الأصول في النحو

الاتساع:
اعلم: أن الاتساع ضربٌ من الحذف إلا أن الفرقَ بين هذا الباب والباب الذي قبلهُ، أن هذا تقيمه مقام المحذوف وتعربهُ بإعرابه, وذلك الباب تحذف العاملَ فيه وتدعُ ما عَمِلَ فيه على1 حالهِ في الإِعراب، وهذا البابُ العاملُ فيه بحاله وإنما تقيم فيه المضاف إليه مقام المضاف, أو تجعل الظرف يقوم مقامَ الاسم. فأمَّا الاتساع في إقامة المضاف إليه مقام المضاف فنحو قولِه: {وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ} 2 تريد: أهل القرية، وقول العرب: بنو فلانٍ يطؤهم الطريقُ, يريدون: أهل الطريقِ وقولهُ: {وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ} 3 إنما هو بر مَنْ آمنَ بالله4. وأما اتساعهم في الظروف فنحو قولهم: "صيدَ عليه يومانِ" وإنما المعنى: صيدَ عليه الوحش في يومين, و"ولدَ لَهُ ستونَ عامًا" والتأويل: "ولدَ لَهُ الولد في ستين عامًا" ومن ذلك قولهُ عز وجل5: {بَلْ مَكْرُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ} 6 وقولهم: "نَهاركَ صائمٌ وليلُكَ قائمٌ" وإنما المعنى: "أنَّكَ صائمٌ في النهار وقائمٌ في الليل" وكذلك:
يا ساَرِقَ اللَّيلةِ أهلَ الدَّارْ7
وإنما سرق في الليلة, وهذا الاتساع أكثر في كلامهم من أن يحاط به، وتقول: "سرتُ فرسخينِ يومينِ"8 إن شئت نصبتَ انتصابَ الظروف، وإن
__________
1 في "ب" من، بدلًا من "على".
2 يوسف: 82, وانظر الكتاب 1/ 108 وج2/ 25، {وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ الَّتِي كُنَّا فِيهَا} .
3 البقرة: 177، وانظر الكتاب 1/ 108, والمقتضب 3/ 231.
4 في سيبويه 1/ 108: إنما هو: "ولكنَّ الْبر برّ من آمن باللَّهِ".
5 في "ب" تعالى.
6 سبأ: 33, وانظر الكتاب 1/ 108.
7 هذا رجز من شواهد الكتاب 1/ 89 و2/ 99، وقد مر تفسيره في الجزء الأول ص/ 235.
8 انظر الكتاب 1/ 114.

(2/255)


شئت جعلت نصبهما بأنهما مفعولان1 على السعة، وعلى ذلك قولك: "سِيرَ بزيدٍ فرسخانِ يومينِ" إذا جعلت الفرسخين يقومان مقامَ الفاعل، ولك أن تقول: سِيرَ بزيدٍ فرسخينِ يومانِ، فتقوم اليومين مقامَ الفاعل.
__________
1 في الأصل: "مفعولين" وهو خطأ، وما بعد مفعولين إلى آخر الباب ساقط في "ب".

(2/256)