الأصول في النحو ذكر العوامل من
الكلم الثلاثة
مدخل
...
ذكر العوامل من الكلم الثلاثة:
من الكلم الثلاثة, الاسم والفعل/ 21 والحرف وما لا يعمل منها.
(1/51)
تفسير الأول, وهو الاسم:
الاسم: يعمل في الاسم على ثلاثة أضرب:
الضرب الأول:
أن يبنى عليه اسم مثله أو يبنى على اسم ويأتلف1 باجتماعهما الكلام
ويتم, ويفقدان العوامل من غيرهما نحو قولك: "عبد الله أخوك".. فعبد
الله, مرتفع بأنه أول مبتدأ فاقد للعوامل, ابتدأته لتبني عليه ما يكون
حديثًا عنه: "وأخوك" مرتفع بأنه الحديث المبني على الاسم الأول
المبتدأ.
الضرب الثاني:
أن يعمل الاسم بمعنى الفعل, والأسماء التي تعمل عمل الفعل أسماء
الفاعلين2 وما شبه بها والمصادر وأسماء سموا الأفعال بها, وإنما أعملوا
اسم الفاعل لما ضارع الفعل, وصار الفعل سببًا له وشاركه في المعنى وإن
افترقا في الزمان, كما أعربوا الفعل لما ضارع الاسم فكما أعربوا هذا
أعلموا ذلك, والمصدر حكمه حكم اسم الفاعل, أعمل, كما أعمل إذا كان
الفعل مشتقًّا منه, إلا أن الفرق بينه وبين اسم الفاعل أن المصدر يجوز
أن يضاف إلى الفاعل وإلى المفعول؛ لأنه غيرهما3, تقول/ 22: عجبت من ضرب
زيد عمرًا, فيكون زيد هو الفاعل في المعنى وعجبت من ضرب زيد عمرو فيكون
زيد هو المفعول في المعنى ولا يجوز هذا في اسم الفاعل, لا يجوز أن
تقول: عجبت من ضارب زيد, وزيد فاعل؛ لأنك تضيف الشيء إلى نفسه, وذلك
غير جائز..
فأما ما شبه4 باسم الفاعل نحو: حسن وشديد فتجوز إضافته إلى
__________
1 زيادة من "ب".
2 في "ب" كاسم الفاعل.
3 في "ب" إلى المفعول لا غير، وانظر الأشباه والنظائر 2/ 193 نقل النص
المثبت عن الأصول.
4 في "ب" المشبه.
(1/52)
الفاعل, وإن كان إياه لأنها إضافة غير
حقيقية نحو قولك: الحسن الوجه, والشديد اليد, والحسن للوجه والشدة لليد
وإنما دخلت الألف واللام -وهي لا تجتمع مع الإضافة- على الحسن الوجه
وما أشبهه لأن إضافته غير حقيقية, ومعنى: حسن الوجه, حسن وجهه, وقد
أفردت بابًا للأسماء التي تعمل عمل الفعل, أذكره بعد ذكر الأسماء
المرتفعة إن شاء الله.
الضرب الثالث:
أن يعمل الاسم لمعنى الحرف وذلك في الإِضافة, والإِضافة تكون على
ضربين1: تكون بمعنى اللام وتكون بمعنى "من". فأما الإِضافة التي بمعنى
اللام فنحو قولك: غلام زيد, ودار عمرو, ألا ترى أن المعنى: غلام لزيد
ودار لعمرو, إلا أن الفرق بين ما/ 23 أضيف بلام وما أضيف بغير لام, أن
الذي يضاف بغير لام يكتسي2 مما يضاف إليه تعريفه وتنكيره, فيكون معرفة
إن كان معرفة ونكرة إن كان نكرة, ألا ترى أنك إذا قلت: غلام زيد, فقد
عرف الغلام بإضافته إلى زيد, وكذلك إذا قلت: دار الخليفة, عرفت الدار3
بإضافتها إلى الخليفة. ولو قلت: دار للخليفة, لم يعلم أي دار هي, وكذلك
لو قلت: غلام لزيد, لم يدر أي غلام هو, وأنت لا تقول: غلام زيد فتضيف
إلا وعندك أن السامع قد عرفه كما عرفته. أما4 الإِضافة التي بمعنى "من"
فهو أن تضيف الاسم إلى جنسه نحو قولك: ثوب خز وباب حديد, تريد ثوبًا من
خز وبابًا من حديد, فأضفت5 كل واحد منهما إلى
__________
1 ذكر ابن السراج اللام و"من" والنوع الثالث هو "في" وهي مقدرة في كل
إضافة كان المضاف إليه فيها ظرفا، إضافة على جهة حلول المعنى في الشيء
على معنى الوعاء -كقوله تعالى: {بَلْ مَكْرُ اللَّيْلِ وَالنَّهَار} -
وإنما المعنى: بل مكركم في الليل والنهار "انظر الكتاب" 1/ 108.
2 في "ب": يكتسب.
3 الدار: ساقطة من "ب".
4 في "ب" وأما.
5 في "ب" فأضيف.
(1/53)
جنسه الذي هو منه, وهذا لا فرق فيه1 بين
إضافته بغير "من" وبين إضافته "بمن" وإنما حذفوا "من" هنا استخفافًا,
فلما حذفوها التقى الاسمان فخفض أحدهما الآخر إذا لم يكن الثاني خبرًا
عن الأول, ولا صفة له, ولو نصب على التفسير أو التمييز لجاز إذًا نون
الأول نحو قولك: ثوبٌ خزًّا.
واعلم/ 24: أن الاسم لا يعمل في الفعل ولا في الحرف, بل هو المعرض
للعوامل من الأفعال والحروف.
__________
1 فيه ساقطة في "ب".
(1/54)
تفسير الثاني وهو
الفعل:
اعلم: أن كل فعل1 لا يخلو من أن يكون عاملًا, وأول عمله أن يرفع الفاعل
أو المفعول2 الذي هو حديث عنه نحو: قام زيد وضرب عمرو, وكل اسم تذكره
ليزيد3 في الفائدة بعد أن يستغني الفعل بالاسم المرفوع الذي يكون ذلك
الفعل حديثًا عنه, فهو منصوب, ونصبه لأن الكلام قد تم قبل مجيئه وفيه
دليل عليه, وهذه العلل التي ذكرناها ههنا هي العلل الأول, وههنا علل
ثوان4 أقرب منها يصحبها كل نوع من هذه الجمل إن شاء الله.
__________
1 في الأصل: فلا.
2 يشير إلى نائب الفاعل الذي هو مفعول في الأصل.
3 في "ب" تزيد بلا لام.
4 زيادة في "ب".
(1/54)
تفسير الثالث, وهو العامل من الحروف1:
الحروف تنقسم إلى ثلاثة أقسام: الأول منها يدخل على الأسماء فقط دون
الأفعال, فما كان كذلك فهو عامل في الاسم.
__________
1 في الأصل: "الحرف".
(1/54)
والحروف العوامل في الأسماء نوعان:
نوع منها يخفض الأسماء ويدخل ليصل اسمًا باسم أو فعلًا باسم. أما وصله
اسمًا باسم فنحو قولك: خاتم من فضة1, وأما وصله فعلًا باسم فنحو قولك:
مررت بزيد.
والنوع الثاني: يدخل على المبتدأ والخبر فيعمل فيهما/ 25 فينصب الاسم
ويرفع الخبر, نحو "إن وأخواتها" كقولك: زيد قائم, وجميع هذه الحروف لا
تعمل في الفعل ولا تدخل عليه, لا تقول: مررت بيضرب ولا ذهبت إلى قام,
ولا أن يقعد قائم.
والقسم الثاني من الحروف:
ما يدخل على الأفعال فقط, ولا يدخل على الأسماء, وهي التي تعمل في
الأفعال فتنصبها وتجزمها نحو: "أن" في قولك: أريد أن تذهب, فتنصب و"لم"
في قولك: لم يذهب, فتجزم, ألا ترى أنه لا يجوز أن تقول: لم زيد, ولا:
أريد أن عمرو.
والقسم الثالث من الحروف:
ما يدخل على الأسماء وعلى الأفعال فلم تختص به الأسماء دون الأفعال,
ولا الأفعال دون الأسماء, وما كان من الحروف بهذه الصفة فلا يعمل في
اسم ولا فعل نحو ألف الاستفهام, تقول: أيقوم زيد, فيدخل حرف الاستفهام
على الفعل ثم تقول: أزيد أخوك فيدخل الحرف على الاسم, وكذلك "ما" إذا
نفيت بها في لغة2 من لم يشبهها بليس فإنه يدخلها
__________
1 في "ب" من "حديد" بدلا من "فضة".
2 أي لغة تميم، أما أهل الحجاز فيعملونها عمل "ليس" حيث ترفع الاسم
وتنصب الخبر, قال سيبويه: وأما بنو تميم فيجرونها مجرى أما وهل وهو
القياس لأنها ليست بفعل، الكتاب 1/ 28.
(1/55)
على الاسم والفعل ولا يعملها1, كقولك: ما
زيد قائم, وما قام/ 26 زيد, ومن2 شبهها "بليس" فاعملها3 لم يجز أن
يدخلها على الفعل, إلا أن يردها إلى أصلها في ترك العمل, ونحن نذكر
جميع الحروف منفصلة في أبوابها إن شاء الله.
فإن قال قائل: ما بال لام المعرفة لم تعمل في الاسم وهي لا تدخل إلا
على الاسم, ولا يجوز أن تدخل هذه اللام على الفعل, قيل: هذه اللام قد
صارت من نفس الاسم ألا ترى قولك: الرجل, يدلك على غير ما كان يدل عليه
رجل, وهي بمنزلة المضاف إليه الذي يصير مع المضاف بمنزلة اسم واحد نحو
قولك: عبد الملك, ولو أفردت عبدًا من الملك لم يدل على ما كان عليه عبد
الملك, وكذلك الجواب في السين وسوف, إن سأل سائل, فقال: لِمَ لَمْ
يعملوها في الأفعال إذ كانتا لا تدخلان إلا عليها, فقصتهما قصة الألف
واللام في الاسم وذلك أنها4 إنما هي بعض أجزاء الفعل فتفهم هذه الأصول
والفصول فقد أعلنت في هذا الكتاب أسرار النحو وجمعته جمعًا يحضره
وفصلته تفصيلًا يظهره ورتبت أنواعه وصنوفه على مراتبها بأخصر ما أمكن
من القول وأبينه ليسبق إلى القلوب فهمه, ويسهل على متعلميه حفظه.
واعلم: أنه ربما شذ الشيء عن بابه فينبغي أن تعلم: أن القياس إذا اطرد
في جميع الباب لم يعن بالحرف الذي يشذ منه, فلا يطرد في نظائره وهذا
يستعمل في كثير من العلوم ولو اعترض بالشاذ على القياس المطرد لبطل
أكثر الصناعات والعلوم, فمتى وجدت5 حرفًا مخالفًا لا شك في خلافه لهذه
الأصول فاعلم: أنه شاذ, فإن كان سمع ممن ترضى عربيته فلا بد من أن
__________
1 في "ب" "فلا".
2 في "ب" أن بدل "من".
3 الذين يعملون "ما" عمل "ليس" أهل الحجاز كقوله تعالى: {مَا هَذَا
بَشَرًا} .
4 أظن الأفصح: أنهما إنما هما بعض أجزاء الفضل.
5 في الأصل سمعت: والتصحيح من "ب".
(1/56)
يكون قد حاول به مذهبًا ونحا نحوًا1 من
الوجوه أو استهواه أمر غلطه, والشاذ على ثلاثة أضرب: منه ما شذ عن بابه
وقياسه ولم يشذ في استعمال العرب له نحو: استحوذ فإن بابه وقياسه أن
يُعل فيقال: استحاذ مثل استقام واستعاذ, وجميع ما كان على هذا المثال,
ولكنه جاء على الأصل واستعملته العرب كذلك, ومنه ما شذ عن الاستعمال
ولم يشذ عن القياس نحو ماضي يدع, فإن قياسه وبابه أن يقال: ودع يدع, إذ
لا يكون فعل مستقبل إلا له ماض, ولكنهم لم يستعملوا/ 28 ودع استغنى عنه
"بترك", فصار قول القائل الذي قال: ودعه شاذًّا, وهذه أشياء تحفظ, ومنه
ما شذ عن القياس والاستعمال فهذا الذي يطرح ولا يعرج عليه نحو ما حكى
من إدخال الألف واللام على اليّجدعُ2 وأنا أتبع هذا الذي ذكرت من عوامل
الأسماء والأفعال والحروف بالأسماء المفعول فيها, فنبدأ بالمرفوعات, ثم
نردفها المنصوبات, ثم المخفوضات, فإذا فرغنا من الأسماء وتوابعها وما
يعرض فيها ذكرنا الأفعال وإعرابها وعلى الله تعالى يتوكل وبه نستعين.
__________
1 في الأصل "وجها" والتصحيح من "ب".
2 في "ب" واليقصع، قيل أراد الذي "يجدع" فأدخل اللام على الفعل المضارع
لمضارعة اللام "الذي" كما تقول "اليضربك" ذكر صاحب اللسان: وقال أبو
بكر بن السراج: لما احتاج إلى رفع القافية قلب الاسم فعلا وهو من أقبح
ضرورات الشعر. وهذا كما حكاه الفراء من أن رجلا أقبل فقال: آخرها هو
ذا، فقال السامع: نعم الها هو ذا فأدخل اللام على الجملة من المبتدأ
والخبر تشبيها له بالجملة المركبة من الفعل والفاعل.
وبيت ذي الخرق الطهوى هو:
يقول الخنى وأبغض العجم ناطقا ... إلى ربه صوت الحمار اليجدع
وانظر اللسان مادة "جدع" والإنصاف/ 88. والهمع 1/ 85.
(1/57)
|