الأصول في النحو ذكر الفعل الذي لا
يتصرف
شرح التعجب
...
ذكر الفعل الذي لا يتصرف:
اعلم: أن كل فعل لزم بناء واحدًا فهو غير متصرف وقد ذكرت أن التصرف أن
يقال فيه, فعل يفعل ويدخله/ 86 تصاريف الفعل, وغير المتصرف ما لم يكن
كذلك, فمن الأفعال التي لم تتصرف ولزمت بناءً واحدًا فعل التعجب نحو:
ما أحسن زيدًا وأكرم بعمرو, والفعلان المبنيان للحمد والذم, وهما نعم
وبئس. فهذه الأفعال وما جرى مجراها لا تتصرف ولا يدخلها حروف المضارعة
ولا يبني منها اسم فاعل.
شرح التعجب:
فعل التعجب على ضربين, وهو منقول1 من بنات الثلاثة, إما إلى أفعل
ويبنى2 على الفتح لأنه ماض وإما إلى أفعل3 به ويبنى4 على الوقف, لأنه
على لفظ الأمر5.
فأما6 الضرب الأول: وهو أفعل يا هذا, فلا بد من أن تلزمه "ما" تقول: ما
أحسن زيدًا وما أجمل خالدًا, وإنما لزم فعل التعجب لفظًا واحدًا
__________
1 من: ساقطة في "ب".
2 في "ب" مبنى.
3 به: ساقطة في "ب".
4 في "ب" مبنى.
5 في "ب" لأن لفظه لفظ.
6 في "ب" وأما.
(1/98)
ولم يصرف ليدل على التعجب ولولا ذلك لكان
كسائر الأخبار لأنه خبر ويدل على أنه خبر أنه يجوز لك أن تقول فيه صدق
أو كذب, فإذا قلت: ما أحسن زيدًا فـ"ما" اسم مبتدأ وأحسن خبره وفيه
ضمير الفاعل, وزيد مفعول به و"ما" هنا اسم تام/87 غير موصول فكأنك قلت:
شيء حسن زيدًا ولم تصف أن الذي حسنه شيء بعينه فلذلك لزمها أن تكون
مبهمة غير مخصوصة كما قالوا: شيء جاءك أي: ما جاءك إلا شيء وكذلك: شر
أهر ذا ناب, أي: ما أهره إلا شر, ونظير ذلك, إني مما أن أفعل, يريد:
أني من الأمر أن أفعل, فلما كان الأمر مجهولًا جعلت "ما" بغير صلة ولو
وصلت لصار الاسم معلومًا, وإنما لزمه الفعل الماضي وحده, لأن التعجب
إنما يكون مما وقع وثبت ليس مما يمكن أن يكون ويمكن أن لا يكون, وإنما
جاء هذا الفعل على "أفعل" نحو: أحسن وأجمل؛ لأن فعل التعجب إنما يكون
مفعولًا من بنات الثلاثة فقط نحو: ضرب وعلم ومكث: لا يجوز غير ذلك نحو:
ضرب زيد ثم تقول: ما أضربه, وعلم ثم تقول: ما أعلمه, ومكث ثم تقول: ما
أمكثه, فتنقله من فَعَلَ أو فَعِلَ أو فَعُلَ إلى "أفعل يا هذا"1 كما
كنت تفعل هذا2 في غير التعجب, ألا ترى أنك تقول: حسن زيد, فإذا أخبرت
أن فاعلًا فعل ذلك3 به قلت: حسن4 الله/ 88 زيدًا فصار الفاعل مفعولًا,
وقد بينت لك كيف ينقل "فعَل" إلى "فعِل" فيما مضى وإذا قلت: ما أحسن
زيدًا, كان الأصل, حسن زيد ثم نقلناه, إلى "فُعل" فقلنا: شيء أحسن
زيدًا وجعلنا "ما" موضع شيء ولزم لفظًا واحدًا ليدل على التعجب كما
يفعل ذلك في الأمثال.
فإن قال قائل فقد قالوا: ما أعطاه وهو من "أعطى يعطي" وما أولاه
__________
1 يا هذا: ساقطة في "ب".
2 في "ب" ذلك.
3 ذلك: ساقطة في "ب".
4 في "ب" أحسن.
(1/99)
بالخير؟ قيل: هذا على حذف الزوائد1, لأن
الأصل عطا يعطو إذا تناول وأعطى غيره إذا ناوله, وكذلك ولي وأولى غيره
وقال الأخفش2: إذا قلت: ما أحسن زيدًا فـ"ما": في موضع الذي, وأحسن:
زيدًا صلتها والخبر محذوف واحتج من يقول هذا القول بقولك: حسبك؛ لأن
فيه معنى النهي ولم يؤت له بخبر, وقد طعن3 على هذا القول: بأن الأخبار
إنما تحذف إذا كان في الكلام ما يدل عليها, وهذا الباب عندي يضارع باب
"كان وأخواتها" من جهة أن الفاعل فيه ليس هو شيئًا غير المفعول ولهذا
ذكره سيبويه4 /89 بجانب باب "كان وأخواتها" إذ كان "باب كان"الفاعل فيه
هو المفعول5.
فإن قال قائل: فما بال هذه الأفعال تصغر نحو: ما أُميلحه وأُحيسنه,
والفعل لا يصغر؟ فالجواب في ذلك: أن هذه الأفعال لما لزمت موضعًا
واحدًا ولم تتصرف ضارعت الأسماء التي لا تزول إلى "يفعل"6 وغيره من
الأمثلة فصغرت كما تصغر, ونظير ذلك: دخول ألفات الوصل في الأسماء نحو:
ابن واسم وامرئ, وما أشبهه, لما دخلها النقص الذي لا يوجد إلا في
الأفعال, والأفعال7 مخصوصة به فدخلت عليها ألفات الوصل لهذا السبب
فأسكنت أوائلها للنقص وهذه الأسماء المنقوصة تعرفها إذا ذكرنا التصريف
إن شاء الله.
__________
1 في "ب" الزائد.
2 مرت ترجمته ص/110.
3 ذكر المبرد 4/ 177 وقد قال قوم: أن "أحسن" صلة "ما" والخبر محذوف،
قال: وليس كما قالوا: وذلك أن الأخبار إنما تحذف إذا كان في الكلام ما
يدل عليها، إنما هربوا من أن تكون "ما" وحدها اسما فتقديرهم: الذي حسن
زيدا شيء. والقول فيها ما بدأنا به من أنها تجري بغير صلة لمضارعتها
الاستفهام والجزاء في الإبهام.
4 مرت ترجمته ص/ 83.
5 انظر الكتاب 1/ 35، 36، 37.
6 في "ب" الفعل.
7 في "ب" هي بدلا من الأفعال.
(1/100)
وقولك: ما أحسنني1, يعلمك أنه فعل, ولو كان
اسمًا لكان ما أحسنني مثل ضاربي, ألا ترى أنك لا تقول: ضاربني.
والضرب الثاني: من التعجب: يا زيد أكرم بعمروٍ, ويا هند أكرم بعمروٍ,
ويا رجلان أكرم بعمرو, ويا هندان أكرم بعمرو, وكذلك جماعة/ 90 الرجال
والنساء قال الله تعالى: {أَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِر} 2.
وإنما المعنى: ما أسمعهم وأبصرهم3. وما أكرمه4, ولست5 تأمرهم أن يصنعوا
به شيئًا فتثنيّ وتجمع وتؤنث, وأفعل هو "فَعَلَ" لفظه لفظ الأمر في قطع
ألفه وإسكان آخره, ومعناه إذا قلت: أكرم بزيد, وأحسن بزيد كرم زيد
جدًّا, وحسن زيد جدًّا.
فقوله: بعمرو في موضع رفع كما قالوا: كفى بالله6 والمعنى: كفى الله,
لأنه لا فعل إلا بفاعل, وزيد فاعله إذا قلت: أكرم بزيد, لأن زيدًا هو
الذي كرم, وإنما لزمت الباء هنا الفاعل7 لمعنى التعجب, وليخالف لفظه
لفظ سائر8 الأخبار, فإن قال قائل: كيف صار هنا فاعلًا وهو في قولك: ما
__________
1 يشير إلى دخول نون الوقاية، وهذا مذهب البصريين، أما الكوفيون
فيذهبون إلى أن "أفعل" في التعجب اسم، وأنه جامد لا يتصرف، ولو كان
فعلا لوجب أن يتصرف؛ لأن التصرف من خصائص الأفعال، فلما لم يتصرف وكان
جامدًا وجب أن يلحق بالأسماء. وقد ورد هذا ابن الأنباري وفنده.
انظر: الإنصاف 1/ 79.
2 مريم: 38.
3 لأنه لا يقال الله عز وجل، تعجب، ولكنه خرج على كلام العباد، أي: إن
هؤلاء ممن يجب أن يقال لهم: ما أسمعهم وأبصرهم في ذلك الوقت.
4 ما أكرمه: ساقطة في "ب" أي: إن المعنى: ما أحسنه. وانظر ابن يعيش 7/
148.
5 في "ب" وليس.
6 أي: إن لفظ الجلالة مجرور لفظا مرفوع محلا على الفاعلية.
7 هنا الفاعل: ساقط في "ب".
8 سائر: ساقط في "ب".
(1/101)
أكرم زيدًا مفعول؟ قلنا: قد بينا أن الفاعل
في هذا الباب ليس هو شيئًا غير المفعول, ألا ترى أنك لو قلت: ما أحسن
زيدًا, فقيل لك فسره وأوضح معناه وتقديره. قلت على ما قلناه: شيء حَسن
زيدًا, وذلك الشيء الذي حسن زيدًا ليس هو شيئًا1 غير زيد, لأن الحسن لو
حل في غيره لم يحسن هو به/91 فكأن ذلك الشيء مثلًا وجهه أو عينه, وإنما
مثلت لك بوجهه2 وعينه تمثيلًا ولا يجوز التخصيص في هذا الباب, لأنك لو
خصصت شيئًا لزال التعجب, لأنه إنما يراد به أن شيئًا قد فعل فيه هذا
وخالطه, لا يمكن تحديده ولا يعلم تلخيصه.
والتعجب كله إنما هو مما لا يعرف سببه فأما ما عرف سببه فليس من شأن
الناس أن يتعجبوا منه فكلما أبهم السبب كان أفخم, وفي3 النفوس أعظم4.
واعلم: أن الأفعال التي لا يجوز أن تستعمل في التعجب على ضربين.
الضرب الأول: الأفعال المشتقة من الألوان والعيوب.
الضرب الآخر: ما زاد من الفعل على ثلاثة أحرف, وسواء كانت الزيادة على
الثلاثة أصلًا أو غير أصل. فأما5 الألوان والعيوب, فنحو: الأحمر
والأصفر والأعور والأحول, وما أشبه ذلك, لا تقول فيه: ما أحمره ولا ما
أعوره قال الخليل6 رحمه الله: وذلك أنه ما كان من هذا لونًا أو عيبًا
فقد
__________
1 في الأصل: "شيء": بالرفع وهو خطأ.
2 في "ب" وجهه.
3 في "ب" في بسقوط الواو.
4 في "ب" وأعظم بزيادة واو.
5 في "ب" أما.
6 الخليل: أبو عبد الرحمن، الخليل بن أحمد الفراهيدي الأزدي، كان
الغاية في استخراج مسائل النحو وتصحيح القياس فيه، أول من نهج مسالك
جديدة في علم العربية تلميذ أبي عمرو بن العلاء، مات سنة: 174هـ، وقيل:
170هـ أو 160هـ، وهو مبتكر علم العروض، ترجمته في: أخبار النحويين 530/
وإرشاد الأريب لياقوت /جـ6/ 223، ونزهة الألباء/ 54، طبقات الزبيدي رقم
15 وبغية الوعاة/ 143.
(1/102)
ضارع الأسماء وصار خلقة كاليد والرجل
والرأس, ونحو ذلك, فلا تقل فيه: ما أفعله كما لم تقل ما أيداه, وما
أرجله, إنما تقول: ما أشد يده, وما أشد رجله1, وقد اعتل النحويون بعلة
أخرى فقالوا: إن الفعل منه على أفعل وإفعال2 نحو: أحمر وإحمار, وأعور
وإعوار, وأحول وإحوال, فإن قال قائل: فأنت تقول: قد عورت عينه وحولت:
فقل على هذا: ما أعوره وما أحوله, فإن3 ذلك غير جائز لأن هذا منقول من
"أفعل" والدليل على ذلك صحة الواو والياء إذا قلت: عورت عينه وحولت,
ولو كان غير منقول لكان: حالت وعارت, وهذا يبين4 في بابه إن شاء الله.
وأما الضرب الثاني: وهو ما زاد من الفعل على ثلاثة أحرف نحو: دحرج
وضارب واستخرج وانطلق واغدودن, اغدودن الشعر: إذا تم وطال, وافتقر وكل
ما لم أذكره مما جاوز الثلاثة, فهذا حكمه, وإنما جاز: ما أعطاه وأولاه
على حذف الزوائد وأنك رددته إلى الثلاثة. فإن قلت في افتقر: ما أفقره
فحذفت الزوائد ورددته إلى "فقر" جاز وكذلك كل ما/ 93 كان مثله
__________
1 انظر الكتاب جـ2/ 251.
2 قال المبرد: ودخول الهمزة على هذا محال انظر المقتضب 4/ 181 وقال في
مكان آخر: واعلم: أن بناء فعل التعجب إنما يكون من بنات الثلاثة، نحو
ضرب وعلم ومكث: المقتضب 1/ 178.
وقوله: دخول الهمزة على هذا محال مما يقطع بأن المبرد لا يجيز بناء
التعجب على ما أفعله وأفعل به من الصيغ التي جاوزت حروفها ثلاثة ولو
كانت فيها زيادة. أما ابن السراج: فلم يرفضه أو يقبله فلعله التمس وجها
للمسموع من نحو: ما أعطاه للدراهم وأولاه بالمعروف، أو على حذف
الزوائد.
3 في "ب" كان.
4 في "ب" مبين.
(1/103)
مما جاء اسم الفاعل منه1 على "فعيل" ألا
ترى أنك تقول: رجل فقير وإنما جئت به على "فقر" كما تقول: كرم, فهو
كريم, وظرف فهو ظريف, ولكن تقول إذا أردت التعجب في هذه الأفعال
الزائدة على ثلاثة أحرف كلها, ما أشد دحرجته وما أشد استخراجه وما أقبح
افتقاره ونحو ذلك.
واعلم: أن كل ما قلت فيه: ما أفعله, قلت فيه: أفعل به, وهذا أفعل من
هذا, وما لم تقل فيه: ما أفعله, لم تقل فيه: هذا أفعل من هذا, ولا:
أفعل به, تقول: زيد أفضل من عمرو وأفضل بزيد, كما تقول: ما أفضله.
وتقول: ما أشد حمرته وما أحسن بياضه وتقول على هذا: أشدد ببياض زيد,
وزيد أشد بياضًا من فلان, هذا2 كله مجراه واحد, لأن معناه المبالغة
والتفضيل, وقد أنشد بعض الناس:
يَا لَيْتَني مِثْلُك في البَيَاضِ ... أبيضَ مِن أخت بني إبَاضِ3
__________
1 في "ب" فيه بدلا منه.
2 في "ب" و"هذا" بزيادة الواو.
3 يستشهد بهذا البيت: على أن الكوفيين أجازوا بناء "أفعل التفضيل" من
لفظي السواد والبياض، وهو شاذ عند البصريين.
وينسب هذا الرجز لرؤبة لأن له أرجوزة على هذا النحو، والغالب أن هذا
منها، وهناك روايات، رواه ابن يعيش في شرح المفصل:
جارية في درعها الفضفاض ... أبيض من أخت بني إباض
ورواه ابن هشام في المغني:
جارية في رمضان الماضي ... تقطع الحديث بالإيماض
ومنه هذا البيت:
يا ليتني مثلك في البياض ... أبيض من أخت بني إباض
ويروى كذلك:
لقد أتى في رمضان الماضي ... جارية في درعها الفضفاض
تقطع الحديث بالإيماض ... أبيض من أخت بني إباض
وانظر التمام في تفسير أشعار هذيل/ 95، والمغني/ 87، وأمالي السيد
المرتضى 1/63، وابن يعيش 6/ 93، والخزانة 3/ 481.
(1/104)
قال أبو العباس1: هذا2 معمول على فساد وليس
البيت الشاذ والكلام المحفوظ بأدنى إسناد حجة على/ 94 الأصل المجمع
عليه في كلام ولا نحو, ولا فقه, وإنما يركن إلى هذا ضعفة أهل النحو3,
ومن لا حجة معه, وتأويل هذا وما أشبهه في الإِعراب كتأويل ضعفة أصحاب
الحديث وأتباع القصاص في الفقه. فإن قال قائل فقد جاء في القرآن:
{وَمَنْ كَانَ فِي هَذِهِ أَعْمَى فَهُوَ فِي الْآخِرَةِ أَعْمَى
وَأَضَلُّ سَبِيلًا} 4. قيل: له في هذا جوابان:
أحدهما: أن يكون من عمى القلب, وإليه ينسب أكثر الضلال5. فعلى هذا
تقول: ما أعماه كما تقول: ما أحمقه.
الوجه الآخر: أن يكون من عمى العين. فيكون قوله: {فَهُوَ فِي
الْآخِرَةِ أَعْمَى} لا يراد به: أنه أعمى من كذا وكذا, ولكنه فيها
أعمى كما كان في الدنيا أعمى وهو في الآخرة أضل سبيلا6. وكل فعل مزيد
لا يتعب منه, نحو قولك: ما أموته لمن مات, إلا أن تريد: ما أموت قلبه,
فذلك جائزٌ.
__________
1 أي: محمد بن يزيد، المبرد، وهذا النص موجود في الاقتراح للسيوطي/ 29.
2 في "ب" وهذا بواو.
3 يريد بضعفه أهل النحو الكوفيين.
4 الإسراء: 72.
5 انظر المقتضب للمبرد 4/ 182، لأنه حقيقته، كما قال: {فَإِنَّهَا لا
تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي
الصُّدُورِ} فعلى هذا تقول: ما أعماه كما تقول: ما أحمقه.
6 انظر البحر المحيط 6/ 63-64.
(1/105)
مسائل من هذا الباب:
تقول: ما أحسن وأجمل زيدًا إن نصبت "زيدًا" بـ"أجمل", فإن نصبته
(1/105)
بـ"أحسن" قلت: ما أحسن وأجمله زيدًا, تريد:
ما أحسن زيدا وأجمله. وعلى هذا مذهب/95 إعمال الفعل الأول1, وكذلك: ما
أحسن وأجملهما أخويك, وما أحسن وأجملهم أخوتك, فهذا يبين لك أن أحسن
وأجمل وما أشبه ذلك أفعال. وتقول: ما أحسن ما كان زيد, فالرفع الوجه,
و"ما" الثانية في موضع نصب بالتعجب وتقدير ذلك ما أحسن كون زيد. تكون
"ما" مع الفعل مصدرًا إذا وصلت به كما تقول: ما أحسن ما صنع زيد, أي:
ما أحسن صنيع زيد و"صنع زيد" من صلة "ما" وتقول: ما كان أحسن زيدا, وما
كان أظرف أباك, فتدخل "كان" ليعلم: أن ذلك وقع فيما مضى, كما تقول: من
كان ضرب زيدًا, تريد: من ضرب زيدًا "ومن كان يكلمك" تريد: من يكلمك.
"فكان" تدخل في هذه المواضع, وإن أُلغيت2 في الإِعراب لمعناها في
المستقبل والماضي من عبارة الأفعال.
وقد أجاز قوم من النحويين: ما أصبح أبردها, وما أمسى أدفاها, واحتجوا
بأن: "أصبح وأمسى" من باب "كان" فهذا /96 عندي: غير جائز, ويفسد
تشبيههم ما ظنوه: أن أمسى وأصبح أزمنة مؤقتة و"كان"3 ليست مؤقتة, ولو
جاز هذا في أصبح وأمسى لأنهما من باب "كان" لجاز ذلك4 في "أضحى" و"صار"
و"ما زال" ولو قلت: ما أحسن عندك زيدًا وما أجمل اليوم عبد الله لقبح5؛
لأن هذا6 الفعل لما لم يتصرف ولزم طريقة واحدة صار
__________
1 معنى هذا: يتنازع فعلا التعجب خلافا لبعضهم نظرا إلى قلة تصرف فعل
التعجب. أما على إعمال الثاني وحذف مفعول الأول فنحو: ما أحسن وما أكرم
زيدا.. فابن السراج لم يشترط إعمال الثاني وأجاز إعمال الأول فقط.
2 هذا أحد المواضع الذي تزاد فيه "كان" فلا تعمل شيئا.
3 في "ب" "كان" ساقطة.
3 ذلك: ساقطة. في "ب".
5 في "ب" "لم يجز".
6 زيادة من "ب".
(1/106)
حكمه حكم1 الأسماء فيصغر تصغير الأسماء,
ويصحح المعتل منه تصحيح الأسماء, تقول: ما أقوم زيدًا وما أبيعه, شبهوه
بالأسماء, ألا ترى أنك تقول في الفعل: أقام عبد الله زيدًا, فإن كان
اسمًا قلت: هذا أقوم من هذا. وتقول: ما أحسن ما كان زيدٌ وأجمله, وما
أحسن ما كانت هند وأجمله, لأن المعنى ما أحسن كون هندٍ وأجمله, فالهاء
للكون, ولو قلت: وأجملها, لجاز على أن تجعل ذلك لها. وإذا قلت: ما أحسن
زيدًا فرددت الفعل إلى "نفسك" قلت: ما أحسنني؛ لأن "أحسن" فعل2. وظهر
المفعول بعده بالنون والياء, ولا يجوز: ما أحسن رجلًا؛ لأنه /97 لا
فائدة فيه, ولو قلت: ما أحسن زيدًا ورجلًا معه جاز, ولولا قولك: "معه"
لم يكن في الكلام فائدة, وتقول: ما أقبح بالرجل أن يفعل كذا وكذا.
فالرجل شائع وليس التعجب منه. إنما3 التعجب من قولك4: أن يفعل كذا
وكذا. ولو قلت: ما أحسن رجلًا إذا طلب ما عنده أعطاه, كان هذا الكلام
جائزًا, ولكن التعجب وقع على رجل, وإنما تريد التعجب من فعله. وإنما
جاز ذلك لأن فعله به كان وهو المحمود عليه في الحقيقة والمذموم, وإذا
قلت: ما أكثر هبتك الدنانير وإطعامك للمساكين, لكان حق هذا التعجب5 أن
يكون قد وقع من الفعل6 والمفعول به؛ لأن فعل التعجب للكثرة والتعظيم
فإن أردت: أنّ هبته وإطعامه كثيران إلا أن الدنانير التي يهبها قليلة,
والمساكين الذين يطعمهم قليل, جاز, ووجه الكلام الأول. /98 ولا يجوز7
أن تقول: ما
__________
1 في "ب" كحكم.
2 فلو كان "أحسن" اسما لظهرت بعده ياء واحدة، إذا أراد المتكلم نفسه:
نحو قولك: هذا غلامي.
3 في "ب" وإنما.
4 في "ب" قوله.
5 في "ب" لكان حق هذا بإسقاط "التعجب".
6 في "ب" الفاعل.
7 في "ب" ولا يحسن.
(1/107)
أحسن في الدار زيدًا, وما أقبح عندك زيدًا,
لأن فعل التعجب لا يتصرف, وقد مضى هذا, ولا يجوز: ما أحسن ما ليس زيدا.
ولا ما أحسن ما زال زيد, كما جاز لك ذلك في "كان" ولكن يجوز: ما أحسن
ما ليس يذكرك زيدٌ, وما أحسن ما لا يزال يذكرنا زيد, وهذا مذهب
البغداديين. ولا يجوز أن يتعدى فعل التعجب إلا إلى الذي هو فاعله في
الحقيقة, تقول: ما أضرب زيدا, فزيدٌ في الحقيقة هو الضارب, ولا يجوز أن
تقول: ما أضرب زيدًا عمرًا, ولكن1 لك أن تُدخل اللام فتقول: ما أضرب
زيدًا لعمرو.
وفعل التعجب نظير قولك: هو2 أفعل من كذا. فما جاز فيه جاز فيه. وقد
ذكرت هذا قبل, وإنما أعدته: لأنه به يسير هذا الباب, ويعتبر.
ولا يجوز عندي أن يشتق فعل للتعجب3 من "كان" التي هي عبارة عن الزمان,
فإذا اشتققت من "كان" التي هي بمعنى "خلق ووقع", جاز.
وقوم يجيزون: ما أكون زيدًا قائمًا؛ لأنه يقع في موضعه /99 المستقبل
والصفات, ويعنون بالصفات "في الدار"4 وما أشبه ذلك من الظروف, ويجيزون
ما أظنني لزيد قائمًا ويقوم, ولا يجيزون "قام" لأنه قد مضى, فهذا يدلك
على أنهم إنما أرادوا "بقائم" ويقوم الحال.
وتقول: أشدد به, ولا يجوز5 الإِدغام, وكذلك: أجود به وأطيب به؛ لأنه
مضارع للأسماء. وقد أجاز بعضهم6: ما أعلمني بأنك قائم وأنك
__________
1 "لكن": ساقطة في "ب".
2 هو: ساقطة في "ب".
3 في "ب" فعلا التعجب.
4 الذين يسمون الظروف والجار والمجرور صفات، هم الكوفيون؛ لأن اصطلاح
الصفة من اصطلاحاتهم.
5 في "ب" ويجيزون.
6 في "ب". "قوم" بدلا من "بعضهم".
(1/108)
قائم, أجاز1 إدخال الباء وإخراجها مع "أن"
وقال قوم: لا يتعجب مما فيه الألف واللام إلا أن يكون بتأويل جنسٍ. لا
تقول: ما أحسن الرجل, فإن قلت: ما أهيب الأسد جاز, والذي أقول2 أنا في
هذا3: إنه إذا عرف الذي يشار إليه فالتعجب جائز.
ولا يعمل فعل التعجب في مصدره4, وكذلك: أفعل منك, لا تقول: عبد الله
أفضل منك فضلًا, وتقول: ما أحسنك وجهًا, وأنظفك ثوبًا, لأنك تقول: هو
أحسن منك وجهًا وأنظف منك ثوبًا. وقد حكيت ألفاظ من أبواب مختلفة /100
مستعملة5 في حال التعجب, فمن ذلك: ما أنت من رجل, تعجب, وسبحان الله,
ولا إله إلا الله, وكاليوم رجلًا6, وسبحان الله رجلًا ومن رجل, والعظمة
لله من رب, وكفاك بزيد رجلًا. وحسبك بزيد رجلًا ومن رجل, تعجب, والباء
دخلت دليل التعجب, ولك أن تسقطها وترفع, وقال قوم: إن أكثر الكلام:
أعجب7 لزيد رجلا, {لِإِيلافِ قُرَيْشٍ} 8. وإذا قلت: لله درك من رجل,
ورجلا كان إدخالها وإخراجها واحدًا. قالوا9: إذا قلت: إنك من رجل
لعالم10 لم تسقط "من"
__________
1 في "ب" أجازوا.
2 في "ب" "عندي" بدلا من "أقول".
3 في "ب" ذلك.
4 في "ب" مصدر.
5 في "ب" مستعارة.
6 في المقتضب 2/ 151 "ما رأيت كاليوم رجلا" والمعنى: ما رأيت مثل رجل
أراه اليوم رجلا.
7 في الأصل: "أعجبوا" والتصحيح من "ب".
8 قريش: 1.
9 في "ب" وقالوا.
10 في "ب" "عالم" بسقوط اللام.
(1/109)
لأنها دليل التعجب. وإذا قلت: ويل أمه1
رجلا ومن رجل فهو تعجب. وربما تعجبوا بالنداء, تقول: يا طيبك من ليلة,
ويا حسنه رجلا ومن رجل. ومن ذلك قولهم: يا لك فارسًا ويا لكما, ويا
للمرء.
ولهذا موضع يذكر فيه. ومن ذلك قولهم: كرمًا وصلفًا: قال سيبويه: كأنه
يقول: ألزمك الله كرمًا, وأدام الله لك كرمًا وألزمت صلفًا. ولكنهم
حذفوا الفعل ههنا؛ لأنه صار بدلًا من قولك: أكرم به, وأصلف به2.
__________
1 في "ب" ويلمه كلمة واحدة، وهذا مثل: لاه أبوك ولقيته أمس، إنما هو
على لله أبوك ولقيته بالأمس، ولكنهم حذفوا الجار والألف واللام تخفيفا
على اللسان.
انظر الكتاب 1/ 294.
2 انظر الكتاب 1/ 165.
(1/110)
|