الأصول في النحو المجلد الأول
مقدمة
...
المقدمة:
إن ما اجتمع من أخبار ابن السراج وما ذكر عنه ليدل دلالة لا جدال فيها
أنه عالم حري بالدراسة جدير بالتقييم. فهو علم من أعلام النحو، وإمام
من أئمة الثقافة وشيخ من شيوخ اللغة.
عاش أكثر من نصف قرن من الزمان وشهد حضارة العرب الزاهرة في القرنين
الثالث والرابع الهجريين، وعاصر التطورات السياسية والاجتماعية
والثقافية وما آلت إليه حياة العرب والمسلمين في ظلال الدولة العباسية،
فهو واحد من أولئك العلماء الذين أعطوا العربية الكثير وعنوا بالمحافظة
عليها كالخليل بن أحمد، ويونس بن حبيب، وعيسى بن عمر، وسيبويه،
والأصمعي، وأبي عبيدة، والأخفش، والمازني، والمبرد، فمعظم هؤلاء أخذ
عنهم ابن السراج ونقل علمهم إلى الأجيال التي جاءت من بعدهم، ثم انتهت
إليه رئاسة النحو بعد موت أبي العباس المبرد وموت الزجاج، وأصبح
أستاذًا يرحل إليه ويؤخذ عنه.
ولقد بقي على كثرة ما ألف قبله وبعده في النحو, كتاب "الأصول" أول كتاب
في مضماره، فقد أثنى عليه القدماء ووصفوه بأجل الأوصاف مثل قولهم: أصبح
المرجع إليه عند اضطراب النقل واختلافه، وقولهم: كان النحو مجنونا
فعقله ابن السراج بأصوله "ونصوا على أنه" أول كتاب جمع أصول
(1/5)
العربية معتمدا على كتاب سيبويه مختصرا
مسائله مرتبا أبوابه أحسن ترتيب، معولا على مسائل الأخفش والكوفيين.
مخالفا لأصول البصريين.
هذه النعوت بعض من الحوافز التي دعتني لتحقيق هذا السفر الكبير على أن
هناك دوافع أخرى قد تكون أهم دفعتني إلى الكتابة عن ابن السراج وهي:
1- أنني كلما قرأت كتابا في النحو والصرف واللغة وجدت آراء ابن السراج
منبثة في تضاعيفه، كما أن كتب ابن السراج وبخاصة كتاب الأصول" يرد على
كثير من المسائل المغلقة والتي هي مثار جدل في علمي النحو والصرف.
2- إن كثيرا من الباحثين يذهب إلى أن علمي النحو والصرف انتهيا إليه
بعد موت الزجاج ووقفا عنده.
3- ولقد بدا لي بعد دراسة كتب ابن السراج وفحصها أن مسائل النحو والصرف
لم تكن مقسمة مبوبة في كتاب سيبويه ومن جاء من بعده على النحو الذي
ألفناه في كتب المتأخرين فكثيرا ما تختلط البحوث النحوية والصرفية
وتشتبك بغيرها من موضوعات تتعلق باللهجات العربية، والقراءات المختلفة،
لكن ابن السراج أول من بوبها وهذب مسائلها وبحثها بحثًا علميًّا مقارنا
بين ما جاء في كتاب سيبويه وما أخذ له وعليه من شروح واستدراكات في
"تصريف" المازني وكتاب "المقتضب" للمبرد وكتب الأخفش وكتب الكوفيين.
4- ثم إن دراسة التراث العربي اللغوي والقديم بخاصة تمثل ركنا من أركان
حضارة الأمة، فدراسته وفحصه ونشره يعين على كشف هذا الجانب من حضارة
الأمة العربية.
(1/6)
وأخيرا فإني لم أدخر جهدا في إخراج هذا
الكتاب بصورته التي أرادها له المؤلف في تقديري راجيا أن ينال الرضا
والقبول من ذوي الاختصاص والله ولي التوفيق.
المحقق:
الدكتور عبد الحسين الفتلي.
(1/7)
ابن السراج:
هو أبو بكر محمد بن سهل النحوي البغدادي1. كان أحد العلماء المذكورين
بالأدب وعلم العربية2. المجمع على فضله ونبله وجلالة قدره في النحو
والأدب3.
نشأ في بغداد وأخذ النحو عن أبي العباس المبرد وإليه انتهت الرئاسة في
النحو بعد موت المبرد4. وكان واسع الثقافة متعدد الجوانب، تعمق في
القديم كما أفاد من الحديث في زمنه، فمزج بين الثقافة العربية الخالصة
وبين الثقافات الوافدة على الفكر العربي آنذاك، يتجلى ذلك بدراسة
الموسيقى والمنطق والقراءات ولعل اهتمام
ابن السراج بالنحو بدأ يظهر بعد انتهار الزجاج له حتى هم بضربه
لخطئه في مسألة نحوية5 وذلك عندما حضر عند الزجاج مسلما عليه بعد موت
المبرد فسأل رجل الزجاج عن مسألة نحوية فقال لابن السراج: أجبه يا أبا
بكر.
فأجابه فأخطأ فانتهره الزجاج وقال: والله لو كنت في منزلي لضربتك،
__________
1 إنباه الرواة 3/ 145. معجم الأدباء 18/ 197، وفيات الأعيان 3/ 462.
2 نزهة الألباء/ 312. إنباه الرواة 3/ 145.
3 وفيات الأعيان 3/ 462.
4 نزهة الألباء/ 312.
5 معجم الأدباء 18/ 190. إنباه الرواة 3/ 146.
(1/9)
ولكن المجلس لا يحتمل هذا، وقد كنا نشبهك
في الذكاء والفطنة بالحسن بن رجاء وأنت تخطئ في مثل هذا، فقال: قد
ضربتني يا أبا إسحاق وأدبتني وأنا تارك ما درست مذ قرأت الكتاب -يعني:
كتاب سيبويه- لأني شغلت عنه بالمنطق والموسيقى، وأنا أعاود، فعاود ونظر
في دقائق كتاب سيبويه وعول على مسائل الأخفش والكوفيين وخالف أصول
البصريين في مسائل كثيرة وصنف ما صنف1.
وشهد ما كان عليه ابن السراج من الذكاء والفطنة ما تركه من مصنفات أثنى
عليها العلماء في أغلب الفنون المختلفة من القراءات والنحو واللغة
والأدب والخط2، وكان مع علمه أديبًا شاعرًا رويت له أبيات أجل من شعر
النحاة3، يغلب عليها طابع التفكير، وهي وإن لم تدل عند التصوير على
شاعرية وموهبة تدل على مقدرة وتمكن من التصرف بصيغ الكلام واللغة
وثقافة عامة.
وقد ذكر أبو علي الفارسي تلميذ ابن السراج: أنه قرأ على أبي بكر بن
السراج ديوان النابغة من رواية الأصمعي، ولم يقتصر نشاطه الأدبي على
الشعر فحسب، بل تعداه إلى النثر والمنطق، والعلوم الأخرى، فقد ذكر أبو
حيان التوحيدي4. أن مراسلات جرت بين ابن السراج وأبي الحارث الرازي
تتعلق بفنون الكلام.
أما المنطق فكان أمرًا أساسيًّا في أعمال النحاة ما دامت في النحو
أحكام تستنتج وقياس يتبع، فلا عجب إذا كان ابن السراج قد درس المنطق
لأنه من أصحاب ذلك العلم، قال ابن أبي أصيبعة: "وفي التاريخ أن
الفارابي كان
__________
1 معجم الأدباء 18/ 190. إنباه الرواة 3/ 146.
2 معجم الأدباء 18/ 198.
3 أخبار الشعراء المحمدين 121-122 مخطوط بدار الكتب رقمه "2217".
4 انظر رسالة الصداقة والصديق/ 85.
(1/10)
يجتمع بأبي بكر بن السراج فيقرأ عليه صناعة
النحو وابن السراج يقرأ عليه المنطق."1.
وأما اشتغاله بالموسيقى فيشهد عليه احتجاجه بوجوه القراءات في كتاب كان
قد ابتدأ بإملائه وارتفع منه بعض "كذا" ما في سورة البقرة من وجوه
الاختلاف2 ... وتصنيفه كتابا في العروض3 والقافية.
أخلاقه ومكانته العلمية:
كان أحد الأئمة المجمع على فضله ونبله وجلالة قدره4، ثقة5 أديبا شاعرا
إماما في النحو بليغا في الرأي متينا6، مقبلا على الطرب والموسيقى، عشق
ابن يانس المغني، له أخبار وهنات7، ولم يعرف عنه أنه كان يبخس حق أستاذ
له، بل كثيرا ما يثني على من يأخذ عنه، فقد ذكر أبو الحسن الرماني8 أنه
جرى بحضرة ابن السراج ذكر كتابه "الأصول" الذي صنفه فقال قائل: هو أحسن
من كتاب "المقتضب" للمبرد. فقال ابن السراج: لا تقل هذا إنما استفدنا
ما استفدناه من صاحب "المقتضب"، وأنشد:
ولو قبل مبكاها بكيت صبابة ... بسعدى شفيت النفس قبل التندم
ولكن بكت قبلي فهيج لي البكا ... بكاها فقلت: الفضل للمتقدم
__________
1 عيون الأنباء في طبقات الأطباء 2/ 136.
2 انظر الحجة في القراءات لأبي علي الفارسي/ 4. تحقيق الدكتور عبد
الفتاح شلبي.
3 له كتاب في العروض تحقيق الدكتور عبد الحسين الفتلي مستل من مجلة
كلية الآداب سنة 1972.
4 وفيات الأعيان 3/ 462.
5 تاريخ بغداد 5/ 319، وفيات الأعيان 3/ 462.
6 طبقات النحاة لابن قاضي شهبة 1/ 52.
7 وفيات الأعيان 3/ 462.
8 إنباه الرواة 3/ 146. معجم الأباء 18/ 198.
(1/11)
وكان اجتماعيًّا يحب الناس له صلات صداقة
مع كبار علماء عصره ولا سيما المقرئ الكبير ابن مجاهد1.
أما أسرته، فلم تذكر المراجع شيئا ذا بال عنها، ولا عن حياته الخاصة
وكل ما عرف عنه أنه كان يعشق جارية من القيان وكان له منها ولد2.
أساتذته:
تيسر لابن السراج مقدار لا يُستهان به من علوم العصر على اختلاف
فنونها، وقد كان في بعضها معتمدا على نفسه في البحث والتنقيب والاطلاع،
وفي سوى ذلك يتلقاه على شيوخ عصره كل حسب اختصاصه ممن كانت بغداد
تتنافس بهم، غير أن المراجع كلها قد أجمعت على شخصية واحدة هي: أبو
العباس المبرد إمام نحاة البصرة في القرن الثالث الهجري، فقد صحبه ابن
السراج وأخذ عنه العلم والأدب3، وقرأ عليه كتاب سيبويه4، ولم تكن
علاقته بأستاذه علاقة دراسة وقراءة فحسب، قال ابن درستويه5: كان من
أحدث غلمان المبرد مع ذكائه وفطنته وكان المبرد يميل إليه، ويشرح له،
ويجتمع معه في الخلوات والدعوات ويأنس به.
ولا يعرف لابن السراج أستاذ آخر مسمى في كتاب التراجم إلا أن ابن
خلكان6 ذكر: أنه أخذ عن المبرد وغيره، وليس من المستبعد أن يكون قد
تأثر -على الأقل- بالزجاج الذي آلت إليه رئاسة المدرسة البصرية بعد موت
__________
1 انظر معجم الأدباء 18/ 198.
2 تاريخ بغداد 5/ 319، نزهة الألباء/ 312.
3 إنباه الرواة 3/ 145. وفيات الأعيان 3/ 462، ونزهة الألباء/ 313.
4 معجم الأدباء 18/ 197.
5 الفهرست 92، وإنباه الرواة 3/ 148.
6 وفيات الأعيان 3/ 462.
(1/12)
المبرد سنة "285هـ" ولقد رددت كتب التراجم
قصة خطأ ابن السراج في مسألة بحضرة الزجاج بعد موت المبرد1. كما أن ابن
جني قد أورد في الخصائص2 بعض المسائل التي كانت مدار خلاف فيما بينهما.
تلاميذه:
ما زال طلاب العربية إلى يومنا هذا يتتلمذون على أولئك العلماء الذين
وضعوا الأسس القويمة لبناء هذا التراث الخالد. فلم يكن طلب العلم
مقصورا على المشافهة والأخذ المباشر عن الشيوخ، وإنما هو أعم من ذلك
وأشمل، فقارئو كتاب سيبويه يأخذون عن سيبويه، وقارئو الكامل والمقتضب
يأخذون عن المبرد، ودارسو الأصول هم طلاب علم ابن السراج دون شك أو
ريب. وقد جرت عادة المؤرخين: أن يتحدثوا عمن عاصروا أستاذهم وتلقوا عنه
العلم على أنهم تلاميذه، الآخذون عنه، وإن كان العلم باقيا يأخذه
المعاصرون كما ينتفع به بعدهم، وأبرز تلاميذ ابن السراج:
1- أبو القاسم عبد الرحمن بن إسحاق الزجاجي المتوفى سنة 337هـ فقد ذكر
الزجاجي أنه أخذ عن ابن السراج3.
2- أبو سعيد السيرافي النحوي المتوفى "368هـ" فقد قرأ على أبي بكر بن
السراج وأبي بكر مبرمان النحو4 وفي شرح5 كتاب سيبويه نجد الكثير من
آراء ابن السراج النحوية والصرفية.
__________
1 الفهرست/ 92، معجم الأدباء 18/ 198، إنباه الرواة 3/ 149.
2 انظر الخصائص 1/ 62، 66، 248، و2/ 31.
3 انظر الإيضاح في علل النحو: 79، ومعجم الأدباء 18/ 198. ونزهة
الألباء/ 313.
4 انظر معجم الأدباء 8/ 145، وبغية الوعاة / 221.
5 انظر شرح السيرافي 1/ 57، 134، 167، 180، و5/ 17، 18، 35، 59.
(1/13)
3- أبو علي الفارسي "377". الحسن بن أحمد
بن عبد الغفار بن أبان الفارسي الفسوي الإمام العلامة، فقد قرأ النحو
على أبي إسحاق الزجاج وعلى أبي بكر بن السراج1، وكذلك اطلع على المسائل
المشروحة من كتاب سيبويه للمبرد وقرأها على ابن السراج كما روى كتاب
التصريف عن ابن السراج عن المبرد2.
4- الرماني: أبو الحسن علي بن عيسى الرماني المتوفى "384". أخذ النحو
عن أبي بكر بن السراج وابن دريد والزجاج3، وهم الشيوخ الذين حملوا علم
البصرة في بغداد. وقد شرح الرماني كتاب الموجز لابن السراج4.
5- أبو علي القالي "356": ومن تلاميذ ابن السراج: إسماعيل بن القاسم بن
عيذون بن عيسى بن محمد بن سليمان مولى الخليفة عبد الملك بن مروان، أبو
علي البغدادي المعروف بالقالي نسبة إلى -قالى قلى- بلد من أعالي
أرمينة5.
6- الأزهري اللغوي: "370" محمد بن أحمد بن الأزهر بن طلحة الأزهري
اللغوي الأديب الهروي الشافعي، أخذ عن الربيع بن سليمان ونفطويه وابن
السراج. وكان رأسا في اللغة6.
7- أبو القاسم الآمدي: "371" الحسن بن بشر الآمدي الذي ولد
__________
1 انظر الفهرست لابن النديم/ 64، وطبقات النحويين/ 130، ونزهة الألباء/
387.
2 المنصف لابن جني 1/ 6.
3 انظر إشارة التعين/ 34.
4 إنباه الرواة/ 295.
5 معجم الأدباء 7/ 27. وفيات الأعيان 1/ 74.
6 معجم الأدباء 17/ 165، بغية الوعاة 2/ 19 تحقيق أبي الفضل إبراهيم.
(1/14)
بالبصرة وانتقل إلى بغداد فتلقى النحو
واللغة عن الأخفش الصغير والزجاج وابن دريد وابن السراج1.
وفاته:
أجمعت معظم المراجع التي ترجمت لابن السراج أنه مات يوم الأحد لثلاث
ليال بقين من ذي الحجة سنة "316هـ"2 ببغداد في خلافة المقتدر بالله3.
إلا أن هناك روايتين إحداهما: ذكرها العيني في عقد الجمان في ثنايا
الحديث عن ابن السراج وهي لا تختلف عن الروايات المتداولة بين
المترجمين تقول: في تاريخ النويري أن ابن السراج توفي في ذي الحجة سنة
"310" ثم قال: قيل: كانت وفاته سنة خمس عشرة وثلاثمائة4.
والثانية: ما نقله صاحب كشف الظنون وهي: أن أبا بكر بن السراج توفي سنة
إحدى وستين وثلاثمائة هجرية5، -في النص العربي والإنجليزي- وهذا -كما
يبدو- تحريف؛ لأن سنة "316" قابلة للتقديم والتأخير فتصبح سنة "361هـ".
وقد عمر ابن السراج طويلا، ولم يمت في سن مبكرة، ولم يمت شابا كما ذكر
السيوطي في البغية6، فقد ذكر المترجمون له أنه مات كهلا7، والواقع يؤيد
ذلك. فهو قد صحب أبا العباس المبرد المتوفى "285هـ" فإذا افترضنا
__________
1 بغية الوعاة 1/ 20 تحقيق أبو الفضل إبراهيم.
2 تاريخ بغداد 5/ 319، معجم الأدباء 18/ 198، نزهة الألباء/ 312.
3 نزهة الألباء / 312.
4 عقد الجمان: 18 القسم الثاني.
5 كشف الظنون/ 334.
6 بغية الوعاة/ 44، والأعلام للزركلي 7/ 6.
7 عيون التواريخ، الذين توفوا سنة "316" وتاريخ الإسلام للذهبي 2/ 44.
(1/15)
أن سنه كانت خمسا وعشرين سنة آنذاك يضاف
لها إحدى وثلاثون سنة عاشها بعد موت المبرد فيكون عمره ستا وخمسين سنة
تقريبا.
آثاره:
خلف ابن السراج ثروة علمية في معظم التصانيف التي أودعها علمه في جميع
الفنون التي برز فيها، فقد استوعب معظم علوم عصره إلا القليل، صنف فيها
ما ينيف على الخمسة عشر كتابا ومصنفا ضاع أكثرها، والملاحظ أن من
مصنفاته ما عني به العلماء من بعده وتعهدوه، بالشرح والتفسير مثل كتاب
"الأصول".
فقد شرحه الرماني1 النحوي وهو من تلاميذ ابن السراج، وبقي هذا الشرح
إلى زمن السيوطي المتوفى سنة "911هـ" الذي نقل عنه في كتابه الأشباه
والنظائر2 كذلك شرحه ابن بابشاذ3 المتوفى "469هـ" وابن الباذش4
الغرناطي النحوي المتوفى "607هـ".
وأهم المراجع التي أحصت كتب ابن السراج هي: تاريخ بغداد، والفهرست لابن
النديم، ومعجم الأدباء، ووفيات الأعيان لابن خلكان وطبقات النحويين
واللغويين للزبيدي ونزهة الألباء لابن الأنباري والبغية للسيوطي، وكشف
الظنون للحاج خليفة وغيرها من كتب التراجم.
وعلى أية حال: فإن ما أمكن التعرف عليه من كتب ابن السراج لم يتعد
الخمسة عشر كتابا يمكن تقسيمها على الشكل الآتي:
__________
1 كشف الظنون 1/ 334. وفهرسة ابن خير الإشبيلي/ 307، وقد عثرت على قطعة
من هذا الشرح في آخر كتاب الأصول نسخة تركنا تحت رقم "1066".
2 الأشباه والنظائر 1/ 212.
3 انظر المقدمة المحسبة/ 18 وكشف الظنون 1/ 334.
4 انظر كشف الظنون 1/ 334.
(1/16)
أ- كتب في اللغة والنحو والصرف: مثل الأصول
في النحو: وجمل الأصول، والموجز، وشرح كتاب سيبويه، والاشتقاق، وكتاب
علل النحو، وكتاب الهمز.
ب- دراسة في القرآن الكريم، مثل كتاب الاحتجاج في القراءة.
جـ- كتب في النقد والشعر، مثل كتاب الشعر والشعراء.
د- كتب في الخط والهجاء والعروض.
هـ- كتب أخرى لم يعرف شيء عن مضامينها؛ لأنه لم يعثر على نص يشير إلى
ما تحتوي عليه هذه الكتب من فنون العلوم المختلفة، مثل كتاب الرياح
والهواء والنار، والمواصلات، والمذاكرات، والأخبار، وهذا وصف موجز لبعض
هذه المصنفات:
1- كتاب الأصول في النحو، وهو موضوع التحقيق، يشمل النحو والصرف.
2- كتاب جمل الأصول أو مجمل الأصول، أو الأصول الصغيرة1، وهو كتاب في
النحو أيضا، يعتقد أنه مختصر لكتاب الأصول الكبير.
3- كتاب الجمل، وهو في النحو أيضا، أشار إليه ابن السراج نفسه في كتابه
الأصول عندما كان يتحدث عن الموضع الذي يتساوى فيه الجمل والأصول2. وقد
ذكر القفطي3 أن الرماني شرح هذا الكتاب، ثم شرح أبياته النحوي المعروف
بابن حميدة المتوفى سنة "550هـ".
__________
1 انظر معجم الأدباء 18/ 198، وفيات الأعيان 3/ 462. وإنباه الرواة 3/
145.
2 انظر الأصول 2/ 219.
3 إنباه الرواة 1/ 195.
(1/17)
4- الموجز: كتاب في النحو والصرف، شرحه
الرماني1 وأبو الحسن الأهوازي2، وقد ذكر: أن ابن السراج لم يتم هذا
الكتاب وأنه كلف أبا علي الفارسي بإتمامه، لكن أبا العلاء المعري3
يقول: وهذا لا يقال إنه من إنشاء أبي علي؛ لأن الموضوع من الموجز وهو
منقول من كلام ابن السراج في الأصول والجمل4 فكأن أبا علي جاء به على
سبيل النسخ لا إنه ابتدع شيئا من عنده. وقد طبع هذا الكتاب في بيروت
عام 1965 بتحقيق مصطفى الشويمي وابن سالم دامرجي تحت إشراف رجس بلاشير
من جامعة باريس، كذلك عثرت على مخطوطة لهذا الكتاب في الخزانة العامة
بمدينة الرباط تحت رقم "100ق"، في آخرها: كتبت من نسخة مقروءة على
الشيخ أبي علي النحوي صاحب أبي بكر بن السراج.
5- شرح كتاب سيبويه: وهذا بطبيعة الحال يشمل النحو والصرف معا، وقد
أشار كل من السيرافي والرماني5 إلى اختلاف نسخ الكتاب التي كانت بين
يدي ابن السراج.
6- الشكل والنقط: ذكر القفطي6 أن الرماني شرح هذا الكتاب ولكن لم تعرف
مادته ومضمونه لأنه لم يصل إلينا.
7- كتاب الهجاء أو الخط. ولقد عثرت على هذا الكتاب في الخزانة العامة
في الرباط بالمغرب ضمن مجموعة تحت رقم "100ق". وقد طبع في مجلة المورد.
__________
1 بغية الوعاة 1/ 173.
2 إنباه الرواة 3/ 295.
3 شرح التصريح للشيخ خالد الأزهري 2/ 277.
4 رسالة الغفران لبنت الشاطئ/ 357.
5 انظر شرح السيرافي 5/ 59، وشرح الرماني: 56 المجلد الخامس.
6 إنباه الرواة 3/ 145.
(1/18)
8- كتاب الشعر والشعراء1: ذكره ابن خلكان
وياقوت والقفطي ولم نعرف عنه شيئا لا عن مادته ولا طريقة عرضه وتأليفه،
وليس له ذكر في أية فهرسة من فهارس الكتب المصورة أو المخطوطة.
9- احتجاج القراء: وهذا الكتاب في التفسير والقراءات. وتجد صدى هذا
الكتاب في القسم الأول من كتاب "الحجة"2 لأبي علي الفارسي.
10- كتاب الاشتقاق: ذكر المترجمون3 لابن السراج أن هذا الكتاب لم يتم،
وهو في علم التصريف4 وقد حققه الدكتور محمد صالح.
11- كتاب المواصلات والمذاكرات في الأخبار5، لا يعرف شيء عن محتوياته
ومادته.
12- كتاب الهوى والنار والرياح.
13- كتاب علل النحو: لم يشر إليه أحد ممن ترجم لابن السراج سوى القفطي.
14- كتاب الهمز: أشار إليه ابن السراج نفسه في كتابه الأصول.
15- كتاب العروض، لم أجد أحدا أشار إلى هذا الكتاب من قريب أو بعيد
ولكنني عثرت على نسخة له في المغرب في مكتبة الخزانة
__________
1 انظر وفيات الأعيان 3/ 463. ومعجم الأدباء 18/ 198، وإنباه الرواة 3/
145.
2 انظر الحجة في القراءات 1/ 4 تحقيق الدكتور عبد الفتاح شلبي.
3 انظر الأصول 2/ 606، والمعرب من الكلام الأعجمي للجواليقي/ 3، تحقيق
أحمد شاكر.
4 انظر معجم الأدباء 18/ 197، وفيات الأعيان 3/ 462، إنباه الرواة 3/
145.
5 معجم الأدباء 18/ 197، وفيات الأعيان 4/ 462.
(1/19)
العامة بالرباط تحت رقم "127" ولقد نشرته
في مجلة كلية الآداب لعام 1972.
مذهب ابن السراج النحوي:
نشأ ابن السراج بعد تكامل وانتهاء طبقات النحاة البصريين والكوفيين إذ
إن آخر من يذكر في طبقات البصريين أبو العباس المبرد المتوفى "285هـ"
وآخر من يذكر في طبقات الكوفيين يحيى بن أحمد المعروف بثعلب المتوفى
"291هـ". نشأ في بغداد ومات فيها، لكن مذهبه بصري أو هكذا ارتضى لنفسه
أن يكون من البصريين؛ لأن الأسس التي يرجع إليها والمصطلحات والمسائل
الخلافية التي يستعملها ليست بغدادية؛ لأنه لا توجد مدرسة بغدادية بهذا
المعنى.
إن ابن السراج يقول بآراء البصريين ويعد نفسه بصريا ويعتمد الأسس
البصرية، ويستعمل مصطلحاتهم، وإننا نستطيع أن نميز وجهة النحوي من
النظر في أربعة أمور:
الأسس التي يعتمدها في البحث: والمصطلحات التي يستعملها. ومع من يعد
نفسه أو أين ارتضى أن يضع نفسه، وفي المسائل الخلافية.
والذي ينظر إلى ابن السراج من خلال هذه النقاط الأربع يجده يعتمد
الوجهة البصرية، فهو كالنحاة البصريين يعتمد القبائل العربية الفصيحة،
ولا يقيس على القليل أو النادر بخلاف الكوفيين الذين أخذوا عن أعراب
لانت فصاحتهم، ويقيسون على النادر والقليل، بل الشاهد الواحد أيضًا.
ومن حيث المصطلحات النحوية، فإنه كان يستعمل المصطلحات البصرية
كالممنوع من الصرف، والظرف، والعطف، والجر، والمجرورات، والنعت والبدل،
وألقاب الإعراب، والبناء، والضمير، وضمير الفصل، والمتعدي، واللازم.
وفي كتاب الأصول الكثير من ذكر البصريين، وأحيانا يسميهم
(1/20)
بأصحابنا1، إلا أنه أحيانا أخرى يستعمل
اصطلاحات الكوفيين، كالنسق، والمكني، والجحد، والصفة، والمفسر، وما لم
يسم فاعله2.
ولعل مرجع ذلك إلى ما ذكره المترجمون له من أنه عول على مسائل
الكوفيين، وخالف أصول البصريين في مسائل كثيرة3.
كتاب الأصول:
كانت لكتاب الأصول في النحو منزلة خاصة في نفوس النحاة وفي تاريخ النحو
العربي، ولآرائه أهمية كبرى كتب لها من الذيوع والانتشار بين الدارسين
ما لم يكتب إلا لقلة نادرة من المصنفات النحوية، مثل كتاب سيبويه
والمقتضب لأبي العباس المبرد والتصريف لأبي عثمان المازني، فهذا العمل
البارع الذي قام به أبو بكر بن السراج في القرن الثالث الهجري، فجمع
فيه أبواب النحو والصرف لقي إقبالا وإعجابا من معظم دارسي العربية، فقد
جمع ابن السراج أصول العربية وأخذ مسائل سيبويه ورتبها أحسن ترتيب4 في
كتاب أصبح المرجع إليه عند اضطراب النقل واختلافه5 وهو غاية في الشرف
والفائدة6، فقد اختصر فيه أصول العربية، وجمع مقاييسها7، ونظر في دقائق
سيبويه، وعول على مسائل الأخفش والكوفيين وخالف أصول البصريين في مسائل
كثيرة حتى قيل: ما زال النحو مجنونا حتى عقله ابن السراج بأصوله8.
__________
1 انظر الأصول 1/ 484.
2 انظر الأصول 2/ 296، و2/ 198 و1/ 192 و1/ 289. و1/ 194، و2/ 300، و2/
191، و1/ 21، و279، و2/ 203.
3 انظر معجم الأدباء 18/ 198.
4 نزهة الألباء/ 69.
5 معجم الأدباء 18/ 200.
6 طبقات الزبيدي/ 122.
7 طبقات الزبيدي/ 122.
8 معجم الأدباء 18/ 198.
(1/21)
ولقد نسب كثير من الباحثين إلى ابن السراج
أنه أول من وضع كتابا في أصول العربية، فقد ذكر محققو سر صناعة الإعراب
لابن جني في مقدمته1 شيئا من ذلك، ولقد قال ابن السراج في كتاب الأصول
"فتفهم هذه الأصول والفصول فقد أعلنت في هذا الكتاب أسرار النحو وجمعته
جمعا يحصره وفصلته تفصيلا يظهره، ورتبت أنواعه وصنوفه على مراتبها
بأخصر ما يمكن من القول وأبينه ليسبق إلى القلوب فهمه ويسهل على
متعلميه حفظه2.
منهج ابن السراج:
الذي يقرأ كتاب الأصول يعرف أن ابن السراج كان منهجيا قويم النظرة في
عرض مادة كتابه، فلم يشأ أن يجري دراسته النحوية على النهج الذي ألفناه
في كتب من سبقه مجافيا لمذهب التقنين والقواعد فقد أدرك أن مدار علم
النحو في كتابه مبني على استخراج الأصول النحوية مع الالتزام بالدقة في
كل موضوع، وقد بوب كتابه تبويبا يشبه إلى حد كبير تبويب كتاب سيبويه،
لكن موضوعات أصول ابن السراج غير متداخلة كموضوعات الكتاب لا يمكن
التمييز بينها، فقد رتب على الشكل الذي ألفناه في الوقت الحاضر، فبدأ
بمرفوعات الأسماء، ثم المنصوبات والمجرورات، وانتقل بعد ذلك إلى
التوابع كالنعت والتوكيد وعطف النسق وعطف البيان، والعطف بالحروف. ثم
أشار إلى نواصب الأفعال وجوازمها، وزاد باب التقديم والتأخير، وباب
الإخبار بالذي وبالألف واللام، وانتهى إلى مسائل الصرف.
وكتاب الأصول خال من المقدمة، قليل الاستطراد، موضوعاته المتشابهة
محصورة في باب واحد لا في أبواب متفرقة كما هي الحال في كتاب سيبويه
يبدأ بتعريف النحو العربي وينتهي بباب ضرورة الشاعر.
__________
1 سر صناعة الإعراب 1/ 6.
2 كتاب الأصول 1/ 27.
(1/22)
وتجدر الإشارة هنا إلى عدد النسخ التي كانت
بحوزة ابن السراج من كتاب سيبويه، فنراه كلم وجد كلمة أو عبارة فيها
أكثر من احتمال أو لها أكثر من وجه من وجوه التفسير رجع إلى نسخة معينة
مشيرا إلى صاحب تلك النسخة مبينا أنها بخطه أو كانت ملكه: كالمبرد،
وثعلب، والقاضي1، فهو يشبه المحقق في هذا الزمن، إذ إنه يحاول إخراج
النص سليما، لا يشوبه الغموض، ولا يتطرق إليه الشك من قريب أو بعيد.
ولقد نال الأصول إعجاب من جاء بعد ابن السراج من الباحثين، وأثنوا
عليه، ووضعوه في مكانه اللائق به.
قال ياقوت الحموي: وإليه المرجع عند اضطراب النقل واختلافه2.
وقال الزبيدي في طبقاته: هو غاية في الشرف والفائدة، وهو من أجود الكتب
المصنفة في هذا الشأن3.
وقال ابن شاكر الكتبي: له كتاب الأصول في النحو، مصنف نفيس شرحه
الرماني4.
ولقد استشهد أبو بكر بن السراج في كتاب الأصول بالشعر في أماكن عديدة
بما ثبت عن العرب أو أنه فهم على غير وجهه الصحيح. تتمثل هذه الشواهد
بكثرة ما استشهد به من الشعر للغات العرب المختلفة أو لهجات بعض
قبائلهم أو تعزيز القواعد التي قال بها فريق من النحاة؛ لأن السماع ورد
بها وأنكرها فريق آخر لأنها تتعارض مع القياس، أو لأنهم لم يطمئنوا إلى
__________
1 هو إسماعيل بن إسحاق القاضي -ذكره السيرافي باسمه كاملا في شرح
الكتاب 5/ 113، دار الكتب نسخة البغدادي- مات سنة 282هـ.
2 معجم الأدباء 18/ 199.
3 طبقات الزبيدي/ 222، وفيات الأعيان 3/ 42.
4 عيون التواريخ "1497" سنة 316هـ.
(1/23)
هذا السماع، كذلك تمثل ما اضطر إليه قائله
لضرورة الشعر وهو عربي فصيح، ولكنه لا ينبغي أن يرد في السعة؛ لأن
للشعر ضروراته وأحكامه، والنوع الثالث: ما جاء شاذا خلاف القياس أو
السماع، ولكنه صدر عن عربي فصيح فلا يمكن رده أو الحكم عليه بالخطأ أو
تضعيف روايته.
تأثره بمن سبقه:
ينبغي هنا أن نقتصر على مجرد الإشارة إلى مصادر "كتاب الأصول" لنكون
على بينة من أمر تأليف هذا الكتاب ومادته وتأثر صاحبه بمن سبقه من
النحاة. في ثنايا الكتاب تقع على ذكر ابن أبي إسحاق "117هـ" وعيسى بن
عمر "149هـ"، وأبي عمرو بن العلاء "154هـ"، وأبي الخطاب الأخفش الأكبر
"157هـ"، والخليل بن أحمد الفراهيدي "174هـ" ويونس بن حبيب "183هـ",
وأبي زيد الأنصاري "215هـ"، والأخفش الأوسط "208هـ"، والجرمي "225هـ"
والمازني "249هـ"، والرياشي "257هـ" وأبي العباس المبرد "285هـ"، من
البصريين وعلى ذكر الكسائي "189هـ"، والأحمر "194هـ"، والفراء "207هـ"
والطوال "243هـ"، وثعلب "291هـ"، من الكوفيين، ومما يشكل قسما من
الكتاب ما نقله عن العرب كالحجازيين والتميميين وسائر القبائل العربية
الأخرى1.
ولم يكن ابن السراج مجرد ناقل أو جامع يجمع الآراء ويقدمها للدارسين،
بل كانت له مقدرة فائقة في التعليل والترجيح، كما تظهر أحكامه على حظ
كبير من السداد والقبول شأن العالم المعتمد بعلمه المتأكد من صحة قوله
وتصويب رأيه وكثرة حفظه وعمق إدراكه وتمكنه من الفهم، وإذا كان الأصول
مليئًا بالكثير مما نقله ابن السراج عن غيره من شواهد وأحكام، فإن
__________
1 انظر الأصول 1/ 81، 82، 144، 133، 236، 337، 155، وجـ2/ 163، 177،
162، 166 ...
(1/24)
الكثير ليشهد بأنه لم يكن مجرد ناقل لآراء
شيوخه، فهو يناقشهم فيها، ولا يتردد في إبداء رأيه ولو كان ذلك مخالفا
لآراء من نقل عنه، ويخرج عليه، ولا يحجم عن تأييد أقواله واستحسانها
وتقبيحها واستبعادها حتى كانت أقواله وأحكامه وآراؤه إلى جنب أقوال
شيوخه وآرائهم وأحكامهم دالة على أنه لا يقل عنهم شأنا، ولا ينقص فكرا
وعلما وأصالة1.
المسائل التي تفرد بها ابن السراج:
إن كتاب الأصول قيض له أن يقع في أيدي الباحثين من علماء العربية،
فوقفوا منه على هذه الثروة الطائلة من الأحكام والقوانين، فأطلقوا عليه
مخترع علم الأصول مستندين في ذلك إلى ما جاء بالكتاب نفسه من القوانين
العامة، كما أنهم استندوا إلى مقال المترجمين حين قالوا فيه ما قالوا،
فهو يلفت الأنظار بموضوعه من ناحية وبعنوانه من ناحية أخرى، لهذا، فإن
لابن السراج آراء كثيرة في كتب النحاة الذين جاءوا بعده، وسوف أعرض
لجانب من هذه الآراء:
1- لمّا ظرف:
ذهب جمهور النحاة إلى أن "لمّا" في مثل: لما جاءني أكرمته "حرف وجود
لوجود، أما ابن السراج فيذهب إلى أنها ظرف بمعنى "حين" تنفي عن الثاني
ما وجب للأول فعلى هذا لا تقع بعد كلام فيه نفي2. وهو يخالف النحاة من
أن الظرف والجار والمجرور إذا وقعا خبرا أو حالا أو صفة لا يتعلقان
بمحذوف تقديره: استقر أو مستقر إذ كان يرى أنها قسم مستقل بنفسه يقابل
الجملتين الاسمية والفعلية3.
__________
1 انظر الأصول 2/ 580، 510، 114، 402، وجـ1/ 313، 116 ...
2 المغني: 1/ 310. المصباح المنير 2/ 933.
3 شرح ابن عقيل 1/ 211. وهمع الهوامع 1/ 99. وارتشاف الضرب/ 156.
(1/25)
2- اسم الفاعل مفرد:
قال ابن السراج: كل ما كان يجمع بغير الواو والنون نحو: حسن وحسان، فإن
الأجود فيه أن تقول: مررت برجل حسان قومه، من قبل أن هذا الجمع المكسر
هو اسم واحد صيغ للجميع، ألا ترى أنه يعرب كإعراب الواحد المفرد، وما
كان يجمع بالواو والنون نحو: منطلقين. فإن الأجود فيه أن تجعله بمنزلة
الفعل المقدم، فتقول: مررت برجل منطلق قومه1.
3- مع اسم:
ذهب ابن السراج إلى أن "مع" اسم يدل على ذلك حركة آخرها مع تحرك ما
قبلها، قال الزجاج2: في قوله تعالى: {إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ
مُسْتَهْزِئُونَ} نصب "معكم" كنصب الظرف، والواقع أنها ظرف لأننا نقول:
إنا معكم كما نقول: أنا خلفكم: أنا مستقر معكم وأنا مستقر خلفكم.
4- اسم الإشارة أعرف المعارف:
ذهب النحويون المتقدمون والمتأخرون إلى أن الاسم العلم أعرف المعارف ثم
المضمر ... واحتجوا بأن العلم لا اشتراك فيه في أصل الوضع، وإنما تقع
الشركة عارضة فلا أثر لها.
أما ابن السراج، فيذهب إلى أن اسم الإشارة أعرف المعارف، ثم يليه
المضمر والعلم واحتج بأن اسم الإشارة يتعرف بشيئين: بالعين والقلب
وغيره يتعرف بالقلب لا غير3.. لأن الإشارة ملازمة للتعريف بخلاف العلم
وتعريفها حسي وعقلي وتعريفه حسي فقط وأنها تقدم عليه عند الاجتماع نحو:
هذا زيد.
__________
1 الأشباه والنظائر 1/ 90-91.
2 اللسان: مادة "معع".
3 شرح المفصل 5/ 87. شرح التصريح 1/ 95، والتذليل والتكميل 1/ 235.
(1/26)
والذي وجدته في كتاب الأصول أن أعرف
المعارف هو الضمير1، وهو مذهب سيبويه وهذا خلاف ما روي عنه.
5- ليس حرف لا فعل:
ذهب ابن السراج إلى أن "ليس" حرف؛ لأنها لا تتصرف، أي: لا يأتي منها
المضارع والأمر، ومثلها: "عسى" بينما كان جمهور البصريين يذهب إلى أن
"ليس" فعل ناقص لاتصالها بالضمائر مثل: لست، ولستما وليسوا، ولسن، وإلى
أن "عسى" فعل لاتصالها بالضمائر مثل: عساك، وعساه2 ...
6- صرف ما لا ينصرف:
كان ابن السراج يقول: لو صحت الرواية في صرف ما لا ينصرف ما كان بأبعد
من قوله:
فبيناه يشري رحله قال قائل ... لمن جمل رخو الملاط نجيب
فإنما هو يشري رحله، فحذف الواو من "هو" وهي متحركة من نفس الكلمة
وليست بزائدة، فإذا جاز أن تحذف ما هو من نفس الحرف جاز أن تحذف
التنوين الذي هو زائد للضرورة3 ...
7- إما ليست حرف عطف:
قال ابن السراج: ليست "إما" بحرف عطف؛ لأن حروف العطف لا يدخل بعضها
على بعض، فإن وجدت شيئا من ذلك في كلامهم، فقد خرج أحدهما من أن يكون
حرف عطف نحو قولك: ما قام زيد ولا عمرو "فلا" في هذه المسألة ليست
عاطفة، إنما هي نافية ونحن نجد "إما" هذه لا يفارقها حرف العطف فقد
خالفت ما عليه حروف العطف، ثم إنها يبتدأ بها نحو قوله تعالى: {إِمَّا
أَنْ تُعَذِّبَ وَإِمَّا أَنْ تَتَّخِذَ فِيهِمْ حُسْنًا} وذلك أن موضع
__________
1 انظر الأصول 2/ 264.
2 انظر المغني 1/ 162.
3 انظر شرح السيرافي 1/ 134، والإنصاف 2/ 267، وشرح المفصل 1/ 68.
(1/27)
"أن" في كلا الموضعين رفع بالابتداء
والتقدير: إما العذاب شأنك. وإما اتخاذ الحسن1 ...
زمن تأليف كتاب الأصول:
ليس بين أيدينا ما يدلنا على زمن تأليف هذا الكتاب أو السنة التي كتب
فيها من قبل ابن السراج، فلم نظفر بما يشير إلى زمن تأليف الأصول والذي
يبدو أن كتاب ابن السراج هذا من الكتب المتأخرة في وضعها، فقد وردت
إشارة في كتاب الأصول نفسه أنه آخر كتب ابن السراج، قال: ونحن نفرد
كتابا بالتفريع للأصول ومزج بعضها ببعض نسميه كتاب الفروع ليكون فروع
هذه الأصول إن أخر الله في الأجل وأعان2 ... والظاهر أنه توفي قبل أن
يؤلف كتاب الفروع، ثم إن الذين ترجموا له لم يذكروا له مثل هذا الكتاب
-أعني كتاب الفروع- كذلك قال ابن الأنباري: ولأبي بكر مصنفات حسنة
أحسنها وأكبرها كتاب الأصول، فإنه جمع فيه أصول العربية..
ومن الطبيعي أن العالم كلما تقدمت به السن زادت تجاربه ونضجت أحكامه
واقترب من الكمال في أعماله العلمية والأدبية.
تسمية الكتاب:
نص ابن السراج في الورقة الثانية من كتابه هذا على اسمه عندما بين
الغرض من التأليف، قال: وغرضي في هذا الكتاب العلة التي إذا اطردت وصل
بها إلى كلامهم فقط، وذكر الأصول والشائع؛ لأنه كتاب إيجاز3 ...
وقال في مكان آخر: قد فرغنا من ذكر المرفوعات والمنصوبات، وذكرنا
__________
1 انظر شرح المفصل 8/ 130، والأشباه والنظائر 1/ 322.
2 انظر كتاب الأصول 1/ 343.
3 الأصول 1/ 2.
(1/28)
في كل باب من المسائل مقدارا كافيا فيه
دربة للمتعلم ودرس للعالم بحسب ما يصلح في هذا الكتاب لأنه كتاب أصول1
...
وقال: قد انتهينا إلى الموضوع الذي يتساوى فيه كتاب الأصول وكتاب الجمل
بعد ذكر الذي والألف واللام2 ...
وذكر في آخر الكتاب: هذا آخر الأصول بحمد الله ومنه3.
غير أن النحاة وأصحاب التراجم وغيرهم آثروا زيادة هذه التسمية وأطلقوا
على الكتاب اسم الأصول الكبير أو أصول النحو، وظل معروفا باسم الأصول
الكبير عند كثير ممن ترجموا لابن السراج كياقوت الحموي وابن خلكان،
والزبيدي، والسيوطي، وغيرهم، حتى يومنا هذا، أما لماذا سمي بالأصول
الكبير؛ فلأن له كتابا آخر اسمه جمل الأصول4. أو الأصول الصغير5، فهذه
تسمية -كما تبدو- للفرق بين الكتابين، والإشارة إلى أن كتاب الأصول
الكبير أحسن مصنفات ابن السراج وأكبرها6.
منهج التحقيق:
لما كان الغرض من تحقيق النصوص إنما هو إظهارها سليمة صحيحة كما أراد
لها المؤلف لم أبخل بجهد في هذا السبيل واضعا نصب عيني ما تتطلبه إعادة
النص إلى وضعه الأول، من دقة وأمانة، وحيطة وحذر، وقد تكون الإعادة إلى
الأصل أصعب من ولادة أصل جديد، مصداق ذلك قول الجاحظ: "لربما أراد مؤلف
الكتاب أن يصلح تصحيفا أو كلمة ساقطة فيكون
__________
1 الأصول 1/ 343.
2 الأصول 2/ 234.
3 الأصول 2/ 582.
4 وفيات الأعيان 3/ 462، وبغية الوعاة/ 44.
5 معجم الأدباء 18/ 199.
6 نزهة الألباء/ 312.
(1/29)
إنشاء عشر ورقات من حر اللفظ وشريف المعنى
أيسر عليه من إتمام ذلك النص حتى يرده إلى موضعه من اتصال الكلام"1.
والذي أعانني على تحقيق الكتاب أن كثيرا من نصوصه منقولة من كتاب
سيبويه فإذا ما استعصى لفظ في النسخة المخطوطة التي بين يدي رجعت إلى
الباب الذي يشبهه في كتاب سيبويه نحوا كان أو صرفا وإلى تصريف المازني
فيما يتعلق بالصرف فقط، ومع ذلك فمواضع الإبهام والغموض كثيرة فيه.
وقد تتبعت في تحقيقه نصوص ابن السراج في "الأصول" فأكملت الناقص، وأقمت
المعوج، وهذبت المختل في دقة وأمانة دون المساس بالمعنى أو بمواد
المؤلف، وقد حافظت على النص وعدم التدخل فيه إلا بالقدر الذي لا يمس
جوهره كإعادة كتابة كلمة وفق القواعد الإملائية الصحيحة. وكل ما امتدت
إليه يدي بالتقويم والتهذيب أو الإضافة أو الحذف أشرت إليه في الحاشية
حرصا على أمانة النص العلمية وفق القواعد التالية:
1- تتبعت مسائل ابن السراج جميعها في كتابه، وأرجعت الأصول التي نقلها
إلى أصحابها ما أمكن ذلك؛ لأن بعض الكتب التي نقل عنها لا توجد لدينا
أو أنها مفقودة.
2- وجدت في النص جملا غير مستقيمة فحاولت تقويمها بما يلائم السياق من
زيادة كلمة أو حرف بأن وضعت الزائد بين هذين [] المعكوفين وأشرت إلى
ذلك في الحاشية، يتجلى ذلك في نسخة تركيا، إذ إنها مليئة بالأخطاء إلى
درجة أن المعنى يضيع في مواطن كثيرة، لولا أن كتاب الأصول كان صورة من
كتاب سيبويه، والذي يسر هذا التدخل في النص أن ناسخه غير مؤلفه، ولو
كان الناسخ هو المؤلف نفسه لما تجرأ شخص في عصرنا هذا
__________
1 كتاب الحيوان 1/ 79.
(1/30)
على شيء مما فعلت؛ لأن المخطوط يكون آنذاك
صورة لثقافة مؤلفه.
3- ترجمت للأعلام الذين وردت أسماؤهم في المخطوط وضبطتها ما أمكنني ذلك
ولما كانت هذه الأسماء منها ما يتكرر عشرات المرات وكانت صفحات المخطوط
تبلغ ألف صفحة أو تزيد فقد اقتصرت على ترجمة الاسم حين وروده لأول مرة
ولم أذكره في سائر المرات التالية لذلك.
4- خرجت الشواهد من آيات وأحاديث وأشعار وأمثال متبعا ما يلي:
أ- الآيات القرآنية: فقد رددتها إلى مواضعها في المصحف الشريف وذكرت في
الهامش رقمها واسم السورة التي وردت فيها، كما أكملت الناقص من الآيات
في الهامش مشيرا إلى القراءات إذا كان هناك قراءة في آية من الآيات.
ب- الأحاديث النبوية: وهي قليلة في الكتاب، فقد تتبعت ما جاء منها في
كتب الحديث والمعاجم واللغة والنحو وبينت ما كان منها حديثا وما كان من
كلام العرب المأثور عنهم.
جـ- الأمثال: وكانت هي الأخرى قليلة، لجأت في ذلك إلى كتب الأمثال
للتحقق منها، وكذلك كتب اللغة والنحو وخرجتها وشرحتها بما يتفق
والموضوع الذي وردت فيه.
د- شواهد الشعر: كنت أرجع فيها إلى دواوين الشعراء وكتب اللغة والنحو
والمعاجم، أكمل الناقص منها في الهامش، وأشرح الغامض من مفرداتها
اللغوية الصعبة -وما أكثرها- شرحا موجزًا يخدم الموضوع الذي سيق له
شاهدا عليه، ونسبت الشواهد غير المنسوبة إلى قائليها كلما استطعت ذلك
ووجدت سبيلا إليه، وكذلك كنت أذكر بإيجاز بعض الفوائد النحوية التي
تتصل
(1/31)
بموضوعات المسائل، وذلك كخلاف بين بعض
النحويين مما يرجح رأي ابن السراج أو يضعفه، وكل ذلك في الهامش بغية
تعميم الفائدة وإفادة القارئ.
5- شرحت المفردات الغريبة التي وردت في المخطوط شرحا لغويا موجزا، وقد
اعتمدت في ذلك على بعض المعاجم العربية: كالتهذيب والصحاح واللسان
والقاموس والمحكم لابن سيده والجمهرة لابن دريد.
6- جاء النص مشكولا في الجزء الأول والجزء الثاني نسخة المتحف
البريطاني، فحافظت على الشكل؛ لأن القسم الأكبر من الكتاب صرف، فهو
عرضة للبس والإبهام، وقد حاولت تصحيح ما وجدته خطأ من ذلك.
نسخ الكتاب:
أولا: نسخة المغرب الموجودة في الخزانة العامة في الرباط رقمها "326"
وهي نسخة قديمة جميلة الخط مشكولة يرجع تأريخها إلى القرن السادس
الهجري، وتتألف من خمسمائة وأربع وعشرين صفحة.
ومتوسط عدد السطور في كل صفحة ستة عشر سطرا، كما أن متوسط كل سطر عشر
كلمات.
والنسخة من القطع المتوسط فيها رسم تخطيطي كتب داخله الخزانة العامة،
الرباط قسم التصويب، وفي آخرها ختمان أحدهما مكتوب فيه: مكتبة الزاوية
الناصرية رقم "644"، والآخر مكتوب فيه: مخطوطات الأوقاف رقمه "355"
وتحتوي على خمسة وتسعين بابا والعناوين مكتوبة بخط كبير.
ويوجد على هامش النسخة تصحيحات كان يكتب آخرها "صحح".
ويوجد في هذه النسخة سقط في باب "حروف الجر" مقداره صفحتان
(1/32)
وتنتهي النسخة في باب الكاف من حروف الجر
وأنها اسم، كذلك فإنها تحتوي على مسائل نحوية خالصة.
ثانيا: نسخة جامعة القرويين في مدينة فاس بالمغرب أيضا.
نسخة قديمة جميلة الخط يرجع تأريخها إلى القرن السادس الهجري، وتتألف
من مائة صفحة، قطعة من كتاب الأصول "الجزء الأول".
متوسط عدد السطور "32" سطرا، كما أن متوسط كل سطر عشر كلمات، رقمها
"1774" تبدأ بتعريف النحو وتنتهي بباب الصفة المشبهة باسم الفاعل.
كتبها عبد الله أحمد المنصوري بالله، فيها ثقوب كبيرة وأثر لتآكل في
حواشيها.
ثالثا: نسخة المتحف البريطاني:
تتألف من "258" صفحة وتوجد في المتحف البريطاني ومعهد المخطوطات
بالجامعة العربية ومجمع اللغة العربية والمجمع العلمي العراقي وهي كلها
نسخة واحدة وهي نسخة المتحف البريطاني.
كتب عليها قبل البسملة: "أصول النحو لابن السراج" والعنوان حديث
بالنسبة لتاريخ المخطوطة؛ لأن هذه النسخة قطعة من الكتاب.
وعدد أسطر كل صفحة في المتوسط يصل إلى ثلاثة وعشرين سطرا في كل سطر خمس
عشرة كلمة.
وهي نسخة قديمة الخط مشكولة يرجع تأريخها إلى القرن السابع الهجري خطها
حسن جميل، وتحتوي على بعض المسائل النحوية، والقسم الأكبر منها مسائل
صرفية بحتة، وفيها سقط يبدأ بباب النسب.
وقد كتب في آخرها "كتبت سنة "650هـ" وقوبلت بنسخة مقروءة على الشيخ أبي
الحسن علي بن عيسى الرماني النحوي رحمه الله، وقد كتبه محمود بن أبي
المفاخر محمود غفر الله ذنوبه وستر عيوبه".
(1/33)
رابعا: نسخة سليم آغا في مدينة اسطنبول
بتركيا:
وهي نسخة حديثة جميلة الخط يرجع تأريخها إلى القرن الثاني عشر، وعدد
صفحاتها "377" صفحة.
متوسط عدد السطور "46" سطرا، كما أن متوسط كل سطر عشر كلمات، وهي من
القطع الكبير، يوجد في هامش النسخة تصحيحات.
وتبدأ بباب: إضافة أفعل ما هو بعض له، وتنتهي بباب: ضرورة الشاعر.
ومكتوب في آخرها: ما وجد مكتوبا في الأصل المنقول من هذه النسخة بذا
آخر الأصول، فرغ يوم الاثنين سادس شوال سنة ثمانين وستمائة، كاتبه عبد
الله بن منصور.
الدكتور.
عبد الحسين الفتلي.
كلية التربية/ جامعة بغداد.
(1/34)
|