الأصول في النحو

باب النداء
مدخل
...
باب النداء:
الحروف التي ينادى بها خمسة1: يا, وأيا, وهيا, وأي, وبالألف, وهذه ينبه بها المدعو, إلا أن أربعة غير الألف يستعملونها إذا أرادوا أن يمدوا أصواتهم للشيء المتراخى عنه أو للإِنسان المعروض أو النائم المستثقل/ 377, وقد يستعملون هذه التي للمد في موضع الألف, ولا يستعملون الألف في هذه المواضع التي يمدون فيها, ويجوز أن تستعمل هذه الخمسة إذا كان صاحبك قريبًا مقبلًا عليك توكيدًا وإن شئت حذفتهن كلهن استغناء إلا في المبهم والنكرة فلا يحسن أن تقول: هذا وأنت تريد: يا هذا ولا رجل وأنت تريد: يا رجل ويجوز حذف: يا, من النكرة في الشعر. والندبة يلزمها: يا ووا, "ووا" يخص بها المندوب. وأصل النداء تنبيه المدعو ليقبل عليك وتعرض فيه الاستغاثة والتعجب والمدح والندبة وسنذكر ذلك في مواضعه, والأسماء المناداة تنقسم على ثلاثة أضرب: مفرد ومضاف ومضارع للمضاف بطوله.
__________
1 في الكتاب 1/ 325: فأما الاسم غير المندوب فينبه بخمسة أشياء: بيا، وأيا، وهيا، وأي، والألف، نحو قولك: أحار بن عمرو، إلا أن الأربعة غير الألف قد يستعملونها إذا أرادوا أن يمدوا أصواتهم للشيء المتراخى عنهم أو للإنسان المعرض عنهم، الذين يرون أنه لا يقبل عليهم إلا باجتهاد ...

(1/329)


شرح الأول:
وهو الاسم المفرد في النداء, الاسم المفرد ينقسم على ضربين: معرفة ونكرة, فالمعرفة: هو المضموم في النداء, والمعرفة المضمومة في النداء على ضربين:
إحداهما/ 378: ما كان اسمًا علمًا قبل النداء, نحو: زيد وعمرو فهو على معرفته.
وضرب كان نكرة فتعرف بالنداء نحو: يا رجل أقبل, صار معرفة بالخطاب وأنه في معنى: يا أيها الرجل.
فهذان الضربان هما اللذان يُضَمّان في النداء تقول: يا زيد, ويا عمرو, ويا بكر, ويا جعفر, ويا رجل أقبل, ويا غلام تعال. فأما: يا زيد فزيد وما أشبهه من المعارف معارف قبل النداء, وهو في النداء معرفة كما كان, ولو كان تعريفه بالنداء لقدر تنكيره قبل تعريفه, ويحيل قول من قال: أنه معرفة بالنداء فقط, إنك قد تنادي باسمه من لا تعلم له فيه شريكًا, كما تقول: يا فرزدق أقبل, ولو كنت لا تعرف أحدًا له مثل هذا الاسم ولو لم يكن عرف أن هذا اسمه فيما تقدم لما أجابك إذا دعوته به. ومن قال إذا قلت: يا زيد, أنه معرفة بالنداء1, فهذا الكلام من وجه حسن ومن وجه قبيح عندي, أما حسنة: فأن/ 379 يعني: أن أول ما يوضع الاسم ليعرف به الإِنسان أنه ينادى به فيقول له أبوه أو من سماه مبتدأ: يا فلان, وإذا كرر ذلك عليه, علم أنه اسمه, ولولا التكرير أيضًا ما علم, فمن قال: أن الاسم معرفة بالنداء أي: أصله أنه به صار يعرف المسمى, فحسن, وإن كان أراد: أن التعريف الذي كان فيه قد زال وحدث بالنداء تعريف آخر, فقد بينا وجه الإِحالة فيه ويلزم قائل هذا القول شناعات أخر عندي.
__________
1 انظر: المقتضب 4/ 205.

(1/330)


وأما قولك: يا رجل. فهذا كان نكرة لا شك فيه قبل النداء, وإنما صار باختصاصك له وإقبالك عليه في معنى: يا أيها الرجل, فرفع وإنما ادعى من قال: أن: يا زيد معرفة بالنداء1 لا بالتعريف الذي كان له. قيل: إنه وُجِد الألف واللام لا يثبتان مع "يا" في التعريف في التثنية, ألا ترى أنك تقول يا زيدان أقبلا ولولا "يا" لقلت: الزيدان إذا أردت التعريف, وإنما حذفت الألف واللام استغناء "بيا" عنهما, إذ كانتا آلة للتعريف, كما حذفنا/ 380 من النكرة في النداء أيضًا. ووجدنا ما ينوب عنهما فليس ينادي شيءٌ مما فيه الألف واللام إلا الله عز وجل2.
قال سيبويه: وذلك من أجل أن هذا الاسم لا تفارقه الألف واللام وكثر في كلام العرب3.
وأما الاسم النكرة الذي بقي على نكرته فلم يتعرف بتسمية ولا نداء فإذا ناديته فهو منصوب, تقول: يا رجلًا أقبل ويا غلامًا تعال, وكذلك إن قلت: يا رجلًا عاقلًا تعالى, فالنكرة منصوبة وصفتها أو لم تصفها, ومعنى هذا أنك لم تدع رجلًا بعينه, فمن أجابك فقد أطاعك, ألا ترى أنه يقول: من هو وراء حائط ولا يدري من وراءه من الناس: يا رجلًا أغثني, ويا غلامًا كلمني, كما يقول: الضرير يا رجلًا خذ بيدي فهو ليس يقصد واحدًا بعينهِ بَل من أخذَ بيدهِ فهو بغيتُهُ قال الشاعر:
فيا رَاكِبًا إما عَرَضْتَ فَبَلِّغَنْ ... نَدامَايَ مِنْ نَجْرَان أنْ لا تَلاقِيا4
__________
1 يرد على المبرد، انظر: المقتضب 4/ 205.
2 لأن الألف واللام إنما يدخلان للتعريف والنداء تعريف لأنك لا تنادي إلا من قد عرفته، فكرهوا الجمع بين تعريفين وأما الألف واللام في اسم الله تعالى فمن نفس الاسم.
3 انظر: الكتاب 1/ 309.
4 من شواهد سيبويه 1/ 312. على نصب "راكب" لأنه منادى منكور إذ لم يقصد به راكبا بعينه. وإنما التمس راكبا من الركبان يبلغ قومه تحيته، ولو أراد راكبا بعينه لبناه على الضم ولم يجز تنوينه ونصبه لأنه ليس بعده شيء نكرة يكون من وصفه. والراكب: راكب الإبل، ولا تسمي العرب راكبا على الإطلاق إلا راكب البعير والناقة والجمع ركبان. عرضت: بمعنى أتى العروض، وهي مكة والمدينة وما حولهما. وبمعنى: تعرضت وظهرت، وبمعنى: بلغت العرض، وهي جبال نجد. والندامى: جمع ندمان بمعنى نديم، وهو المشارب، وإنما قيل له: ندمان من الندامة، لأنه إذا سكر تكلم بما يندم عليه، وقيل: المنادمة مقلوبة من المدامنة، وذلك إدمان الشراب ويكون النديم والندمان أيضا: المجالس والمصاحب على غير الشراب. ونجران: مدينة بالحجاز من شق اليمن والبيت لعبد يغوث الحارثي. وانظر: المقتضب 4/ 204، وشرح السيرافي 3/ 44، والخصائص 2/ 448، والمفضليات/ 156، والأغاني 15/ 72، وأمالي القالي 3/ 132، وذيل الأمالي/ 52، ومعجم البلدان 5/ 266، وابن يعيش 1/ 127.

(1/331)


وإنما أعربت النكرة ولم تبن لأنها لم تخرج عن بابها إلى/ 381 غير بابها كما خرجت المعرفة, فإن قال قائل: ما علمنا أن قولهم: يا زيد مبني على الضم وليس بمعرب مرفوع1 قيل: يدل على أنه غير معرب أن موضعه نصب, والدليل على ذلك أن المضاف إذا وقع موقع المفرد نصب, تقول: يا عبدَ الله, وأن الصفة قد تنصب على الموضع تقول: يا زيدُ الطويلُ فلو كانت الضمة إعرابًا لما جاز أن تنصبه إذا أضفناه, ولا أن تنصب وصفه, لكنا نقول: أنه مضموم, مضارع للمرفوع ويشبهه من أجل أن كل اسم متمكن يقع في هذا الموضع يضم فأشبه من أجل ذلك المرفوع "بقام" يعني الفاعل؛ لأن كل اسم متمكن يلي "قام" فهو مرفوع, فلهذا حسن أن تتبعه النعت فتقول: يا زيدٌ الطويل كما تقول: قام زيد الطويل, يا زيد وعمرو, فتعطف كما تعطف على المرفوع.
__________
1 علل المبرد في المقتضب 4/ 204 "بناء المنادى بقوله" فإن كان المنادى واحدا مفردا معرفة بني على الضم، ولم يلحقه التنوين، وإنما فعل ذلك به لخروجه عن الباب، ومضارعته ما لا يكون معربا، وذلك أنك إذا قلت: يا زيد، ويا عمرو فقد أخرجته من بابه لأن حد الأسماء الظاهرة أن يخبر بها واحد عن واحد غائب والمخبر عنه غيرها فتقول: قال زيد، فزيد غيرك وغير المخاطب، ولا تقول: قال زيد وأنت تعنيه، أعني: المخاطب، فلما قلت: يا زيد - خاطبته بهذا الاسم فأدخلته في باب ما لا يكون إلا مبنيا نحو: أنت وإياك والتاء في قمت.

(1/332)


وينبغي أن تعلم: أن حق كل منادى النصب. من قبل أن قولك: يا فلان ينوب عن قولك: أنادي/ 382 فلانًا؛ لأن قولك: "يا" هو العمل بعينه وأنه فارق سائر الكلام. لأن الكلام لفظ يغني عن العمل, وهذا العمل فيه هو اللفظ. فإن قلت: ناديت زيدًا بعدَ قولِكَ: يا زيد وهو مثل قولِكَ: ضربت زيدًا, بعدَ علمِكَ ذلكَ به, فتأملْ هذا فإنه منفرد به هذا الباب.
وأما السبب الذي أوجب بناء الاسم المفرد فوقوعه موقع غير المتمكن, ألا ترى أنه قد وقع موقع المضمرة والمكنيات والأسماء إنما جعلت للغيبة لا تقول: قام زيد وأنت تحذف زيدًا عن نفسه, إنما تقول: قمت يا هذا فلما وقع زيد وما أشبهه بعد "يا" في النداء موقع أنت والكاف وأنتم وهذه مبنيات لمضارعتها الحروف بُني, وسنبين أمر المبنيات في مواضعها. وبني على الحركة في النداء لأن أصله التمكن ففرق بينه وبين ما لا أصل له في التمكن فأما تحريكه بالضم دون غيره فإنهم شبهوه بالغايات نحو قبل وبعد إذ كانت تعرب بما يجب لها من الإِعراب/ 383 إذا أضفتها وهو النصب والخفض دون الرفع, وتقول: جئت قبلك ومن قبلك فلما حذف منها الاسم المضاف إليه بني الباقي على الضم, وهي الحركة التي لم تكن له قبل البناء, فعلم أنها غير إعراب. فقالوا: جئتك من قبل ومن بعد ومن علُ يا هذا, فكذلك هذا المنادى لما كان مضافهُ منصوبًا ضم مفرده, ألا ترى أنك تقول: يا عبد الله فتنصب, فإن لم تضف قلت: يا عبد ويا غلام فضممت فكذلك التقدير في كل مفرد, وإن كنت لم تفرد عن إضافة فهذا تقديره.
واعلم: أن لك أن تصف زيدًا وما أشبهه في النداء وتؤكده وتبدل منه وتعطف عليه بحرف العطف وعطف البيان. أما الوصف فقولك: يا زيد الطويلُ والطويلَ فترفع على اللفظ وتنصب على الموضع1, فإن وصفته
__________
1 هذا إذا كان مفردا، فيجوز فيه الرفع والنصب.

(1/333)


بمضاف نصبت الوصف لا غير1 لأنه لو وقع موقع زيد لم يكن إلا منصوبًا تقول: يا زيد ذا الجمة/ 384 وكذلك إن أكدته تقول: يا زيد نفسُهُ ويا تميم كلكُم ويا قيس كلكُم. فأما يا تميم أجمعون, فأنت فيه بالخيار, إن شئت رفعت وإن شئت نصبت, حكم التأكيد حكم النعت, إلا أن الصفة يجوز فيها النصب على إضمار "أعني" ولا يجوز في أجمعين ذلك, وأما البدل فقولك: يا زيد زيدٌ الطويلَ, ويا زيد أخان؛ لأن تقدير البدل أن يقوم الثاني مقام الأول فيعمل فيه ما عمل في الأول فقولك: يا زيد أخانا كقولك: يا أخانا.
واعلم: أن عطف البيان كالنعت سواء, لا يلزمك فيه طرح التنوين كما لا يلزمك في النعت طرح الألف والام, تقول: يا زيدٌ زيدًا فتعطفُ على الموضعِ, ويا زيدٌ زيدٌ وأمر البدل وعطف البيان سنذكرهما مع ذكر توابع الأسماء وهذا البيت ينشد على ضروب:
إني وأسطارٍ سُطِرْنَ سَطْرَا ... لَقَائِلٌ: يا نَصْرُ نَصْرًَا نَصْرَا 2
فمن قال: يا نصر نصرًا, فإنه جعل المنصوبين تبيينًا للمضموم وهو
__________
1 قال سيبويه: إنه من قال: يا زيد الطويل فنصب المنادى ثم وصفت النعت بمضاف نحو: "ذو الجمة" وجب عليه أن ينصب الوصف، لأنه لمنصوب، نحو قولك: يا زيد الطويل ذا الجمة. وانظر: الكتاب 1/ 308.
2 من شواهد سيبويه 1/ 304 على نصبه "نصرا" نصرا حملا على موضع الأول لأنه في موضع نصب، ولو رفع حملا على لفظ الأولى لجاز، كما تقول: يا زيد العاقلُ والعاقلَ.
والأسطار: جمع سطر وهو الخط، ونصر: هو نصر بن سيار عامل بني أمية في آخر دولتهم على خراسان، وفي رواية: يا نصر نضر نصرا بالضاد المعجمة في الثاني، وهو صاحب نصر، ولا معنى لذكره بين الأول والثالث إلا أن يعرب خبرا لمبتدأ محذوف، أي: هذا نضر، في رواية أخرى: يا نصر نصرا برفع الثاني والأول.
وانظر: المقتضب 4/ 208، وشرح السيرافي 3/ 33، والخصائص 1/ 340، والمغني 2/ 434، وابن يعيش 3/ 72، وملحقات ديوان رؤبة/ 174.

(1/334)


الذي يسميه النحويون عطف البيان, وسأفرق لك/ 385 عطف البيان من البدل في موضعه, ومجرى العطف للبيانِ مجرى الصفةِ فأجريا على قولك: يا زيد الظريفَ وتقديرهُ: يا رجل زيدًا أقبل على قول من نصب الصفة. وينشد:
يا نَصْرُ نَصْرا1
جعلهما تبيينًا وأجرى أحدهما على اللفظ والآخر على الموضع كما تقول: يا زيدٌ الظريف العاقلُ ولو نصبت "العاقل" على "أعني" كان جيدًا, ومنهم من ينشده:
يا نَصْرُ نَصْرُ نَصْرا2
فجعل الثاني بدلًا من الأول, وتنصب الثالث على التبيين فكأنه قال:
يا نَصْرُ نصرُ نَصْرا3.
وأما العطف فقولك: يا زيد وعمرو أقبلا, ويا هند وزيد أقبلا, ولا
__________
1 نصر الأول روي فيه وجهان: ضمه. ونصبه.
2 ونصر الثاني: روي بأربعة أوجه: ضمه، ورفعه منونا، ونصبه، وجره:
3 نصر الثالث: روي فيه وجه واحد وهو النصب. وتوجيه هذه الروايات:
أ- ضم الأول مع رفع الثاني على أن يكون الثاني عطف بيان على اللفظ عند سيبويه. انظر الكتاب جـ1/ 305، وعند الرضي: هو توكيد لفظي، وضعف البيان والبدل بقوله: لأن البدل وعطف البيان يفيدان ما لا يفيده الأول من غير معنى التأكيد، والثاني فيما نحن فيه لا يفيد إلا التأكيد.
ب- ضم الأول مع نصب الثاني عطف بيان على المحل أو توكيد أو نصب بتقدير: أعني. أو مصدر بدل من فعل الأمر أو مصدر أريد به الدعاء.
جـ- نصب الأول وجر الثاني على إضافة الأول إلى الثاني، كما تقول: حاتم الجود أو طلحة الخير. وإعراب نصب الثالث أن يكون عطف بيان أو توكيدا على المحل إذا ضم نصر الأول أو هو منصوب على المصدرية.
وانظر: شرح الكافية 1/ 125، وشرح المفصل 2/ 3. المقتضب 4/ 209.

(1/335)


يجوز عطف الثاني على الموضع لما ذكرناه في باب العطف وهو أن حكم الثاني حكم الأول لأنه منادى مثله وكل مفرد منادى فهو مضموم. وقد قالوا على ذلك: يا زيد والحرث لما دخلتِ الألفُ واللامُ "ويا" لا تدخل عليهما, فاعلم وإنما يبنى الأولُ لأنه منادى مخاطب باسمه, وعلة/ 386 الثاني وما بعده كعلة الأول لا فرقَ بينهما في ذلك, ألا ترى أنهم:
يقولون: يا عبدَ الله وزيدٌ فيضمون الثاني والأول منصوب لهذه العلة ولولا ذلك لم يجز, قال جميع ذلك ابن السراج, أيضًا فإن عطفت اسمًا فيه ألف ولام على مفرد فإن فيه اختلافًا.
أما الخليل وسيبويه والمازني: فيختارون الرفع, يقولون: يا زيدٌ والحارثُ أقبلا1, وقرأ الأعرج وهو عبد الرحمن بن هرمز: "يَا جِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرُ"2. وأما أبو عمرو وعيسى ويونس وأبو عمر الجرمي فيختارون النصب3, وهي قراءة العامة. وكان أبو العباس يختار النصب في قولك: يا زيد والرجلُ ويختار الرفع في الحارث إذا قلت: يا زيدٌ والحارثُ؛ لأن الألف واللام في "الحارث" دخلت عنده للتفخيم, والألف واللام في الرجل دخلتا بدلًا من "يا" لأن قولك: النضر والحارث, ونصر وحارث بمنزلة4 ومثل
__________
1 انظر: الكتاب جـ1/ 305.
2 سبأ: 10، القراءة برفع "والطير" من الشواذ. انظر: النشر جـ2/ 349، والإتحاف/ 358.
3 قال الفراء: والطير منصوبة على جهتين: إحداهما أن تنصبها بالفعل بقوله: ولقد آتينا داود منا فضلا وسخرنا له الطير، فيكون مثل قولك: أطعمته طعاما وماء، تريد؛ وسقيته ماء. فيجوز ذلك، والوجه الآخر بالنداء لأنك إذا قلت: يا عمرو والصلت أقبلا، نصبت الصلت لأنه إنما يدعي: بيا أيها، فإذا فقدتها كان كالمعدول عن جهته فنصب. وقد يجوز رفعه على أن يتبع ما قبله. ويجوز رفعه على "أوبي أنت والطير" أي: بالعطف على الضمير المرفوع في قوله: "أوبي" انظر: معاني القرآن، 1/ 355.
والمقتضب 4/ 212.
4 المقتضب 4/ 212-213.

(1/336)


ذلك اختلافهم في الاسم المنادى إذا لحقه التنوين اضطرارًا في الشعر, فإن الأولين يؤثرون رفعه 1 / 387 أيضًا ويقولون: هو بمنزلة مرفوع لا ينصرف يلحقه التنوين فيبقى على لفظه وأبو عمرو بن العلاء وأصحابه يلزمون النصب ويقولون هو بمنزلة قولك: مررت بعثمان يا فتى, فإذا لحقه التنوين رجع إلى الخفض2. فإن كان المنادى مبهمًا, فحكمه حكم غيره, إلا أنه يوصف بالرجل وما أشبهه من الأجناس وتقول: يا أيها الرجل أقبل, فيكون "أي" ورجل كاسم واحد "فأي" مدعو والرجل نعت له, ولا يجوز أن يفارقه نعته؛ لأن "أيا" اسم مبهم ولا يستعمل إلا بصلة, إلا في الجزاء والاستفهام فلما لم يوصل أُلزم الصفة لتبينه كما كانت تبينه الصلة. و"ها" تبينه وكذلك إذا قلت: يا هذا الرجل, فإذا قلت: يا أيها الرجل لم يصلح في "الرجل" إلا الرفع؛ لأنه المنادى في الحقيقة و"أي" مبهم متوصل إليه به. وكذلك: يا هذا الرجل إذا جعلت هذا سببًا إلى نداء الرجل, ولك أن تقيم الصفة مقام الموصوف فتقول: / 388 يا أيها الطويل ويا هذا القصير كقوله تعالى: {قَالُوا يَا أَيُّهَا الْعَزِيزُ مَسَّنَا وَأَهْلَنَا الضُّرُّ} 3 فإن قدرت الوقف على هذا ولم تجعله وصلة إلى الصفة وكان مستغنيًا بإفرادهِ كنت في صفته بالخيار: إن شئت رفعت وإن شئت نصبت كما كان ذلك في نعت زيد فقلت: يا هذا الطويلُ والطويلَ.
وأما "أي" فلا يجوز في وصفها النصب لأنها لا تستعمل مفردة فإن وصفتَ الصفةَ بمضافٍ فهو مرفوع لأنك إنما تنصب صفة المنادى فقط.
قال الشاعر:
يا أيُّها الجَاهِلُ ذو التَّنَزِّي4
__________
1 انظر: المقتضب 4/ 213.
2 هذا نص المبرد في المقتضب 4/ 213.
3 يوسف: 88.
4 من شواهد سيبويه 1/ 308. قال الأعلم: ولو نصب "ذو التنزي" على البدل من "أي" أو إرادة النداء على معنى: "ويا ذا التنزي" لجاز.
وروى ابن الشجري هذا الشاهد بالنصب "ذا التنزي" وجعله على استئناف نداء وذكر بعده:
لا توعدني حية بالنكز.
والتنزي: تسرع الإنسان إلى الشر، ويقال: نكزته الحية نكزا إذا ضربته بفيها، ولم تنهشه ونسب هذا الرجز لرؤبة بن العجاج وهو مطلع أرجوزة في ديوانه.
وانظر: المقتضب 4/ 218، وأمالي ابن الشجري 2/ 300، والعيني 4/ 219، وديوان رؤبة/ 63.

(1/337)


فوصف "الجاهل" وهو صفة بـ"ذو" ويجوز النصب على أن تجعله بدلًا من "أي" فتقول: يا أيها الجاهل ذا التنزي, ولا يجوز أن تقول: هذا أقبل وأنت تناديه تريد: يا هذا كما تقول: زيد أقبل وأنت تريد يا زيد ولا: رجل أقبل؛ لأن هذين نعت لأي, فإن جاء في الشعر فهو جائز ولك أن تسقط "يا" فتقول: زيد أقبل وإنما قبح إسقاط حرف النداء من هذا/ 389 ورجل لأنهما يكونان نعتًا لأي فلا يجمع عليها حذف المنعوتِ وحرفُ النداءِ فاعلم.
فأما قولهم: اللهُّم اغفر لي, فإنَّ الخليل كان يقول: الميم المشددة في آخرهِ بدل من "يا" التي للنداء لأنهما حرفان مكان حرفين1.
قال أبو العباس: الدليل على صحة قول الخليل: أن قولك: اللهم لا يكون إلا في النداء لا تقول: غفر اللهم لزيد ولا: سخط اللهم على زيد كما تقول: سخط الله على زيد وغفر الله لزيد وإنما تقول: اللهم اغفر لنا اللهم اهدنا وقال: فإن قال الفراء: هو نداء معه "أم" قيل: له فكيف تقول: اللهم اغفر لنا, واللهم أمنا بخير فقد ذكر "أم" مرتين قال: ويجب على قوله أن تقول: يا اللهم لأنه: يا الله أمنا ولا يلزم ذلك الخليل: لأنه يقول الميم بدل من يا2.
وإذا وصفت مفردًا بمضاف لم يكن المضاف إلا منصوبًا تقول: يا زيد.
__________
1 انظر: الكتاب 1/ 310.
2 انظر: المقتضب 4/ 239.

(1/338)


ذا الجمة, فأما: يا زيد الحسن الوجه, فإن سيبويه: يجيز الرفع والنصب في الصفة, لأن معناه عنده الانفصال فهو كالمفرد في التقدير, لأن حسن1 / 390 الوجه بمنزلة حسن وجههُ, فكما أنه يجيز: يا زيد الحَسَنُ والحسنَ فكذلك يفعل إذا أضاف, لأنه غير الإِضافة يعني به, وأنشد:
يا صَاحِ يا ذَا الضَّامِرِ العَنسِ2
يريد: يا ذا الضامرة عنسُه وتقول: يا زيدٌ أو عبد الله, ويا زيدُ أو خالدُ وقال سيبويه: أو, ولا في العطفِ على المنادى بمنزلة الواو3.
__________
1 انظر: الكتاب 1/ 307.
2 هذا صدر بيت عجزه:
والرحل ذي الأقتاب والحلس
وهو من شواهد سيبويه 1/ 306 على وصف "ذا" بما فيه الألف واللام، والضامر رفع وإن كان مضافا إلى العنس لأن إضافته غير محضة إذ التقدير: يا ذا الذي ضمرت عنسه، والعنس: الناقة الشديدة، وأصل العنس: الصخرة في الماء قيل لها ذلك لصلابتها. وذهب الكوفيون إلى أن الرواية: يا صاح يا ذا ضامر العنس، يخفض الضامر، ويضيفون "ذا" إلى الضامر ويجعلونه مثل: يا ذا الجمة، وتكون "ذو" بمعنى: صاحب: وهي التي تتغير فتكون في الرفع بالواو وفي النصب بالألف وفي الجر بالياء.
والرحل: كل شيء يعد للرحيل من وعاء للمتاع، ومركب للبعير، والأقتاب: جمع قتب، رحل صغير على قدر السنام، وروي: الأقتاد جمع قتد، وهو خشب الرحل، والحلس: كساء يجعل على ظهر البعير تحت رحله، والبيت كما نسبه سيبويه إلى خزر بن لوذان السدوسي، ونسبه صاحب الأغاني إلى خالد بن المهاجر. وانظر: المقتضب 4/ 223، ومجالس ثعلب /333، 513، وشرح السيرافي 3/ 38، وأمالي ابن الشجري 2/ 32، 322، والخصائص 3/ 302، والأغاني 15/ 13.
3 انظر: الكتاب 1/ 305، قال سيبويه: وتقول: يا زيد وعمرو ليس إلا، أنهما قد اشتركا في النداء في قوله: يا، وكذلك: يا زيد وعبد الله، ويا زيد لا عمرو، ويا زيد أو عمرو، لأن هذه الحروف تدخل الرفع في الآخر، كما دخل في الأول.

(1/339)


شرح الاسم المنادى الثاني وهو المضاف:
اعلم: أن كل اسم مضاف منادى, فهو منصوب على أصل النداء الذي يجب فيه -كما بينا- تقول: يا عبدَ الله أقبل, ويا غلامَ زيد افعل, ويا عبدَ مرة تعال, ويا رجل سوء تُبْ, المعرفة والنكرة في هذا سواء, وقال عز وجل: {يَا قَوْمَنَا أَجِيبُوا دَاعِيَ اللَّهِ} 1.
وذكر سيبويه: أن ذلك منصوب على إضمار الفعل المتروك إظهاره2.
وقال أبو العباس: أن "يا" بدل من قولك: أَدعو أو أُريد لا أنك تخبر أنك تفعل, ولكن بها علم أنك قد أوقعت فعلًا, يا عبد الله وقع دعاؤك بعبد الله فانتصب على 3 / 391 أنه مفعول تعدى إليه فعلك, فإن أضفت المنادى إلى نفسك فحكم كل اسم تضيفه إلى نفسك أن تحذف إعرابه وتكسر حرف الإِعراب وتأتي بالياء التي هي اسمك فتقول: يا غلامي وزيدي, فإذا ناديت قلت: يا غلام أقبل, لا تثبت "ياء" الإِضافة كما تثبت التنوين في المفرد تشبيهًا به, وثبات الياء فيما زعم يونس في المضاف لغة, وكان أبو عمرو يقول: "يَا عِبَادِي فَاتَّقُونِ"4. وقد يبدلون مكان الياء الألف لأنها أخف عليهم نحو: يا ربا تجاوز عنا, ويا غلاما لا تفعل, فإذا وقفت قلت: يا غلاماُه, وعلى هذا يجوز: يا أَباه ويا أُماه.
قال سيبويه: وسألت الخليل عن قولهم: يا أبه, ويا أبةِ لا تفعل, ويا أبتاه, ويا أُمتاه فزعم الخليل: أن هذه الهاء مثل الهاء في عمة وخالة, وزعم: أنه سمع من العرب من يقول: يا أمة لا تفعلي ويدلك على أن الهاء بمنزلة الهاء في عمة أنك تقول في الوقت: يا أمةْ ويا أبه كما تقول:
__________
1 الأحقاف: 31.
2 انظر: الكتاب 1/ 303.
3 انظر: المقتضب 4/ 202.
4 الزمر: 16، وانظر: الكتاب 2/ 316.

(1/340)


يا خالة, إنما يلزمون هذه في النداء1 / 392 إذا أضفت إلى نفسك خاصة, كأنهم جعلوها عوضًا من حذف الياء, قال: وحدثنا يونس: أن بعض العرب يقول: يا أم لا تفعلي, ولا يجوز ذلك في غيرها من المضاف.
وبعض العرب يقول: يا ربُّ اغفر لي, ويا قومُ لا تفعلوا, فإن أضفت إلى مضاف إليك قلت: يا غلام غلامي, ويابن أخي, فتثبت الياء لأن الثاني غير منادى, فإنما تسقط الياء في الموضع الذي يسقط فيه التنوين وقالوا: يابن أُم, ويابن عم, فجعلوا ذلكَ بمنزلة اسمْ واحدٍ لكثرته في كلامهم2.
قال أبو العباس -رحمه الله: سألت أبا عثمان عن قول من قال: يابن أم لا تفعل, فقال: عندي فيه وجهان: أحدهما أن يكون أراد: يابن أمي فقلب الياء ألفًا فقال: يابن أما ثم حذف الألف استخفافًا من "أما" كما حذف الياء من "أمي". ومثل ذلك: يا أبة لا تفعل, والوجه الآخر أن يكون: ابن عمل في أُم عمل خمسة عشر فبني/ 393 لذلك قلت: فلم جاز في الوجه الأول قلب الياء ألفًا؟ فقال: يجوز في النداء والخبر وهو في النداء أجود قلت: وأمّ؟ قال: لأن النداء يقرب من الندبة وهو قياس واحد وذلك قولك: وا أماه قلت: فنجيزه في الخبر في الشعرِ؟ فقالَ: في الشعر وفي الكلام جيدٌ بالغ, أقول: هذا غلاما قد جاء فأقلبها؛ لأنَّ الألف أخف من الياء. وقد قال الشاعر:
وقَدْ زَعَمُوا أنِّي جَزِعْتُ علَيهِمَا ... وهَلْ جَزَعٌ إن قُلْتَ: وا بأباهما3
__________
1 انظر: الكتاب 1/ 317.
2 انظر: الكتاب 1/ 317، و1/ 318.
3 الشاهد فيه قلب "الياء" من "أبي" ألفا، لأن الألف أخف من الياء، والمعنى: بأبي هما. وفي النوادر: أنه لا مرأة جاهلية من بني سعد. وانظر: النوادر/ 115، وابن يعيش 2/ 12، والحماسة/ 44.

(1/341)


يريد: وا بأبي هما. وأنشد سيبويه لأبي النجم:
يا بنتَ عَمَّا لا تلومِي واهْجَعِي1
فإن أضفت اسمًا مثنى إليك: نحو عبدين وزيدين قلت: يا عبدي ويا زيدي ففتحت الياء من قبل أن أصل الإِضافة إلى نفسك الفتح, تقول: هذا بني وغلامي يا فتي, ثم تسكن إن شئت استخفافًا فلما التقى ساكنان في عبدي واحتجت إلى الحركة رددت ما كان للياء إليها فإذا صغرت ابنًا فقلت بني, ثم أضفته إلى نفسك قلت: يا بني أقبل, ولم تكن هذه الياء كياء التثنية؛ لأن هذه حرف/ 394 إعراب كما يتحرك دال عبدٍ, تقول: هذا بني كما تقول: هذا عبد, فإذا أضفتهما إلى نفسك كسرت حرف الإِعراب إرادة للياء, وكان الأصل في: يا بني أن تأتي بياء بعد الياء المشددة فحذفتها واستغنيت بالكسر عنها وتقول: يا زيد عمرو ويا زيد زيد أخينا ويا زيد زيدنا.
قال سيبويه, وزعم الخليل ويونس: أن هذا كله سواء وهي لغة للعرب جيدة, وذلك لأنهم قد علموا: أنهم لو لم يكرروا الاسم كان الأول نصبًا لأنه مضاف فلما كرروه تركوه على حاله2 قال الشاعر:
__________
1 من شواهد سيبويه 1/ 318، على إبدال الألف من الياء في قوله: ابنة عما كراهة لاجتماع الكسرة والياء مع كثرة الاستعمال. وجعل الاسمين اسما واحدا. ويروى: يا ابنة عمي لا تلومني ... والهجوع: النوم بالليل خاصة. وبعد الشاهد:
لا يخرق اللوم حجاب مسمعي
وأراد بابنة عمه زوجته أم الخيار التي ذكرها في شعره بقوله:
قد أصبحت أم الخيار تدعي ... علي ذنبا كله لم أصنع
يقول لها: دعي لومي على صلع رأس فإنه كان يشيب لو لم يصلع. وانظر: المقتضب 4/ 252، وشرح السيرافي 3/ 50، والخصائص 1/ 252، والنوادر/ 19، وأمالي ابن الشجري 1/ 8، وابن يعيش.
2 انظر: الكتاب 1/ 314-315، والنص كما يلي: زعم الخليل ويونس: أن هذا كله سواء، وهي لغة للعرب جيدة وذلك لأنهم قد علموا أنهم لو لم يكرروا الاسم صار الأول نصبا، فلما كرروا الاسم توكيدا تركوا الأول على الذي كان يكون عليه ولم يكرروا.

(1/342)


يا تيمَ تَيمَ عَدِيٍّ لا أَبَا لَكُمُ ... لا يَلْقَيَنَّكُم في سَوأةٍ عُمَرُ1
وإن شئت قلت: يا تيم تيمَ عدي2, ويا زيد زيدَ أخينا, فكل اسمين لفظهما واحد والآخر منهما مضاف فالجيد الضم في الأول والثاني منهما منصوب, لأنه مضاف, فإن شئت كان بدلًا من الأول وإن شئت كان عطفًا عليه, عطف البيان والوجه الآخر نصب الأول بغير تنوين لأنك/ 395 أردت بالأول: يا زيد عمرو فأما أقحمت الثاني توكيدا للأول, وأما حذفت من الأول المضاف استغناء بإضافة الثاني, فكأنه في التقدير: يا زيد عمرو, زيد عمرو, ويا تيم عدي تيم عدي.
واعلم: أن المضاف إذا وصفته بمفرد وبمضاف مثله لم يكن نعته إلا نصبًا؛ لأنك إن حملته على اللفظ فهو نصب والموضع موضع نصب, فلا يزال ما كان على أصله إلى غيره وذلك نحو قولك: يا عبدَ الله العاقلَ, ويا غلامنا الطويلَ, والبدل يقوم مقام المبدل منه, تقول: يا أخانا زيد أقبل, فإن لم ترد البدل وأردت البيان قلت: يا أخانا زيدًا أقبل, لأن البيان يجري مجرى النعت.
__________
1 من شواهد سيبويه 1/ 26، و2/ 214، على الرفع والنصب في "تيم" والأجود الرفع لأنه لا ضرورة فيه. لا أبا لكم: الغلظة في الخطاب وأصله أن ينسب المخاطب إلى غير أب معلوم شتما له واحتقارا. وإنما استعملها الجفاة من الأعراب عند المسألة والطلب. لا يلقينكم: من الإلقاء، وهو الرمي. وروي: لا يوقعنكم. والسوأة: الفعلة القبيحة، أي: لا يوقعنكم عمر في بلية ومكروه لأجل تعرضه لي. أي: امنعوه من هجائي فإنكم قادرون على كفه. والبيت لجرير في هجاء عمر بن لجأ. وانظر: المقتضب 4/ 229، والكامل/ 563، والخصائص 1/ 345، وابن الشجري 2/ 83. وابن يعيش 2/ 10، 105، و3/ 21، والديوان/ 285.
2 لأنه لا ضرورة فيه ولا حذف ولا إزالة شيء عن موضعه.

(1/343)


شرح الثالث: وهو الاسم المنادى المضارع للمضاف لطوله.
إذا ناديت أسمًا موصولًا بشيء هو كالتمام له فحكمه حكم المضاف إذ كان يشبهه في أنه لفظ مضموم إلى لفظ هو تمام الاسم الأول ويكون معرفة ونكرة وذلك قولك: يا خيرًا من زيد أقبل. ويا ضاربًا رجلًا ويا عشرون رجلًا/ 396 ويا قائمًا في الدار, وما أشبهه, جميع هذا منصوب, إذا أقبلت على واحد فخاطبته وقدرت التعريف, وإن أردت التنكير فهو أيضا منصوب, وقد كنت عرفتك أن المعارف على ضربين: معرفة بالتسمية ومعرفة بالنداء. وقال الخليل: إذا أردت النكرة فوصفت أو لم تصف فهي منصوبة؛ لأن التنوين لحقها فطالت فجعلت بمنزلة المضاف لما طال نصب ورد إلى الأصل كما تفعل ذلك بقبل وبعد1, وزعموا: أن بعض العرب يصرف قبلًا فيقول: ابدأ بهذا قبلا, فكأنه جعلها نكرة, وأما قول الأحوص:
سَلامُ اللَّهِ يَا مَطَرٌ عَلَيْهَا ... وَلَيْسَ عَلَيْكَ يَا مَطَرُ السَّلامُ2
فإنما لحقه التنوين كما لحق ما لا ينصرف. وكان عيسى بن عمر يقول: يا مطرًا, يشبهه بيا رجلًا, قال سيبويه: ولم نسمع عربيا يقوله, وله وجه من القياس إذا نون فطال كالنكرة, فالتنوين في جميع هذا الباب كحرف في وسط الاسم وكذلك: لو سميت رجلًا: بثلاثة وثلاثين, لقلت: يا ثلاثة وثلاثين أقبل, وليس بمنزلة قولك 3 / 397 للجماعة: يا ثلاثة وثلاثون, لأنك أردت
__________
1 انظر: الكتاب 1/ 311.
2 من شواهد سيبويه 1/ 313. على تنوين "مطر" وتركه على ضمه لجريه في النداء على الضم واطرد ذلك في كل علم مثله. فأشبه المرفوع غير المنصرف في غير النداء فلما نون ضرورة وترك على لفظه كما ينون الاسم المرفوع الذي لا ينصرف فلا يغيره التنوين من رفعه.
ومطر هو من سلف الشاعر، وانظر: المقتضب 4/ 214، ومجالس ثعلب/ 92، 239، 542، وشرح السيرافي 2/ 46، وأمالي ابن الشجري 1/ 341، والإنصاف/ 311، والأغاني 14/ 61، 62، والمحتسب 2/ 93.
3 انظر: الكتاب 1/ 313.

(1/344)


في هذا: يا أيها الثلاثة والثلاثون, ولو قلت أيضًا وأنت تنادي الجماعة: يا ثلاثة والثلاثين لجاز الرفع والنصب في الثلاثين كما تقول: يا زيد والحارث والحارثَ, ولكنك أردت في الأول: يا من يقال له ثلاثة وثلاثون1. وإن نعت الاسم المفرد بابن فلان أو ابن أبي فلان, وذكرت اسمه الغالب عليه وأضفته إلى اسم أبيه أو كنيته فإن الاسمين قد جعلا بمنزلة اسم واحد؛ لأنه لا ينفك منه ونصب لطوله, تقول: يا زيدَ بن عمرو كأنك قلت: يا زيد عمرو, فجعلت زيدًا وابنًا بمنزلة اسم واحد ولا تنون زيدًا, كما لم تكن تنونه قبل النداء إذا قلت: رأيت زيد بن عمرو فإن قلت: يا زيد ابن أخينا ضممت الدال من "زيد" لأن ابن أخينا نعت غير لازم, وكذلك: يا زيد ابن ذي المال ويا رجل ابن عبد الله؛ لأن رجلًا اسم غير غالب, فمتى لم يكن المنادى/ 398 اسمًا غالبًا, والذي يضيف إليه ابنا سما غالبًا, لم يجز فيه ما ذكرنا من نصب الأول بغير تنوين, وإذا قلت: يا رجل ابن عبد الله, فكأنك قلت: يا رجل يابن عبد الله, وعلى هذا ينشد هذا البيت:
يا حكمَ بنَ المنذرِ بن الجَارُود2
__________
1 انظر: المقتضب للمبرد 4/ 225، وابن يعيش 1/ 128.
2 من شواهد الكتاب 1/ 313، على بناء "حكم" على الفتح اتباعا لحركة الابن، لأن النعت والمنعوت كاسم ضم إلى اسم مع كثرة الاستعمال وهو مشبه في الاتباع بقولهم: يا تيم تيم عدي ... والرفع في "حكم" أقيس لأنه اسم مفرد نعت بمضاف، فقياسه أن يكون بمنزلة قولهم: يا زيد ذا الجمةِ:
ونسب هذا الرجز في الكتاب إلى رجل من بني الحوماز، ونسبه الجوهري إلى رؤبة، وبعده:
سرادق المجد عليك ممدود
والرواية في الديوان: أنت الجواد ابن الجواد المحمود.
مدح المنذر بن الجارود العبدي ابن عبد القيس، وكان أحد ولاة البصرة لهشام بن عبد الملك، وسمي جده الجارود، لأنه أغار على قوم فاكتسح أموالهم، فشبه بالسيل الذي يجرد ما يمر به. وانظر: المقتضب 4/ 232، وابن يعيش 2/ 5، والكامل/ 263، طبعة ليبسك، والتصريح 2/ 169، والعيني 4/ 210، وديوان رؤبة/ 172، ذكر على أنه مما نسب إليه.

(1/345)


ولو قلت: يا حكمُ بنُ المنذر كان جيدًا وقياسًا مطردًا, وكان أبو العباس -رحمه الله- يقول: إن نصب: يا حسن الوجه لطوله لا لأنه مضاف؛ لأن معناه: حسن وجههُ1.
قال أبو بكر: والذي عندي أنه نصب من حيث أضيف, فما جاز أن يضاف ويخفض ما أضيف إليه, وإن كان المعنى على غير ذلك, كذلك نصب كما ينصب المضاف لأنه على لفظه.
__________
1 قال المبرد: وقولك: يا حسن الوجه، إذا لم ترد النكرة، إنما معناه: يا أيها الحسن، فهو وإن كان مضافا في تقدير: يا حسنا وجهه. إذا أردت: يا أيها الحسن وجهه. وانظر: المقتضب 1/ 326.

(1/346)


باب ما خص به النداء من تغيير بناء الاسم المنادى والزيادة في آخره والحذف فيه:
أما التغيير, فقولهم: يا فسقُ ويا لكعُ, عدل عن فاعل إلى فعيل للتكثير والمبالغة كما عدل: عمر عن عامر, ولم يستعمل فسق إلا في النداء وهو معرفة فيه ويقوى/ 399 أنه كذلك ما حكى سيبويه عن يونس: أنه سمع من العرب من يقول: يا فاسقُ الخبيثُ1 فلو لم يكن فاسق عنده معرفة ما وصفه بما فيه الألف واللام, وكذلك: يا لَكاعِ ويا فَساقِ ويا خَباثِ معدول عن معرفة, كما صارت جَعَارِ اسمًا للضبع, وكما صارت: حذام ورقاش اسمًا للمرأة, وجميع ذلك مبني على الكسر؛ لأنك عدلته من اسم معرفة مؤنث غير منصرف وليس بعد ترك الصرف إلا البناء, فبني على كسر؛ لأن الكسرة والتاء من علامات التأنيث. ولهذا موضع يذكر فيه إن شاء الله, فإن لم ترد العدل قلت: يا لكعُ, ويا لكعاءُ, وأما ما لحقه الزيادة من آخره فقولهم: يا نومان ويا هناه, وقال بعض المتقدمين في النحو: يا هناه2 هو فعال في
__________
1 انظر الكتاب 1/ 311.
2 في الكتاب 1/ 33 يا هناه، ومعناه: يا رجل، وفي 1/ 311 ومن هذا النحو أسماء اختص بها الاسم المنادى لا يجوز منها شيء في غير النداء نحو: يا نومان، ويا هناه، ويا فل: وقال المبرد في المقتضب 4/ 235: واعلم: أن للنداء أسماء يخص بها، فمنها قولهم: يا هناه أقبل، ولا يكون ذلك في غير النداء، لأنه كناية للنداء. وانظر: أمالي الشجري 2/ 101.

(1/347)


التقدير وأصله هن, فزيد هذا في النداء وبني هذا البناء. ويلزم قائل هذا القول أن يقول في التثنية: يا هنانان أقبلا, ولا أعلم أحدًا يقول هذا.
قال الأخفش: تقول: يا هناه/ 400 أقبل, ويا هنانيه أقبلا, و [يا] 1 هنوناه أقبلوا. وإن شئت قلت: يا هن, ويا هنان أقبلا, ويا هنون أقبلوا وإن أضفت إلى نفسك لم يكن فيه إلا شيء واحد يأتي فيما بعده قال أبو بكر: والمنكر من ذا تحريك الهاء من هناه, وإلا فالقياس مطرد كهاء الندبة وألفها. وقال أيضًا الأخفش: تقول: يا هنتاه2 أقبلي, ويا هنتانيه أقبلا, ويا هناتوه أقبلن. وتقول للمرأة بغير زيادة يا هنت أقبلي ويا هنتان أقبلا ويا هنات أقبلن, وتقول في الإِضافة: إليك: ياهن3 أقبل ويا هني أقبلا ويا هني4 أقبلوا. وللمرأة في الإِضافة يا هنت أقبلي ويا هنتي أقبلا وللجمع: يا هنات5 أقبلن وتزاد في آخر الاسم في النداء الألف التي تبين بالهاء في الوقف إذا أردت أن تسمع بعيدًا أو تندب هالكًا؛ لأن المندوب في غاية البعد/ 401 وللندبة باب مفرد نذكره بعون الله تعالى.
تقول: يا زيداه, إذا ناديت بعيدًا, هذا إذا وقفت على الهاء وهي ساكنة, وإنما تزاد في الوقف لخفاء الألف كا تزاد لبيان الحركة في قولك غلاميه, وما أشبه ذلك. إذا وصلت ألف النداءِ بشيءٍ أغنى ما بعدَ الألف من الهاءِ فقلت: يا زيدا أقبل, ويا قوما تعالوا.
فأما لام الاستغاثة والتعجب فتدخل على الاسم المنادى من أوله وهي
__________
1 أضفت "يا" لأن المعنى يحتاجها.
2 يجوز هنا في هنتاه الكسر والضم.
3 يجوز يا هن: بالضم والفتح والكسر، فمن كسر النون قال: الكسرة تدل على الياء وتخلفها، ومن فتحها قال: أردت الندبة، يا هناه، ومن ضمها قال: أعطيت المفرد المنادى ما يستحق من الإعراب وأجود الوجوه الكسر.
4 تفتح النون في التثنية وتكسر في الجمع.
5 بكسر التاء وبغير ياء.

(1/348)


لام الجر فتخفضهُ, ولذلكَ أيضًا بابٌ يذكر فيه إلا أنها تزادُ إذا أردت أن تسمع بعيدًا, وأما ما حذفُ من آخره في النداء فقولهم في فلان: يا فل أقبل.
وذكر سيبويه أن: هناه ونومان وفل أسماء اختص بها النداء. وقال: قول العرب: يا فل أقبل, لم يجعلوه اسمًا حذفوا منه شيئًا يثبت في غير النداء ولكنهم بنوا الاسم على حرفين وجعلوه بمنزلة دم والدليل1 على/ 402 ذلك أنه ليس أحد يقول: يا فلا. فإن عنوا امرأة قالوا: يا فلة, وإنما بني على حرفين؛ لأن النداء موضع تخفيف ولم يجز في غير النداء؛ لأنه جعل اسمًا لا يكون إلا كناية لمنادى نحو: يا هناه ومعناه. يا رجل. وأما فلان. فإنما هو كناية عن اسم سمي به المحدث عنه خاص غالب قال: وقد اضطر الشاعر فبناه على هذا المعن, ى قال أبو النجم:
في لَجَّةٍ أَمْسِكْ فلانًا عن فُلِ2
قوله في لجة أي: في كثرة أصوات, ومعناه: أمسك فلانًا عن فلان,
__________
1 انظر: الكتاب 1/ 311. و1/ 33.
2 من شواهد سيبويه 1/ 333 على استعمال "فل" مكان "فلان" في غير النداء، ضرورة واستشهد به مرة ثانية 2/ 122، على أن "فل" أصله "فلان" فإذا صغر رد إلى أصله وهذا الرجز لأبي النجم العجلي، وقبل الشاهد:
تدافع الشيب ولم ... تقتل في لجة....
واللجة: بفتح -اللام وتشديد الجيم- اختلاط الأصوات في الحرب شبه تزاحمها ومدافعة بعضها بعضا بقوم شيوخ في لجة وشر يدفع بعضهم بعضا، فيقال: أمسك فلانا عن فلان، أي: أحجز بينهم، وخص الشيوخ، لأن الشباب فيهم التسرع إلى القتال، أي: هي في تزاحم ولا تقاتل كالشيوخ.
وانظر: المقتضب 4/ 238، والصاحبي/ 194، وشرح السيرافي 3/ 67، ومعجم مقاييس اللغة 4/ 477، والشعر والشعراء/ 586، والجمهرة لابن دريد 2/ 25، والأغاني 9/ 74، وأمالي ابن الشجري 2/ 101.

(1/349)


فأما ما حذف آخره للترخيم فله باب وإنما أخرجنا "فل" عن الترخيم لأنه لا يجوز أن يرخم اسم ثلاثي فينقص في النداء ولم يكن منقوصًا في غيرِ النداءِ؛ ولأنَّه ليس باسم علمٍ, وللترخيمِ بابٌ يفرد به, إن شاء الله.

(1/350)


باب اللام التي تدخل في النداء للاستغاثة والتعجب:
اعلم: أن اللام التي تدخل للاستغاثة هي/ 403 لام الخفض وهي مفتوحة إذا أدخلتها على الاسم المنادى, كأن المنادى كالمكنى. وقد بينا هذا فيما مضى فانفتحت مع المنادى كما تنفتح مع المكنى ألا ترى أنك تقول: لزيد ولبكر فتكسر. فإذا قلت: لك وله فتحت, وقد تقدم قولنا في أن المبني كالمكنى؛ فلذلك لم يتمكن في الإِعراب وبني فتقول: يا لبكر ويا لزيد ويا للرجال ويا للرجلين1 إذا كنت تدعوهم وقال أصحابنا2: إنما فتحتها لتفصل بين المدعو والمدعو إليه. ووجب أن تفتحها لأن أصل اللام الخافضة إنما كان الفتح فكسرت مع المظهر ليفصل بينها وبين لام التوكيد3, ألا ترى أنك تقول: إن هذا لزيد إذا أردت: إن هذا زيد, فاللام هنا مؤكدة/ 404 وتقول: إن هذا لِزيد إذا أردت أنه في ملكه. ولو فتحت لالتبسا, فإن وقعت اللام على مضمر فتحتها على أصلها فقلت: أن هذا لك, وإن هذا لأنت؛ لأنه ليس هنا لبس, وتقول: يا للرجال للماء, ويا للرجال للعجب, ويا لزيد للخطب الجليل, قال الشاعر:
__________
1 في الأصل "يا لرجلين" بلام واحدة.
2 أي: البصريون.
3 قال: المبرد 4/ 254: فأما قولنا: فتحت على الأصل فلأن أصل هذه اللام الفتح, تقول: هذا له: وهذا لك. وإنما كسرت مع الظاهر فرارا من اللبس. لأنك لو قلت: إنك لهذا وأنت تريد لِهذا - لم يدر السامع أتريد لام الملك أم اللام التي للتوكيد.

(1/351)


يا لَلِّرجَالِ لِيوْمِ الأربعاءِ أما ... يَنْفَكُّ يُحْدِثُ لِي بَعْدَ النُّهى طَربا1
وقال آخر:
تَكَنَّفَني الوُشَاةُ فَأَزْعَجُوني ... فَيا للناسِ لِلواشي المُطَاعِ2
فالذي دخلت عليه اللام المفتوحة هو المدعو, والمستغاث به, والذي دخلت عليه اللام المكسورة هو الذي دعي له ومن أجله.
واعلم: أنه لا يجوز أن تقول: يا لزيدٍ لمن هو قريب منك ومقبل عليك. وذكر سيبويه: أن هذه اللام التي للاستغاثة بمنزلة الألف التي تبين بها في الوقف إذا أردت أن تسمع بعيدًا, فإن قلت: يا لزيد3 / 405 ولعمرو
__________
1 الشاهد فيه: فتح لام المستغاث به، وكسر لام المدعو له.
والبيت من قصيدة غزلية لعبد الله بن مسلم بن جندب الهذلي، وفي معجم البلدان 1/ 111، لما ولي الحسن بن زيد المدينة منع عبد الله بن مسلم بن جندب أن يؤم الناس في مسجد الأحزاب فقال له: أصلح الله الأمير، لِمَ منعتني مقامي ومقام آبائي وأجدادي قبل؟ قال: ما منعك إلا يوم الأربعاء. ثم ذكر القصيدة، وذكر ثعلب هذه القصيدة في مجالسه، وانفرد المبرد بنسبة الشاهد للحارث بن خالد، وانظر: المقتضب 4/ 256، ومجالس ثعلب/ 474-475. والكامل للمبرد/ 601، طبعة ليبسك، وروايته: ينفك يبعث، والإنصاف/ 265، وأسرار العربية/ 290، والعيني 4/ 96، والتمام في تفسير أشعار هذيل/ 168، وكتاب منازل الحروف/ 51.
2 من شواهد سيبويه 1/ 319، على فتح اللام الأولى من "الناس" لأنهم مستغاث بهم وكسر الثانية لأنه مستغاث من أجله.
وتكنفني الوشاة: أي: أحاط بي الوشاة. جمع واش. من وشى به: إذا سعى، وأزعجوني: أقلقوني وإنما وصفه بالمطاع، لأنه أراد به أباه ومن يحذو حذوه في الإشارة بالكلام مثل: أمه وعشيرته والبيت لقيس بن ذريح المحاربي وقد تزوج "بلبنى بنت الحباب الكعبية" بعد أن هام بها واشتغل بها عن كل شيء، فصعب ذلك على أبيه وأشار إليه بالطلاق فلم يقبل ...
وانظر: شرج المفصل 1/ 131، وشرح السيرافي 3/ 51، والكامل للمبرد/ 601، طبعة ليبسك، والعيني 4/ 259، ونسبه لحسان بن ثابت، والموجز لابن السراج/ 49.
3 انظر: الكتاب 1/ 320.

(1/352)


كسرت اللام في "عمرو" وهو مدعو لأنه يسوغ في المعطوف على المنادى ما لا يسوغ في المنادى. ألا ترى أن الألف واللام تدخل على المعطوف على المنادى, ويجوز فيه النصب, وإنما يتمكن في باب النداء ما لصق "بيا" يعني بحرف النداء.
وأما أبو العباس -رحمه الله- فكان يقول في قولهم: يا لزيد ولعمرو, إنما فتحت اللام في "زيد" ليفصل بين المدعو والمدعى إليه فلما عطفت على "زيد" استغنيت عن الفصل لأنك إذا عطفت عليه شيئًا صار في مثل حاله1 وقال الشاعر:
يَبْكِيكَ نَاءٍ2 بَعِيدُ الدارِ مُغتَربٌ ... يا لَلْكُهُولِ ولِلشُّبان لِلْعِجبِ3
وأما التي في التعجب فقول الشاعر:
لَخُطَّابُ لَيْلَى يا لبُرثُنَ مِنْكُمُ ... أَدَلُّ وأمضى مِنْ سُليكِ المقانبِ4
وقالوا: يا للعجب ويا للماء لما رأوا عجبًا أو رأوا ماء كثيرًا, كأنه يقول:
__________
1 انظر: المقتضب: 40/ 255.
2 في الأصل "نائي" بالياء.
3 الشاهد فيه على أن لام المستغاث المعطوف تكسر إن لم تعد معه "يا" وذلك في قوله "وللشبان" والنائي: البعيد النسب.
ولم ينسب هذا البيت لقائل معين، وانظر: المقتضب 4/ 256، والصاحبي/ 85، والكامل/ 602، والموجز لابن السراج/ 49، وشرح السيرافي 3/ 52، ورواه: "يبكيه" بهاء الغائب والجمل للزجاجي/ 180، والهمع 1/ 180، والعيني 4/ 257.
4 من شواهد سيبويه 1/ 319 على دخول لام الاستغاثة على "برثن" تعجبا منهم لا مستغيثا بهم، وكانوا قد دخلوا امرأته وأفسدوها عليه، فقال لهم هذا متعجبا من فعلهم. والسليك: هو مقاعس من بني سعد بن مناة من بني تميم، وإنما شبههم به في حذقهم وقدة حيلتهم في الفساد والمقانب: جماعات الخيل، واحدها مقنب.
ونسب البيت لفرار الأسدي، وانظر: شرح السيرافي 3/ 52، وابن يعيش 1/ 131، والأشباه والنظائر 3/ 142، ورواه صاحب اللسان في "قنب": على الهول أمضى من سليك المقانب.

(1/353)


تعال/ 406 يا عجب, وتعال يا ماء, فإنه من أيامك وزمانك وأبانك ومثل ذلك قولهم: يا للدواهي أي: تعالين فإنه لا يستنكر لكن لأنه من أحيانكن, وكل هذا في معنى التعجب, والاستغاثة فلا يكون موضع "يا" سواها من حروف النداء نحو: أي وهيا وأيا. وقد يجوز أن تدعو مستغيثًا بغير لام فتقول: يا زيد وتتعجب كذلك كما أن لك أن تنادي المندوب ولا تلحق آخره ألِفًا؛ لأن النداء أصل لهذه أجمع وقد تحذف العرب المنادى المستغاث به مع "يا" لأن الكلام يدل عليه فيقولون: يا للعجب, ويا للماء, كأنه قال: يا لقوم للماء, ويا لقوم للعجب, وقال أبو عمرو قولهم: يا ويل لك, ويا ويح لك, كأنه نبه إنسانًا ثم جعل الويل له1 ومن ذلك قول الشاعر:
يَا لعنَةُ الله والأقوامِ كُلِّهِمِ ... والصالحينَ على سِمَعانَ مِن جَارِ2
فيا/ 407 لغير اللعنة ولغير الويل كأنه قال: يا قوم لعنة الله على فلان.
__________
1 انظر: الكتاب 1/ 320.
2 من شواهد سيبويه: 1/ 320، على حذف المنادى وإبقاء حرف النداء. أي: يا قوم لعنة الله. وسمعان: اسم رجل يروى -بفتح السين وكسرها- والفتح أكثر وكلاهما قياس، فمن كسرها كان كعمران وحطان، ومن فتحها، كان كقحطان ومروان. ولم ينسب هذا البيت لقائل معين.
وانظر: الكامل/ 601، وشرح السيرافي 3/ 52، والمفصل للزمخشري/ 48، وأمالي ابن الشجري 1/ 325، وابن يعيش 2/ 24، والمغني 1/ 414.

(1/354)


باب الندبة:
الندبة تكون بياء أو بواو ولا بد من أحدهما وتلحق الألف آخر الاسم المندوب إن شئت وإن شئت ندبت بغير ألف والألف أكثر في هذا الباب قال سيبويه: لأن الندبة كأنهم يترنمون فيها1 ومن شأنهم أن يزيدوا حرفًا إذا نادوا بعيدًا ولا أبعد من المندوب فإذا وقفوا قالوا: يا زيداه واعمراه فيقفون على هاء لخفاء الألف فإن وصلوا النداء بكلام أسقطوا الهاء وإذا لم تلحق الألف قلت: وا زيد, ويا بكر, والألف تفتح ما قبلها مضموما كان أو مكسورا تقول: وا زيد فتضم, فإن أدخلت الألف قلت: وا زيداه, فإن أضفت إلى اسم ظاهر غير مكنى قلت: وا غلام زيد فإن أدخلت الألف قلت وا غلام زيداه وحذفت التنوين لأنه لا/ 408 يلتقي ساكنان.
قال سيبويه: ولم يحركوها يعني التنوين في هذا الموضع لأن الألف زيادة فصارت تعاقب التنوين وكان أخف عليهم2, فإن أضفت إلى نفسك, قتل وازيدِ فكسرت الدال فإن أدخلت الأل, قلت: وا زيداه يكون إذا أضفته إلى نفسك وإذا لم تضفه سواء ومن قال: يا غلامي قال: وا زيدياه فيحرك الياء في لغة من أسكن الياء للألف التي بعدها لأن الألف لا يكون ما قبلها إلا مفتوحًا.
__________
1 انظر: الكتاب 1/ 221.
2 انظر: الكتاب 1/ 322.

(1/355)


قال أبو العباس: ولك في وا غلامي في لغة من أسكن الياء وجهان: أن تحرك الياء لدخول الألف, فتقول: واغلامياه, وأن تسقطها لالتقاء الساكنين فتقول: وا غلاماه كما تقول جاء غلام العاقل فتحذف الياء فأما من كان يحرك الياء قبل الندبة, فليس في لغته إلا إثباتها مع الألف, تقول: وا غلاماه1 وذكر سيبويه: أنه يجوز/ 409 في الندبة: وا غلاميه فيبين الياء بالهاء كما هي في غير النداء2, فإن أضفت إلى مضاف إليك قلت: وا غلام غلامي, فإن أدخلت الألف قلت: وا غلام غلامياه, لا يكون إلا ذلك؛ لأن المضاف الثاني غير منادى, وقد بيناه لك فيما تقدم. وكذلك وانقطاع ظهرياه لا بد من إثبات الياء, وإذا وافقت ياء الإِضافة الياء الساكنة في النداء لم يجدوا بدا من فتح ياء الإِضافة ولم يكسر ما قبلها كراهية للكسرة في الياء ولكنهم يفتحون3 ياء الإِضافة ويجمعون على ذلك لئلا يلتقي ساكنان. فإذا ناديت فأنت في إلحاق الألف بالخيار أيضًا, وذلك قولك: وا غلامياه ووا قاضياه ووا غلاميَّ في تثنية غلام ووا قاضيَّ.
__________
1 انظر: المقتضب 4/ 270، ونص المقتضب هو كما يلي: ومن رأى أن يثبت الياء ساكنة فيقول: يا غلامي أقبل، فهو بالخيار: إن شاء الله: وا غلامياه فحرك لالتقاء الساكنين وأثبت الياء لأنها علامة. وكانت فتحتها ههنا مستخفة، لفتحه الياء في القاضي ونحوه للنصب. وإن شاء حذفها لالتقاء الساكنين، كما تقول: جاء غلام العاقل. وم رأي أن يثبتها متحركة قال: وا غلامياه ليس غير.
انظر: الانتصار لابن ولاد 154-157.
2 انظر: الكتاب 1/ 321 وهذا رأي الخليل وليس رأي سيبويه. قال: وزعم الخليل: أنه يجوز في الندبة: وا غلاميه من قبل أنه قد يجوز أن أقول: وا غلامي فأبين الياء كما أبينها في غير النداء.
3 قال سيبويه واعلم: أنه إذا وافقت الياء الساكنة ياء الإضافة في النداء لم تحذف أبدا ياء الإضافة ولم يكسر ما قبلها كراهية للكسرة في الياء, ولكنهم يلحقون يا الإضافة وينصبونها لئلا ينجزم حرفان.
انظر: الكتاب 1/ 322، والمقتضب 4/ 272.

(1/356)


وإن وافقت ياء الإِضافة ألفًا لم تحرك الألف وأثبتوا الياء وفتحوها لئلا يلتقي ساكنان, وأنت أيضًا بالخيار في إلحاق الألف وذلك قولك/ 410: وا مثناي ووا مثناه. فإن لم تضف إلى نفسك قلت: وا مثناي وتحذف الألف الأولى لئلا يلتقي ساكنان, ولم يخافوا التباسًا فإن كان الاسم المندوب مضافًا إلى مخاطب مذكر قلت: وا غلامك يا هذا, فإن ألحقت ألف الندبة قلت: وا غلامكاه وإن ثنيت قلت: وا غلامكاه وإن جمعت قلت: وغلامكموه فقلبت ألف الندبة واوًا كيلا يلتبس بالتثنية, وتقول للمؤنث: وا غلامكية. وكان القياس الألف لولا اللبس وفي التثنية وا غلامهماه والمذكر والمؤنث في التثنية سواء وتقول في الجمع: وا غلامكناه وتقول في الواحد المذكر الغائب, وا غلامهوه وللاثنين وا غلامهماه, وللجميع وا غلامهموه وللمؤنث: وا غلامهاه وفي التثنية: وا غلامهاه وللجميع وا غلامهناه, فإن كان المنادى مضافًا إلى مضاف نحو: وانقطاع ظهره "91/ 411" قلت في قول من قال: مررت بظهرهوه قيل: وانقطاع ظهرهوه وفي قول من قال: بظهرهي قال: وانقطاع ظهرهيه2.
وقال قوم من النحويين: كل ما كان في أخره ضم أو فتح وكسر, ليس يفرق بين شيء وبين شيء جاز فيه الإِتباع والفتح وغير الإِتباع مثل قطام تقول: وا قطاميهْ ويا قطاماه ويقولون: يا رجلانية ويا رجلاناه ويا مسلموناه ويقولون: يا غلام الرجلية والرجلاه, فإذا كانت الحركة فرقًا بين شيئين مثل: قمتُ وقمتَ فالإِتباع لا غير نحو: وا قيامًا قمتوه وقمتاه وقمتيه وقد مر تثنية المفرد وجمعه في النداء في "هن" فقس عليه.
واعلم: أن ألف الندبة لا تدخل على الصفة ولا الموصوف إذا اجتمعا
__________
1 انظر: الكتاب 1/ 323، والمقتضب 4/ 274.
2 انظر: الكتاب 1/ 323.

(1/357)


نحو وا زيد الظريف والظريفَ, لأن الظريف غير منادى1 وليس هو بمنزلة المضاف والمضاف إليه, لأن المضاف والمضاف إليه بمنزلة اسم واحد وأنت في الصفة/ 412 بالخيار إن شئت وصفت وإن شئت لم تصف, وهذا قول الخليل.
وأما يونس فيلحق الألف الصفة ويقول: وا زيد الظريفاه2, ولا يجوز أن تندب النكرة وذلك: وا رجلاه ويا رجلاه ولا المبهم, لا تقول: وا هذاه, قال سيبويه: إنما ينبغي أن تتفجع بأعرف الأسماء ولا تبهم3, وكذلك قولك: وا مَن في الداراه في الفتح وذكر يونس: أنه لا يستقبح: وا من حفر زمزماه؛ لأن هذا معروف بعينه4.
وقال الأخفش: الندبة لا يعرفها كل العرب وإنما هي من كلام النساء5, فإذا أرادوا السجع وقطع الكلام بعضه من بعض أدخلوا ألف الندبة على كلام يريدون أن يسكتوا عليه, وألحقوا الهاء لا يبالون أي كلام كان.
__________
1 في الكتاب 1/ 323، هذا باب ما لا تلحقه الألف التي تلحق المندوب، وذلك قولك: وأزيد الظريف والظريف، وزعم الخليل: أنه منعه من أن يقول: الظريفاه أن الظريف ليس بمنادى ...
2 انظر: الكتاب 1/ 323-324.
3 انظر: الكتاب 1/ 324. ونص سيبويه هو: ألا ترى أنك لو قلت: وا هذاه كان قبيحا، لأنك إذا ندبت فإنما ينبغي لك أن تفجع بأعراف الأسماء وأن تخص فلا تبهم، لأن الندبة على البيان.
4 انظر الكتاب 1/ 324. نسب ابن السراج هذا القول إلى يونس وهو عند سيبويه قول الخليل لأنه قال: وزعم أنه لا يستقبح: وا من حفر زمزماه، لأن هذا معروف بعينه، والمقصود بـ"زعم" هو الخليل لا يونس.
5 قال ابن يعيش: واعلم: أن الندبة لما كانت بكاء ونوحا بتعداد مآثر المندوب وفضائله وإظهار ذلك ضعف وخور، ولذلك كانت في الأكثر من كلام النسوان لضعفهن عن الاحتمال وقلة صبرهن وجب أن لا يندب إلا بأشهر أسماء المندوب وأعرفها لكي يعرفه السامعون.
وانظر: شرح المفصل 2/ 14.

(1/358)


باب الترخيم:
الترخيم حذف أواخر الأسماء المفردة الأعلام تحقيقًا ولا يكون ذلك إلا/ 413 في النداء, إلا أن يضطر شاعر, ولا يكون في مضاف إليه, ولا مضاف ولا في وصف ولا اسم منون في النداء, ولا يرخم مستغاث به, إذا كان مجرورًا؛ لأنه بمنزلة المضاف ولا يرخم المندوب هذا قول سيبويه1, والمعروف من مذاهب العرب.
والترخيم يجري في الكلام على ضربين: فأجود ذلك أن ترخم الاسم فتدع ما قبل آخره على ما كان عليه وتقول في حارث: يا حار أقبل فتترك الراء مكسورة كما كانت. وفي مسلمة: يا مسلم أقبل وفي جعفر: يا جعف أقبل تدع الفتحة على حالها, وفي يعفر: يا يعف أقبل وفي برثن: يا برث أقبل, تترك الضمة على حالها, وفي هرقل أقبل تدع القاف على سكونها والوجه الآخر أن تحذف من أواخر الأسماء وتدع ما بقي اسمًا على حياله نحو: زيد وعمرو فتقول: في حارث يا حار وفي جعفر يا جعفُ أقبل/ 414 وفي هرقل: يا هرق أقبل. وكذلك كل اسم جاز ترخيمه فإن كان آخر الاسم حرفان زيدا معا حذفتهما؛ لأنهما بمنزلة زيادة واحدة, وذلك قولك: في عثمان: يا عثم وفي مروان يا مرو أقبل وفي أسماء يا أسم أقبلي وكذلك كل ألفين للتأنيث نحو: حمراء وصفراء وما
__________
1 انظر: الكتاب 1/ 330.

(1/359)


أشبه ذلك. إذا سميت به, وكذلك ترخيم رجل يقال له: مسلمون تحذف منه الواو والنون وكذلك رجل اسمه مسلمان قال سيبويه: فأما رجل اسمه بنون فلا يطرح منه إلا النّون لأنك لا تصير اسمًا على أقل من ثلاثة أحرف1 ومن قال: يا حار قال: يا بني فإن رخمت اسما آخره غير زائد إلا أن قبل آخره حرفًا زائدًا وذلك الزائد واو ساكنة قبلها ضمة أو ياء ساكنة قبلها كسرة أو ألف ساكنة حذفت الزائد مع الأصلي وشبه بحذف الزائد ولم يكن ليحذف/ 415 الأصل, ويبقى الزائد, وذلك قولك في منصور: يا منص أقبل, تحذف الراء وهي أصل وتحذف الواو وهي زائدة, وفي عمار يا عمَّ أقبل وفي رجل اسمه عنتريس: يا عنتر أقبل فإن كان الزائد الذي قبل حرف الإِعراب متحركًا ملحقًا كان أو زائدًا جرى مجرى الأصل.
فأما الملحق فقولك في قَنَّور: يا قنو أقبل, وفي رجل اسمه هبينح2 يا هبي أقبل لأن هذا ملحق بسفرجل وسنبين لك هذا في موضعه من التصريف إن شاء الله.
وأما الزائد غير الملحق فقولك في رجل سميته بحولايا, وبردرايا, يا حولاي أقبل ويا بردراي أقبل3, لأن الحرف الذي قبل آخره متحركًا فأشبهت الألف التي للتأنيث الهاء التي للتأنيث فحذفت الألف وحدها كما تحذف الهاء وحدها؛ لأن الهاء بمنزلة اسم ضم إلى اسم ولا يكون ما قبلها/ 416 إلا مفتوحًا والهاء لا تحذف إلا وحدها, كان ما قبلها أصليا أو زائدًا أو ملحقًا أو منقوصًا وحذف الهاء في ترخيم الاسم العلم أكثر في كلام العرب من الترخيم فيما لا هاء فيه, وكذلك إن كان اسمًا عاما غير علم,
__________
1 انظر: الكتاب 1/ 338.
2 انظر: الكتاب 1/ 339.
3 قال سيبويه 1/ 339 هذا باب تكون الزوائد فيه أيضا بمنزلة ما هو من نفس الحرف، وذلك قولك في رجل اسمه حولايا أو بردرايا: يا بردراي أقبل، ويا حولاي أقبل، من قبل أن هذه الألف لو جيء بها للتأنيث والزيادة التي قبلها لازمة لها تقعان معا لكانت الياء ساكنة.

(1/360)


والعلم قولهم في سلمة: يا سلم أقبل, تريد يا سلمة, وقالت الجهنية في هوذة بن علي الحنفي وكان كسرى أقطعه وتوَّجَهُ بتاج:
يا هَوذَ ذَا التاَّجِ إنَّا لا نَقُولُ سَوَى ... يا هَوذَ يا هَوذَ إما فَادحٌ دَهَمَا1
وأما العام فنحو قول العجاج:
جَارِيَ لاَ تسْتَنْكِرِي عَذِيرِي2 ... .................................
ًٍـ
1 الشاهد فيه: ترخيم "هوذ" من هوذة على لغة من ينتظر.
والهوذ: القطاة الأنثى وبها سمي الرجل هوذة.
والمعنى: إنا لا ندعو عند الملمات المفاجئة إلا هوذ ذا التاج. وهوذة: هو ابن علي الحنفي صاحب اليمامة كما ذكره الزبيدي شارح القاموس.
وانظر: شجر الدر لأبي الطيب/ 75، والأصمعيات/ 41، وارتشاف الضرب/ 288.
2 من شواهد الكتاب 1/ 325، و1/ 330، والشاهد فيه حذف حرف النداء ضرورة وهو اسم منكور قبل النداء لا يتعرف إلا بحرف النداء، وإنما يطرد الحذف في المعارف. ورد المبرد على سيبويه جعله الجارية نكرة وهو يشير إلى جارية بعينها فقد صارت معرفة بالإشارة. قال الأعلم: ولم يذهب سيبويه إلى ما تأوله المبرد عليه من أنه نكرة بعد النداء إنما أراد أنه اسم شائع في الجنس نقل إلى النداء وهو نكرة، وكيف يتأول عليه الغلط في مثل هذا وهو قد فرق بين ما كان مقصودا بالنداء من أسماء الأجناس وبين ما لم يقصد قصده ولا اختص بالنداء من غيره بأن جعل الأول مبنيا على الضم بناء زيد وغيره من المعارف وجعل الآخر معربا بالنصب وهذا من التعسف الشديد والاعتراض القبيح. والعذير هنا الحال، وكان يحاول عمل حلس لبعيره فهزئت منه فقال لها هذا وبعده:
سيري وإشفاقي على بعيري
أي: لا يستنكر عذيري وإشفاقي على بعيري وسيري عني واذهبي. ويقال أراد بالعذير ههنا: الصوت لأنه كان يرجز في عمله لحلسه فأنكرت عليه ذلك.
وانظر: المقتضب 4/ 260، وأمالي ابن الشجري 2/ 88، وابن يعيش 2/ 16، والعيني 4/ 277، والخزانة 1/ 283، وشرح المعلقات للتبريزي/ 48. وشرح الحماسة 4/ 180، والديوان.

(1/361)


أي: حالي, وأما ما كان منقوصًا وكان مع الهاء على ثلاثة أحرف فقولهم: يا شاء ادجني1.
قال أبو علي2: إذا وصلت سقطت همزة الوصل فالتقت الألف وهي ساكنة مع الراء مع ادجني وهي ساكنة أيضًا فحذفت الألف لالتقاء الساكنين/ 417 ووليت الشين المفتوحة الراء, وإذا وقفت قلت: يا أدجني مثل أقبلي فلم يحذف الألف رخم شاة ويا ثبت أقبلي تريد: ثبة وناس من العرب يثبتون الهاء فيقولون: يا سلمة أقبلي, يقحمون الهاء ويدعون الاسم مفتوحا على لفظ الترخيم, والذين يحذفون في الوصل الهاء إذا وقفوا قالوا: يا سلمهْ ويا طلحهْ لبيان الحركة, ولم يجعلوا المتكلم بالخيار في حذف الهاء عند الوقف, والشعراء إذا اضطروا حذفوا هذه الهاء في الوقف؛ لأنهم إذا اضطروا يجعلون المدة التي تلحق القوافي بدلًا منها قال ابن الخَرِع:
وكَادَتْ3 فَزَارَةُ تَشَقَى بِنَا ... فَأَوْلَى فَزَارَةَ أَوْلى فَزَارا4
والضم جائز في البيت, وكذلك إن رخمت اسمًا مركبًا من اسمين قد
__________
1 في الأصل "ارجني" بالراء، وليس صحيحا، إذ هو "ادجني" من دجن في بيته إذا لزمه وبه سميت دواجن البيت وهي ما ألف من الشاء وغيرها، والواحدة: داجنة.
2 أبو علي تلميذ ابن السراج وليس من المعقول أن ينقل عنه. ربما كان هذا من عمل النساخ.
3 رواه سيبويه بلا واو، ولا يستقيم الوزن.
4 من شواهد الكتاب 1/ 331، رخم فزارة ووقف عليها بالألف عوضا من الهاء لأنهم إذا رخموا ما فيه الهاء ثم وقفوا عليه ردوا الهاء للوقف فلما لم يمكنه رد الهاء ههنا جعل الألف عوضا منها.
يقول: كدنا نوقع بفزارة فتشقى بنا لولا فرارهم وتحصنهم منا. ويقال للرجل إذا أفلت: وقد كاد يعطب أولى له، وهي كلمة وعيد وتهديد فلذلك قال: فأولى فزارة أولى، أي: أولى لك يا فزارة.
وانظر: الصاحبي/ 194، وشرح السيرافي 3/ 67.

(1/362)


ضم أحدهما إلى الآخر, فحكم الثاني حكم الهاء في الحذف وذلك. نحو: حضرموت, ومعدي كرب, ومارسرجس/ 418 ومثل رجل سميته بخمسة عشر تحذف الثاني وتبقي الصدر على حاله فتقول: يا حضر أقبل ويا معدي أقبل ويا خمسة أقبل1 قال سيبويه: وإن وقفت قلت: يا خمسهْ بالهاء, وإنما قال ذلك لأن تاء التأنيث لا ينطق بها إلا في الوصل. فإذا وقفت عليها وقفت بالهاء ومما شبه بحضرموت: عمرويه زعم الخليل: أنه يحذف الكلمة التي ضمت إلى الصدر فيقول: يا عمر أقبل قال: أراه مثل الهاء لأنهما كانا بائنين فضم أحدهما إلى الآخر2.
واعلم: أن من قال: يا حار, فإنه لا يعتد بما حذف ويجعل حكم الاسم حكم ما لم تحذف منه شيئًا. فإن كان قبل الطرف حرفًا يعتل في أواخر الأسماء وينقلب أعل وقلب نحو: رجل سميته بعرقوة إن رخمت فيمن قال يا حار قلت: يا عرقي أقبل, ولم يجز أن تقول: يا عرقو؛ لأن الاسم لا يكون آخره/ 419 واوًا قبلها حرف متحرك وهذا يبين في التصريف, ومن قال: يا حار فإنما يجعل الراء حرف الإِعراب, ويقدره تقدير ما لا فاء فيه, فيجب عليه أن لا يفعل ذاك إلا بما مثله في الأسماء فمن رخم اسمًا فكان ما بيقى منه على مثال الأسماء فجائز وإن كان ما يبقى على غير مثال الأسماء فهو غير جائز وكذلك إن كان قبل المحذوف للترخيم شيء قد سقط لالتقاء الساكنين فإنك إذا رخمت وحذفت رجع الحرف الذي كان سقط لالتقاء الساكنين نحو: رجل سميته "بقاضون" كان الواحد "قاضي" قبل الجمع فلما جاءت واو الجمع سقطت الياء لالتقاء الساكنين فإن رخمت "قاضين" وهو في الأصل قلت: يا قاضي, فرجع ما كان سقط
__________
1 هذا رأي الخليل، انظر: الكتاب 1/ 341 ... مثل: حضرموت، ومعدي كرب، وبخت نصر، ومارسرجس ومثل رجل اسمه: خمسة عشر ومثل: عمرويه، فزعم الخليل: أنه يحذف الكلمة التي ضمت إلى الصدر رأسا.
2 انظر: الكتاب 1/ 341.

(1/363)


لالتقاء الساكنين1 وشبيه بهذا وقفك على الهاء إذا رخمت رجلًا اسمه: خمسة عشر؛ لأن التاء إنما جلبها الوصل فلما زال/ 420 الوصل رجعت الهاء, وكذلك إن كنت أسكنت حرفًا متحركًا للإِدغام في حرف مثله وقبله ساكن فحذفت الأخير للترخيم فإنك ترد الحركة لالتقاء الساكنين, وذلك قولك لرجل اسمه "راد" يا رادِ أقبل2 إذا رخمت وفي محمارٍّ أقبل؛ لأن الأصل: رادد ومحمارر, وأما مفر فإذا سميت به ورخمته قلت: يا مفر أقبل ولم تحرك الراء لأن ما قبلها متحرك وأما محمر إذا كان اسم رجل فإنك إذا رخمته تركت الراء الأولى مجزومة لأن ما قبلها متحرك فقلت: يا محمر أقبل ولقائل أن يقول: هلاَّ رددت الحركة فقلت: يا محمرُ أقبل, إذ كان الأصل محمررًا كما رددت الياء في "قاضي" فالجواب في ذلك: أنك إنما رددت الياء في "قاضي" لأنك لم تبن الواحد على حذفها كما بنيت "دم" على الحذف ومحمر لم تلحق الراء الأخيرة بعد أن تم بالأولى ولم يتكلم بأصله.
فإن كان آخر الاسم حرفًا مدغمًا بعد الألف/ 421 وأصل الأول منهما السكون, أعني الحرفين المدغم أحدهما في الآخر حركته إذا رخمته بحركة ما قبله وذلك نحو: اسحارّ يا هذا تقول: يا اسحار فتحركه بحركة أقرب المتحركات منه. وكذلك تفعل بكل ساكن احتيج إلى حركته من هذا الضرب. قال رجل من أزد السراة:
ألا رُبَّ مَوْلُودٍ وليَسْ لَه أبٌ ... وذي وََلَدٍ لَمْ يَلْدَهُ أبوانِ3
__________
1 في الكتاب 1/ 340 هذا باب ما إذا طرحت منه الزائدتان اللتان بمنزلة زيادة واحدة رجعت حرفا وذلك قولك في رجل اسمه قاضون، يا قاضي أقبل وفي رجل اسمه ناجي، يا ناجي أقبل، أظهرت الياء لحذف الواو والنون.
2 انظر: الكتاب 1/ 340.
3 من شواهد سيبويه 1/ 341، 2/ 258، على سكون اللام في "يلده" وفتح الدال فإنه أراد كسر اللام وسكون الدال، فسكن المكسورة تخفيفا فالتقى ساكنان فحرك الدال بحركة أقرب المتحركات منه وهي الفتحة لأن الياء مفتوحة، ولم يعتد باللام الساكنة لأن الساكن غير حاجز حصين.
وأراد بالمولود الذي لا أب له: عيسى عليه السلام، وبذي الولد الذي لم يلده أبوان: آدم عليه السلام. وفيه شاهد على إتيان رب للتقليل، وفيه رواية:
عجبت لمولود وليس له أب.
قيل إنه لعمرو الحبني، وانظر: شرح السيرافي 3/ 77، والخصائص 2/ 333، وابن يعيش 4/ 48، والمغني 1/ 144، والخزانة 1/ 397، والعيني 3/ 354.

(1/364)


ففتحَ الدالَ بحركةِ الياءِ لما احتاجَ إلى تحريكها؛ لأن الفتحة قريبةٌ مِنها, وأسحارٌ اسم وقع مدغمًا آخره وليس لرائه الأولى نصيب في الحركة.
واعلم: أن الأسماء التي ليست في أواخرها هاء أن لا يحذف منها أكثر, قال سيبويه: وليس الحذف لشيء من هذه الأسماء ألزم منه لحارث ومالك وعامر, قال: وكل اسم خاص رخمته في النداء فالترخيم فيه جائز وإن كان في هذه الأسماء الثلاثة أكثر1 / 422 وكل اسم على ثلاثة أحرف لا يحذف منه شيء إذا لم يكن آخره الهاء لأن أقل الأصول ثلاثة, فإنما يرخم من الأربعة وما زاد؛ لأن ما بقي في الأسماء على عدته. والفراء يرخم من ذلك ما كان محرك الثاني نحو: قدم وعضد وكتف إذا سمي به رجلًا وقال: إن من الأسماء ما يكون على حرفين كدم ويد ولم يجز أن تقول في بكر: يا بك أقبل؛ لأنه لا يكون اسم على حرفين ثانيه ساكن إلا مبهمًا نحو من وكم, وليس من الأسماء اسم نكرة ليس في آخره هاء تحذف منه شيء إذا لم يكن اسمًا غالبًا إلا أنهم قد قالوا: يا صاح أقبل وهم يريدون: يا صاحب وذلك لكثرة استعمالهم هذا الحرف والفراء إذا رخم: قمطر, حذف الطاء مع الراء لأنها حرف ساكن, والنحويون على خلافه في حذف الطاء, وما أشبهها من السواكن الواقعة ثالثة, ويجيز الفراء في حمار: يا حما أقبل, يصير مثل رضا. وفي سعيد: يا سعي يصير/ 423 مثل عمي ولا يجيز: يا ثمو في ثمود؛ لأنه ليس له في الأسماء نظير.
__________
1 انظر: الكتاب 1/ 335.

(1/365)


واعلم: أن الشعراء يرخمون في غير النداء اضطرارًا, فمن ذلك قول الأسود بن يعفر:
أَوْدَى ابنُ جَلْهُمَ عَبَّادٌ بِصِرْمَته ... إنَّ ابْنَ جُلْهَمَ أمسى حَيَّةَ الوادي1
أراد: جُلهمه والعربَ يسمون الرجل جُلهمه والمرأة جُلهم.
__________
1 من شواهد سيبويه 1/ 344 على قولهم: جلهم وأنه إذا أراد أمه جلهم فلا ترخيم فيه على هذا، لأن العرب سمت المرأة جلهم، والرجل جلهمة بالهاء، وكذا جرى استعمالهم للاسمين، وإن كان أراد أباه فقد رخم.
والصرمة: القطعة من الإبل ما بين الثلاثين إلى الأربعين، وأودى بها: ذهب بها، وقوله: أمسى حية الوادي: أي: يحمي ناحيته ويتقي منه كما يتقي من الحية الحامية لواديها المانعة. والوادي: المطمئن من الأرض.
وانظر: شرح السيرافي 3/ 80، والإنصاف/ 195، واللسان "جلهم" والخزانة 1/ 374.

(1/366)


باب مضارع للنداء:
اعلم: أن كل منادى مختص, وأن العرب أجرت أشياء لما اختصتها مجرى المنادى كما أجروا التسوية مجرى الاستفهام, إذ كان التسوية موجودة في الاستفهام وذلك قولهم: أما أنا فأفعل كذا وكذا أيها الرجل, أو: نفعل نحن كذا وكذا أيها القوم. واللهم اغفر لنا أيتها العصابة.
قال سيبويه: أراد أن يؤكذ لأنه اختص إذ قال: إنه, لكنه أكد كما تقول لمن هو مقبل عليك كذا كان الأمر يا فلان1, ولا يدخل في هذا الباب/ 424 لأنك لست تنبه غيرك. ومن هذا الباب قول الشاعر:
إنَّا بني نَهْشَلٍ لا نَنْتَمي لأَبٍ ... عنْهُ ولا هُوَ بالأَبْناءِ يَشرِيناَ2
نصب بني مختصا على فعل مضمر كما يفعل في النداء نحو "أعني" وما أشبه ذلك.
__________
1 ونص الكتاب 1/ 326: أراد أن يؤكد لأنه اختص حين قال: أنا، ولكنه أكد، كما تقول: للذي هو مقبل عليك بوجهه مستمع منصت كذا كان الأمر يا أبا فلان توكيدا.
2 الشاهد فيه: نصب "بني" على الاختصاص والتقدير "أعني".
وقوله: إنا بني نهشل: يعني نهشل بن دارم بن مالك بن تميم. ومن قال: إنا بنو نهشل جعل "بنو" خبر "إن" ومن قال: "بني" فإنما جعل الخبر أن تبتدر في البيت الذي يلي الشاهد وهو:
إن تبتدر غاية يوما لمكرمة ... تلق السوابق منا والمصلينا
ونسب هذا الشاهد المبرد في الكامل إلى رجل يكنى أبا مخزوم من بني نهشل بن دارم، وهو بشامة بن حزن النهشلي. ونسبها صاحب الحماسة لبعض بني قيس بن ثعلبة. وانظر: الكامل/ 65، طبعة ليبسك، والحماسة 1/ 97، والاقتضاب للبطليوسي/ 318، وعيون الأخبار لابن قتيبة 1/ 190 والشعر والشعراء 2/ 638، وكتاب الفاخر للمفضل بن سلمة/ 177، ورواه: لا ندعى لأب، والعيني 3/ 370، والخزانة 3/ 510.

(1/367)


مسائل من هذا الباب:
تقول: يا هذا الطويلُ أقبل, في قول من قال: يا زيدُ الطويلُ, ومن قال: يا زيدُ الطويلَ قال: يا هذا الطويلَ, وليس الطويل بنعت لهذا ولكنه عطف عليه وهو الذي يسمى عطف البيان؛ لأن هذا وسائر المبهمات إنما تبينُ بالأجناس, ألا ترى أنكَ إذا قلت: جاءني زيدٌ فخفت أن يلتبس الزيدان على السامع أو الزيود قلت: الطويل وما أشبه لتفصل بينه وبين غيره ممن له مثل اسمه وإذا قلت: جاءني هذا, فقد أومأت له إلى واحد بحضرتك, وبحضرتك أشياء كثيرة, وإنما ينبغي لك أن تبين له عن الجنس الذي أومأت له إليه لتفصل ذلك عن جميع ما بحضرتك من الأشياء/ 425, ألا ترى أنك لو قلت له: يا هذا الطويلُ وبحضرتك إنسان ورمح وغيرهما لم يدر إلى أي شيء تشير. وإن لم يكن بحضرتك إلا شيء طويل واحد وشيء قصير واحد فقلت: يا هذا الطويل جاز عندي؛ لأنه غير ملبس, والأصل ذاك وأنت في المبهمة تخص له ما يعرفه بعينه وفي غير المبهمة تخص له ما يعلمه بقلبه. وتقول في رجل سميته بقولك: زيد وعمرو يا زيدًا وعمرًا أقبل تنصب لطول الاسم, ولو سميته: طلحة وزيدًا لقلت: يا طلحة وزيدًا أقبل, فإن أردت بطلحة الواحدة من الطلح قلت: يا طلحةً وزيدًا أقبل؛ لأنك سميته بها منكورة ولم تكن جميع الاسم فتصير معرفة, إنما

(1/368)


هي في حشو الاسم كما كانت فيما نقلتها عنه وتقول: يا زيدُ الظريفَ, على أصلِ النداء عند البصريين1, وقال الكوفيون: يراد بها يا أيها الظريفَ, فلما لم يأت "بيا أيها", نصبته, وربما نصبوا المنعوت بغير تنوين/ 426 فأتبعوه نعته وينشدون:
فَما كَعْبُ بنُ مَاَمَة وابنُ سُعدى ... بأَجْودَ مِنْكَ يا عُمر الجَوادا2
والنصب عند الكوفيين في العطف على "أيها" كما كان في النعت فلما لم يأتي "يا أيها" نصب, ويجيزون: يا عبد الله وزيدًا, ويقولون: يا أبا محمدٍ زيدٌ أقبل وهو عند البصريين بدل وهو عند الكوفيين من نداء ابن. وإذا قلت: زيدًا فهو عند الكوفيين نداء واحد ويسميه البصريون عطف البيان, ويجيز الكوفيون: يا أيها الرجلُ العاقلَ على تجديد النداء, كذا حكي لي عنهم, ويجيز البصريون: يا رجلًا, ولا يجيز الكوفيون ذاك إلا فيما كان نعتًا نحو قوله:
فيَا رَاكِبًَا إمَّا عَرَضْتَ فَبَلِّغَنْ ... نَدَاماي مِنْ نَجْرَانَ أنْ لا تلاقيا3
__________
1 قال المبرد في المقتضب 3/ 207، وإن نعت مفردا بمفرد فأنت في النعت بالخيار إن شئت رفعته، وإن شئت نصبته، تقول: يا زيدُ العاقلُ أقبل، ويا عمرُ الظريفُ هلم، وإن شئت قلت: العاقلَ، والظريفَ، أما الرفع فلأنك أتبعته مرفوعا.
2 الشاهد فيه: نعت المنادى المفرد منصوبا بغير ابن عند الكوفيين، وأوله المانعون بالقطع، أي: إنه مفعول لفعل محذوف.
وكعب بن مامة هذا من إياد، وكان من أجواد العرب المشهورين حتى ضرب به المثل في ذلك وهو الذي آثر رفيقه بالماء فنجا ومات هو عطشا. وابن سعدى، هو أوس بن حارثة بن لام الطائي أجود الأجواد أيضا الذين ضرب بجودهم المثل ... وعمر المذكور: هو ابن عبد العزيز بن مروان المشهور بالعدل والديانة. والبيت من قصيدة لجرير يمدح بها عمر المذكور.
وانظر: المقتضب 4/ 208، والكامل/ 132، والمفضليات للأنباري/ 449، وأمالي ابن الشجري 1/ 307، والعيني 4/ 254، والتصريح 2/ 169.
3 مر تفسير هذا البيت ص403.

(1/369)


ولا يكادون يحذفون "يا" من النكرة ويقولون: وا زيدُ في النداء ويقولون: وأ أي زيد.
قال أبو العباس: إنما قالوا: هذا ابنمٌ, ورأيت ابنمًا, ومررت بابنمٍ, فكسروا/ 427 ما قبل الميم إذا انكسرت وفعلوا ذلك في الضم والنصب؛ لأن هذه الميم زيدت على اسم كان منفردًا منها, وكان الإِعراب يقع على آخره, فلما زيدت عليه ميم1 أُعربت الميم إذ كانت طرفًا, وأُعربت ما قبلها إذ كانت تسقط فرجع الإِعراب إليه, وقولك وقد يخفف الهمز فتقول: مُرْ فيقع الإِعراب على الراء, فلذلك تبعت الهمزة وكذلك إذا قلت: يا زيدَ بنَ عمرو, جعلتهما بمنزلة واحدة اسم واحد واتبعت الدال حركة ابن فهو مثل ابنم, وقال في قولهم: اللهم اغفر لنا أيتها العصابة. لا يجوز: اللهم اغفر لهم أيتها العصابة. وقال: قلت لأبي عثمان2: ما أنكرت من الحال للمدعو؟ قال: لم أنكر منه إلا أن العرب لم تدع على شريطة, لا يقولون: يا زيد راكبًا, أي: ندعوك في هذه الحال ونمسك عن دعائك ماشيًا؛ لأنه إذا قال: يا زيد فقد وقع الدعاء على كل حال. قال: قلت: فإنه إن احتاج/ 428 إليه, راكبًا ولم يحتج إليه في غير هذه الحال, فقال: يا زيد راكبًا, أي: أريدك في هذه الحال, قال: ألست قد تقول: يا زيد دعاء حقا؟ قلت: بلى, قال: علام تحمل المصدر؟ قلت: لأن قولي: يا زيد كقولي3: أدعو زيدًا فكأني قلت: أدعو دعاء حقا قال: فلا أرى بأسًا بأن تقول على هذا: يا زيد قائمًا وألزم القياس. قال أبو العباس: ووجدت أنا تصديقًا لهذا قول النابغة:
__________
1 في الأصل "ميما" بالنصب.
2 هذه المسألة ذكرها ابن الأنباري في الإنصاف/ 186، والبغدادي في الخزانة 1/ 285.
3 في الأصل "محقق لي" وهو تصحيف.

(1/370)


قَالت بنو عامرٍ خَالوا بني أسَد ... يا بُؤْسَ لِلَجْهِل ضَرَّارًا لأقوامِ1
وقال الأخفش: لو قلت: يا عبد الله صالحًا, لم يكن كلامًا. وقال أبو إسحاق يعني الزيادي2: كان الأصمعي3: لا يجيز أن يوصف المنادى بصفة البتة مرفوعة ومنصوبة.
وقال أبو عثمان لا أقول: يا زيد وخيرًا من عمرو أقبلا, إذا أردت بخير من عمرو المعرفة, لأني أدخل الألف واللام إذا تباعد المنادى من حرف النداء كما أقول: يا زيد والرجل أقبلا/ 429 ولكن أقول: يا زيد والأخير
__________
1 من شواهد سيبويه 1/ 346 -على إقحام اللام بين المضاف والمضاف إليه في قوله: يا بؤس للجهل- توكيدا للإضافة. خالوا: من خاليته، يقال: خاليته مخالاة وخلاء. فمعناه: أخلوا من حلفهم وتاركوهم. وهذه اللام من الاسم بمنزلة الهاء من طلحة، لأن الاسم على حاله قبل أن تلحق. وهذه اللفظة تأتي بها العرب على جهة التضعيف والتأييس من الأمر.
ومعنى البيت: أن بني عامر أضر بهم في عرضهم علينا مقاطعة بني أسد، وما أبأس الجهل على صاحبه وأضر له.
وانظر: الشعر والشعراء/ 95، والأغاني 1/ 78، وشرح السيرافي 3/ 36، والخصائص 3/ 106، وشرح الحماسة/ 1483، والتمام في تفسير أشعار هذيل/ 77، وشعراء النصرانية/ 710، والموشح للمرزباني/ 44, والإنصاف/ 186، والديوان/ 71.
2 الزيادي: هو أبو إسحاق إبراهيم بن سفيان بن سليمان بن أبي بكر عبد الرحمن بن زياد بن أبيه، قرأ الكتاب على أبي عمر الجرمي وأتمه على المازني. مات سنة: "249هـ" ترجمته في مراتب النحويين لأبي الطيب/ 75، وأخبار النحويين البصريين/ 67، ومعجم الأدباء 1/ 158.
3 هو أبو سعيد عبد الملك بن قريب الباهلي من تلاميذ أبي عمرو بن العلاء، أخذ عن خلف الأحمر أيضا وروى عنه شعر جرير، ويقرر الخطيب البغدادي أنه كان دون أبي زيد في النحو والقواعد، توفي سنة 216هـ وقيل سنة 215هـ أو 217هـ ترجمته في تاريخ بغداد جـ10/ 410، وطبقات الزبيدي رقم 94، ونزهة الألباء/ 150، وبغية الوعاة/ 313، وإنباه الرواة جـ2/ 197، ومراتب النحويين/ 57.

(1/371)


أقبلا ويا زيد ويا خيرًا من عمرو أقبلا, إذا أردت حرف النداء كان ما بعده معرفة. ولم يجئ معه الألف واللام, كما تقول: يا خيرًا من زيد العاقل أقبل فتنصب العاقل؛ لأنه صفة له, وكذلك: يا زيد ويا أخير أقبلا, وقال أبو عثمان: أنا لا أرى أن أقول: يا زيد الطويل وذا الجمة إن عطفت على زيد, والنحويون جميعًا في هذا على قول.
قال: وأرى إن عطفت "ذا الجمة" على "الطويل" أن أرفعه كما فعلت في الصفة, والنحويون كلهم يخالفونه ولا يجيزون إلا نصب ذي الجمة, وهذا عنده كما تقول: يا زيدُ الطويلُ ذو الجمة, إذا جعلته صفة للطويل. وإن كان وصفًا لزيد أو بدلًا منه نصبته, وكان أبو عثمان يجيز يا زيد أقبل على حذف ألف الإِضافة, لأنه يجوز في الإِضافة: يا زيدِ, أردت: يا زيدي فأبدلت من الياء ألفًا. وعلى هذا قرئ: {يَا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ} 1, و {يَا قَوْمِ / 430 لا أَسْأَلُكُمْ} 2: قال: ومن زعم أنه على حذ ألف الندبة فهذا خطأ؛ لأن من كان من العرب لا يلحق الندبة ألفًا فهي عنده نداء, فلو حذفوها لصارت بدلًا على غير جهة الندبة. وقال أبو العباس: لا أرى ما قال أبو عثمان في حذف الألف إذا جعلتها مكان ياء الإِضافة. صوابًا نحو: يا غلامًا أقبل لا يجوز حذف الألف لخفتها كما تحذف الياء إذا قلت: يا غلامِ أقبل.
وقال: يا أبت. لا يجوز عندي إلا على الترخيم كما قال سيبويه مثل: يا طلحة أقبل3 وقال: زعم أبو عثمان أنه يجيز: يا زيد وعمرًا أقبلا, على الموضع كما أجاز: يا زيدُ زيدًا أقبل, فعطف زيد الثاني على الموضع عطف البيان, وأهل بغداد يقولون: يا الرجلُ أقبل, ويقولون: لم نر موضعًا يدخله التنوين يمتنع من الألف واللام وينشدون:
__________
1 مريم: 42.
2 هود: 51.
3 انظر: الكتاب 1/ 333.

(1/372)


فَيا الغُلامَانِ اللَّذَانِ فَرّا ... إيَّاكُما أن تُكْسِبانا شَرّا1
وقال أبو عثمان: سألت/ 431 الأخفش كيف يرخم طيلسان فيمن كسر اللام على قولك: يا حار؟ فقال: يا طيلس أقبل, قلت: أرأيت فيعل اسمًا قط في الصحيح إنما يوجد هذا في المعتل نحو: سيد وميت. قال: فقال: قد علمت أني قد أخطأت, لا يجوز ترخيمه إلا على قولك: يا حار, قال: وكان الأخفش لا يجوز عنده ترخيم حُبلوى اسم رجل فيمن قال: يا حار؛ وذلك لأنه يلزمه أن يحذف يائي النسب ويقلب الواو ألفًا لانفتاح ما قبلها, فيقول: يا حُبلى فتصير ألف فعلى منقلبة, وهذا لا يكون أبدًا إلا للتأنيث. فلهذا لا يجوز؛ لأن ألف التأنيث لا تكون منقلبة أبدًا من شيء, وهذا البناء لا يكون للمذكر أبدًا, وقال: كان الأخفش يقول: إذا رخمت سفيرج اسم رجل في قول من قال: يا حار. فحذفت الجيم لزمك أن ترد اللام التي حذفتها لطول الاسم وخروجه من/ 432 باب التصغير فتقول: يا سفيرلُ أقبل؛ لأنه لما صار اسمًا على حياله فحذفت الجيم على أن يعتد بها وتجعله بمنزلة "قاضون" اسم رجل إذا قلت: يا قاضي, الياء التي كانت ذهبت لالتقاء الساكنين لما حذفت ما حذفت من أجله.
قال أبو العباس: وليس هذا القول بشيء. ووجه الغلط فيه بينِّ, وذلك لأنك لم تقصد به إلى سفرجل فتسميه به ولا هو منه في شيء, إنما قصدت إلى هذا الذي هو سفيرج ولا لام فيه فهو على مثال ما يرخم فرخمته
__________
1 هذا البيت شائع في كتب النحو، ولم يعرف له قائل ولا ضميمة, وخرجه ابن الأنباري في الإنصاف على حذف المنادى وإقامة صفته مقامه قال: والتقدير فيه: فيا أيها الغلامان. وهذا قليل بابه في الشعر. وإياكما تحذير: وأن تكسبانا، أي: من أن تكسبانا، وماضيه: أكسب يتعدى إلى مفعولين، يقال: كسبت زيدا مالا وعلما. أي: أنلته.
وانظر: المقتضب 4/ 243، والإنصاف/ 188، وأمالي ابن الشجري 2/ 182، وابن يعيش 2/ 9، وأسرار العربية/ 230.

(1/373)


بعد أن ثبت اسمًا, ألا ترى أنك تقول: في تصغير سفرجل: سفيرج وسفيريج للعوض, ولو سميته: سفيريج لم يجز أن تقول فيه: سفرجل, واسمه سفيريج؛ لأنك لست تقصد إلى ما كان يجوز في سفرجل, وكذلك فرزدق. لو سميته بتصغيره فيمن قال: فريزد, لم يجز في اسمه أن تقول: فريزق/ 433 وإن كان ذلك يجوز في تصغير فرزدق لأنك سميته بشيء بعينه فلزمه. وتقول: يا زيد وعمرو الطويلين والطويلان, لأنه بمنزلة قولك: يا زيد الطويل, وتقول يلا هؤلاءِ وزيدُ الطوالُ, لأن كله رفع والطوال عطف عليهم, ولا يجوز أن يكون صفة لافتراق الموصوفين, وتقول: يا هذا ويا هذان الطَّوالُ وإن شئت قلت: الطَّوالُ لأن هذا كله مرفوع, والطوال عطف عليهم ههنا, وليس الطوال بمنزلة: يا هؤلاء الطوال؛ لأن هذا يقبح من جهتين: من جهة أن المبهم إذا وصفته بمنزلة اسم واحد فلا يجوز أن تفرق بينه وبينه, والجهة الأخرى أن حق المبهم أن يوصف بالأجناس لا بالنعوت, وتقول: يا أيها الرجلُ وزيدُ الرجلين الصالحين تنصب ولا ترفع من قبل أن رفعهما مختلف وذلك أن زيدًا على النداء/ 434 والرجل نعت "لأي" وتقول في الندبة: يا زيدُ زيداه, ويا زيدًا زيداه, وقوم يجيزون: يا زيدًا زيداه, وقوم يجيزون: يا زيدًا يا زيداه, ويا زيداه يا زيداه, وقد مضى تفسير ما يجوز من ذا وما لا يجوز, وقالوا: من قال يا هناهُ ويا هناهِ بالرفع والجر, من رفع توهم أنه طرف للاسم ويكسر لأنه جاء بعد الألف. والتثنية: يا هنانيه, ويا هناناه ويا هنوتاه في الجمع, وهنتاه في المؤنث وهنتانيه في التثنية وهنتاناه, ويا هناتوه في الجمع لا غير, والفراء لا ينعت المرخم إلا أن يريد نداءين, ونعت المرخم عندي قبيح كما قال الفراء من أجل أنه لا يرخم الاسم إلا وقد علم ما حذف منه وما يعني به. فإن احتيج إلى النعت للفرق فرد ما سقط منه أولى كقول الشاعر:
أضمرَ بن ضمرةَ ماذا ذكر ... تَ من صرمةٍ أخذتْ بالمرار1
__________
1 الشاهد فيه حذف ياء بالنداء، والأصل: يا ضمر يا بن ضمرة. وضمرة: هو أبو بطن من العرب، وضمرة بن ضمرة أحد رجال العرب معروف وهو صاحب خطاب النعمان، وله حديث. وكان اسمه شق بن ضمرة فسماه النعمان ضمرة، والصرمة: القطعة من الإبل. والمرار: موضع. وهو لسبرة بن عمرو الأسدي الفقعسي. وانظر: النوادر لأبي زيد/ 155، والجمهرة لابن دريد 2/ 366، ورواه: من صرمة أخذت بالمغار، والاشتقاق/ 17، ومعاني القرآن 2/ 416.

(1/374)


أراد/ 435: يا ضمر يابن ضمرة. والكوفيون يجيزون: يا جرجر في جرة, وفي حولايا يا حول, فيحذفون الزوائد كلها, وهذا إخلال بالاسم. يسقطون فيه ثلاثة أحرف فيها حرف متحرك ولا نظير لهذا في كلام العرب, ويقولون للمرأة: يا ذات الجمة أقبلي, ويا ذواتي الجمم للاثنين, وللجماعة يا ذوات الجمم, بكسر التاء وقد يقال: يا ذواتي الجمة, ويا ذوات الجمة.
قال أبو بكر: وذلك أن ذات إنما هي ذاة, فالتاء زائدة للجمع, وإنما صارت الهاء في الواحدة تاء حين أضفتها ووصلتها بغيرها. وتقول: يا هذا الرجلُ. والرجلَ أقبل, ويا هذان الرجلان والرجلين, مثل: يا زيد الظريفُ والظريفَ, النصب على الموضع والرفع على اللفظ, وتقول: يا أخوينا زيد وعمرو, على قولك: يا زيد وعمرو, يعني البدل.
وقال الأخفش: وإن شئت قلت: زيد وعمرو على التعويض كأنك قلت أحدهما زيد والآخر عمرو.
قال أبو بكر: هذا عندي إنما يجوز/ 346 إذا أراد أن يخبر بذلك بعد تمام النداء. وتقول: يا أيها الرجلُ زيدٌ, لأن زيدًا معطوف على الرجل عطف البيان يجري عليه كما يجري النعت للبيان, ولو جاز أن لا تنون زيدًا لجاز أن تقول: يا أيها الجاهلُ ذا التنزي1.
على النعت وإنما هو ذو التنزي, وتقول: يا أيها الرجلُ عبدُ الله, تعطف على الرجل عطف البيان.
__________
1 يشير إلى الرجز الذي مر شرحه/ ص: 411.

(1/375)


قال الأخفش: ولو نصبت كان في القياس جائز إلا أن العرب لا تكلم به نصبًا, ولكن تحمله على أن تبدله من "أي"؛ لأن "أي" في موضع نصب على أصل النداء, وقال: إذا رخمت رجلًا اسمه شاة قلت: يا شا أقبل, ومن قال: يا حارُ فرفع قال: يا شاةُ أقبل فرد الهاء الأصلية؛ لأنه لا يكون الاسم على حرفين أحدهما ساكن إلا مبهمًا1, وقال: تقول في شية على ذا القياس يا وشي أقبل, وفي دية: يا ودي/ 437 أقبل فترد الواو في أوله؛ لأنها ذهبت من الأول لأن الأصل: وديت ووشيت وإنما ردت الواو؛ لأن مثل: شيء لا يكون اسما. وذلك أن الاسم لا يكون على حرفين أحدهما ساكن قال: وتكسر الواو إذا رددتها لأن الأصل وشية, كما قالت العرب: وجهة لما أتموا: وقالوا: ولدة, والكوفيون وقوم يجيزون: يا رجل قام ويقولون: إن كان تعجبًا نصبت كقولك: يا سيدًا ما أنت من سيد, ويكون مدحًا كقولك: يا رجلًا لم أرَ مثله, وكذلك جميع النكرات عندهم وتقول: يا أيها الرجل, ويا أيها الرجلان, ويا أيها الرجال, ويا أيها النساء على لفظ واحد, والاختيار في الواحدة في المؤنث يا أيتها المرأة, وإذا قلت: يا ضاربي فأردت به المعرفة كان مثل: يا صاحبي وغلامي ويجوز عندي أن تقول: يا ضاربِ أقبل كما تقول: يا غلامِ أقبل, فإن أردت/ 438 غير المعرفة لم يجز إلا إثبات الياء وتقول: يا ضاربي غدًا وشاتمي؛ لأنك تنوي الانفصال وتقول: يا قاضي المدينة, لك أن تنصبهما ولك أن ترفع الأول وتنصب الثاني والكوفيون يجيزون نصب الأول بتنوين؛ لأنه يكون خلفًا وما لا يكون خلفًا فلا يجوز في الأول عندهم التنوين مثل: يا رجلُ رجلنا, لا يجيزون النصب في الأول وقالوا: كل ما كان يكون خلفًا فلك الرفع بلا تنوين والنصب بتنوين ويقولون: يا قائمًا أقبل ويا قائمُ أقبل, ويجيزون أن يؤكد ما فيه وينسق عليه ويقطع منه كما يصنع بالخلف ويجيزون: يا رجلُ قائمًا أقبل على نداءين وإن شئت كان في الصلة ويجيزون: يا رجلُ قائمٌ أقبل.
__________
1 أي: ضميرا.

(1/376)


ينوون فيها الألف واللام. ويحكون عن العرب: يا مجنونُ مجنونُ أقبل, ويجيزون: يا أيها الذي قمت أقبل/ 439 ويا أيها الذي قام أقبل وهو جائز ولا يجيزونه في من وكذا ينبغي ويقولون: يا رجلًا قمت أقبل, ويا رجلُ قمت أقبل, والفراء إذا خاطب رفع لا غير, ويقولون: يا قاتلَ نفسك ويا عبدَ بطنك وهذا جائز قال أحمد بن يحيى1: لو أجزت الرفع لم يكن خطأ قال: وكذلك: يا ضاربنا ولا شاتمنا يختار النصب مع كل ما ظهرت إضافته قال: ويجوز في القياس الرفع وأنت تنوي الألف واللام. فإذا كان لا يجوز فيه الألف واللام لم يجز إلا النصب مثل: يا أفضل منا, ويا أفضلنا, ويا غلام زيد ويا غلام رجل, إنما يجوز الرفع في القياس مع ضارب زيدٍ, وحسن الوجهِ وقال: أما مثلنا وشبهنا فالنصب لا غير.
وقال الأخفش: تقول: إذا نسبت رجلًا إلى حباري2 وحبنطي3 قلت: حباريُّ وحبنطيُّ فإذا رخمت لم ترد الألف, وكذلك إذا نسبت إلى مرمى فقلت: مرميُّ لم/ 440 ترد الألف لو رخمته لأن هذا لم يحذف لالتقاء الساكنين ولو كان حذف لالتقاء الساكنين لبقي الحرف مفتوحًا فكان يكون: حباريُّ وحبنطيُّ قال: وإن شئت قلت: إني أرد الألف وأقول ذهب لاجتماع الساكنين ولكنهم كسروا لأنهم رأوا جميع النسب يكسر ما قبله قال: ومن قال: احذفه على أني أبنيه بناء قال: لا أحذفه لاجتماع الساكنين وجب عليه أن لا يرد في: ناحي وقاضي, إذا نسب إلى ناحية وقاضٍ وقال: إذا سميت رجلًا حبلاوي أو حمراوي إذا رخمته فيمن قال: يا حارُ, فرفع همزت لأنها واو صارت آخرًا فتهمزها وتصرفها في المعرفة والنكرة لأنها الآن ليست للتأنيث.
__________
1 أي: ثعلب من أئمة نحاة الكوفة، وقد مرت ترجمته صفحة: 370 من الأصل.
2 حبارى: طائر يقع على الذكر والأنثى، واحدها وجمعها سواء.
3 حبنطي: وهو الممتلئ غيظا أو بطنة.

(1/377)


قال أبو بكر: وجميع ما ذكرت من المسائل فينبغي أن تعرضه على الأصول التي قدمتها فما صح في القياس فأجزه وما لم يصح فلا تجزه وإنما أذكر/ 441 لك قول القائلين كيلا تكون غريبًا فيمن خالفك, فإن الحيرة تقارن الغربة وقد ذكرنا الضم الذي يضارع الرفع ونحو نتبعه الفتح الذي يشبه النصب, إن شاء الله.

(1/378)