الأصول في النحو

باب الإِعراب والمعرب والبناء والمبني:
الإِعراب الذي يلحق الاسم المفرد السالم المتمكن, وأعني بالتمكن ما لم يشبه الحرف قبل التثنية والجمع الذي على حد التثنية, ويكون بحركات ثلاث: ضم وفتح وكسر, فإِذا كانت الضمة إعرابًا تدخل في/ 12 أواخر الأسماء والأفعال وتزول عنها, سميت رفعًا, فإذا كانت الفتحة كذلك سميت نصبًا, وإذا كانت الكسرة كذلك سميت خفضًا وجرًّا, هذا إذا كنَّ بهذه الصفة نحو قولك: هذا زيد يا رجل, ورأيت زيدًا يا هذا, ومررت بزيد فاعلم, ألا ترى تغيير الدال واختلاف الحركات التي تلحقها.
فإن كانت الحركات ملازمة سمي الاسم مبنيًّا1, فإن كان مفهومًا نحو: "منذُ" قيلَ: مضموم2 ولم يُقل: مرفوع ليفرق بينه وبين المعرب وإن كان مفتوحًا نحو: "أين" قيل: مفتوح3 ولم يقل: منصوب, وإن كان مكسورًا نحو: "أمس" و"حذام" قيل: مكسور ولم يقل: مجرور4.
__________
1 قال المبرد: فإن كان مبنيا لا يزول من حركة إلى أخرى نحو "حيث" و"بعد". المقتضب 1/ 4.
2 لأن الضم علامة البناء والرفع علامة الإعراب.
3 في المقتضب 1/ 4 "وأين" يقال له: مفتوح ولا يقال له منصوب لأنه لا يزول عن الفتح.
4 ابن السراج يفرق بين حركات الإعراب وحركات البناء وهو مذهب البصريين، انظر شرح الكافية 2/ 3.

(1/45)


وإذا كان الاسم متصرفًا سالمًا غير معتل لحقه مع هذه الحركات التي ذكرنا التنوين نحو قولك: هذا مسلم ورأيت مسلمًا, ومررت بمسلم وإنما قلت "سالم" لأن في الأسماء معتلًا لا تدخله الحركة نحو: قفا ورحى, تقول في الرفع: هذا قفا, وفي النصب: رأيت قفًا يا هذا, ونظرت إلى قفًا, وإنما يدخله التنوين إذا كان منصرفًا. وقلت: منصرف لأن ما لا ينصرف من الأسماء لا يدخله التنوين ولا الخفض ويكون خفضه كنصبه, نحو: هذا أحمر, ورأيت/ 13 أحمر, ومررت بأحمر, والتنوين نون صحيحة ساكنة, وإنما خصها النحويون1 بهذا اللقب وسموها تنوينًا ليفرقوا بينها وبين النون الزائدة المتحركة التي تكون في التثنية والجمع. فإذا ثنيت الاسم المرفوع لحقه ألف ونون2 فقلت: المسلمان والصالحان, وتلحقه في النصب والخفض ياء ونون وما قبل الياء مفتوح ليستوي النصب والجر, ونون الاثنين مكسورة3 أبدًا, تقول: رأيت المسلمين والصالحين, ومررت بالمسلمين والصالحين, فيستوي المذكر والمؤنث في التثنية, ويختلف في الجمع المسلم الذي على حد التثنية.
وإنما قلت في الجمع المسلم الذي على حد التثنية؛ لأن الجمع جمعان، جمع يقال له: جمع السلامة وجمع يقال له: جمع التكسير, فجمع السلامة هو الذي يسلم فيه بناء الواحد وتزيد عليه واوًا ونونًا أوياء ونونًا4 نحو مسلمين، ومسلمون، ألا ترى أنك سلمت فيه بناء مسلم، فلم تغير شيئًا من نضده وألحقته واوًا ونونا أو ياء ونونًا كما فعلت في التثنية.
__________
1 في "ب" وخصت.
2 في سيبويه 1/ 4 واعلم: أنك إذا ثنيت الواحد لحقته زيادتان: الأولى منهما حرف المد واللين وهو حرف الإعراب.. وتكون الزيادة الثانية نونا كأنهما عوض لما منع من الحركة والتنوين وهي النون وحركتها الكسر.
3 في الكتاب 1/ 5 ونونها مفتوحة -يشير إلى نون جمع المذكر السالم- فرقوا بينها وبين نون الاثنين، كما إن حرف اللين الذي هو حرف الإعراب مختلف فيهما.
4 في المقتضب 1/ 5 فإن جمعت الاسم على حد التثنية ألحقته واوًا ونونًا.

(1/46)


وجمع التكسير: هو الذي يغير فيه بناء الواحد, مثل جمل وأجمال, ودرهم ودراهم.
فإذا جمعت الاسم المذكر على التثنية لحقته واو ونون في الرفع/ 14 نحو قولك: هؤلاء المسلمون وتلحقه الياء والنون في النصب والخفض, نحو: رأيت المسلمين ومررت بالمسلمين, ونون هذا الجمع مفتوحة أبدًا, والواو مضموم ما قبلها, والياء مكسورة ما قبلها.
وهذا الجمع مخصوص به من يعقل, ولا يجوز أن تقول في جمل جملون, ولا في جبل جبلون, ومتى جاء ذلك فيما لا يعقل, فهو شاذ فلشذوذه عن القياس علة سنذكرها في موضعها, ولكن التثنية يستوي فيها ما يعقل وما لا يعقل.
والمذكر والمؤنث1 في التثنية سواء وفي الجمع مختلف, فإذا جمعت المؤنث على حد التثنية زدت ألفًا وتاءً وحذفت الهاء إن كانت في الاسم وضممت التاء في الرفع وألحقت الضمة نونًا ساكنة, فقلت في جمع مسلمة "هؤلاء مسلمات"2. والضمة في جمع المؤنث نظيرة الواو في جمع المذكر, والتنوين نظير النون, وتكسر التاء وتنون في الخفض والنصب جميعًا, تقول: رأيت مسلمات ومررت بمسلمات والكسرة نظيرة الياء في المذكرين والتنوين نظير النون3.
وأما الإِعراب الذي يكون في فعل الواحد من الأفعال المضارعة فالضمة فيه تسمى رفعًا/ 15 والفتحة نصبًا والإِسكان جزمًا, وقد كنت بينت لك أن
__________
1 انظر الأشباه والنظائر 2/ 230، نقل ما ذكره ابن السراج حرفيا.
2 علل المبرد حذف التاء القصيرة؛ لأنها علم التأنيث، والألف والتاء علم التأنيث ومحال أن يدخل تأنيث على تأنيث. المقتضب جـ1/ 6.
3 في سيبويه 1/ 5 ومن ثم جعلوا تاء الجمع في الجر والنصب مكسورة لأنهم جعلوا التاء التي هي حرف الإعراب كالواو والياء والتنوين بمنزلة النون لأنها في التأنيث نظيرة الواو والياء في التذكير فأجروها مجراها.

(1/47)


المعرب من الأفعال التي في أوائلها الحروف الزوائد, التاء والنون والياء والألف, فالألف للمتكلم مذكرًا كان أو مؤنثًا نحو: أنا أفعل؛ لأن الخطاب يبينه, والتاء للمخاطب المذكر والمؤنث نحو: أنت تفعل وأنت تفعلين, وكذلك للمؤنث إذا كان لغائبة قلت: هي تفعل, وإن كان الفعل للمتكلم, ولآخر معه, أو جماعة قلت: نحن نفعل, والمذكر والمؤنث في ذا أيضًا سواء؛ لأنه يبين أيضًا بالخطاب, والياء للمذكر الغائب فجميعُ ما جعل لفظ المذكر والمؤنث فيه سواء على لفظ واحد, فإنما كان ذلك؛ لأنه غير ملبس, فالمرفوع من هذه الأفعال نحو قولك: زيد يقوم, وأنا أقوم, وأنت تقوم, وهي تقوم, والمنصوب: لن يقوم ولن يقعدوا, والمجزوم لم يقعدوا ولم يقم, هذا في الفعل الصحيح اللام خاصة, فأما المعتل فهو الذي آخره ياء أو واو أو ألف, فإن الإعراب يمتنع من الدخول عليه إلا النصب, فإنه يدخل على ما لامه واو أو ياء خاصة دون الألف؛ لأن الألف لا يمكن تحركها, تقول فيما كان معتلًّا من ذوات الواو في الرفع: هو يغزو/ 16 ويغدو يا هذا, فتسكن الواو, وتقول في النصب: لن يغزو فتحرك الواو, وتسقط في الجزم, فتقول: لم يغز ولم يغد, وكذلك ما لامه ياء نحو: يقضي ويرمي, تكون في الرفع ياؤه ساكنة فتقول: هو يقضي ويرمي وتفتحها في النصب, فتقول: لن يقضي ولن يرمي وتسقط في الجزم, وأما ما لامه ألف فنحو: يخشى, ويخفى, تقول في الرفع: هو يخشى ويخفى وفي النصب: لن يخشى ولن يخفى وتسقط في الجزم فتقول فيه لم يخشَ ولم يخف, فإذا صار الفعل المضارع لاثنين مذكرين مخاطبين أو غائبين زدته ألفًا ونونًا وكسرت النون فقلت: يقومان, فالألف ضمير الاثنين الفاعلين, والنون علامة الرفع, واعلم: أن الفعل لا يثنى ولا يجمع في الحقيقة, وإنما يثنى ويجمع الفاعل الذي تضمنه الفعل, فإذا قلت: يقومان, فالألف ضمير الفاعلين1 اللذين ذكرتهما والنون علامة الرفع فإذا نصبت أو
__________
1 في سيبويه 1/ 5 واعلم: أن التثنية إذا لحقت الأفعال علامة للفاعلين لحقت ألف ونون ولم تكن الألف حرف الإعراب لأنك لم ترد أن تثني "يفعل" هذا البناء فتضم إليه "يفعلا" آخر ولكنك إنما ألحقته هذا علامة للفاعلين.

(1/48)


جزمت, حذفتها فقلت: لن يقوما ولن يقعدا ولم يقوما ولم يقعدا فاستوى النصب والجزم فيه, كما استوى النصب والخفض في تثنية الاسم, وتبع النصب الجزم؛ لأن الجزم يخص الأفعال ولا يكون إلا فيها كما/ 17 تبع النصب الخفض في تثنية الأسماء وجمعها السالم, إذ كان الخفض يخص الأسماء فإن كان الفعل المضارع لجمع1 مذكرين زدت في الرفع واوًا مضمومًا ما قبلها ونونًا مفتوحة كقولك: أنتم تقومون وتقعدون ونحو ذلك, فالواو ضمير2 لجمع3 الفاعلين والنون علامة الرفع. فإذا دخل عليها جازم أو ناصب حذفت فقيل: لم يفعلوا كما فعلت في التثنية, فإن كان الفعل المضارع لفاعل واحد مؤنث مخاطب زدت فيه ياءً مكسورًا ما قبلها ونونًا مفتوحة نحو قولك: أنتِ تضربين وتقومين فالياء دخلت من أجل المؤنث والنون علامة الرفع, وإذا دخل عليها ما يجزم أو ينصب سقطت نحو قولك: لم تضربي ولن تضربي.
فإن صار الفعل لجمع4 مؤنث زدته نونًا وحدها مفتوحة وأسكنت ما قبلها نحو: هن يضربن ويقعدن, فالنون عندهم ضمير الجماعة5 وليست علامة الرفع فلا تسقط في النصب والجزم لأنها ضمير الفاعلات فهي اسم ههنا خاصة, فأما الفعل الماضي فإذا ثنّيت المذكر أو جمعته, قلت: فعلًا, وفعلوا, ولم تأت بنون لأنه غير معرب, والنون في "فعلن" إنما هي ضمير وهي لجماعة المؤنث وأسكنت اللام/ 18 فيها كما أسكنتها في "فعلت" حتى6
__________
1 في الأصل: لجميع.
2 في الأصل: ضميرا بالنصب.
3 في الأصل: لجميع.
4 في الأصل: "لجميع".
5 في سيبويه 1/ 5 وإذا أردت جمع المؤنث في الفعل المضارع ألحق للعلامة نونا، وكانت علامة الإظهار والجمع فيمن قال: أكلوني البراغيث.
6 في "ب" كي لا.

(1/49)


لا تجتمع أربع حركات1 وليس ذا في أصول كلامهم, والفعل عندهم مبني مع التاء في "فعلت" ومع النون في "فعلن" كأنه منه؛ لأن الفعل لا يخلو من الفاعل, وأما لام "يفعلن" فإنما أسكنت تشبيهًا بلام "فعلن" وإن لم يجتمع فيه أربع حركات ولكن من شأنهم إذا أعلوا أحد الفعلين لعلة أعلوا الفعل الآخر وإن لم تكن فيه تلك العلة, وسترى ذلك في مواضع كثيرة إن شاء الله.
واعلم: أن الإعراب عندهم إنما حقه أن يكون للأسماء دون الأفعال والحروف, وأن السكون والبناء حقهما أن يكونا لكل فعل أو حرف وأن البناء الذي وقع في الأسماء عارض فيها لعلة, وأن الإِعراب الذي دخل على الأفعال المستقبلة إنما دخل فيها العلة, فالعلة التي بنيت لها الأسماء هي2 وقوعها موقع الحروف ومضارعتها لها, وسنشرح ذلك في باب الأسماء المبنية إن شاء الله.
وأما/ 19 الإِعراب الذي وقع في الأفعال فقد ذكرنا أنه وقع في المضارع منها للأسماء3 وما عدا ذلك فهو مبني.
فالأسماء تنقسم قسمين: أحدهما معرب4 والآخر مبني, فالمعرب يقال له: متمكن, وهو ينقسم أيضًا على ضربين: فقسم: لا يشبه الفعل, وقسم: يشبه الفعل, فالذي لا يشبه الفعل هو متمكن منصرف يرفع في موضع الرفع ويجر في موضع الجر وينصب في موضع النصب وينون, وقسم يضارع الفعل غير منصرف لا يدخله الجر, ولا التنوين5, وسنبين من أين يشبه بالفعل فيما يجري وفي ما لا يجري إن شاء الله.
__________
1 في "ب" متحركات.
2 في الأصل "هو".
3 في المقتضب 2/ 1 اعلم: أن الأفعال إنما دخلها الإعراب لمضارعتها الأسماء ولولا ذلك لم يجب أن يعرب منها شيء.
4 الذي سلم من شبه الحرف.
5 كأحمد، ومساجد ومصابيح.

(1/50)


والمبني من الأسماء ينقسم على ضربين: فضرب مبني على السكون نحو: كم, ومن, وإذ, وذلك حق البناء وأصله, وضرب مبني على الحركة, فالمبني على الحركة ينقسم على ضربين: ضرب حركته لالتقاء الساكنين نحو أين, وكيف, وضرب حركته لمقاربته التمكن ومضارعته للأسماء المتمكنة نحو "يا حكم" في النداء وجئتك من علُ1 وجميع هذا /20 يبين في أبوابه إن شاء الله.
فأما الإِعراب الذي وقع في الأفعال فقد بينا أنه إنما وقع في المضارع منها للأسماء وما عدا المضارعة فمبني, والمبني من الأفعال ينقسم على ضربين: فضرب مبني على السكون, والسكون أصل كل مبني, وذلك نحو: اضرب واقتل ودحرج وانطلق, وكل فعل تأمر به إذا كان بغير لام ولم يكن فيه حرف من حروف المضارعة نحو: الياء والتاء والنون والألف فهذا حكمه.
وأما الأفعال التي فيها حروف المضارعة فيدخل عليها اللام في الأمر وتكون معربة مجزومة بها نحو: ليقم زيد, وليفتح بكر, ولتفرح يا رجل, وأما ما كان على لفظ الأمر مما يستعمل في التعجب. فحكمه حكمه نحو قولك: أكرم بزيد و {أَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِر} 2 وزيد ما أكرمه, وما أسمعهم وما أبصرهم.
والضرب الثاني مبني على الفتح وهو كل فعل ماضٍ كثرت حروفه أو قلت نحو: ضرب واستخرج, وانطلق وما أشبه ذلك.
__________
1 وهذا مبني على الضم؛ لأنه قطع عن الإضافة، ومثل هذا: {لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ} .
2 مريم، 38.

(1/51)