الأصول في النحو باب الزيادة
والإلغاء
مدخل
...
باب الزيادة والإلغاء:
اعلم: أن الإِلغاء إنما هو أن تأتي الكلمة لا موضع لها من الإِعراب إنْ
كانت مما تعرب, وأنها متى أسقطت من الكلام لم يختل الكلام، وإنما يأتي
ما يلغى من الكلام تأكيدًا أو تبيينًا [والجملُ التي تأتي مؤكدةً ملغاة
أيضًا، وقد عَمِلَ بعضُها في بعضٍ فلا موضعَ لها من الإِعراب] 1 والتي
تلغى تنقسم أربعة أقسام: اسمٌ وفعلٌ وحرفٌ وجملةٌ.
الأول: الاسمُ: وذلك نحو: "هو"2 إذا كان الكلام فصلًا3 فإنه لا موضع له
من الإِعراب، ولو كان له موضع لوجبَ أن يكون له خبرٌ إن كان مبتدأ أو
يكون له مبتدأٌ إنْ كان هو خبرًا، وقيل في قوله: {وَلِبَاسُ التَّقْوَى
ذَلِكَ خَيْرٌ} 4 "ذلك" [زائدةٌ] 5.
__________
1 زيادة من "ب".
2 يرى الكوفيون أن لهذا الضمير محلًّا من الإعراب وسموه عمادًا؛ لأنه
يفصل بين النعت والخبر، أما البصريون فيسمونه ضمير الفصل؛ لأنه يفصل
بين النعت والخبر إذا كان الخبر مضارعًا لنعت الاسم، ليخرج من معنى
النعت ولا موضع له من الإعراب عندهم؛ لأنه إنما دخل لمعنى هو الفصل.
وانظر الإنصاف/ 376.
3 "الكلام" ساقط في "ب".
4 الأعراف: 26.
5 زيادة من "ب".
(2/257)
الثاني: الفِعْلُ: ولا يجوز عندنا أن يُلغى
فعلٌ ينفذ منك إلى غيركَ ولكن الملغى نحو: "كانَ" في قولك: "ما كانَ
أحسنَ زيدًا" الكلامُ: ما أحسنَ زيدًا و"كانَ" إنما جِيءَ بها لتبين
أنَّ ذلك [كان] 1 فيما مضى.
الثالث: الحرفُ: وذلك نحو: ما في قوله عز وجل2: {فَبِمَا نَقْضِهِمْ
مِيثَاقَهُمْ} 3 لو كان "لِمَا" موضع من الإِعراب ما عملت الباء في
"نقضِهم"، وإنما جِيءَ بها زائدةً للتأكيد، ومن ذلك "إنْ" الخفيفة تدخل
مع "ما" للنفي4 في نحو قوله: وما إنْ طُبنا جُبن5, وكذلك "إنْ" في
قولك: "لما إنْ جَاء قمتُ إليه"6 المعنى: "لَما جاءَ قمتَ" وكذلك "مَا"
إذا كانت كافةً فلا موضع لها من الإِعراب في نحو قولك: "إنَّما زيدٌ
منطلقٌ" كفت "مَا" "إنْ" عن الإِعراب [كما منعت إنْ "مَا" مِنَ
الإِعراب] 7 وكذلك "رُبَّما" تقول: "رُبَّما يقومُ زيدٌ" لولا "ما"
لما8 جاز أن يلي "رُبَّ" فِعلٌ, ومن ذلك "بعدَما"9، قال الشاعر:
أَعلاقَة أُمَّ الوُلَيِّدِ بَعْدَمَا ... أَفنانُ رأسِكَ كالشِّهَابِ
المُخْلِس10
__________
1 زيادة من "ب".
2 "عز وجل" ساقط من "ب".
3 النساء: 155.
4 في "ب" من، بدلًا من "في".
5 مر شرحه في الجزء الأول، ص/ 286.
6 "إليه" ساقط في "ب".
7 زيادة من "ب".
8 في الأصل "ما" وإضافة اللام من "ب".
9 حذفت جملة "زيد منطلق" إذ إنها دخيلة هنا.
10 من شواهد سيبويه 1/ 283، على زيادة "ما" وجعلها كافة "لبعد" عن
الإضافة، ويروى الشاهد: كالثغام المخلس.
والعلاقة: الحب, والأفنان: جمع فنن، وهو الغصن، وأراد بها ذوائب الشعر
على سبيل الاستعارة, والشهاب معروف, والثغام على روايته به جمع ثغامة،
وهي خيوط طوال دقاق من أصل واحد، إذا جفت ابيضت كلها, المخلس: ما اختلط
فيه البياض بالسواد، وصغر الوليد ليدل على شباب المرأة, والبيت للمرار
الفقعسي.
وانظر: المقتضب 2/ 54، والكامل/ 194، وابن الشجري 2/ 242, والمغني 2/
10, وإصلاح المنطق/ 45, والجمهرة 2/ 220، وشرح السيرافي 1/ 450.
(2/258)
فجميع هذه لا موضع لها من الإِعراب، وقد
جاءت حروفٌ خافضةٌ، وذكروا أنها زوائد إلا أنها تدخل لمعانٍ1 فمن ذلك:
"ليس زيدٌ بقائمٍ" أصل الكلام: "ليسَ زيدٌ قائمًا" ودخلت الباء لتؤكد
النفي [وخُص النفي بها دون الإِيجاب] 2 ومن ذلك: "مَا مِنْ رجلٍ في
الدارِ" دخلت "مِنْ" لتبين أن الجنس كله منفي وأنه لم3 يرد القائلُ أن
ينفي رجلًا واحدًا. [قال أبو بكر] 4: وحقُّ الملغى عندي أنْ لا يكونَ
عاملًا ولا معمولًا فيه5 حتى يلغى من الجميع وأنْ يكون دخوله كخروجه لا
يحدث معنى غير6 التأكيد، وهذه الحروف التي خُفضَ بها قد دخلت لمعانٍ
غير التأكيد. من الحروف الملغاة "لا" شبهوها "بمَا" فمن ذلك قولك: "ما
قامَ زيدٌ ولا عمرٌو" والواو العاطفةُ ولا لَغْوٌ [و"لا" إنما دخلت
تأكيدًا للنفي، وليزولَ بها اللبسُ إذا كانَ منفيا؛ لأنَّهُ قد يجوزُ
أنْ تقول: ما قامَ زيدٌ وعمرٌو ما قاما معًا] 7 وقالوا في قوله: {لا
أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ} 8: إنّ "لا" زائدةٌ، {لِئَلَّا
يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتَابِ} 9 إنما هو: لأَنْ يعلَم، وجملةُ الأمر
أنها لا تزادُ إلا في موضع غير مُلبسٍ كما لا تزاد10 "مَا" وأما
__________
1 في الأصل "لمعاني".
2 زيادة من "ب".
3 في "ب" ليس، بدلًا من "لم".
4 زيادة من "ب".
5 انظر شرح المفصل 8/ 137, فقد ذكر ابن يعيش هذا عن ابن السراج.
6 "غير" ساقطة في "ب".
7 زيادة من "ب".
8 القيامة: 1.
9 الحديد: 29.
10 كما لا تزاد، ساقط من "ب".
(2/259)
قولك1: "حسبُكَ بِه" كلامٌ صحيحٌ كما تقول:
كفايتُك بهِ وفيه معنى الأمر2 أو التعجب وقولهم: {كَفَى بِاللَّهِ} 3
قال سيبويه: إنما هو "كفى الله" والباء زائدة4، والقياس يوجب أنْ يكون
التأويل: "كفى كفايتي بالله" فحذفَ المصدر5 لدلالة الفعل عليه، وهذا في
العربية موجود6.
الرابع: الجملةُ: وذلك نحو قولك: "زيدٌ ظننتُ منطلقٌ" بنيتَ "منطلقًا"
على "زيد" ولم تعمل "ظننتُ" وألغيته وصار المعنى: زيدٌ منطلقٌ في ظني,
فإنْ قدمت "ظننتُ" قَبُحَ الإِلغاء. ومن هذا الباب الاعتراضات, وذلك
نحو قولك: زيدٌ -أشهدُ بالله- منطلقٌ, وإنَّ زيدًا -فافهمْ ما أقولُ-
رجلُ صدْقٍ, وإنَّ عمرًا -والله- ظالمٌ, وإنَّ زيدًا -هو المسكينُ-
مرجومٌ، وعلى ذلك يتأول قوله عز وجل7: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا
وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ إِنَّا لا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ
عَمَلًا، أُولَئِكَ لَهُمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ} 8، فـ {أُولَئِكَ} هو
الخبر و {إنَّا لا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلًا} "اعتراض"
ومنه قول الشاعر:
إنِّي لأَمنَحُكَ الصُّدُودَ وإنَّني ... -قسمًا- إلَيكَ معَ الصُّدودِ
لأَميَلُ9
__________
1 في "ب" قولهم.
2 في "ب" والتعجب.
3 العنكبوت: 52.
4 انظر الكتاب 1/ 19.
5 في "ب" المضاف.
6 في "ب" موجود في العربية.
7 كلمتا "عز وجل" ساقطتان في "ب".
8 الكهف: 30.
9 من شواهد سيبويه 1/ 190، على نصب "قسمًا" على المصدر المؤكد لما
قبله، وابن السراج جعله توكيدًا على جهة الاعتراض. والبيت للأحوص يمدح
به عمر بن عبد العزيز.
وانظر الأغاني 18/ 195، والعقد الفريد 4/ 363, وابن يعيش 1/ 116, ومهذب
الأغاني 3/ 187، وشرح الرماني 3/ 163, والخزانة 1/ 247 و4/ 15.
(2/260)
قوله "قسمًا" اعتراض, وجملة هذا الذي يجيء
معترضًا, إنما يكون توكيدًا للشيء أو لدفعه؛ لأنَّهُ بمنزلة الصفة في
الفائدة يوضحُ عن الشيء ويؤكده.
واعلم: أنهُ لا يجوز أن يعترض بين واو العطف وبين المعطوف بشيءٍ, لا
يجوز أن تقول: "قامَ زيدٌ -فافْهَم- عمرٌو، ولا قام زيدٌ -ووالله-
عمرٌو". وقد أجاز قوم الاعتراض في "ثُمَّ وأوْ ولا" لأنَّ أوْ ولا
وثُمَّ "يقمنَ بأنفسهنَّ" فيقولون: "قامَ زيدٌ ثم -والله- محمدٌ". ومما
يلغيه الكوفيون ولا يعرفه البصريون: "زيدًا قمتُ فضربتُ"، يلغون القيام
كأنهم قالوا: "زيدًا ضربتُ" وهذا رديءٌ في الإِلغاء؛ لأن ما يلغى ليس
حقه أن يكون بعد فاءٍ تعلق ما بعدها به. [قال أبو بكر] 1: قد انتهينا
إلى الموضع الذي يتساوى فيه كتابُ الأصول وكتاب الجُمل بعد ذكر "الذي"
والألف واللام ثُمَّ لا فرق بينهما إلا أنَّ بعد التصريف زيادة المسائل
فيه, والجملُ ليسَ فيه ذلك.
__________
1 زيادة من "ب". وقد ذكر البغدادي في شرح هذا البيت قول ابن السراج في
الأصول.
(2/261)
ذكر الذي والألف
واللام:
الإِخبار بالذي والألف واللام التي في معناهُ: ضربٌ من المبتدأ والخبر،
وموضع "الذي" من الكلام أن يكون مع صلته صفةً لشيءٍ وإنما اضطر إلى
الصفة "بالذي" للمعرفة؛ لأن وصف النكرة على ضربين: مفردٌ وجملةٌ,
فالمفرد نحو قولك: مررتُ برجلٍ عاقلٍ وقائمٍ وما أشبه ذلك, والجملة
التي توصفُ بها النكرة تنقسم قسمين: مبتدأٌ وخبرٌ, نحو قولهم: مررتُ
برجلٍ "أبوهُ منطلقٌ" وفِعْلٌ وفاعلٌ نحو قولك: مررتُ برجلٍ قامَ
أبوهُ، فلما كانت النكرات قد توصف بالحديث والكلام التام احتيج في
المعرفة إلى مثل ذلك، فلم يجز أن توصف المعرفة بما توصفُ به النكرة لأن
(2/261)
صفة النكرةِ نكرةٌ مثلها وصفة المعرفةِ
معرفةٌ مثلها، فجاز وصف النكرة بالجمل؛ لأن كُلَّ جملةٍ فهي نكرةٌ
ولولا أنها نكرة ما كان للمخاطب فيها فائدة؛ لأن ما يعرف لا يستفاد,
فلما كان الأمر كذلك وأريد مثلهُ في المعرفة جاءوا باسمٍ مبهمٍ معرفةٍ
لا يصح معناه إلا بصلتهِ1 وهو "الذي" فوصلوهُ بالجمل التي أرادوا أن
يضعوا المعرفة بها لتكونَ صفةُ المعرفةِ معرفةً كما أن صفةَ النكرةِ
نكرةٌ، "فالذي"2 عند البصريين أصلُه "لذي" مثل "عمى" ولزمته الألف
واللام فلا يفارقانه ويثنى فيقال: "اللذانِ" في الرفع "واللذينِ" في
الخفض والنصبِ3، ويجمع فيقال: "الذينَ" في الرفع وغيره, ومنهم من يقول:
"اللذونَ" في الرفع "واللذينَ" في الخفض والنصب, والمؤنث "التي واللتان
واللاتي واللواتي" وقد حكي في "الذي" "الذي" بإثبات الياء "والذِ" بكسر
الذال بغير ياء و"الذْ"4 بإسكان الذال، "والذيّ" بتشديد الياء وفي
التثنية "اللذان" بتشديد النون, "واللّذا" بحذف النون وفي الجمع
"الذينَ والذونَ واللاءونَ, وفي النصب والخفض اللائينَ واللاءِ بلا
نونٍ واللاي" بإثبات الياء في كل حالٍ [والأولى] 5 وللمؤنث، التي
واللاءِ بالكسر ولا ياءَ والتي والتِ بالكسر بغير ياءٍ, والتْ بإسكان
التاء, واللتانِ واللتا بغير نونٍ, واللتانَّ بتشديد النون وجمعُ
"التي" اللاتي, واللاتِ بغير ياءٍ, واللواتي واللواتِ بالكسر بغير ياء,
واللواء واللاءِ بهمزةٍ مكسورةٍ, واللااتِ مثل اللغات, ممدودٌ مكسور
التاءِ وطيء6 تقول: "هذا ذو قالَ ذاكَ" يريدون: الذي [قالَ ذلكَ] 7
__________
1 في "ب" بصلة.
2 في "ب" والذي.
3 في "ب" في النصب والخفض.
4 في "ب" واللذ.
5 زيادة من "ب".
6 انظر: التصريح 1/ 137.
7 زيادة من "ب".
(2/262)
و"مررت بذو قال ذاك"1 في كل وجهٍ في الجمع،
وحكي2: أنه يجوز ذواتِ قلت ذاكَ3، ورأيتُ ذو قالَ ذاكَ, وللأنثى: ذاتَ
قالتْ ذاكَ قُلتِ ذاكَ "فذو" يكون في كل حالٍ رفعًا ويكون موحدًا في
التثنية والجمع من المذكر والمؤنث، قالوا: ويجوز في المؤنث أن تقول:
"هذه ذاتُ قالتْ ذاكَ" في الرفع والنصب والخفض، فأما التثنية في "ذو
وذاتِ"، فلا يجوز فيه إلا الإِعراب في كل الوجوه، وحكي: أنه قد سمع في
"ذاتِ" و"ذواتِ" الرفع في كل حالٍ.
وقال غير البصريين: إن أصل "الذي" هَذا, وهَذا عندهم أصلهُ ذال واحدةٌ
وما قالوه: بعيد جدا لأنه لا يجوز أن يكون اسمٌ على حرفٍ في كلام العرب
إلا المضمر المتصل, ولو كان أيضًا الأصلُ حرفًا واحدًا ما جاز أن يصغر
والتصغير لا يدخلُ إلا على اسمٍ ثلاثي، وقد صغرت العربُ "ذَا"
والموجودُ والمسموعُ مع ردنا له إلى الأصول من "الذي" ثلاثة أحرفٍ:
لامٌ وذالٌ وياءٌ، وليس لنا أن ندفع الموجود إلا بالدليل الواضح والحجة
البينة على أني لا أدفع أنَّ "ذَا" يجوز أن يستعمل في موضع "الذي"
فيشار به إلى الغائب ويوضح بالصلة؛ لأنه نقل من الإِشارة إلى الحاضر
إلى الإِشارة إلى الغائب فاحتاج إلى ما يوضحه لما ذكرنا.
وقال سيبويه: إن "ذَا" تجري بمنزلة "الذي" وحدها وتجري مع "مَا" بمنزلة
اسم واحد, فأما4 إجراؤهم "ذَا" بمنزلة "الذي" فهو قولهم: ماذا رأيت؟
فيقول: متاعٌ حَسَنٌ5، وقال لبيد:
__________
1 "ذاك" ساقط من "ب".
2 في "ب" ويحكى.
3 زيادة من "ب".
4 في الأصل "فإنما" والتصحيح من "ب".
5 انظر الكتاب 1/ 405.
(2/263)
أَلا تَسْأَلاَنِ المَرْءَ مَاذَا
يُحَاوِلُ ... أَنَحْبٌ فيُقْضَى أَمْ ضَلالٌ وبَاطِلُ1
وأما إجراؤهم إياه مع "مَا" بمنزلة اسم واحد فهو قولك: ماذا رأيتَ؟
فتقولُ: خيرًا, كأنك قلت: مَا رأيتَ؟ [ومثل ذلكَ قولهم] 2: ماذا تَرى؟
فتقول: خيرًا3 وقال الله4: {مَاذَا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ، قَالُوا:
خَيْرًا} 5 [كأنه قال: ما أنزلَ ربكم؟ قالوا: خيرًا, أي: أَنزل خيرًا"6
فلو كان "ذَا" لغوًا لَمَا قالت العربُ: عما ذا تسألُ؟ ولَقالوا: عَمَّ
ذَا تسألُ؟ ولكنهم جعلوا "مَا وذَا" اسمًا واحدًا كما جَعلوا "مَا
وإنَّ" حرفًا واحدًا حين قالوا: "إنَّما" ومثل ذلكَ كأنَّما و"حيثُما"
في الجزاء ولو كان "ذَا" بمنزلة "الذي" في هذا الموضع ألبتة لكان الوجه
في "ماذا رأيتُ؟ " إذا أراد الجواب أن تقول: خيرٌ7، فهذا الذي ذكر
سيبويه بَيّنٌ واضح من استعمالهم "ذَا" بمنزلة "الذي"، فأما أنْ تكون
"الذي" هي "ذَا" فبعيدٌ جدا، ألا ترى أنَّهم حين استعملوا "ذَا" بمنزلة
"الذي" استعملوها بلفظها ولم يغيروها، والتغيير لا يبلغ هذا الذي ادعوه
والله أعلم, ولا يعرف له نظير في كلامهم. ومَنْ
__________
1 من شواهد سيبويه 1/ 405، على رفع "نحب" وما بعده، وهو مردود على "ما"
في قوله: ماذا، فدل ذلك على أن "ذا" في معنى الذي، وما بعده من صلته.
والنحب: النذر، يقول: ألا تسألان مجتهدًا في أمر الدنيا وتتبعها،
فكأنما أوجب على نفسه ذلك نذرًا يجري إلى قضائه وهو منه في ضلال.
وانظر: شرح السيرافي 3/ 182, وابن يعيش 3/ 149, والمغني/ 332, والتصريح
1/ 139, والخزانة 2/ 556، واللسان "نحب", والسيوطي/ 711, والأشموني 1/
79, والشعراء المخضرمين د. الحبوري/ 237, والديوان 254 "ط. ليبسك".
2 ما بين القوسين ساقط في "ب".
3 في "ب" خير، بالرفع.
4 وقال الله، ساقط من "ب".
5 النحل: 30، وانظر الكتاب 1/ 405.
6 زيادة من "ب".
7 انظر الكتاب 1/ 405.
(2/264)
ومَا وأي، يستعملن بمعنى "الذي" فيوصلن كما
توصل، ولكن لا يجوز أن "يوصفَ بهن"1 كما وصف "بالذي" لأنها أسماءٌ
لمعانٍ تلزمها, ولهن تصرفٌ غير تصرف "الذي" لأنهن يكنَّ استفهامًا
وجزاء, وقد ذكرنا ذلك فيما تقدم والألفُ واللام تستعمل في موضع "الذي"2
في الوصف ولكنها لا تدخل إلا على اسم, فلما كان ذلك من شأنها وأرادوا
أن يصلوها بالفعل نقلوا الفعْلَ إلى اسم الفاعل, والفعل يريدون فيقولون
في موضع "الذي قامَ" القائم [فالألفُ] 3 واللام قد صارتا اسمًا وزال
المعنى الذي كان له واسمُ الفاعلِ ههنا فِعلٌ وذاكَ يرادُ بهِ, أَلاَ
تَرى أنهُ لا يجوز أن تقول: "هذا ضَاربٌ زيدًا أَمسِ" حتى تضيف, ويجوز
أن تقولَ: "هَذا الضاربُ زيدًا أمسِ" لأنك تنوي "بالضاربِ" الذي ضربَ,
ومتى لم تنو بالألف واللام "الذي" لم يجز أن تعمل ما دخلت عليه, وصار
بمنزلة سائر الأسماء إلا أن الفاعل هنا إعرابُه إعراب "الذي" بغير
صلةٍ؛ لأنه لا يمكن فيه غير ذلكَ, وكان الأخفش يقول: "إنَّ زيدًا" في
قولك: "الضارب زيدًا أَمسِ" منصوبٌ انتصابَ: الحسَنِ وجهًا4، وأنه إنما
نصب لأنه جاء بعد تمام الاسم. وقال5 أبو بكر: ليس عندي كَما قَالَ؛ لأن
الأسماءَ التي تنتصبُ عن تمام الاسم إنما يكنَّ نكراتٍ, والحَسَنُ وما
أشبههُ قد قال سيبويه: إنه مشبه باسم الفاعلِ6، وقد ذكرنا ذَا فيما
تقدم.
__________
1 يوصف بهن، ساقط من "ب".
2 قال سيبويه 1/ 93: "هذا باب صار الفاعل فيه بمنزلة الذي فعل في
المعنى وما يعمل فيه، وذلك قولك: هذا الضارب زيدًا، في معنى: هذا الذي
ضرب زيدًا، وعمل علمه؛ لأن الألف واللام منعتا الإضافة وصارتا بمنزلة
التنوين".
3 زيادة من "ب".
4 منصوب على التمييز، انظر التذييل والتكميل لأبي حيان 1/ 378، وشرح
الإيضاح للرهاوي 1/ 50.
5 في "ب" قال، بإسقاط الواو.
6 انظر الكتاب 1/ 99.
(2/265)
ذكر ما يوصل به الذي
1:
اعلمْ: أنَّ "الذي" لا تتم صلتها إلا بكلامٍ تام وهي توصل بأربعة
أشياء: بالفعل والمبتدأ والظرف والجزاء بشرطه وجوابهِ, ولا بد من أن
يكون في صلته ما يرجع إليه, فإن لم يكن كذلك فليس بصلة لهُ والفعل الذي
يوصل به "الذي" ينقسم انقسامه [أربعة أقسام] 2 قبل أن يكون صلةً:
فِعْلٌ غير متعد، وفِعل متعد إلى مفعولٍ واحدٍ، وفِعلٌ متعد إلى
مفعولين, وفِعْلٌ متعد إلى ثلاثة مفاعيل, وفِعْلٌ غيرُ حقيقي نحو
"كانَ" و"ليسَ" فهذه الأفعالُ كلها يوصل بها "الذي" مع جميع ما عملت
فيه, وذلك قولك: الذي قامَ والذي ضَربَ زيدًا, والذي ظَنَّ زيدًا
منطلقًا, والذي أعطى زيدًا درهمًا، والذي أعلمَ زيدًا عمرًا أبَا فلانٍ
"والذي كانَ قائمًا والذي ليسَ منطلقًا" ففي هذه كلها ضمير "الذي" وهو
يرجع إليه وهو في المعنى فاعلٌ، فاستتر3 في الفعل ضمير الفاعل؛ لأنه قد
جرى على من هو لهُ فإن كان الفعل لغيره لم يستتر4 الضمير وقلت: "الذي
قامَ أبوهُ أَخوك" والذي ضربَ أخوهُ زيدًا صاحبكَ، وأما وصله بالمبتدأ
فنحو "الذي هُوَ زيدٌ أخوك" والذي زيدٌ أبوهُ غلامُكَ والذي غلامُه في
الدار عبد الله. وأما صلته بالظرف فنحو قولك: "الذي خلفَكَ زيدٌ"
كأنَّك
__________
1 أطال ابن السراج القول في هذا الباب ولم يوجد في كتب النحو مثل هذه
الإطالة سوى ما في المقتضب 3/ 89 إلى 132. وشرح الكافية للرضي 2/ 42،
وقد لام العصام الرضي على هذا فقال في شرحه للكافية/ 201: أكثر الرضي
عنه لا سيما في الإخبار عن المتنازع فيه وفي إملال لا يتبعه مزيد نفع،
ومسائل الرضي هذه منقولة من كتاب أصول ابن السراج/ 223 وما بعدها، وقد
تنبه البغدادي إلى هذه الحقيقة. انظر الخزانة 2/ 530.
2 زيادة من "ب".
3 في "ب" فانستر.
4 في "ب" ينستر.
(2/266)
قلت: "الذي استقرَّ خلفَكَ زيدٌ"1 والذي
عندَك والذي أمامَكَ وما أشبه ذلك وأما وصلُه بالجزاء فنحو قولك: "الذي
إنْ تأتِه يأتِك عمرو" و"الذي إنْ جئتَهُ فهو يُحسنُ إليكَ" ولا يجوز
أن تصلَ "الذي" إلا بما يوضحهُ ويبينهُ من الأخبار فأما الاستخبار فلا
يجوز أنْ يوصل به "الذي" وأَخواتُها, لا يجوز أن تقول: "الذي أَزيدٌ
أَبوهُ قائمٌ" وكذلك النداءُ والأمر والنهي. وجملة هذا أن كل ما تمكن
في باب الأخبار ولم يزد فيه معنى على جملة الأخبار وصَلُحَ أن يقال فيه
صدقٌ وكذبٌ، وجازَ أن توصف به النكرة فجائزٌ أن يوصل به "الذي" ويجوز
أن تصل بالنفي فتقول: "الذي ما قامَ عمرو" لأنه خبرٌ يجوز فيه الصدقُ
والكذبُ ولأنك2 قد تصفُ به النكرة فتقول: "مررتُ برجلٍ ما صَلى", وكل
فعلٍ تصلُ به "الذي" أو تصفُ به النكرة لا يجوز أن يتضمن ضمير الموصول
أو الموصوف, فغير جائزٍ أن تصل به "الذي"3 لو قلت: "مررتُ برجلٍ نِعم
الرجلُ" لَما جاز إلا أن تريد: "هُوَ نِعْمَ الرجلُ" فتضمر المبتدأ على
جهةِ الحكاية. ومن ذلك فِعْلُ التعجبِ، لا يجوز أن تصل به ولا تصف، لا
تقول: "مررتُ برجلٍ أكرمْ به من رجلٍ" لأنَّ الصفةَ موضعها من الكلام
أن تفصل بين الموصوفات وتبين4 بعضها من بعض, وإنما تكون كذلك إذا كانت
الصفة محدودةً متحصلة, فأما إذا كانت مبهمة [غير متحصلةٍ] 5 فلا يجوز،
ألا ترى أنك
__________
1 انظر المقتضب 3/ 102 قال المبرد: اعلم أن كل ظرف متمكن فالإخبار عنه
جائز، وذلك قولك إذا قال قائل: زيد خلفك، أخبر عن "خلف" قلت: الذي زيد
فيه خلفك، فترفعه؛ لأنه اسم، وقد خرج من أن يكون ظرفًا. وإنما يكون
ظرفًا إذا تضمن شيئًا نحو: زيد خلفك؛ لأن المعنى: زيد مستقر في هذا
الموضع والخلف مفعول فيه.
2 في "ب" لأنك، بإسقاط الواو.
3 "الذي" ساقط في "ب".
4 في "ب" وبين.
5 زيادة من "ب".
(2/267)
إذا قلت: "أكرم بزيد وما أكرمه" فقد فضلتهُ
في الكرم على غيره إلا أنكَ لم تذكر المفضول إذ كان أبلغ في المدح أن
يظن به كل ضربٍ من الكرم، فإذا قلت: أكرم من فلانٍ فَقَدْ تَحصّلَ
وزالَ معنى التعجب وجاز أن تصفَ به وتصل1 به، فنعم وبئس من هذا الباب،
فإن أضمرت مع جميع هذه القولَ جازَ فيهنَّ أن يكُنَّ صفاتٍ وصلاتٍ؛ لأن
الكلام يصير خبرًا فتقول: مررتُ برجلٍ يقالُ [لَهُ] 2: ما أحسنه
ويقالُ: أَحسنْ به، وبرجلٍ تقولُ لَهُ: اضربْ زيدًا وبالذي يقالُ لهُ:
اضربْ زيدًا, وبالذي يقول: اضربْ زيدًا, ومررتُ برجلٍ نِعْمَ الرجل
هُوَ، أي: تقولُ: نِعْمَ الرجلُ هُوَ, وبالذي نِعْمَ الرجلُ هُوَ أي:
بالذي يقول: نِعْمَ الرجلُ هُوَ.
واعلم: أنَّ الصلةَ والصفة حقهما أن تكونا موجودتينِ في حال الفعل الذي
تتذكرهُ لأنَّ الشيءَ إنما يوصفُ بما فيه، فإذا وصفتهُ بفعلٍ أو وصلتهُ
فالأولى به أن يكون حاضرًا كالاسم، ألا ترى أنكَ إذا قلت: مررتُ برجلٍ
"قائمٍ" فهو في وقت مروركَ في حال قيامٍ، وإذا قلت: "هذا رجلٌ قامَ
أمسِ" فكأنكَ قلتَ: "هذا رجلٌ معلومٌ" أي: "أعلمه"3 الساعة أنهُ قامَ
أمسِ، ولأنكَ4 محققٌ ومخبرٌ عما تعلمه في وقت حديثكَ، وكذلكَ إذا قلت:
"هذا رجل يقومُ غدًا" فإنما المعنى: "هذا رجلٌ معلومٌ الساعةَ أنَّهُ
يقومُ غدًا" وعلى هذا أجازوا: مررتُ برجلٍ معه صقْرٌ صائدًا به غدًا,
فنصبوا "صائدًا" على الحال؛ لأنَّ التأويل "مقدرًا الصيد بهِ غدًا" فإن
لم يتأولْ ذلك فالكلام محالٌ, وكل موصوفٍ فإنما ينفصلُ من غيره بصفةٍ
لزمته في وقته, وكذلك الصلة إذا قلت: "الذي قامَ أمسِ، والذي يقومُ
غدًا" فإن وصلت "الذي" بالفعل المقسم عليه نحو قولك: "ليقومنَّ" لم
تحتج إليه
__________
1 في "ب" نصف, وهو خطأ.
2 زيادة من "ب".
3 أي: أعلمه، ساقط من "ب".
4 في "ب" لأنك، بإسقاط الواو.
(2/268)
لأن القسمَ إنما يدخلُ على ما يؤكد إذا
خِيفَ ضَعفُ علم المخاطب بما يقسم عليه، والصفة إنما يراعى فيها من
الكلام مقدار البيان, وبابها: أن يكون خبرًا خالصًا لا يخلطه معنى قسم
ولا غيره، فإن وصل به فهو عندي جائز؛ لأن التأكيد لا يبعده من أن يكون
خبرًا, وأما إنَّ وأخواتها فحكم "إنَّ" من بين أخواتها، حكم الفعل
المقسم عليه إن لم تذكرها في الصلة, فالكلام غير محتاج إليها وإن
ذكرتها جاز, فقلت: "الذي إنَّ أباهُ منطلقٌ أخوكَ" وفي "إنَّ" ما ليس
في الفعل المقسم عليه؛ لأن خبر "إنَّ" قد يكون حاضرًا وهو بابها, وفعلُ
القسمِ ليس كذلك إنما يكون ماضيًا أو مستقبلًا فحكمه حكم الفعلِ1
الماضي والمستقبل إذا وصف به، و"ليت ولعلَّ" لا يجوز أن يوصلَ بهما؛
لأنهما غيرُ أخبارٍ ولا يجوز أن يقال فيهما صدقٌ ولا كذبٌ، و"لكنَّ" لا
يجوز أن يوصل بها ولا يوصفُ لأنها لا تكون إلا بعد كلام. وأما "كأَنَّ"
فجائزٌ أن يوصل بها ويوصفُ بها وهي أحسنُ من "إنَّ" من أجل كافِ
التشبيه، تقول: "الذي كأنَّهُ الأسدُ أَخوكَ, ومررت بالذي2 كأنَّهُ
الأسدُ" لأنه في معنى قولك: مثلُ الأسَدِ [واعْلَم أنَّهُ لا يجوز أن
تقدم الصلة على الموصولِ، ولا تفرق بين الصلة والموصول بالخبر، ولا
بتوابع الموصول بعد تمامه كالصفة والبدلِ، وما أشبه ذلك] 3.
__________
1 الفعل، ساقط في "ب".
2 في "ب" برجل، ولا معنى لها.
3 زيادة من "ب".
(2/269)
ذكر الإِخبار عن الذي:
اعلم: أنَّ "الذي" إذا تمت بصلتها كان حكمها حكم سائر الأسماء التامة
فجاز أن تقع فاعلةً ومفعولةً ومجرورةً ومبتدأةً وخبرًا لمبتدأ، فتقول:
"قامَ الذي في الدارِ, ورأيت الذي في الدار، ومررتُ بالذي في الدار،
وزيدٌ الذي في الدار" فيكون خبرًا1، والذي في الدار زيدٌ، فتكون
__________
1 فيكون خبرًا، ساقط في "ب".
(2/269)
"الذي" مبتدأةً وزيدٌ خبر المبتدأ، وإذا
جعلت مبتدأةً فحينئذٍ تكثر المسائلُ وهو الباب الذي أفرده النحويون1
وجعلوه كحد من الحدودِ، فيقولون: إذا قلتَ "قامَ زيدٌ" كيف تخبر عن
زيدٍ بالذي وبالألف واللام؟ فيكون الجواب: الذي قامَ زيدٌ والقائمُ
زيدٌ "فتكون" الذي مبتدأ وقامَ صلتهُ وفيه ضمير يرجع إليه وبه تمَّ.
وهو في المعنى: "زيدٌ" لأنَّ الضمير هو الذي والذي هو زيدٌ، فهو في
المعنى الفاعلُ, كما كان حين قلتَ: "قامَ زيدٌ" وكذلك إذا دخلت الألف
واللامُ بدلًا من الذي قلت: "القائمُ زيد" فالألف واللامُ قد قامتا
مقامَ الذي و"قائم"2 [قَدْ] حَلَّ مقامَ "قامَ" وفي "قائمٍ" ضمير يرجع
إلى الألف واللام, والألفُ واللام هما زيدٌ إلا أنكَ أعربت "القائمَ"
بتمامه بالإِعراب الذي يجبُ "للذي" وحدها إذ لم يكن سبيلٌ إلى غير ذلك,
وكل اسم قيل لك أخبر عنه فحقه أن تنتزعه من الكلام الذي كانَ فيه وتضع
موضعه ضميرًا يقومُ مقامهُ، ويكون ذلك الضمير راجعًا إلى الذي أو الألف
واللام، وإنما كان كذلك لأن كل مبتدأٍ فخبره إذا كان اسمًا مفردًا في
المعنى هُوَ هُوَ، فإذا ابتدأتَ "بالذي" وجعلت اسمًا من الأسماء خبره,
فالخبر هو "الذي" والذي هو الخبر, وهذا شرط المبتدأ والخبر, وإنما
الأخبار عن "الذي والألف واللامِ" ضربٌ من المبتدأ والخبر, وقد كنت
عرفتك أن الصلة كالصفة للنكرة فإذا أشكل عليك شيءٌ من ذلك فاجعل الصلة
صفة3 ليبين لك إنْ قالَ قائلٌ إذا قلت: "ضربتُ زيدًا" كيف تخبر عن زيد،
قلت: "الذي ضربتهُ زيدٌ" فجعلت موضع "زيدٍ" الهاء وهي مفعول كما كان
زيدٌ وهو4 "الذي والذي هو زيد" فإن جعلته صفةً قلت: "رجلٌ ضربتهُ زيدٌ"
إلا أنَّ حذف الهاء في
__________
1 انظر المقتضب 3/ 99 وما بعدها، وشرح الرضي 2/ 42 وما بعدها.
2......
3 في الأصل "صلة" والتصحيح من "ب".
4 في الأصل "وهي" والتصحيح من "ب".
(2/270)
صلة "الذي" حَسَنٌ؛ لأنهم استثقلوا اجتماع
ثلاثة أشياء في الصلة "فِعْلٌ وفاعلٌ ومفعولٌ" فصرن1 مع "الذي" أربعة
أشياء تقوم مقامَ اسمٍ واحدٍ فيحذفون الهاءَ لطول الاسم، ولك أن تثبتها
على الأصلِ, فإن أخبرت عن المفعولِ بالألف واللام قلت: "الضاربُهُ أنا
زيدٌ" وكان حذفُها قبيحًا, وقد أجازوهُ على قبحه. وقال المازني: لا
يكادُ يسمع من العرب وحذفُ الهاء من الصفة قبيحٌ إلا أنه قد جاء في
الشعر. والفرق بينهُ وبين الألف واللامِ أنَّ الهاء ثَمَّة تحذفُ من
اسمٍ وهي في هذا تحذف من فعلٍ وإن قيلَ لكَ: أخبرْ عن "زيدٍ" من قولك:
"زيدٌ أَخوكَ" قلت: "الذي هو أَخوك زيدٌ" أخذت زيدًا من الجملة وجعلت
بدله ضميرهُ وهو مبتدأٌ كما كانَ زيدٌ مبتدأً وأخوك خبره كما كان,
وقولك: هو وأخوك جميعًا صلة "الذي" وهي راجعة إلى "الذي" والذي هو
"زيدٌ" وإن أردتَ أن تجعلهُ صفةً فتعتبره بهاء قلت: "رجلٌ هُو أخوكَ
زيدٌ" فقولك2: هو أخوكَ جملةٌ, وهي صفةٌ لرجلٍ وزيدٌ الخبرُ, فإن أردت
أن تخبر عن "أخوكَ" قلت: "الذي زيدٌ هُوَ أخوكَ" فجعلت الضميرَ موضعَ
"الذي" انتزعتهُ من الكلام وجعلتهُ خبرًا, وإنما قال النحويونَ: أخبر
عنهُ وهو في اللفظ خبر؛ لأنه في المعنى محدثٌ عنهُ, ولأنه قد يكون
خبرًا3 ولا يجوز أن يحدث4 عنه نحو الفعل، والألف واللام لا مدخل لهما
في المبتدأ والخبر كما عرفتك, وهذه المسائل تجيءُ في أبوابها مستقصاةً
إن شاء الله, فإن كان خبر المبتدأ فعلًا أو ظرفًا غير متمكنٍ لم يجز
الإِخبارُ عنه إذا قال لكَ: "زيدٌ قامَ" كيفَ تخبرُ عن "قامَ" لم يجز؛
لأن الفعل لا يضمر، وكذا5 لو قال: "زيدٌ في الدار" أخبر عن "في الدار"
لم يجز؛ لأن هذا مما لا يضمر، وقد بينا أن معنى قولهم: أخبر
__________
1 في "ب" فصارت.
2 في "ب" وقولك.
3 زيادة الواو من "ب".
4 في "ب" يخبر.
5 في "ب" وكذلك.
(2/271)
عنهُ أي: انتزعهُ من الكلام واجعل موضعهُ
ضميرًا، ثم اجعله خبرًا، فهذا لا يسوغُ في الأفعال ولا الحروف.
واعلم: أنهُ إذا كان صلةُ "الذي" فعلًا جاز أن يدخل الفاء في الخبر
نحو: "قامَ فلَهُ درهمٌ" والذي جاءني فأنا أكرمهُ, شبهَ هذا1 بالجزاء
لأن قولك: فلَهُ درهمٌ تبع المجيء، وكذلك هو في الصفة تقول: "كُلُّ
رجلٍ جاءني فلَهُ درهمٌ, وكلُّ رجلٍ قام فإني2 أكرمهُ" والأصل في جميع
هذا طرح الفاء وأنت في ذكرها مخيرٌ إلا أنها إذا دخلت ضارع الكلام
الجزاء ويبين أن الخبر من أجل الفعل؛ ولذلك لم يجزْ أن تدخل الفاءُ في
كل حالٍ [وبأن] 3 لو قلت: "الذي إنْ قمتُ قام فلَهُ درهمٌ" لم يجزْ؛
لأن معنى الجزاء قد تمَّ في الصلة ولكن لو قلت: "الذي إنْ قمتُ قامَ
[فلَهُ درهمٌ] 4 إنْ أعطاني أعطيتهُ" جاز لأنه بمنزلة قولك: "زيدٌ إن
أعطاني أعطيتهُ" وكذلك إذا قلت: "الذي إنْ أَتاني فلَهُ درهمٌ لَهُ
دينارٌ" لا يجوز أن تدخل الفاء على "لَهُ دينارٌ" فالفاء إذا دخلت في
خبر "الذي" أشبه الجزاء من أجل أنه يقعُ الثاني بالأول، ألا ترى أنكَ
إذا قلت: الذي يأتيني لهُ درهمٌ, قد يجوز أن يكون لهُ درهمٌ لا من أجل
إتيانهِ، ويجوز أن يكونَ لهُ درهمٌ من أجلِ إتيانه, فإذا قلت: الذي
يأتيني فلهُ درهمٌ دلت الفاءُ على أنَّ الدرهمَ إنما يجب لهُ من أجلِ
الإِتيان, إلا أن الفرق بين الذي وبين الجزاء الخالص أنَّ الفِعلَ الذي
في صلة "الذي" يجوز أن يكون ماضيًا وحاضرًا ومستقبلًا، والجزاء لا يكون
إلا مستقبلًا وإذا جاءت الفاء فحق الصلة5 أن تكون6 على اللفظ الذي يحسن
في الجزاء في اللفظ
__________
1 "هذا" ساقط من "ب".
2 في "ب" فأنا.
3 زيادة من "ب".
4 زيادة من "ب".
5 في "ب" الصفة.
6 تكون، ساقطة من "ب".
(2/272)
وإن1 اختلفَ المعنى. فمن أجل هذا يقبحُ أن
تقول: "الذي ما يأتني فلَهُ درهمٌ" لأنه لا يجوز أن تقول: "إنْ ما
أتاني زيدٌ فلَهُ درهمٌ و"لاَ" كُلّ رجلٍ ما أتاني فلهُ درهمٌ" إذا
أردتَ هذا المعنى, قلت: "الذي لم يأتني فلَهُ درهمٌ, وكُلُّ رجلٍ لم
يأتني فلَهُ درهمٌ" والقياسُ يوجبُ إجازتهُ للفرق الذي بين "الذي
[وبين] 2 الجزاء" لأنهُ إذا جازَ أن يلي الذي من الأفعال ما لا يلي
"إنْ" وكان المعنى مفهومًا غير مستحيل فلا مانع يمنعُ من إجازته، وإنما
أجزنا دخولَ الفاء في هذا لأن الذي ما فَعَل قد يجبُ لهُ شيءٌ بتركه
الفعل إذا كان ممن يقدر منه ذلك الفِعْلُ, وإنما لم يجز "ما" مع "إنْ"
في الجزاء؛ لأن "ما" لا تكون إلا صدرًا والجزاء لا يكون إلا صدرًا فلم
يجز لأن "إن" تعمل فيما بعد "ما" فلما أرادوا النفي أتوا "بلَمْ"
وبنوها مع الفعل حتى صارت كأنها جزءٌ منه أو "بلا" فقالوا: "إنْ لَمْ
تَقمْ قمتُ، وإنْ لم3 تقمْ لا أقمْ".
واعلم: أن كل اسمٍ لا يجوز أن تضمره وترفعهُ من الكلام وتكني عنه, فلا
يجوز أن يكون خبرًا في هذا الباب من أجل أنكَ متى انتزعته من الكلام
وهو اسم ظاهرٌ أو مضمر فلا بد [من] 4 أن تضمر في موضعه، كما خبرتُكَ.
ولك اسم مبني إلا المبهمات والمضمرات والذي وما كان في معناهُ فإنهن
في5 أصول الكلام لا يجوز أن يكُنَّ خبرًا "للذي"6، وكذلك كلُّ ظرفٍ غير
متمكنٍ في الإِعراب ليس مما يرفع لا يجوز أن يكون خبرًا [للذي] 7 لأن
جميع الأسماء إذا صارت أخبارًا "للذي" والذي مبتدأ
__________
1 "إن" ساقطة من "ب".
2 زيادة من "ب".
3 في "ب" وإن لا تقم لا أقم.
4 زيادة من "ب".
5 زيادة من "ب".
6 في "ب" للمبتدأ.
7 زيادة من "ب".
(2/273)
لم يكن بد من رفعها فكلُّ ما لا1 يرتفع لا
يجوز أن يكون خبرًا، لو قلت: الموضع الذي فيه زيدٌ عندك، لم يجز لأنه
كان يلزم أن يرفع "عنه" وهو لا يرتفع, وكذلك ما أشبهه, ولو قلتَ:
الموضع الذي قمتَ فيه خلفكَ, جاز لأن "خلفَ" قد يرفعُ ويتسعُ فيه
فيقالُ: "خلفكَ2 واسع" وأما ما يجوز من المبهمات والمضمرات فنحو قولك:
"الذي في الدار هَذا، والذي في الدار الذي كانَ يُحبُّك، والذي في
الدار هُوَ" وكذلك ما كان في معنى "الذي" تقول: "الذي في الدار مَنْ
تُحبُّ, والذي في الدار ما تحبُّ" فيكون3 الخبر "مَا ومَن" بصلتهما
وتمامهما فإن كانتا4 مفردتين لم يجز أن يكونا خبرًا5 "للذي" وكذلك الذي
لا يجوز أن يكون خبرًا وهو بغير صلة إلا على نحو ما جاء في الشعر مثل
قوله:
بَعْدَ اللتيّا واللتيّا والتي6 ...
__________
1 في "ب" فما.
2 يكون خلفك هنا خبرًا وليس بظرف؛ لأنه من الظروف المتصرفة، ومثل ذلك
اليوم، تقول: يوم الجمعة، تخبر عن اليوم كما تخبر عن سائر الأسماء؛
لأنه ليس بظرف.
3 في "ب" ليكون.
4 في "ب" كانا.
5 في "ب" خبرين.
6 من شواهد الكتاب 1/ 376، على حذف الصلة اختصارًا لعلم السامع. واقتصر
على الشطر الأول كذلك فعل ابن السراج.
واستشهد به 2/ 140 على تصغير التي على اللتيا، وتكملة البيت:
بعد اللتيا واللتيا والتي ... إذا علتها أنفس تردت
اللتيا والتي ههنا، إنما هو لتأنيث الداهية، وتردت: تفعلت، من الردى
مصدر ردى: إذا هلك، أو من التردي الذي هو السقوط من علو. وينسب هذا
الرجز إلى العجاج.
وانظر: المقتضب 2/ 289, والرماني 3/ 56, وأمالي ابن الشجري 1/ 24, وشرح
المفصل 5/ 140, والديوان/ 5, وارتشاف الضرب/ 135, والخزانة 2/ 560.
(2/274)
فإن هذا حذف الصلات لعلم المخاطب بالقصة،
ولا يجوز أن تخبر عن النعت لأنك تحتاج أن تضمره، فإذا أضمرته زال أن
يكون نعتًا، لو قيل لك: أخبر عن العاقل في قولك: "زيدٌ العاقلُ أخوكَ"
فأخبرت, لزمكَ أنْ تقول: "الذي زيدٌ هوَ أخوكَ العاقلُ" فتضع موضع
"العاقل" هو1 فيصيرُ نعتًا لزيدٍ وهو لا يكون نعتًا ولا يجوز أن تخبر
عن "زيدٍ" وحده في هذه المسألة؛ لأنه يلزمك أن تقول: "الذي هو العاقل
أخوك زيدٌ, فتصف "هُوَ" بالعاقل وهذا لا يجوز, ولكن إذا قيل لك: أخبر
عن مثل هذا فانتزع زيدًا وصفتهُ جميعًا من الكلام, وقل: "الذي هو أخوكَ
زيدٌ العاقلُ" ومما لا يجوز أن يكون خبرًا المضافُ دون المضاف إليه, لو
قيل: "هذا غلامُ زيدٍ" أخبر عن "غلامٍ" ما جاز؛ لأنه كان يلزم أن تضمرَ
موضع غلامٍ وتضيفه إلى "زيدٍ" والمضمر لا يضاف، فأما المضاف إليه فيجوز
أن2 يكون خبرًا؛ لأنه يجوز أن يضمر، وجميع ما قدمتُ سيزداد وضوحًا إذا
ذكرت الأبواب التي أجازها النحويون.
__________
1 هو، ساقط في "ب".
2 في "ب" يضمر بعد "أن" ولا معنى لها.
(2/275)
|