الأصول في النحو

أقسام الكلم العربي
مدخل
...
بسم الله الرحمن الرحيم
قال أبو بكر محمد بن السراج النحوي: النحو إنما أريد به أن ينحو المتكلم إذا تعلمه كلام العرب، وهو علم استخرجه المتقدمون فيه من استقراء كلام العرب، حتى وقفوا منه على الغرض الذي قصده المبتدئون بهذه اللغة, فباستقراء كلام العرب1 فاعلم: أن الفاعل رفع, والمفعول به نصب, وأن فعل مما عينه: ياء أو واو تقلب عينُه من قولهم: قام وباع2.
واعتلالات النحويين على ضربين: ضرب منها هو المؤدي إلى3 كلام العرب كقولنا: كل فاعل مرفوع4 وضرب آخر يسمى علة العلة, مثل أن يقولوا: لِمَ صار الفاعل مرفوعًا والمفعول به منصوبًا, ولم إذا تحركت الياء والواو وكان ما قبلهما مفتوحًا قلبتا ألفًا, وهذا ليس يكسبنا أن نتكلم كما تكلمت العرب, وإنما تستخرج منه حكمتها في الأصول التي وضعتها, وتبين بها فضل هذه اللغة/2 على غيرها من اللغات وقد وفر الله تعالى من الحكمة بحفظها وجعل فضلها غير مدفوع.
__________
1 في الأصل "كلامهم" والذي أثبت من "ب".
2 في الأصل "قومه وبيعه" والذي أثبت من "ب".
3 في الأصل "من" والتصحيح من "ب".
4 في الأصل "كما مثلنا" والزيادة من "ب".

(1/35)


وغرضي في هذا الكتاب1 [ذكر2] العلة التي إذا اطردت وصل بها إلى كلامهم فقط, وذكر الأصول والشائع؛ لأنه كتاب إيجاز.
الكلام:
يأتلف من ثلاثة أشياء3: "اسم" "وفعل" "وحرف ".
__________
1 كتاب ساقط من "ب".
2 زيادة من "ب".
3 في الكتاب 1/ 2 "فالكلم: اسم، وفعل، وحرف جاء لمعنى". وفي المقتضب 1/ 3 "فالكلام كله: اسم، وفعل، وحرف جاء لمعنى" لا يخلو الكلام -عربيا كان، أو عجميا- من هذه الثلاثة.

(1/36)


شرح الاسم:
الاسم: ما دل على معنى مفرد, وذلك المعنى يكون شخصًا وغير شخص فالشخص نحو: رجل وفرس وحجر وبلد وعمر وبكر. وأما ما كان غير شخص فنحو: الضرب والأكل والظن والعلم واليوم والليلة والساعة.
وإنما قلت: "ما دل"1 على معنى مفرد لا فرق2 بينه وبين الفعل, إذا كان الفعل يدل على معنى وزمان, وذلك الزمان إما ماض, وإما حاضر, وإما مستقبل.
فإن قلت: إن في الأسماء3 مثل اليوم والليلة والساعة, وهذه أزمنة, فما الفرق بينها وبين الفعل؟ قلنا: الفرق أن الفعل ليس هو زمانًا4 فقط كما أن اليوم زمان فقط, فاليوم معنى مفرد للزمان ولم يوضع مع ذلك لمعنى
__________
1 زيادة من "ب".
2 في الأصل: لأن الفرق والتصحيح من "ب".
3 في الأصل "الاسم" والتصحيح من "ب".
4 في الأصل "زمان".

(1/36)


آخر, ومع ذلك أن الفعل قد قسم بأقسام الزمان الثلاثة: الماضي, والحاضر, والمستقبل, فإذا كانت اللفظة تدل على زمان فقط فهي اسم, وإذا دلت على معنى وزمان محصل1 فهي فعل, وأعني بالمحصل الماضي والحاضر والمستقبل.
ولما كنت لم أعمل هذا الكتاب للعالم دون المتعلم, احتجت إلى أن أذكر ما يقرب على المتعلم.
فالاسم تخصه أشياء يعتبر بها, منها أن يقال: أن الاسم ما جاز أن يخبر عنه, نحو قولك: عمرو منطلق, وقام بكر.
والفعل: ما كان خبرًا ولا يجوز أن يُخبر عنه, نحو قولك: أخوك يقوم. وقام أخوك, فيكون حديثًا عن الأخ, ولا يجوز أن تقول: ذهب يقوم, ولا يقوم يجلس.
الحروف: ما لا يجوز أن يخبر عنها ولا يجوز أن تكون خبرًا نحو: من, وإلى.
والاسم قد يعرف أيضًا بأشياء كثيرة, منها دخول الألف واللام اللتين للتعريف عليه نحو: الرجل, والحمار, والضرب, والحمد, فهذا لا يكون في/ 4 الفعل, ولا تقول: اليقوم, ولا اليذهب.
ويعرف أيضًا بدخول حرف الخفض عليه نحو مررت بزيد وبأخيك وبالرجل ولا يجوز أن تقول: مررت بيقوم ولا ذهبت إلى قام.
ويعرف أيضًا بامتناع قد وسوف من الدخول عليه, ألا ترى أنك لا تقول: قد الرجل ولا سوف الغلام, إلا أن هذا ليس خاصًّا بالاسم فقط,
__________
1 وصف الزمان بمحصل لتدخل في الحد أسماء الفاعلين، وأسماء المفعولين والمصادر من حيث كانت هذه الأشياء دالة على الزمان لاشتقاق بعضها من الفعل، وهو اسم الفاعل واسم المفعول. واشتقاق الفعل من بعضها وهو المصدر.

(1/37)


ولكن قد يمتنع سوف وقد من الدخول على الحروف، ومن الدخول على فعل الأمر والنهي1 إذا كان بغير لام نحو: اضرب واقتل، لا يجوز أن تقول: قد اضرب الرجل ولا سوف اقتل الأسد.
والاسم أيضا ينعت والفعل لا ينعت. وكذلك الحرف لا ينعت تقول: مررت برجل عاقل، ولا تقول: يضرب عاقل، فيكون "العاقل" صفة ليضرب.
والاسم يضمر ويُكنى عنه تقول: زيد ضربته والرجل لقيته, والفعل لا يكنى عنه فتضمره, لا تقول: "يقوم ضربته" ولا "أقوم تركته" إلا أن هذه الأشياء ليس يعرف بها كل اسم, وإنما يعرف بها الأكثر, ألا ترى أن المضمرات والمكنيات أسماء ومن الأسماء ما لا يكنى عنه, وهذا يبين في موضعه إن شاء الله.
ومما يقرب على المتعلم أن يقال/ 5 له: كل ما صلح أن يكون معه "يضر وينفع" فهو اسم, وكل ما لا يصلح معه "يضر وينفع" فليس باسم, تقول: "الرجل ينفعني والضرب يضرني" ولا تقول "يضرب ينفعني" ولا "يقوم يضرني".
__________
1 زيادة من "ب".

(1/38)


شرح الفعل:
الفعل: ما دل على معنى وزمان, وذلك الزمان إما ماض وإما حاضر وإما مستقبل.
وقلنا: "وزمان" لنفرق بينه وبين الاسم الذي يدل على معنى فقط.
فالماضي كقولك: "صلى زيد" يدل على أن الصلاة كانت فيما مضى من الزمان, والحاضر نحو قولك: "يصلي" يدل على الصلاة وعلى1 الوقت
__________
1 "على" ساقطة من "ب".

(1/38)


الحاضر. والمستقبل نحو "سيصلي" يدل على الصلاة وعلى أن ذلك يكون فيما يستقبل1.
والاسم إنما هو لمعنى مجرد من هذه الأوقات أو لوقت مجرد من هذه الأحداث والأفعال2 وأعني بالأحداث التي يسميها النحويون المصادر, نحو: الأكل والضرب والظن والعلم والشكر.
والأفعال التي يسميها النحويون "المضارعة": هي التي في أوائلها الزوائد الأربع: الألف والتاء والياء والنون, تصلح لما أنت فيه من الزمان ولما يستقبل نحو أكل وتأكل, ويأكل ونأكل, فجميع/ 6 هذا يصلح لما أنت فيه من الزمان, ولما يستقبل, ولا دليل في لفظه على أي الزمانين تريد كما أنه لا دليل3 في قولك: رجل فعل كذا وكذا, أي الرجال تريد حتى تبينه بشيء آخر, فإذا قلت: سيفعل أو سوف يفعل دل على أنك تريد المستقبل وترك الحاضر على لفظه؛ لأنه أولى به, إذ كانت الحقيقة إنما هي للحاضر الموجود لا لما يتوقع أو قد مضى, ولهذا ما ضارع عندهم الأسماء4, ومعنى ضارع: شابه, ولما وجدوا هذا الفعل الذي في أوائله الزوائد الأربع5 يعم شيئين: المستقبل والحاضر كما يعم قولك: "رجل" زيدًا وعمرًا, فإذا قلت: سيفعل أو سوف يفعل خص المستقبل دون الحاضر, فأشبه الرجل إذا أدخلت الألف واللام عليه6 فخصصت به واحدًا ممن له هذا الاسم, فحينئذ يعلم
__________
1 في "ب" دل على الصلاة والوقت المستقبل.
2 زيادة من "ب".
3 في "ب" على.
4 في "ب" ضارع الأسماء عندهم.
5 في المقتضب 2/ 1 وإنما ضارع الأسماء من الأفعال، ما دخلت عليه زائدة من الزوائد الأربع التي توجب الفعل غير ماضٍ، ولكنه يصلح لوقتين: لما أتت فيه، وإنما لم يقع.
6 في "ب" إذا دخلت عليه الألف واللام.

(1/39)


المخاطب من تريد لأنك لا تقول: "الرجل" إلا وقد علم من تريد منهم1, أو كما أن الأسماء قد خصت بالخفض2 فلا يكون في غيرها, كذلك خصت الأفعال بالجزم فلا يكون في غيرها.
وجميع الأفعال مشتقة/ 7 من الأسماء التي تسمى مصادر كالضرب والقتل والحمد, ألا ترى أن حمدت3 مأخوذ من الحمد, و"ضربت"4 مأخوذ من الضرب, وإنما لقب النحويون هذه الأحداث مصادر؛ لأن الأفعال كأنها صدرت عنها.
وجميع ما ذكرت لك أنه يخص الاسم فهو يمتنع من الدخول على الفعل والحرف.
وما تنفرد به الأفعال دون الأسماء, والأسماء دون الأفعال كثير يبين في سائر العربية إن شاء الله.
__________
1 في "ب" منهما وهو الصواب.
2 انظر الكتاب 1/ 3.
3 في "ب" أحمد.
4 في "ب" ضرب.

(1/40)


شرح الحرف:
الحرف: ما لا يجوز أن يخبر عنه كما يخبر عن الاسم, ألا ترى أنك لا تقول: إلى منطلق كما تقول: "الرجل منطلق" ولا عن ذاهب, كما تقول: "زيد ذاهب" ولا يجوز أن يكون خبرًا, لا تقول: "عمرو إلى" و"لا بكر عن" فقد بان أن الحرف من الكلم1 الثلاثة2 هو الذي لا يجوز أن تخبر عنه ولا يكون خبرًا. والحرف لا يأتلف منه مع الحرف كلام, لو قلت
__________
1 أي من أقسام الكلمة الثلاثة.
2 في الأصل "الثلاثة" وهي تمييز المذكر.

(1/40)


"أمن" تريد ألف الاستفهام "ومن" التي يجر بها لم يكن كلامًا, وكذلك لو قلت: ثم, قد تريد "ثم" التي للعطف وقد التي تدخل على الفعل لم يكن كلامًا, ولا يأتلف من الحرف مع الفعل كلام لو قلت: أيقوم, ولم تجد ذكر/ 8 أحد ولم يعلم المخاطب أنك تشير إلى إنسان, لم يكن كلامًا, ولا يأتلف أيضًا منه مع الاسم كلام, لو قلت: "أزيد" كان كلامًا غير تام, فأما "يا زيد" وجميع حروف النداء فتبين استغناء المنادي بحرف النداء, وما يقوله النحويون: من أن ثم فعلًا يراد, تراه في باب النداء إن شاء الله.
والذي يأتلف منه الكلام الثلاثة الاسم والفعل والحرف, فالاسم قد يأتلف مع الاسم نحو قولك: "الله إلهنا" ويأتلف الاسم والفعل نحو: قام عمرو, ولا يأتلف الفعل مع الفعل, والحرف لا يأتلف مع الحرف, فقد بان فروق ما بينهما.

(1/41)