إعراب ما يشكل من ألفاظ الحديث بَاب الْجِيم
فِي إِعْرَاب مَا يشكل من أَحَادِيث:
[11] جَابر بن عبد الله.
[12] جَابر بن عتِيك.
[13] جُبَير بن مطعم.
[14] أبي ثَعْلَبَة الْخُشَنِي " جرهم ".
[15] جعدة بن خَالِد الْجُشَمِي.
[16] جُنْدُب بن جُنَادَة " أَبُو ذَر ".
[17] جُنْدُب بن عبد الله البَجلِيّ.
(1/43)
[11] جَابر بن عبد الله الْأنْصَارِيّ
تَوْجِيه رِوَايَة رفع " بل ثيب "
(59) فِي حَدِيث جَابر بن عبد الله الْأنْصَارِيّ أَنه قَالَ: قَالَ لي
رَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] : " أتزوجت؟ " فَقلت: نعم.
(أ) فَقَالَ: " أبكرا أم ثَيِّبًا " تَقْدِيره: أتزوجت بكرا؟
(ب) وَقَول جَابر فِي الْجَواب: " بل ثيب " يَرْوُونَهُ بِالرَّفْع.
وَوَجهه: بل هِيَ ثيب، أَو بل زَوْجَتي ثيب. وَلَو نصب لجَاز وَكَانَ
أحسن.
تَصْحِيح رِوَايَة " ترك عَليّ جوَار "
(ج) وَفِي هَذَا الحَدِيث أَيْضا قَول جَابر: " ترك عَليّ جوَار " يَقع
فِي الرِّوَايَة الْجَواب " عَليّ جوَار " بِالْكَسْرِ والتنوين.
وَالصَّحِيح " جواري " بِالْفَتْح من غير تَنْوِين كَقَوْلِه تَعَالَى:
{وَلكُل جعلنَا موَالِي} . والمنقوص فِي النصب تفتح ياؤه، وتسكينها من
ضَرُورَة الشّعْر.
إِعْرَاب " أَي حِين " وعلام انتصب " أول اللَّيْل "؟
(60) وَفِي حَدِيثه: قَالَ رَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] لأبي
بكر - رَضِي الله عَنهُ - " أَي حِين تؤتر؟ " قَالَ: أول اللَّيْل.
قَالَ: أتوتر آخر اللَّيْل أم أَوله؟ فَقَالَ: أول اللَّيْل،
وانتصابهما على الظّرْف.
(61) وَفِي حَدِيثه: " قضى رَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]
بِالْعُمْرَةِ أَنَّهَا " أَن هَهُنَا مَفْتُوحَة تَقْدِيره
بِأَنَّهَا.
(1/44)
جعل النُّون عَلامَة مُجَرّدَة للْجمع،
وَمَا يحمل عَلَيْهِ
(62) وَفِي حَدِيثه: " من كن لَهُ ثَلَاث بَنَات " وَقع فِي هَذِه
الرِّوَايَة كن بتَشْديد النُّون.
وَالْوَجْه من كَانَ لَهُ أَو من كَانَت. وَالْوَجْه فِي الرِّوَايَة
الْمَشْهُورَة أَنه جعل النُّون عَلامَة مُجَرّدَة للْجمع، وَلَيْسَت
اسْما مضمرا، كَمَا أَن " تَاء التَّأْنِيث " فِي قَوْلك: قَامَت
وَقَعَدت هِنْد عَلامَة لَا اسْم، وَقد ورد عَنْهُم ذَلِك، قَالَ
الشَّاعِر:
(يلومنني فِي اشْتِرَاء النخيل ... قومِي وَكلهمْ ألوم)
قَالَ آخر:
(وَلَكِن ديافي أَبوهُ وَأمه ... بحوران يعصرن السليط أَقَاربه)
وَعَلِيهِ حمل قَوْله تَعَالَى: {ثمَّ عموا وصموا كثير مِنْهُم} .
{وأسروا النَّجْوَى الَّذين ظلمُوا} . فِي أحد الْوَجْهَيْنِ.
وَقيل: النُّون اسْم مُضْمر وَهُوَ فَاعل وَثَلَاث بدل مِنْهُ. وَمن
هَذَا قَوْلهم: " أكلوني البراغيث ".
تَوْجِيه رِوَايَة
(63) وَفِي حَدِيثه قَول إِبْلِيس لأحد أَصْحَابه: " مَا صنعت شَيْئا،
وَلآخر نعم أَنْت " مَعْنَاهُ نعم أَنْت صنعت شَيْئا، أَو أَنْت مقدم
عِنْدِي.
تَوْجِيه رِوَايَة
(64) وَفِي حَدِيثه: " إِن الشَّيْطَان قد يئس أَن يعبده المصلون
وَلَكِن فِي التحريش بَينهم "
(1/45)
تَقْدِيره: شغله التحريش بَينهم، أَو همه.
وَالْمعْنَى أَنهم لَا يزين لَهُم عِبَادَته وَلَكِن يرغبهم فِي
التحريش بَينهم.
إِذا الَّتِي للمفاجأة وَضمير الشَّأْن بعْدهَا
(65) وَفِي حَدِيثه: كَانَ رَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] فِي
سفر فَهبت ريح شَدِيدَة فَقَالَ: " هَذِه لمَوْت مُنَافِق ". فَلَمَّا
قدمنَا الْمَدِينَة إِذا هُوَ قد مَاتَ عَظِيم من عُظَمَاء
الْمُنَافِقين. قَوْله: " إِذا هُوَ " للمفاجأة كَقَوْلِه تَعَالَى:
{ثمَّ إِذا دعَاكُمْ دَعْوَة من الأَرْض إِذا أَنْتُم تخرجُونَ} .
وَهِي ظرف مَكَان عِنْد الْمُحَقِّقين. و " هُوَ " هَهُنَا ضمير
الشَّأْن. إِذا لم يتَقَدَّم قبله ظَاهر يرجع إِلَيْهِ، ويسميه
الْكُوفِيُّونَ " بِالْمَجْهُولِ " وَهُوَ مُبْتَدأ، وَمَا بعده
الْخَبَر.
حذف عَامل الْحَال لدلَالَة الْحَال عَلَيْهِ، وَوُجُوب تعددها بعد
إِمَّا
(66) وَفِي حَدِيثه: " كل مَوْلُود يُولد على الْفطْرَة حَتَّى يعرب
عَنهُ لِسَانه فَإِذا أعرب عَنهُ لِسَانه إِمَّا شاكرا وَإِمَّا كفورا
" حالان وَالْعَامِل فيهمَا مَحْذُوف، وَالتَّقْدِير: تبين إِمَّا
شاكرا وَإِمَّا كفورا، وَيُوجد.
وَتَكون الْحَال دَالَّة على الْمَحْذُوف وَالْغَرَض مِنْهُ: أَنه إِذا
بلغ عُوقِبَ بِكُفْرِهِ، وأثيب بشكره.
وَيجوز أَن يكون الْخَبَر محذوفا وَيكون " شاكرا وكفورا " مَعْمُولا
عبر عَنهُ. أَي: إِذا بلغ شاكرا أَو كفورا اعْتد عَلَيْهِ بذلك، ويفيد
أَنه قبل الْبلُوغ غير مُكَلّف.
حذف الْمُبْتَدَأ للْعلم بِهِ
(67) وَفِي حَدِيثه: " النَّاس غاديان: فمبتاع نَفسه فمعتقها، وبائع
نَفسه فموبقها " تَقْدِيره: أَحدهمَا مبتاع نَفسه وَالْآخر بَائِع.
(1/46)
تَوْجِيه نصب " مسكا " فِي قَوْله: يفوح
مسكا.
(68) وَفِي حَدِيث قَتْلَى أحد: " كل دم يفوح مسكا " فِي نَصبه
وَجْهَان:
أَحدهمَا: هُوَ تَمْيِيز تَقْدِيره يفوح مسكه كَقَوْل الشَّاعِر:
(تضوع مسكا بطن نعْمَان ... إِن مشت بِهِ زَيْنَب فِي نسْوَة عطرات)
وَمثله: {فَإِن طبن لكم عَن شَيْء مِنْهُ نفسا} . {وضاق بهم ذرعا} .
وَالْوَجْه الثَّانِي: أَن يكون حَالا وَيكون التَّقْدِير: يفوح مثل
مسكا أَو طيبا.
المُرَاد بِالشّركَةِ الْمُشْتَرك فِيهِ
(69) وَفِي حَدِيثه: " قضى رَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] فِي
كل شركَة لم تقسم ربعَة أَو حَائِط " ربعَة بِالْجَرِّ بَدَلا من
شركَة. وَمُرَاد بِالشّركَةِ هُنَا الْمُشْتَرك فِيهِ. وَيجوز أَن يكون
التَّقْدِير: فِي كل ذَات شركَة.
(70) وَفِي حَدِيثه: (اقتتل غلامان غُلَام من الْمُهَاجِرين وَغُلَام
من الْأَنْصَار فَقَالَ الْمُهَاجِرِي: يَا للمهاجرين، وَقَالَ
الْأنْصَارِيّ: يَا للْأَنْصَار، فَخرج رَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم] فَقَالَ: " دَعْوَى الْجَاهِلِيَّة؟ " قَالُوا: لَا إِلَّا أَن
غلامين كسع أَحدهمَا الآخر فَقَالَ: " لَا بَأْس،
(1/47)
ولينصر الرجل أَخَاهُ ظَالِما كَانَ أَو
مَظْلُوما ".
حذف الْفِعْل وأداة الِاسْتِفْهَام وَبَقَاء مصدره
(أ) قَوْله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] : دَعْوَى الْجَاهِلِيَّة هُوَ
مصدر لفعل مَحْذُوف تَقْدِيره: أَتَدعُونَ دَعْوَى الْجَاهِلِيَّة؟ !
على جِهَة الِاسْتِفْهَام والتوبيخ، وَلذَلِك قَالُوا فِي الْجَواب:
لَا. وَلَا يحسن أَن يكون التَّقْدِير: هَذِه دَعْوَى الْجَاهِلِيَّة؛
لِأَنَّهُ لَو كَانَ كَذَلِك لم يَقُولُوا: لَا.
حذف خبر لَا النافية للْجِنْس
(ب) وَقَوله: " فَلَا بَأْس " أَي لَا بَأْس فِي هَذِه الدَّعْوَى.
حذف كَانَ مَعَ اسْمهَا وَبَقَاء خَبَرهَا
(ج) قَوْله: ظَالِما أَو مَظْلُوما تَقْدِيره: " ظَالِما كَانَ "
وَهُوَ خبر كَانَ. وَمثله: قَول الشَّاعِر:
(لَا تقربن الدَّهْر آل مطرف ... إِن ظَالِما فيهم وَإِن مَظْلُوما)
وُقُوع الْمصدر فِي مَوضِع الْحَال
(71) وَفِي حَدِيثه قَوْله لِابْنِ أم مَكْتُوم: " فَإِن سَمِعت
الْأَذَان فأجب وَلَو حبوا أَو زحفا ". تَقْدِيره: وَلَو أتيت حبوا أَو
زحفا. وَهُوَ مصدر فِي مَوضِع الْحَال أَي حابيا أَو زاحفا.
حذف الْمُضَاف وَإِقَامَة الْمُضَاف إِلَيْهِ مقَامه
(72) وَفِي حَدِيثه فِي قتل كَعْب بن الْأَشْرَف: " مَا رَأَيْت
كَالْيَوْمِ ريحًا ".
(1/48)
(أ) هُوَ كَلَام فِيهِ حذف تَقْدِيره: مَا
رَأَيْت ريحًا كريح الْيَوْم. فَحذف الْمُضَاف وأقيم الْمُضَاف
إِلَيْهِ مقَامه.
مَجِيء الْكَاف اسْما بِمَعْنى مثل
(ب) وَقيل: الْكَاف هُنَا اسْم تَقْدِيره: مَا رَأَيْت مثل ريح هَذَا
الْيَوْم ريحًا، و " ريحًا " هُنَا تَمْيِيز وَأَرَادَ بِالْيَوْمِ:
الْوَقْت الَّذِي هُوَ فِيهِ، وَهُوَ كثير فِي كَلَام الْعَرَب.
الْجَزْم فِي جَوَاب الْأَمر
(73) وَفِي حَدِيثه: " أولوها لَهُ يفقها " يفقه مجزومة على جَوَاب
الْأَمر فتدغم الْهَاء فِي الْهَاء.
تَوْجِيه قَول أبي بكر: " دَعْنِي فلأعبرها " على اعْتِبَار أَنَّهَا
لَام الْأَمر أَو لَام كي.
(74) وَفِي حَدِيثه: " رأى رَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]
رُؤْيا فَقَالَ لَهُ أَبُو بكر: دَعْنِي فلأعبرها ".
(أ) يجوز أَن تروى بِسُكُون اللَّام على أَنَّهَا لَام الْأَمر، وَيكون
قد أَمر نَفسه كَقَوْلِه تَعَالَى: {اتبعُوا سبيلنا ولنحمل خطاياكم} .
(ب) وَيجوز على هَذَا الْأَمر أَن تكسر اللَّام كَأَنَّك بدأت بهَا؛
لِأَن الْفَاء زَائِدَة للْعَطْف والجيد إسكانها.
(ج) وَيجوز أَن تكون لَام كي فتكسرها أَلْبَتَّة وتفتح الرَّاء.
تَوْجِيه رِوَايَة اثْنَيْنِ بِوَاحِد
(75) وَفِي حَدِيثه: " نهى رَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] عَن
بيع الْحَيَوَان بِالْحَيَوَانِ نَسِيئَة اثْنَيْنِ بِوَاحِد ".
(1/49)
(أ) فِيهِ وَجْهَان:
أَحدهمَا: هُوَ بدل من الْحَيَوَان بدل الاشتمال تَقْدِيره: نهى عَن
بيع اثْنَيْنِ من الْحَيَوَان بِوَاحِد. فَيكون مَوْضُوعه جرا.
وَالثَّانِي: مَوْضِعه نصب على الْحَال أَي نهى عَن بيع الْحَيَوَان
مُتَفَاضلا.
(ب) وَلَو روى بِالرَّفْع لجَاز على أَنه مُبْتَدأ وبواحد خَبره،
كَأَنَّهُ قَالَ: كل اثْنَيْنِ بِوَاحِد وَتَكون الْجُمْلَة حَالا.
وَنَظِيره: خلق الله الزرافة يَديهَا أطول من رِجْلَيْهَا، ويداها أطول
من رِجْلَيْهَا بِالرَّفْع وَالنّصب.
تَوْجِيه تذكير الضَّمِير حملا على الْمَعْنى
(76) وَفِي حَدِيثه: " فَجعلْنَ ينزعن حليهن وقلائدهن وقرطتهن وخواتمهن
يقذفون بِهِ فِي ثوب بِلَال يتصدقن بِهِ ".
(أ) إِنَّمَا ذكر الضَّمِير فِي قَوْله: " بِهِ " لِأَنَّهُ أَرَادَ
المَال والحلي. وَالْمَذْكُور كُله مَال وحلي، فَحمل على الْمَعْنى.
وَيجوز أَن تعود الْهَاء إِلَى الشَّيْء الْمَذْكُور، وَمثله قَوْله:
{نسقيكم مِمَّا فِي بطونه} . أَي مِمَّا فِي بطُون الْمَذْكُور: قَالَ
الحطيئة:
(لزغب كأولاد القطارات خلفهَا ... على عاجزات النهض حمر حواصله)
[أَي حواصل الْمَذْكُور. وَلم يؤنثه حملا على عاجزات النهض. وَفِي آخر:
(مثل الْفِرَاخ نتفت حواصله ... )
]
(1/50)
تصويب رِوَايَة
(ب) وَفِي الرِّوَايَة: " يقذفون بِهِ فِي ثوب بِلَال " وَالصَّوَاب: "
يقذفن " لِأَنَّهُ قَالَ: فَجعلْنَ ينزعن ويتصدقن.
إِضْمَار اسْم لَيْسَ الاستثنائية فِيهَا
(77) وَفِي حَدِيثه: " فكلت لَيْسَ الْعَجْوَة " لَيْسَ هُنَا
اسْتثِْنَاء وَاسْمهَا مُضْمر فِيهَا والعجوة خَبَرهَا وَالتَّقْدِير:
لَيْسَ بعضه الْعَجْوَة.
جزم الْفِعْل فِي جَوَاب الْأَمر الْمُقدر
(78) وَفِي حَدِيثه: (أَرَادَ بَنو سَلمَة أَن يَنْتَقِلُوا إِلَى قرب
الْمَسْجِد فَقَالَ رَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] : "
دِيَاركُمْ تكْتب آثَاركُم " نصب دِيَاركُمْ على تَقْدِير: عَلَيْكُم
دِيَاركُمْ، أَو: اسكنوا دِيَاركُمْ. وتكتب مجزوم على الْجَواب.
(79) وَفِي حَدِيثه فِي حَدِيث عِيسَى: " فَيَقُول: تعال صل بِنَا،
فَيَقُول: لَا. إِن بَعْضكُم على بعض أَمِيرا ليكرم الله تَعَالَى
هَذِه الْأمة " أَمِيرا هُنَا حَال و " على بعض " خبر إِن. وَصَاحب
الْحَال الضَّمِير فِي الْجَار، وَالْعَامِل فِيهَا الْجَار لنيابته
عَن اسْتَقر.
وَإِن كَانَ قد روى " أَمِير " فَهُوَ خبر إِن.
وَمثل الْوَجْه الأول قَوْله تَعَالَى: {طَوَّافُونَ عَلَيْكُم
بَعْضكُم على بعض} . [فِي قِرَاءَة النصب] . وَالْجُمْلَة مُبْتَدأ
وَخبر.
خطأ رِوَايَة " كِلَاهُمَا " بِالرَّفْع توكيدا لمنصوب
(80) وَفِي حَدِيثه حَدِيث الْقَبْر: " فتأتي الْقَبْر قبراهما
كِلَاهُمَا ".
(1/51)
(أ) فِي بعض الرِّوَايَات كِلَاهُمَا
بِالْألف وَهُوَ خطأ، وَالصَّوَاب " كليهمَا " بِالْيَاءِ؛ لِأَن " كلا
" هُنَا توكيد للمنصوب وَهِي مُضَافَة إِلَى الضَّمِير فَتكون
بِالْيَاءِ فِي الْجَرّ وَالنّصب لَا غير.
(ب) وَقَوله: " لَا دَريت " هُوَ بِفَتْح الرَّاء لَا غير؛ لِأَنَّهُ
من درى يدْرِي مثل: رمى يَرْمِي.
الصَّوَاب اعصريه لَا اعصرينه
(81) وَفِي حَدِيثه: (فَأَتَت رَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]
فَقَالَ: " اعصرينه " كَذَا فِي هَذِه الرِّوَايَة، وَالصَّوَاب: "
اعصريه " بِغَيْر يَاء.
وَقد جَاءَ مثل ذَلِك فِي الشّعْر ضَرُورَة.
مَتى تزاد هَاء السكت؟
(82) وَفِي حَدِيثه قَول [جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام] للنَّبِي [صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم] : " قُم فَصله " وَهَذِه الْهَاء تزاد فِي
الْوَقْف سَاكِنة، وَتسَمى هَاء السكت. وتزاد فِي كل فعل معتل إِذا
أردْت الْوَقْف عَلَيْهِ وَفِي حَدِيثه الْحلف على الْمِنْبَر وَإِن
على سواك أخصر تَقْدِيره: وَإِن حلف على سواك فَحذف لدلَالَة الأول
عَلَيْهِ.
إِضَافَة الْعدَد إِلَى الْمَعْدُود ونصبه نصب الْمصدر.
(83) وَفِي حَدِيثه: " فَأَعْرض عَنهُ حَتَّى شهد على نَفسه أَربع
مَرَّات " أَربع مَنْصُوب نصب المصادر. وَأَصله: مَرَّات أَرْبعا، ثمَّ
أضيف الْعدَد إِلَى الْمَعْدُود.
من ترك دينا أَو ضيَاعًا. . أَهِي بِالْكَسْرِ أم بِالْفَتْح؟
(84) وَفِي حَدِيثه: " من ترك دينا أَو ضيَاعًا " ضيَاعًا هَهُنَا
بِفَتْح الضَّاد، وَهُوَ فِي الأَصْل
(1/52)
مصدر ضَاعَ يضيع ضيَاعًا، وَأما الضّيَاع
بِكَسْر الضَّاد فَجمع ضَيْعَة من الأَرْض، وَلَيْسَ لَهُ هَهُنَا
معنى.
[12] جَابر بن عتِيك
جَوَاز الْجَرّ وَالرَّفْع فِي الدُّبَّاء وَمَا بعْدهَا
(85) وَفِي حَدِيث جَابر بن عتِيك: " نَهَانَا رَسُول الله [صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم] عَن الشّرْب فِي الأوعية الَّتِي سَمِعْتُمْ:
الدُّبَّاء والحنتم والنقير والمزفت " يجوز الْجَرّ على الْبَدَل من
أوعية، وَالرَّفْع على تَقْدِير: هِيَ.
تَوْجِيه رِوَايَة فَمَنَعَنِيهَا بعد قَوْله: فأعطيها
(86) وَفِي حَدِيثه: قَالَ: " سَأَلَني ابْن عمر: مَا الدَّعْوَات
الثَّلَاث الَّتِي دَعَا بِهن رَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] ؟
فَقلت: دَعَا بألا يظْهر عَلَيْهِم عدوا من أنفسهم، وَلَا يُهْلِكهُمْ
بِالسِّنِينَ فأعطيها، ودعا بألا يَجْعَل بأسهم بَينهم فَمَنَعَنِيهَا
". الظَّاهِر يَقْتَضِي أَن يَقُول: " فَمنعهَا " كَمَا قَالَ: "
فأعطيها " وَيكون ذَلِك كُله من كَلَام الرَّاوِي. وَالتَّقْدِير فِي
قَوْله: فَمَنَعَنِيهَا، قَالَ: فَمَنَعَنِيهَا فأسند الْكَلَام إِلَى
رَسُول الله - عَلَيْهِ السَّلَام - وأضمر القَوْل كَمَا فِي قَوْله
تَعَالَى: {وَالْمَلَائِكَة يدْخلُونَ عَلَيْهِم من كل بَاب سَلام
عَلَيْكُم} . أَي: يَقُولُونَ: [سَلام] .
(1/53)
[13] جُبَير بن مطعم
خطأ الرَّاوِي
(87) وَفِي حَدِيث جُبَير بن مطعم: أَن رَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم] قَالَ: " إِنَّمَا بَنو هَاشم وَبَنُو الْمطلب شَيْئا وَاحِدًا
" هَكَذَا فِي الرِّوَايَة بِالنّصب وَهُوَ خطأ من الرَّاوِي،
وَالْوَجْه: الرّفْع على أَنه خبر بَنو وَلَيْسَ هُنَا خبر غَيره.
مَا المصدرية
(88) وَفِي حَدِيثه عَن النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] : " يَا
بني عبد منَاف، وَيَا بني الْمطلب إِن كَانَ إِلَيْكُم من الْأَمر
شَيْء فلأعرفن مَا منعتم أحدا أَن يطوف ". الحَدِيث.
قَوْله: " مَا منعتم "، مَا فِيهِ مَصْدَرِيَّة. أَي: فلأعرفن فِيهِ
منعكم أَي يَنْتَهِي ذَلِك إِلَى يَوْم الْقِيَامَة. وَإِن ذَلِك غير
جَائِز لكم فِي الدُّنْيَا فيعاقبكم الله [عَلَيْهِ] .
وَالْغَرَض من هَذَا الحَدِيث: إعلامهم أَن ذَلِك لَا يطوى عَنهُ -
عَلَيْهِ السَّلَام - فخوفهم. وَيدل على صِحَة ذَلِك مَا جَاءَ فِي
الرِّوَايَة الْأُخْرَى أَنه قَالَ: " يَا بني عبد منَاف لَا تمنعوا
أحدا طَاف بِهَذَا الْبَيْت " [الحَدِيث] .
حذف اللَّام وَأَن فِي جَوَاب من
(89) وَفِي حَدِيثه: عَن النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] [أَنه]
قَالَ: " من يكلؤنا اللَّيْلَة لَا نرقد عَن
(1/54)
صَلَاة الْفجْر " الحَدِيث.
(أ) التَّقْدِير: لِئَلَّا نرقد فَلَمَّا حذف اللَّام وَأَن - رفع
الْفِعْل.
(ب) وَيجوز أَن يرْوى بِالنّصب على أَن يكون جَوَاب الِاسْتِفْهَام
كَمَا قَالَ تَعَالَى: {من ذَا الَّذِي يقْرض الله قرضا حسنا فيضاعفه
لَهُ} . إِلَّا أَنه حذف الْفَاء كَمَا قَالَ الشَّاعِر:
(من يفعل الْحَسَنَات الله يشكرها ... وَالشَّر بِالشَّرِّ - عِنْد
الله - مثلان)
(ج) وَيجوز أَن يكون فِي مَوضِع نصب على الْحَال، أَي يكلؤنا غير
راقدين. فَتكون حَالا مقدرَة، أَي يكلؤنا فيفضي إِلَى تيقظنا وَقت
الْفجْر. وَهَذَا كَقَوْلِهِم: مَرَرْت بِرَجُل مَعَه صقر صائدا بِهِ
غَدا. وَمِنْه [قَوْله تَعَالَى] : {وخروا لَهُ سجدا} . وَيجوز أَن
يرْوى الْجَزْم على الِاسْتِفْهَام أَي: [إِن] يكلؤنا أحد لَا نرقد.
[14] جرهم أَبُو ثَعْلَبَة الْخُشَنِي
تَوْجِيه رِوَايَة محاسنكم أَخْلَاقًا
(90) وَفِي حَدِيث أبي ثَعْلَبَة الْخُشَنِي واسْمه جرهم أَنه قَالَ:
قَالَ رَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] : " إِن
(1/55)
أحبكم إِلَيّ وأقربكم مني فِي الْآخِرَة
محاسنكم أَخْلَاقًا " أَكثر مَا يَجِيء فِي الحَدِيث أحاسنكم
أَخْلَاقًا وَهُوَ جمع أحسن مثل أبطح وأباطح. وَقد جعل أفعل هُنَا صفة
غالبة فَجمعت جمع الْأَسْمَاء مثل: أفكل وأفاكل. وَأما مَا فِي هَذَا
الحَدِيث فقد ورد " محاسنكم " وَفِيه وَجْهَان:
(أ) أَحدهمَا: أَنه جمع محسن. " فأخلاقا " على هَذَا يجوز أَن يكون "
مَفْعُولا بِهِ " كَمَا نقُول: فلَان يحسن خلقه.
(ب) وَيجوز أَن يكون " تمييزا " مثل: الْمُحْسِنِينَ أعمالا، وَمِنْه
قَوْله تَعَالَى: {قل هَل ننبئكم بالأخسرين أعمالا} .
(ج) وَيجوز أَن يكون محاسنكم جمعا لَا وَاحِد لَهُ من لَفظه كَمَا
قَالُوا: مشابه وَلَيْسَ واحده " مشبها " بل " شبه " كَذَا هَهُنَا
يكون الْوَاحِد أحسن.
[15] جعدة بن خَالِد الْجُشَمِي
مَا المُرَاد بقوله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] : " لم ترع " وَمَعْلُوم
أَنه ارتاع؟ !
(91) وَفِي حَدِيث جعدة بن خَالِد الْجُشَمِي: (أَن النَّبِي [صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم] أَتَى بِرَجُل فَقَالُوا: أَرَادَ أَن يقتلك؟ فَقَالَ
لَهُ النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] : " لم ترع ".
(أ) قَالَ [الشَّيْخ] رَحمَه الله: حَقِيقَة " لم " أَنَّهَا تدخل على
لفظ الْمُسْتَقْبل فَترد مَعْنَاهُ إِلَى الْمُضِيّ فقولك: " لم يقم
زيد ". مَعْنَاهُ مَا قَامَ، فعلى هَذَا قَوْله: لم ترع أَي: مَا روعت:
وَمَعْلُوم أَنه قد ارتاع قبل ذَلِك. وَإِنَّمَا ذكر الْمَاضِي،
وَالْمرَاد بِهِ الْمُسْتَقْبل، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {وَيَوْم ينْفخ
فِي الصُّور فَفَزعَ من فِي السَّمَاوَات وَمن فِي الأَرْض} . أَي:
فَيفزع. وَكَذَلِكَ تَقول: إِن قُمْت
(1/56)
قُمْت. أَي: إِن تقم.
(ب) وَيجوز أَن يكون الْكَلَام على حَقِيقَته وَيكون الْمَعْنى: إِنَّك
لم تفزع فَزعًا يتعقبه ضَرَر [بك] من جهتي؛ لِأَنِّي أعفو عَنْك،
وَاعْلَم أَنَّك لَا تقدر على إنقاذ مَا أردْت.
[16] جُنْدُب بن جُنَادَة (أَبُو ذَر)
النَّعْت الْمَقْطُوع وَتَقْدِير مُبْتَدأ قبله
(92) وَفِي حَدِيث أبي ذَر واسْمه " جُنْدُب " أَنه قَالَ: (نزلنَا على
خَال لنا ذُو مَال [وَذُو هَيْئَة] ) هَكَذَا وَقع فِي هَذِه
الرِّوَايَة وَالْوَجْه فِيهِ أَن يقدر لَهُ مُبْتَدأ أَي هُوَ ذُو
مَال.
نِيَابَة الْمصدر عَن فعله
(93) وَفِي حَدِيثه بعد كَلَام ذكره [و] قَالَ: " فَجعل النَّبِي [صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم] يَده على مَنْكِبي فَقَالَ غفرا يَا أَبَا ذَر ".
(أ) قَالَ الشَّيْخ: غفرا مصدر غفر وَالتَّقْدِير غفر الله لَك يَا
أَبَا ذَر غفرا.
لَو خَاصَّة بِالْفِعْلِ وَالِاسْم بعْدهَا مَعْمُول لفعل مَحْذُوف
(ب) قَالَ فِيهِ أَيْضا: " وَلَو عبد أسود " هُوَ فَاعل لفعل مَحْذُوف
تَقْدِيره: وَلَو قادك عبد أسود، وَقد تقدم قبله مَا يدل عَلَيْهِ.
(1/57)
تَعديَة الْفِعْل الْمُقدر
(94) وَفِي حَدِيثه أَيْضا أَنه قَالَ: " يَا أَبَا ذَر كَيفَ تصنع
إِذا خرجت من الْمَدِينَة؟ " قلت: السعَة والدعة.
(أ) الْجيد النصب على تَقْدِير آتِي السعَة والدعة؛ لِأَنَّهُ جَوَاب
كَيفَ تصنع؟ فَكَأَنَّهُ قَالَ: أصنع السعَة والدعة، وَيدل عَلَيْهِ
قَوْله فِي تَمام الحَدِيث حِين قَالَ لَهُ: كَيفَ تصنع؟ فَقَالَ:
إِلَى السعَة والدعة. فَكَأَنَّهُ قَالَ: أذهب إِلَى السعَة والدعة.
وَهَذَا إِعْمَال الْفِعْل أَيْضا إِلَّا أَنه عداهُ بِحرف الْجَرّ.
تَوْجِيه رِوَايَة أَو خير من ذَلِك بِالرَّفْع وَالنّصب
(ب) وَفِيه عِنْد قَوْله للنَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] : " أَضَع
سَيفي على عَاتِقي " قَالَ: " أَو خير من ذَلِك "
قَالَ الشَّيْخ رَحمَه الله: تَقْدِيره: أَو صنيعك خير من ذَلِك ثمَّ
فسره بقوله: " تسمع وتطيع " وَلَو نصب على تَقْدِير تصنع خيرا من ذَلِك
جَازَ.
تَوْجِيه كَيفَ أَنْت وأئمة بِالرَّفْع وَالنّصب
(95) وَفِي حَدِيثه قَالَ عَلَيْهِ السَّلَام: " كَيفَ أَنْت وأئمة من
بعدِي يستأثرون بِهَذَا الْفَيْء؟ ".
قَالَ الشَّيْخ رَحمَه الله: يجوز رفع أَئِمَّة على أَنه مُبْتَدأ،
وَمن بعدِي صفة، ويستأثرون الْخَبَر، وَكَانَ الرّفْع أَجود؛ لِأَنَّهُ
لَيْسَ قبله فعل فَتكون الْوَاو بِمَعْنى " مَعَ " فتقوى الْفِعْل
فتنصب.
وَيجوز النصب على تَقْدِير: كَيفَ تصنع أَنْت مَعَ أَئِمَّة هَذِه
صفتهمْ؟ فَيكون مَفْعُولا مَعَه.
تَوْجِيه رِوَايَة " غير الدَّجَّال أخوف على أمتِي " وَبَيَان
المُرَاد
(96) وَفِي حَدِيثه: (كنت مخاصر النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]
يَوْمًا إِلَى منزله فَسَمعته يَقُول: " غير الدَّجَّال أخوف على أمتِي
من الدَّجَّال " فَلَمَّا خشيت أَن يرحل قلت: يَا رَسُول الله، أَي
شَيْء أخوف على أمتك من الدَّجَّال؟ قَالَ: " الْأَئِمَّة المضلين ".
(1/58)
(أ) قَالَ الشَّيْخ رَحمَه الله: قَوْله:
غير الدَّجَّال أخوف: اللَّفْظ يدل على أَن غير الدَّجَّال هُوَ
الْخَائِف؛ لِأَنَّك إِذا قلت: زيدا أخوف على كَذَا. دلّ [على] أَن
زيدا هُوَ الْخَائِف، وَلَيْسَ معنى الحَدِيث على هَذَا. وَإِنَّمَا
الْمَعْنى: إِنِّي أَخَاف على أمتِي من غير الدَّجَّال أَكثر من خوفي
مِنْهُ، فعلى هَذَا يكون فِيهِ تَأْوِيلَانِ:
أَحدهمَا: أَن " غير " مُبْتَدأ و " أخوف " خبر مُبْتَدأ مَحْذُوف. أَي
غير الدَّجَّال أَنا أخوف على أمتِي مِنْهُ.
والتأويل الثَّانِي: أَن يكون أخوف على النّسَب أَي غير الدَّجَّال ذُو
خوف شَدِيد على أمتِي، كَمَا تَقول: فُلَانَة طَالِق. أَي ذَات طَلَاق.
تَوْجِيه رِوَايَة " الْأَئِمَّة المضلين ".
(ب) وَقَوله: " الْأَئِمَّة المضلين " كَذَا وَقع فِي هَذِه
الرِّوَايَة بِالنّصب. وَالْوَجْه فِيهِ أَن يكون التَّقْدِير: من
تَعْنِي بِغَيْر الدَّجَّال؟ فَقَالَ: أَعنِي الْأَئِمَّة المضلين.
وَإِن جَاءَ بِالرَّفْع كَانَ تَقْدِيره: الْأَئِمَّة المضلون أخوف من
الدَّجَّال، أَو غير الدَّجَّال الْأَئِمَّة ...
مَا مَوضِع " لَا حول وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه " بعد قَوْله " على
كنز "؟
(97) وَفِي حَدِيثه قَالَ: قَالَ رَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم] : " أَلا أدلك على كنز من كنوز الْجنَّة؟ لَا حول وَلَا قُوَّة
إِلَّا بِاللَّه ".
قَالَ الشَّيْخ رَحمَه الله: يحْتَمل مَوضِع " لَا حول " الْجَرّ
بَدَلا من كنز، وَالنّصب على تَقْدِير: أَعنِي، وَالرَّفْع على
تَقْدِير: هُوَ.
مَا إِعْرَاب هُوَ مني مسيرَة شهر؟
(98) وَفِي حَدِيثه: " ونصرت بِالرُّعْبِ فيرعب الْعَدو وَهُوَ مني
مسيرَة شهر ".
(1/59)
قَالَ الشَّيْخ رَحمَه الله: مسيرَة
بِالرَّفْع على أَنه مُبْتَدأ، ومني خَبره. وَالتَّقْدِير: بيني
وَبَينه مسيرَة شهر.
[وَيجوز نَصبه] وَمثله: قَول الْعَرَب: هُوَ مني فرسخان وَيحْتَمل
النصب على تَقْدِير: هُوَ مني على مسيرَة شهر فَلَمَّا حذف حرف الْجَرّ
نصب.
مَا الْإِشْكَال فِي حَدِيث السُّؤَال عَن الْحَوْض؟ وَمَا جَوَابه؟
(99) وَفِي حَدِيث أبي ذَر قَالَ: قلت: يَا رَسُول الله مَا آنِية
الْحَوْض؟ قَالَ: " وَالَّذِي نَفسِي بِيَدِهِ لآنيته أَكثر من عدد
نُجُوم السَّمَاء " وَذكر الحَدِيث.
(أ) الْإِشْكَال فِيهِ: أَنه سَأَلَ " بِمَا " عَن الْآنِية.
فَأَجَابَهُ بِالْعدَدِ. وَحَقِيقَة السُّؤَال ب " مَا " أَن يتعرف
بهَا حَقِيقَة الشَّيْء لَا عدده. وَفِيه جوابان:
أَحدهمَا: أَن يكون تَقْدِيره: مَا عدد آنِية الْحَوْض؟ فَحذف
الْمُضَاف، وَجَاء الْجَواب على ذَلِك، وَأَن عَددهَا غير مَحْصُور بل
أَكثر من نُجُوم السَّمَاء.
وَالْجَوَاب الثَّانِي: أَن يكون الرَّسُول [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]
لم يعلم الْآنِية من أَي شَيْء هِيَ؟ فَعدل عَن سُؤَاله إِلَى بَيَان
كثرتها، وَفِي ذَلِك تفخيم لأمرها، وتنبيه على تَعْظِيم شَأْنهَا.
وَمثل ذَلِك قَوْله تَعَالَى: {وَمَا رب الْعَالمين} . فَقَالَ: {رب
السَّمَوَات وَالْأَرْض} فَعدل عَن حَقِيقَة جَوَاب السُّؤَال إِلَى
مَا هُوَ مَعْلُوم يحصل بِهِ الْغَرَض.
نصب آخر على الظَّرْفِيَّة
(ب) وَفِي آخر هَذَا الحَدِيث: " آنِية الْجنَّة من شرب مِنْهَا لم
يظمأ آخر مَا عَلَيْهِ " قَوْله: آخر مَا عَلَيْهِ مَنْصُوب على
الظّرْف. وَالتَّقْدِير: لم يظمأ " أبدا ". وَقد جَاءَ فِي حَدِيث آخر
بِهَذَا اللَّفْظ، وَالْمعْنَى: لم يظمأ ذَلِك الشَّارِب إِلَى آخر
مُدَّة بَقَائِهِ، وَمَعْلُوم أَنه يبْقى أبدا فَيكون مَعْنَاهُ لم
يظمأ أبدا.
(1/60)
تَوْجِيه قَوْله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]
: " وَاحِدَة أَو دع ".
(100) وَفِي حَدِيثه: سَأَلت النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] عَن
مسح الْحَصَا؟ فَقَالَ: " وَاحِدَة أَو دع ".
الْجيد أَن يكون وَاحِدَة مَنْصُوبًا، أَي: امسح مسحة وَاحِدَة، أَو
افْعَل ذَلِك مرّة وَاحِدَة، وَلَو رفع على أَن يكون خبر مُبْتَدأ
مَحْذُوف، أَي الْجَائِز مرّة وَاحِدَة لَكَانَ وَجها.
بِنَاء " أول " على الضَّم بِقطعِهِ عَن الْإِضَافَة
(101) وَفِي حَدِيثه: " سَأَلت رَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]
: أَي مَسْجِد وضع فِي الأَرْض أول " الْوَجْه أَن يضم أول ضمة بِنَاء
كَمَا قَالُوا: بَدَأَ بِهَذَا أول، وَإِنَّمَا بني لقطعه عَن
الْإِضَافَة كَمَا قطعت " قبل " و " بعد " وَالتَّقْدِير: أول كل
شَيْء.
إِن النافية بِمَعْنى مَا تدخل على الفعلية والاسمية
(102) وَفِي حَدِيثه: " فَقَالَ: لله أَبوك إِن كذبتك ". التَّقْدِير:
مَا كذبتك. و " لله أَبوك " فِي حكم الْقسم. وَقَوله: " فَوَجَبَ لي
أجره " أجره فَاعل وَجب. فَالْمَعْنى إِن صَوْم ثَلَاثَة أَيَّام
يُضَاعف حَتَّى كَأَنِّي صمته كُله.
حذف السُّؤَال للْعلم بِهِ
(103) وَفِي حَدِيثه: " قلت: يَا رَسُول الله، الصَّلَاة، قَالَ: خير
مَوْضُوع ".
(1/61)
(أ) تَقْدِيره: مَا فضل الصَّلَاة؟ فَحذف
للْعلم بِهِ. يدل عَلَيْهِ قَوْله فِيمَا بعد، وَقَوله: " وَأي
الْأَنْبِيَاء كَانَ أول " أول بِالضَّمِّ وَهُوَ مَبْنِيّ كَمَا تقدم.
بَيَان الْجيد
(ب) وَقَوله: " قلت: يَا رَسُول الله، وَنَبِي كَانَ " الْجيد: أَن
ينصب نَبِي؛ لِأَنَّهُ خبر كَانَ.
(104) وَفِي حَدِيثه: " عرضت على أمتِي بأعمالها حَسَنَة وسيئة "
قَوْله بأعمالها مَوضِع نصب على الْحَال أَي وَمَعَهَا أَعمالهَا، أَو
ملتبسة بأعمالها، كَقَوْل تَعَالَى: {يَوْم نَدْعُو كل أنَاس بإمامهم}
أَي وَفِيهِمْ إمَامهمْ، أَو مَعَهم إمَامهمْ، وحسنة وسيئة حالان من
الْأَعْمَال.
إِعْرَاب " شبْرًا " وَالْمرَاد بمفارقة الْجَمَاعَة
(105) وَفِي حَدِيثه: " من فَارق الْجَمَاعَة شبْرًا " هُوَ مَنْصُوب
على الظّرْف، وَالتَّقْدِير: قدر شبر، وفارقهم فِي حكم الدّين.
صفة الْمُؤَنَّث غير الْحَقِيقِيّ يجوز تذكيرها حملا على الْمَعْنى
(106) وَفِي حَدِيثه: " لَيْلَة عرج بِهِ جَاءَ بطست من ذهب ممتلئ
حِكْمَة وإيمانا " الطست مؤنث، وَلكنه غير حَقِيقِيّ؛ فَيجوز تذكير
صفته حملا على معنى الْإِنَاء وَحِكْمَة تَمْيِيز.
إِبْدَال نكرَة من معرفَة وَظَاهر من مُضْمر
(107) وَفِي حَدِيثه: (سَأَلت رَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] :
هَل رأى ربه؟ فَقَالَ: " قد رَأَيْته. نورا
(1/62)
أَنى أرَاهُ؟ {" فِي هَذِه الرِّوَايَة
نورا بِالنّصب. وَالْوَجْه فِيهِ: أَنه جعل نورا بَدَلا من الْهَاء،
أَي: رَأَيْت نورا ثمَّ اسْتَأْنف: أَنى أرَاهُ؟} أَي: كَيفَ أرى الله،
وَثمّ نور يَمْنعنِي؟ بِالْهَاءِ فِي رَأَيْته: للنور، وَفِي أرَاهُ:
لله تَعَالَى، ويروي نور بِالرَّفْع تَقْدِيره: ثمَّ نور فَكيف أرى
الله؟ ! .
النصب على تَقْدِير فعل فِي جَوَاب إِن
(108) وَفِي حَدِيثه: " مَا من مُسلم ينْفق من كل مَال لَهُ زَوْجَيْنِ
فِي سَبِيل الله ثمَّ قَالَ: إِن كَانَت رحالا فرحلين، وَإِن كَانَت
إبِلا فبعيرين ". وَذكره. وَالتَّقْدِير: إِن كَانَت أَمْوَاله الَّتِي
ينْفق مِنْهَا رحالا أَو إبِلا، وَقد دلّ على هَذَا الضَّمِير قَوْله:
" من كل مَال لَهُ " ورحلين وبعيرين مَنْصُوب على تَقْدِير: فينفق
رحلين.
مِمَّا ينصب على الظَّرْفِيَّة يَمِين وشمال وَبَين ووراء.
(109) وَفِي حَدِيثه: " فَنفخ فِيهِ يَمِينه وشماله وَبَين يَدَيْهِ
ووراءه " كل ذَلِك مَنْصُوب على الظّرْف.
(1/63)
النصب على التَّمْيِيز بعد مثل
(110) وَفِي حَدِيثه: " مَا أحب أَن أحدا ذَاك عِنْدِي ذَهَبا " ذَهَبا
مَنْصُوب على التَّمْيِيز. وَالتَّقْدِير: لَو أَن لي مثل أحد ذَهَبا.
تَوْجِيه قَوْله: " الْإِجَابَة يَوْم الْقِيَامَة أعظم "
(111) وَفِي حَدِيثه: " إِلَّا جَاءَ يَوْم الْقِيَامَة أعظم أسمن "
هما حالان.
أَن الزَّائِدَة وَأَن المخففة من الثَّقِيلَة
(112) وَفِي حَدِيثه: " إِن خليلي عهد إِلَيّ أَن أَيّمَا ذهب أَو
فضَّة ". الحَدِيث يحْتَمل أَن يكون أَن هَهُنَا زَائِدَة. وَقد جَاءَ
فِي الرِّوَايَة الْأُخْرَى بِغَيْر أَن. وَيحْتَمل أَن تكون المخففة
من الثَّقِيلَة، أَي: أَنه أَيّمَا فأيما مُبْتَدأ [وأوكي عَلَيْهِ
الْخَبَر] أخير ... وَخير
(113) وَفِي حَدِيثه: " فَقَالَ رَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]
: لهَذَا عِنْد الله أخير يَوْم الْقِيَامَة ". الحَدِيث لَفْظَة "
أخير " يُرِيد بهَا " خيرا " الَّتِي للتفضيل، وَلِأَنَّهُ وَصلهَا
بِمن كَقَوْلِك: زيد خير من عَمْرو، فَيجوز أَن يكون السَّهْو من
الرَّاوِي وَالصَّوَاب خير. وَيجوز أَن يكون أخرج الْكَلِمَة على
أَصْلهَا مثل أفضل.
تذكير الضَّمِير حملا على الْمَعْنى
(114) (أ) وَفِي حَدِيثه: " رَأَيْت أَبَا ذَر وَعَلِيهِ حلَّة وعَلى
غُلَامه مثله " إِنَّمَا ذكر الضَّمِير
(1/64)
وَهُوَ للحلة؛ لِأَن الْحلَّة ثوب، فَحَمله
على مَعْنَاهَا.
النصب أَجود
(ب) قَوْله: " إخْوَانكُمْ إخْوَانكُمْ " بِالنّصب. أَي: احْفَظُوا،
وَيجوز الرّفْع على معنى: هم إخْوَانكُمْ وَالنّصب أَجود.
دثر ودثور
(115) وَفِي حَدِيثه: " سبقنَا أَصْحَاب " الدُّثُور " هُوَ وصف
للأموال. وَالْأَكْثَر فِيهِ أَن يسْتَعْمل مُفردا وصف بِهِ الْوَاحِد،
وَأكْثر مِنْهُ. وَقد جَاءَ هَهُنَا على الْجمع فَيُقَال: مَال دثر،
ومالان دثر، وأموال دثر. وسبقا مَنْصُوب على الْمصدر.
خلاف وَخلف
و" خلاف كل صَلَاة ". أَي: خلف كل صَلَاة، وَمِنْه قَوْله تَعَالَى:
{فَرح الْمُخَلفُونَ بِمَقْعَدِهِمْ خلاف رَسُول الله} . {وَإِذا لَا
يلبثُونَ خِلافك إِلَّا قَلِيلا} .
نصب الْعدَد على الْمصدر
(116) وَفِي حَدِيثه: " بايعني رَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]
خمْسا، وأوثقني سبعا، وَأشْهد على تسعا " كلهَا مَنْصُوبَة على الْمصدر
أَي خمس بيعات أَو مَرَّات.
النصب بِفعل مَحْذُوف
(117) وَفِي حَدِيثه: " أَن رَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]
قَالَ: سِتَّة أَيَّام ثمَّ اعقل يَا أَبَا ذَر مَا أَقُول لَك بعد ".
سِتَّة: مَنْصُوب على تَقْدِير: اصبر سِتَّة أَيَّام ثمَّ اعقلها، بعد.
أَي افهم مَا أَقُول لَك فِي الْيَوْم السَّابِع.
(1/65)
تَوْجِيه رِوَايَة فِيمَا ينتطحان
(118) وَفِي حَدِيثه قَالَ: " يَا أَبَا ذَر: هَل تَدْرِي فِيمَا
تنتطحان؟ " بِأَلف. وَالْأَشْبَه أَنه اسْتِفْهَام، وَالْوَجْه أَن
يكون بِغَيْر ألف، فَإِن كَانَ ذَلِك من تَخْلِيط الروَاة فَيَنْبَغِي
بِغَيْر ألف، وَإِن حفظ هَذَا عَن النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]
هَكَذَا كَانَ من الشذوذ. وَقد جَاءَ فِي الشّعْر:
(على مَا قَامَ يَشْتمنِي لئيم ... كخنزير تمرغ فِي رماد)
وَلَا يجوز أَن تكون بِمَعْنى الَّذِي؛ لِأَنَّهُ قد عدى إِلَيْهِ
الْفِعْل بفي.
تَوْجِيه كلمة مُثَلّثَة الْإِعْرَاب
(119) وَفِي حَدِيثه: " مَا للشَّيْطَان من سلَاح أبلغ فِي الصَّالِحين
من النِّسَاء إِلَّا المتزوجون أُولَئِكَ الْمُطهرُونَ المبرءون من
الْخَنَا ".
(1/66)
(أ) أبلغ: يجوز أَن يفتح، أَن يكون فِي
مَوضِع جر صفة لسلاح على اللَّفْظ، وَأَن يرفع صفة لَهُ على الْموضع
لِأَن من زَائِدَة وَمثله قَوْله تَعَالَى: {مَا لكم من إِلَه غَيره} .
[تَكَرَّرت فِي تسع آيَات مِنْهَا أَربع فِي سُورَة الْأَعْرَاف،
وَثَلَاث فِي سُورَة هود، وثنتان فِي سُورَة الْمُؤْمِنُونَ] يقْرَأ
بِالرَّفْع والجر.
مجئ الْمُسْتَثْنى مُبْتَدأ ثَابت الْخَبَر
(ب) وَأما قَوْله: " إِلَّا المتزوجون " فَإِنَّهُ وَقع فِي هَذِه
الرِّوَايَة بِالرَّفْع، وَالْأَشْبَه أَن يكون مَنْصُوبًا؛ لِأَنَّهُ
اسْتثِْنَاء من غير نفي. وَوجه الرّفْع أَن يكون على الِاسْتِئْنَاف
وَالِاسْتِثْنَاء الْمُنْقَطع، أَي لَكِن المتزوجون مطهرون.
(1/67)
تَوْجِيه قَوْله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]
: على ثَلَاثَة أَفْوَاج فَوْج راكبين
(120) وَفِي حَدِيثه: " إِن النَّاس يحشرون على ثَلَاثَة أَفْوَاج:
فَوْج راكبين " الحَدِيث. فَوْج بِالْجَرِّ على الْبَدَل مِمَّا قبله،
وراكبين نعت لَهُ. وَيجوز أَن يروي " فَوْج " بِالرَّفْع. أَي يحْشر
مِنْهُم فَوْج وَيكون راكبين حَالا، وَأما فَوْج الثَّانِي وَالثَّالِث
فالرفع فِيهِ أقرب من رفع الأول؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ هُنَاكَ مجرور يقوى
جَرّه.
[17] جُنْدُب بن عبد الله البَجلِيّ
الْعَطف على جَوَاب الشَّرْط بثم
(121) وَفِي حَدِيث جُنْدُب بن عبد الله البَجلِيّ قَالَ: قَالَ رَسُول
الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] : " فَإِنَّهُ من يَطْلُبهُ
بِذِمَّتِهِ بِشَيْء يُدْرِكهُ، ثمَّ يكبه على وَجهه " " يكبه " يجوز
فِيهِ ثَلَاثَة أوجه:
أَحدهَا: ضم الْبَاء على أَنه مُسْتَأْنف أَي ثمَّ هُوَ يكبه كَقَوْلِه
تَعَالَى: {وَإِن يُقَاتِلُوكُمْ يولوكم الأدبار ثمَّ لَا ينْصرُونَ} .
وَالثَّانِي: فتح الْبَاء على أَنه مجزوم مَعْطُوف على جَوَاب
الشَّرْط.
وَالثَّالِث: كسر الْبَاء جزما أَيْضا، وَجَاز فتح الْبَاء وَكسرهَا
لالتقاء الساكنين كَقَوْلِه: مده ومده وَدَلِيل الْجَزْم قَوْله
تَعَالَى {وَإِن تَتَوَلَّوْا يسْتَبْدل قوما غَيْركُمْ ثمَّ لَا
يَكُونُوا أمثالكم} .
(1/68)
|