الأصول في النحو

باب الاستثناء المنقطع من الأول
مدخل
...
باب الاستثناء المنقطع من الأول:
إلا في تأويل "لكن" إذا كان الاستثناء منقطعًا عند البصريين1. ومعنى سوى عند/ 331 الكوفيين, والاختيار فيه النصب في كل وجه2. وربما ارتفع ما قبل إلا, وهي لغة بني تميم, وإنما ضارعت إلا "لكن", لأن "لكن" للاستدراك بعد النفي, فأنت توجب بها للثاني ما نفيت عن الأول, فمن ههنا تشابها, تقول: ما قام أحدٌ إلا زيد, فزيد قد قام ويفرق بينهما: أنّ لكن لا يجوز أن تدخل بعد واجب, إلا لترك قصة إلى قصة تامة نحو قولك: جاءني عبد الله لكن زيد لم يجئ ولو قلت: مررت بعبد الله لكن عمرو, لم يجز, وليس منهاج الاستثناء المنقطع منهاج الاستثناء الصحيح؛ لأن الاستثناء الصحيح إنما هو أن يقع جمع يوهم أن كل جنسه داخل فيه, ويكون واحد منه أو أكثر من ذلك لم يدخل فيما دخل فيه السائر بمستثنيه منه ليعرف أنه لم
__________
1 قال سيبويه: هذا باب ما يكون إلا على معنى "ولكن" فمن ذلك قوله عز وجل: {لا عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِلَّا مَنْ رَحِمَ} ، أي: ولكن من رحم: انظر الكتاب 1/ 366.
2 في الكتاب 1/ 363. هذا باب يختار فيه النصب لأن الآخر ليس من نوع الأول، وهي لغة أهل الحجاز وذلك قولك: ما فيها أحد إلا حمارا، جاءوا به على معنى ولكن حمارا وكرهوا أن يبدلوا الآخر من الأول فيصير كأنه من نوعه فحمل على معنى ولكن وعمل فيه ما قبله كعمل العشرين في الدرهم، وأما بنو تميم فيقولون لا أحد فيها إلا حمارا، أرادوا: ليس فيها إلا حمار ولكنه ذكر أحدا توكيدا.
وانظر المقتضب 4/ 412-413.

(1/290)


يدخل فيهم, نحو: جاءني القوم إلا زيدًا, فإن قال: ما جاءني زيد إلا عمرًا, فلا يجوز إلا على معنى لكن/ 332.
واعلم: أن إلا في كل موضع على معناها في الاستثناء, وأنها لا بد من أن تخرج بعضًا من كل, فإذا كان الاستثناء منقطعًا, فلا بد من أن يكون الكلام الذي قبل إلا قد دل على ما يُستَثْنى منه فتفقد هذا فإنه يدقّ, فمن ذلك قوله تعالى: {لا عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِلَّا مَنْ رَحِمَ} 1, فالعاصم الفاعل, من رحم ليس بعاصم ولكنه دلّ على العصمة والنجاة. فكأنه قال -والله أعلم: لكن من رحم يُعصم أو معصوم, ومن ذلك قوله تعالى: {فَلَوْلا كَانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَهَا إِيمَانُهَا إِلَّا قَوْمَ يُونُسَ} 2, وهذا الضرب في القرآن كثير. ومن ذلك من الكلام: لا تكونن من فلان في شيء إلا سلامًا بسلام, وما زاد إلا ما نقص, وما نفع إلا ما ضرَّ, "فما نفع" مع الفعل بمنزلة اسم3. ولولا "ما" لم يجز الفعل هنا بعد إلا وإنما حسن هذا الكلام؛ لأنه لما قال: ما زاد دل على قوله هو على حاله, فكأنه/ 333 4 قال: هو على حاله إلا ما نقص, وكذلك دل بقوله: ما نفع ما هو على أمره إلا ما ضرَّ وقال الشاعر:
نَجَا سَالِم والنَّفْسُ مِنْهُ بِشِدْقهِ ... ولم يَنْج إلا جَفْنَ سيفٍ ومئزَرا5
__________
1 هود: 43 الاستثناء في الآية يكون منقطعا إذا أبقى عاصم على أصل معناه، ويكون المراد عن رحم المعصوم أما إذا أريد بمعنى من رحم الله تعالى، أي: الراحم، أو أريد بعاصم معنى معصوم فاعل بمعنى مفعول أو صيغة نسب، أي: ذي عصمة أو قدر حذف مضاف، أي: مكان من رحم -كان الاستثناء متصلا- وانظر: العكبري 2/ 21، والبحر المحيط 5/ 227، وابن يعيش 2/ 81، وشرح الكافية للرضي 1/ 210، والكشاف 2/ 217، والتذييل والتكميل لأبي حيان 4/ 215.
2 يونس: 98. أي: ولكن قوم يونس. وانظر الكتاب 1/ 366.
3 نحو النقصان والضرر.
4 انظر الكتاب 1/ 367.
5 الشاهد فيه نصب "جفن" على الاستثناء، وإلا هنا بمعنى: لكن وهو لحذيفة بن أنس الهذلي وقيل: لأبي خراش. ويروى: نجا عامر، أي: نجا والنفس في شدقه، وزعم يونس: أن معناه: لم ينج إلا بجفن سيف. وانظر الجمهرة 2/ 366. والصاحبي/ 8.

(1/291)


فقوله: نجا, ولم ينج كقولك: أفلت ولم يفلت, أي: لم يفلت إفلاتًا صحيحًا كقولك: تكلمت ولم أتكلم, ثم قال: إلا جفن سيف ومئزرًا, كأنه قال: لكن جفن سيف ومئزرًا, وقال الآخر:
وما بالربَّعِ من أحدِ
ثم قال:
إلا أَوَ آرِيَّ1 ...
فهذا كأنه كما قال: من أحد اجتزأ بالبعض من الكل, فكأنه قال: ما
__________
1 من شواهد سيبويه 1/ 364، على إبدال الأواري بالرفع من موضع "أحد" على لغة تميم في المنقطع. وهما بيتان للنابغة الذبياني روى منها عجز البيت الأول وقسما من صدر البيت الثاني وهما بتمامهما:
وقفت فيها أصيلالا أسائلها ... عيت جوابا وما بالربع من أحد
إلا أواري لأيا ما أبينها ... والنؤي كالحوض بالمظلومة الجلد
والأصيل: الوقت بعد العصر إلى المغرب، وروي البيت الأول:
وقفت فيها أصيلا كي أسائلها.
كما روي:
وقفت فيها طويلا ... ووقفت فيها أصيلانا
وفيه ثلاثة أقوال:
1- أنه مصغر أصيل على غير قياس كأنه تصغير أصلان.
2 أنه تصغير أصلان جمع أصيل، كرغفان جمع رغيف، وفيه أن جمع الكثرة لا يصغر إلا برده إلى المفرد.
3- أنه مصغر أصلان وهو اسم مفرد بمعنى الأصيل، مثل التكلان والغفران. وفيه رواية أخرى: أصيلالا على إبدال النون لاما.
والربع: محلة القوم ومنزلهم أينما كانوا، والمربع كجعفر منزلهم في الربع.
والأواري: جمع آرية بمد الهمزة: وتشديد الياء، وهي التي تحبس فيها الخيل من وتد أو حبل. والنؤي: حاجز حول الخباء يدفع عنه الماء ويبعده. والمظلومة: أرض حفر فيها الحوض لغير إقامة لأنها في فلاة.
وانظر: المقتضب 4/ 414، ومعاني القرآن 1/ 480، وإصلاح المنطق 47، وابن يعيش 2/ 80، وشرح المعلقات للزوزني/ 196، وشرح القصائد السبع 242، والإنصاف/ 269، والديوان 16.

(1/292)


بالربع من شيء واكتفى بأحد لأنه من الاستثناء فساغ ذلك له لأنه لم يلبس وأما قول الشاعر:
مَنْ كَانَ أَسْرَعَ في تَفَرٌّقِ فَالِجٍ ... فَلَبُونُه جربت مَعَا وأغَدَّتِ
إلا كَنَاشِرَةِ الَّذِي ضيَّعَتُمُ ... كالغُصْنِ في غُلوائِهِ المتنبّتِ1
وقال الآخر:
كَلاَّ وَبَيْتِ الله حتى يُنْزِلوا ... مِنْ رأسِ شاهقةٍ إلينا الأسْوَدا
__________
1 من شواهد سيبويه 1/ 378، على الاستثناء المنقطع ثم قال: كأنه قال: ولكن هذا كناشرة، وكان المبرد يجعل الكاف في قوله: "كناشرة" زائدة، ولا يحتاج إلى زيادتها لأنه أراد ناشرة، وكذلك فعل ابن جني في سر صناعة الإعراب كما فعل المبرد وابن السراج، ورواية سيبويه: من كان أشرك ...
وفالج: هو فالج بن مازن أساء إليه بعض بني مازن حتى رحل عنهم إلى بني ولحق ببني ذكوان بن بهشة بن سليم بن قيس عيلان فنسب إليهم.
وناشرة: رجل من بني مازن ضيف عليه قومه فانتقل عنهم إلى بني أسد، فدعا هذا الشاعر المازني على بني مازن حيث اضطروه إلى الخروج عنهم، واستثنى ناشرة منهم لأنه لم يرض فعلهم، ولأنه امتحن محنة فالج بهم.
أغدت: صارت فيها الغدة. وهي كالذبحة تعتري البعير فلا تلبثه فالهمزة للصيرورة. والغلواء: سرعة الشباب، وهو من الغلو أي: الارتفاع. المتنبت: المنمى المغذى، وقيل: هنا المتأصل. ونسب الشعر في سيبويه وشراحه إلى عنز بن دحاجة المازني. ونسب ابن سيده البيت الثاني إلى الأعشى وليس في ديوانه. وللأعشى تائية على هذا الروي، ولكنها من بحر الطويل. والبيتان من الكامل. وانظر المقتضب 4/ 417، وسر صناعة الإعراب 1/ 301، والمخصص لابن سيده 16/ 68، والمفضليات/ 209، واللسان "نبت".

(1/293)


ثم قال:
إلا كَخَارِجَةِ المكلّفِ نفسَه ... وابنى قبيصة أن أَغِيبَ ويُشْهدا1
فإن الكاف زائدة كزيادتها في قول الله تعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِير} 2.
__________
1 الشاهد فيه زيادة الكاف عند المصنف, وكذلك عند المبرد وابن جني. وتقديره: إلا خارجة، وهو من الاستثناء المنقطع عن الأول معناه "لكن".
ولم ينسبهما سيبويه لقائل معين وكذلك المحققون لكتاب.
والبيتان من قصيدة للأعشى في ديوانه/ 277-233، قالها لكسرى حين أراد منهم رهائن، والاستثناء من قوله:
آليت لا نعطيه من أبنائنا ... رهنا فيفسدهم كمن قد أفسدا
والمعنى: آليت ألا نجيبه إلى ما يسألنا من تقديم الرهائن من أبنائنا، إلا ما سبق من أمر خارجة -وهو رجل من شيبان- الذي يكلف نفسه أن يحضر حين أغيب، وابني قبيصة اللذين أخذ منهما الخوف فأرهقا أنفسهما وحملا إليك الرهائن، والخائف جدير بأن يرهق نفسه. وانظر: الكتاب 1/ 368، والمقتضب 4/ 418، وسر صناعة الإعراب 1/ 302، وشرح المفضليات 209.
2 الشورى: 11. "في الروض الأنف 1/ 47" الكاف تكون حرف جر وتكون اسما بمعنى: "مثل". ويدلك على أنها حرف وقوعها صلة للذي. وتكون اسما بمعنى: "مثل" ويدلك على أنها تكون اسما دخول حرف الجر عليها وإذا دخلت على مثل، كقوله تعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} ، فهي إذن حرف إذ لا يستقيم أن يقال: مثل مثله..
وفي البحر المحيط 7/ 501 تقول العرب: مثلك لا يفعل كذا، يريدون به المخاطب، كأنهم إذا أنفوا الوصف عن مثل الشخص كان نفيا عن الشخص وهو من باب المبالغة.. فجرت الآية في ذلك على نهج كلام العرب من إطلاق المثل على نفس الشيء وما ذهب إليه الطبري وغيره من أن مثلا زائدة للتوكيد ليس بجيد، لأن مثلا اسم، والأسماء لا تزاد بخلاف الكاف فإنها حرف فتصلح للزيادة. ويحتمل أيضا أن يراد بالمثل الصفة وذلك سائغ.. فيكون المعنى: ليس مثل صفته تعالى شيء من الصفات التي لغيره وهذا محمل سهل، والوجه الأول أعوص. انظر: شرح الكافية 2/ 319، والمغني 1/ 153، وسر الصناعة 1/ 291-292، والخزانة 4/ 273.

(1/294)


وكقول رؤبة:
لواحقُ الأقرابِ فيها كالمقَق1
والمقق: الطول وإنما المعنى: فيها طول, كما يقال: فلان كذا الهيئة أي: ذو الهيئة.
__________
1 الشاهد فيه زيادة الكاف، لأن المقق معناه: الطول فلا يقال في الشيء كالطول، وإنما يقال: فيه طول، فكأنه قال: مقق، أي: طول.
ونقل البغدادي عن ابن السراج قوله: أما مجيء الكاف حرفا زائدًا لغير معنى التشبيه فكقولهم -فيما حدثناه عن أبي العباس: فلان كذي الهيئة، يريدون: فلان ذو الهيئة فموضع المجرور رفع، ومنه: لواحق الأقراب فيها كالمقق، أي: فيها مقق، لأنه يصف الأضلاع بأن فيها طولا، وليس يريد أن شيئا مثل الطول نفسه. ومنه: ليس كمثله شيء.
اللواحق: جمع لاحقة اسم فاعل من لحق كسمع لحوقا: ضمر وهزل: والأقراب: جمع قرب بضمه فسكون وبضمتين: الخاصرة. يريد أنها خماص البطون، وضمير "فيها" للأقراب.
وانظر: المقتضب 4/ 119، وشرح الحماسة 4/ 1649، وارتشاف الضرب 259، والخزانة 4/ 266، و1/ 38، وديوان رؤبة 106.

(1/295)


مسائل من باب الاستثناء:
تقول: ما مررتُ بأحدٍ يقول ذاك إلا زيد. وما رأيت أحدًا يقول ذاك إلا زيدًا, هذا وجه الكلام, وإن حَملْتَه على الإِضمار الذي في الفعل, أعني: المضمر في "يقول" فقلت: ما رأيت أحدا يقول ذاك إلا زيدٌ, فعربي. قال عديُّ بن زيد:
في لَيْلَةٍ لا نَرَى بها أحَدًَا ... يَحْكِي علينا إلا كَواكِبُها1
__________
1 من شواهد سيبويه 1/ 361 على إبدال "كواكبها" من الضمير المستتر في "يحكي" لأنه منفي في المعنى. ولو نصب على البدل من "أحد" لكان أحسن لأن أحدا منفي في اللفظ والمعنى.
قال ابن الشجري: وجدت هذا البيت في كتاب لغوي منسوبا إلى عدي بن زيد. وتصفحت نسختين من ديوان شعر عدي فلم أجده فيهما، وجدت له قصيدة على هذا الوزن وهذه القافية. وقال البغدادي: إنما هذا البيت لأحيحة بن الجلاخ الأنصاري أثبتها الأصبهاني في الأغاني. ثم ذكرها والقافية فيها مرفوعة. ويحكي علينا: بمعنى يروي، و"على" بمعنى عن أو ضمن "يحكي" معنى "يتم" وانظر المقتضب 4/ 402، وأمالي ابن الشجري 2/ 73، والأغاني 13/ 115، والمغني 1/ 153، والخزانة 2/ 18، ومهذب الأغاني 1/ 113، وملحقات ديوان عدي بن زيد/ 194.

(1/295)


وإنما تكلَّموا بذلك لأن "تقول" في المعنى منفي, إذ كان وصفًا لمنفي أو خبرًا, كما قالوا: قد عَرَفْتُ زيدًا أبو من هو, لأن معناه معنى المستفهم عنه. ويجوز: ما أظنُّ أحدًا فيها إلا زيدٌ, ولا أحدٌ منهم اتخذت عنده يدًا إلا زيد, رفعت زيدًا في المسألة الأولى على البدل من المضمر في فيها/ 325 المرفوع وخفضته في الثانية على البدل من الهاء المخفوضة. في "عنده" وتقول: ما ضربت أحدًا يقول ذاك إلا زيدًا لا يكون في ذلك إلا النصب؛ لأن القول غير منفي هنا, وإنما أخبرت: أنك ضربت ممن يقول ذاك زيدًا, والمعنى في الأول أنك أردت أنه ليس يقول ذاك إلا زيد. ولكنك قلت: رأيت أو ظننت ونحوهما لتجعل ذلك فيما رأيت وفيما ظننت ولو جعلت: رأيت من رؤية العين كان بمنزلة "ضربت".
قال الخليل: ألا ترى أنك تقول: ما رأيته يقول ذلك إلا زيد, وما أظنُّه يقوله إلا عمرو, فهذا يدلك على أنك إنما انتحيت على القول1, وتقول: قل رجل يقول ذاك إلا زيد, وليس "زيد" بدلًا من الرجل في "قل".
قال سيبويه: لكن "قل رجل" في موضع "أقل رجل" ومعناه كمعناه, وأقل رجل مبتدأ 2 / 333 مبنى عليه. والمستثنى بدل منه لأنه يدخله في شيء.
__________
1 انظر: الكتاب 1/ 361.
2 المصدر السابق: 1/ 361.

(1/296)


يخرج منه من سواه, وكذلك أقل من وقل من إذا جعلت من بمزلة رجل, قال حدثنا بذلك يونس عن العرب. يجعلونه نكرة1 -يعني من- قال أبو العباس: إذا قلت: قل رجل يقول ذاك إلا زيد فهذا نفي. كثر رجل2 يقول ذاك إلا زيد وليست هذه قل التي تريد بها قل الشيء وإنما تريد ما يقول ذاك إلا زيد. والدليل على أن رجل في معنى رجال, أنك لو قلت: قل زيد إلا زيد, لم يجز لأنك لا تستثني واحدًا من واحد هو هو, وقولك: إلا زيدًا يدلُّ على معنى أقل رجل3 فهو بدل من قولك: قل رجل. وتقول: ما أنت بشيء إلا شيء لا يعبأ به, من قبل "أن بشيء" في موضع رفع في لغة بني تميم فلما قبح أن يحمله على الباء صار كأنه 4 / 337 بدل من اسم مرفوع, وبشيء في لغة أهل الحجاز في موضع اسم منصوب ولكنك إذا قلت: ما أنت بشيء إلا شيء لا يعبأ به, استوت اللغتان وصارت "ما" على أقيس الوجهين5, وهي لغة تميم.
وتقول: لا أحد فيها إلا عبد الله, تحمل عبد الله على موضع "لا" دون
__________
1 المصدر السابق 1/ 361.
والنص في الكتاب: ... وكذلك أقل من يقول ذلك وقل من يقول ذاك، إذا جعلت "من" بمنزلة رجل. حدثنا بذلك يونس عن العرب يجعلونه نكرة.
2 المقتضب 4/ 405.
3 للنحويين كلام طويل في إعراب قولهم: أقل رجل يقول ذاك إلا زيد.
فأقل مبتدأ لا خبر له واستغنى، لأنه شابه حرف النفي عند ابن جني، أو لأنه بمعنى الفعل في قولهم: قل رجل يقول ذاك إلا زيد عند النحاس، واستغنى بصفة المضاف إليه عن الخبر، ولا يجوز أن تكون جملة: "يقول ذاك" خبرا للمبتدأ لأنها جرت على المضاف إليه في تثنيته وجمعه وتأنيثه يقولون: أقل امرأة تقول ذاك، وأقل امرأتين تقولان ذاك، وأقل رجال يقولون ذاك. انظر: الخصائص 2/ 124، والأشباه 2/ 45، والخزانة 2/ 26، وشرح الكافية 1/ 77.
4 انظر: الكتاب 1/ 362.
5 المصدر السابق 1/ 362، لأنك إذا قلت: ما أنت بشيء إلا شيء لا يعبأ به فكأنك قلت: ما أنت إلا شيء لا يعبأ به.

(1/297)


لفظه وكذلك تقول: ما أتاني من أحد إلا عبد الله, ألا ترى أنك تقول: ما أتاني من أحد لا عبدُ الله ولا زيدٌ, من قبل أنه خطأ أن تحمل المعرفة على "من" في هذا الموضع كما تقول: لا أحدَ فيها إلا زيدٌ, لا عمروٌ؛ لأن المعرفة لا تحمل على "لا"1. وتقول: ما فيها إلا زيد, وما علمت أن فيها إلا زيدًا, ولا يجوز: ما إلا زيد فيها, ولا ما علمت أن إلا زيدًا فيها2, وإنما حسن لما قدمت وفصلت بين أن وإلا لطول الكلام, كأشياء تجوز في الكلام إذا طال وتحسن. ولا يجوز أن تقول: ما علمت أن إلا زيدا فيها, من أجل أنك/ 338 لم تفصل بين "أن" وإلا كما فصَلْت في قولك ما علمت أن فيها إلا زيدًا.
قال سيبويه: وتقول إن أحدًا لا يقول ذاك وهو خبيث ضعيف3 فمن أجاز هذا قال: إن أحدًا لا يقول هذا إلا زيدًا, حمله على "إن" وتقول: لا أحد رأيته إلا زيد, وإن بنيت جعلت "رأيته" خبرًا لأحد أو صفة. وتقول ما فيهم أحد إلا قد قال ذاك إلا زيدًا كأنه قال: قد قالوا ذاك إلا زيدا. وتقول: ما أتاني إلا أنهم قالوا كذا و"أن" في موضع اسم مرفوع قال الشاعر:
لم يَمْنَعِ الشَّربَ منها غَيْرَ أن هَتَفت ... حَمَامَةٌ في غُصُونٍ ذَاتِ أَوْقَالِ4
وناس يقولون: غير أن نطقت5, وقد مضى تفسيره.
__________
1 المصدر السابق 1/ 362 وذلك لأن هذا الكلام جواب لقوله: هل من أحد أو هل أتاك من أحد.
2 لأنك إذا قلبته وجعلته يلي "أن" و"ما" في لغة أهل الحجاز قبح ولم يجز لأنها ليست بفعل فيحتمل قلبهما كما لم يجز فيهما التقديم والتأخير.
3 الكتاب 1/ 363، لأن أحدا لا يستعمل في الواجب وإنما نفيت بعد أن أوجبت.
4 مر تفسير هذا البيت، انظر 312 من المخطوط وهو لأبي قيس بن رفاعة. ورواه سيبويه 1/ 369 غير أن نطقت.
5 انظر: الكتاب 1/ 369.

(1/298)


وتقول: ما أتاني زيد إلا عمرو, إذا أردت بذكرك زيدًا: بعض من نَفَيْتَ توكيدًا للنفي فهي بمنزلة ما لم تذكره ولا يجوز أن تقول: ما زيد إلا قام, فإن قلت: ما زيد إلا يقوم كان جيدًا/ 339 وذلك أن الموضع موضع خبر والخبر اسم فلو كان: ما زيدًا إلا يقوم كان جيدًا لمضارعة يفعل الأسماء. ولم يقولوا: أكثر من ذلك.
قال أبو العباس -رحمه الله: والتقدير: ما زيد شيئًا إلا ذا فلا يجوز أن يقع بعد إلا شيء إلا اسم في معنى شيء الذي هو حدُّ زيد؛ لأنه واحد من شيء لأنه شيء في معنى جماعة, وتقدره: ما زيد شيئًا من الأشياء إلا قائم, فلا يجوز أن يقع بعد "إلا" إلا اسم أو مضارع له, ومن ههنا وجب أن تقول ما زيد إلا الجبن آكل وإلا الخبز آكله هو, وفيمن قال زيدًا ضربته: قال: ما زيد إلا الخبز آكله ولا يجوز: ما الخبز إلا زيد آكل. لا يجوز أن تعمل الفعل الذي بعد إلا في الاسم الذي قبلها بوجه من الوجوه, لأن الاستثناء إنما يجيء بعد مضي الابتداء, لأن المعنى: ما الخبز شيئًا إلا زيد آكله, فإن حذفت الهاء من "آكله" أضمرتها ورفعت الخبز. لا يجوز إلا ذلك/ 340. فإن قلت: ما زيد إلا قد قام, فهو أمثل ولو لم يجزه مجيز كان قاصدًا فيه إلى مثل ترك إجازة ما قبله لأن "قد" إنما أكدت وصارت جوابًا لتوقع خبر والفعل الماضي على حاله ومن أجازه فعلى وجه أن "قد" لما زادت ضارع الفعل بالزيادة التي قبله الأفعال المضارعة والأسماء لأن الأفعال المضارعة يدخلها السين, وسوف والأسماء يدخلها الألف واللام فتقول: ما زيد إلا قد قام ألا ترى أن "قد" إذا لحقت الفعل الماضي صلح أن يكون حالًا نحو: جاء زيد قد ركب دابة ولولا "قد" كان قبيحًا فإن قيل: ألست تقول: ما جاءني زيد إلا تكلم بجميل, فقد وقع الفعل الماضي بعد إلا, قيل: إنما جاز وجاد لأنه ليس قبله اسم يكون خبرًا له وإنما معناه: كلما جاءني زيد تكلم "بجميل" فإن قال: فأنت قد تقول: ما تأتيني إلا قلت حسنًا وما تحدثني إلى صدقت فمن أين وقع الماضي بعد إلا/341 والذي قبله مضارع؟ قيل: فالمضارع الذي قبله في معنى الماضي, لأنه حكاية الحال,

(1/299)


ألا ترى أن معناه: كلما حدثتني صدقتني, وكلما جئتني قلت: حقا, ولو قلت: ما زيد إلا أنا ضارب, لأضمرت الهاء في "ضارب", لأن زيدًا لا سبيل لضارب عليه لأن تقديره: ما زيد شيئًا إلا أنا ضاربه, فإن كانت ما الحجازية فهي الرافعة لزيد, وإن كانت التميمية فإنما جاء الفعل بعد أن عمل الابتداء فصار بمنزلة قولك كان زيد ضربت في أنه لا بد من الهاء في "ضربت" وتقول: ما كان أخاك إلا زيد, وما ضرب أباك إلا زيد؛ لأن الفعل فارغ لما بعده فتقديره, ما كان أحد أخاك إلا عمرو, وما كان أخوك أحدًا إلا زيدًا1, فما بعد "إلا" من فاعل أو مفعول مستثنيًا من اسم في النية أو خبر ولا يجوز: ما منطلقًا إلا كان زيد, من حيث استحال ما زيدًا إلا ضرب عمرو, وتقول ما كان زيد قائمًا إلا أبوه وما زيد قائمًا إلا أبوه لأن "ما" في قائم منفي/ 342 في المعنى, والأب هو الفاعل كما تقول: ما قام إلا زيد. فإن قلت: ما زيد قائمًا أحد إلا أبوه كان جيدًا لأن الاستثناء معلق بما قبله غير منفصل منه ونظير ذلك: زيد ما قام أحد إلا أبوه وزيد ما كان أحد قائمًا إلا أبوه. وتقول: ما أظنُّ أحدًا قائمًا إلا أبوك والنصب في الأب أجود على البدل من "أحد" ولو قلت: ما زيد قائمًا أحد إليه إلا أبوه كان أجود حتى يكون الاستثناء فضلة. ويقول: إن أخويك ليسا منطلقًا إلا أبوهما كما تقول: إن أخويك ليسا منطلقة جاريتهما وكذلك: إن أخويك ليسا منطلقًا أحد إلا أبوهما, كما تقول: مررت برجالٍ ليسوا إلا منطلقًا آباؤهم.
قال أبو العباس -رحمه الله: يزعم البغداديون: أن قولهم: إلا في الاستثناء, إنما هي إن ولا2, ولكنهم خففوا إن لكثرة الاستعمال, ويقولون
__________
1 فما بعد إلا من زيدا جملة زائدة مقحمة أظنها من عمل الناسخ.
2 مذهب الفراء: أن "إلا" مركبة من إن ولا العاطفة حذفت النون الثانية من إن وأدغمت الأولى في لام لا، فإذا انتصب الاسم بعدها فبإن وإذا تبع ما قبلها بالإعراب فبلا العاطفة فكأن أصل قام القوم إلا زيدا، قام القوم إلا زيدا لا قام. أي: لم يقم فلا لنفي حكم ما قبل إلا ونقضه نفيا كان ذلك الحكم أو إثباتا فهو كقولك: كأن زيدا أسد الأصل عند بعضهم إن زيدا كأسد فقدموا الكاف وركبوها مع إن. انظر الإنصاف/ 150، وشرح الكافية 2/ 247، وشرح المفصل 2/ 77.

(1/300)


إذا قلنا: ما جاءني أحد إلا زيد. فإنما رفعنا زيدًا "بلا" وإن نصبنا فبإن. ونحن في ذلك مخيرون في هذا لأنه قد/ 343 اجتمع عاملان "إن ولا" فنحن نعمل أيهما شئنا وكذلك يقولون: جاءني القوم إلا زيد وإلا زيدًا, ولا يعرفون ما نقول نحن أن رفعه على الوصف في معنى غير فيلزمهم أن يقولون: ما جاءني إلا زيدًا إذا أعملوا "إن" وهم لا يقولون1 به, فسألناهم: لِمَ2 ذلك؟ فقالوا: لأن أحدا مضمرة, قلت: ذاك أجدر أن يجوز النصب, كما يجوز إذا أظهرت أحدًا, فلم يكن في ذاك وما يتولد فيه من المسائل حجة, وهذا فاسد من كل وجه ذكرنا إياه يجعل له حظا فيما يلتفت إليه ويجب على قولهم أن تنصب النكرات في الاستثناء بلا تنوين لأن: لا تنصب النكرات بلا تنوين, قال سيبويه: إذا قلت لو كان معنا رجل إلا زيد لغلبنا, الدليل على أنه وصف أنك لو قلت: لو كان معنا إلا زيد لهلكنا, وأنت تريد الاستثناء لكنت قد أحلت ونظير ذلك قوله: {لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ 3 لَفَسَدَتَا} 4 ومثل ذلك قوله: {لا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ} 5 ومثله قول لبيد: / 335
وإذا جُوزِيتَ قَرْضًَا فَاجْزهِ ... إنّما يَجْزِي الفَتَى غَيْرُ الجَمَل6
قال أبو العباس -رحمه الله: لو كان معنا إلا زيدًا لغلبنا أجود كلام وأحسنه, والدليل على جودته أنه بمنزلة النفي, نحو قولك: ما جاءني أحد إلا
__________
1 في الأصل: لا يقولوا.
2 في الأصل "لما".
3 انظر: الكتاب 1/ 370.
4 الأنبياء: 22. وانظر: الإنصاف 1/ 175، والكعبري 2/ 69، والبحر المحيط 6/ 304-305، وشرح الكافية للرضي 1/ 277.
5 النساء: 95.
6 مر هذا الشاعر ص348.

(1/301)


زيد وما جاءني إلا زيد, أنك لو قلت: لو كان معنا أحد إلا زيد لهلكنا فزيد معك كما قال تعالى: {لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا} 1 والله تعالى فيهما2. وتقول: لو كان لنا إلا زيدًا أحد لهلكنا كما تقول: ما جاءني إلا زيدًا أحد والدليل على جودة الاستثناء أيضًا أنه لا يجوز أن يكون إلا وما بعدها وصفًا إلا في موضع لو كان فيه استثناء لجاز. ألا ترى أنك تقول: ما جاءني أحد إلا زيد على الوصف إن شئت وكذلك: جاءني القوم إلا زيد على ذلك, ولو/ 345 قلت: جاءني رجلًا إلا زيد, تريد: غير زيد على الوصف لم يجز؛ لأن الاستثناء هنا محال وتقول: ما أكل أحد إلا الخبز إلا زيدًا لأن معنى: ما أكل أحد إلا الخبز أنه قد أكل الخبز كل إنسان فكأنك قلت أكل الخبز كل إنسان فكأنك قلت أكل الخبز كل إنسان إلا زيدًا وكذلك ما مسلوب أحد إلا ثوبًا إلا زيدًا؛ لأنك أردت: كل إنسان سلب ثوبًا إلا زيدًا وتقول: ما ضربت أحدًا إلا قائمًا فتنصب "قائمًا" على الحال وكذلك: ما مررت بأحد إلا "قائمًا" وما جاءَني أحد إلا راكبًا فإن قلت: ما مررت بأحد إلا قائمًا إلا زيدًا نصبت: زيدًا ولم يجز أن تبدله من "أحد" لأن المعنى: مررت بكل أحد قائم, وإن شئت: قائمًا إلا زيدًا وتقول: ما مر بي البعير إلا إبلك وذهب الدنانير إلا دنانيرك وفي كتاب الله تعالى: {وَالْعَصْرِ، إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ، إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ} 3.
قال الأخفش: لو قلت: أين إلا زيدًا قومك/ 346 وكيف إلا زيدًا قومك. لجاز لأن هذا بمنزلة أههنا إلا زيدًا قومك, ويجيز ضرب إلا زيد قومك أصحابنا, على أن يستثنى زيدًا من الفاعلين. وقال: لو استثنيته من المفعولين لم يحسن؛ لأنك لم تجئ للمفعولين بذكر في أول الكلام و"ضرب" هو من ذكر الفاعلين لأن الفعل "لهم".
__________
1 الأنبياء: 22.
2 انظر: المقتضب 4/ 408، والانتصار لابن ولاد/ 123.
3 العصر.

(1/302)


واعلم: أنه لا يجوز أن تجمع بين حرفين من هذه الحروف, إلا ويكون الثاني اسمًا, مثل قولك: قام القوم إلا خلا زيدًا, هذا لا يجوز أن تجمع بين إلا وخلا فإن قلت: إلا ما خلا زيدًا وإلا ما عدا جاز1 ولا يجوز إلا حاش زيدًا والكسائي: يجيزه إذا خفض "بحاشا", والبغداديون يجيزون في: ما عندي إلا أباك أحدًا, الرفع والنصب في "أبيك" يجيزون: ما عندي إلا أبوك أحد. وقد مضى ذكر هذا. وما يجوز فيه وما لا يجوز.
وإذا قلت: ما قام القوم إلا زيد, وهل قام القوم إلا زيد, فالرفع عند/ 347 البصريين على البدل2, وعند الكوفيين على العطف3, ويقولون: إذا اجتمعت "إلا وغير" فاجعل إحداهما تتبع ما قبلها وإحداهما استثناء, فيقولون: ما جاءني أحد إلا زيد غير عمرو, ترفع زيدًا وتنصب "غير" وهذا عندنا إنما انتصب الثاني, لأنه لا يجوز أن يرفع بالفعل فاعلان وقد مضى تفسير ذلك, وإذا نَسَقْتَ جاز رفعهما جميعًا فقلت: ما جاءني أحد إلا زيد وغير عمرو, قال الشاعر:
مَا بِالمِدِينَةِ دَارٌ غَيْرُ وَاحِدَةٍ ... دَار الخليفةِ إلا دَارَ مَرْوَانَا4
__________
1 لأن "ما" اسم فلا توصل "إلا" بالفعل فخلا وعدا هنا صلة "لما".
2 انظر: الكتاب 1/ 360.
3 لأن الكوفيين يذهبون إلى أن "إلا" تكون بمعنى "الواو" واحتجوا بقوله تعالى: {لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ} أي: ولا الذين ظلموا، يعني: والذين ظلموا لا تكون لهم حجة أيضا. ويأبى البصريون هذا.. وانظر: الإنصاف/ 155-156.
4 من شواهد سيبويه 1/ 373 على جعل "غير" نعتا للدار فلذلك رفع ما بعد "إلا". والمعنى: ما بالمدينة دار غير واحدة، وهي دار الخليفة إلا دار مروان وما بعد "إلا" بدل من دار الأولى، ولو جعل "غير واحدة" استثناء بمنزلة، إلا واحدة. لجاز نصبها على الاستثناء ورفعها على البدل.
وأراد مروان بن الحكم. وقد نسب سيبويه هذا الشاهد إلى الفرزدق وليس في ديوانه. وفي الديوان قصيدتان من بحر الشاهد ورويه. ص/ 875-877.
وانظر: معاني القرآن 1/ 90، والمقتضب 4/ 425، وشرح السيرافي 3/ 306، والأبيات المشكلة للفارقي/ 271.

(1/303)


ترفع "غير" وتنصب دارَ مروان, ولك أن تنصبهما جميعًا على قولك: ما جاءني أحد إلا زيدًا, ورفعهما جميعًا, لا يجوز إلا على أن تجعل "غير" نعتًا فيصير الكلام كأنك قلت: ما بالمدينة دار كبيرة إلا دار مروان. ولا يجوز أن يقع بعد إلا شيئان مختلفان على غير جهة البدل/ 348 لا يجوز: ما أكل إلا عبد الله طعامَكَ. ولا ما أكل إلا طعامك عبد الله, وقد مضى تفسير هذا فإن جعلت "إلا" بمعنى غير فقد أجازه قوم.
وإذا قال القائل: الذي له عندي مائة دِرهم إلا درهَمَين, فقد أقر بثمانية وتسعينَ وإذا قال: الذي له عندي مائة إلا درهمان فقد أقر بمائة لأن المعنى: له عندي مائة غير درهمين. وكذلك لو قال: له عليَّ مائة غير ألف. كان له مائة, ألا ترى أنه لو قال: له عليَّ مائة مثل درهمين, جاز أن يكون المعنى: أن المائة درهمان.
وكذلك لو قال: له عليَّ مائة مثل ألف كان عليه ألف "فغير" نقيض مثل, وإذا قلت: ما له عندي إلا درهمين, فأردت أن تقر بما بعد "إلا" رفعته لأنك إذا قلت: ما له عندي مائة إلا درهمان, فإنما رفعت درهمان, بأن جعلته بدلًا من "مائة" فكأنك قلت: ما له عندي إلا درهمان, وإذا نصبت فقلت: ما له عندي مائة إلا درهمين, فما أقررت بشيء لأن "عندي" لم ترفع شيئًا فيثبت له عندك/ 349 فكأنك قلت: ما له عندي ثمانية وتسعون.
كذلك إذا قلت ما لك عليّ عشرون إلا درهمًا, فإذا قلت: ما لك عشرون إلا خمسة, فأنت تريد: ما لك إلا خمسة وتقول: لك عليّ عشرة إلا خمسة ما خلا درهمًا فالذي له ستة. وكل استثناء فهو مما يليه والأول: حط والثاني: زيادة وكذلك جميع العدد, فالدرهم مستثنى من الخمسة فصار

(1/304)


المستثنى أربعة. ولا ينسق على حروف الاستثناء "بلا" لا تقول: قام القوم ليس زيدًا ولا عمرًا, ولا: قام القوم غير زيد ولا عمرو, والنفي في جميع العربية ينسق عليه "بلا"1 إلا في الاستثناء, وقال بعضهم: "لا سيما" يجيء شبيهًا بالاستثناء وحكي: ولا سيما يوم ويومًا, من رفع جعله في صلة "ما" ومن خفض خفض بشيء. ههنا وجعل "ما" زائدة2 للتوكيد والسي/ 350. والمثل ومن نصب جعله ظرفًا وحكي عن الأحمر3: أنه كان يجيز: ما قام صغير وما خلا أخاك كبير وإنما قاسه على قول الشاعر:
وَبَلْدَةٍ لَيْسَ بها طُورِي ... ولا خلا الجن بها إنسي4
__________
1 في الأصل "بولا".
2 في الكتاب 1/ 350 قال سيبويه: وسألت الخليل عن قول العرب: ولا سيما زيد، فزعم، أنه مثل قولك: ولا مثل زيد، و"ما" لغو وقال: ولا سيما زيد كقولهم: دع ما زيد، وكقوله مثلا، ما بعوضة في هذا الموضع بمنزلة مثل فمن ثم عملت فيه "لا" كما تعمل رب في "مثل".
فالجر: بالإضافة إلى "سي" وما زائدة، والرفع على أنه خبر لمبتدأ محذوف تقديره: هو، ولا تكون "ما" اسم موصول محلها الجر بالإضافة إلى "سي" وجملة المبتدأ والخبر صلة الموصول، والنصب على التمييز "لسي" وما لغو، وهذا الوجه الأخير لم يذكره ابن السراج، وإنما قال: ومن نصب جعله ظرفا.
3 الأحمر: علي بن الحسن، والأحمر في الأصل صفة للرجل الذي فيه الحمرة، صاحب الكسائي، وهو أحد من اشتهر بالنحو واتساع الحفظ، وكان فطنا، مات بطريق مكة قبل الفراء بمدة سنة "194هـ"، ومات الفراء سنة: "204هـ"، ترجمته في تاريخ بغداد جـ12/ 104-105، وطبقات الزبيدي/ 95، ومعجم الأدباء جـ13/ 5-11، والأنساب/ 20، وإنباه الرواة جـ2/ 313.
4 الشاهد فيه جواز تقديم المستثنى، لأن تقدم المستثنى غير المنسوب شاذ، والأصل: ولا بها إنسي خلا الجن. قال ابن الأنباري: ذهب الكوفيون إلى أنه يجوز تقديم حرف الاستثناء في أول الكلام نحو: إلا طعامك ما أكل زيد، نص عليه الكسائي وإليه ذهب الزجاج في بعض المواضع. واستدلوا بهذا البيت ونحوه، ومنعه البصريون، وأجابوا عن البيت بأن تقديره: "وبلدة ليس بها طوري ولا إنسي ما خلا الجن".
فحذف إنسيا وأضمر المستثنى منه، وما أظهره تفصيل لما أضمره. وقيل: تقديره: ولا بها إنسي خلا الجن، فيها مقدرة بعد "إلا" وتقديم المستثنى للضرورة فلا يكون فيه حجة.
وهذان بيتان من الرجز للعجاج. والبلدة: الأرض، يقال: هذه بلدتنا، أي: أرضنا. وقوله: ليس بها طوري, أي: ليس بها أحد، ولا يجيء "طوري" إلا مع النفي. ويروى: وليس بها طوئي. وانظر: النوادر/ 226، والمنصف 3/ 62، والإنصاف/ 274، وشرح الكافية للرضي 1/ 209، والخزانة 2/ 3، وأمالي القالي 1/ 251، وديوان العجاج/ 68.

(1/305)


وليس كما ظن لأن إنسي مرتفع "بها" على مذهبهم ولو قلت: ما أتاني إلا زيد إلا أبو عبد الله, إذا كان أبو عبد الله زيدًا كان جيدًا.
قال أبو بكر: قد كنا قلنا عند افتتاحنا ذكرنا الأسماء المنصوبات أنها تنقسم قسمة أولى على ضربين. وأن الضرب الأول: هو العام الكثير. وقد ذكرناه بجميع أقسامه وبقي الضرب الآخر وهو "إلا" ونحن ذاكرون إن شاء الله الضرب الآخر من الأسماء المنصوبة من القسمة الأولى. هذا الضرب كل اسم نذكره لفائدة بعد اسم مضاف أو فيه نون ظاهرة أو مضمرة قد تما بالإِضافة والنون وحالت النون بينهما أو/ 351 الإِضافة ولولاها لصلح أن يضاف إليه والفرق بين هذا الضرب من التمييز وبين التمييز الذي قبله أن المنصوب هنا ينتصب عند تمام الاسم وذلك ينتصب عند تمام الكلام, وهذا الضرب أكثر ما يكون في نوعين يميزان المقادير والأعداد, وقد نصبوا أشياء نصب الأسماء بعد المقادير.

(1/306)