم للمطر ولما يظهر من الأرض ويجري فوقها مما يغتسل به ويتطهر ويشرب ويحيى به الحيوان والنبات، كما قال الله تعالى: {وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ} 2. ومياه جمع كثير، (و) يقال في (القليل: أمواه) 3 بإظهار الهاء أيضا، والكثير ما زاد على العشرة، والقليل من الثلاثة إلى العشرة، والهاء في الجمع ظاهرة ولا تقلب تاء، لأن أصل الماء: "موه" بفتح الميم والواو، فقلبوا الواو ألفا لتحركها وانفتاح ما قبلها4، ولذلك قالوا في تصغيره مويه بالواو والهاء5. وقال الشاعر في وصف إبل6:
__________
1 والعامة تقول: "ميات" بالتاء. لحن العامة 232، وتثقيف اللسان 58، وتصحيح التصحيف 505، وقال ابن درستويه (207/أ) : "والعامة تجمع الماء على الأمياء، تتبع لفظ الماء بغير هاء، وتأتي بالياء بدلا من الواو". قلت: لا يزال بعض عامة زماننا يقول في الجمع: "ميات" بالتاء.
2 سورة الأنبياء 30.
3 ينظر: الصحاح (موه) 6/2250.
4 فصار تقديره "ماه"، ثم قلبت الهاء همزة فصار "ماء". ينظر: سر صناعة الإعراب 1/100، والمنصف 2/149- 150، والمخصص 15/106، والمفصل 430، والممتع 1/348، والمبدع 148، والمصباح (موه) 224.
5 العين (موه) 4/101. وينظر: التكملة لأبي علي 491.
6 لم أقف عليه0 والجفار والهضاب: العظيمة الغزيرة الدر، والعشر: ورود الماء في اليوم العاشر.

(2/801)


جفار إذا قاظت هضاب إذا شتت ... وبالصيف يرددن المياه على العشر
وقال آخر1:
سقى الله أمواها عرفت مكانها ... جرابا وملكوما وبذر والغمرا
(وجمع الشفة) المعروفة، وهي غطاء أسنان الإنسان (شفاه) 2 بإظهار الهاء في الجمع أيضا، لأن أصل شفة: (شفهة) 3 بفتح [125/ب] الشين والفاء، ولذلك قالوا في تصغيرها شفيهة، ولذلك قالوا: شافهته بالكلام، أي واجهته به وخاطبته وحركت شفتي به.
(وجمع الشاة) ، وهي الواحدة من الغنم (شياه) 4 بإظهار الهاء في الجمع أيضا، لأن أصل الشاة: "شوهة" بفتح الشين والواو، على
__________
1 هو كثير عزة، والبيت في ديوانه 503. والألفاظ الواردة في الشطر الثاني أسماء آبار. ينظر: معجم البلدان 1/361، 2/116، 4/211، 5/194.
2 خلق الإنسان لثابت 152، وللحسن بن أحمد 167، وسر صناعة الإعراب 2/567، والممتع 2/624، والمبدع 243، والصحاح (شفة) 6/2237. ويرى الخليل أن المحذوف من الشفة الواو لا الهاء، قال: "والشفة: نقصانها واو، تقول: شفة وثلاث شفوات، وإذا أردت الهاء، قلت: شفاه" العين (شفو) 6/288. وقال ابن فارس: "والقولان محتملان، إلا أن الأول (الأصل الواوي) أجود لمقاربة القياس الذي ذكرناه، لأن الشفتين تشفيان على الفم" المقاييس 3/200، وينظر: المجمل 1/507، 508، والمصباح 121 (شفه، شفى) .
3 خلق الإنسان لثابت 152، وللحسن بن أحمد 167، وسر صناعة الإعراب 2/567، والممتع 2/624، والمبدع 243، والصحاح (شفة) 6/2237. ويرى الخليل أن المحذوف من الشفة الواو لا الهاء، قال: "والشفة: نقصانها واو، تقول: شفة وثلاث شفوات، وإذا أردت الهاء، قلت: شفاه" العين (شفو) 6/288. وقال ابن فارس: "والقولان محتملان، إلا أن الأول (الأصل الواوي) أجود لمقاربة القياس الذي ذكرناه، لأن الشفتين تشفيان على الفم" المقاييس 3/200، وينظر: المجمل 1/507، 508، والمصباح 121 (شفه، شفى) .
4 والعامة تقول: "شيات" بالتاء. تثقيف اللسان 59، وتصحيح التصحيف 343.

(2/802)


"فعلة"، فحذفت منها الهاء الأصلية، وقلبت الواو ألفا لتحركها وانفتاح ما قبلها، فصارت شاة1، فإذا صغروها أو جمعوها عادت الهاء، فقيل: شويهة2 وشياه3. ومنه قول المنخل اليشكوري4:
وإذا صحوت فإنني
رب الشويهة والبعير
وقال زهير5:
فقال شياه راتعات بقفرة
بمستأسد القريان حو مسائله
الشياه هاهنا: حمر الوحش.
__________
1 الأصول 2/448، والمصنف 2/149، والممتع 2/626، والمبدع 243، والصحاح 6/2238، والمحكم 4/291 (شوه) .
2 العين (شوه) 4/69. وينظر: التكملة لأبي علي 491.
3 الأصل: "شواه" قلبت الواو ياء، لأجل الكسرة قبلها.
4 الأصمعيات 58، 61، وفي الهامش تخريج واف للبيت وقبل هذا البيت:
فإذا انتشيت فإنني رب الخورنق والسدير
والخورنق والسدير: قصران بناهما النعمان. المعرب 273 – 374 (عبد الرحيم) . والمنخل هو: ابن مسعود (أو ابن عبيد) بن عامر بن ربيعة اليشكري، شاعر جاهلي، كان نديما للنعمان بن المنذر، وكان من أجمل العرب، فشغفت به امرأة النعمان، فأمر بقتله، فقتل نحو سنة 20 قبل الهجرة. أسماء المغتالين 2/239، والشعر والشعراء 1/317، والأغاني 21/1.
5 ديوانه 105. قال شارحه ثعلب "والمستأسد من النبت: الذي طال وتم. والقريان: مجاري الماء إلى الرياض، الواحد قري، وحو: النبات يضرب إلى السواد". وقبل هذا البيت:
فبينا نبغي الوحش جاء غلامنا يدب ويخفي شخصه ويضائله

(2/803)


(وجمع العضة: عضاه) 1 بإظهار الهاء في الجمع أيضا، لأن أصل عضة: "عضهة"2 بهاءين وفتح الضاد، فحذفوا الهاء الأصلية وبقوا الزائدة، فإذا صغروا أو جمعوا ردوا الهاء المحذوفة، فقالوا: عضيهة، ولذلك3 أيضا قالوا: بعير عاضة وعضة، إذا أكل العضاه أو اشتكى من أكلها4، وقد عضه بكسر الضاد، يعضه عضها بفتحها [126/أ] . والعضاه: كل شجر يعظم وله شوك من أشجار أم غيلان، كالطلح والسمر والعرفط وأشباهها5. وقال الشاعر6:
فأقسمت لا أنساك ما لاح كوكب
وما اهتز أغصان العضاه بأسوق
__________
1 عبارة الفصح 309، والتلويح 76: "والعضاه: شجر، والواحدة عضة".
2 العين (عضه) 1/98. وبعضهم قال: إن أصلها: "عضوة" وجمعها عضوات يجعل المحذوف الواو وليس الهاء، والقولان في: الكتاب 3/360، والكامل 2/967، ومجالس ثعلب 2/403، والخصائص 1/172، والممتع 2/25، والمبدع 243، والصحاح 6/2240، 2241، والمحكم 1/59، والمصباح 158 (عضه) .
3 ش: "وكذلك".
4 النبات لأبي حنيفة 14، 15.
5 النبات للأصمعي 47، والغريب المصنف (94/أ) ، والمخصص 11/181، وفي النبات لأبي حنيفة 87: "والطلح: هو الشجر الذي تسميه العامة أم غيلان".
6 هو الشماخ، والبيت له في اللسان (سوق) 10/169، وروايته في الديوان 449:
أبعد قتيل في المدينة أظلمت له الأرض تهتز العضاه بأسوق

(2/804)


(وجمع الأست: أستاه بفتح الألف) 1 وإظهار الهاء، لأن أصل الأست: سته بفتح السين والتاء وإثبات الهاء في آخرها، ولذلك قالوا في تصغيرها ستيهة. والأست: هي العجز، وقد يراد بها حلقة الدبر.
وينشد هذا البيت، وهو لعمران بن حطان السدوسي الخارجي2:
وليس لعيشنا هذا مهاه ... وليست دارنا الدنيا بدار
بإظهار الهاء من مهاه3، ومعناه: الحسن واللذة. وقيل: الطرواة والحسن4. وقيل: اللمع والصفاء5. والعيش: الحياة والبقاء، يقول: ليست الدنيا بدار البقاء، وليس عيشها6 بعيش دوام.
__________
1 قال ابن درستويه (208/أ) : "والعامة تقول: إستاه بكسر الألف، على نحو كسر ألف الوصل في واحدها، وهو خطأ". وينظر: الكتاب 3/455، ومجالس ثعلب 2/403، وخلق الإنسان لثابت 309، وللحسن بن أحمد 63، والعين 4/6، والصحاح 6/2233، والمصباح 101 (سته) .
2 ديوان الخوارج 112.
وعمران بن حطان كان رأس القعدة من الصفرية وخطيبهم وشاعرهم، أدرك جماعة من الصحابة فروى عنهم، وروى عنه أصحاب الحديث توفي سنة 84 هـ.
الكامل للمبرد 3/1082، وطبقات ابن سعد 7/155، وتاريخ البخاري 6/413 والملل والنحل 1/137، وسير أعلام النبلاء 4/14، والإصابة 3/177.
3 قال المبرد في شرح هذا البيت: "النحويون يثبتون الهاء في الوصل، فيقولون: مهاه، وتقديرها "فعال"....والأصمعي يقول: مهاة تقديرها "حصاة" يجعل الهاء زائدة، وتقديرها في قوله "فعلة"، والمهاة: البلورة، والمهاة: البقرة" الكامل 2/1022. وينظر: التهذيب "مهه" 5/385.
4 الصحاح (مهه) 6/2250.
5 الكامل 2/1022.
6 ش: "عيشنا".

(2/805)


وقوله: (والهاء في هذا كله1 صحيحة أصلية) أراد أنها من أصل الكلم التي ذكرها، صحيحة فيها، وليست كهاء التأنيث التي هي بدل من التاء في الوصل، كنواة وتمرة وأشباههما2.
__________
1 في الفصيح 310، والتلويح 76: "في كل هذا".
2 ش: "وما أشبههما".

(2/806)