الأصول في النحو باب النفي بلا
مدخل
...
باب النفي بلا:
الفتح الذي يشبه النصب هو ما جاء مطردًا في الأسماء النكرات المفردة
ولا تخص اسمًا بعينه من النكرات إذا نفيتها "بلا" وذلك قولك: لا رجل في
الدار ولا جارية فأي اسم نكرة ولي "لا" وكان جوابًا لمن قال: هل من
غلام فهو مفتوح, فإن دخلت "لا" على ما عمل بعضه في بعض من معرفة أو
نكرة لم تعمل هي شيئًا إنما تفتح الاسم الذي يليها إذا كانت قد نفت ما
لم يوجبه موجب. فأما إذا دخلت على كلام قد أوجبه موجب فإنها لا تعمل
شيئًا وإنما خولف بها إذا كانت تنفي ما لم يوجب, وكل منفي فإنما ينفى
بعد أن كان موجبًا/ 442 وأنت إذا قلت: لا رجل فيها إنما نفيت جماعة
الجنس, وكذلك إذا قلت: هل من رجل؟ لم تسأل عن رجل واحد بعينه, إنما
سألت عن كل من له هذا الاسم, ولو أسقطت "من" فقلت: هل رجل؟ لصلح لواحد
ولجمع فإذا دخلت "من" لم يكن إلا للجنس.
واعلم: أن "لا" إذا فتحت ما بعدها فقد يجيء الخبر محذوفًا كثيرًا,
تقول: لا رجل ولا شيء تريد في مكان أو زمان, وربما لم يحذف, خالفت ما
وليس ألا ترى أن "ما" تنفي بها ما أوجبه الموجب و"ليس" كذلك وهما
يدخلان على المعارف و"لا" في هذا الموضع ليست كذلك وقد اختلف النحويون
في تقديرها اختلافًا شديدًا فقال سيبويه: "لا" تعمل فيما بعدها فتنصبه
بغير تنوين ونصبها لما بعدها كنصب "إنَّ" لما بعدها وترك التنوين لما
(1/379)
تعمل فيه لازم لأنها جعلت وما تعمل فيه
بمنزلة اسم واحد نحو: خمسة عشر وذلك لأنه لا يشبه ما ينصب وهو الفعل1 /
443 ولا ما أجرى مجراه لأنها لا تعمل إلا في نكرة "ولا" ما بعدها في
موضع ابتدء فلما خولف بها عن حال أخواتها خولف بلفظها كما خولف بخمسة
عشر ولا تعمل إلا في نكرة كما أن: رُبَّ لا تعمل إلا في نكرة فجعلت وما
بعدها كخمسة عشر في اللفظ وهي عاملة فيما بعدها كما قالوا: يابن أم فهي
مثلها في اللفظ وفي أن الأول عامل في الثاني و"لا": لا تعمل إلا في
نكرة من قبل أنها جواب فيما زعم الخليل كقوله: هل من عبد أو جارية؟
فصار الجواب نكرة كما أنه لا يقع في هذه المسألة إلا نكرة2. "فلا" وما
عملت فيه في موضع ابتداء كما أنك إذا قلت: هل من رجل؟ فالكلام بمنزلة
اسم مبتدأ والذي يبني عليه في زمان أو مكان هو الخبر ولكنك تضمره, وإن
شئت أظهرته.
قال أبو العباس محمد/ 444 بن يزيد: فإن قال قائل: فهل يعمل في الاسم
بعضه؟ فالجواب في ذلك: بلغني أنك منطلق إنما هو بلغني انطلاقك "فإن"
عاملة في الكاف وفي منطلق وكذلك موقعها مفتوحة أبدا, وكذلك "أن"
الخفيفة هي عاملة في الفعل وبه تمت اسمًا, فكذلك "لا" عملت عنده فيما
بعدها وهي وما بعدها بمنزلة اسم. قال: والدليل على أن "لا" وما عملت
فيه اسم أنك تقول: غضبت من لا شيء وجئت بلا مال, كما قال3:
حَنَّتْ قلُوصي حينَ لا حِينَ محن4
__________
1 انظر: الكتاب 1/ 345 وقال المبرد في المقتضب: فأما ترك التنوين فإنما
هو لأنها جعلت وما عملت فيه بمنزلة اسم واحد كخمسة عشر. المقتضب 4/
357.
2 انظر: الكتاب 1/ 345.
3 انظر: المقتضب 4/ 358.
4 من شواهد الكتاب 1/ 358 و2/ 53، فقد نصب "حين" بلا، وإضافة حين
الأولى إلى الجملة، وخبر "لا" محذوف والتقدير: حين لا حين محن لها، أي:
حنت في غير وقت الحنين، وحنينها: صوتها شوقا إلى أصحابها والمعنى: أنها
حنت إليهم على بعد منها، قال الأعلم: ولو جر "الحين" على إلغاء "لا"
لجاز.
والقلوص: الناقة الفتية.
والبيت من أبيات سيبويه الخمسين التي لا يعرف قائلها ولا تتمة لها.
وانظر: المقتضب 4/ 358، وشرح السيرافي 3/ 95، وأمالي ابن الشجري 1/
239، والحجة لأبي علي 1/ 123، والخزانة 2/ 93.
(1/380)
فجعلها اسمًا واحدًا, فالموضع موضع نصب
نصبته "لا" وسقوط التنوين, لأنه جعل معها اسمًا واحدا, والدليل على
ذلك: أنه إن اتصل بها اسم مفرد سقط منه التنوين وصار اسمًا واحدًا
وموضع الاسم بأسره موضع رفع كما كان موضع ما هو جوابه كذلك.
وأما الكسائي: فإنه يقول/ 445: النكرات يبتدأ بأخبارها قبلها لئلا
يوهمك أخبارها أنها لها صلات, فلما لزمت التبرئة الاسمَ وتأخر الخبر
أرادوا أن يفصلوا بين ما ابتدئ خبره وما لا يكون خبره إلا بعده فغيروه
من الرفع إلى النصب لهذا, ونصبوه بغير تنوين لأنه ليس بنصب صحيح إنما
هو مغير كما فعلوا في الندءا حين خالفوا به نصب المضاف فرفعوه بغير
تنوين ولم يكسروه فيشبه ما أُضيف إليه.
وقال الفراء: إنما أخرجت "لا" من معنى غير إلى "ليس" ولم تظهر ليس ولا
إذا كانت في معنى "غير" عمل ما قبلها فيما بعدها كقولك: مررت برجل لا
عالم ولا زاهد و"لا" إذا كانت تبرئة كان الخبر بعدها ففصلوا بهذا
الإِعراب بين معنيين. وفي جميع هذه الأقوال نظر, وإنما تضمنا في هذا
الكتاب الأصول والوصول إلى الإِعراب, فأما عدا ذلك من/ 446 النظر بين
المخالفين فإن الكلام يطول فيه ولا يصلح في هذا الكتاب, على أنا ربما
ذكرنا من ذلك الشيء القليل.
(1/381)
ذكر الأسماء المنفية
في هذا الباب:
واعلم: أن المنفي في هذا الباب ينقسم أربعة أقسام: نكرة مفردة غير
موصوفة, ونكرة موصوفة, ونكرة مضافة, ومضارع للمضاف.
أما الأول: وهو النكرة المفردة:
فنحو ما خبرتك من قولك: لا رجل عندي, ولا رجل في الدار, ولا صاحب لك و
{لا مَلْجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلَّا إِلَيْهِ} 1, ولا صنع لزيد, ولا رجل
ولا شيء, تريد: لا رجل في مكان ولا شيء في زمان وتقول: لا غلامَ ظريفٌ
في الدار. فقولك: ظريف خبر, وقولك: في الدار, خبر آخر, وإن شئت جعلته
لظريف خاصة, ومن ذلك قول الله عز وجل: {لا عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ
أَمْرِ اللَّه} 2. وقال: {الم, ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ} 3
وأما قول الشاعر:
لا هَيثَم الليلَة للمَطِّي4
__________
1 التوبة: 118.
2 هود: 43. اليوم: خبر عاصم وإن كان جثة، إذ المعنى: لا وجود عاصم، ومن
أمر الله: خبر مبتدأ محذوف، أي: العصمة المنفية من أمر الله.
3 البقرة: 1-2.
4 لتأويل هذا الرجز بالمنكر وجهان: إما أن يقدر مضاف هو مثل: فلا يتعرف
بالإضافة، لتوغله في الإبهام، وإنما يجعل في صورة النكرة ينزع اللام،
وإن كان المنفي في الحقيقة هو المضاف المذكور الذي لا يتعرف بالإضافة
إلى أي معرفة كان، وإما أن يجعل العلم لاشتهاره بتلك الخلة كأنه اسم
جنس موضوع لإفادة ذلك المعنى.
وهيثم: اسم رجل كان حسن الحداء للإبل، وقيل جيد الرعي، وقيل: هو هيثم
بن الأشتر وكان مشهورا بين العرب بحسن الصوت في حدائه. وكان أعرف أهل
زمانه بالبيداء والفلوات.
وهذا من شواهد سيبويه الخمسين التي لا يعرف قائلها. وانظر: الكتاب 1/
354، والمقتضب 4/ 374، وشرح السيرافي 3/ 92، وأمالي ابن الشجري 1/ 139،
وابن يعيش 2/ 103، والمفصل للزمخشري/ 222.
(1/382)
فإنه جعله نكرة أراد لا مثل هيثم, ومثل
ذلك: لا بصرَ لكم. وقال ابن الزبير الأسدي:
أَرَى الحَاجَاتِ عِنْدَ أبي خُبَيْبٍ ... نَكِدْنَ ولا أُمَيَّةَ في
البلادِ1
أراد: ولا مثل أمية فإن ثنيت المنفي "بلا" قلت: لا غلامين لك ولا
جاريتين, لا بدّ من إثبات النون في التثنية والجمع الذي هو بالواو
والنون, قد تثبت في المواضع التي لا يثبت فيها التنوين, بل قد يثنى بعض
المبنيات بالألف والنون, والياء والنون. نحو: هذا والذي. تقول: هذان,
واللذان.
قال أبو العباس: وكان سيبويه والخليل يزعمان: أنك إذا قلت: لا غلامين
لك, أن غلامين مع "لا" اسم واحد, وتثبت النون كما تثبت مع الألف واللام
في تثنية ما لا ينصرف وجمعه نحو: هذان أحمران وهذان المسلمان2, وقال:
وليس القول عندي كذلك؛ لأن الأسماء المثناة والمجموعة بالواو والنون لا
تكون مع ما قبلها3 / 448 اسمًا واحدًا, لم يوجد ذلك كما لم يوجد
المضاف, ولا الموصول مع ما قبلهما بمنزلة اسم واحد4.
__________
1 من شواهد الكتاب 1/ 355، على أن التقدير: ولا أمثال أمية في البلاد.
وأبو خبيب: كنية عبد الله بن الزبير بن العوام وكان يرمى بالبخل، وكان
إذا هجي كني بأبي خبيب.
ونكدن: من باب فرح، فهو نكدا، إذا تعسر، ونكد العيش: اشتد، يقال: نكد
زيد جارية عمرو إذا منعه إياها. والبيت في هجاء عبد الله بن الزبير.
وانظر: المقتضب 4/ 362، وشرح السيرافي 3/ 92، وأمالي ابن الشجري 1/
239، والمفصل للزمخشري/ 77، وابن يعيش 2/ 102، والأغاني 1/ 8 و12/ 71،
ونسبه إلى فضالة بن شريك.
2 انظر: الكتاب 1/ 348-349.
3 انظر: المقتضب 4/ 366.
4 انظر: المقتضب 4/ 366 وهذا ما علل به المبرد إعراب المثنى وجمع
المذكر السالم في باب "لا" وقد ذكر رأي المبرد وتعليله هذا ابن يعيش 2/
106 وعقب عليه بقوله: وهذا إشارة إلى عدم النظير وإذا قام الدليل فلا
عبرة بعدم النظير.
(1/383)
الثاني: النكرة الموصوفة:
اعلم: أنك إذا وصفت النكرة في هذا الباب فلك فيها ثلاثة أوجه:
الأول منها: وهو الأحسن, أن تجري الصفة على الموصوف, وتنون الصفة, وذلك
قولك: لا رجل ظريفًا في الدار, فتنون لأنه صفة, ويكون قولك: في الدار,
هو الخبر, وحجة من فعل هذا أن النعت منفصل من المنعوت مستغنٍ عنه,
وإنما جيء به بعد أن مضى الاسم على حاله, فإن لم تأتِ به لم تحتج إليه.
والوجه الثاني: أن تجعل المنفي ونعته اسمًا واحدا1, وتبنيه معه فتقول:
لا رجلَ ظريفَ في الدار بنيت رجل مع ظريف, وحجة من رأى أن يجعله مع
المنعوت اسمًا واحدًا أن يقول: لما كان موضع/ 449 يصلح فيه بناء
الاسمين اسمًا واحدًا كان بناء اسم مع "اسم" أكثر وأفشى من بناء اسم مع
حرف فإن قلت: لا رجل ظريفًا عاقلًا, فأنت في النعت الأول بالخيار فأما
الثاني: فليس فيه إلا التنوين؛ لأنه لا يكون ثلاثة أشياء اسمًا
واحدًا2, وكذلك المعطوف, لو قلت: لا رجل وغلامًا عندك لم يصلح في
"غلام" إلا التنوين من أجل واو العطف؛ لأنه لا يكون في الأسماء مثل
حضرموت اسمًا
__________
1 قال سيبويه 1/ 351، اعلم: أنك إذا وصفت المنفي، فإن شئت نونت صفة
المنفي، وهو أكثر في الكلام، وإن شئت لم تنون وذلك قولك: لا غلام ظريفا
لك، ولا غلام ظريف لك، فأما الذين نونوا فإنهم جعلوا الاسم ولا بمنزلة
اسم واحد، وجعلوا صفة المنصوب في هذا الموضع بمنزلته في غير النفي.
وأما الذين قالوا: لا غلام ظريف لك فإنهم جعلوا الموصوف والوصف بمنزلة
اسم واحد.
2 في الكتاب 1/ 351، فإذا قلت: لا غلام ظريفا عاقلا لك، فإن في الوصف
الأول بالخيار، ولا يكون الثاني إلا منونا، من قبل أنه لا تكون ثلاثة
أشياء منفصلة اسم واحد.
وفي المقتضب 4/ 367 إن قلت: لا رجل ظريفا عاقلا، فأنت في النعت في
الأول بالخيار، فأما الثاني: فليس فيه إلا التنوين، لأنه لا يكون ثلاثة
أشياء اسما واحدا.
(1/384)
واحدًا إذا كانت بينهما واو العطف.
والتكرير والنعت: بمنزلة واحدة تقول في النعت: لا رجل ظريف لك,
والتكرير على ذلك يجري تقول: لا ماءَ ماءً باردًا, وإن فصلت بين
الموصوف والصفة بشيء لم يجز في الصفة إلا التنوين, وذلك قولك: لا رجل
اليوم ظريفًا, ولا رجل فيها عاقلًا, من قبل أنه لا يجوز لك/ 450 أن
تجعل الاسم والصفة بمنزلة اسم واحد, وقد فصلت بينهما كما أنه لا يجوز
لك أن تفصل بين: عشر وخمسة, في خمسة عشر.
والوجه الثالث: أن تجعل النعت على الموضع فترفع لأن "لا" وما علمت فيه
في موضع اسم مبتدأ فتقول: لا رجلَ ظريفَ, فتجري "ظريف" على الموضع
فيكون موضع اسم مبتدأ والخبر محذوف, وإن شئت جئت بخبر فقلت: "لك" أو
عندك كما بينت لك فيما تقدم, قال الشاعر:
ورَدَّ جَازِرُهُم حَرْفًا مُصَرَّمةً ... ولا كَرِيمَ مِن الوِلْدَانِ
مَصْبُوحُ1
والنعت على اللفظ أحسن, وكذلك إذا قلت: لا ماءَ ماءً باردًا, وإن
__________
1 من شواهد الكتاب 1/ 356 على رفع "مصبوح" على أنه خبر "لا" لأنها وما
عملت فيه في موضع اسم مبتدأ، ويجوز أن يكون مصبوح نعتا لاسمها محمولا
على الموضع، ويكون الخبر محذوفا لعلم السامع، تقديره: موجود.
والجازر: الذي ينحر الذبائح. والحرف: الناقة الضامر. وقيل: القوية
الصلبة شبهت بحرف الجبل وهو ناحية منه. والمصرمة: المقطوعة اللبن لعدم
الرعي، والمصبوح: المسقى صباحا، وهو شرب الغداة، يقول: هم في جدب
فاللبن عندهم متعذر لا يسقاه الولد الكريم النسب فضلا على غيره لعدمه،
فجازرهم يرد عليهم من المرعى ما ينحرون للضيف.
والشاهد كما نسبه الأعلم والعيني لرجل جاهلي من بني النبيت، ونسبه
الزمخشري لحاتم الطائي وهو موجود في ديوانه.
وانظر: المقتضب 4/ 370، والموجز لابن السراج/ 53، وشرح السيرافي 3/ 93،
وشعراء النصرانية/ 109، والمفصل للزمخشري/ 89، وابن يعيش 2/ 107،
والعيني 2/ 369، وشواهد الألفية للعاملي/ 127، والديوان/ 39.
(1/385)
شئت قلت: لا ماءَ ماءٌ باردٌ, فإن جعلت
الاسمين اسما واحدا قلت: لا ماءَ ماءَ باردٌ, جعلت ماء الأول والثاني
اسمًا واحدًا وجعلت "بارد" نعتًا على الموضع. ومن ذا قول العرب: لا
مالَ لهُ قليلٌ ولا كثيرٌ.
قال سيبويه: والدليل على أن "لا رجل" في موضع اسم "مبتدأ" في لغة تميم
قول العرب من أهل الحجاز: لا رجلَ 1 / 451 أفضل منك, والعطف في هذا
الباب على الموضع كالنعت, فمن ذلك قول الشاعر وهو رجل من مذحج:
هَذا -لَعَمْرُكُم- الصَّغَارُ بَعْينِه ... لا أُمَّ لي إِنْ كَانَ
ذاكَ ولا أَبُ2
والأجود أن تعطِفَ على اللفظ فتقول: لا حولَ ولا قوةٌ, هذا إذا جعلت لا
الثانية مؤكدة للنفي ولم يقدر أنك ابتدأت النفي بها, فإن قدرت ذلك كان
حكمها حكم الأول فقلت: لا حولَ ولا قوةَ, وإن شئت عطفت على الموضع كما
خبرتك.
__________
1 نظر: الكتاب 1/ 345.
2 القطعة التي منها هذا الشاهد اختلف في قائلها، فنسبها سيبويه 2/ 161،
و1/ 352، إلى رجل من مذحج وفسره في ص/ 162 بأنه هنى بن أحمر الكناني
وكذلك نسبه الآمدي في المؤتلف والمختلف ونسبه البغدادي لضمرة بن جابر
ولغيره أيضا.
والشاهد فيه: عطف الأب بالرفع مراعاة لمحل "لا" مع اسمها ويجوز أن تكون
"لا" الثانية عاملة عمل ليس فيكون لكل من "لا" الأولى والثانية خبر
يخصها، لأن خبر الأولى مرفوع وخبر الثانية منصوب، كما يجوز أن تكون
"لا" مهملة وأب مبتدأ خبره محذوف. والصغار: الذل، وهو خبر هذا وفصل
بينهما بالجملة القسمية التي حذف خبرها وجوبا. بعينه: الباء زائدة في
لفظ التوكيد وكان تامة وجواب الشرط محذوف.
وانظر: الخزانة 1/ 244، وانظر: المقتضب 4/ 371، وشرح السيرافي 3/ 90،
والمفصل للزمخشري/ 233، وابن يعيش 2/ 110، والعيني 2/ 239، والخزانة 1/
344، ورواه البغدادي: هذا وجدكم الصغار بعينه، والمؤتلف والمختلف/ 215.
(1/386)
باب ما يثبت فيه
التنوين والنون من الأسماء المنفية:
فإن ثنيت فلا بد من النون تقول: لا غلامين ولا جاريتين, تثبت النون هنا
كما تثبت في النداء, والأسماء المبنية فيها ما يبنى وتثبت فيه النون,
وإن كان المفرد مبنيا, ألا ترى أنك تثني هذا فتقول: هذان وهذين, وكذلك:
اللذان واللذين. وتقول: لا غلامين ظريفين لك, ولا مسلمين صالحين لك,
ولا عشرين درهمًا لك, ونظير هذه/ 452 النون التنوين إذا لم يكن منتهى
الاسم, وصار كأنه حرف قبل آخر الاسم وهو قولك: لا خيرًا منه ولا حسنًا
وجهه لك, ولا ضاربًا زيدًا لك؛ لأن ما بعد حسن وضارب وخير صار من تمام
الاسم فقبح أن يحذفوا قبل أن ينتهوا منتهى الاسم.
وقال الخليل: كذلك: لا آمرًا بالمعروف لك, إذا جعلت "بالمعروف" من تمام
الاسم وجعلته متصلًا به, كأنك قلت: لا آمرًا معروفًا لك. وإن قلت: لا
آمر بمعروف لك, فكأنك جئت بمعروف بعد ما بنيت على الأول كلامًا1.
الثالث: نكرة مضافة:
التنوين يسقط من كل مضاف في هذا الباب, وغيره فإذا نصبت
__________
1 انظر: الكتاب جـ1/ 350.
(1/387)
مضافًا وأعملت "لا" نصبته ولا بد من أن
يكون ذلك المضاف نكرة؛ لأن "لا" لا تعمل في المعارف, والمضاف ينقسم في
هذا الباب على قسمين: مضاف لم يذكر معه لام الإِضافة, ومضاف ذكرت معه
لام الإِضافة/ 453.
فأما المضاف المطلق, فقولك: لا غلامَ رجلٍ لك, ولا ماءَ سماءٍ في دارك,
ولا مثلَ زيدٍ لك, وإنما امتنع هذا أن يكون اسمًا واحدًا مع "لا" لأنه
مضاف والمضاف لا يكون مع ما قبله اسمًا واحدًا, ألا ترى أنّكَ لا تجد
اسمين جعلا اسمًا واحدًا, وأحدهما مضاف, إنما يكونان مفردين: كحضرموت
وبعلبك, ألا ترى أن قوله: يابن أم, لما جعل "أم" مع ابن اسمًا واحدًا
حذف ياء الإِضافة, وقال ذو الرمة:
هيَ الدَّار إذْ ميٌّ لأهلكِ جيرَةٌ ... لَيَاليَ لا أمثالَهَنَ
لَياليا1
فأمثالهن نصب بـ"لا".
وأما القسم الآخر المنفي بلام الإِضافة:
فالتنوين والنون تقع في هذا الموضع كما وقع مما قبله لما أضفته وذلك
قولهم: لا أبًا لك, ولا غلام لك:
__________
1 من شواهد الكتاب 1/ 352 وقد نصب أمثالهن بلا، لأن المثل نكرة وإن كان
مضافا إلى معرفة ونصب لياليا على التبيين لأمثالهن على مثال قولك: لا
مثلك رجلا، فرجل تبيين للمثل على اللفظ، ولو حمل على المعنى لجاز,
ويجوز نصب "لياليا" على التمييز كما تقول: لا مثلك رجلا. على تقدير: لا
مثلك من رجل وفي نصبه على التمييز قبح لأن حكم التمييز أن يكون واحدا
يؤدي عن الجميع.
يقول: هذه الدار كانت لمية دارا زمن المرتبع وتجاور الأحياء، وفضل تلك
الليالي لما نال فيها من التنعيم بالوصال واجتماع الشمل.
والبيت في مدح: بلال بن أبي بردة. وانظر: المقتضب 4/ 364، وشرح
السيرافي 3/ 91، وابن يعيش 2/ 103، وشرح الكافية للرضي 1/ 245.
(1/388)
وقال الخليل: إن النون إنما ذهبت للإِضافة,
ولذلك لحقت الألف الأب التي لا تكون إلا في الإِضافة, وإنما كان ذلك من
قبل أن العرب قد تقول: لا أباك, في1 / 454 موضع: لا أبالك, ولو أردت
الإِفراد: لا أبَ لزيد, فاللام مقحمة ليؤكد بها الإِضافة كما وقع في
النداء: يا بؤس للحرب2 هذا مقدار ما ذكره أصحابنا3.
ولقائل أن يقول: إذا قلت: أنّ قولهم: لا أبالك تريد به: لا أباك, فمن
أين جاز هذا التقدير والمضاف إلى كاف المخاطب معرفة والمعارف لا تعمل
فيها لا؟ قيل له: إن المعنى إذا قلت: لا أبالك الانفصال كأنك قلت: لا
أبًا لك فتنون لطول الاسم وجعلت "لك" من تمامه وأضمرت الخبر ثم حذفت
التنوين استخفافًا وأضافوا وألزموا اللام لتدل على هذا المعنى فهو
منفصل بدخول اللام وهو متصل بالإِضافة. وإنما فعل في هذا الباب وخصوه
كما خصوا النداء بأشياء ليست في غيره. وإنما يجوز في اللام وحدها أن
تقحم بين المضاف والمضاف إليه/ 455 لأن معنى الإِضافة معنى اللام, ألا
ترى أنك إذا قلت: غلام زيد فمعناه: غلام لزيد, فدخول اللام في هذا يشبه
قولهم: يا تيمَ تيمَ عَدي4 أكد هذه الإِضافة بإعادة الاسم, كما أكد ذلك
بحرف الإِضافة, فكأنه قد أضافه مرتين.
__________
1 انظر: الكتاب 1/ 345-346.
2 يريدان اللام زائدة بين المضاف والمضاف إليه. قال المبرد في الكامل
7/ 147: "يا بؤس للحرب"، أراد: يا بؤس الحرب، فأقحم اللام توكيدا، "ويا
بؤس الحرب" جزء من قصيدة حماسية لسعد بن مالك:
يا بؤس للحرب التي ... وضعت أراهط فاستراحوا
وانظر: الكتاب 1/ 346 عند قوله: يا بؤس للجهل ضرارا لأقوام، والخزانة
1/ 224.
3 يريد: البصريين.
4 يشير إلى قول الشاعر:
يا تيم تيم عدي لا أبا لكم ...
في باب النداء. وقد مر شرحه ص419.
(1/389)
والشاعر قد يضطر فيحذف اللام ويضيف قال:
أبا المَوَتِ الذي لا بُدَّ أنِّي ... مُلاقٍ لا أباك تُخوِّفيني1
وقال الآخر:
فقدْ ماتَ شَمَّاخٌ وماتَ مُزوِّدٌ ... وأيُّ كريمٍ -لا أباكَ-
مُخَلَّدُ2
فإن قال: لا مسلمين صالحين لك, فوصف المنفي قبل مجيئك "بلك" لم يكن بد
من إثبات النون من قبل أن الصالحين نعت للمنفي, وليس بمنفي, وإنما جاء
التخفيف في النفي.
الرابع: المضارع للمضاف:
المضارع للمضاف في هذا الباب ما كان عاملًا فيما بعده, كما أن المضاف
عامل فيما بعده فهو منصوب, كما أن المضاف منصوب وما بعده من تمامه كما
أن المضاف من تمام الأول, إلا أن التنوين يثبت فيه ولا يسقط منه/ 456
لأنه ليس منتهى الاسم فصار كأنه حرف قبل آخر الاسم. فالتنوين
__________
1 الشاهد فيه: أن: "لا أبالك" أصله الإضافة، وزيدت اللام بين المضاف
والمضاف إليه، فإذا حذفت اللام رجع إلى أصله من الإضافة.
وتخوفيني: الأصل: تخوفينني، فحذفت إحدى النونين، فقيل الأولى، وقيل
الثانية. والشاهد لأبي حية النميري، ونسب إلى الأعشى ولم يوجد في
ديوانه.
وانظر: المقتضب 4/ 375، والكامل/ 313، والخصائص 1/ 345، وشرح الحماسة
2/ 501، وأمالي ابن الشجري 1/ 362، وابن يعيش 2/ 105.
2 من شواهد سيبويه 1/ 36. والشاهد فيه: كالذي قبله، والشماخ والمزرد:
أخوان شقيقان، وصحابيان وشاعران، ولكل منهما ديوان مطبوع، وقد طبع
قريبا ديوان: مزرد بن ضرار، في بغداد.
والبيت لمسكين الدارمي، ذكر فيه: حال الشعراء المتقدمين وأنهم ذهبوا
ولم يبق منهم أحد، وانظر: المقتضب 4/ 375، والكامل/ 313، وشرح السيرافي
3/ 86، وابن يعيش 2/ 105.
(1/390)
هنا والنون يثبتان إذا كان المنفي عاملًا
فيما بعده, فهو وما عمل فيه بمنزلة اسم واحد, فمن ذلك قولهم: لا خيرًا
منه ولا حسنًا وجهه لك ولا ضاربًا زيدًا لك؛ لأن ما بعد حسن وضارب وخير
صار من تمام الاسم. فجميع هذا قد عمل فيما بعده, ومثل ذلك قولك: لا
عشرين درهمًا لك, لولا درهم لجاز أن تقول: لا عشرين لك, وعشرون عملت في
درهم فنصبته وقال الخليل: كذلك: لا آمرًا بالمعروف لك. إذا جعلت
بالمعروف من تمام الاسم وجعلته متصلًا به كأنك قلت: لا آمرًا معروفًا
لك, وإذا قلت: لا آمر بمعروف فكأنك جئت بمعروف بنيت على الأول كلاما
كقولك: لا آمر في الدار, ثم جئت بمعروف تبيينًا بعد أن تم الكلام
وتقول: لا آمر يوم الجمعة لك, إذا نفيت جميع الآمريين1 / 457, وزعمت:
أنه ليسوا له يوم الجمعة, فإن أردت أن تنفي الآمرين يوم الجمعة خاصة
قلت: لا آمر يوم الجمعة لك جعلت يوم الجمعة من تمام الاسم فصار بمنزلة
قولك: لا آمرًا معروفًا لك. ولو قلت: لا خير عند زيد, ولا آمر عنده, لم
يجز إلا بحذف التنوين؛ لأنك لم تصله بما يكمله اسمًا ولكنه اسم تام
فجعلته مع "لا" اسمًا واحدًا.
__________
1 انظر: الكتاب 1/ 350، وهذا الكلام الذي قاله الخليل كرره ابن السراج،
في هذه الصفحة حرفيا بعد أن ذكره/ 472، ولعل هذا من عمل تلاميذه الذين
يكتبون عنه.
(1/391)
باب ما إذا دخلت عليه "لا" لم تغيره عن
حاله:
هذا الباب ينقسم على ثلاثة أقسام: اسم معرفة, واسم منفي بلا, بعده اسم
منفي بلا, وهما جواب مستفهم قد ثبت عنده أحد الشيئين, واسم قد عمل فيه
فعل أو هو في معنى ذلك.
أما الأول: فالاسم المعرفة:
وقد عرفتك أن "لا" لا تنصب المعارف فإن عطفت معرفة منفية على نكرة وقد
عملت فيها لم تعملها في المعرفة, وأعملتها في النكرة/ 458 وذلك قولك:
لا غلام لك ولا العباس لك, ولا غلامَ لك ولا أخوةٌ لك.
قال سيبويه: فأما من قال: كل نعجة وسخلَتها بدرهم, فينبغي أن يقول: لا
رجلَ لك وأخًا له1, ولا يحسن أن تدخل "لا" على معرفة مبتدأة غير معطوفة
على كلام, فقد تقدم فيه "لا" فإن كررت, لا جاز. فأما الذي لا يجوز
فقولك: لا زيد في الدار؛ لأن هذا موضع "ما" إلا أن يضطر شاعر فيرفع
المعرفة ولا يثني "لا" قال الشاعر:
__________
1 انظر: الكتاب 1/ 356، وقال المبرد في المقتضب 4/ 379: ومثله: كل رجل
في الدار وزيد فله درهم، وكل رجل في الدار وعبد الله لأكرمنهم، لأنه لا
يجوز: كل عبد الله، فعطف على كل نفسها.
(1/392)
بَكَتْ حَزَنًا واسترجعت ثمَّ آذَنَتْ ...
ركائبُها أن لا إلينا رُجوعها1
فأما الذي يحسن ويجوز فقولك: لا زيد في الدار ولا عمرو, ولما ثنيت حسن.
الثاني: الاسم المنفي بلا وبعده اسم منفي أيضًا بلا:
وهذا الصنف إنما يجيء على لفظ السائل إذا قال: أغلام عندك أم جارية/
459 إذا ادعى أن عنده أحدهما, إلا أنه لا يدري: أغلام هو أم جارية فلا
يحسن في هذا إلا أن تعيد "لا" فتقول: لا غلام عندي ولا جارية, وإذا
قال: لا غلام فإنما هو جواب لقوله: هل من غلام, ولم يثبت أن عنده شيئًا
فعملت لا فيما بعدها, وإن كان في موضع ابتداء, ومن ذلك قول الله: {فَلا
خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ} 2.
وقال الشاعر:
__________
1 من أبيات سيبويه 1/ 355، الخمسين التي لا يعرف قائلها على عدم تكرير
"لا" للفصل بينها وبين اسمها ووقوع المعرفة بعدها للضرورة.
وفي الاسترجاع هنا قولان: أحدهما أنه من الاسترجاع عند المصيبة وهو
قول: {إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ} . وثانيهما: أنه
طلب الرجوع من الرحيل لكراهية فراق الأحبة، وهو الأقرب إلى المعنى.
وآذنت: أشعرت وأعلمت. وركائبها: جمع ركيبة وهي الراحلة التي تركب.
وأن: مفسرة. ويجوز أن تكون المخففة من الثقيلة واسمها ضمير الشأن
المحذوف. وفي الكتاب: بكت جزعا، لا بكت حزنا كما رواه ابن السراج. وقد
يكون تصحيفا من الناسخ إذ أبدل الحاء جيما. وانظر: المقتضب 4/ 361،
ورواه المبرد:
قضت وطرا واسترجعت ...
وهذا أقرب إلى المعنى لأنها طلبت الرجوع بعد أن قضت وطرا على فراق
الأحبة.
وشرح السيرافي 3/ 93، وأمالي ابن الشجري 2/ 225، والمفصل للزمخشري/
238، وابن يعيش 2/ 112.
2 آية: 38 سورة البقرة. وقراءة: لا خوفَ بفتح الفاء ليعقوب في جميع
القرآن وفي النشر 2/ 211 قرأ يعقوب: لا خوف عليهم.. حيث وقعت بفتح
الفاء وحذف التنوين. وقرأ الباقون بالرفع والتنوين. وانظر: الإنصاف ص/
134، والبحر المحيط جـ1/ 169 وجـ2/ 88.
(1/393)
ومَا صَرَمْتُكِ حَتَّى قُلْتِ مُعْلِنَةً
... لاَ نَاقَةٌ ليَ في هذا ولا جَمَلُ1
وكذلك إذا فصلت بين "لا" والاسم بحشو, لم يحسن, إلا أن تعيد الثانية؛
لأن جعل جواب إذا عندك أم ذا, فمن ذلك قوله تعالى: {لا فِيهَا غَوْلٌ
وَلا هُمْ عَنْهَا يُنْزَفُونَ} 2. ولا يجوز: لا فيها أحد, إلا على
ضعف, فإن تكلمت به لم يكن إلا رفعًا لأن "لا" لا تعمل إذا فصل بينها
وبين الاسم رافعة ولا ناصبةً, ومعنى قولي: رافعةً إذا أعملت عملَ/ 460
ليسَ تقول: لا أحدٌ أفضلَ منكَ في قولِ مَنْ جعلهَا كـ"ليس".
الثالث: وهو ما عمل فيه فعل أو كان في معنى ذلك:
اعلم: أن هذا يلزمك فيه تثينة "لا" كما لا تثنى لا في الأفعال وذلك
قولك: لا مرحبًا ولا أهلًا, ولا كرامةً ولا مسرةً ولا سقيا, ولا رعيا,
ولا هنيئًا ولا مريا, لأن هذه الأسماء كلها عملت فيها أفعالٌ مضمرة,
فالفعل مقدر بعد "لا" كأنك قلت: لا أكرمك كرامةً ولا أسرك مسرةً, فعلى
هذا جميع هذه الأسماء وما لم يجز أن يلي "لا" من الأفعال, لم يجز أن
يليها ما عمل فيه ذلك الفعل, لا يجوز أن تقول: لا ضربًا وأنت تريد
الأمر لأنه لا يجوز: لا أضرب إنما تدخل على الدعاء إذا كان لفظه لفظ
الخبر وأضربه على ذلك نحو: لا سقيا ولا رعيا كأنك قلت: لا سقاه الله
ولا رعاه,
__________
1 من شواهد سيبويه 1/ 354 على تكرار "لا" مع رفع اسمها ولو نصب على
إعمالها لجاز والرفع أكثر لأنها جواب لمن قال: ألك في ذا ناقة أو جمل.
فقيل له: لا ناقة لي في هذا ولا جمل، فجرى ما بعدها في الجواب مجراه في
السؤال.
يقول: ما عمل على فراقها حتى تبرأت منه وجفته وأعلنت بذلك، وضرب قوله:
لا ناقة لي في هذا ولا جمل مثلا لبراءتها منه وقطعها له. وهذا مثل سائر
في هذا المعنى. والبيت للراعي النميري.
وانظر: مجالس ثعلب/ 35، وروايته: وما هجرتك.. والموجز لابن السراج/ 54،
وابن يعيش 2/ 11، والعيني 4/ 477.
2 الصافات: 47.
(1/394)
وكذلك إذا ولي "لا" مبتدأ في معنى الدعاء
لم/ 461 تعمل فيه كما لم تعمل فيما بني على الفعل, ومعناه الدعاء, وذلك
قولهم: لا سلام عليكم.
قال سيبويه: قولهم: لا سواء إنما دخلت ههنا؛ لأنها عاقبت ما ارتفعت
عليه, ألا ترى أنك لا تقول: هذان لا سواء فجاز هذا كما جاز: لاها الله
ذا حين عاقبت فلم يجز ذكر الواو1 -يعني أن قولهم: لا سواء أصله: هذان
لا سواء وهذان مبتدأ ولا سواء خبرهما كما تقول: هذان سواء, ثم أدخلت
"لا" للنفي وحذفت "هذان" وجعلت "لا" تعاقب "هذان" وقال أبو العباس:
وقول سيبويه: ألا ترى أنك لا تقول: هذان لا سواء أي: لا تكاد تقول, ولو
قلته جاز2. وقالوا: لا نولك أن تفعل جعلوه معاقبًا لقولك لا ينبغي وصار
بدلًا منه.
واعلم: أنه قبيح أن تقول: مررت برجل لا فارسٍ حتى تقول: ولا شجاع
وكذلك: هذا زيد فارسًا, لا/ 462 يحسن حتى تقول: لا فارسًا ولا شجاعًا
وذلك أنه جواب لمن قال: أبرجل شجاع مررت أم بفارس, ولقوله: أفارس زيد
أم شجاع, وقد يجوز على ضعفه في الشعر.
__________
1 انظر: الكتاب 1/ 357.
2 انظر: الكتاب 1/ 357.
(1/395)
باب لا النافية إذا
دخلت عليها ألف الاستفهام:
الألف إذا دخلت على "لا" جاز أن يكون الكلام استفهامًا, وجاز أن يكون
تمنيًا, والأصل الاستفهام فإذا كان استفهامًا محضًا فحالها كحالها قبل
أن يلحقها ألف الاستفهام, وذلك قولك: ألا رجلَ في الدار إلا غلامَ
أفضلْ منك, ومن قال: لا رجلَ قائمٌ في الدار, قال: ههنا ألا رجل قائم
في الدار وكذلك من نون ومن رفع, ثم رفع ههنا, وقال الشاعر:
حَارِ بن كعبٍ ألا أَحْلاَمَ تَزْجُرُكُم ... عَنَّا وأَنْتُم مِن
الجُوف الجماخيرِ1
__________
1 استشهد سيبويه 1/ 325 بما بعده وهو قوله:
لا عيب بالقوم من طول ولا عظم ... جسم البغال وأحلام العصافير
حار: مرخم حارث، وجاء على لغة من ينتظر، والأحلام: جمع حلم بالكسر وهو
العقل. والجوف: جمع أجوف وهو الواسع الجوف. ورواية المبرد حار بن عمرو.
والجماخير: جمع جمخور -بضم الجيم وسكون الميم- العظيم الجسد، القليل
العقل والقوة. ألا أحلام: لا نافية للجنس والهمزة للاستفهام الإنكاري،
وأحلام اسم "لا" والجملة خبرها والبيت مطلع قصيدة لحسان بن ثابت في
هجاء بني الحارث بن كعب المذحجي.
وانظر: المقتضب 4/ 233، والحجة لأبي علي 1/ 229، وشرح السيرافي 2/ 192،
وأمالي ابن الشجري 2/ 80، والديوان/ 48، طبة ليدن.
(1/396)
فإذا دخلها مع الاستفهام معنى التمني, فإن
النحويين مختلفون في رفع الخبر ويجرون ما سواه على ما كان عليه/ 463
قبل.
فأما الخليل وسيبويه1 والجرمي وأكثر النحويين فيقولون: ألا رجل أفضل
منك, ولا يجيزون رفع: أفضل وحجتهم في ذلك أنهم قالوا: كنا نقول: لا رجل
أفضل منك, فيرفع لأن "لا" ورجل في موضع ابتداء, وأفضل: خبره فهو خبر
اسم مبتدأ وإذا قلت متمنيًا: ألا رجل أفضل منك فموضعه نصب وإنما هو
كقولك: اللهم غلامًا, أي: هب لي غلامًا, فكأنك قلت: ألا أعطي ألا أصيب
فهذا مفعول.
وكان المازني وحده يجيز فيه جميع ما جاز في النافية بغير الاستفهام
فتقول: ألا رجل أفضل منك, وتقول فيمن جعلها كليس: ألا أفضل منك,
ويجريها مجراها قبل ألف الاستفهام.
__________
1 قال سيبويه: ومن قال: لا غلام أفضل منك، لم يقل: في ألا غلام أفضلَ
منك، إلا بالنصب، لأنه دخل فيه معنى التمني وصار مستغنيا عن الخبر
كاستغناء اللهم غلاما. ومعناه اللهم هب لي غلاما. والكتاب 1/ 359،
وانظر: المقتضب 4/ 382. قال المبرد: فإن دخلها معنى التمني فالنصب لا
غير في قول سيبويه والخليل وغيرهما إلا المازني وحده. تقول: ألا ماء
أشربه وعسلا، وتنون عسلا كما في قولك: لا رجل وغلاما في الدار.. وكان
المازني يجري هذا مع التمني مجراه قبل ويقول: يكون اللفظ على ما كان
عليه وإن دخله خلاف معناه، ألا ترى أن قولك: غفر الله لزيد، معناه
الدعاء ولفظه لفظ: ضرب فلم يغير لما دخله من المعنى وكذلك قولك: علم
الله لأفعلن، لفظه لفظ: رزق الله ومعناه القسم فلم يغيره. وانظر:
المقتضب 4/ 383.
وكان أبو عمر الجرمي يخالف المازني في هذه المسألة. واحتج ببعض ما ذكره
سيبويه فقال: أنه لم يجز في ألا، التي للتمني ما جاز في "لا" من رفع
الصفة على الموضع بنحو: لا رجل أفضل منك، لأن موضع النفي للابتداء,
ولما دخله معنى التمني زال الابتداء، لأنه قد تحول إلى معنى آخر وصار
في موضع نصب، كما لا يجوز في: "ليت"، ولعل، وكان من الحمل على الموضع
ما جاز في: إن ولكن، فلذلك زعم: أنه لا يجوز: ألا ماء ولبن، كما تقول
في المنفي. الانتصار/ 196.
(1/397)
واعلم: أن "لا" إذا جعلت كـ"ليس" لم تعمل
إلا في نكرة ولا يفصل بينها وبينَ ما عملت فيهِ لأنها تجري رافعة
مجراها ناصبة. وأما قول الشاعر/ 464.
ألا رجلًا جَزاهُ اللَّهُ خَيرًا ... يَدُلُّ على محصَلة تَبيتُ1
فزعم الخليل: أنه أراد: الفعل وأنه ليس لـ"لا" ههنا عمل, إنما أراد ألا
ترونني2, وأما يونس فكان يقول: إنما تمنى ولكنه نوّن مضطرًا3 وكان يقول
في قول جرير:
فلا حَسَبًا فَخَرْتَ بهِ لِتَيِمِ ... ولا جَدا إذا ذُكِرَ الجُدودُ4
إنما نوّن مضطرًا, وكذا يقول أبو الحسن الأخفش.
__________
1 من شواهد سيبويه 1/ 359 على نصب رجل وتنوينه، لأنه حمله على إضمار
فعل وجعل: ألا حرف تحضيض, والتقدير: ألا ترونني رجلا ولو جعلها: ألا
التي للتمني لنصب ما بعدها بغير تنوين.
وأراد بالمحصلة: المرأة التي تحصل الذهب من تراب المعدن وتخلصه منه
وطلبها للمبيت إما للتحصيل أو للفاحشة. والبيت لعمرو بن قعناس المراري.
وانظر: شرح السيرافي 3/ 96، ونوادر أبي زيد/ 56، والسيوطي/ 77، وابن
يعيش 2/ 101، والعيني 2/ 366، والخزانة 1/ 459 و2/ 112.
2 انظر: الكتاب 1/ 359.
3 انظر: الكتاب 1/ 359.
4 من شواهد الكتاب 1/ 73 واستشهد به سيبويه على نصب الحسب بإضمار فعل،
والفعل المقدر هنا واصل إلى المفعول بذاته في معنى الفعل الظاهر،
والتقدير: ولا ذكرت حسبا فخرت به. يخاطب عمر بن لجأ وهو من تميم،
فيقول: لم تكسب لهم حسبا يفخرون به ولا لك جد شريف تعول عليه عند
ازدحام الناس للمفاخر والحسب: الكرم وشرف الإنسان في نفسه وأخلاقه،
والجد: أبو الأب. وقيل: الجد: هنا الحظ، أي: ليس لتيم حظ في علو
المرتبة والذكر الجميل. وانظر: شرح السيرافي 2/ 7، والمفصل للزمخشري/
51، وابن يعيش 1/ 109، والخزانة 1/ 447 والديوان/ 165.
(1/398)
ومن قال: لا رجلَ ولا امرأةٌ لم يقل في
التمني إلا بالنصب, وعلى مذهب أبي عثمان يجوز الرفع كما كان قبل دخول
الألف.
كان أبو عثمان يقول: اللفظ على ما كان عليه وإن كان دخله خلاف معناه,
ألا ترى أن قولك: غفر الله لزيد معناه الدعاء ولفظه لفظ ضرب فلم يغير
لما دخله في المعنى. وكذلك: حسبكَ رفعٌ بالابتداء إن كان معناه النهي.
(1/399)
باب تصرف "لا":
لـ"لا" في الكلام/ 465 مواضع وجملتها النفي ومواضعها تختلف فتقع على
الأسماء نحو قولك: ضربت زيدًا لا عمرًا, وجاءني زيدٌ لا أخوه, وتقع على
الأفعال في القَسَم وغيره, تقول: لا يخرج زيد وأنت مخبر ولا ينطلق عبد
الله, ويكون للنهي في قولك: لا ينطلق عبد الله ولا يخرج زيد, وتجزم بها
الفعل فيكون بحذاء قولك في الأمر: ليخرج عبد الله, ولتقم طائفة منهم
معك1. وقد تكون من النفي في موضع آخر وهو نفي, قولك: إيتِ وعمراً, فإذا
أردت نفي هذا قلت: لا تأت زيدًا وعمرًا, لم يكن هذا نفيه على الحقيقة
لأنه إن أتى أحدهما لم يعصه لأنه نهاه عنهما جميعًا فإن أراد أن تمتنع
منهما معًا فنفي ذلك: لا تأت زيدًا ولا عمرًا, فمجيئها ههنا لمعنى
انتظام النهي بأمره لأن خروجها إخلال به. ويقع بعدها في القسم الفعل
الماضي في/ 466 معنى المستقبل وذلك قولك: والله لا فعلت, إنما المعنى:
لا أفعل؛ لأن قولك في القسم: لا أفعل إنما هو لما يقع, فأما قولهم: لا
أفعل نفي لقولك: لأفعلنَّ ولذلك يجوز أن تحذف "لا" وأنت تريد النفي
وجائز أن تقول: لا قام زيد ولا قعد عمرو تريد الدعاء عليه. وهذا مجاز.
وحق هذا الكلام أن يكون نفيًا لقيامه وقعوده فيما مضى. وقال الله عز
وجل: {فَلا
__________
1 النساء: 102 والآية هي: {فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ
وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ} بالفاء لا بالواو.
(1/400)
اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ} 1. ومن هذا قول
النبي, صلى الله عليه وسلم: "أرأيت من لا أكل ولا شرب ولا صاح فاستهل"
أي: من لم يأكل ولم يشرب يعني الجنين. فإذا قلت: والله أفعل ذاك,
فمعناه: لا أفعل, فلو قلت: والله أقوم تريد: لأقومنَّ كان خطأ؛ لأنها
حذفت استخفافًا لاستبداد الإِيجاب باللام والنون, ولهذا موضع آخر يذكر
فيه, ويكون في موضع/ 467 "ليس" وقد مضى ذكرها, وقد تكون "لا" مؤكدة كما
كانت "ما" في قوله: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ} 2
و"مما خطاياهم"3. فمن ذلك قوله: {فَلا أُقْسِمُ بِرَبِّ الْمَشَارِقِ
وَالْمَغَارِبِ} 4.. إنما هو: فأقسم, يدلك على ذلك قوله: {وَإِنَّهُ
لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ} 5.. وكذلك قال المفسرون في قوله:
{لا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ} 6 إنما هو: أُقسم, فوقع القسم على
قوله: {إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ} 7. قال أبو العباس: فقيل
لهم في عروض ذلك: أن الزوائد من هذا الضرب إنما تقع بين كلامين أو بعد
كلام كقولك: جئتك لأمرٍ ما, فكان من جوابهم: أن مجاز القرآن كله مجاز
سورة واحدة بعد ابتدائه, وأن بعضه متصل ببعض, فمن ذلك قوله: {لِئَلَّا
يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتَابِ أَلَّا يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ} 8.
وقوله: {وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلا السَّيِّئَةُ} 9, وإنما هو:
لا تستوي الحسنة والسيئة, ومعناه ينبئك عن ذلك/ 468 إنما هو: لا تساوي
الحسنة السيئة.
__________
1 البلد: 10, 11، والآية: {وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ, فَلا
اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ} .
2 آل عمران: 159.
3 نوح: 25 قال شعيب: قرأ أبو عمرو بن العلاء المازني البصري: "مما
خطاياهم" مثل قضاياهم، وقرأ الباقون: "خطيئاتهم".
4 المعارج: 40.
5 الواقعة: 76.
6 القيامة: 1.
7 القيامة: 17.
8 الحديد: 29. وانظر: الكتاب 2/ 306. والمقتضب 1/ 47.
9 فصلت: 34.
(1/401)
مسائل من باب "لا":
تقول: لا غلامين ولا جاريتي لك, إذا جعلت الآخر مضافًا ولم تجعله خبرًا
له. وصار الأول مضمرًا له كأنك قلت: لا غلامين في ملكك ولا جاريتي لك,
كأنك قلت: ولا جاريتك في التمثيل.
قال سيبويه: ولكنهم لا يتكلمون به -يعني بالمضمر- واختص "لا" بهذا
النفي, وإن شئت قلت: لا غلامين ولا جاريتين لك, إذا جعلت "لك" خبرًا
لهما وهو قول أبي عمرو. وكذلك لو قلت: لا غلامين لك, وجعلت "لك" خبرًا.
فإذا قلت: لا أبالك, فههنا إضمار مكان ولكنه يترك استخفافًا واستغناء.
وتقول: لا غلامين ولا جاريتين لك, وغلامين وجاريتين لك, كأنك قلت: لا
غلامين ولا جاريتين في مكان كذا وكذا. فجاء "بلك" بعدما بني على الكلام
الأول في مكان كذا وكذا, كما قال: لا يدين بها لك1 / 469 حين صيره كأنه
جاء "بلك" بعدما قال: لا يدين بها في الدنيا لك, وقبيح أن تفصل بين
الجار والمجرور فتقول: لا أخا هذين اليومين لك قال سيبويه: وهذا يجوز
في ضرورة الشعر لأن الشاعر إذا اضطر, فصل بين المضاف والمضاف إليه. قال
الشاعر2:
__________
1 انظر: الكتاب 1/ 347-348 هذا الكلام بالتفصيل.
2 من شواهد الكتاب 1/ 92 و1/ 347، على المفصل بين المضاف والمضاف إليه
للضرورة، والأصل: كأن أصوات أواخر الميسِ.
ولإيغال الابتعاد، يقال: أوغل في الأرض: إذا أبعد فيها. أوغل في الأمر
إذا دخل فيه بسرعة. والضمير للإبل في بيت قبله.
والآواخر: جمع آخرة، بوزن: فاعلة، وهي آخر الرحل. وهي العود الذي في
آخر الرحل الذي يستند إليه الراكب ويقال فيه مؤخر الرحل. وقيل: يجوز
فتح الخاء فيه أيضا. والميس بفتح الميم: شجر يتخذ منه الرحال والأقتاب،
وإضافة أواخر إليه، كإضافة خاتم فضة.
والفراريج: جمع فروجة: وهي صغار الدجاج، يريد أن رحالهم جدد وقد طال
سيرهم، فبعض الرحل يحك بعضا فتصوت مثل أصوات الفراريج من شدة السير
واضطراب الرحل، ومن إيغالهن: من هنا للتعليل. والشاعر هو ذو الرمة.
وانظر: المقتضب 4/ 376، وشرح السيرافي 1/ 246، والموشح/ 185، والخصائص
2/ 304، والإنصاف/ 433. وابن يعيش 1/ 301، و2/ 108، وشرح الحماسة 3/
1083، والخزانة 2/ 250، وشروح سقط الزند 4/ 1573، والديوان/ 76.
(1/402)
كأنَّ أصواتَ مِنْ إيغالهنَّ بِنَا ...
أواخرِ الميسِ أصواتُ الفراريج
ومن قال: كم بها رجل فأضاف فلم يبال الفتح قال: لا يدري بها لك ولا أخا
يوم الجمعة لك, ولا أخا فاعلم لك, والجر في: "كم" بها وترك النون في:
لا يدي بها لك, قول يونس. واحتج بأن الكلام لا يستغني ورد ذلك عليه
سيبويه بأن قال: الذي يستغني به الكلام والذي لا يستغني قبحهما واحد
إذا فصلت بين الجار والمجرور, وتقول: لا غلامَ وجاريةً فيها لأن "لا"
إنما تجعل وما تعمل فيه اسمًا إذا كانت إلى جنب الاسم, لكنك يجوز أن
تفصل بين/ 470 خمسة وعشر في قولك: خمسة عشر, كذلك لا يجوز أن تفصل بين
"لا" وبين ما بني معها, وتقول: لا رجلٌ ولا امرأةٌ يا فتى. إذا كانت
"لا" بمنزلتها في "ليس" مؤكدة للنفي حين تقول: ليس لك رجل ولا امرأة,
قال رجل من بني سليم وهو أنس بن العباس:
لا نَسَبَ اليومَ ولا خُلَّةً ... اتَّسَعَ الفَتْقُ على الراَّتِقِ1
__________
1 من سيبويه 1/ 349 على نصب المعطوف وتنوينه على إلغاء "لا" الثانية
وزيادتها لتأكيد النفي والتقدير: لا نسب وخلة اليوم:
ويروى:
لا نسب اليوم ولا خلة ... اتسع الخرق على الراقع
وانظر: الجمهرة لابن دريد 2/ 373، ونسبه لنصر بن سيار وشرح الحماسة 2/
967، وأمالي القالي 3/ 73، وارتشاف الضرب/ 186، وابن يعيش 2/ 101،
والمؤتلف والمختلف/ 127، ومجمع الأمثال للميداني 1/ 160.
(1/403)
وتقول: لا رجل ولا امرأة فيها، فتعيد "لا"
الأولى كما تقول: ليس عبد الله وليس أخوه فيها، فيكون حال الآخرة كحال
الأولى، وتقول: لا رجل اليوم ظريفا، ولا رجل فيها عاقلا، إذا جعلت
"فيها" خبرًا ولا رجلَ فيك راغبًا, من قبل أنه لا يجوز لك أن تجعل
الاسم والصفة بمنزلة اسم واحد. وقد فصلت بينهما. وتقول: لا ماء سماء
باردًا, ولا مثله عاقلًا. من قبل أن المضاف لا يجعل مع غيره بمنزلة
خمسة عشر, فإذا قلت: لا/ 471 ماء ولا لبن ثم وصفت اللبن فأنت بالخيار
في التنوين وتركه فإن جعلت الصفةَ للماء لم يكن إلا منونًا؛ لأنُه لا
يفصل بين الشيئينِ اللذينِ يجعلان بمنزلة اسم واحد.
وحكى سيبويه عن العرب: لا كزيد أحدًا تنون؛ لأنك فصلت بين "لا" و"أحد"
وحكى سيبويه عن العرب: لا كزيد أحد, ولا مثله أحد, فحمله على الموضع
والموضع رفع, وإن شئت حملته على "لا" فنونته ونصبته وإن شئت قلت: لا
مثلَهُ رجلًا على التمييز كما تقول: لي مثله غلامًا, قال ذو الرمة:
هِيَ الدَّارُ إذْ مَيَّ لأهْلِكِ جِيرَةٌ ... لَيالِيَ لا
أَمْثَالُهُنَّ لَيَاليَا1
قال سيبويه: وأما قول جرير:
لا كالعَشِيَّةِ زائرًا ومَزُورا2
__________
1 مر تفسير ص/ 473.
2 من شواهد الكتاب 1/ 353، على نصب "زائرا" لأن العيشة ليست بالزائر
وإنما أراد: لا أرى كالعشية زائرا، وقال: الأعلم: ولا يحسن في هذا رفع
الزائر لأنه غير العشية بمنزلة: لا كزيد رجل، لأن زيدا من الرجال.
ويجوز الرضي: أن يكون زائرا تابعا بتقدير مضاف. فالأصل: كزائر العشية.
والعشي: قيل ما بين الزوال إلى الغروب وقيل: هو آخر الليل. وقيل: بعد
صلاة المغرب إلى العتمة، وأراد الشاعر بالزائر: نفسه، وبالمزور: من
يهواه. وصدر البيت:
يا صاحبي دنا المسير فسيرا ... لا كالعشية....
وانظر: المقتضب 2/ 152، ومجالس ثعلب/ 321، وشرح السيرافي 3/ 91، وابن
يعيش 2/ 114. وشرح الرضي على الكافية 1/ 343، والديوان 290.
(1/404)
فلا يكون إلا نصبًا من قبل أن العشية ليست
بالزائر وإنما أراد: لا أرى كالعشية زائرًا كما تقول: ما رأيت كاليوم
رجلًا, فكاليوم كقولك: في اليوم. لأن الكاف ليست باسم/ 472 وفيه معنى
التعجب كما قال: تالله رجلًا وسبحان الله رجلًا, إنما أراد: تالله ما
رأيت رجلًا, ولكنه يترك إظهار الفعل استغناء. وتقول: لا كالعشية عشية
ولا كزيد رجل. لأن الآخر هو الأول؛ ولأن زيدًا رجل وصار: لا كزيد كأنك
قلت: لا أحد كزيد ثم قلت: رجل كما تقول: لا مال له قليل ولا كثير على
الموضع, قال امرؤ القيس:
ويلمها في هَوَاء الجَوِّ طَالِبة ... ولا كهذا الذي في الأْرضِ
مَطْلُوبُ1
لأنه قال: ولا شيء لهذا ورفع على الموضع. وإن شئت نصبت على التفسير
كأنه قال: لا أحد كزيد رجلًا.
قال سيبويه: ونظير: لا كزيد في حذفهم الاسم قولهم: لا عليك, وإنما
يريدون: لا بأس عليك ولا شيء عليك, ولكنه حذف لكثرة استعمالهم إياه2.
ومن قال: لا غلامٌ ولا جارية3 قال: أغلام وألا جارية
__________
1 من شواهد الكتاب 1/ 353 و2/ 172.
رفع مطلوب حملا على موضع الكاف، لأنها في تأويل مثل وموضعها موضع رفع
وهو بمنزلة: لا كزيد رجل، ولو نصب حملا على اللفظ أو على التمييز لجاز.
وصف عقابا تتبع ذئبا لتصيده فتعجب منها في شدة طلبها ومنه في سرعته،
وشدة هروبه، وأراد: ويل أمها فحذف الهمزة لثقلها ثم اتبع اللام حركة
الميم.
وانظر: شرح السيرافي 3/ 91، وابن يعيش 2/ 114، والعمدة لابن رشيق/ 1،
والتمام في تفسير أشعار هذيل/ 16، والخزانة 2/ 113، والديوان/ 227.
2 انظر: الكتاب 1/ 354.
3 جملة زائدة في الأصل حذفتها وهي "قال: لا غلام ولا جارية".
(1/405)
إنما دخلت في النفي لا في المعطوف عليه.
ألا تراك تقول في النداء: يا بؤس للحرب1, ولا تقول: يا بؤس زيد وبؤس
الحرب, فالنفي كالنداء وكذلك إذا قلت: لا غلامي لك ولا مسلمي لك, إن
كانت لا الثانية نافية غير عاطفة جاز إسقاط النون وإن كانت عاطفة لم
يجز إلا إثبات النون فتقول: لا غلامين لك ولا مسلمين لك. وناس يجيزون
أن تقول: لا رجلٌ ولا امرأةَ, وهو عندي جائز على قبح؛ لأنك إذا رفعت
فحقه التكرير, وتقول: لا رجل كان قائمًا ولا رجل ظننته قائمًا, إن جعلت
كان وظننت: صلة لرجل, أضمرت الخبر, وإن جعلتهما خبرين لم تحتج إلى
مضمر. وقوم يجيزون: لا زيدَ لك, ولا يجيزون لا غلامَ الرجل لك إلا
بالرفع, ويجيزون: لا أبا محمد لك, ولا أبا/ 474 زيد لك. يجعلونه بمنزلة
اسم واحد ولا يجيزون: لا صاحب درهم لك؛ لأن الكنية بمنزلة الاسم.
ويقولون: عبد الله يجري مجرى النكرة إذ كانت الألف واللام لا يسقطان
منه.
وقال الفراء: جعل الكسائي: عبد العزيز وعبد الرحمن بمنزلة عبد الله
وإسقاط الألف واللام يجوز نحو قولك: عبدَ عزيز لك. وقالوا: الغائب من
المكنى يكون مذهب نكرة نحو قولك: لا هو ولا هي؛ لأنه يوهمك عددًا, وإن
شئت قضيت عليه بالرفع والنصب فإن جعلته معرفة جئت معه بما يرفعه وحكوا:
إن كان أحدٌ في هذا الفخ ولا هو يا هذا وكذلك: هذا وهذان عندهم,
ويقولون: لا هذين لك ولا هاتين لك وكذلك ذاك لأنه غائب. وجميع هذه
الأشياء التي تخالف الأصول التي قدمتها لك لا تجوز في القياس ولا هي
مسموعة من الفصحاء.
وتقول: لا رجل أخوك ولا رجل عمك لا يجوز في أخيك وعمك إلا الرفع. وقد
حُكي: أنّ كلام العرب أنْ يُدخِلوا: هو مع المفرد/ 475 فيقولون: لا رجل
هو أخوك ولا رجل هو عمرو, ويقولون: لا بنات لك كما تقول: لا مسلمي لك.
وتقول: ألا رجلًا زيدًا أو عمرً, اتريد: ألا أحدَ
__________
1 انظر: الكتاب 1/ 345-346.
(1/406)
رجلًا يكون زيدًا أو عمرًا ويجوز أن يكون
بدلًا من رجل فإذا جاءت أو مع "ألا" فهو طلب.
وتقول: لا رجل في الدار لا زيدٌ ويدخل عليها ألف الاستفهام فتقول: ألا
رجل في الدار ألا زيد. وتقول: ألا رجل ألا امرأةٌ يا هذا. وتقول: ألا
ماء ولو باردًا, وهو عند سيبويه: قبيح. لأنه وضع النعت موضع المنعوت1
فلو قلت: ألا ماء ولو باردًا لكان جيدًا. وذلك يجوز إلا أنك تضمر بعد
"لو" فعلًا ينصب ماء. وكأنك قلت: ولو كان ماءً باردًا. فإذا جئت بلو
كان ما بعدها أحسن, قال أحمد بن يحيى ثعلب: كان يقال: متى كان ما بعد
"لو" نعتًا للأول نصب ورفع ومتى كان غير نعت رفع/ 476 هذا قول المشايخ.
وقال الفراء: سمعت في غير النعت الرفع والنصب. وإذا قال: ألا مستعدي
الخليفة أو غيره, وألا معدي الخليفة أو غيره, فالرفع كأنك بينت فقلت:
ذاك الخليفة أو غيره أو هو الخليفة أو الخليفة هو أو غيره. والنصب على
إضمار "يكون" كأنك قلت: يكون الخليفة. أي: يكون المعدي الخليفة أو
غيره. وقوم يجيزون: ألا قائل قولًا, ألا ضارب ضربًا, وهذا عندي لا يجوز
إلا بتنوينٍ لأنه قد أعملَ في المصدر فطالَ, وقد مضى تفسير هذا.
ويجوز أن تقول: لا قائل قول, ولا ضارب ضرب, فتضيف إلى المصدر. وتقول:
لا خير بخير بعده النار ولا شر بشر بعده الجنة؛ لأنك قلت: لا خير في
خير بعده النار ولا شر في شَرٍّ بعده الجنة, ويجوز أن تكون هذه الباء
دخلت لتأكيد النفي كما تدخل في خبر "ما" وليس, فتكون زائدة كأنك/ 477
قلت: لا خير خير بعده النار ولا شر شرٍّ بعده الجنة فإن جعلت الهاء
راجعة إلى خبر الأول الذي مع "لا" قلت: لا خير بعدهُ النار خير. فصار
قولكَ: بعد النار جملة نعت بها: لا خير والنار مبتدأ وبعده:
__________
1 انظر: الكتاب 1/ 116.
(1/407)
خبره والجملة صفة لخير, كما تقول: لا رجلَ
أبوه منطلق في الدارِ فرجل: منفي وأبوه: منطلق مبتدأ وخبر. والجملة
بأسرها صفة لرجل قال أبو بكر: وقد ذكرنا الأسماء المرفوعات والمنصوبات
وما ضارعها بجميع أقسامها وبقي الأسماء المجرورة ونحن نذكرها إن شاء
الله.
(1/408)
|