الأصول في النحو

باب نعم وبئس
مدخل
...
باب نعم وبئس:
نِعْمَ وبِئسَ فعلان ماضيان, كان أصلهما, نِعَمَ وبِئسَ فكسرت الفاءان منهما من أجل حرفي الحلق, وهما: العين في "نِعَم", والهمزة في "بِئسَ" فصار: نِعمَ وبِئسَ كما تقول: شهد فتكسر الشين من أجل انكسار الهاء, ثم أسكنوا لها العين من "نِعْمَ"والهمزة من "بئس" كما يسكنون الهاء من شهد, فيقولون: شهِد فقالوا: نِعْمَ وبِئسَ, ولذكر حروف الحلق إذا كن عينات مكسورات وكسر الفاء لها والتسكين لعين الفعل موضع آخر1, ففي "نعم" أربع لغات2: نَعِمَ ونِعِمَ ونِعْمَ ونَعْمَ, فنعم وبئسَ وما كان في معناهما إنما يقع للجنس, ويجيئان لحمد وذم وهما يشبهان التعجب في المعنى وترك التصرف, وهما يجيئان3 على ضربين:
فضرب: يرفع الأسماء الظاهرة المعرفة بالألف واللام على معنى الجنس ثم يذكر بعد ذلك الاسم المحمود أو المذموم.
__________
1 سيأتي ذكر هذه الحروف في الجزء الثاني/ 115، وحروف الحلق ستة: الهمزة والهاء وهما أقصاه، والعين والحاء وهما أوسطه، والغين والخاء وهما من أوله مما يلي اللسان.
2 قال سيبويه 2/ 255: إذا كان ثانيه من الحروف الستة فإن فيه أربع لغات مطرد فيه: فَعِلٌ وفِعِلٌ، وفَعْلٌَ، وفِعلَ. إذا كان فعلا أو اسما أو صفة فهو سواء.
3 في "ب" يأتيان.

(1/111)


الضرب1 الثاني: أن تضمر فيها2 المرفوع وهو اسم/102 الفاعل, وتفسره بنكرة منصوبة. أما الظاهر فنحو قولك: نعم الرجل زيدًا, وبئس الرجل عبد الله, ونعم الدار دارك, فارتفع الرجل والدار بنعم وبئس, لأنهما فعلان يرتفع بهما فاعلاهما. أما زيد: فإن رفعه على ضربين:
أحدهما: أنك لما قلت: نِعم الرجل, فكأن معناه, محمود في الرجال, وقلت: زيد ليعلم من الذي أثنى عليه, فكأنه قيل لك: من هذا المحمود؟ قلت3: هو زيد4.
والوجه الآخر: أن تكون أردت التقديم فأخرته فيكون حينئذ مرفوعًا بالابتداء, ويكون "نعم" وما عملت فيه خبره, وليس الرجل في هذا الباب واحدًا بعينه, إنما هو كما تقول: أنا أفرق الأسد والذئب, لست تريد واحدًا منهما بعينه إنما تريد: هذين الجنسين. قال الله تعالى: {وَالْعَصْرِ، إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ} 5. فهذا واقع على الجنسين يبين ذلك قوله: {إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَات} 6. وما أضيف إلى الألف واللام/ 103 بمنزلة ما فيه الألف واللام7, وذلك قولك: نعم أخو العشيرة أنت, وبئس صاحب الدار عبد الله. ويجوز: نعم القائم أنت, ونعم الضارب زيدًا أنت, ولا يجوز: نعم
__________
1 والضرب: ساقطة في "ب".
2 في "ب" فيهما.
3 في "ب" فقلت.
4 أي: إن خبر المبتدأ محذوف وجوبا.
5 العصر: 1-2.
6 العصر: 3.
7 قال سيبويه: فالاسم الذي يظهر بعد نعم إذا كانت نعم عاملة الاسم الذي فيه الألف واللام نحو الرجل وما أضيف إليه، وما أشبهه نحو: غلام الرجل إذا لم ترد شيئا بعينه. الكتاب 1/ 301.
وفي المقتضب 2/ 143: واعلم: أن ما أضيف إلى الألف واللام بمنزلة الألف واللام، وذلك قولك: نعم أخو القوم أنت، وبئس صاحب الرجل عبد الله.

(1/112)


الذي قام أنت, ولا نعم الذي ضرب زيدًا أنت, من أجل أن الذي بصلتهِ مقصود إليه بعينه.
قال أبو العباس -رحمه الله: فإن جاءت بمعنى الجنس كقوله تعالى: {وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ} 1, فإن نعم وبئس تدخلان على "الذي" في هذا المعنى والمذهب2.
فهذا الذي قاله3 قياس, إلا أني وجدت جميع ما تدخل عليه نعم وبئس فترفعه وفيه الألف واللام فله نكرة تنصبه نعم وبئس إذا فقد المرفوع و"الذي" ليست لها نكرة البتة تنصبها. ولا يجوز أن تقول: زيد نعم الرجل, والرجل غير زيد؛ لأنه خبر عنه4, وليس هذا بمنزلة قولك: زيد قام الرجل, لأن معنى "نعم الرجل": محمود في الرجال, كما أنك إذا قلت: زيد فاره العبد, لم تعن من العبيد إلا ما كان/ 104 له, ولولا ذلك لم يكن فاره خبرًا له.
فإن زعم زاعم5: أن قولك: نعم الرجل زيد, إنما زيد بدل من
__________
1 الزمر: 33. في البحر المحيط 7/ 428 والذي جنس كأنه قال: والفريق الذي جاء بالصدق، ويدل عليه: {أُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ} . فجمع. وفي قراءة عبد الله: "وَالَّذِي جَاءُوا بِالصِّدْقِ وَصَدَّقُوا بِهِ".
2 انظر المقتضب 2/ 143. والنص فيه. فإن قلت: قد جاء.. والذي جاء بالصدق وصدق به. فمعناه الجنس، فإن "الذي"، إذا كانت على هذا المذهب صلحت بعد نعم وبئس.
3 في "ب" يقال.
4 في الكتاب 1/ 301: واعلم: أنه محال أن تقول: عبد الله نعم الرجل، والرجل غير عبد الله. كما أنه محال أن تقول عبد الله هو فيها وهو غيره.
5 في المقتضب 2/ 142، فإن زعم زاعم: أن قولك: نعم الرجل زيد، إنما "زيد" بدل من الرجل مرتفع بما ارتفع به، كقولك: مررت بأخيك زيد، وجاءني الرجل عبد الله، قيل له: إن قولك: جاءني الرجل عبد الله، إنما تقديره -إذا طرحت الرجل- جاءني عبد الله، فقل: نعم زيد، لأنك تزعم أنه بنعم مرتفع وهذا محال، لأن الرجل ليس يقصد به إلى واحد بعينه.

(1/113)


الرجل يرتفع بما ارتفع به, كقولك: مررت بأخيك زيد, وجاءني الرجل عبد الله, قيل له: إن قولك: جاءني الرجل عبد الله إنما تقديره: إذا طرحت "الرجل" جاءني عبد الله, فقل: نعم زيد, لأنك تزعم أنه مرتفع بنعم, وهذا محال لأن الرجل لست تقصد به إلى واحد بعينه1. فإن كان الاسم الذي دخلت عليه "نعم" مؤنثًا أدخلت التاء في نعم وبئس, فقلت: نعمت المرأة هند, ونعمت المرأتان الهندان, وبئست المرأة هند, وبئست المرأتان الهندان, وإن شئت ألقيت التاء فقلت: نعم المرأة وبئس المرأة, وتقول: هذه الدار نعمت البلد, لأنك عنيت بالبلد: دارًا, وكذلك: هذا البلد نعم الدار؛ لأن قصدت إلى البلد. وقال قوم: كل ما لم تقع عليه "أي" لم توله2 نعم, لا تقول: نعم أفضل الرجلين أخوك [ولا نعم أفضل رجل أخوك 3] ؛ لأنك, لا تقول: أي أفضل الرجلين أخوك /105 لأنه مدح, والمدح لا يقع على مدح.
فأما الضرب الثاني: فأن تضمر فيها مرفوعًا يفسره ما بعده وذلك قولهم: نعم رجلًا أنت ونعم دابة دابتك, وبئس في الدار رجلًا أنت, ففي "نعم وبئس" مضمر يفسره ما بعده, والمضمر "الرجل" استغنى عنه بالنكرة المنصوبة التي فسرته لأن كل مبهم من الأعداد وغيرها, إنما تفسره النكرة المنصوبة.
واعلم: أنهم لا يضمرون شيئًا قبل ذكره إلا على شريطة التفسير وإنما خصوا به أبوابًا بعينها. وحق المضمر أن يكون بعد المذكور. ويوضح لك أن نعم وبئس فعلان أنك تقول: نعم الرجل كما تقول: قام الرجل, ونعمت المرأة كما تقول: قامت المرأة, والنحويون يدخلون "حبذا زيد" في هذا
__________
1 الباء زائدة في التوكيد، وقد جاء في أسلوبه توكيد النكرة وهو مذهب كوفي أو هو جار ومجرور صفة لواحد.
2 في "ب" لم تله.
3 ما بين القوسين ساقط في "ب".

(1/114)


الباب1 من أجل أن تأويلها حب الشيء زيد لأن ذا اسم مبهم يقع على كل شيء ثم جعلت "حب وذا اسمًا فصار مبتدأ أو لزم طريقة واحدة تقول: حبذا عبد الله, وحبذا أمة الله/ 106". ولا يجوز حبذه لأنهما جعلا بمنزلة اسم واحد في معنى المدح, فانتقلا عما كانا عليه, كما يكون ذلك في الأمثال نحو: "أطري فإنك ناعلة"2. فأنت تقول ذلك للرجل والمرأة لأنك تريد إذا خاطبت رجلًا: أنت عندي بمنزلة التي قيل لها ذلك3. وكذلك جميع الأمثال إنما تحكي ألفاظها كما جرت وقت جرت. وما كان مثل: كرم رجلًا زيد! وشرف رجلًا زيد! إذا تعجبت, فهو مثل: نعم رجلًا زيد؛ لأنك إنما تمدح وتذم, وأنت متعجب. ومن ذلك قول الله سبحانه: {سَاءَ مَثَلًا الْقَوْمُ الَّذِينَ كَذَّبُوا} 4, وقوله: {كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ} 5. وقال قوم: لك أن تذهب بسائر الأفعال إلى مذهب "نعم وبئس" فتحولها إلى "فعل" فتقول: علم الرجل زيد, وضربت اليد يده, وجاد الثوب ثوبه وطاب الطعام طعامه, وقضى الرجل زيد, ودعا الرجل زيد, وقد حكي عن الكسائي6: أنه كان
__________
1 قال المبرد: حبذا فإنما كانت في الأصل: حبذا الشيء، لأن "ذا" اسم مبهم يقع على كل شيء، فإنما هو حب هذا، مثل قولك: كرم هذا، ثم جعلت "حب، وذا" اسما واحدا مبتدأ ولزم طريقة واحدة على ما وصفت لك في "نعم" فتقول: حبذا عبد الله، وحبذا أمة الله.
المقتضب 2/ 145.
2 في اللسان: هذا المثل يقال في جلادة الرجل ومعناه أي: اركب الأمر الشديد فإنك قوي عليه، وأصل هذا أن رجلا قاله لراعية له، كانت ترعى في السهولة وتترك الحزونة فقال لها: "أطري" أي: خذي في أطرار الوادي، وهي نواحيه فإنك ناعلة، أي: فإن عليك نعلين. وروي: أظري بالظاء المعجمة، أي: اركبي الظرر وهو الحجر المحدد. وانظر أمثال الميداني 1/ 430.
3 في المقتضب 2/ 145: التي قيل لها هذا وهذه العبارة منقولة حرفيا من المقتضب.
4 الأعراف: 177.
5 الكهف: 5.
6 الكسائي: هو الحسن علي بن حمزة، كان إماما في النحو واللغة والقراءة. مات سنة 189، وقيل سنة 193هـ. ترجمته في: تاريخ بغداد 11/ 403. الفهرست/ 29. تهذيب اللغة 1/ 7. معجم البلدان 2/ 28. نزهة الألباء/ 81. شذرات الذهب 1/ 321. إنباه الرواة 2/ 256. طبقات الزبيدي/ 138.

(1/115)


يقول في هذا: قضو الرجل ودعو الرجل1. وهو عندي قياس, وذكروا أنه شذ مع هذا الباب ثلاثة/ 107 أحرف سمعت وهي: سمع وعلم2 وجهل. وقالوا: المضاعف تتركه3 مفتوحًا وتنوي به فَعَلَ يَفْعَلُ نحو: خف يخف. وتقول4: صم الرجل زيد, وقالوا: كل ما كان بمعنى: نعم وبئس, يجوز نقل وسطه إلى أوله. وإن شئت تركت أوله على حاله وسكنت وسطه, فتقول: ظُرْفَ الرجل زيد وظَرُفَ الرجل5, نقلت ضم العين إلى الفاء. وإن شئت تركت أوله على حاله وسكنت وسطه فتقول: ظَرْفَ الرجل زيد كما قال6:
وحُبَّ بها مَقْتُولَةً حين تُقْتَلُ
وحُبَّ أيضًا, فإذا لم يكن بمعنى نعم وبئس لم ينقل وسطه إلى أوله.
__________
1 قال ابن يعيش: وحكى عن الكسائي: أنه كان يقول في هذا قضو الرجل، ودعو الرجل إذا أجاد القضاء وأحسن الدعاء. انظر شرح المفصل 7/ 129.
2 في "ب" تسمع "وعلمت".
3 في "ب" يترك.
4 في "ب" ويقال.
5 انظر شرح المفصل لابن يعيش 7/ 129.
6 هذا عجز بين للأخطل التغلبي من قصيدة يمدح بها خالد بن عبد الله بن أسيد وكان أحد أجواد العرب في الإسلام، وصدر البيت:
فقلت اقتلوها عنكم بمزاجها ... وحب بها مقتولة حين تقتل.
والاستشهاد فيه: على أن "حب" للمدح والتعجب وأصلها بضم العين للتحويل إلى المدح فإن نقلنا حركة العين إلى الفاء بعد حذف حركتها صارت "حب" بالضم وإن حذفنا ضمة العين صارت "حب" بالفتح والإدغام في الحالين واجب لاجتماع المثلين والأول منهما ساكن، وفاعلها: الضمير المؤنث المجرور بالباء، لأن هذه الصيغة تعجبية لكونها بمعنى أحبب بها. والباء في "بها" زائدة على غير قياس كقوله تعالى: {كَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا} .
وانظر: إصلاح المنطق لابن السكيت/ 35. وابن يعيش 7/ 129. وشروح سقط الزند. 3/ 1395. وابن عقيل/ 166. والديوان/ 3 طبعة بيروت.

(1/116)


مسائل من هذا الباب:
اعلم: أنه لا يجوز أن تقول: قومك نعموا أصحابًا, ولا قومك بئسوا أصحابًا, ولا أخواك نعما رجلين1, ولا بئسا رجلين. وإذا قلت: نعم الرجل رجلًا زيد, فقولك: "رجلًا" توكيد؛ لأنه مستغنى عنه بذكر الرجل أولًا2, وهو بمنزلة قولك: عندي من الدراهم عشرون درهمًا3, وتقول: نعم الرجلان/ 108 أخواك, ونعم رجلين أخواك, وبئس الرجلان4 أخواك, وبئس رجلين5 أخواك, وتقول: ما عبد الله نعم الرجل ولا قريبًا من ذلك, عطفت "قريبا" على "نعم" لأن موضعها نصب لأنها خبر "ما". وتقول: ما نعم الرجل عبد الله ولا قريب من ذلك فترفع بالرجل بـ"نعم", وعبد الله بالابتداء, ونعم الرجل: خبر الابتداء وهو خبر مقدم, فلم تعمل "ما" لأنك إذا فرقت بين "ما" وبين الاسم, لم تعمل في شيء, ورفعت "قريبا" لأنك عطفته على "نعم" ونعم في موضع رفع لأنه خبر مقدم, ولا يجيز أحد من النحويين: نعم زيد الرجل6, وقوم يجيزون: نعم زيد رجلًا7 ويحتجون بقوله: {وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا} 8. وحسن ليس كنعم،
__________
1 في الأصل "رجالا", ولا معنى له لأنه مثل للجمع.
2 في "ب" أولا، ساقطة.
3 إنما ذكر الدرهم توكيدا، ولو لم يذكره لم يحتج إليه.
4 في الأصل "الرجلين" وهو خطأ، لأنه فاعل للذم.
5 في الأصل: "الرجلين" وهو خطأ لأنه تمييز، والتمييز يكون نكرة ولا يكون معرفة.
6 لأن جملة المدح أو الذم لا يتصرف فيها بتقديم ولا تأخير، لأن الأصل في المدح والذم التخصيص فلا بد أن يتقدم العام قبل الخاص الجار والمجرور.
7 لأن من أحكام التمييز في هذا الباب أن يتقدم على المخصوص، وهذا الذي أجازوه نادر.
8 النساء: 69.

(1/117)


وللمتأول أن يتأول غير ما قالوا: لأنه فعل يتصرف. وتقول: نعم القوم الزيدون, ونعم رجالًا الزيدون, والزيدون نعم القوم, والزيدون نعم قومًا1, وقوم يجيزون: الزيدون نعموا قومًا. وهو غير جائز عندنا لما أخبرتك به من حكم/ 109 نعم وصفة ما تعمل فيه. ويدخلون الـ"ظن" و"كان" فيقولون: نعم الرجل كان زيد, ترفع2 زيدًا بـ"كان" ونعم الرجل خبر "كان" وهذا كلام صحيح, وكذلك: نعم الرجل ظننت زيدًا, تريد: كان زيد نعم الرجل, وظننت زيدا نعم الرجل. وكان الكسائي3 يجيز: نعم الرجل يقوم وقام عندك4 فيضمر, يريد: نعم الرجل رجل عندك, ونعم الرجل رجل قام ويقوم ولا يجيزه مع المنصوب5, لا يقول: نعم رجلًا قام ويقوم.
قال أبو بكر: وهذا عندي, لا يجوز من قبل أن الفعل لا يجوز أن يقوم مقام الاسم وإنما تقيم من الصفات مقام الأسماء الصفات التي هي أسماء صفات يدخل عليها ما يدخل على الأسماء, والفعل إذا وصفنا به فإنما هو شيء وضع في6 غير موضعه, يقوم مقام الصفة للنكرة7 وإقامتهم الصفة مقام الاسم اتساع في اللغة. وقد يستقبح ذلك في مواضع،
__________
1 لأن هذه الأفعال لما أشبهت الحروف في الجمود لزمت طريقة واحدة في التعبير.
2 في "ب" برفع زيد.
3 قال ابن يعيش: وكان الكسائي يجيز: نعم الرجل يقوم. وقام عندك والمراد رجل يقوم، ورجل قام، ورجل عندك، ومنع ابن السراج من ذلك وأباه واحتج بأن الفعل لا يقوم مقام الاسم وإنما تقام الصفات مقام الأسماء لأنها أسماء يدخل عليها ما يدخل على الأسماء. وإن جاء من ذلك شيء فهو شاذ عن القياس فسبيله أن يحفظ ولا يقاس عليه. انظر شرح المفصل 7/ 134.
4 في الأصل وعندك فالواو زائدة.
5 في "ب" المتصرف بدلا من "المنصوب".
6 في "ب" "في" ساقطة.
7 في "ب" النكرة، ساقطة.

(1/118)


فكيف تقيم الفعل مقام الاسم, وإنما يقوم مقام الصفة, وإن جاء من هذا شيء شذ عن/110 القياس فلا ينبغي أن يقاس عليه. بل نقوله فيما قالوه فقط. وتقول: نعم بك كفيلًا زيد, كما قال تعالى: {بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلًا} 1, ويجيز الكسائي: نعم فيك الراغب زيد ولا أعرفه مسموعًا من كلام العرب. فمن قدر أن "فيك" من صلة الراغب فهذا لا يجوز البتة, ولا تأويل له, لأنه ليس له أن يقدم الصلة على الموصول. فإن2 قال: أجعل "فيك" تبينًا وأقدمه كما قال: {بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلًا} 3, قيل له: هذا أقرب إلى الصواب إلا أن الفرق بين المسألتين أنك إذا قلت: نعم فيك الراغب زيد4, فقد فصلت بين الفعل والفاعل ونعم وبئس ليستا كسائر الأفعال لأنهما لا تتصرفان5. وإذا قلت: بئس في الدار رجلًا زيد. فالفاعل مضمر في "بئس"6 وإنما جئت برجل مفسرا7 فبين المسألتين فرق. وهذه الأشياء التي جعلت كالأمثال لا ينبغي أن تستجيز فيها إلا ما أجازوه ولا يجوز عندي: نعم طعامك آكلًا زيد, من أجل أن الصفة إذا قامت مقام الموصوف لم يجز أن تكون بمنزلة الفعل الذي/ 111 تتقدم عليه ما عمل فيه, وكما لا يجوز أن تقول: نعم طعامك رجلًا آكلًا زيد. فتعمل الصفة فيما قبل الموصوف فكذلك إذا أقمت "آكلًا" مقام رجل, كان حكمه حكمَهُ. وتقول: نعم غلام الرجل زيد, ونعم غلام رجل زيد فما8 أضفته
__________
1 الكهف: 50.
2 في "ب" وإن.
3 الكهف: 50.
4 زيد: ساقط في "ب".
5 في الأصل لأنها لا تتصرف.
6 في "ب" ذلك بدلا من بئس.
7 لأن المبهمة من الأعداد وغيرها إنما يفسره التبيين، كقولك: عندي عشرون رجلا، وهو خير منك عبدا.
8 في "ب" وما.

(1/119)


إلى الألف واللام بمنزلة الألف واللام وما أضفته إلى النكرة بمنزلة النكرة. وتقول: نعم العمر عمر بن الخطاب, وبئس الحجاج حجاج بن يوسف, تجعل العمر جنسًا لكل من له هذا الاسم, وكذلك الحجاج. ولا تقول: نعم الرجل وصاحبًا أخوك, ولا نعم صاحبًا والرجل أخوك, من أجل أن نعم إذا1 نصبت تضمنت مرفوعًا مضمرًا فيها وفي المسألة مرفوع ظاهر, فيستحيل هذا, ولا يجوز توكيد المرفوع بـ"نعم". قالوا: وقد جاء في الشعر2 منعوتًا لزهير:
نِعْمَ الفَتَى المُرِّيُّ أَنْتَ إِذَا هُمُ ... حَضَرُوا لَدَى الحُجُرَاتِ نَارَ المَوقِدِ3
وهذا يجوز أن يكون بدلًا غير نعت فكأنه قال: / 112 نعم المري أنت, وقد حكى قوم على جهة الشذوذ: نعم هم قومًا هم. وليس هذا مما يعرج عليه, وقال الأخفش: حبذا ترفع الأسماء وتنصب الخبر, إذا كان نكرة خاصة, تقول: حبذا عبد الله رجلًا, وحبذا أخوك قائمًا. قال4: وإنما تنصب5 الخبر إذا كان نكرة لأنه حال, قال6: وتقول7: حبذا عبد الله
__________
1 في "ب" إذا ساقطة.
2 في "ب" وأنشدوا لزهير.
3 قال ابن هشام: وأجاز غير الفارسي وابن السراج: نعت فاعلي نعم وبئس تمسكا بقوله: نعم الفتى المري ...
وحمله الفارسي وابن السراج على البدل.
انظر المغني/ 650 تحقيق الدكتور مازن المبارك، والعيني 4/ 21. والخزانة 4/ 112.
ورواية البغدادي: عمدوا لدى الحجرات ... بدلا من حضروا. والديوان/ 275.
وعجز البيت كناية عن الشتاء فصل الجدب.
4 قال: ساقطة في "ب".
5 في "ب" نصب.
6 في "ب" وقال.
7 في "ب" تقول بلا واو.

(1/120)


أخونا. فأخونا رفع لأنك وصفت معرفة بمعرفة وإذا وصلت بـ"ما" قلت: نعمًا زيد1, ونعمًا أخوك, ونعمًا أخوتك وصار بمنزلة: حبذا أخوتك. وتقول: نعم ما صنعت, ونعم ما أعجبك. قال ناس إذا قلت: مررت برجل كفاك رجلًا. وجدت2 "كفاك" في كل وجه, وكانت بمنزلة "نعم" تقول: مررت بقوم كفاك قومًا, وكفاك من قوم وكفوك قومًا, وكفوك من قوم. فإن جئت بالباء والهاء وجدت به لا غير تقول مررت بقوم كفاك بهم قوما. وكذلك: مررت بقوم نعم بهم قومًا, وإن أسقطت الباء والهاء3 قلت: نعموا قوما, ونعم قومًا, ولا ينبغي أن ترد "كفاك"إلى الاستقبال/ 113 ولا إلى اسم الفاعل.
قال أبو بكر: قد ذكرت الفعل المتصرف والفعل غير المتصرف, وبقي الأسماء التي تعمل عمل الفعل ونحن نتبعها بها إن شاء الله.
__________
1 نعما زيد: ساقطة في "ب".
2 في "ب" ذكرت.
3 الهاء: ساقطة في "ب".

(1/121)