الأصول في النحو

أقسام الأسماء المبنيات المفردات
مدخل
...
أقسام الأسماء المبنيات المفردات ستة:
اسم كني به عن اسمٍ, واسم أشير به إلى مسمى وفيه معنى فِعْلٍ، واسم سمي به فعل، واسم قام مقام الحرف، وظرف لم يتمكن, وأصوات تحكى.

(2/114)


باب الكنايات وهي علامات المضمرين:
الكنايات على ضربين: متصل بالفعل ومنفصل عنه، فالمتصل غير مفارق للفعل, والفعل غير خالٍ منه، وعلامة المرفوع فيه خلاف علامة المنصوب والمخفوض, فالتاء للفاعل المتكلم مذكرًا كان أو مؤنثًا فعلتُ وصنعتُ وعلامة المخاطب المذكر فعلتَ, والمؤنث فعلتِ, وعلامة المضمر النائب في النية تقول: فعل وصنع، فاستغنى عن إظهاره والعلامة فيه بأن كل واحد من المتكلمين والمخاطبين له علامة, فصار علامة الغائب أن لا علامة له, هذا في الفعل الماضي, فأما الفعل المضارع فليس يظهر في فعل الواحد ضمير ألبتة, متكلمًا كان أو مخاطبًا إلا في فعل المؤنث المخاطب, وذلك أنه استغنى بحروف المضارعة عن إظهار الضمير, يقولُ المتكلمُ: أنا أفعل, ذكرًا كان أو أنثى فالمتكلم لا يحتاج إلى علامة؛ لأنه لا يختلط بغيره, وإنما أظهرت العلامة في "فعلتُ" للمتكلم؛ لأنه لو أسقطها لالتبس بالغائب، فصار فعل, فلا يعلم لمن هو, فإن خاطبت ذكرًا قلت: أنت تفعل، والغائب هو يفعل، فإن خاطبت مؤنثًا قلت: تفعلين, فظهرت العلامة وهي الياء, وإن كانت غائبة قلت: هي تفعل فيصير لفظ الغائبة كلفظ المخاطب, ويفصل بينهما الخطاب وما جرى في الكلام من ذكر ومؤنث, وتقول للمؤنث في الغيبة: فعلتْ وصنعتْ, فالتاء علامة فقط وليست باسمٍ, يدلك على ذلك قولهم: فعلت هند، فأما التاء التي هي اسم فيسكن لام الفعل لها، نحو فَعلْتُ وصنَعْتُ وإنما أسكن لها لام الفعل؛ لأن ضمير الفاعل والفعل

(2/115)


كالشيء الواحد، فلو لم يسكنوا لقالوا: ضَرَبتُ فجمعوا بين أربعة متحركات، وهم يستثقلون ذلك فإن ثنيت وجمعت الضمير الذي في الفعل, قال الفاعل: فعلنا في التثنية والجمع والمذكر والمؤنث في هذا اللفظ سواء وتقولُ في الخطاب: فعلتما للمذكر والمؤنث, ولجمع المذكرين فعلتم, وللمؤنث فعلتن, فإن ثنيت الغائب قلت: قاما, فظهرت العلامة وهي الألف1 وفي الجمع قاموا، وفي المضارع يقومان ويقومون, تثبت النون في الفعل المعرب وتسقط من الفعل المبني, وقد ذكرناه فيما تقدم, وتقول في المؤنث: قامتا وقمن ويقومان ويقمن, هذه علامات المضمر المتصل المرفوع, فأما علامة المخفوض والمنصوب المتصل فهي واحدة، فعلامة المتكلم ياء قبلها نون نحو: ضربني, وجيء بالنون لتسلم الفتحة, ولئلا يدخل الفعل جر, وللمجرور علامته, ياء بغير نون نحو: مررت بي وغلامي, وهذه الياء تفتح وتسكن, فمن فتح جعلها كالكاف أختها ومن أسكن فلاستثقال الحركة في الياء في أنها تكسر ما قبلها, وكلهم إذا جاء بها بعد ألف فتحها نحو: عصايَ ورحايَ, وإذا تكلم منه ومن غيره قال: ضربنا زيد والمؤنث في ذا كالمذكر، وكذلك هو في الجر, تقول: ضربنا وغلامنا, فإذا خاطبت فعلامة المخاطب المذكر كاف مفتوحة, والمؤنث كاف مكسورة نحو: ضربتك وكذلك المجرور تقول: مررت بكَ يا رجل, وبكِ يا امرأة, وإذا ثنيت قلت في المذكر والمؤنث: ضربتكما, وللجميع المذكرين: ضربتكم، وكذلك تقول: مررت بكما في التذكير والتأنيث، ومررت بكم في المذكرين, ومررت بكن للمؤنث.
الضرب الثاني: وهو علامات المضمرين المتصلة:
أما علامة المرفوعين، فللمتكلم أنا، فالاسم الألف والنون وإنما تأتي بهذه الألف الأخيرة في الوقف، فإن وصلت سقطت فقلت: أن فعلتُ ذاكَ, وإن حدث عن نفسه وعن آخر قال: نحن وكذلك إن تحدث عن نفسه وعن
__________
1 في الأصل: والاسم ولا معنى لها.

(2/116)


جماعة قال: نحن، ولا يقع "أنا" في موضع التاء، والموضع الذي يصلح فيه المتصل لا يصلح فيه المنفصل, لا تقول: فعل أنا وعلامة المخاطب إن كان واحدًا أنت, وإن خاطبت اثنين فعلامتها أنتما، والجميع أنتم فالاسم هو الألف والنون في "أنت" والتاء علامة المخاطب, والمضمر الغائب علامته "هو" وإن كان مؤنثًا فعلامته "هي", والاثنان والاثنتان هما والجميع هم, وإن كان الجمع جمع مؤنث فعلامته هن, وأما علامة المضمر المنصوب "فإيا" فإن كان غائبًا قلت: إياه, وإن كان متكلمًا قلت: إياي وإيانا في التثنية والجمع، وللمخاطب المذكر: إياكَ وللمؤنث: إياكِ, وإياكما إذا ثنيت, المؤنث والمذكر, وإياكم للمذكرين, وإياكن في التأنيث, وللغائب المذكر إياه, وللمؤنث إياها, وإياهما للمذكر والمؤنث, وإياهم للمذكرين, وإياهن للجميع المؤنث, وقد قالوا: إن "إيا" مضاف إلى الهاء والكاف والقياس أن يكون "إيا" مثل الألف والنون التي في أنت, فيكون "إيا" الاسم وما بعدها للخطاب، ويقوي ذلك أن الأسماء المبهمة وسائر المكنيات لا تضاف, و"إيا" مع ما يتصل بها كالشيء الواحد نحو: أنت, فأما المجرور فليست له علامة منفصلة؛ لأنه لا يفارق الجار ولا يتقدم عليه, وجميع المواضع التي يقع فيها المنفصل لا يقع المتصل, والموضع الذي يقع فيه لا يقع المنفصل؛ لأن المنفصل كالظاهر تقول: إني وزيدًا منطلقانِ, ولا تقول: إن إياي وزيدًا منطلقانِ, وتقول: ما قام إلا أنت ولا تقول: إلاتَ, وتقول: إن زيدًا وإياك منطلقانِ، ولا تقول: إن زيدًا إلاك منطلقان، ومما يدل على "إن وأخواتها" مشبهة بالفعل, أن المكني معها كالمكني مع الفعل, تقول: إنني كما تقول: ضربني, وأما قولهم: عجبتُ من ضريبكَ, وضريبه فالأصل من ضربي إياك وضربي إياه, وأقل العرب1 من يقول: ضَريبهُ وإنما وقع هذا مع المصدر؛ لأنه لم تستحكم علامات الإِضمار معه، ألا ترى أنهم لا يقولون:
__________
1 قال سيبويه 1/ 381: تقول: عجبت من ضريبك ومن ضريبه وضريبكم، فالعرب قد تتكلم بهذا وليس بالكثير.

(2/117)


عجبت من ضربكني، إذا بدأت بالمخاطب قبل المتكلم، ولا من ضربهيك إذا بدأت بالبعيد قبل القريب, وقالوا: عجبت من ضريبك وضربكه, ولو كان هذا موضعًا يصلح فيه المتصل لجاز فيه جميع هذا, ألا ترى أنك تقول: ضَريبكَ إذا جئت بالفعل ضربته, وموضع ضربكه ضربته, وكان الذين قالوا: ضريبه قالوا ذلك اختصارًا لأن المصدر اسم, فإذا أضفته إلى مضمر فحقه إن عديته لمعنى الفعل أن تعديه إلى ظاهر أو ما أشبه الظاهر من المضمر المتصل، وكان حق المضمر المتصل أن لا يصلح أن يقع موقع المنفصل, والأصل في هذا: عجبتُ من ضربي إياك, كما تقول: من ضربي زيدًا ومن ضربك إياه, كما تقول: من ضربك عمرًا, والكسائي يصل جميع المؤنث فيقول: أعطيتهنه والضارباناه؛ لأنه لم يتفق حرفان ولا أعلم بين الواحد والجمع فرقًا, ومن ذلك قولهم: كان إياه لأن "كانَهُ" قليلة ولا تقول: كانني وليسني1، ولا كانَكَ؛ لأن موضعه موضع ابتداء وخبر، فالمنفصل أحق به، قال الشاعر:
لَيْتَ هَذَا اللَّيْلَ شَهْرٌ ... لا نَرى فيهِ عَريبا2
لَيس إيايَ وإيَا ... كَ ولا نخشَى رَقيبا
__________
1 قال سيبويه 1/ 381: وبلغني عن بعض العرب الموثوق بهم يقولون: ليسني وكأنني.
2 من شواهد سيبويه 1/ 381، على إتيانه بالضمير بعد ليس منفصلًا لوقوعه موقع خبرها، والخبر منفصل من المخبر عنه، فكان الاختيار فصل الضمير إذا وقع موقعه، واتصاله بليس جائز؛ لأنها فعل وإن لم تقو قوة الفعل الصحيح.... ويجوز في شهر الرفع والنصب.. والنصب على لغة من ينصب الجزأين أو على تقدير أن الخبر محذوف. نرى: من رؤية العين وعريب من الألفاظ الملازمة للنفي, ونسب الأعلم الشعر إلى عمر بن أبي ربيعة، ونسبه صاحب الأغاني إلى العرجي. وقد ذكر البيتان في قصيدة لعمر بن أبي ربيعة في ديوانه 430 وما بعدها، كما ذكرت القصيدة في ديوان العرجي 61 وما بعدها مع خلاف في الترتيب, وفي بعض الألفاظ. ورواية البيت الثاني في ديوان العرجي كذا:
غير أسماء وجمل ... ثم لا نخشى رقيبا
وانظر المقتضب 3/ 98, وابن يعيش 3/ 75, وشرح الرماني 3/ 65, وشرح السيرافي 3/ 136, والخزانة 2/ 424, ولسان العرب مادة "ليس".

(2/118)


وقد حكوا: ليسني، وكأنني, واعلم أنك إذا أكدت المرفوع المتصل والمنصوب والمخفوض المتصلين أكدته بما كان علامة المضمر المرفوع المنفصل, وذلك قولك: قمت أنتَ وضربتُك أنت وإنما جاز ذلك؛ لأن الخطاب جنس واحد وليس بأسماء معربة, والأصل في كل مبني أن يكون المرفوع والمنصوب والمخفوض على صيغة واحدة وإنما فرق في هذا للبيان, فإذا أمنوا اللبس رجع المبني إلى أصله, ومع ذلك فلو أكد المرفوع والمنصوب المتصلان بالمنفصلين اللذين لهما لبقي المجرور بغير شيء يؤكده ولا يحسن أن يعطف الاسم الظاهر على المرفوع المتصل, لا يحسن أن تقول: قمتُ وزيدٌ حتى تؤكد فتقول: أنا وزيدٌ, ولا تقول: قام وزيدٌ حتى تقول: قام, هو وزيدٌ وقال عز وجل: {اذْهَبْ أَنْتَ وَأَخُوكَ} 1 ربما جاء على قبحه غير مؤكد ويحتمل لضرورة الشاعر. وإنما قَبُحَ أن تقول: قمت وزيد لأن التاء قد صارت كأنها جزء من الفعل إذ كانت لا تقوم بنفسها, وقد غير الفعل لها، فإن عوضت من التأكيد شيئًا يفصل به بين المعطوف والمعطوف عليه نحو: ما قمتُ ولا عمرو, وقعدتُ اليومَ وزيد فحسن, فأما ضمير المنصوب فيجوز أن يعطف عليه الظاهر تقول: ضربتُك وزيدًا وضربت زيدًا وإياكَ, فيجوز تقديمه وتأخيره, وأما المخفوض فلا يجوز أن يعطف عليه الظاهر لا يجوز أن تقول: مررت بكِ وزيدٍ؛ لأن المجرور ليس له اسم منفصل يتقدم ويتأخر كما للمنصوب، وكل اسم معطوف عليه فهو يجوز أن يؤخر ويقدم الآخر عليه فلما خالف المجرور سائر الأسماء لم يجزْ أن يعطف عليه, وقد حكي أنه قد جاء في الشعر:
فَاذْهَب فَمَا بِكَ والأيَّامِ مِنْ عَجَبِ2
__________
1 طه: 42.
2 من شواهد سيبويه 1/ 392، على عطف الأيام على المضمر المجرور، وهو عجز بيت صدره:
فاليوم قربت تهجونا وتشتمنا ... فاذهب.............
ومعنى: قربت: جعلت وأخذت، يقال: قربت تفعل كذا، أي: جعلت تفعله, والمعنى: هجوك لنا من عجائب الدهر، فقد كثرت فلا يعجب منها. وانظر: الإنصاف/ 251, وشرح ابن عقيل 2/ 240.

(2/119)


وتقول: عجبت من ضربِ زيدٍ أنت, إذا جعلت زيدًا مفعولًا، ومن ضربكه إذا جعلت الكاف مفعولًا, وتقول فيما يجري من الأسماء مجرى الفعل: عليكهُ ورويدهُ وعليكني, ولا تقول: عليك إيايَ ومنهم من لا يستعمل "ني" ولا "نا"، استغناء بعليك "بي" و"بنا"1 وهو القياس, ولو قلت: عليك إياه كان جائزًا؛ لأنه ليس بفعل والشاعر إن اضطر جعل المنفصل موضع المتصل, قال حميد الأرقط:
إليك حَتىَّ بَلَغت إياكا2
يريد: حتى بلغتكَ, فإن ذكرتَ الفعل الذي يتعدى إلى مفعولين فحق هذا الباب إذا جئت بالمتصل أن تبتدئ بالأقرب قبل الأبعد, وأعني بالأقرب المتكلم قبل المخاطب, والمخاطب قبل الغائب, وتعرف القوي من غيره, فإن الفعلين إذا اجتمعا إلى القوي, فتقول: قمت وأنت ثم تقول: قمنا وقام وأنتَ, ثم تقول: قمتما فتغلب المخاطب على الغائب وتقول: أعطانيه وأعطانيك ويجوز: أعطاكني, فإن بدأ بالغائب قال: أعطاهوني وقال سيبويه: هو قبيح لا يتكلم به العرب3، وقال أبو العباس: هذا كلام جيد ليس بقبيحٍ، وقال الله عز وجل: {أَنُلْزِمُكُمُوهَا وَأَنْتُمْ لَهَا كَارِهُونَ} 4 فتقول
__________
1 انظر الكتاب 1/ 382.
2 من شواهد سيبويه 1/ 383، على وضعه إياك موضع الكاف ضرورة، وقال الزجاج: أراد بلغتك إياك فحذف الكاف ضرورة، قال الأعلم: وهذا التقدير ليس بشيء؛ لأنه حذف المؤكد وترك التوكيد مؤكدًا لغير موجود, فلم يخرج من الضرورة إلا إلى أقبح منها، والمعنى: سارت هذه الناقة إليك حتى بلغتك.
وانظر: الخصائص 1/ 307 و2/ 194, والإنصاف 369.
3 انظر الكتاب 1/ 383.
4 هود: 28، وانظر الكتاب 1/ 384.

(2/120)


على هذا أعطاه إياك، وهو أحسن من أعطاهوكَ، فإذا ذكرت مفعولين كلاهما غائب قلت: لمعطاهوه, وليس بالكثير في كلامهم, والأكثر المعطاه إياه1، والمنفصل بمنزلة الظاهر، فأما المفعولان في ظننت وأخواتها، فأصلها الابتداء الخبر, كما جاء في "كان" فالأحسن أن نقول: ظننتك إياه، كما تقول: كان إياهُ وكنت إياهُ.
واعلم: أنه لا يجوز أن يجتمع ضمير الفاعل والمفعول إذا كان المفعول هو الفاعل في الأفعال المتعدية والمؤثرة, لا يجوز أن تقول: ضربتني ولا أضربك إذا أمرت, فإن أردت هذا قلت: ضربت نفسي واضرب نفسك, وكذلك الغائب لا يجوز أن تقول: ضربه إذا أردت ضرب نفسه, ويجوز في باب ظننت وحسبت, أن يتعدى المضمر إلى المضمر, ولا يجوز أن يتعدى المضمر إلى الظاهر, تقول: ظننتني قائمًا وخلتني منطلقًا؛ لأنها أفعال غير مؤثرة, ولا نافذة منك إلى غيرك, فتقول على هذا: زيد ظنه منطلقًا، فتعدى فعل المضمر في ظن إلى الهاء, ولا يجوز زيدًا ظن منطلقًا, فتعدى فعل المضمر الذي في ظن إلى زيدٍ فتكون قد عديت في هذا الباب فعل المضمر إلى الظاهر، وإنما حقه أن يتعدى فعل المضمر إلى المضمر, وتكون أيضًا قد جعلت المفعول الذي هو فضلة في الكلام لا بد منه, وإلا بطل الكلامُ, فهذه جميع علامات المضمر المرفوع والمنصوب قد بينتها في المنفصل والمتصل, وقد خبرتك أن المجرور لا علامة له منفصلة, وأن علامته في الاتصال كعلامة المنصوب, لا فرق بينها في الكاف والهاء تقول: رأيتك كما تقول: مررت بك, وتقول: ضربته كما تقول: مررت به, فهذا مطرد لا زيادة فيه, فإذا جاءوا إلى الياء التي هي ضمير المتكلم زادوا في الفعل نونا قبل الياء؛ لئلا يكسروا لام الفعل, والفعل لا جرّ فيه فقالوا: ضربني فسلمت الفتحة بالنون، ووقع الكسر على النون، وكذلك: يضربني، فإذا جاءوا بالاسم لم يحتاجوا إلى النون فقالوا: الضاربي في النصب واستحسنوا
__________
1 انظر الكتاب 1/ 384.

(2/121)


الكسرة في الباء؛ لأنه موضع يدخله الجر, ولم يستحسنوا ذلك في لام الفعل لأنه موضع لا يدخله الجر, وقالوا: إنني ولعلني ولكنني؛ لأن هذه حروف مشبهة بالفعل.
قال سيبويه: قلت له, يعني الخليل: ما بال العرب قالت: إني وكأني ولعلي ولكني؟ فزعم: أن هذه الحروف اجتمع فيها أنها كثيرة1 من كلامهم، وأنهم يستثقلون في كلامهم التضعيف, فلما كثر استعمالهم إياها مع تضعيف الحروف, حذفوا النون التي تلي الياء قال: فإن قلت: "لعلي" ليس فيها تضعيف, فإنه زعم: أن اللام قريبة من النون2، يعني في مخرجها من الفم، وقد قال3 الشعراء في الضرورة: ليتي4. وقال: سألته عن قولهم عني وقطني ولدني: ما بالهم جعلوا علامة المجرور ههنا كعلامة المنصوب؟ فقال: إنه ليس من حرف تلحقه ياء الإِضافة إلا كان متحركًا مكسورًا، ولم يريدوا أن يحركوا الطاء التي في "قط" ولا النون التي في "من" فجاءوا بالنون ليسلم السكون, وقدني بهذه المنزلة5 وهذه النون لا ينبغي أن نذكرها في غير ما سمع من العرب, لا يجوز أن تقول: قدي كما قلت مني, وقد جاء في الشعر "قدي" قال الشاعر:
قدْنِيَ مِنْ نَصْرِ الخُبيْبَيْن قَدِي6
__________
1 أظن الأفصح "في كلامهم" وليس من كلامهم.
2 انظر الكتاب 1/ 386.
3 في الأصل "قالت".
4 مثل ذلك سيبويه، بقول زيد الخيل:
كمنية جابر إذ قال ليتي ... أصادفه وأتلف بعض مالي
5 انظر الكتاب 1/ 386.
6 من شواهد سيبويه 1/ 387 على حذف النون من "قدني" تشبيهًا بحسبي وإثباتها في قد وقط هو المستعمل؛ لأنها في البناء ومضارعة الحروف بمنزلة من وعن فتلزمها النون المكسورة قبل الياء لئلا يغير آخرها عن السكون, وهو صدر بيت، وعجزه:
ليس الإمام بالشحيح الملحد
وأراد بالخبيبين: عبد الله بن الزبير وكنيته أبو خبيب ومصعبا أخاه، وغلبه لشهرته، ويروى بالخبيبين على الجمع، يريد أبا خبيب وشيعته، ومعنى قدني: حسبي وكفاني، والبيت لأبي نخيلة حميد بن مالك الأرقط.
وانظر الهمع 1/ 64 والدرر اللوامع 1/ 42, والأشباه والنظائر 2/ 282 وشرح الحماسة 2/ 896 والخزانة 1/ 453, وشرح السيرافي 5/ 109, وأمالي ابن الشجري 2/ 142, والمحتسب 2/ 223.

(2/122)


فقال: قدي لما اضطر شبهه بحسبي، كما قال: ليتي حيث اضطر, وقال سيبويه: لو أضفت إلى الياء الكاف تجر بها لقلت: ما أنت كِي؛ لأنها متحركة قال الشاعر لما اضطر:
وأمّ أوعالٍ كها أو أقربا1
وقال آخر لما اضطر:
فلا تَرى بَعْلًا ولا حَلائِلا ... كَهُ ولا كَهُنَّ إلاّ حَاظِلا2
فهذا قاله سيبويه قياسًا, وهو غير معروف في الكلام، واستغنى عن "كي" بمثلي. ولام الإِضافة تفتح مع المضمر إلا مع الياء؛ لأن الياء تكسر ما قبلها, تقول: لَهُ ولَكَ, ثم تقول: لِي فتكسر؛ لأن هذه الياء لا يكون ما
__________
1 من شواهد سيبويه 1/ 392 على إدخال الكاف على المضمر تشبيهًا لها بمثل؛ لأنها في معناها واستعمل ذلك عند الضرورة, وأم أوعال: أكمة بعينها، والهاء في قوله: كها عائدة على شيء مؤنث شبه الأكمة به، وعطف أقرب على شيء قبل البيت, والشاهد للعجاج.
وانظر: شروح سقط الزند 1/ 267, والخزانة 4/ 77, وشواهد الألفية للعاملي 218, والتصريح 2/ 4, والكنز اللغوي 155, وشرح شواهد ابن عقيل للجرجاوي 120.
2 من شواهد سيبويه أيضًا 1/ 392 على كهو ولا كهن وأراد مثله ومثلهن، والوقف على "كهو" بإسكان الواو لأنه ضمير جر متصل بالكاف اتصاله بمثل، فالوقف عليه هنا كالوقف عليه هناك، وصف حمارًا وآتنا، والحاظل هو المانع من التزويج؛ لأن الحمار يمنع آتنه من حمار آخر يريدهن، ولذلك جعلهن كالحلائل وهي الأزواج.
والشاهد للعجاج، وانظر الهمع 1/ 30, والدرر اللوامع 2/ 27, وشرح السيرافي 186, وحاشية شرح القطر للألوسي 83, ومنهج السالك 49, وشرح ابن عقيل 171, وشروح سقط الزند 1/ 267, والخزانة 4/ 276, والعيني 2/ 257.

(2/123)


قبلها حرف متحرك إلا مكسورًا، وهي مفارقة لأخواتها في هذا, ألا ترى أنك تقول: هذا غلامُه فتصرف, فإذا أضفت غلامًا إلى نفسك قلت: هذا غلامي, فذهب الإِعراب وإنما فعلوا ذلك؛ لأن الضم قبلها لا يصلح، فلما غير لها الرفع وهو أول غير لها النصب إذا كان ثانيًا وألزمت حالًا واحدًا, فقلت: رأيت غلامي.
واعلم: أن الذي حكي من قولهم: لولاي, ولولا شيء شذ عن القياس كان عند شيخنا1 يجري مجرى الغلط, والكلام الفصيح ما جاء به القرآن: لولا أنت, كما قال عز وجل: {لَوْلا أَنْتُمْ لَكُنَّا مُؤْمِنِينَ} 2، والذين قالوا: لولاك ولولاي قالوا: لأنها أسماء مبنية يؤكد المرفوع منها المخفوض, فكأنهم إنما يقتصرون العبارة عن المتكلم والمخاطب والغائب لا بأي لفظ كان؛ لأنه غير ملبس, ولكنهم لا يجعلون غائبًا مكان مخاطب, لا يقولون: لولاه مكان لولاك, فأما قولهم: عساك فالكاف منصوبة؛ لأنك تقول: عساني، فعساك مثل رماك، وعساني مثل رماني.
واعلم: أن علامة الإِضمار قد ترد أشياء إلى أصولها, فمن ذلك قولك: لعبد الله مال ثم تقول: لك, وله إنما كسرت مع الظاهر في قولك: لزيدٍ مالٌ كيلا يلتبس بلام الابتداء, إذا قلت: لهذا أفضل منك ألا تراهم قالوا: يا لبَكر حين أمنوا الالتباس فمن ذلك: أعطيتكموه في قول من قال: أعطيتكم ذاك فأسكن ردوه بالإِضمار إلى أصله، كما ردوا بالألف واللام حين قالوا: أعطيتموا اليوم فكان الذين وقفوا بإسكان الميم كرهوا الوقف على الواو،
__________
1 أي أبو العباس المبرد؛ لأن المبرد يرى أنه لا يصلح إلا أن تقول: ولولا أنت كما قال الله تعالى: {لَوْلا أَنْتُمْ لَكُنَّا مُؤْمِنِينَ} . قال: ومن خالفنا يزعم أن الذي قلناه أجود، ويدعي الوجه الآخر فيجيزه على بعد، فهو ينكر الشواهد التي استدل بها سيبويه ومن سار على نهجه وكذلك ينكر مذهب الأخفش ويرده. انظر: الكامل 650 طبعة ليبك.
2 سبأ: 31.

(2/124)


فلما وصلوا زال ما كرهوا، فردوا وزعم يونس أنه يقول: أعطيتُكُمْه1، بإسكان الميم كما قال في الظاهر: أعطيتكم زيدًا.
واعلم: أنَّ أنت، وأنا، ونحن، وأخواتهن يكن فصلًا, ومعنى الفصل أنهن يدخلن زوائد على المبتدأ المعرفة وخبره, وما كان بمنزلة الابتداء والخبر ليؤذن بأن الخبر معرفة أو بمنزلة المعرفة, ولا يكون الفصل إلا ما يصلح أن يكون كناية عن الاسم المذكور, فأما ما الخبر فيه معرفة واضحة فنحو قولك: زيد هو العاقلُ وكان زيد هو العاقل، وأما ما الخبر فيه يقرب من المعرفة إذا أردت المعرفة, وكان على لفظه فنحو قولك: حسبت زيدًا هو خيرًا منك وكان زيد هو خيرًا منك وتقول: إن زيدًا هو الظريف فيكون فصل, وإن زيدًا هو الظريف، وتقول: إن كان زيدٌ لهو الظريفُ وإن كنا لنحن, هي "نا" في كنا, ولو قلت: كان زيدٌ أنت خيرا منه, لم يجز أن تجعل "أنت" فصلًا, لأن أنت غير زيد فإن قلت: كنت أنت خيرًا من زيدٍ, جاز أن يكون فصلًا وأن يكون تأكيدًا فجميع هذه لمسائل الاسم فيها معرفة والخبر معرفة, أو قريب منها، مما لا يجوز أن يدخل عليه الألف واللام، ولو قلت: ما أظن أحدًا هو خير منك لم يجز أن تجعل "هو" فصلًا لأن واحدًا نكرة ولكن تقول: ما أظن أحدًا هو خير منك, فجعل: هو مبتدأ و"خير منك" خبره, وهذا الباب يسميه الكوفيون العماد, وقال الفراء: أدخلوا العمادَ ليفرقوا بين الفعل والنعت؛ لأنك لو قلت: زيدٌ العاقل لأشبه النعت, فإذا قلت: زيدٌ هو العاقل قطعت "هو" عن توهم النعتِ, فهذا الذي يسميه البصريون فصلًا ويسميه الكوفيون عِمادًا2، وهو ملغى من الإِعراب، فلا يؤكد ولا ينسق عليه ولا يحال بينه وبين الألف واللام وما قاربهما, ولا يقدم قبل الاسم المبتدأ ولا قبل "كان" ولا يجوز كان هو القائم زيدٌ, ولا هو القائم كان زيد, وقد حكي هذا عن الكسائي، لأنه كان يجعل العماد بمنزلة الألف
__________
1 انظر الكتاب 1/ 389.
2 انظر الإنصاف 375, فقد شرح ابن الأنباري هذه المسألة وبين فيها آراء الفريقين.

(2/125)


واللام في كل موضع يجوز وضعه معهما, فإذا قلت: كنت أنت القائم جاز أن يكون أنت فصلًا, وجاز أن يكون تأكيدًا، ويجوز أن يبتدأ به فترفع القائم, ولك أن تثني الفعل وتجمعه وتؤنثه فتقول: كان الزيدان هما القائمينِ, وكان الزيدونَ هم القائمينَ, وكانت هندٌ هي القائمة, والظن وإنّ, وجميع ما يدخل على المبتدأ والخبر، يجوز الفصل فيه؛ تقول: ظننتُ زيدًا هو العاقلَ، وإن زيدًا هو العاقلُ, فإذا قلت: كان زيدٌ قائمةً جاريته, فأدخلت الألف واللام على "قائمةٍ" وجعلتها لزيدٍ قلت: كان زيد القائمةُ جاريتهُ, فإن كانت الألف واللام للجارية صار المعنى: كان زيد التي قامت جاريتهُ فقلت: كان زيدٌ القائمة جاريتُه حينئذٍ, وهذا لا يجوز عندي ولا عند الفراء، من قبل أنه ينبغي أن يكون الألف واللام هما الفصل بعينه, وأن يصلح أن يكون ضميرًا للأول.

(2/126)


الباب الثالث من المبنيات: وهو الاسم الذي يشار به إلى المسمى.
وفيه من أجل ذلك معنى الفعل، وهي: ذَا، وذه، وتثنى ذا وذه فتقول: ذانِ في الرفع وذينِ في النصب والجر وتثنية "تا" تان وتجمع ذا, وذه, وتا, أُولى, وأولاءِ, والمذكر والمؤنث فيه سواء, فذا اسم تشير به إلى المخاطب إلى كل ما حضر كما يدخلون عليه هاء التنبيه, فيقولون: هذا زيدٌ وهذي أمةُ الله, فإذا وقفوا على الياء أبدلوا منها هاءً في الوقف, فإذا وصلوا أسقطوا الهاء وردوا الياء, ويبدلون من الياء فيقولون: هذهِ أمةُ الله, فإذا وصلوا قالوا: هذي أمةُ اللهِ, فإذا وقفوا حذفوا الهاء وردوا الياء, ومنهم من يقول: هذه أمةُ الله. وهؤلاءِ تُمد وتقصرُ, وإذا مدوا بنوه على الكسر لالتقاء الساكنين فإن أدخلوا كاف المخاطبة فأول كلامهم لما يشار إليه وآخره للمخاطب, والكاف ههنا حرف جيء به للخطاب وليس باسمٍ؛ لأن إضافة المبهمة محال من قبل أنها معارف, فلا يجوز تنكيرها, وكل مضافٍ فهو نكرةٌ قبل إضافته فإذا أُضيف إلى معرفة صار بالإِضافة معرفة، وهو قولك: ذاكَ وذلكَ، واللام في "ذلكَ" زائدة والأصل "ذَا" والكاف للخطاب فقط, ومحالٌ أن تكون هنا اسمًا لما بينت لك, فإنما زدت الكاف على "ذَا" وكانت "ذَا" لما يومئ إليه بالقرب. فإذا قلت ذلك, دلت على أن الذي يومئ إليه بعيدٌ, وكذلك جميع الأسماء المبهمة إذا أردت المتراخي زدت كافًا للمخاطبة لحاجتك أن تنبه بالكاف المخاطب, ونظير هذا هنا وههنا, وهناكَ وهنالكَ إذا أشرت إلى مكان، فإن سألت رجلًا عن رجلٍ قلت: كيف ذاكَ الرجلُ؟

(2/127)


فتحت الكاف. فإن سألت امرأة عن رجلٍ قلت: كيفَ ذاكِ الرجلُ؟ فكسرت الكاف, قال الله عز وجل: {كَذَلِكِ اللَّهُ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ} 1، فإن سألت رجلًا عن امرأةٍ قلت: كيفَ تلكَ المرأةُ؟ فإن سألت المرأة عن امرأةٍ، قلت: كيف تلكِ المرأةُ؟ تكسر الكاف, فإن سألت رجلًا عن رجلينِ قلت: كيف ذانكَ الرجلانِ؟ ومن قال في الرجلِ ذلكَ قال في الاثنينِ: ذانّكَ بتشديد النون, أبدلوا من اللام نونًا وأدغمت إحدى النونين في الأخرى, كما قال عز وجل: {فَذَانِكَ بُرْهَانَانِ} 2، فإن سألت عن جماعةٍ رجلًا, قلت: كيف أولئك الرجالُ, وأولاكَ الرجالُ؟ فإن سألت رجلًا عن امرأتين قلت: كيفَ تانك المرأتانِ؟ وإن سألت امرأة عن رجلين قلت: كيف ذانِك الرجلانِ يا امرأةُ؟ وإن سألتها عن جماعةٍ قلت: كيف أولئكِ الرجالُ يا امرأة؟ فإن سألت رجلينِ عن رجلينِ قلت: كيف ذانكما الرجلانِ يا رجلانِ؟ وإن سألتهما عن جماعةٍ قلت: كيف أولئكما الرجالُ يا رجلانِ؟ وإن سألتهما عن امرأةٍ قلت: كيف تيكما وتلكما المرأةُ يا رجلانِ؟ وإن سألتهما عن امرأتين قلت: كيفَ تانكما المرأتان يا رجلانِ؟ وإن سألت جماعة عن واحدٍ قلت: كيف ذاكم الرجلُ يا رجالُ؟ وإن سألتهم عن رجلين قلت: كيف ذانكم الرجلانِ يا رجالُ؟ وإن سألتهم عن جماعة قلت: كيف أُولئكَ الرجالُ، يا رجالُ؟ وإن سألتهم عن امرأةٍ قلت: كيف تلكم المرأة يا رجال؟ وإن سألتهم عن امرأتين قلت: كيف تانكم المرأتانِ يا رجالُ؟ وإن سألت امرأتين, فعلامة المرأتينِ والرجلين في الخطاب سواءٌ, فإن سألت نساء عن رجلٍ قلت: كيف ذاكنَّ الرجلُ يا نساءُ؟ وباللام: كيف ذلكن الرجلُ يا نساءُ؟ قال الله عز وجل: {فَذَلِكُنَّ الَّذِي لُمْتُنَّنِي فِيهِ} 3، فإن سألتهن عن رجلين قلت: كيف تيكن؟ وإن سألتهن عن جماعةٍ قلت: كيفَ أُولئكنَّ النساءُ؟ مثل المذكرِ.
__________
1 آل عمران: 47.
2 القصص: 32.
3 يوسف: 32.

(2/128)


واعلم: أنه يجوز لك أن تجعل مخاطب الجماعة على لفظ الجنس، أو تخاطبُ واحدًا عن الجماعة, فيكون الكلام له والمعنى يرجع إليهم, كما قال الله تعالى: {ذَلِكَ أَدْنَى أَلَّا تَعُولُوا} 1، ولم يقل: ذلكم؛ لأن المخاطب النبي صلى الله عليه وسلم، والدليل على أن في هذا معنى فعلٍ قولهم: هذا زيدٌ منطلقًا؛ لأن منطلقًا انتصب على الحالِ, والحال لا بد من أن يكون العامل فيها فعلٌ أو معنى فعلٍ.
__________
1 النساء: 3.

(2/129)


باب الأسماء المبنية المفردة التي سمي بها الفعل:
وذلك قولهم: صه ومه ورويدَ وإيه وما جاء على فَعال, نحو: حَذارِ ونزالِ وشتان, فمعنى صه: اسكت, ومعنى مه: اكفف, فهذانِ حرفانِ مبنيانِ على السكون سمي الفعل بهما, فأما رويدَ: فمعناه المهلةُ, وهو مبني على الفتح ولم يسكن آخره؛ لأن قبله ساكنًا فاختير له الفتح للياء قبله, تقول: رويدَ زيدًا فتعديهِ, فأما قولك: رويدَك زيدًا فإن الكاف زائدةٌ للمخاطبة وليست باسم, وإنما هي بمنزلة قولك: التجاءَك يا فتى، وأرأيتُك زيدًا ما فعلَ, ويدلك على أن الكاف ليست باسمٍ في: التجاءَكَ دخول الألف واللام, والألف واللام والإِضافة لا يجتمعان وكذلك الكاف في: أرأيتُكَ زيدًا زائدةٌ للخطاب وتأكيده, ألا ترى أن الفعل إنما عمل في زيد, فإن قلت: ارودّ كان المصدر اروادًا, وتصرف جميع المصادر فإن حذفت الزوائد على هذه الشريطة صرفت رويدَ فقلت: رويدًا يا فتى، وإن نعت به قلت: ضعهُ وضعًا رويدًا وتضيفه لأنه كسائر المصادر تقول: رويدَ زيدٍ, كما قال الله عز وجل: {فَضَرْبَ الرِّقَابِ} 1، ورويدًا زيدًا، كما تقول: ضربًا زيدًا في الأمر, فأما إيه وآه فمعنى إيه الأمر بأن يزيدك من الحديث المعهودِ بينكما, فإذا نونت قلت: إيهٍ والتنوين للتنكير, كأنك قلت: هات حديثًا وذاك كأنه قال: هات الحديثَ, قال ذو الرمةِ:
__________
1 سورة محمد صلى الله عليه وسلم: 4, وتكملتها: {فَإِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ} .

(2/130)


وقَفْنَا فَقُلْنَا إيهِ عَنْ أمِّ سَالِمٍ ... وَمَا بَالُ تَكْلِيمِ الدِّيَارِ البَلاقِعِ1
فإذا فتحت فهي زجرٌ ونهي كقولك: إيه يا رجلُ إني جئتُكَ، فإذا لم ينون فالتصويت, يريد الزجر عن شيءٍ معروفٍ، وإذا نونت فإنما تريد الزجر عن شيءٍ منكورٍ، قال حاتم:
إيهًا فِدًى لَكُمْ أُمّي وَمَا وَلَدَتْ ... حَامُوا على مَجْدِكُم واكْفُوا مَنِ اتَّكَلاَ2
ومن ينون إذا فتح فكثير، والقليل من يفتح ولا ينون، وجميع التنوين الذي يدخل في هذه الأصوات، إنما يفرق بين التعريف والتنكير, تقول: صه يا رجلُ هذا الأصل في جميع هذه المبنيات, ومنها ما يستعمل بغير تنوين ألبتة فما دخله التنوين لأنه نكرةٌ قولهم: فدًى لكَ, يريدون به الدعاء, والدعاء حقه أن يكون على لفظ الأمر, فمن العرب من يبني هذه اللفظة على الكسر وينونها؛ لأنها نكرةٌ يريدُ بها معنى الدعاء.
ومن هذا الباب قولهم: هاء يا فتى, ويثنى فيقول هائِمًا، وهائم
__________
1 الشاهد في قوله: إيه بلا تنوين يدل على أنه يريد الاستزادة، من حديث معين. وقيل: تنوين التنكير لا يوجد في معرفة ولا يكون إلا تابعًا لحركات البناء، وذلك نحو: إيه، فإذا نونت وقلت: إيهٍ، فكأنك قلت: استزادة، وإذا قلت: إيه بلا تنوين, فكأنك قلت الاستزادة فصار التنوين علم التنكير وتركه علم التعريف. والبال: الشأن والحال. والديار البلاقع: التي ارتحل سكانها فهي خالية. طلب الحديث من الطلل أولًا ليخبره عن حبيبته أم سالم. وهذا من فرط تحيره وتدلهه في استخباره مما لا يعقل ثم أفاق وأنكر من نفسه بأنه ليس من شأن الأماكن الإخبار عن السواكن.
وانظر: المقتضب 3/ 179 ورواه المبرد: ما بال تكليم الرسوم بدل الديار, ومجالس ثعلب/ 275، وشرح المفصل 9/ 30، وإصلاح المنطق/ 291، والمخصص 14/ 18، والخزانة 2/ 19، واللسان "إيه"، والديوان/ 356.
2 في المقتضب: تقول: أيها يا فتى، إذا أمرته بالكف وويها إذا أغريته، ورواه المبرد: ويهًا فداء لكم أمي ... وروي البيت في الديوان: ويها فداؤكم أمي وما ولدت. ورواية اللسان: ويهًا فدى لكم أمي وما ولدت. وانظر: المقتضب 3/ 180، وابن يعيش 4/ 71، وشرح الكافية 7/ 67، واللسان "ويه".

(2/131)


للجميع، كما قال: {هَاؤُمُ اقْرَأوا كِتَابِيَهْ} 1، وللمؤنث هاء بلا ياءٍ مثل هاكَ، والتثنية هاؤما مثل المذكرين وهاؤن تقوم الهمزة في جميع ذا مقام الكاف, ولك أن تقول: هاءَ يا قوم كما قال عز وجل: {ذَلِكَ خَيْرٌ لَكُمْ} 2، وأصل الكلام "ذلكم" هذا في الخطاب يجوز؛ لأن كل واحدٍ منهم يخاطب, وقال: هاكَ وهاكما وهاكم والمؤنث هاكِ, وأما ما كان على مثالِ فَعالِ مكسورِ الآخر فهو على أربعةِ أضربٍ، والأصل واحدٌ.
واعلم: أنه لا يبنى شيءٌ من هذا الباب على الكسر إلا وهو مؤنثٌ معرفة ومعدولٌ عن جهته, وإنما يبنى على الكسر لأن الكسر مما يؤنث به, تقول للمرأة: أنتِ فعلتِ وإنكِ فاعلة وكان أصل هذا إذا أردت به الأمر السكون, فحركت لالتقاء الساكنين، فجعلت الحركة الكسر للتأنيث، وذلك قولك: نَزالِ وتَراكِ، ومعناه: انزلْ واتركْ, فهما معدولان عن المتاركة والمنازلة، قال الشاعر:
وَلِنعْمَ حَشْوُ الدِّرْعِ أنْتَ إذَا ... دُعِيت نَزالِ وَلُجَّ في الذُّعْرِ3
__________
1 الحاقة: 19.
2 المجادلة: 12.
3 من شواهد سيبويه 2/ 37 على أن "نزال" بمعنى انزل، جعل لابس الدرع حشوا لها لاشتمالها عليه، كما يشتمل الإناء على ما فيه، وهو العامل في "ذا" لأنه بمعنى لابس، وقيل: متعلق بنعم لما فيه من معنى الثناء. ومعنى: وعاء الأبطال بعضهم بعضًا بنزال، أن الحرب إذا اشتدت بهم وتزاحموا فلم يمكنهم التطاحن بالرماح، تداعوا بالنزول عن الخيل والتضارب والسيوف، ومعنى: لج في الذعر تتابع الناس في الفزع، وهو من اللجاج وهو التمادي فيه، والبيت لزهير بن أبي سلمى في مدح الهرم بن سنان. وانظر المقتضب 3/ 370، وأمالي ابن الشجري 2/ 111، وابن يعيش 4/ 50، وإصلاح المنطق/ 336، والخزانة 3/ 64، وشواهد الشافية/ 230، والديوان/ 87، والدرر اللوامع 2/ 138، وشرح السيرافي 1/ 66، ومفاتيح العلوم للسكاكي/ 285، والإنصاف/ 278 وروايته: ولأنت أشجع من أسامة إذ......

(2/132)


فقال: دُعيت, لما ذكر ذلك في التأنيث. وقالوا: تراكَها1، وحَذارِ2، ونَظارِ، فهذا ما سمي الفعل به باسم مؤنثٍ، ويكون "فَعالِ" صفةً غالبةً تحل محل الاسم نحو قولهم للضبعِ: جَعارِ يا فتى, وللمنية: حَلاقِ ويكون في التأنيث نحو: يا فَساقِ. والثالث: أن تسمي امرأةً، أو شيئًا مؤنثًا باسم مصوغ على هذا المثال نحو: حَذامِ ورَقاشِ. والرابع: ما عَدَلَ مِن المصدر نحو قوله:
جَمَادِ لَهَا جَمَادِ ولا تَقولِي ... طَوَالَ الدَّهْرِ ما ذُكِرَتْ حَمَادٍ3
قال سيبويه: يريد: قولي لَها جمود, ولا تقولي لَها حَمْدًا4، ومن ذلك فَجارِ، يريدون: الفَجرَة, ومَسارِ يريدون: المَسرةَ، وبَداوِ يريدون: البَدوَ, وقد جاء من بَنات الأربعة معدولًا مبنى قَرْ قارِ، وعَرْ عَارِ، وهي لُغيةٌ وشتان: مبني على الفتح لأنه غير مؤنثٍ فهو اسم للفعل إلا أن الفعل هنا غير أمر, وهو خبر ومعناه: البعدُ المفرط وذلك قولك: شتانَ زيدٌ وعمرٌو فمعناه: بَعُد ما بين زيدٍ وعَمرٍو جدًّا، وهو مأخوذ من شَتَّ، والتشتتُ: التبعيد ما بين الشيئين أو الأشياء, فتقدير: شتانَ زيدٌ وعمرٌو، تباعدَ زيدٌ وعمرٌو, ولأنه اسم لفعلٍ ما تم به كلام قال الشاعر:
__________
1 قال الشاعر: تراكها من إبل تراكها. وانظر: الكتاب 2/ 37.
2 قال الشاعر: حذار من أرماحنا حذار. وانظر: الكتاب 2/ 37.
3 من شواهد سيبويه 2/ 39، على قوله: جماد وحماد وهما اسمان للجمود والحمد, معدولان عن اسمين مؤنثين سميا بهما كالجمدة والحمدة.
ووصف امرأة بالجمود والبخل, وجعلها مستحقة للذم ومستوجبة للحمد، وطوال الدهر وطوله سواء, والبيت للمتلمس.
وانظر ابن يعيش 4/ 5, ورواية الشطر الثاني هكذا:
.... لها أبدًا ما ذكرت حماد.
4 انظر الكتاب 2/ 39.

(2/133)


شَتَّانَ هَذَا والعِناقُ والنَّوم ... والمَشْربُ البَارِدُ في ظِلِّ الدَّوْمْ1
فجميع هذه الأسماء التي سمي بها الفعل إنما أُريد بها المبالغة، ولولا ذلك لكانت الأفعال قد كَفَتْ عنها.
__________
1 البيت للقيط بن زرارة بن عدس بن تميم ويكنى أبا نهشل، ويروى الشطر الثاني:
والمشرب الدائم في ظل الدوم.
ويراد على هذه الرواية بالدوم الدائم, فهو مصدر أقيم مقام اسم الفاعل, وعلى رواية ابن السراج: الدوم شجر المقل وهي رواية أبي عبيدة. وقد أنكرها الأصمعي؛ لأن الدوم لا ينبت في بلاد الشاعر. والعناق بكسر العين: المعانقة، والمعنى: افترق الذي أنا فيه من التعب والمشقة، فليس بشبه المعانقة والراحة, والنوم والماء العذب في ظل هذا الشجر أو تحت الظلال الدائمة. وانظر: المقتضب 4/ 350، وابن يعيش 4/ 37، والخزانة 3/ 57، والمخصص 14/ 85، والجمهرة 2/ 87.

(2/134)


باب الاسم الذي قام مقام الحرف:
وذلك كَمْ, ومَنْ، وما, وكيفَ، ومتى, وأينَ، فأما "كَمْ" فبنيت لأنها وقعت موقع حرف الاستفهام وهو الألف، وأصل الاستفهام بحروف المعاني؛ لأنها آلة، إذا دخلت في الكلام أعلمت أن الخبر استخبارٌ, و"كَمْ" اسم لعدد مبهم
فقالوا: كَم مالكَ؟ فأوقعوا "كَمْ" موقع الألف لما في ذلك من الحكمة والاختصار إذ كان قد أغناهم عن أن يقولوا: أعشرونَ مالَكَ, أثلاثونَ مالكَ, أخمسونَ؟ والعدد بلا نهايةٍ, فأتوا باسم ينتظم العدد كلَّهُ.
وأما "مَنْ" فجعلوه سؤالًا عن منْ يعقلُ, نحو قولك: مَنْ هذا؟ ومَن عمرٌو؟ فاستغني بمن عن قولك: أزيدٌ هذا, أعمرٌو هذا, أبكرٌ هذا؟ والأسماء لا تحصى فانتظم بِمَنْ جميع ذلك، ووقعت أيضًا موقع حرف الجزاء، وهو "إنْ" في قولك: مَنْ يأتني آتِه.
وأما "ما" فيسأل بها عن الأجناس والنعوت، تقول: ما هذا الشيء؟ فيقال: إنسانٌ أو حمارٌ أو ذهَبٌ أو فِضَّةٌ، ففيها من الاختصار مثل ما كان في "مَنْ" وتسأل بها عن الصفات، فتقول: ما زيدٌ؟ فيقال: الطويلُ والقصيرُ، وما أشبه ذلك, ولا يكون جوابها: زيدٌ ولا عمرٌو, فإن جعلت الصفة في موضع الموصوف على العموم جاز أن تقع على مَن يعقلُ. ومن كلام العرب: سبحانَ ما سبحَ الرعدُ بحمدهِ، وسبحانَ ما سخركن لنا، وقال الله عز وجل:

(2/135)


{وَالسَّمَاءِ وَمَا بَنَاهَا} 1، فقال قوم: معناه: ومنْ بَناها، وقال آخرون: إنما: والسماء وبنائها2، كما تقول: بلغني ما صنعتَ, أي: صنيعُكَ؛ لأن "ما" إذا وصلت بالفعل كانت بمعنى المصدرِ.
وأما "كيفَ" فسؤال عن حال ينتظم جميع الأحوال, يقالُ: كيف أنتَ؟ فتقول: صالحٌ وصحيح, وآكلٌ وشارب، ونائمٌ وجالسٌ وقاعدٌ, والأحوال أكثر من أن يحاط بها، فإذا قلت: "كيفَ" فقد أغنى عن ذكر ذلك كلهِ, وهي مبنيةٌ على الفتح لأن قبل الياءِ فاء فاستثقلوا الكسر مع الياء, وأصل تحريك التقاء الساكنين الكسر، فمتى حركوا بغير ذلك فإنما هو للاستثقالِ أو لإتباع اللفظِ اللفظَ.
فأما "متى" فسؤالٌ عن زمانٍ وهو اسمٌ مبنيٌّ, والقصة فيه كقصةِ "مَنْ وكيفَ" في أنه مغنٍ عن جميع أسماء الزمان, أيوم الجمعةِ القتال, أمْ يوم السبتِ, أم يوم الأحدِ، أم سنة كذا، أم شهر كذا؟ فمتى يغني عَنْ هذا كله، وكذا "أيانَ" في معناها, كما قال الله عز وجل: {أَيَّانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ} 3 وقال: {يَسْأَلونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا} 4 وبنيت على الفتح لأن قبلها ألفًا، فأتبعوا الفتحَ الفتحَ.
وأما "أينَ" فسؤالٌ عن مكانٍ وهي كمَتى في السؤال عن الزمان إذا قلت: أينَ زيد؟ قيل لك: في بغدادَ أو البصرة أو السوقِ, فلا يمتنع مكان من أن يكون جوابًا, وإنما الجواب من جنس السؤال, فإذا سئلت عن مكان لم يجز أن تخبر بزمان, وإذا سئلت عن عددٍ لم يجز أن تخَبرَ بحالٍ, وإذا سئلت عن معرفةٍ لم يجز أن تخبر بنكرةٍ, وإذا سئلتَ عن نكرةٍ لم يجز أن تخبر بمعرفةٍ، فهذه المبنيات المبهمات إنما تعرف بأخواتها وتعلم مواضعها من الإِعراب بذلك.
__________
1 الشمس: 5.
2 انظر: المقتضب 2/ 52.
3 القيامة: 6.
4 الأعراف: 187.

(2/136)


باب الظرف الذي يتمكن وهو الخامس من المبنيات:
وذلك نحو الآنَ ومُذْ ومنذُ, فأما الآن فقال أبو العباس رحمه الله: إنما بني لأنه وقع معرفةً، وهو مما وقعت معرفته قبل نكرته؛ لأنك إذا قلت: الآنَ فإنما تعني به الوقت الذي أنت فيه من الزمان، فليس له ما يشركه, ليس هو آنٌ وآنٌ فتدخل عليه الألف واللام للمعرفة, وإنما وقع معرفةً لِما أنت فيه من الوقت1. وأما "مُنذ" فإذا استعملت اسمًا أن يقع ما بعدها مرفوعًا أو جملة نحو: ما رأيته منذ يومان, وإن المعنى: بيني وبينَ رؤيته يومانِ, وقد فسرت ذلك فيما تقدم وهي مبنيةٌ على الضم, وإنما حركت لذلك لأن قبلها ساكنًا، وبنيت على الضم لأنها غاية عند سيبويه2، وأتبعوا الضَّم الضَّم، وقد يستعمل حرفًا يجر، وأما "مذ" فمحذوفةٌ من "مُنْذُ" والأغلب على "مُذْ" أن تستعمل اسمًا، ولو سميت إنسانًا بمذ لقلت: مُنيذُ إذا صغرته، فرددت ما ذهب وصار "مُذْ" أغلب على الأسماءِ؛ لأنها منقوصة, ولَدن ومِنْ عَلُ, كما قال الشاعر:
وهي تَنُوشُ الحَوْضَ نَوْشًا مِن علا3
__________
1 انظر الإنصاف/ 272، وشرح الكافية 2/ 141.
2 انظر: الكتاب 2/ 45.
3 من شواهد سيبويه 2/ 123 على أن "علا" محذوف اللام, فإذا صغر اسمًا لرجل ردت لامه فقيل "على" لأن أصله من العلو, وهو صدر بيت لغيلان بن حريث، وعجزه: "نوشا به تقطع أجواز الفلا" وصف إبلًا وردت الماء في فلاة, فعافته وتناولته من أعلاه ولم تمعن في شربه, والنوش: التناول.
وانظر: معاني القرآن 2/ 365، ومجالس ثعلب/ 655، وشرح السيرافي 1/ 78، والفاخر لأبي طالب المفضل/ 34، والاقتضاب للبطليوسي/ 427، وأسرار العربية/ 103.

(2/137)


وأما الأفعال فنحو: خذْ وكُلْ وعِ كلامي وشِ ثَوبًا، وأما الحروف فلا يلحقها ذلك، وكانت مذ ومنذ أغلب على الحروف، فكل واحدٍ منهما يصلحُ في مكانِ أُختِها وإنما ذكرنا منذُ ومذْ في الظروف؛ لأنهما مستعملان في الزمان.

(2/138)


الباب السادس من المبنيات المفردة وهو الصوت المحكي:
وذلك نحو: غاق وهي حكاية صوت الغراب، وماء وهو حكاية صوت الشاةِ, وعاءٍ وحاءٍ زجرٌ, ومن ذلك حروف الهجاء نحو ألفٍ باء تاء ثاء وجميع حروف المعجم إذا تهجيت مقصورة موقوفة, وكذلك كاف ميم, موقوفة في التهجي، أما زاي فيقال: زاي وزي, والعدد مثله إذا أردت العدد فقط, وقال سيبويه تقول: واحد اثنانِ فتشم الواحد؛ لأنه اسمٌ ليس كالصوتِ ومنهم من يقول: ثلاثة أربعة فيطرحُ حركة الهمزة على الهاء ويفتحها, ولم يحولها تاءً لأنه جعلها ساكنة, والساكن لا يغير في الإِدراج فإذا لم ترد التهجي بهذه الحروف, ولم تردْ أن تعد بأسماء العدد فررت منها جرت مجرى الأسماء, ومددت المقصور في الهجاء فقلت: هذه الباء أحسن من هذه الباءِ وتقول: هذه الميم أحسن من هذه الميمِ, وكذلك إذا عطفت بعضها على بعضٍ أعربت؛ لأنها قد خرجت من باب الحكاية, وذلك نحو قولك: ميمٌ وباءٌ, وثلاثةٌ وأربعةٌ إنما مددت المقصور من حروف الهجاء إذا جعلته اسمًا وأعربته؛ لأن الأسماء لا يكون منها شيءٌ على حرفين, أحدهما حرف علةٍ.
ذكر الضرب الثاني من المبنيات, وهو الكلم المركب:
هذه الأسماء على ضربين: فضربٌ منها يبنى فيه الاسم مع غيره وكان الأصل أن يكون كل واحدٍ منهما منفردًا عن صاحبه، والضرب الثاني: أن يكون أصلُ الاسم الإِضافة, فيحذف المضافُ إليه وهو في النية.

(2/139)


فالضرب الأول على ستة أقسام: اسمٌ مبني مع اسمٍ، واسمٌ مبني مع فعلٍ، واسم مبني مع حرفٍ, واسم مع صوتٍ، وحرف بنيَ مع فعلٍ, وصوت مع صوتٍ, فأما الاسم الذي بني مع الاسم فخمسةَ عشر وستةَ عشَر, وكل كلمتين من هذا الضرب من العدد فهما مبنيتان على الفتح وكان الأصلُ: خمسةٌ وعشرةٌ, فحذفت الواو وبني أحدهما مع الآخر اختصارًا وجعلا كاسمٍ واحدٍ, وكذلك حادي عشَرَ وثالث عشر إلى تاسعَ عشَر, والعرب تدع خمسة عشر في الإِضافة والألف واللام على حالها, ومنهم من يقول: خمسةَ عشَركَ وهي رديئة1، ومن ذلك: حيصَ بيص بنيا على الفتح، وهي تقال عند اختلاط الأمر, وذهب شغَرَ بغَرَ, وأيادي سبأ, ومعناه الافتراق وقَالى قَلا بمنزلة خمسَةَ عشَر ولكنهم كرهوا الفتح في الياء والألف لا يمكن تحريكها. ومن ذلك: خَازِ بَازَ، وهو ذباب عند بعضهم وعند بعضهم داءٌ, ومنهم من يكسر فيقول: خازِ بازِ, وبعض يقول: الخازَ بازَ كحضرموتَ، ومنهم من يقول: خاز بازٍ فيضيفُ وينون, ومن ذلك قولهم: بيتَ بيتَ وبينَ بينَ, ومنهم من يبني هذا ومنهم من يضيف ويبني صباحَ مساءَ ويومَ يومٍ, ومنهم من يضيف جميع هذا، ومن ذلك لقيته كفةَ كفةَ، وكفةً كفةً.
واعلم: أنهم لا يجعلون شيئًا من هذه الأسماء بمنزلة اسم واحدٍ إلا إذا أرادوا الحالَ والظرفَ, والأصل والقياسُ الإِضافة, فإذا سميت بشيءٍ من ذا أضفته فإذا قلت: أنت تأتينا في كل صباح ومساءٍ أضفت لا غير؛ لأنه قد زال الظرف وصار اسمًا خالصًا, فمعنى قولهم: هُوَ جاري بيتَ بيتَ أي: ملاصقًا، ووقع بينَ بينَ، أي: وسطًا, وأما قَالى قَلا فبمنزلة: حضرموتَ لأنه اسم بلدٍ وليسَ بظرفٍ ولا حالٍ. وأسماء الزمان إذا أضيفت إلى اسمٍ مبني جاز أن تعربَها، وجاز أن تبنيَها، وذاك نحو "يومئذ", تقول: سيرَ عليهِ يومْئذٍ، ويومئذِ، والتنوين ههنا مقتطع ليعلم أنه ليس يراد به الإِضافة، والكسر في الذال من أجل سكون النون، فتقرأ على هذا إن شئت: {مِنْ
__________
1 قال سيبويه 2/ 51: ومن العرب من يقول: خمسة عشرك، وهي لغة رديئة.

(2/140)


عَذَابٍ يَوْمَئِذِ} 1، ومن عذابٍ يومئذٍ، ومذهب أبي العباس -رحمه الله- في دخول التنوين هنا أنه عوض من حذف المضاف إليه.
الثاني: اسم بني مع فعل: وهو قولهم: حبذا هندٌ وحبذا زيدٌ، بنيَ حَبَّ وهو فعلٌ مع ذا وهو اسم. ومن العرب من يقول في أحبَّ حَبَّ, وقولهم: محبوب إنما جاء على حَبَّ ولو كان على أحبَّ لكان: محبّ, فإذا بنوا أحَبَّ مع ذا اجتمعوا على طرح الألف، والدليل على أن حبذا بمنزلة اسم أنك لا تقول حبذهِ وأنه لا يجوز أن تقول حبذا، وتقف حتى تقول: زيدٌ أو هندٌ فتأتي بخبرٍ فحبذا مبتدأٌ, وهند وزيد خبرٌ, ومما يدل على أن حَبَّ مع ذَا بمنزلة اسم أنه لا يجوز لك أن تقول: حَبَّ في الدار ذَا زيدٌ، فلا يجوز أن تفصل بينها وبين "ذَا" كما تفصل في باب نِعْمَ.
الثالث: اسم بني مع حرف: وذلك قولك: لا رجل ولا غلامَ, ويدلك على أن "لا" مع رجلٍ بمنزلة اسم واحدٍ أنه لا يجوز لك أن تفصل رجلًا من "لا" لا تقول: لا فيها رحلٌ لكَ، يجوز القول: لا ماءَ ماءَ باردًا, ولا رجلَ رجل صالحًا عندكَ, فبني "ماءٌ مع ماءٍ ورجل مع رجلٍ" قال أبو بكر: وقد استقصيتُ ذكر ذَا في بابه, ومن ذلك قولهم: يا زيداه ويا أيها الرجلُ فأي اسمٌ وهاء حرفٌ وهو غير مفارقٍ لأيٍّ في النداء, وقد بينا ذَا في باب النداء.
الرابع: اسم بني مع صوت: وذلك نحو سيبويه وعمرويه، تقول: هذا سيبويه يا هذا، وهذا عمرويهِ يا فلانُ وهو مبني على الكسرِ، وإن قلت: مررتُ بعمرويهِ وعمرويهٍ آخر، نونت الثاني لأنه نكرةٌ.
الخامس: الحرف الذي بني مع الفعل: وذلك: هَلمَّ مبنيًّا على الفتح وهو اسمٌ للفعل، ومعناه: تعالَ، ويدل على أنه حرفٌ بني مع فعلٍ، قول من
__________
1 المعارج: 11.

(2/141)


قال من العرب: هلما للاثنينِ، وهلموا للجماعة1، وصرفوه تصريف لمَّ بكذا، والمعنى يدلُّ على ذلكَ.
السادس: الصوت الذي بني مع الصوت: وذلك قولهم: حَيَّ هَلَ الثريدَ، ومعناه: ايتوا الثريدَ, وحكى سيبويه عن أبي الخطاب أن بعض العرب يقول: حَيَّهلَ الصلاةَ2.
الضرب الثاني من القسمة الأولى: وهو ما أصله الإِضافة إلى اسم, فحذف المضاف إليه:
فهذه المضافات على قسمين: قسم حذف المضاف إليه ألبتة, وضربٌ منع الإِضافة إلى الواحد وأُضيف إلى جملة, فأما ما حذف المضاف إليه فيجيء على ضربين: منهما ما بني على الضمة وهي التي يسميها النحويون الغاياتِ فمصروفة عن وجهها....3 قبلُ وغيرُ وحسبُ فجميع هذه كانَ أصلها الإِضافة، تقول: جئت من قبل هذا, ومن بعد هذا, وكنت أول هذا, أو فوقَ وغيرَ هذا, وهذا حسبُك, أي كافيكَ, فلما حذف ما أُضيفت إليه بنيت, وإنما بنيت على الحركة ولم تبنَ على السكون, وفي بعضها ما قبل لامه متحرك لأنها أسماءٌ أصلها التمكن, وتكون نكراتٍ معرباتٍ, فلما بنيتْ تجنب إسكانها وزادوها فضيلة على ما لا أصل له في التمكن فهذه علة بنائها على الحركة، وأما بناؤها على الضم خاصةً فلأنَّ أكثر أحوالِ هذه الظروف أن تكون منصوبةً وذلك الغالب عليها فأخرجت إلى الضم ولم تخرج إلى الكسر؛ لأن الكسر أخو النصب، وجعلوا ذلك علامة للغاية؛ لأن الكسر حقه أن يكون لالتقاء الساكنين، فتجنبوه ههنا لأنه موضع تحرك لغير التقاء الساكنين.
الثاني: ما بني وليس بغاية, من ذلك: أمس مبنية على الكسر، وكسرت
__________
1 هذا على لغة بني تميم، أما أهل الحجاز فلا يصرفونها. انظر الكتاب 2/ 67.
2 انظر الكتاب 1/ 123.
3 مطموس في الأصل, وهذا يسميه النحويون الظروف المقطوعة عن الإضافة لفظًا.

(2/142)


لالتقاء الساكنين، وإنما بني لأنه يقال لليوم الذي قبل يومك الذي أنت فيه، وهو ملازم لكل يوم من أيام الجمعة، ووقع في أول أحواله معرفة، فمعرفته قبل نكرته, فمتى نكرته أعربته, وغدٌ ليس كذلك لأنه غير معلوم؛ لأنه مستقبلٌ لا تعرفه, فإذا أضفت أمسِ نكرته ثم أضفته فيصير معرفة بالإِضافة, كما تقول: زيدكَ إذا جعلتَهُ من أمةٍ كُلها زيدٌ، وعرفته بالإِضافة، وزالت المعرفة الأولى. وقال أبو العباس -رحمه الله- في قول الشاعر:
طَلبُوا صُلْحَنَا وَلاَتَ أَوَانٍ ... فَأَجَبْنَا أنْ لَيْسَ حِينَ بقاءِ1
كان "أوان" مما لا يستعمل إلا مضافًا، فلما حذف ما يضاف إليه بنوه على الكسر لالتقاء الساكنين كما فُعِلَ بأمسِ وأُدخل التنوين عوضًا لحذف ما يُضاف إليه "أوان"، ألا ترى أنهم لا يكادون يقولون: أوان صدقٍ, كما يقولون في الوقت والزمن, ولكن يدخلون الألف واللام فيقولون: كانَ ذلكَ في هذا الأوانِ, فيكونان عوضًا.
الضرب الثاني: ما منع الإِضافة إلى الواحد وأُضيف إلى جملة:
وذلك: حيثُ, وإذْ، وإذا، فأما "حيثُ" فإن من العرب من يبنيها على الضم2 ومنهم من يبنيها على الفتح3، ولم تجئ إلا مضافةً إلى جملةٍ، نحو
__________
1 الشاهد فيه على عمل "لات" في لفظ "أوان" وهو من معنى الحين وليس بلفظه، فهو رد على سيبويه ومن معه حيث اشترطوا لعمل "لات" أن يكون معمولاها من لفظ.
والبيت لأبي زبيد الطائي، وكان رجل من شيبان نزل برجل طائي، فأضافه وسقاه خمرًا، فلما سكر وثب إليه الشيباني بالسيف فقتله، وافتخر بذلك بنو شيبان، ففي هذا قال أبو زبيد.
وانظر: معاني القرآن 2/ 398, وشرح السيرافي 1/ 108, والخصائص 2/ 377, والمخصص 16/ 119, والإنصاف 66, وابن يعيش 9/ 32, والديوان 30.
2 الضم هي اللغة الفاشية، قال تعالى: {سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لا يَعْلَمُونَ} فهي غاية، والذي يعرفها ما وقعت عليه من الابتداء والخبر, [سورة الأعراف: 182] .
3 قال سيبويه 2/ 44: "وقد قال بعضهم" حيث شبهوه بأين.

(2/143)


قولك: أقومُ حيثُ يقوم زيدٌ وأصلي حيثُ يصلي، فالحركة التي في الثاء لالتقاء الساكنين، فَمنْ فتح فَمِنْ أجل الياء التي قبلها, وفتح استثقالًا للكسر, ومن ضمَّ فلشبهها بالغايات إذ كانت لا تضاف إلى واحدٍ ومعناها الإِضافةُ، وكان الأصل فيها أن تقول: قمتُ حيثُ زيدٌ, كما تقولُ: قمتُ مكانَ زيدٍ وأما إذْ فمبنية على السكون, وتضاف إلى الجمل أيضًا نحو قولك: إذْ قامَ زيدٌ، وهي تدل على ما مضى من الزمان, ويستقبحون: جئتُكَ إذْ زيدٌ قامَ، إذا كان الفعلُ ماضيًا لم يحسن أن نفرق بينه وبين إذْ؛ لأن معناهما في المضي واحدٌ. وتقول: جئتُكَ إذْ زيدٌ قام، وإذ زيدٌ يقوم, فحقها أن تجيء مضافة إلى جملة فإذا لم تضف نونته، قال أبو ذؤيب:
نَهيتُك عنْ طِلابِكَ أُمَّ عَمْرٍو ... بِعَاقِبةٍ وأَنْتَ إذٍ صَحِيح1
وأما "إذا" فقلما تأتي من الزمان، وهي مضافة إلى الجملة، تقول: أجيئُكَ إذا احمَرَّ البسرُ وإذا قدَم فلانٌ, ويدلك على أنها اسم أنها تقع موقع قولك: آتيكَ يوم الجمعةِ، وآتيكَ زمَن كَذا، ووقتَ كذا, وهي لما يستأنف من الزمان ولم تستعمل إلا مضافةً إلى جملة. فأما "لَدُنْ" فجاءت مضافةً، ومن العرب من يحذف النون فيقول: لدُ كذا, وقد جعل حذف النون بعضهم أن قال: لَدُن غدوةً، فنصب غدوةً لأنه توهم أن هذه النون زائدةٌ تقوم مقام التنوين فنصب كما تقول: قائمٌ غدوةً, ولم يعملوا "لَدن" إلا في غدوةً خاصةً, قال أبو بكر: قد ذكرنا الأسماء المعربة والأسماء المبنية، وقد كنا قلنا: إن الكلام اسم وفعلٌ وحرفٌ، ونحن نتبع الأسماء والأفعال، ونذكر إعرابها وبناءها إن شاء الله.
__________
1 الشاهد فيه قوله: "إذ" حيث جاء بالتنوين عوضًا عن الجملة، والأصل: وأنت إذ الأمر على هذه الحال، والمعنى: نهيتك عن طلبها بأن ذكرت لك ما يكون من عاقبة التمادي في حبها وما يفضي أمرك إليه، وكنت سليمًا تستطيع التخلص, وممكن لك النجاة.
وانظر: الخصائص 2/ 376, وابن يعيش 3/ 29, والمغني 1/ 86, والأشموني 3/ 420, والأشباه والنظائر 2/ 311.

(2/144)