الأصول في النحو

باب الأسماء التي أعملت عمل الفعل
شرح الأول وهو اسم الفاعل والمفعول
...
باب الأسماء التي أعملت عمل الفعل:
وهي تنقسم أربعة أقسام:
فالأول: منها اسم الفاعل والمفعول به.
والثاني: الصفة المشبهة باسم الفاعل.
والثالث: المصدر, الذي صدرت عنه الأفعال واشتقت منه1.
والرابع: أسماء سمّوا الأفعال بها.
شرح الأول: وهو اسم الفاعل والمفعول به:
اسم الفاعل الذي يعمل عمل الفعل, هو الذي يجري على فعله ويطرد القياس فيه, ويجوز أن تنعت به اسمًا قبله نكرة كما تنعت بالفعل الذي اشتق منه ذلك الاسم. ويذكر ويؤنث وتدخله الألف واللام, ويجمع بالواو والنون, كالفعل إذا قلت: يفعلون2 نحو: ضارب وآكل وقاتل, يجري على: يضرب فهو ضارب. ويقتل فهو قاتل, ويأكل فهو آكل.
__________
1 مذهب البصريين: أن الفعل مشتق من المصدر وفرع عليه، بينما يرى الكوفيون أن المصدر مشتق من الفعل وفرع عليه. ولكل منهما حجج ذكرها ابن الأنباري في الإنصاف 1/ 129.
2 يفعلون: ساقطة في "ب".

(1/122)


وكل اسم فاعل فهو يجري مجرى مضارعه ثلاثيا كان/ 114 أو رباعيا مزيدًا كان فيه أو غير مزيد, فمكرم جار على أكرم, ومدحرج على دحرج ومستخرج على استخرج.
وقد بيّنا أن الفعل المضارع أعرب لمضارعته الاسم, إذ كان أصل الإِعراب للأسماء1 وأن اسم الفاعل أعمل بمضارعته الفعل إذ كان أصل الأعمال للأفعال وأصل الإِعراب للأسماء. وتقول: مررت برجل ضارب أبوه زيدًا, كما تقول: مررت برجل يضرب أبوه زيدًا, ومررت برجل مدحرج أبوه كما تقول: يدحرج أبوه وتقول: زيد مكرم الناس أخوه كما تقول: زيد يكرم الناس أخوه, وزيد مستخرج أبوه عمرًا, كما تقول: يستخرج والمفعول يجري مجرى الفاعل كما كان "يفعل" يجري مجرى "يفعل" فتقول: زيد مضروب أبوه سوطًا, وملبس ثوبًا. وقد بينت لك هذا فيما مضى.
ومما يجري مجرى "فاعل"2, مفعل نحو: قطع فهو مقطع وكسر فهو مكسر. يراد3 به المبالغة والتكثير. فمعناه معنى: "فاعل" إلا أنه مرة بعد مرة.
وفعال يجري مجراه, وإن لم يكن موازيًا له؛ لأن حق الرباعي وما زاد على الثلاثي أن يكون أول "اسم" الفاعل ميمًا فالأصل في هذا "مقطع" والحق به قطّاع, لأنه في معناه. ألا ترى/ 115 أنك إذا قلت: زيدٌ قتال, أو: جراح, لم تقل هذا لمن فعل فعلة واحدة كما أنك لا تقل: قَتلت إلا وأنت تريد جماعة, فمن ذلك قوله تعالى: {وَغَلَّقَتِ الْأَبْوَابَ} 4, ولو كان بابًا واحدًا لم يجز فيه إلا أن يكون مرة بعد مرةٍ. ومن كلام العرب: أما
__________
1 مذهب البصريين أن الأصل في الأفعال البناء، والفعل المضارع إنما أعرب لشبهه بالاسم.
2 في "ب" اسم الفاعل.
3 في "ب" يفيد.
4 يوسف: 23.

(1/123)


العسل فأنت شرّاب, ومثل ذلك "فعول" لأنك تريد به ما تريد "بفَعَّال" من المبالغة, قال الشاعر:
ضَروبٌ بنصلِ السيفِ سُوقَ سمانها ... إذا عَدِموا زادًا فإنك عاقر1
"وفِعالٌ" نحو "مِطْعان ومِطْعام" لأنه في التكثير بمنزلة ما ذكرنا.
ومن كلام العرب: أنه لمنحار بوائكها2. وقد أجرى سيبويه: "فعيلًا" "كرحيم" و"عليم" هذا المجرى, وقال: معنى ذلك المبالغة3, وأباه النحويون4 من أجل أن "فعيلًا" بابِه أن يكون صفة لازمة للذات وأن يجري على "فَعُلَ" نحو: ظَرُفَ فهو ظريف, وَكرُمَ فهو كريم, وشَرُفَ فهو شريف, والقول عندي كما قالوا. وأجاز أيضًا مثل ذلك/ 116 في "فَعِلَ"5.
__________
1 من شواهد سيبويه 1/ 57 على عمل "ضروب" عمل فعله. وسوق: جمع ساق. عقر البعير بالسيف: ضرب قوائمه. وكانوا يعقرون الناقة إذا أرادوا ذبحها، إما لتبرك فيكون أسهل لنحرها أو ليعاجل الرجل ذلك فلا تمنعه نفسه من عقرها.
والبيت من مقطعة لأبي طالب رثى بها أيا أمية بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم القرشي. وهذا رد على ما ذكره ابن الشجري في أماليه 2/ 206 من أن أبا طالب مدح بها النبي.
وانظر المقتضب 2/ 114، وأمالي ابن الشجري 2/ 106، وابن يعيش 6/ 96-170، 2/ 130، والديوان 11.
2 البوائك: جمع بائكة وهي الناقة السمينة، من باك البعير إذا سمن.
3 الكتاب 1/ 59.
4 قال المبرد في المقتضب 2/ 114: فأما ما كان على فعيل نحو: رحيم وعليم، فقد أجاز سيبويه النصب فيه ولا أراه جائزا، وذلك أن "فعيلا" إنما هو اسم الفاعل من الفعل الذي لا يتعدى. فما خرج إليه من غير ذلك الفعل فمضارع له ملحق به، والفعل الذي هو "لفعيل" في الأصل إنما هو ما كان على "فَعُلَ" نحو: كرم فهو كريم ... وهذا ما يرتضيه المؤلف.
5 الكتاب 1/ 58 وذكر قول الشاعر مما جاء على فعل:
حذر أمورا لا تضير وآمن ... ما ليس منحيه من الأقدار

(1/124)


وأباح النحويون إلا أبا عمر الجرمي1 فإنه يجيزه على بعد فيقول: أنا فَرِقٌ زيدًا, وحَذِرٌ عمرًا, والمعنى: أنا فرق من زيد, وحذر من عمرو. قال أبو العباس -رحمه الله: لأن "فَعِلَ" الذي فاعله على لفظ ماضيه إنما معناه ما صار كالخلقة في الفاعل نحو: بَطِرَ زيد, فهو بَطِرٌ, وخَرِقَ فهو خَرقٌ2.
__________
1 الجرمي: أبو عمر صالح بن إسحاق الجرمي، المتوفى سنة 225هـ، وهو من أساتذة المبرد المشهورين: ترجمته في الفهرست/ 56، ونزهة الألباء 198، وإرشاد الأريب لياقوت 4/ 267، وبغية الوعاة/ 216.
2 المقتضب 2/ 116.

(1/125)


مسائل من هذا الباب:
تقول: هذا ضاربٌ زيدًا, إذا أردت "بضاربٍ" ما أنت فيه أو المستقبل كمعنى الفعل المضارع له. فإذا قلت: هذا ضارب زيدٍ, تريد به معنى المضي فهو بمعنى: غلام زيد, وتقول: هذا ضارب زيدٍ أمس, وهما ضاربا زيدٍ, وهم ضاربو زيد1 وهن ضاربات أخيك. كل ذلك إذا أردت به معنى المضي, لم يجز فيه إلا هذا, يعني الإِضافة "و" الخفض, لأنه بمنزلة قولك: غلام عبد الله وأخو زيد. ألا ترى أنك لو قلت: "غلامٌ زيدًا" كان محالًا فكذلك اسم الفاعل إذا كان ماضيًا؛ لأنه اسم وليست فيه مضارعة للفعل/ 117 لتحقيق الإِضافة وإن الأول يتعرَّف بالثاني. ولا يجوز أن تدخل عليه الألف واللام وتضيفه كما لم يجز ذلك في "الغلام" وإنما يعمل اسم الفاعل الذي يضارع "يَفعَل" كما أنه يعرب من الأفعال ما ضارع اسم الفاعل الذي يكون للحاضرِ والمستقبل2. فأما اسم الفاعل الذي يكون لِمَا مضى3
__________
1 في الأصل "ضاربوا".
2 وهذا مذهب البصريين، فهو لا يعمل عندهم إلا في الحال والاستقبال بخلاف الفعل فإنه يعمل مطلقا.
3 الفرق بين اسم الفاعل المراد به الماضي وبين اسم الفاعل المراد به الحال والاستقبال، هو أن الأول لا يعمل إلا إذا كان فيه اللام بمعنى الذي، والثاني يعمل مطلقا. ثم إن الأول يتصرف بالإضافة بخلاف الثاني. والأمر الثالث: أن الأول إذا ثني أو جمع لا يجوز فيه إلا حذف النون والجر، والثاني يجوز فيه وجهان، هذا وبقاء النون والنصب. انظر الأشباه 2/ 200.

(1/125)


فلا يعمل كما أن الفعل الماضي لا يعرف, وتقول: هؤلاءِ حواجُ بيت الله أمسِ ومررت برجل ضارباه الزيدانِ, ومررت بقوم ملازموهم أخوتهم. فيثنى ويجمع لأنه اسم, كما لو تقول: مررت برجل أخواه الزيدانِ وأصحابه وأخوته فإذا أردت اسم الفاعل الذي في معنى المضارع جرى مجرى الفعل في عمله وتقديره, فقلت: مررت برجل ضاربه الزيدان, كما تقول: مررت برجل يضربه الزيدان, ومررت بقوم: ملازمهم أخوتهم, كما تقول: مررت بقوم يلازمهم أخوتهم, وتقول: أخواك آكلان طعامك, وقومك ضاربون زيدًا, وجواريك ضاربات عمرًا. إذا أردت معنى1 المضارع. وتقول مررت برجل ضاربٌ زيدًا الآن أو غدًا, إذا أردت الحال أو/ 118 الاستقبال فتصفه به لأنه نكرة مثله, أضفت أو لم تضف, كما تقول: مررت برجل يضرب زيدًا, ولا تقول: مررت برجل ضارب زيد أمس؛ لأنه معرفة بالإِضافة دالا على البدل. وتقول: مررت بزيد ضاربًا عمرًا, إذا أردت الذي يجري مجرى الفعل. فإن أردت الأخرى أضفت فقلت: مررت بزيدٍ ضاربِ عمروٍ. على النعت والبدل؛ لأنه معرفة, كما تقول: مررت بزيدٍ غلامِ عمروٍ.
واعلم: أنه يجوز لك أن تحذف التنوين والنون من أسماء الفاعلين التي تجري مجرى الفعل. وتضيف استخفافًا, ولكن لا يكون الاسم الذي تضيفه إلا نكرة, وإن كان مضافًا إلى معرفة لأنك إنما حذفت النون استخفافًا, فلما ذهبت النون عاقبتها الإِضافة والمعنى معنى ثبات النون. فمن ذلك قول الله سبحانه: {هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةَ} 2, فلو لم يرد به التنوين لم يكن صفة
__________
1 معنى: ساقطة في "ب".
2 المائدة: 95.

(1/126)


"لهدي" وهو نكرة, {هَذَا عَارِضٌ مُمْطِرُنَا} 1, {إِنَّا مُرْسِلُو الْنَّاقَةِ فِتْنَةً لَهُمْ} 2, وأنشدوا:
هلّ أنتَ باعِثُ دِينَارٍ لِحاجَتِنَا ... أو عبدَ رَبٍ أخا عونِ بنِ مِخراقِ3 /119
أراد: بباعثٍ التنوين. ونصب الثاني لأنه أعمل فيه الأول مقدرًا تنوينه, كأنه قال: أو باعثٌ عبدَ ربٍ, ولو جره على ما قبله كان عربيا جيدًا4, إلا أن الثاني كلما تباعد من الأول قوي فيه النصب واختير. تقول: هذا معطي زيد الدراهم وعمرًا5, الدنانير, ولو قلت: هذا معطي زيد اليوم الدراهم, وغدا عمرًا الدنانير, لم يصلح فيه إلا النصب6 لأنك لم تعطف الاسم على ما قبله, وإنما أوقعت الواو على "غد" ففصل الظرف بين الواو وعمرو. فلم يقو الجر فإذا أعملته عمل الفعل جاز, لأن الناصب
__________
1 الأحقاف: 24.
2 القمر: 27.
3 من شواهد الكتاب 1/ 87. قال الأعلم: الشاهد فيه نصب "عبد رب" حملا على موضع "دينار".
ورده البغدادي في الخزانة بأن الكلام السابق في سيبويه يفيد تقدير فعل ناصب كأنه قال: أوقظ دينارا، أو عبد رب، وهما رجلان أخا عون: صفة أو بدل أو عطف بيان. والمصنف يرى أنه منصوب بالعطف على محل "دينار" لأن "باعث" اسم فاعل بمعنى الاستقبال.
والبيت من أبيات سيبويه الخمسين التي لم يعرف لها قائل.
وقيل: هو لجابر السنبسي، أو لجرير، أو لتأبط شرا، وقيل مصنوع، وهو ليس في ديوان جرير.
وانظر المقتضب 4/ 151، وشواهد الكشاف/ 206، والخزانة 3/ 476. والعيني 3/ 563.
4 أي: مثل النصب، وذلك لأن من شأنهم أن يحملوا المعطوف على ما عطف عليه، نحو هذا ضارب زيد وعمرو غدا، وينصبون عمرا.
5 والجر جائز أيضا، وهو جيد.
6 أي: لم يصلح في "عمرو" إلا النصب.

(1/127)


ينصب ما تباعد منه, والجار ليس كذلك, وتقول: هذا ضاربك وزيدًا غدًا, لما لم يجز أن تعطف الظاهر على المضمر1 المجرور حملته على الفعل, كقوله تعالى: {إِنَّا مُنَجُّوكَ وَأَهْلَكَ} كأنه قال: منجون أهلك, ولم تعطف على الكاف المجرورة.
واعلم: أن اسم الفاعل إذا كان لما مضى, فقلت: هذا ضاربُ زيدٍ وعمروٍ, ومعطي زيدٍ الدراهمَ أمسِ وعمروٍ. جاز لك أن/ 120 تنصب "عمرًا" على المعنى لبعده من الجار, فكأنك قلت: وأعطى عمرًا3, فمن ذلك قوله سبحانه: {وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَنًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ حُسْبَانًا} 4, وتقول: مررت برجل قائم أبوه, فترفع الأب5 وتجري "قائمًا" على رجل؛ لأنه نكرة وصفته بنكرة فصار كقولك: مررت برجل يقوم أبوه. فإذا كانت الصفة لشيء من سببه فهي بمزلتها إذا خلصتْ لرجل. وتقول: زيدًا عمروٌ ضاربٌ, كما تقول: زيدًا عمرو يضرب6. فإذا قلت: عبد الله جاريتك أبوها ضارب, فبين النحويين فيه خلاف, فبعض يكره النصب لتباعد ما بين الكلام, وبعض يجيزه. وأبو العباس يجيز ذلك ويقول: إنَّ "ضاربًا" يجري مجرى الفعل في جميعِ أحواله في العمل في التقديم والتأخير. وإنما يكره الفصل بين العامل والمعمول فيه بما ليس منه, نحو قولك: كانت
__________
1 لا يعطف على الضمير المجرور إلا بإعادة الجار اسما كان أو حرفا.
2 العنكبوت: 33.
3 انظر الكتاب 1/ 87.
4 الأنعام: 96 وقراءة: وجاعل. من السبعة أيضا في النشر 2/ 36. قرأ الكوفيون وجعل بفتح العين من غير ألف وبنصب اللام من الليل، وقرأ الباقون بالألف وكسر العين ورفع اللام وخفض الليل، وانظر البحر المحيط 4/ 186.
5 الأب يرفع بفعله.
6 تقديم معمول الخبر على المبتدأ جائز سواء كان الخبر مفردا أو جملة فعلية أو اسمية ما لم يمنع مانع. وهو قولك زيدا عمرو الضارب، لأن الفعل صار في الصلة "لأن" زيدا مفعول به لصلة "أل" ولا تتقدم الصلة ولا شيء منها على الموصول.

(1/128)


زيدًا الحمى تأخذ1. وتقول: هذا زيد ضارب أخيك, إذا أردت المضي, لأنك وصفت معرفة بمعرفة, وتقول/ 121 هذا زيد ضاربًا أخاك غدًا فتنصب "ضاربًا" لأنه نكرة وصفت بها معرفة. وإذا كان الاسم2 الذي توقع عليه "ضاربًا" وما أشبهه مضمرًا أسقطت النون والتنوين منه, فعل أو لم يفعل لأن المضمر وما قبله كالشيء الواحد, فكرهوا3 زيادة التنوين مع هذه الزيادة نحو قولك: هذا ضاربي وضاربك وهذان ضارباك غدًا, ولو كان اسمًا ظاهرًا لقلت: ضاربان زيدًا غدًا, ولكنك لما جئت بالمضمر أسقطت النون وأضفته, وتقول: هذا الضارب زيدًا أمس. وهذا الشاتم عمرًا أمس, لا يكون فيه غير ذلك؛ لأن الألف واللام بمنزلة التنوين في معنى الإِضافة4 وأنت إذا نونت شيئًا من هذا نصبت ما بعده. وتقول: هؤلاء الضاربون زيدًا, وهذان5 الضاربان زيدًا, وإن شئت: ألقيت هذه النون وأضفت؛ لأن النون لا تعاقب الألف واللام, كما تعاقب الإِضافة, ألا ترى أنك تقول: هذان/ 122 الضاربان, وهؤلاء الضاربون, فلا تسقط النون, والتنوين ليس كذلك, لا تقول: هذا الضاربٌ بالتنوين فاعلم, ولذلك جازت الإِضافة فيما تدخله النون مع الألف واللام, نحو قولك: هما الضاربا زيد؛ لأن النون تعاقب الإِضافة, فكما تثبت النون مع الألف واللام كذلك تثبت الإِضافة مع الألف واللام ولا يجوز: هذا الضاربُ زيدٍ أمسِ, فإن أضفته إلى ما فيه ألف ولام جاز كقولك: هو الضارب الرجل أمس, تشبيهًا بالحسن الوجه, فكل اسم فاعل كان في الحال أو لم يكن فَعَلَ بعدُ فهو نكرة نونت أو لم تنون وإن كان قد فعل فأضفته إلى معرفة, وإن أضفته إلى نكرة فهو نكرة.
__________
1 انظر المقتضب 3/ 156 و3/ 109. زيدا منصوب بتأخذ، "وتأخذ" خبر كان وتفصل بزيد بين اسم كان وخبرها وليس "زيد" لها باسم ولا خبر.
2 في "ب" وإذا أضفت اسم الفاعل إلى المضمر.
3 في "ب" كرهوا.
4 معنى الإضافة: ساقط في "ب".
5 هذان ساقطة في "ب".

(1/129)


شرح الثاني: وهو الصفة المشبهة باسم الفاعل.
الصفات المشبهات بأسماء الفاعلين: هي أسماء1 ينعت بها كما ينعت بأسماء الفاعلين2, وتذكر3 وتؤنث ويدخلها الألف واللام/ 123 وتجمع بالواو والنون [كاسم الفاعل وأفعل التفضيل] 4 كما يجمع الضمير في الفعل, فإذا اجتمع في النعت هذه الأشياء التي ذكرت أو بعضها شبهوها بأسماء الفاعلين5 وذلك نحو: حَسنٍ وشديد وما أشبه, تقول: مررت برجل حسنٍ أبوه, وشديد أبوه؛ لأنك تقول: حسن وجهه, وشديدٌ وشديدة فتذكر وتؤنث وتقول: الحسن والشديد, فتدخل الألف واللام, وتقول حسنون كما تقول: ضارب مضاربة وضاربون, والضارب والضاربة, فحسن يشبه بضارب, وضارب يشبه بيضرب, وضاربان مثل: يضربان, وضاربون مثل يضربون, ولا يجوز: مررت برجل خير منه أبوه على النعت ولكن ترفعه على الابتداء والخبر, وذلك لبعده من شبه الفعل والفاعل من أجل أن "خير منه" لا يؤنث ولا يذكر ولا تدخله الألف واللام, ولا يثنى ولا يجمع فبعد من شبه الفاعل فكل "أفعل منك" بمنزلة: "خير منك" "وشر منك", وما لم يشبه اسم الفاعل فلا يجوز أن ترفع به اسمًا ظاهرًا البتة, وأما الصفات كلها/ 124 فهي ترفع المضمر وما كان بمنزلة المضمر, ألا ترى أنك إذا قلت: مررت برجل أفضل منك, ففي "أفضل" ضمير الرجل, ولولا ذلك لم يكن صفة له. ولكن لا يجوز أن تقول: مررت برجل أفضل منك أبوه, لبعده من شبه اسم الفاعل
__________
1 في "ب" أنها.
2 أسماء الفاعلين: ساقطة في "ب".
3 في "ب" وتؤنث.
4 زيادة من "ب".
5 دعوى عمل الصفة المشبهة لا أساس لها، فهي لا تنصب، لأن فعلها غير عامل فكيف يعمل المحمول على فعله.

(1/130)


والفعل, ولكن لو قلت: مررت برجل حسن أبوه وشديد أبوه, وبرجل قاعد عمرو إليه, لكان جائزًا, وكذلك: مررت برجل حسن أبوه وشديد أبوه.
واعلم: أن سائر الصفات مما ليس باسم فاعل ولا يشبهه, فهي ترفع الفاعل1 إذا كان مضمرًا2 فيها وكان ضمير الأول الموصوف, وترفع الظاهر أيضًا إذا كان في المعنى هو الأول. أما المضمر فقد بينته لك, وهو نحو: مررت برجل خير منك وشر منك, ففي "خير منك" ضمير رجل وهو رفع بأنه فاعل. وأما الظاهر الذي هو في المعنى الأول فنحو قولك: ما رأيت رجلًا أحسن في/ 125 عينه الكحل منه في عين زيد3, لأن المعنى في الحسن لزيد, فصار بمنزلة الضمير إذ كان الوصف في الحقيقة له, ومثل ذلك: ما من أيام أحب إلى الله فيها الصوم منه في عشر ذي الحجة4.
واعلم: أن قولك: زيد حسن, وكريم, منْ حَسُنَ يحسنَ, وكَرُمَ يكرم, كما أنك إذا قلت: زيد ضارب, وقاتل وقائم, فهو من: ضرب وقتل وقام, إلا أن هذه أسماء متعدية تنصب حقيقة. أما إذا قلت: زيد حسن الوجه وكريم الحسب, فأنت ليس تخبر أن زيدًا فعل بالوجه ولا بالحسب
__________
1 الفاعل: ساقط في "ب".
2 في "ب" المضمر.
3 قال سيبويه: ما رأيت أحسن في عينه الكحل منه في عينه، وليس هذا بمنزلة خير منه أبوه، لأنه مفضل الأب على الاسم في "من" وأنت في قولك: أحسن في عينه الكحل منه في عينه، لا تريد أن تفضل الكحل على الاسم الذي في "من" ولا تزعم: أنه قد نقص أن يكون مثله، ولكنك زعمت: أن الكحل ههنا عملا وهيئة ليست له في غيره من المواضع، وكأنك قلت: ما رأيت رجلا عاملا في عينه الكحل كعمله في عين زيد. الكتاب 1/ 332.
4 الأشموني في شرحه على الألفية 2/ 264 جعله حديثا فقال: ومثله قوله عليه الصلاة والسلام: "ما من أيام أحب إلى الله فيها الصوم من أيام العشر". والرواية في كتب الحديث: البخاري، الترمذي، وسنن ابن ماجه، وسنن النسائي، ليس فيها "أحب" رافعا للاسم الظاهر.

(1/131)


شيئًا والحسب والوجه فاعلان, كما ينصب الفعل, وحسن وشديد وكريم وشريف أسماء غير متعدية على الحقيقة وإنما تعديها على التشبيه, ألا ترى أنك إذا قلت: زيد ضارب عمرًا, فالمعنى: أن الضرب قد وصل منه إلى عمرو, وإذا قلت: زيد حسن الوجه أو كريم الأب فأنت تعلم أن زيدًا لم يفعل بالوجه شيئًا ولا بالأب والأب والوجه فاعلان في الحقيقة, وأصل الكلام, زيدٌ حَسَنٌ وجههُ, وكريم أبوه حسبه, لأن الوجه هو الذي حسن, والأب/ 126 هو الذي كرم.

(1/132)


مسائل من هذا الباب:
تقول: زيد كريم الحسب, لأنك أضمرت اسم الفاعل في "كريم" فنصبت ما بعده على التشبيه بالمفعول, والدليل على أن الضمير واقع في الأول قولك1: هند كريمة الحسب, ولو كان على الآخر لقلت: كريم حسبها كما تقول: قائم أبوها, وإنما جاز هذا التشبيه وإن كان الحسب غير مفعول على الحقيقة, بل هو في المعنى فاعل, لأن المعنى مفهوم غير ملبس, ومن قال: زيدٌ ضاربٌ الرجلَ, وهو يريد التنوين إلا أنه حذفه قال: زيدٌ حسنُ الوجهِ, إلا أن الإِضافة في الحسن الوجه والكريم الحسب وجميع بابهما هو الذي يختار, لأن الأسماء على حدها من الإِضافة إلا أن يحدث معنى المضارعة وإذا قلت: زيد حسن وجهه, وكريم أبوه, وفاره عبده2, فهذا هو الأصل, وبعده في الحسن: زيد حسن الوجه, وكريم الحسب, ويجوز: زيد كريم الحسب وحسن الوجه ويجوز: زيد حسن وجهًا وكريم حسبًا ويجوز: زيد كريم حسب, وحسن وجه, والأصل ما بدأنا به.
واعلم: أنك إذا قلت: حسن الوجه فأضفت "حسنًا" إلى الألف واللام فهو غير معرفة, وإن كان مضافًا إلى ما فيه الألف واللام, من أجل أن.
__________
1 في "ب" كقولك.
2 فاره عبده: ساقطة في "ب".

(1/132)


المعنى حَسَن وجهه فهو نكرة, فكما أن الذي هو في معناه نكرة, ولذلك جاز دخول الألف واللام عليه, فقلت: الحسن الوجه, ولا يجوز الغلام الرجل, وجاز الحسن الوجه, وقولك: مررت برجل حسن الوجه, يدلك على أن حسن الوجه نكرة؛ لأنك وصفت به نكرة, واعلم: أن "حسنًا"1, وما "أشبهه", إذا أعملته عمل اسم الفاعل فليس يجوز عندي أن يكون لما مضى ولا لما يأتي, فلا تريد به إلا الحال2, لأنه صفة, وحق الصفة صحبة الموصوف, ومن قال: هذا حسنُ وجهٍ, وكريمُ حسبٍ, حجته أن الأول لا يكون معرفةً بالثاني أبدًا, فلما كان يعلم أنه لا يعني من الوجوه إلا وجهه ولم تكن الألف واللام بمعرفتين3 للأول, كان/ 128 طرحهما أخف. ومن كلام العرب: هو حديث عهد بالوجه, قال الراجز:
لاحقُ بطنٍ بقرًا سَمينِ4
ومن قال هذا القول قال: الحسنُ وجهًا, لأن الألف واللام يمنعان
__________
1 في "ب" والصفة المشبهة.
2 أي: الماضي المتصل بالزمن الحاضر، أما اسم الفاعل فيكون للأزمنة الثلاثة.
3 في "ب" معرفتين بإسقاط الباء، ولم يسمع دخول الباء في خبر "كان" ولكن المؤلف شبهه بخبر "ليس" لأنه غير موجب.
4 من شواهد سيبويه 1/ 101 "على إضافة لاحق" إلى قوله: بطن مع حذف الألف واللام فهو بمنزلة: حسن وجه. وعو عجز بيت الحميد الأرقط وصدره: غيران ميفاءه على الرزون.
غير أن: معناه أن له نشاطا في السير. وميفاء: هو الرخاء، وأصله موفاء فوقعت الواو ساكنة إثر كسرة فقلبت ياء: كميزان وميعاد. والروزن: الأرض، واللاحق: الضامر، وأصله أن يلحق بطنه ظهره ضمرا، والقرا: الظهر، يكتب بالألف لأنك تقول للطويلة الظهر قرواء وذكر في اللسان: أن تثنيته: قروان وقريان. يصف فرسا فقال: إنه لذو نشاط في جريه على الأرض المرتفعة، وإن بطنه الضامر قد لحق بظهره السمين من شدة الضمور. وأراد أن ضموره ليس عن هزال. وانظر المقتضب 4/ 59 وشرح السيرافي 2/ 13 وشرح ابن يعيش 6/ 85 والمفصل للزمخشري 2/ 124، والصبان جـ2/ 220.

(1/133)


الإِضافة فلا يجوز أن تقول: هذا الحسن وجهٍ من أجل أن هذه إِضافة حقيقة على بابها, لم تخرج فيه معرفة إلى نكرة ولا نكرة إلى معرفة, فالألف واللام لا يجوز أن يدخلا على مضاف إلى نكرة, ولو قلت ذلك لكنت قد ناقضت ما وضع عليه الكلام, لأن الذي أضيف إلى نكرة يكون به نكرة, وما دخلت عليه الألف واللام يصير بهما معرفة, فيصير معرفة نكرة في حال وذلك محال1. وإنما جاز: الحسن الوجه "وما أشبهه" وإدخال الألف واللام على حسن الوجه؛ لأن "حسنًا" في المعنى منفصل, فإضافته غير حقيقية, والتأويل فيه التنوين, فكأنك قلت: حسن وجهه فلذلك جاز, فإذا قلت: حسن وجهٍ ثم أدخلت الألف واللام قلت: الحسن وجهًا, فتنصب الوجه الى التمييز2 /129 أو الشبه بالمفعول به, لمّا امتنعت الإِضافة كما تقول: ضاربُ رجلٍ, ثم تقول: الضارب رجلًا وتقول: هو الكريم حسبًا والفاره عبدًا, ويجوز: الحسن الوجه؛ لأنه مشبه بالضارب الرجل؛ لأن الضارب بمعنى الذي ضَربَ, والفعل واصلٌ منه إلى الرجل على الحقيقة, وقد قالوا: الضارب الرجل فشبهوه بالحسن الوجه, كما شبهوا الحَسنِ الوجه به في النصب, وعلى هذا أنشد:
الوَاهِبُ المائة الهجانِ وَعْبدِهَا ... عُوذًا تُزجّي خلفَها أطفالُها3
__________
1 محال، ساقطة في "ب".
2 النصب على التمييز لأنه نكرة.
3 من شواهد سيبويه 1/ 94، وروايته: عوذا تزجى بينها أطفالها. على عطف "عبدها" على المائة وهو مضاف إلى غير الألف واللام، فهو مثل: الضارب الرجل عبد الله. وقد غلط سيبويه في استشهاده بهذا، لأن العبد مضاف إلى ضمير المائة وضميرها بمنزلتها، فكأنه قال: الواهب المائة وعبد المائة. يقول الشاعر: إن هذا الممدوح يهب المائة من الإبل الكريمة، ويهب راعيها أيضا.
وهو المراد من العبد، وخص الهجان، لأنها أكرمها. والهجان: البيض، يستوي فيه المذكر والمؤنث والجمع، وعوذا: جمع عائذ وهو جمع غريب، والعائذ: الناقة إذا وضعت وبعد ما تضع أياما حتى يقوى ولدها. وقيل: العوذ: الحديثات النتاج قبل أن توفي خمس عشرة ليلة. ثم هي مطفل بعده وتزجي: تسوق. والبيت للأعشى يمدح قيس بن معد يكرب. وانظر المقتضب 4/ 162. وشعراء النصرانية/ 371، وشرح ابن عقيل/ 337. والديوان/ 27.

(1/134)


والوجه: النصب في هذا, وتقول: هو الحسن وجهِ العبد, كما تقول: هو الحسن العبد, لأن ما أضيف إلى الألف واللام بمنزلة ما فيه الألف واللام, وتقول: على التشبيه بهذا "الضارب أخي الرجل", كما تقول: الضارب الرجل, وتقول: مررت بالحسنِ الوجه الجميلة, ومررت بالحسن العبد النبيلةِ, فأما قولهم: الواهب المائة الهجان وعبدِها فإنما أردوا: عبدِ المائة كما تقول: كُل شاة/ 130 وسخلها, بدرهم, ورب رجل وأخيه لما كان المضمر هو الظاهر جرى مجراه.
وقال أبو العباس -رحمه الله- في إنشادهم:
أَنَا ابنُ التَّارِكِ البَكْرِيِّ بِشْر ... عَلَيْهِ الطَّيْرُ تَرْقُبُهُ عُكُوفَا1
أنه لا يجوز عنده في "بشر" إلا النصب, لأنهم إنما يخفضونه على البدل وإنما البدل أن توقع الثاني موقع الأول, وأنت إذا وضعت "بشرًا "في موضع
__________
1 من شواهد سيبويه جـ1/ 93 على إضافة "التارك" إلى البكري تشبيها بالحسن الوجه لأنه مثله في إضافته إلى الألف واللام. "فبشر" لا يصح أن يكون بدلا من "البكري" لأنه لا يصح أن يحل محله فلا يقال: أنا ابن التارك بشر.
والرواية المشهورة: عليه الطير ترقبه وقوعا.
ترقبه: أي: تنتظر انزهاق روحه، لأن الطير لا يقع على القتيل وبه رمق ففيه حذف مضاف. وصف الشاعر أن أباه قد صرع رجلا من بكر فوقعت عليه الطير وبه رمق فجعلت ترقبه حتى يموت لتتناول منه، والوقوع هنا جمع واقع وهو ضد الطائر. والبيت للمرار بن سعيد الفقعسي.
وانظر: ابن يعيش جـ3/ 72، 74، وشرح ابن عقيل/ 394 والمفصل للزمخشري/ 122.

(1/135)


الأول لم يكن إلا نصبًا, فأما نظير هذا قولك: يا زيد أخانا, على البدل.
وقال النحويون1: "بشر".
واعلم: أن كل ما يجمع بغير الواو والنون نحو: حسن وحسان فإن الأجود فيه أن تقول: مررت برجل حسان قومه, من قبل أن هذا الجمع المكسر هو اسم واحد صيغ للجمع, ألا ترى أنه يعرب كإعراب الواحد المفرد, لا كإعراب التثنية, والجمع السالم الذي على حد التثنية, فأما ما كان يجمع مسلمًا بالواو والنون نحو: "منطلقين" فإن الأجود فيه أن تجعله بمنزلة الفعل المقدم فتقول: مررت برجل منطلق قومه, وأسماء الفاعلين وما يشبهها إذا ثنيتها أو جمعتها الجمع الذي على حد التثنية/ 132. بالواو والياء والنون لم تثن وتجمع إلا وفيها ضمير الفاعلين مستترًا, تقول: الزيدان قائمان, فالألف والنون إنما جيء بهما للتثنية, وتقول: الزيدون قائمون, فالواو والنون إنما جيء بهما للجمع, وليست بأسماء الفاعلين التي هي كناية كما هي في "يفعلان ويفعلون" لأن الألف في "يفعلان" والواو في "يفعلون" ضمير الفاعلين.
فإن قلت: الزيدان قائم أبواهما, لم يجز أن تثني "قائمًا" لأنه في موضع "يقوم أبواهما" إلا في قول من قال: أكلوني2 البراغيث, فإنه يجوز على قياسه مررت برجل قائمين أبوه. فاعلم.
__________
1 قال سيبويه بعد أن ذكر البيت ... سمعناه ممن يرويه عن العرب وأجرى بشرا على مجرى المجرور لأنه جعله بمنزلة ما يكف منه التنوين.. الكتاب 1/ 93.
وقد خولف سيبويه في جر بشر وحمله على لفظ البكري لأنك لو وضعته موضعه لم يتسع لك أن تقول: أنا ابن التارك بشر، كما لا تقول: الضارب زيد. والصحيح ما أجازه سيبويه لأخذه عن العرب.
2 أي: إن الواو علامة للجمع وليست فاعلا، لأنه لا يوجد فاعلان لفعل واحد.

(1/136)


شرح الثالث: وهو المصدر.
اعلم: أن المصدر يعمل عمل الفعل, لأن الفعل اشتق منه1 وبُنيَ مثله للأزمنة الثلاثة: الماضي والحاضر والمستقبل, نقول من ذلك: عجبت من ضرب زيد عمرًا إذا كان زيد فاعلًا2 / 133 وعجبت من ضرب زيد عمروٌ3 إذا كان زيدٌ مفعولًا, وإن شئت نونت المصدر وأعربت ما بعده بما يجب له لبطلان الإِضافة فاعلًا كان أو مفعولًا فقلت: عجبت من ضرب زيد بكرًا, ومن ضرب زيدًا بكر, وتدخل الألف واللام على هذا فتقول عجبت من الضرب زيدًا بكر, لا يجوز أن تخفض "زيدًا" من أجل الألف واللام, لأنهما لا يجتمعان والإِضافة كالنون والتنوين.
وقال قوم: إذا قلت: أردت الضرب زيدًا إنما نصبته بإضمار فعل, لأن الضرب لا ينصب وهو عندي قول حسن.
واعلم: أنه لا يجوز أن يتقدم الفاعل ولا المفعول الذي مع المصدر على المصدر؛ لأنه في صلته, وكذلك إن وكد ما في الصلة أو وصف, لو قلت: دارك أعجب زيدًا دخول عمرو, فتنصب الدار بالدخول كان خطأ.
وقال قوم إذا قلت: أعجبني ضرب زيدًا فليس من كلام العرب أن ينونوا, وإذا نونت عملت بالفاعل والمفعول ما كنت تعمل قبل التنوين, قالوا: فإن أشرت/ 134 إلى الفاعل نصبت فقلت: أَعجبني ضربٌ زيدًا, وإن شئت رفعت وأردت: أعجبني أن ضُرِبَ زيد.
__________
1 لأن مذهب البصريين: أن المصدر أصل للفعل، فالمصدر يدل على زمان مطلق، والفعل يدل على زمان معين: فكما أن المطلق أصل للمقيد، فكذلك المصدر أصل للفعل.
2 ضرب، مصدر مضاف إلى فاعله وهو "زيد" فزيد مجرور لفظا بالمضاف مرفوع حكما لأنه فاعل.
3 حذفت واوا زائدة قبل "إذا".

(1/137)


مسائل من هذا الباب:
تقول: أعجب ركوبك الدابة زيدًا, فالكاف في قولك: "ركوبك" مخفوضة بالإِضافة, وموضعها رفع, والتقدير: أعجب زيدًا أن ركبت الدابة, فالمصدر يجر ما أضيف إليه فاعلًا كان أو مفعولًا, ويجري ما بعده على الأصل, وإضافته إلى الفاعل أحسن, لأنه له: كقول الله تعالى: {وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ} 1, وإضافته إلى المفعول حسنة, لأنه به اتصل وفيه حل, وتقول: أعجبني بناء هذه الدار, وترى المجلود فتقول: ما أشد جلده, وما أحسن خياطة هذا الثوب, فعلى هذا تقول: أعجب ركوب الدابة عمرو زيدًا إن أردت: أعجب أن ركب الدابة عمرو زيدًا, فالدابة وعمرو وركب في صلة "أن" وزيد منتصب "بأعجب" خارج من الصلة فقدمه إن شئت قبل أعجب, وإن شئت جعلته بين "أعجب", وبين/ 135 الركوب وكذلك: عجبت من دق الثوب القصار2, ومن أكل الخبز زيدٌ, ومن أشباع الخبز زيدًا فإن نونت المصدر أو أدخلت فيه ألفًا ولامًا امتنعت الإِضافة, فجرى كل شيء على أصله فقلت: أعجب ركوب زيد الدابة عمرًا, فإن شئت قلت: أعجب ركوب الدابة زيد عمرًا, ولا يجوز أن تقدم الدابة, ولا زيدًا قبل الركوب؛ لأنهما من صلته, فقد صارا منه كالياء والدال من "زيد" وتقول: ما أعجب شيء شيئًا إعجاب زيد ركوب الفرس عمرو, ونصبت "إعجابًا" لأنه مصدر وتقديره: ما أعجب شيء شيئًا إعجابًا مثل إعجاب زيد, ورفعت الركوب بقولك: "أعجب" لأن معناه: كما أعجب زيدًا أن ركب الفرس عمرو, وتقول: أعجب الأكل الخبز زيد عمرًا, كما وصفت لك, وعلى هذا قوله تعالى: {أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ، يَتِيمًا ذَا مَقْرَبَةٍ} 3, فالتقدير: أو أن يطعم لقوله: وما أدراك فعلى هذا يجري ما
__________
1 البقرة: 251.
2 القصار: قصر الثوب قصارة، وقصره: كلاهما، حوره ودقه، ومنه سمي القصار.
3 البلد: 14، وفي الآية المصدر منون.

(1/138)


ذكرت لك ولو قلت: عمرًا أعجبني أن ضرب خالدًا, كان خطأ, لأن/ 136 عمرًا من الصلة.
ومن قال: هذا الضارب الرجل, لم يقل: عجبت من الضرب الرجل لأن الضرب ليس بنعت, والضارب نعت كالحسن, وهو اسم الفاعل من "ضرب" كما أن حسنًا اسم الفاعل من "حسن" ويحسن, وهما نعتان مأخوذان من الفعل للفاعل, وتقول: أعجبني اليوم ضرب زيد عمرًا, "إن جعلت اليوم" نصبًا بأعجبني فهو جيد, وإن نصبته بالضرب كان خطأ, وذلك لأن الضرب في معنى "أن ضرب" وزيد وعمرو من صلته فإذا كان المصدر في معنى "إن فعل" أو "أن يفعل" فلا يجوز أن ينصب ما قبله, ولا يعمل إلا فيما كان من تمامه فيؤخر بعض الاسم, ولا يقدم بعض الاسم على أوله, فإن لم يكن في معنى "إن فعل" وصلتها أعملته عمل الفعل إذا كان نكرة مثله, فقدمت فيه وأخرت وذلك قولك ضربًا زيدًا, وإن شئت: زيدًا ضربًا؛ لأنه ليس فيه معنى "أن" إنما هو أمر, وقولك ضربًا زيدًا ينتصب بالأمر, كأنك قلت: اضرب زيدًا, إلا أنه صار بدلًا من الفعل لما حذفته/ 137 وحكى قوم أن العرب قد وضعت الأسماء في مواضع المصادر فقالوا: عجبت من طعامك طعامًا, يريدون: من إطعامك, وعجبت من دهنك لحيتك, يريدون: من دهنك, قال الشاعر:
أظليمَ إنَّ مُصابَكُم رَجُلًا ... أَهْدَى السَّلامَ تَحِيَةً ظُلْمُ1
أراد: إن أصابتكم.
__________
1 وروي البيت: أظلوم إن مصابكم.
والصواب: أظليم، كما رواه ابن السراج، لأنه مرخم "ظليمة" تصغير "ظلمة" وظليمة هو اسم المرأة المشبب بها، ويروى الشطر الثاني رد السلام.
ونسب هذا البيت للعرجي وللحارث بن خالد من أحفاد هشام بن المغيرة, وإلى عمر بن أبي ربيعة، وإلى أمية بن أبي الصلت.
وانظر أخبار النحويين للسيرافي/ 57، والاشتقاق لابن فارس/ 99، ومجالس ثعلب/ 270، والأغاني 3/ 97، والفاخر للمفضل بن سلمة/ 176، وأمالي ابن الشجري 1/ 107.

(1/139)


ومنه قوله:
وبَعْدَ عطائِكَ المائة الرِّتَاعا1
أراد: بعد إعطائك, وقال هؤلاء القوم: إذا جاءت الأسماء فيها المدح والذم وأصلها ما لم يسم فاعله رفعت مفعولها فقلت: عجبت من جنون بالعلم, فيصير كالفاعل وإنما هو مفعول. هذا مع المدح والذم ولا يقال ذلك في غير المدح والذم.
__________
1 منع البصريون إعمال اسم المصدر المأخوذ من حدث لغيره، كالثواب والكلام والعطاء إلا في الضرورة، أما الكوفيون والبغداديون فجوزوه قياسا إلحاقا بالمصدر كالشاهد المذكور: وبعد عطائك.
وقال الكسائي: إمام أهل الكوفة إلا ثلاثة ألفاظ: الخبز والدهن والقوت، فإنها لا تعمل، فلا يقال: عجبت من خبزك الخبز ولا من دهنك رأسك ولا من قوتك عيالك.
وأجاز الفراء ذلك وحكى عن العرب مثل: أعجبني دهن زيد لحيته وانظر الهمع جـ2/ 95. والشاهد عجز بيت للقطامي عمير بن شييم من بني تغلب. وصدره.
أكفرا بعد رد الموت عني ... وبعد عطائك ...
وكان يمدح زفر بن الحارث الكلابي، وقد أسره في حرب فمن عليه وأعطاه مائة من الإبل.
وانظر الكتاب جـ1/ 331، والحجة لأبي علي جـ1/ 135، وأمالي ابن الشجري/ 142، والتمام في تفسير أشعار هذيل/ 72. والأغاني جـ2/ 310، والشعر والشعراء/ 377، والخزانة جـ1/ 391 والديوان/ 37.

(1/140)


شرح الرابع: وهو ما كان من الأسماء التي سموا الفعل بها.
موضع هذه الأسماء من الكلام في الأمر والنهي, فما كان فيها في معنى ما لا يتعدى من الأفعال فهو غير متعد, وما كان منها في معنى فعل متعد تعدى, وهذه الأسماء على ثلاثة أضرب: فمنها اسم مفرد واسم مضاف, واسم استعمل مع/ 138 حرف الجر.
فالضرب الأول: قولك: هلم زيدًا. ورويد زيدًا, وحَيَّ هل الثريد, وزعم أبو الخطاب1: أن بعض العرب يقول: حي هل الصلاة2. ومن ذلك: تراكها ومناعها وهذه متعدية, والمعنى: اتركها وامنعها, وأما ما لا يتعدى فنحو: مه, وصه, وأيه.
والضرب الثاني: وهي الأسماء المضافة, ومنها أيضًا ما يتعدى وما لا يتعدى, فأما المتعدي فنحو: دونك زيدًا, وعندك زيدا, وذكر سيبويه: أن أبا الخطاب حدثه بذلك3, وحذرك زيدًا, وحذارك زيدًا, وأما ما لا يتعدى, فمكانك وبعدك وخلفك إذا أردت تأخر, وحذرته شيئًا خلفه, وفرطك إذا حذرته من بين يديه شيئًا وأمرته أن يتقدم, وأمامك, ووراءك.
والضرب الثالث: ما جاء مع أحرف الجر نحو: عليك زيدًا وإليك إذا قلت: تنح.
وذكر سيبويه: أن أبا الخطاب حدثه: أنه سمع من يُقال له إليك,
__________
1 أبو الخطاب: هو الأخفش الأكبر عبد الحميد بن عبد المجيد المتوفى "177هـ"، وكان أول من كتب تفسير الأشعار بين السطور، كما كان هو وعيسى بن عمر الثقفي أستاذي أبي زيد الأنصاري وأبي عبيدة والأصمعي، ترجمته: طبقات الزبيدي رقم 110- نزهة الألباء/ 53، والمزهر جـ2/ 313.
2 نظر الكتاب 1/ 123، جـ/ 52.
3 انظر الكتاب 1/ 126.

(1/141)


فيقول: "إليَّ" في هذا الحرف وحده, كأنه قال له: تنح فقال: أتنحى1, ولا يجوز مثل هذا في أخوات إليَّ2 لأن/ 139 هذا الباب إنما وضع في الأمر مع المخاطب, وما أُضيف فيه فإنما يُضاف إلى كاف علامة المخاطب المتكلم, ولا يجوز أن تقول: رويده زيدًا ودونه عمرًا, تريد غير المخاطب3. وحكي أن بعضهم قال: عليه رجلًا ليسي, أي: غيري. وهذا قليل شاذ4. وجميع هذه الأسماء لا تصرف تصرف الفعل.
وحكي أن ناسًا من العرب يقولون: هلمي, وهلما, وهلموا5, فهؤلاء جعلوه فعلًا والهاء للتنبيه, ولا يجوز أن تقدم مفعولات هذه الأسماء من أجل أن ما لا يتصرف لا يتصرف عمله فأما قول الله تعالى: {كِتَابَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ} 6 فليس هو على قوله: عليكم كتاب الله, ولكنه مصدر محمول على ما قبله؛ لأنه لما قال: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ} 7 فأعلمهم: أن هذا مكتوب مفروض فكان بدلًا من قوله: كتاب الله ذلك, فنصب "كتاب8 الله"وجعل عليكم تبيينا.
__________
1 انظر الكتاب 1/ 126.
2 مثل دوني وعلى: لأنهما ليس لهما قوة الفعل فيقاس.
3 لأنه ليس بفعل ولا يتصرف تصرفه.
4 في الكتاب 1/ 126 قال سيبويه: وحدثني من سمعه أن بعضهم قال: عليه رجلا ليسي وهذا قليل شبهوه بالفعل.
5 قال سيبويه: واعلم: أن ناسا من العرب يجعلون هلم بمنزلة الأمثلة التي أخذت من الفعل. يقولون: هلمي وهلما، وهلموا. الكتاب جـ1/ 127. هذا على لغة بني تميم لأنهم يجعلونها فعلا صحيحا، ويجعلون الياء زائدة. وفي البحر المحيط 3/ 214: كتاب الله: انتصب بإضمار الفعل، وهو فعل مؤكد لمضمون الجملة السابقة من قوله: حرمت عليكم وكأنه قيل: "كتب الله عليكم تحريم ذلك كتابا".
6 النساء: 24.
7 النساء: 23.
8 نصب "كتاب الله" للمصدر.

(1/142)


مسائل من هذا الباب:
تقول: رويدكم أنتم وعبد الله, لأن المضمر في النية مرفوع/ 140 ورويدكم وعبد الله, وهو قبيح إذا لم تؤكده1, ورويدكم أنتم أنفسكم ورويدكم أجمعون, ورويدكم أنتم أجمعون, كل حسن, وكذلك رويد, إذا لم يلحق فيه الكاف تجري هذا المجرى, وكذلك الأسماء التي للفعل جمعًا إلا أن هلم إذا لحقتها "لك" فإن شئت حملت أجمعين, ونفسك على الكاف المجرورة فقلت: هلم لكم أجمعين وأنفسكم, ولا يجوز أن تعطف على الكاف المجرورة الاسم, ألا ترى أنه يجوز: هذا لك نفسك, ولكم أجمعين, ولا يجوز: لك وأخيك, وإن شئت حملت المعطوف والتأكيد والصفة على المضمر المرفوع في النية فقلت: هلم لكم أجمعون, كأنك قلت: تعالوا أجمعون, وهلم لك أنت وأخوك, كأنك قلت: تعالى أنت وأخوك, فإن لم تلحق "لك" جرى مجرى رويد, ورويد يتصرف على أربع جهات: يكون أمرًا بمعنى: أرود أي: أمهل, ويكون صفة نحو: ساروا سيرًا رويدًا أي: سهلًا/ 141 وتكون حالًا, تقول: ساروا رويدًا, أي: متمهلين وتكون مصدرًا نحو: رويد نفسه, وذكر سيبويه: أنه حدثه به من لا يتهم: أنه سمع العرب تقول: ضعه رويدًا [أي] 2 وضعًا رويدًا3. وتلحق "رويد" الكاف وهي في موضع "أفعل" تبيينا لا ضميرًا4 فتقول: رويدك, وريدكم, وإنما تلحقها
__________
1 قبح لحذف التوكيد، لكن إعرابه الرفع على كل حال. قال سيبويه 1/ 125. وتقول فيما يكون معطوفا على الاسم المضمر في النية. وما يكون صفة له في النية كما تقول في المظهر، أما المعطوف فكقولك: رويدكم أنتم وعبد الله. كأنك قلت: افعلوا أنتم وعبد الله، لأن المضمر في النية مرفوع فهو يجري مجرى المضمر الذي ثنيت علامته في الفعل.
2 أضفت كلمة "أي" لأن السياق يقتضيها.
3 انظر الكتاب 1/ 124 ونصه كما يلي:.. ومن ذلك قول العرب: ضعه رويدا، أي: وضعا رويدا.
4 أي: زائدة للمخاطبة وليست باسم. قال سيبويه جـ1/ 124: واعلم: أن رويدا تلحقها الكاف وهي في: موضع "أفعل" وذلك قولك: رويدك زيدا ورويدكم زيدا.

(1/143)


لتبين المخاطب المخصوص فقط غير ضمير, وذلك إذ كانت تقع لكل مخاطب على لفظ واحد. ولك أن لا تذكرها, ومثلها في ذا: حيهل, وحيهلك, فالكاف للخطاب, وليست باسم, ومثل هذا في كلامهم كثير.
قال سيبويه: وقد يجوز عليك أنفسكم وأجمعين, وقال: إذا قلت: عليكم زيدًا فقد أضمرت فاعلًا في النية, فإذا قلت: عليك أنت نفسك لم يكن إلا رفعًا. ولو قلت في: عليَّ زيدًا أنا نفسي, لم يكن إلا جرا, وإنما جاءت الياء والكاف لتفصلا بين المأمور والأمر في المخاطبة1, وكذلك: حذرك بمنزلة عليك, والمصدر وغيره/ 142 في هذا الباب سواء, ومن جعل: رويد مصدرًا قال: رويدك نفسك إن حمله على الكاف وإن حمله على المضمر في النية رفع. قال: وأما قول العرب: رويدك نفسك فإنهم يجعلون النفس بمنزلة عبد الله إذا أمرته2 به, وأما حيهلك, وهاءك وأخواتها فلا يكون الكاف فيها إلا للخطاب, ولا موضع لها من الإِعراب؛ لأنهن لم يجعلن مصادر. أما قولك: دونك زيدًا, ودونكم إذا أردت تأخر فنظيرها من الأفعال, جئت يا فتى, يجوز أن تخبر عن مجيئك لا غير, وجائز أن تعديها فتقول: جئت زيدًا, وكذلك تقول: عليّ زيدًا, وعليّ به, فإذا قلت: عليّ زيدًا, فمعناه أعطني زيدًا, وإذا قلت: عليك زيدًا فمعناه: خذ زيدًا, ومعنى "حيهل" أقرب وجائز أن يقع في معنى قرب, فأما قولك: أقرب, فكقولك: حيهل الثريد أي: أقرب منه, وآته, وفتح حيهل كفتح خمسة عشر لأنهما شيئان 3 /143 جملًا شيئًا واحدًا.
__________
1 انظر الكتاب 1/ 126-127.
2 انظر الكتاب 1/ 127.
3 قال سيبويه: 2/ 52: وأما حيهل التي للأمر فمن شيئين: يدلك على ذلك: حي على الصلاة: وأما المبرد فقال: حيهل: فإنما هي اسمان جعلا اسما واحدا، وانظر المقتضب 3/ 205. أما أنها مفتوحة كفتح خمسة عشرة فمعناه: أنها مبنية.

(1/144)


فأما قول الشاعر:
يَوم كَثيرٌ تُناديهِ وحيَّ هلُهْ1
فإنه جعله اسمًا فصار كحضرموت ولم يأمر أحدًا بشيء. وقد توصل بـ"علي" كما وصلت بـ"هل" هذه, فمن ذلك: حيَّ على الصلاة.
إنما معناه: أقربوا من الصلاة, وإيتوا الصلاة.
وفي "حيهل" ثلاث لغات: فأجودهن أن تقول: حيَّهلْ بعمر, فإذا وقفت قلت: حيهلا, الألف ههنا لبيان الحركة كالهاء في قوله: كتابيه, وحسابيه؛ لأن الألف من مخرج الهاء ومثل ذلك قولك: أنا قلت ذاك, فإذا وقفت قلت: أناه. ويجوز: حيهلًا بالتنوين تجعل نكرة, ويجوز: حيهلا بعمر, وهي أردأ اللغات.
قال أبو العباس: وأما "حي هلا" فليست بشيء2.
__________
عجز بيت من شواهد سيبويه 2/52 على إعراب "حيهله" بالرفع؛ لأنه جعله وإن كان مركبا من شيئين: اسما للصوت بمنزلة معد يكرب في وقوعه اسما للشخص، وكأنه قال: كثير تناديه وحثه ومبادرته، لأن معنى قولهم: حي هل، عجل وبادر. وتكملته:
وهيج الحي من دار فظل لهم ... يوم كثير ...
وهيج: بمعنى فرق، ودار: واد قريب من هجر. وظل استمر. قيل فاعل هيج ضمير غراب البين، والتنادي: مصدر تنادي، أي: نادى القوم بعضهم بعضا. وصف الشاعر: جيشا سمع به وخيف منه فانتقل عن المحل من أجله وبودر بالانتقال قبل لحاقه. ولم ينسب لأحد معين غير أن شارح أبيات المفصل للزمخشري قال: هو للنابغة الجعدي يهجو به ليلى الأخيلية وكانت بينهما مهاجاة.
وانظر: المقتضب 3/ 206 وشرح السيرافي 4/ 129، والمفصل للزمخشري/ 154. وابن يعيش 4/ 46.
2 انظر المقتضب 3/ 205: لم يوجد النص الذي ذكره المؤلف، بل قال المبرد: ومن هذه الحروف "حيهل" فإنما هي اسمان جعلا اسما واحدا، وفيه أقاويل: فأجودها: حيهل بعمر، فإذا وقفت قلت: حيهلا، فجعلت الألف لبيان الحركة، جائز أن تجعله نكرة فتقول: حيهلا يا فتى، وجائز أن تثبت الألف وتجعله معرفة، فلا تنون، والألف زيادة ومعناه: قربه، وتقديره في العربية: بادر بذكره.

(1/145)


"وهلم" إنما هي لُمَّ, أي: أقرب وها للتنبيه, إلا أن الألف حذفت فيها لكثرة الاستعمال وأنهما جعلا شيئًا واحدًا, فأما أهل الحجاز فيقولون للواحد والاثنين والمرأة وللجماعة من الرجال والنساء: هلم على لفظ واحد كما يفعلون/ 144 ذلك في الأشياء التي هي أسماء للفعل وليس بفعل, قال الله عز وجل: {وَالْقَائِلِينَ لِإِخْوَانِهِمْ هَلُمَّ 1 إِلَيْنَا} واستجازوا ذلك لإِخراجهم إياها عن مجرى الأفعال, حيث وصلوها بحرف التنبيه كما أخرجوا خمسة عشر من الإِعراب. فأما بنو تميم: فيصرفونها2 فيقولون للاثنين: هلما وللأنثى هلمي, كما تقول: رد, وردا, وردوا, وارددن, وردي.
قال أبو بكر: وقد مضى ذكر الأسماء التي تعمل عمل الفعل بعد أن ذكرنا الأسماء المرتفعة فلم يبق اسم يرتفع إلا أن يكون تابعًا لاسم3 من الأسماء التي قدمنا ذكره وأن تكون مبنيا مشبهًا بالمعرب.
فأما التوابع فنحو: النعت والتأكيد والبدل والعطف, ونحن نذكرها بعد ذكر الأسماء المنصوبات والمجرورات, وأما ما كان من الأسماء مبنيا مشبهًا للمعرب فنداء المفرد نحو قولك: يا زيد ويا حكم العاقلُ والعاقلَ, ويا حكمان, ويا حكمون, فهذا موضعه نصب وليس بمعرب وإنما حقه/ 145 أن يذكر مع ذكر المبنيات من أجل أنه مبني وينبغي أيضًا أن يذكر مع المنصوبات من أجل أن موضعه منصوب, فنحن نعيده إذا ذكرنا النداء إن
__________
1 الأحزاب: 18.
2 استدل بنو تميم على تركيبها بدخول نون التوكيد فقالوا: هلمن، كأنك قلت: الممن فأذهبت ألف الوصل. وهي عندهم بمنزلة: رد، وردا، وردي، وأردد، كما تقول: هلم، وهلما، وهلمي، وهلممن، والهاء فضل وإنما هي هاء التنبيه، ولكنهم حذفوا الألف لكثرة استعمالهم هذا في كلامهم. انظر الكتاب 2/ 158.
3 في الأصل: "للاسم".

(1/146)


شاء الله. وقبل أن نذكر المنصوبات نقدم ذكر المعرفة والنكرة للانتفاع بذلك فيها وفي المرفوعات أيضًا إن شاء الله.

(1/147)