الأصول في النحو

باب ما جاز أن يكون خبرا
مدخل
...
باب ما جاز أن يكون خبرًا:
اعلم: أن أصول الكلام جملتان: فعلٌ وفاعلٌ ومبتدأٌ وخبرٌ، وقد عرفتُك كيفَ يكون الفاعل خبرًا وأن الفعل لا يجوز أن يكون خبرًا مخبرًا عنه في هذا الباب، وذكرت لك المبتدأ والخبر والإِخبار عن كُل واحدٍ منهما، وأبواب هذا الكتاب تنقسم بعددِ أسماء الفاعلين والمفعولين وبحسب ما يتعدى من الأفعال وما لا يتعدى، فكلُّ ما يتعدى إليه الفعلُ ويعمل فيه إلا ما استثنيناه [مما تقدمَ] 1 فهو جائز أن تخبر عنه، إلا أن يكون اسمًا نكرةً لا يجوز أن يضمر [فيعرف] 2 فإنه لا يجوز الإِخبار عنه نحو ما ينتصب بالتمييز, فجميع الأبواب التي يجوز الإِخبار عن الأسماء التي فيها [مميزٌ] 3 أربعة عشر بابًا:
الأول: الفعل الذي لا يتعدى.
والثاني: الفعلُ الذي يتعدى إلى مفعولٍ واحدٍ.
والثالث4: ما يتعدى إلى مفعولين، ولكَ5 أن تقتصر على أحدهما.
__________
1 زيادة من "ب".
2 زيادة من "ب".
3 زيادة من "ب".
4 في "ب" الفعل، بدلًا من "ما".
5 في "ذلك" بإسقاط الواو.

(2/276)


والرابع: ما يتعدى إلى مفعولين وليس لكَ أن تقتصر على أحدهما.
والخامس: ما يتعدى إلى ثلاثة مفعولينَ.
والسادس: الفعلُ الذي بنيَ للمفعول الذي لم يذكر مَنْ فعَلَ بهِ.
والسابع: الذي تعداهُ فعلهُ إلى مفعول واسم الفاعل والمفعول لشيءٍ واحدٍ.
والثامن: الظروف من الزمان والمكان.
والتاسع: المصدرُ.
والعاشر: المبتدأُ والخبرُ.
والحادي عشر: المضافُ إليهِ.
والثاني عشر: البدلُ.
والثالث عشر: العطفُ.
والرابع عشر: المضمرُ.
وقد كان يجب أن يقدم باب1 ما يخبر فيه "بالذي" ولا يجوز أن يخبر عنه2 بالألف واللام ولكنا أخرناهُ ليزداد وضوحه بعد هذه الأبواب. فأما ما قاسه النحويون من المحذوفات في الكلام ومن3 إدخال "الذي" على "الذي" و"التي" وركبوه من ذلك, فنحن نفرده بعد إن شاء الله.
__________
1 في الأصل "الباب" التصحيح من "ب".
2 في الأصل "فيه" والتصحيح من "ب".
3 الواو، زيادة من "ب".

(2/277)


الأول: باب الفعل الذي لا يتعدى الفاعل إلى المفعول:
وهو "ذهبَ زيدٌ وقعدَ خالدٌ"1 وكذلك جميع ما أشبههُ من الأفعال التي
__________
1 في "ب" عمرو بدلًا من خالد.

(2/277)


لا تتعدى إذا قيل لك: أخبرْ عن "زيدٍ" بالذي قلت: "الذي ذَهَبَ زيدٌ"1 فالذي مبتدأٌ, و"ذهبَ" صلته وفيه ضمير الفاعل وهو يرجع إلى "الذي" فقد تم "الذي" بصلته وخبرهُ زيدٌ, فإن قيل لك: أخبر عنه بالألف واللام قلت: "الذاهبُ أَخوكَ" فرفعت الذاهب؛ لأنهُ اسمٌ ومعناه: "الذي ذهبَ" ولم يكن بد من رفعه؛ لأن اللام لا تنفصل من الصلة كانفصال "الذي" وهي2 جزءٌ من الاسم ولكن المعنى معنى "الذي" فإن ثنيتَ "الذي" قلت: "اللذان قاما أَخواكَ" فإن جعلتَ "موضعَ" الذي3، الألف واللام قلت: "القائمانِ أخواك" ثنيتَ "القائمَ" إذ لم يكن سبيلٌ إلى ثنيةِ الألف واللام, والتأويل: "اللذان قاما" ويرجع إلى الألف واللام الضميرُ الذي في "القائمينِ" وليست الألفُ بضميرٍ في "قائمانِ" وإنما هي ألفُ التثنية مثلها في سائر الأسماء التي ليس فيها معاني الأفعال، كما تقول: الزيدان أخواكَ, فإن جمعتَ قلت: "الذينَ قاموا إخوتُكَ" وبالألف واللام: "القائمونَ إخوتُكَ" وتفسيرُ الجمع كتفسير التثنية، ومن استفهم قال4: "القائمونَ إخوتُكَ" و"القائمانِ أخواكَ"5 ولا يجوز أن تقول: "القائمُ إخوتُكَ" على قول من قالَ: "أَقائمٌ إخوتُكَ" لأن قولهم6: "أقائمٌ إخوتكَ"7 يجري مجرى: أَيقومُ إخوتُكَ، وما كان فيه الألف واللام لا يجري هذا المجرى؛ لأنه قد تكمل اسمًا معرفة والمعارف لا تقومُ مقامَ الأفعالِ؛ لأن الأفعالَ نكراتٌ، ولكن لا يجوز أن تعمل ما في صلة الألف واللام وهو "قائمٌ" فتقول: "القائمُ أَبوهُ وأَخوكَ, والقائمُ أَبوهما أَخواكَ" ولا يجوز أن تقول: "القائمانِ أَبواهما أَخواكَ" من أجل
__________
1 "زيد" ساقط من "ب", وانظر المقتضب 3/ 91.
2 في "ب" وهو.
3 في "ب" اللين، ولا معنى له.
4 قال: ساقط في "ب".
5 في "ب" الذاهبان.
6 في "ب" قولك.
7 أي: إن إعراب "إخوتك" فاعل سد مسد الخبر، وأقائم: مبتدأ.

(2/278)


أنَّ "قائمٌ" قد عَمِلَ عَمَلَ الفعْلِ وما تمت الألف واللامُ بعد بصلتهما وما لم يتم فلا يجوز أن يُثنى، فإذا1 أَعملت "ما" في صلة الألف واللام في "فاعل" امتنعت التثنية وإنّما جاز أن تقول: "القائمانِ أَخواكَ" لأن الاسم قد تم والضمير الذي في "القائمِ" لا يظهر فأشبه ما لا ضمير فيه، وإنما احتمل الضمير الاسم إذا كان في2 صلة ما هو له وجاريًا عليه استغناءً بعلم السامع، وليس بابُ الأسماء أن تضمر فيها إنما ذلك للأفعال، فإذا لم يكن اسمُ الفاعل فعلًا في الحقيقة للألف واللام أو لما يوصف به أو يكون خبرًا لهُ لم يحتمل الضمير ألبتة، وقد بينتُ ذا فيما تقدم. وتقول: "القائمُ أخواهُ زيدٌ, والقائمُ إخوتهُ عمرٌو" لأن الفعلَ للأَخوينَ وللإخوة وهو مقدمٌ, فالضمير أبدًا عدته بحسب الألف واللام إن عنيت بهما واحدًا كان واحدًا، وإن عنيتَ اثنين كانَ مُثنى, وإن عنيتَ جميعًا كان جمعًا، وكذلك الألف واللام والذي، إنما هي3 بحسب من تضمر في العدة، وإذا4 قلت: "اللذانِ ذهبا أخواك" قلت: "الذاهبان أخواك" وإذا قلت "الذين يذهبونَ قومكَ" قلت: "الذاهبونَ قومُكَ" تثني اسمَ الفاعل في الموضع الذي تثني فيه الفِعْلَ, ألا ترى أنكَ تقولُ: "الزيدانِ ذاهبانِ" لما كنت تقول: "الزيدانِ يذهبانِ" ولا يجوز أن تقول "الزيدانِ ذاهبٌ" وتضمرهما, وتقول: "الزيدانِ ذاهبٌ أبوهما" كما كنت تقول: "الزيدانِ يذهبُ5 أَبوهما" إلا أنَّ تقدير الألف في "ذاهبانِ" غير تقديرها6 في "يذهبان" لأنَّ ألفَ7 "يذهبانِ" للتثنية والضمير, وهي في "ذاهبانِ" تثنيةٌ وإنما الضميرُ في النية.
__________
1 زيادة الفاء من "ب".
2 في "ب" من، بدلًا من "في".
3 في "ب" هو.
4 في "ب" فإذا.
5 في الأصل "يذهبان" والتصحيح من "ب".
6 الهاء في "تقديرها" ساقطة من "ب".
7 في "ب" لأنها "في".

(2/279)


الثاني: الفعل الذي يتعدى إلى مفعول واحد.
وذلك قولك: "ضَربَ زيدٌ عمرًا" اعلم أن هذا الباب لا بد من أن يكون في جميع1 مسائله اسمانِ في كل مسألة: فاعلٌ ومفعولٌ, فإن قيل لك: "أخبرْ عن الفاعلِ بالذي" قلت: "الذي ضَربَ عمرًا زيدٌ" فالذي رفع بالابتداء "وضَربَ عمرًا" صلتهُ وفي "ضَرَبَ" ضميرُ "الذي" هو راجع إليه, وضَربَ وعمرو في صلة "الذي" وبهما تم اسم, والخبرُ زيدٌ, وزيدٌ هو "الذي", فإن قيلَ لكَ: ثَنِّ واجمعْ قلتَ: "اللذانِ ضربا عمرًا الزيدانِ" والذين ضربوا عمرًا الزيدونَ, لا بد من أن يكون الخبرُ بعدَ المبتدأ مساويًا لهُ, وكذلك الضمير الذي في الصلة وهي2 كلها يشار بها إلى معنى واحدٍ [الذي والضميرُ والخبرُ] 3، فإن قيل لك: أخبر بالألف واللام عن الفاعل في هذه المسألة قلت: "الضاربُ عمرًا زيدٌ" والتفسير كالتفسير في "الذي" فإن قيل لك4: ثَنِّ واجمعْ قلتَ: "الضاربانِ عمرًا الزيدانِ" والضاربون عمرًا الزيدون، ولا يجوز أن تقول: "الضارب عمرًا الزيدانِ" لأن المبتدأَ قد نقص عدده5 عن عدة الخَبر، والضاربُ عمرًا واحدٌ وليسَ في الصلةِ دليلٌ على أن الألف واللام لجماعةٍ، فإذا6 ثنيتَ وجمعت قام الدليل وقد مضى تفسيرُ ذا، وينبغي أنْ تراعي في التثنية والجمع "اللذين" في الألف واللام أن يكون الاسم الذي فيه الألف واللام بأسره نظير "الذي" وحدها في إعرابه وتثنيته وجمعه, فإن رفعتَ "الذي" رفعتهُ وإن نصبتهُ نصبتهُ وإن خفَضتَهُ خفضتهُ, وإنْ ثنيتَه وجمعتَه ثنيتهُ وجمعتهُ7, وكذلك يكونان إذا قامَ
__________
1 في الأصل "أربع" والتصحيح من "ب".
2 وهي، ساقطة في "ب".
3 زيادة من "ب".
4 زيادة من "ب".
5 في الأصل "عدته" والتصحيح من "ب".
6 في "ب" وإذا.
7 الواو، زيادة من "ب".

(2/280)


أحدهما مقامَ الآخر. ومن حيث أعرب الفاعل في هذا الباب نحو: "الضاربُ" كإعرابِ "الذي" كذلك ثُني وجُمع تثنيته1 وجمعهُ، ولو كانت الألف واللام تُثنى أو يكون فيها دليل إعرابٍ لانفصلت كانفصال "الذي" من الصلة, فما فيه الألف واللام مما جاء على معنى الذي لفظهُ لفظ الاسم غير الموصول ومعناهُ معنى الموصول، فإن قيل لكَ: أخبرْ عن المفعول في قولك: ضَربَ زيدٌ عمرًا قلت: "الذي ضربَهُ زيدٌ عمرٌو" وحذف الهاء حسنٌ2 كما خبرتك به، وإنْ3 شئت قلتَ: الذي ضربه4 زيدٌ عمرو، فالذي مبتدأٌ وضربَهُ زيدٌ صلتهُ, والهاء ترجع5 إلى "الذي" وعمرو خبر المبتدأ، والذي هو عمرو. فإن ثنيتَ وجمعتَ قلتَ: اللذانِ ضربهما زيدٌ العمرانِ، والذينَ ضربهم زيدٌ العمرونَ، فإن أخبرتَ بالألف واللام قلتَ: الضاربهُ زيدٌ عمرٌو، جعلتَ: الضاربَهُ مبتدأً والهاء ترجع إلى الألف واللام ورفعت زيدًا6 بأنه خبرُ الضاربِ وحذف الهاء في هذه المسألة قبيحٌ وهو يجوزُ على قبحه، فإن ثنيتَ وجمعتَ قلتَ: الضاربهما7 زيدٌ العمرانِ والضاربهم زيدٌ العمرونَ، فإذا8 قلتَ: "ضربتُ زيدًا" فقيلَ لك: أَخبر عن "التاءِ" فهو كالإخبار عن الظاهر وتأتي9 بالمكني المنفصل فتقول: "الذي ضَربَ زيدًا أنا" فإن10 قيل لك: أَخبرْ عن زيدٍ، قلتَ: "الذي ضربتهُ زيدٌ" لأن الضميرَ وقعَ موقعهُ من الفعل فلم يحتج إلى المنفصل، فإن ثنيتَ أو جمعتَ
__________
1 في "ب" بتثنية.
2 في "ب" لما.
3 في "ب" فإن.
4 في الأصل "ضرب" والتصحيح من "ب".
5 في الأصل "راجع" والتصحيح من "ب".
6 في "ب" عمرًا.
7 في الأصل: الضاربهم، والتصحيح ما أثبت.
8 في "ب" وإذا.
9 في "ب" فتأتي.
10 في "ب" وإن.

(2/281)


قلت: "اللذان ضربا زيدًا نحن"1 والذين ضربوا زيدًا نحن، فإن أتيت بالألف واللام قلت: "الضارب زيدًا أنا" فالضارب مبتدأ [الذي هو صلة الألف واللام] 2 وفي "ضارب"3 ضمير الألف واللام فهو يرجع إليهما، "وأنا" الخبر، "فأنا والذي" والضمير الذي يرجع إلى "الذي" هذه الثلاثة شيء واحد في كل مسألة [إذا كان خبر المبتدأ اسمًا واحدًا] 4 فافهم ذا5 فإن عليه تدور هذه المسائل، فإن أخبرت عن زيد بالألف واللام قلت: "الضاربه أنا زيد" فلم يكن بد من أن تأتي "بأنا" موضع الفاعل؛ لأن الضارب اسم والتاء إنما تتصل بالفعل فإن ثنيت وجمعت قلت: الضاربهما أنا الزيدانِ، والضاربهم أنا الزيدونَ.
__________
1 "نحن" ساقط في "ب".
2 زيادة من "ب".
3 وفي "ضارب" ساقط من "ب".
4 زيادة من "ب".
5 زيادة من "ب".

(2/282)


الثالث: الفعل الذي يتعدى إلى مفعولين:
ولك أن تقتصر على أحدهما وذلك قولك: "أعطى عبد الله زيدًا درهمًا1، وكسا عبد الله زيدًا جبةً، واختار عبد الله الرجالَ زيدًا" فإن أخبرت عن الفاعل "بالذي" فعلت به ما فعلت به2 فيما تقدم, قلت3: "الذي أعطى زيدًا درهمًا عبد الله" فالذي مبتدأ و"أعطى زيدًا درهمًا" صلة "الذي" وعبد الله الخبر، وإن ثنيت قلت: اللذان أعطيا زيدًا درهمًا عبد الله، وإن جمعت قلت: "الذين أعطوا زيدًا درهمًا عبد الله" وكذلك تقول: "الذي كسا زيدًا جبة عبد الله" فانتزعت4 عبد الله من
__________
1 انظر الكتاب 1/ 16، والمقتضب 3/ 96.
2 "به" ساقط من "ب".
3 في "ب" فقلت.
4 الفاء ساقطة في "ب".

(2/282)


الكلام وجعلت موضعه ضميرًا يرجع إلى "الذي" والذي هو عبد الله كما عرفتك، فإن قلت ذلك بالألف واللام قلت: المعطي زيدًا درهمًا عبد الله، فإن ثنيت قلت: المعطيان زيدًا درهمًا عبد الله, أضمرت في "معطيان"1 ما يرجع إلى الألف واللام، وإذا جمعت قلت: المعطون. [وإن أخبرت عن المفعول الأول قلت: الذي أعطى عبد الله درهمًا زيد] 2 تريد الذي أعطاه، ولكنك حذفت الهاء [وإن شئت أظهرت الضمير ولم تحذف] 3 لما عرفتك، ويجوز إثباتها، فإن ثنيت قلت: اللذان أعطى عبد الله درهمًا الزيدان، وكذلك إن جمعت قلت: "الذين أعطى عبد الله درهمًا الزيدون" وإن شئت أظهرت الضمير ولم تحذف, فإن قلت ذلك بالألف واللام قلت: "المعطية عبد الله درهمًا زيد" وإن ثنيت قلت: المعطيهما عبد الله درهمًا الزيدان، وإن جمعت قلت: "المعطيهم عبد الله درهمًا الزيدون"، فإن أخبرت عن الدرهم "بالذي" قلت: "الذي أعطى عبد الله زيدًا درهمٌ" تريد: الذي أعطاه عبد الله زيدًا درهم، فحذفت الهاء ويجوز إثباتها، ولك أن تقول: "الذي أعطى عبد الله زيدًا إياه درهم" وهو القياس؛ لأنك جعلت ضمير الدرهم في موضعه، ألا ترى أنك لو جعلت في هذه المسألة موضع الدرهم عمرًا، لم يحسن أن تجعل الضمير إلا [في] 4 موضع المفعول الثاني لأنه ملبس، وليس كالدرهم الذي لا يكون إلا مأخوذًا ولا يكون آخذًا، ومن قال في شيء من هذه المسائل "إياه" لم يجز حذفه لأنه كالظاهر، وليس بمنزلة الضمير المتصل بالفعل؛ لأنهم قد يحذفون من الفعل فكان ما اتصل به أولى أن يحذف إذا أمن الالتباس، فإن ثنيت قلت: اللذان أعطى عبد الله زيدًا درهمان، [وإن شئت قلت: أعطاهما] 5، [وإن جمعت قلت: اللواتي أعطى
__________
1 في "ب" المعطيان.
2 ما بين القوسين ساقط من "ب".
3 ما بين القوسين ساقط من "ب".
4 زيادة من "ب".
5 ما بين القوسين ساقط من "ب".

(2/283)


عبد الله زيدًا دراهم، وإن شئت قلت "التي"1] فإن قلت ذلك بالألف واللام قلت: "المعطيه عبد الله زيدًا درهم" وإن شئت قلت: "المعطي عبد الله زيدًا إياه درهم" وهو القياس كما خبرتك.
قال المازني: في2 الإخبار عن الدرهم: المعطيه عبد الله زيدًا درهم، فجعلت الدرهم معلقًا بالمعطي، لأنك إذا قدرت على الهاء لم تجئ بإياه، ألا ترى أنك تقول: ضربته3 ولا تقول: ضربت إياه، قال: وإن شئت قلت: "المعطي عبد الله زيدًا إياه درهم" فجعلت ضمير الدرهم في موضعه, إذ كان مظهرًا فهذا مذهب حسن.
قال أبو بكر: وهذا الذي قال المازني: إنه مذهب هو عندي الأجود.
__________
1 زيادة من "ب".
2 في الأصل "وليس" والتصحيح من "ب".
3 في الأصل "ضربته إياه" والتصحيح من "ب".

(2/284)


الرابع: الفعل الذي يتعدى إلى مفعولين وليس لك أن تقتصر على أحدهما 1:
وذلك قولك: "ظننت زيدًا أخاك، وعلمت زيدًا صاحبك، وحسبت زيدًا أبا عبد الله" فإن أخبرت عن الفاعل من قولك: ظننت زيدًا أخاك "بالذي" قلت: الذي ظن زيدًا أخاك أنا "فالذي" مبتدأ و"ظن" وما عمل فيه في صلته و"أنا" الخبر، وقياسه قياس الباب الذي قبله لا فرق بينهما إلا أن ذاك يجوز الاقتصار فيه على المفعول الأول، وهذا لا يجوز "ذلك فيه"2.
__________
1 انظر الكتاب 1/ 18، والمقتضب 3/ 95.
2 في "ب" فيه ذلك.

(2/284)


الخامس: الفعل الذي يتعدى إلى ثلاثة مفعولين:
قال سيبويه: وليس لك أن تقتصر على المفعول الأول؛ لأن المفعول الأول في ذا كالفاعل في الذي قبله1، وقال المازني: مثلُ ذلك [قال أبو بكر] 2 والذي عندي أنَّ المفعولَ الأول يجوز أن يقتصر عليه كما "كانَ"3 يجوز أن يقتصر على الفاعل بغير مفعولٍ وليس في الأفعال الحقيقية فِعْلٌ لا يجوز أن تقتصر فيه على الفاعل بغير مفعولٍ. وكل فعلٍ لا يتعدى إذا نُقل إلى "أَفعلَ" تعدى، فلما كانَ يجوز أن أقول: "عَلمَ زيدٌ" فاقتصر4 على الفاعل, جاز أنْ أقول: "أَعلمَ اللهُ زيدًا" ولكن لا يجوز أن يقتصر على المفعول الثاني في هذا الباب؛ لأنه المفعولُ الأولُ في الباب الذي قبله5، وإنما استحالَ هذا من جهة المعنى؛ لأنَّكَ إذا قلت: "ظننتُ زيدًا منطلقًا" فالشكُّ إنما وقعَ في الانطلاق لا في زيدٍ؛ فلذلك لا يجوز أن تقول: "ظننتُ زيدًا" وتقطع الكلام ويجوز أن تقول: ظننتُ وتسكت فلا تعديه إلى مفعولٍ, وهذا لا خلاف فيه, وإذا جازَ أن تقول: "ظننتُ وتسكت فيساوي6 "قمت" في أنه لا يتعدى جاز أن تقول: "أظننت زيدًا" إذا جعلته يظن [بهِ] 7، [كما تقول: أَقمتُ زيدًا] 8 لأنه لا فرق بين "ظَنَّ زيدٌ" إذا لم تعده وبين قامَ زيدٌ [كما تقولُ: أَقمتُ زيدًا] 9 وكل فِعْلٍ لا يتعدى إذا نقلته إلى "أفعلَ" تعدّى إلى واحدٍ, فإن كان يتعدى إلى واحدٍ تعدّى إلى اثنين, وإنْ كانَ يتعدى إلى اثنينِ تعدى إلى ثلاثةٍ، فإن نقلتَ "فَعَلَ" إلى "فُعِلَ" كان بالعكس لأنه إنْ كان لا يتعدى لم يجز نقلهُ إلى "فُعِلَ"، وإنْ10 كان يتعدى إلى
__________
1 انظر الكتاب 1/ 19.
2 زيادة من "ب".
3 "كان" ساقط من "ب".
4 في "ب" اقتصر بإسقاط الفاء.
5 أي: باب الفاعل الذي يتعداه فعله إلى مفعولين.
6 في الأصل "فيتعدى" والتصحيح من "ب".
7 زيادة من "ب".
8 ما بين القوسين ساقط من "ب".
9 زيادة من "ب".
10 في "ب" فإن.

(2/285)


مفعولٍ واحدٍ أُقيمَ المفعولُ فيه مقامَ الفاعلِ ولم يتعد بعدهُ إلى مفعولٍ، وإن كان يتعدى إلى مفعولين أقيمَ أحدهما مقام الفاعل فتعدى إلى مفعولٍ واحدٍ، وكذلك إن كان يتعدى إلى ثلاثة مفعولينَ تعدى إلى مفعولينِ "فَفُعِلَ" ينقصُ [مِن] 1 المفعولاتِ و"أَفعل" يزيدُ فيها إذا كان منقولًا من "فَعَلَ" فإذا أخبرتَ عن الفاعل "بالذي" من قولكَ: أعلمَ اللهُ زيدًا عمرًا خيرَ الناسِ، قلت: "الذي أَعلمَ زيدًا عمرًا خيرَ الناسِ اللهُ"2 وتفسيرهُ كتفسير ما قبله, فإن قيلَ لكَ: ثنِّ هذه المسألة بعينها فهو محالٌ, كُفرٌ؛ لأنَّ الله -عز وجل- لا سمي له ولا يجوز تثنيته ولا جمعه، ولكن لو قلت: "أعلمَ بكرٌ عمرًا زيدًا خيرَ الناسِ" لجاز تثنية بكرٍ3 وجمعهُ على ما تقدمَ من البيان، وإن قلته4 بالألف واللام وأردت الإِخبار عن الفاعل فهو كالإِخبار عنه في الباب الذي قبله, وذلك قولك: "المعلمُ زيدًا عمرًا خير الناسِ اللهُ" والمنبئ زيدًا عمرًا أَخاكَ اللهُ, وإن أخبرت عن المفعول الأول قلت: "المعلمهُ الله عمرًا خيرَ الناسِ زيدٌ" وإثباتُ الهاءِ ههنا هو الوجه وحذفها جائز, وهو ههنا أسهل [عندَ المازني وعندي] 5 لكثرة صلة هذا حتى قد أفرط طولهُ، وإن6 أخبرت عن المفعول الثاني قلت: "المعلمهُ الله زيدًا خيرَ الناسِ عمرٌو" وإن شئتَ قلت: "المعلم الله زيدًا إيَّاهُ خيرَ الناسِ عمرو" وهو الوجهُ والقياسُ7؛ لأنَّ تقديمَ الضمير كأنهُ يدخلُ الكلام لبْسًا، فلا يعلم عن أي مفعولٍ أخبرتَ, أَعن الأول أم8 الثاني؟ وكذلك إذا أخبرتَ عن الثالث [قدمتَ الضمير إنْ
__________
1 زيادة من "ب".
2 "الله" ليس في "ب".
3 "بكر" ساقط في "ب".
4 في الأصل: قلت هو، والتصحيح من "ب".
5 زيادة من "ب".
6 في "ب" فإن.
7 والقياس: ساقط من "ب".
8 في "ب" أو بدلًا من أم.

(2/286)


شئتَ] 1 قلت: "المعلمهُ الله زيدًا عمرًا خيرُ الناسِ" وإنْ أخرت قلت: المعلمُ اللهُ زيدًا عمرًا إيَّاهُ خيرُ الناسِ, وهو القياسُ لِما يدخل من اللبسِ، ولأنَّ حقَّ الضمير أن يقعَ موقع الاسم الذي انتزع ليخبر عنه في2 موضعه.
__________
1 زيادة من "ب".
2 في الأصل "وفي" والتصحيح من "ب".

(2/287)


السادس: الفعل الذي بني للمفعول ولم يذكر من فعل به:
اعلم: أن المفعول الذي تقيمه مقامَ الفاعل, حكمهُ حكم الفاعل، تقول: ضُرِبَ زيدٌ كما تقول: "ضَربَ زيدٌ" فإذا أردت أن تخبر عن "زيدٍ" من قولك: ضُربَ زيدٌ بالذي، قلت: "الذي ضُرِبَ زيدٌ" ففي "ضُرِبَ" ضميرُ "الذي" والذي مبتدأٌ وضرِبَ مع ما فيه من الضمير صلة لهُ، وزيدٌ الخبر على ما فسرنا في الفاعل, فإن ثنيتَ قلت: "اللذانِ ضُرِبا الزيدانِ" وإن جمعت قلت: "الذينَ ضُرِبوا الزيدونَ" فإنْ قلتَ ذلك بالألف واللام قلت: "المضروب زيدٌ" لأن مفعولًا في هذا الباب كفاعل في غيره, أَلا ترى أنَّكَ إذا1 جعلتهُ صفة قلتَ: "رجلٌ ضُرِبَ زيدٌ" ورجلٌ مضروبٌ زيدٌ، فإن ثنيتَ قلت: "المضروبانِ الزيدانِ" وإن جمعت قلت: "المضروبونَ الزيدونَ" وتفسيرُ المفعول كتفسير الفاعل, فإن قلتَ: "أُعطِي زيدٌ درهمًا" فأخبرتَ عن "زيدٍ" قلتَ: "أُعطي درهمًا زيدٌ" وإن أخبرتَ عن الدرهم قلتَ: "الذي أُعطِي زيدٌ درهمٌ" وإن شئتَ قلتَ: "الذي أُعطيهُ زيدٌ درهمٌ" ولكَ أن تقولَ: "أُعطيَ زيدٌ إيَّاهُ درهمٌ" وهو القياسُ؛ لأن الضمير في موضعه والتقديم في هذه المسألة جائزٌ لأنهُ غيرُ ملبس2، ولكن لو كان أصل المسألة: أُعطي زيدٌ عمرًا, ما جاز هذا عندي فيه؛ لأنه ملبس3 لا يعرف المأخوذ من الآخذ، وليس الدرهم
__________
1 "إذا" ساقطة من "ب".
2 في "ب" ملتبس.
3 في "ب" كذاك.

(2/287)


كذلك1؛ لأنه لا يجوز أن يكون آخذًا وعلى هذا المثال: "بابُ ظننتُ وأخواتُها" تقول: ظُنَّ زيدٌ قائمًا, فإن أخبرتَ عن "زيدٍ" بالذي قلتَ: الذي ظُنَّ قائمًا زيدٌ, وإن2 أخبرت عن "قائمٍ" قلت: "الذي ظُنَّ قائمًا زيدٌ" وإن أخبرتَ عن "قائمٍ" قلت: "الذي ظُنَّ زيدٌ قائمٌ" وإن شئتَ قلتَ: الذي ظَنَّهُ زيدٌ قائمٌ, ولكَ أن تقول: "الذي ظُنَّ زيدٌ إياهُ قائمٌ" وهو القياسُ، وإن3 قلتهُ بالألف واللام وأخبرت عن "زيدٍ" قلتَ: "المظنونُ قائمًا" وإن أخبرتَ عن "قائمٍ" قلتَ: "المظنونهُ زيدٌ قائمٌ" وإن شئتَ قلتَ: "المظنونُ زيدٌ إياهُ قائمٌ" فإن ثنيتَ قلتَ: "المظنونانِ قائمين الزيدانِ" وإن جمعتَ قلتَ: "المظنونون قائمينَ الزيدونَ"4، فإذا5 أخبرتَ عن "قائمٍ" قلتَ: "المظنونهما الزيدانِ قائمانِ" وإن شئت قلت: "المظنونُ الزيدانِ إيّاهما قائمانِ" وعلى هذا القياسُ [في الفِعْلِ الذي يتعدى إلى ثلاثة مفعولينَ] 6.
__________
1 في الأصل كذاك، وما أثبته من "ب".
2 في "ب" فإن.
3 في "ب" فإن.
4 في الأصل "زيدون" والتصحيح من "ب".
5 في "ب" وإن.
6 زيادة من "ب".

(2/288)


السابع: الفاعل 1 الذي تعداه فعله إلى مفعول واسم الفاعل والمفعول فيه لشيء واحد 2:
وذلك, كانَ ويكونُ وما تصرف منهُ، وليسَ وما دامَ وما زال وأصبحَ وأمسى وما كانَ نحوهنَّ, تقول3: "كانَ عبدُ الله أَخاكَ، وأَصبحَ زيدٌ أَباك"
__________
1 الفاعل، ساقط من "ب".
2 قال سيبويه 1/ 20: "هذا باب الفعل الذي يتعدى اسم الفاعل إلى اسم المفعول, واسم الفاعل والمفعول فيه لشيء واحد".
3 في "ب" وتقول.

(2/288)


فإن أخبرت عن الفاعل في هذا الباب بالذي قلت: "الذي كانَ أخاكَ عبد اللهِ" ففي كانَ ضميرُ الذي وهو اسمُها, وأخاك خبرها وهي اسمُها وخبرها صلة "الذي" و"الذي" مبتدأٌ وعبد اللهِ خبرهُ, والذي أصبحَ أباكَ زيدٌ مثله.
فإن أخبرتَ بالألف واللامِ قلت: "الكائنُ أَخاكَ زيدٌ" وتقديرهُ تقديرُ: "الضاربِ أخاكَ زيدٌ" ولا خلافَ في الإِخبار عن اسم "كانَ" فأما خبرها ففيه اختلاف1، فمن الناس من يجيزُ الإِخبار عنه فيقول: الكائنهُ زيدٌ أَخوكَ, والمصبحهُ عمرو أخوكَ, وإن شئتَ جعلتَ المفعولَ منفصلًا فقلت: "الكائنُ زيدٌ إياهُ أَخوكَ" والمصبحُ زيدٌ إياهُ أَبوكَ, وقال قوم: إن الإِخبار عن المفعول في هذا الباب محالٌ؛ لأن معناهُ: "كانَ زيدٌ مِن أَمرهِ كذا وكذا" فكما لا يجوز أن تخبر عن "كانَ من أمرهِ كذا وكذا" كذلك لا يجوز أن تخبر عن المفعول إذا2 كان في معناه, كذا حكى المازني جميع هذا. قال أبو بكر: والإِخبار عندي في هذا الباب عن المفعول قبيحٌ؛ لأنه ليس بمفعولٍ على الحقيقة وليس3 إضمارهُ متصلًا إنما هو مجازٌ، وعلامات الإِضمارِ ههنا غيرُ محكمةٍ؛ لأنَّ الموضع الذي تقعُ فيه الهاءُ لا يجوز أن تقع "إياَّه" ذلك الموقع, فإجازتهم إيّاهُ "في" كانَ وأخواته دليلٌ على أن علامات الإِضمار لا تستحكم ههنا, قال الشاعر:
ليتَ هذَا اللَّيْلَ شَهْرًا4 ... لا تَرى فيه عَريبا
لَيْسَ إيَّايَ وإيَّا ... كَ ولا نَخْشَى رَقِيبَا5
فقال: "ليسَ" إيَّاي، ولم يقل: ليسني، فقد فارقَ باب "ضربني" وقد
__________
1 انظر المقتضب 3/ 97، وشرح الكافية للرضي 2/ 44، والهمع 2/ 147-148.
2 في الأصل "إذ" والتصحيح من "ب".
3 "ليس" ساقطة من "ب".
4 في "ب" شهر بالرفع، وتجوز الروايتان.
5 مر تفسيره 2/ 98 من هذا الجزء.

(2/289)


روى "عليهِ رجلًا1 ليسني" وإنما هذا كالمثل؛ لأنهم لا يأمرون "بعليكَ" إلا المخاطبَ، فقد شذ هذا من جهتين من قولهم: "عليهِ" فأمروا غائبًا2 ومن قولهم: "ليسني" فأجروهُ مجرى "ضربني" فإذا قلت: "ليسَ زيدٌ أخاكَ" وأخبرتَ عن الفاعلِ والمفعول3 فإنَّهُ لا يجوز إلا "بالذي" ولا يجوز بالألف واللام4؛ لأن "ليسَ" لا تتصرف ولا يبنى منها فاعلٌ، أَلا ترى أَنَّكَ لا تقول: "يفعلُ" منها ولا شيئًا من أمثلةِ الفِعْلِ وهي فِعْلٌ، وأصلها "لَيِسَ" مثل "صَيِدَ" [البعيرُ] 5, وألزمتِ الإِسكانَ إذ6 كانت غير متصرفةٍ، فتقول إذا أَخبرتَ عنِ الفاعل من قولكَ "ليسَ زيدٌ أَخاكَ": "الذي ليسَ أَخاكَ زيدٌ"7 وإن أخبرتَ عن المفعول قلت: "الذي ليسَ زيدٌ إياهُ أَخوكَ" وإن شئتَ قلتَ: "الذي ليسهُ زيدٌ أَخوكَ" على قياسِ الذين أجازوهُ في "كانَ" والذين أجازوا الإِخبارَ عن المفعول في بابِ "كانَ" وأخواتِها يحتجون8 بقول أبي9 الأَسود الدؤلي:
فإنْ لا تَكُنْهَا أَوْ تَكُنْه فإنَّهُ ... أَخوها غَذَتْهُ أُمُّهُ بلبانِها10
فجعله كقولك: اضربها11 ويضربها، ولو قلت: "كانَ زيدٌ حسنًا
__________
1 انظر الكتاب: 1/ 381، فقد جوز سيبويه: ليسني، وكأنني.
2 في الأصل "غائب" وهو خطأ.
3 في الأصل "أو" والتصحيح من "ب".
4 في "ب" فإنه لا يجوز بالألف واللام, ولا يجوز إلا بالذي.
5 زيادة من "ب".
6 في "ب" إذا.
7 ما بين القوسين ساقط من "ب".
8 في "ب" احتجوا.
9 أبي، ساقط من "ب".
10 مر تفسيره في الجزء الأول صفحة 104.
11 في "ب" وتضربه.

(2/290)


وجههُ" فأخبرت1 عن الوجه لم يجز؛ لأنَّك كنتَ تضع موضعهُ "هُوَ" فتقول: الذي كانَ زيدٌ حسنًا هُو وجههُ، إذا كانَ يلزمك أن تضعَ موضع الاسم الذي تخبر عنه ضميرًا يرجعُ إلى "الذي" كما بينت فيما تقدمَ، فإذا2 كان "هو" يرجع إلى "الذي" لم يرجع إلى زيدٍ شيءٌ [وإن رجعَ إلى زيدٍ لم يرجعْ إلى الذي] 3 ولكن لو أخبرتَ عن قولكَ: "حسنًا وجههُ بأَسرهِ" جازَ في قول من أجاز الإِخبار عن المفعول في هذا الباب, فتقول: الكائنهُ زيدٌ حَسنٌ وجههُ, ولو أخبرتَ "بالذي" لقلت: "الذي كانَ زيدٌ حَسنٌ وجههُ" وحذفت4 ضميرَ المفعولِ من "كانَ" كما حذفتهُ من "ضَرَبتُ" [حينَ قلتَ: الذي ضَربَ زيدٌ"5 ولو أَثبتَ الهاءَ لجازَ, وإنْ أخبرت بالذي على6 قول من جعل المفعول "إيَّاهُ" لم يجز حذفهُ؛ لأنه منفصلٌ وكنتَ تقول: الذي كانَ زيدٌ إياهُ حَسَنٌ وجهه.
__________
1 في "ب" وأخبرت.
2 في "ب" وإذا.
3 زيادة من "ب".
4 ضمير، ساقط من "ب".
5 ما بين القوسين ساقط من "ب".
6 في "ب" عن.

(2/291)


الثامن: الظروف من الزمان والمكان:
اعلم: أنَّ الظرف1 إذا أخبرتَ عنه فقد خَلُصَ اسمًا وصار كسائر المفعولات، إلا أنَّكَ إذا أضمرتهُ أدخلتَ حرف الجرِّ على ضميره ولم تعد الفعلَ إلى ضميره إلا بحرف الجر2 إلا أنْ تريد السعة فتقدر نصبه كنصبِ سائر المفعولاتِ, وهذه الظروف منها ما يكون اسمًا وظرفًا, ومنها ما يكونُ ظرفًا
__________
1 في "ب" الظروف.
2 في "ب" جر, بلا ألف ولام.

(2/291)


ولا يكون اسمًا1 وقد تقدم ذكرها في هذا2 الكتاب, إلا أنَّا نعيدُ منه شيئًا هاهنا3 ليقومَ هذا الحدُّ بنفسه, فالذي يكون [منه] 4 ظرفًا واسمًا [ضمّ] 5 اليومُ والليلةُ والشهرُ والسنةُ والعامُ والساعةُ ونحو ذلك, وأما ما6 يكون ظرفًا ولا يكون اسمًا فنحو: "ذاتَ مرةٍ وبُعيدات بَين وبكرًا وسَحَرًا" إذا أردتَ "سَحرًا" بعينه ولم تصرف7 ولَم تُردْ سحرًا من الأسحارِ، وكذلك ضحيًّا إذا أردت ضُحَى يومِكَ, وعشيةً وعتمةً إذا أردتَ عشيةَ يومكَ وعتمة ليلتِكَ, لم يستعملنَ على هذا المعنى إلا ظروفًا8، وأما الأماكن وما يكون منها اسم فنحو: المكان والخَلْف والقدام والأمام والناحية، وتكون هذه أيضًا ظروفًا والظروفُ كثيرةٌ, وأما ما يكون ظرفًا ولا يكون اسمًا فنحو: عندَ وسوى وسواء إذا أردتَ بهنَّ معنى "غير" لم تستعمل إلا ظروفًا9، ورُبَّما كان الظرفُ ظرفًا والعمل في بعضه لاَ في كله، نحو: آتيكَ يومَ الجمعةِ, وإنما تأتيهِ في بعضه [لا كلهِ] 10, وكذلك آتيكَ شهرَ رمضانَ وكل ما كان في جواب "مَتى" فعلى هذا يجيء, وأما ما كان جوابًا "لكم" فلا يكون العمل إلا فيه
__________
1 يرى سيبويه أن الجر يكون في كل مضاف إليه, وأنه ينجر بثلاثة أشياء: بشيء ليس باسم ولا ظرف، وبشيء يكون ظرفًا، وباسم لا يكون ظرفًا. انظر: الكتاب 1/ 209.
2 في "ب" ذا.
3 "ها" ساقطة في "ب".
4 زيادة من "ب".
5 زيادة من "ب".
6 "ما" ساقطة من "ب".
7 في "ب" تصرفه.
8 انظر الكتاب 1/ 115، وأمالي ابن الشجري 2/ 250، نقلًا عن أصول ابن السراج.
9 في الأصل "ظرفًا" والتصحيح من "ب".
10 زيادة من "ب".

(2/292)


كله نحو: سرتُ فرسخينِ وفرسخًا وميلًا, لا يجوز1 العمل في بعضه دون بعضٍ. وإذا2 قلت: صمتُ يومًا، لم يجزْ أن يكون الصوم في بعضه من أجل أنه وضع للإِمساكِ عن الطعام والشراب وغيره في اليوم كُله. فما كان من الظروف قد يستعمل اسمًا فالإِخبار عنه جائزٌ وما كان مِنها لا يجوز إلا ظرفًا لم يجز الإِخبارُ عنه، تقول3: "ذهبتُ اليومَ" فإذا قيلَ لكَ: أَخبرْ عنِ اليومِ "بالذي" قلتَ: الذي ذهبتُ فيهِ اليوم, ولَمْ يجز حذفُ "فيهِ" كما كان يجوز حذف الهاء؛ لأن الضمير قد انفصل بحرف الجر, وكذلك إذا قلتَ: "قمتُ اليومَ يا هذا" فجعلتَ اليومَ مبتدأ, قلت: "اليومُ قمتُ فيهِ" لأنه قد صار اسمًا والمضمر لا يكون ظرفًا وكل ما دخل عليه حرفُ الجر فهو اسمٌ، وإنما الظرفُ هو الذي قد حُذفَ حرف الجر منه, وذلك المعنى يُراد به, فإن ثنيتَ قلتَ: اللذان ذهبتُ فيهما اليومانِ, فإن قلت ذلك بالألف واللامِ قلتَ: "الذاهبُ فيهِ أَنا اليومُ" والذاهبُ فيهما أَنا اليومانِ, فالألفُ واللامُ قد قامَتا مقامَ "الذي" وأفردت "ذاهبًا" ولم تثنهِ؛ لأن فاعله غير مضمرٍ فيه وهو مذكور بعده [وإنْ جمعتَ قلتَ: الذاهبُ فيهن أَنا الأيامُ] 4 وكذلك الإِخبار عن المكان إذا قلت: "جلستُ مكانكَ" فإذا5 أردتَ الإِخبارَ عن "مكانك" قلت: "الذي جلستُ فيه مكانكَ" واللذانِ جلستُ فيهما مكاناكَ, وبالألف واللامِ: "الجالسُ فيهِ أنا مكانكَ" والجالسُ فيهما أنا مكاناكَ, فإن جعلتَ الزمان والمكان في هذه المسائل مفعولين على السعة أسقطت حرف الجر فصار حكمه حكم المفعول الذي تقدم ذكره, فقلت في: "ذهبتُ اليوم" إذا أردت أن تخبر عن اليوم بالذي, قلت: "الذي ذهبتُ اليوم" كما تخبرُ عن زيدٍ في
__________
1 في "ب" لا يكون.
2 في "ب" فإذا.
3 في "ب" وتقول بزيادة الواو.
4 زيادة من "ب".
5 زيادة من "ب".

(2/293)


قولك: "ضربتُ زيدًا" تريد: الذي ذهبتهُ1 اليوم، وإن شئتَ أظهرتَ الهاءَ [وهو الأصل] 2 وإثباتها عندي في هذا أَولى منهُ في ضربتُ؛ لأنَّ هنا حرف الجر محذوف الهاء معه إخلالٌ بالكلام, وتقولهُ بالألف واللام: الجالسهُ أَنا مكانكَ وتقول: "سرتُ بزيدٍ فرسخينِ يومين" فالفرسخان ظرفٌ من المكان واليومان ظرفٌ من الزمان, فإن أخبرت عن اليومين "بالذي" قلت: اللذان سرتُ بزيدٍ فرسخين فيهما يومانِ, وبالألف واللام: السائرُ أَنا بزيدٍ فرسخين "فيهما يومان" وإن أخبرت عنهما على3 السعة قلت: السائرهما أنا بزيدٍ فرسخينِ يومانِ، وبالذي: اللذانِ سرتُ بزيدٍ فرسخين يومانِ, وإن شئتَ قلت: سرتهما وهو أحبها4 إليَّ كي لا يكثر ما يحذفُ، فإن بنيت الفعل للمفعول فقلت: "سِيرَ بزيدٍ فرسخانِ يومينِ" فأنتَ بالخيار، إن شئتَ نصبتَ الفرسخينِ ورفعت اليومينِ, وإن شئتَ رفعتَ الفرسخينِ ونصبتَ اليومينِ5، إلا أنَّ الذي ترفعهُ تجعلهُ مفعولًا على السعة؛ لأنه قد صار اسمًا وخرج عن حد الظرف, وتجعلُ الثاني ظرفًا إن شئت, وإن شئتَ جعلتهُ مفعولًا على السعة أيضًا, فإذا أخبرتَ عن الفرسخين -فيمن رفعهما- بالذي قلت: "اللذانِ سيرا بزيدٍ يومينِ الفرسخانِ" وإن قلتهُ بالألف واللام قلت: "المسيرانِ بزيدٍ يومينِ فرسخانِ" وإن أخبرت عن "اليومينِ" في هذه المسألة -وقد رفعت الفرسخينِ- قلت: "المسيرُ بزيدٍ فرسخانِ فيهما يومانِ" هذا إذا كان "اليومانِ" ظرفًا فإن جعلتهما مفعولين على السعة قلت: "المسيرُهما بزيدٍ فرسخانِ يومانِ" وإذا قدمتَ الفرسخينَ من قولك: "سير بزيدٍ فرسخانِ
__________
1 في "ب" ذهبت بإسقاط الهاء.
2 زيادة من "ب".
3 في "ب" في، بدلًا من "على".
4 في "ب" أحب، بإسقاط "ها".
5 إن نصبتهما نصبت الظروف, قلت: فرسخين يومين. قال المبرد في المقتضب 3/ 106: والاختيار أن تقيم أحدهما مقام الفاعل، وإن نصبت اليومين نصبت الظرف، قلت: سير بزيد فرسخان يومين.

(2/294)


يومينِ" قلت: "الفرسخانِ سيرا بزيدٍ يومينِ" فجعلت ضمير الفرسخينِ في "سِيرَ" فقلت: سيرا وخَلف الضمير الفرسخين فقامَ مقامهما, فإن قدمت اليومين قلت: "اليومانِ سير بزيدٍ فيهما فرسخانِ" فأظهرتَ حرفَ الجرِّ لمَّا احتجتَ إلى إضمار "اليومينِ" فإن جعلتهما مفعولين على السعة قلت: اليومانِ سيرهما بزيدٍ فرسخانِ, فإن قدمت الفرسخينِ واليومين قلت: "الفرسخانِ اليومانِ سيراهما بزيدٍ" فالفرسخان مبتدأٌ واليومانِ مبتدأٌ ثانٍ وسيراهما بزيدٍ خبر اليومين والألف ضمير الفرسخين وهي ترجع إليهما وهما ضمير اليومين, هذا إذا جعلتهما في أصل المسألة مفعولين على السعة, فإن لم تجعلهما كذلك قلت: سيرا فيهما وكل1 ما قدمته فقد قامَ مقامهُ ضميره, فإن أدخلت "اللذينِ" في "سيرَ" وجعلتَ "اللذينِ" هما الفرسخانِ قلت: "الفرسخانِ اليومانِ اللذانِ سيرا بزيدٍ فيهما هما" فالفرسخان: مبتدأٌ أولُ واليومان مبتدأٌ ثانٍ واللذان مبتدأٌ ثالثٌ وصلته سيرا بزيدٍ2 فيهما والخبرُ "هُما" والألف في "سيرا" ترجع إلى اللذين و"فيهما" ترجعُ إلى اليومين واليومانِ مبتدأٌ وخبرهما اللذان وصلتهما مع خبرهما الجملة, واليومان وما بعدهما3 خَبر الفرسخينِ، وإن شئتَ قلت: "اللذانِ سيراهما" فإن أخبرت بالألف واللام قلت: "الفرسخانِ اليومانِ المسيرانِ بزيدٍ فيهما هما" وإن شئت قلت على الاتساع: "الفرسخان اليومان المسيراهما بزيد هما" واعتبرْ صحةَ هذه المسائل بأنْ تجعل كل اسمٍ ابتدأتهُ موضعَ ضميره, فإن استقام ذلك وإلا فالكلام خطأٌ, ألا ترى أن قولك: "هما" ضمير الفرسخين و"هُما" التي في قولكَ: المسيراهُما ضمير اليومين, فإذا جعلت كلَّ واحدٍ منهما موضع ضميره صار الكلام: "المسيرانِ بزيدٍ يومين فرسخانِ" فعلى هذا يقعُ التقديم والتأخير في كل4 هذه المسائل, فإن جعلتَ "اللذين" في هذه المسألة لليومين قلت:
__________
1 في "ب" فكل ما.
2 في الأصل: "وبزيد سيرا بزيد" والتصحيح من "ب".
3 في الأصل: "بعده" والتصحيح من "ب".
4 "كل" ساقط من "ب".

(2/295)


الفرسخانِ اليومان اللذان سيرا فيهما [بزيدٍ] 1 فالفرسخان مبتدأٌ, واليومانِ مبتدأٌ ثانٍ و"اللذانِ" خبرُ "اليومينِ" وهُما اليومانِ, والألفُ في "سيرا" ضمير الفرسخين, وفيهما ضميرُ "اللذينِ" فلو جعلتَ "الفرسخين" موضعَ ضميرهما لقلت: اليومانِ اللذان سير الفرسخان فيهما بزيدٍ [هما] 2 فإن أخبرت بالألف واللام في هذه المسألة وجعلتهما "لليومين" أيضًا قلت: "الفرسخانِ اليومانِ المسيرهما بزيدٍ هما" فهما الأولى: مفعول على السعةِ والثانيةُ: فاعل, وإنما ظهر الفاعل ههنا لأن كُلَّ اسم كان فيه ضمير الفاعل جرى على غير نفسه فإن الفاعل يظهر فيه, وإنما جاز في "اللذينِ سيرا" لأنَّهُ فِعْلٌ فتثنيه وإن كان جاريًا على غير مَنْ هُو لهُ, ومعنى قولي: جَارٍ على غير مَنْ هو له, أن اللذينِ لليومين والألف في "سيرا" للفرسخين, فلما قلتهُ بالألف واللام لم يصلح أن تقول: المسيراهما كما قلت: "اللذانِ سيراهما" لأن مسيرًا اسمٌ ولو ثنيتهُ لكان فيه3 ضمير الألف واللام، ولا يجوز غير ذلك كما بينت فيما تقدم, لا يجوز أن تقول4: القائمان، وضمير الفاعل5 للألف واللام, وكذلك المضروبان فالألف واللام في هذا بخلاف "الذي" [وحده] 6 لأنها تتحد مع الاسم الذي بعدها فيثنى تثنية "الذي" وحدهُ إذا كان الفعلُ لهُ, فإن لم يكن الفعل للألف واللام يدخل على اسم الفاعل, واسم الفاعل لا يحتملُ الضمير إذا جرى على غير من هو لهُ, فإذا جرى اسمُ الفاعلِ على غير من هو له7 أفرد وذكر الفاعل بعده إما مظهرًا وإما مكنيا, فلذلك قلت: الفرسخانِ اليومانِ المسيرهما بزيدٍ هُما؛ لأنك لو جعلتَ الفرسخين في موضعهما
__________
1 زيادة من "ب".
2 زيادة من "ب".
3 "فيه" ساقطة من "ب".
4 "تقول" ساقطة من "ب".
5 في "ب" إلا للألف واللام.
6 زيادة من "ب".
7 زيادة من "ب".

(2/296)


لقلت: اليومانِ المسيرهما بزيدٍ الفرسخانِ, ويبينُ لكَ اسمُ الفاعلِ والمفعول إذا جرى على غير من هو لهُ في هذه المسألة تقول: الفرسخان اليومانِ مسيرهما بزيدٍ "هما" فتجعل الأولى مفعولا والثانيةَ تقومُ مقامَ الفاعلِ؛ لأن1 قولك: مسيرهما هُما الفرسخانِ, فإذا جعلت "مسيرهما" خبرًا عن اليومين فقد أجريتهما على غير من هُما لهُ فلم يحتمل الاسم إذ جرى على غير نفسه أن يكون فيه ضميرٌ مرفوع, ولو قلت: "الفرسخان اليومانِ سيراهما بزيدٍ" جازَ والألف للفرسخينِ ألا ترى أنك تقول: "زيدٌ ضاربُه أَنا" ولو قلت: "زيدٌ اضربْهُ" لم تحتجْ إلى "أنا" لأن الفعل مما يضمر فيه, وإن جرى على غير صاحبه.
__________
1 في "ب" لقولك.

(2/297)


التاسع: الإِخبار عن المصدر:
اعلَم: أن المصدر إذا كان منصوبًا وجاء للتوكيد في الكلام فقط ولم يكن معرفة ولا موصوفًا1، فالإِخبار عنه قبيحٌ؛ لأنهُ بمنزلة ما ليس في الكلام, ألا ترى أنكَ إذا قلت: "ضربتُ ضربًا" فليس في "ضربًا" فائدةٌ لم تكن في "ضربتُ" وإنما تجيء تأكيدًا, فإذا قلت: ضربتُ ضربًا شديدًا أو الضرب الذي تعلمُ فقد أفادكَ ذلك أمرًا لم يكن في "ضربتُ" فهذا الذي يحسنُ الإِخبار عنه, فإن أردتَ الإِخبار عن ذلك قلت: "الذي ضربتُ ضربٌ شديدٌ" تريد: "الذي ضربتهُ ضربٌ شديدٌ" وإن قلت: "سِيرَ بزيدٍ سيرٌ شديدٌ" قلت: "الذي سِيرَ بزيدٍ سيرٌ شديدٌ" والذي يجوز أن تخبر عنه من المصادر ما جاز أن يقومَ مقامَ الفاعل كما كانَ ذلك في الظروف, قال الله تبارك وتعالى2: {فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ نَفْخَةٌ وَاحِدَةٌ} 3. وذكر المازني أن الإخبار عن النكرة يجوزُ من هذا الباب, وأن الأحسن أن يكون معرفةً أو
__________
1 في "ب" موصولًا.
2 في "ب" عز وجل.
3 الحاقة: 13، وانظر المقتضب 3/ 104.

(2/297)


موصوفًا، وهو عندي غيرُ جائزٍ إلا أنْ تريد بالمصدر نوعًا من الفعل, فتقول على ذلك: "ضُرِبَ ضَرْبٌ" أي: نوعٌ من الضرب وفيه بعدٌ, وتقول: "ضربتُكَ ضربًا شديدًا" فإذا أخبرتَ عنهُ بالألف واللام قلت: "الضاربكَ1 أنا ضَرْبٌ شديدٌ" أي: "الذي ضربتكه ضربٌ شديدٌ" فإن ثنيتَ المصدر أو أفردتَ المرة فيه حَسُنَ الإِخبار؛ لأنك تقول: ضُرِبَ ضربتانِ, فتكونُ فيه فائدة لأن قولك: "ضُرِبَ" لا يفصح عن ضربتين وكذلك لو قلت: "ضُرِبَ ضربةٌ واحدةٌ" أو ضربةٌ ولم تذكر واحدةً, فإذا قلت: "ضُرِبَ بزيدٍ ضربٌ شديدٌ" قلت: "المضروبُ بزيدٍ ضَرْبٌ شديدٌ" و"المنفوخُ في الصور نفخٌ شديدٌ"2, وإذا قلت: "شربتُ شربَ الإبلِ" قلت: "الشاربهُ أَنا شرب الإِبلِ" وإذا قلت: "تبسمتُ وميضَ البرقِ" قلت: المتبسمه أنا وميضُ البرقِ, وقد قال قومٌ: إنَّ وميضَ البرقِ ينتصبُ على "فعلٍ" غير "تبسمتُ"3 كأنهم قالوا: "ومضتُ وميضَ البرقِ" فهؤلاءِ لا يجيزون الإِخبار عن4 هذه الجهة، ومن نصب المصادر إذا كانت نكرةً على الحال لم يجز الإِخبار عنها, كما لا يجوز الإِخبار عن الحال, وإذا كانت المصادر وغيرها أيضًا5 حالًا فيها الألف واللام لم يجز أن تخبر عنها نحو: أَرسلها العِراكَ, والقومُ فيها الجماءَ الغفيرَ, ورجعَ عودَهُ على بدئهِ, وما أشبه هذا مما جاء حالًا وهو معرفة, وكل ما شذَّ عن بابه فليس لنا أن نتصرفَ فيه ولا نتجاوز ما تكلموا به, وكل اسمٍ لا يكون إلا نكرةً فلا يجوز الإِخبار عنهُ, وقد ذكرنا هذا فيما تقدم, فقصة: رُبَّ رَجلٍ وأخيهِ, وكُلُّ شاةٍ وسخلتها, وما أشبه هذا مما جاء معطوفًا نكرةً فهو كالحالِ لا يجوز الإِخبارُ عنهُ, ولو أجزتهُ لوجبَ أن تكرر "رُبّ" فتقول: "الذي رُبّهُ"
__________
1 في "ب" الضاربكه.
2 قال المبرد في المقتضب 3/ 104: "فإن أخبرت عن الصور قلت: المنفوخ فيه نفخة واحدة الصور، وإن أخبرت عن النفخة قلت: المنفوخة في الصور نفخة واحدة.
3 انظر: ارتشاف الضرب/ 146, نقل هذه المسألة من أصول ابن السراج.
4 "عن" ساقط في "ب".
5 في "ب" وأيضًا بعد "حالًا".

(2/298)


ولا حجةَ في قول العربِ: رُبّهُ رجلًا, ورُبّها امرأةً؛ لأنَّ هذا ليس بقياسٍ ولا هو اسم تقدم. قال المازني: وأما قول العرب: "ويحَهُ رجلًا" فإنَّما جاءت الهاءُ بعد مذكورٍ, وقد يجوز الإِخبار عنها كما يجوز الإِخبارُ عن المضمر المذكور فتقول: "الذي ويحهُ رجلًا هو"1 وفيه قبحٌ؛ لأنَّ "ويح" بمعنى2 الدعاءِ مثل الأمر والنهي, والذي لا يوصل بالأمر والتي؛ لأنَّهما لا يوضحانه, والدعاءُ بتلكَ المنزلة, قال: إلا أنَّ هذا أسهل لأن لفظه كلفظ الخبر [قال أبو بكر] 3 أنا أقولُ: "وهو عندي غير جائزٍ؛ لأن هذه أخبار جعلتْ بموضع الدعاء فلا يجوز أن تحالَ عن ذلك, وأما ما جاء من المصادر مضمرًا فعله مثل: إنما أنتَ ضربًا وأنتَ سيرًا وضربًا ضربًا" فلا يجوز عندي الإِخبار عنها لأنها مصادر استغني بها عن ذكرِ الفعلِ فقامت مقامه, فلا يجوز الإِخبار عنها كما لا يجوز الإِخبار عن الفعل, والمصدر يدل على فعله المحذوف فإذا أضمرتهُ لم يدل ضميره على الفعل4. والمازني يجيزُ الإِخبار عن هذا فيقولُ إذا أخبرتَ عن "سير"5 من قولك: إنَّما6 أَنتَ سيرًا، قلتَ7: "الذي أنتَ إيّاهُ سيرٌ شديدٌ" كأنَّكَ قلتَ: الذي أنتَ تسيرهُ سيرٌ شديدٌ.
__________
1 انظر: شرح الرضي على الكافية 2/ 43-45.
2 في "ب" في معنى.
3 زيادة من "ب".
4 في "ب" فعل، بدون الألف واللام.
5 انظر: شرح الكافية للرضي 2/ 43.
6 زيادة من "ب".
7 قلت: ساقط من "ب".

(2/299)


العاشر: الابتداء والخبر:
اعلمْ: أنَّ هذا الباب لا يجوزُ الإخبار فيه إلا بالذي؛ لأنه لا يكونُ منه فاعل, وذلك قولكَ: "زيدٌ أخوكَ" إن أخبرتَ عن "زيد" قلت: "الذي

(2/299)


هو أخوكَ زيدٌ" انتزعت زيدًا من الصلة وجعلتَ موضعهُ "هو" فرجع1 إلى "الذي" والذي هُو زيدٌ على ما بينت فيما تقدم, وإن أخبرت عن الأخ قلت: "الذي زيد هو أخوكَ" جعلتَ "هو" مكان الخبر كما كان في أصل المسألة, ولا يجوز هذا التقديم والتأخير لأنهُ ملبسٌ2. وتقولُ: "أنتَ منطلقٌ" للذي تخاطبُ وإن3 أردتَ أن تخبر عن المخاطب قلت: "الذي هو منطلق أنت" وإن أخبرتَ عن "منطلق" قلت: "الذي أنت هو منطلقٌ" وإنْ أخبرتَ عن المضمر في "منطلقٍ" لم يجز لأنكَ تجعل مكانهُ ضميرًا يرجعُ إلى "الذي" ولا يرجع إلى المخاطب فيصيرُ المخاطب مبتدأ ليس في خبره ما يرجع إليه, وإذا قلت: "زيدٌ ضربته" فأخبرت عن "زيدٍ" أقمت مقامه "هو" فقلت: "الذي هو ضربتهُ زيدٌ" فهو, يرجع إلى "الذي" والهاءُ في "ضربتهُ" لم يجز لأنكَ تصيرُ إلى أن تقول: "الذي زيدٌ ضربتهُ هو" فإن جعلت الهاء التي في "ضربتهُ" ترجع إلى "زيدٍ" لم يرجع إلى "الذي" شيءٌ, وإن رددته إلى "الذي" لم يرجع إلى "زيدٍ" شيءٌ.
قال المازني: هل يجوز أن أحملَ هذا على المعنى؛ لأنَّ زيدًا هو الذي في المعنى؟ فإن ذلك أيضًا غير جائز لأنك لا تفيدُ حينئذ بالخبر معنى, ولا يجوز الإِخبار عن "ضربتهُ" في هذه المسألة لأنه فعلٌ وجملةٌ, والأفعال والجملُ لا يخبر عنها لأنك إذا أخبرتَ احتجت أن تضمر ما تخبرُ عنهُ والفعلُ لا يضمرُ, وكذلكَ الجملةُ لأن ذلك محالٌ وإذا قلت: زيدٌ ذهب عمرو إليهِ, جاز أن تخبر عن زيدٍ فتقول: "الذي هو4 ذهبَ عمرو إليه زيدٌ" لأنك تجعل الهاء التي في "إليه" ترجع إلى "هو" وتجعلُ "هو" يرجع إلى "الذي" وإن أخبرت عن "عمرو" فجائزٌ فتقول: "الذي زيدٌ ذهبَ إليه عمرو" وتجعل5 للفاعل في "ذهب" ضميرًا،
__________
1 في "ب" ورجع.
2 في "ب" ملتبس.
3 في "ب" فإن.
4 هو، ساقطة من "ب".
5 في "ب" فتجعل.

(2/300)


يرجع إلى "الذي" وتجعل عمرًا خبرًا للمبتدأ وإن جعلت في1 موضع "عمرو" في هذه المسألة "هندًا" كان أبين إذا قلت: "زيدٌ ذهبتْ هندٌ إليهِ" فأخبرتَ عن "هندٍ" قلتُ: التي زيد2 ذهبتْ إليهِ هندٌ, فإن ثنيتَ هندًا قلت: "اللتانِ زيدٌ ذهبتا إليه الهندانِ" فصار3 الكلام أوضح لما ظهر ضمير الفاعل, وهو الراجع إلى "اللتين" فإن أخبرتَ عن "الهاءِ" في هذه المسألة لم يجز من حيث لم يجز الإِخبار عن الهاء في "زيد ضربتهُ" فإن قلت: "زيدٌ ذاهبٌ إليه عمرو" فأخبرتَ عن "عمرو" قلت: الذي زيدٌ ذاهبٌ إليه هو "عمرو" جعلتَ "هو" فاعلًا وجعلتَ "هو"4 منفصلًا؛ لأن "ذاهبًا" اسمٌ إذا صار خبرًا لغير من هو لهُ أو صفةً أو حالًا صار فاعلهُ منفصلًا والفعلُ ليس كذلك, وقد مضى تفسير هذا وتقول: "زيدٌ يضربهُ أبوهُ" فإن أخبرت عن "زيدٍ" قلت: "الذي هو يضربه أبوهُ زيدٌ" جعلتَ "هو" موضعَ "زيدٍ" وهو الراجعُ إلى "الذي" والهاء في يضربهُ ترجع إلى "هو" وكذلك الهاء في "أبيهِ" كما كان في أصل المسألة, وإن أخبرتَ عن الأبِ قلتَ: "الذي زيدٌ يضربه أبوهُ" فتجعل5 في "يضربهُ" فاعلًا وهو صلة "الذي" وجعلت الأب خبرًا وهو "الذي". وهذه المسألة تلبس6 بقولك: "زيدٌ يضربُ أبَاهُ" لو قيلَ لك: أخبر عن "الأبِ" لقلت: الذي زيدٌ يضربهُ أبوهُ, ولو جعلتَ موضع أبيهِ أمهُ لارتفعَ اللبْسُ, لو قيلَ لك: كيفَ تخبرُ عن الأم من قولك: "زيدٌ تضربهُ أمهُ" لقلت: "التي زيدٌ تضربهُ أمهُ" ولو قلت: "زيدٌ يضرب أمه" فأخبرت عن الأم لقلتَ: "التي زيدٌ يضربُها أمهُ" وهذه المسألة متى ما لم يخالف فيها بين
__________
1 "في" ساقطة من "ب".
2 في "ب" الذي، بدلًا من "زيد".
3 في "ب" وصار.
4 في "ب" وجعلته.
5 في "ب" وتجعل.
6 في "ب" تلتبس.

(2/301)


المبتدأ والفاعل أو المفعول ألبسَ1 فلم يعلم الفاعلُ من المفعول, فإن خالفتَ بأن تجعلَ أحدهما مفردًا والآخر مثنى أو مجموعًا أو تجعلَ أحدهما مذكرًا والآخر مؤنثًا زال اللبسُ, ألا ترى أن أصل المسألة2 إذا قلت: "زيدٌ يضربهُ عمرو" وعمرٌو فاعلٌ لو قيلَ لك: قدم عمرًا لقلت: عمرٌو زيدٌ يضربهُ ففي "يضربُه" ضمير "عمرٍو" مرفوعٌ, ولو قيلَ لك: قدم عمرًا من3 قولك: "زيدٌ يضربُ عمرًا" لقلت: "عمرٌو زيدٌ يضربهُ" ففي "يضربهُ" ضمير "زيدٍ" واللفظُ واحدٌ جعلتَ عمرًا فاعلًا أو مفعولًا إذا قدمتهُ وابتدأتهُ فإن خالفتَ بين الاسمين حتى يقعَ ضميراهما متخالفين بان المرادُ, وذلك أن تجعلَ موضع عمرٍو "العمرانِ" فإذا قلتَ: زيدٌ يضربهُ العمرانِ, فقدمتَ العمرين مبتدأينِ قلت: "العمرانِ زيدٌ يضربانهِ" وإن4 قلت: "زيدٌ يضربُ العمرين" فقدمتَ العمرينِ مبتدأينِ قلت: العمرانِ زيدٌ يضربهما, فإن جعلت موضعَ "يضربُ"5 ضاربًا من قولك: زيدٌ6 يضربهُ أبوهُ، قلتَ: زيدٌ ضاربهُ أبوهُ, فإن أخبرتَ عن الأب قلت: الذي زيدٌ ضاربهُ هو أبوهُ, فأظهرتَ "هو" منفصلةً لما تقدم ذكره, فإن أخبرتَ عن الأب من قولك: "زيدٌ ضاربٌ أباهُ" قلتَ: "الذي زيدٌ ضاربهُ أبوهُ" ولم تحتجْ إلى "هو" لأن "ضاربَ" إلى جانب زيدٍ وهو لهُ, فأما قولهم: "السمنُ منوانِ بدرهمٍ" فهذا مستعملٌ بالحذف, يريدونَ: السمن منوانِ منهُ بدرهمٍ, فإن أخبرتَ عن السمن قلت: "والذي هو منوانِ بدرهمٍ السمنُ" تريد: "الذي هو منوانِ منه بدرهمٍ السمنُ" نقلتهُ عما كانَ والحذفُ بحاله, والهاءُ التي في "منهُ" ترجِعُ إلى
__________
1 في "ب" التبس.
2 في "ب" وإذا قيل لك، وهي جملة دخيلة.
3 في "ب"، بدل "من".
4 في "ب" وإذا.
5 في "ب" يضربه.
6 زيد ساقط من "ب".

(2/302)


"هو" كما كانت ترجعُ إلى السمن في أصل المسألة. وإن1 أخبرت عن "المنوينِ" قلت: "اللذانِ السمنُ هما بدرهم منوانِ" وإن أتممت الكلامَ قلت: "اللذانِ السمنُ هُما بدرهمٍ منهُ منوان" والإِتمامُ هو2 أحبُّ إليّ؛ لأن المحذوفَ لا ينبغي أن يُصرفَ تصرفَ غير المحذوف وحقه3 أن يترك على لفظه ليدل على ما حذف منه، وهذه المسألة نظير قولك4: "زيدٌ عمرٌو قائمٌ إليه" فزيدٌ: مبتدأٌ كالسمنِ ومنوان مبتدأٌ ثانٍ كعمرٍو, وقولكَ: "بدرهمٍ منهُ" خبر "منوينِ" والهاءُ في "منهُ" ترجعُ إلى "السمنِ" كرجوع الهاء في "إليهِ" فإن قيلَ لك: أخبر عن خبر السمنِ بأسره, وهو قولك: "منوانِ منهُ بدرهمٍ"5 لم يجز؛ لأن الجمل لا تضمر، وكذلكَ لو قيلَ لك: أخبر في قولك: زيدٌ عمرٌو قائمٌ إليهِ, عن خبر "زيدٍ" بأسرهِ لَمْ يَجزْ.
__________
1 في "ب" فإن.
2 هو، ساقط من "ب".
3 في "ب" فحقه.
4 في "ب" قولهم.
5 في "ب" بدرهم منوان منه.

(2/303)


الحادي عشر: المضاف إليه 1:
اعلم: أن المضاف إليه2 على ضربين: فضربٌ [منه] 3 يكون الاسمانِ فيه كحروف زيدٍ وعمرٍو, يرادُ بهما التسميةُ فقط كرجل اسمهُ عبد الله أو4 عبد الملك, فهذا الضرب لا يجوز أن تخبر فيه عن المضاف إليه؛ لأنه كبعض حروف الاسم, وضربٌ ثانٍ من الإِضافة وهي التي يراد بها الملك نحو: "دارُ عبد الله" وغلامُ زيدٍ, فهذانِ منفصلان جمع بينهما المُلك, ومتى
__________
1 إليه، ساقط في "ب".
2 إليه، ساقط في "ب".
3 زيادة من "ب".
4 في "ب" وعبد الملك.

(2/303)


زالَ الملكُ زالتِ الإِضافة فهذا الضرب الذي يجوز أن تخبر عن المضاف إليه, أما المضاف الأول فلا يجوزُ أن تخبر عنه ألبتة, أعني "غلامًا ودارًا" إذا قلت: غلامُ زيدٍ ودارُ عمرٍو؛ لأنكَ لو أخبرتَ عنهُ لوجبَ أن تضمره وتضيفهُ والمضمر لا يضاف, فإذا قلت: "هذا غلامُ زيدٍ" فأردت1 الإِخبار عن "زيدٍ" قلت: "الذي هذا غلامهُ زيدٌ" جعلت الهاء موضع زيدٍ وهي الراجعة إلى الذي وكذلك إذا قلت: "قمتُ في دار زيدٍ" فأخبرت عن زيد, قلت: "الذي قمتُ في داره زيدٌ" فإن قلت: هذا ابن عرس وسام أبرص, وحَمارُ قَبان وأبو الحرثِ, وأنتَ تعني الأسدَ فأخبرت عن المضاف إليه في هذا الباب لم يجز لأن الثاني ليس هو شيئًا يقصدُ إليه, وإنما حُمار قبان اسم للدابةِ, ليس أن قبان شيءٌ يقصدُ إليهِ, كما كان زيد شيئًا يقصد إليه. وقال أبو العباس عن أبي عثمان: إنه قد جاء الإِخبار في مثل حُمار قبان وأبي الحرثِ وما أشبههُ ولكنه في الشعر شاذٌّ.
__________
1 في "ب" وأردت.

(2/304)


الثاني عشر: البدل:
اختلف النحويون في الإِخبار في هذا الباب؛ فمنهم من لا يجيز الإِخبار عن المبدل منهُ إلا والبدلُ معه كما يفعلُ في النصب1, قال أبو بكر: وإلى هذا أذهبُ وهو الذي يختارهُ المازني, ومنهم من يجيز الإِخبار عن المبدل منهُ دون البدلِ, فإذا قلت: "مررتُ برجلٍ أخيكَ" فأخبرت عن "رجلٍ" قلت: الذي مررت بهِ رجلٌ أخوكَ, والمار به أنا رجلٌ أخوكَ, تجعلُ الرجل خبرًا ثم تبدلُ الأخ منه كما كان في أصل المسألة, وقومٌ يقولون: المار به أنا أخيك رجلٌ, فيجعلون "الأخ" بدلًا من الاسم المضمر كما كان بدلًا من مظهرٍ2. قال المازني: فإنْ أخبرت عن أخيك من قولك: "مررتُ برجلٍ أخيكَ"3 قلت:
__________
1 انظر: المقتضب 3/ 111، وشرح الكافية للرضي 2/ 42، والهمع 2/ 148.
2 في "ب" مظهره.
3 "من" ساقطة في "ب".

(2/304)


المار أنا برجلٍ بهِ أخوكَ, قال: وهذا قبيحٌ؛ لأنَّكَ جئتَ بالبدلِ الذي لا يصح الكلام إلا به, فجعلته بعدما قدرت كلامكَ تقديرًا فاسدًا, قال: ومن أجاز هذا أجازَ: "زيدٌ ضربتُ أخاكَ أباهُ" قال: وهو جائز على قبحه [قال أبو بكر] 1: ومعنى قول المازني: قدرت كلامكَ تقديرًا فاسدًا يعني: أنَّ حقَّ الكلامِ أن يستغني بنفسه قبل دخول البدل؛ لأن حقَّ البدلِ أن يكون بمنزلة ما ليسَ في الكلام وأن يكون متى أسقط استغنى الكلامُ, فلو قلت: "المارُّ أنَا برجلٍ أخوكَ" لم يجز لأنهُ لم يرجع إلى الألف واللام شيءٌ، فكان2 الكلام فاسدًا وكذلك لو قلت: "زيدٌ ضربتَ أخاكَ" لم يجز؛ لأنهُ لم يرجع إلى "زيدٍ" شيءٌ, وقولكَ: "أباهُ" بعدُ بمنزلة ما ليس في الكلام [قال المازني: وكِلا القولينِ مذهبٌ, وليسا بقويين] 3.
__________
1 زيادة من "ب".
2 في "ب" وكان.
3 زيادة من "ب".

(2/305)


الثالث عشر: العطف:
اعلم: أن العطف يشبهُ الصفة والبدل من وجهٍ ويفارقهما من وجهٍ؛ أما الوجهُ الذي أشبههما فإنه تابعٌ لِما قبلهُ في إعرابه, وأما الوجه الذي يفارقهما فيه فإن الثاني غير الأول, والنعتُ والبدلُ هما الأول, ألا ترى أنكَ إذا قلت: "زيدٌ العاقلُ" فالعاقل هو زيدٌ، وإذا1 قلت: "مررتُ بزيدٍ أخيكَ" فأخوكَ هو زيدٌ، وإذا قلت: "قامَ زيدٌ وأخوكَ" فأخوك غيرُ زيدٍ؛ فلذلك يجوز أن تخبر عن الاسم [المعطوفِ عليهِ الأولِ] 2، ويجوز أن تخبر عن الاسم المعطوف الثاني التابع لما قبلهُ, ولك أن تخبر عنهما جميعًا؛ تقول: زيدٌ وعمرٌو في الدارِ, فإن أخبرتَ عنهما جميعًا قلت: "اللذانِ هما في الدار زيدٌ وعمرٌو"،
__________
1 في "ب" وكان.
2 ما بين القوسين ساقط من "ب".

(2/305)


وإن1 أخبرتَ عن زيدٍ قلت: "الذي هو وعمرٌو في الدار زيدٌ" وإن أخبرتَ عن "عمرٍو" قلت: "الذي زيدٌ وهو في الدار عمرٌو" وإن شئت قلتَ: "الذي هو وزيدٌ في الدار عمرٌو" لأن المعنى واحدٌ فإن قلت: "قامَ زيدٌ وعمرٌو" فأخبرتَ عنهما جميعًا قلت: "اللذانِ قاما زيدٌ وعمرٌو" وإن أخبرت عن "زيدٍ" قلت: الذي قامَ هو وعمرٌو "زيدٌ" فأكدت الضمير في "قامَ" بهو؛ لتعطف عليه الظاهر, ويجوز أن لا تذكر2 "هو" فتقول: "الذي قامَ وعمرٌو زيدٌ" وفيه قبحٌ، وإن3 أخبرت عن "عمرٍو" قلت: "الذي قامَ زيدٌ وهو عمرٌو زيدٌ" فإن قلت في هذه المسائل4 بالألف واللام فقياسهُ قياسُ ما تقدم, وإن أخبرت عن المفعول من قولك: ضربتُ زيدًا وعمرًا [فإن] 5 أردتَ أن تخبر عن "زيدٍ" قلت: الذي ضربتهُ وعمرًا زيدٌ, وإن أخبرتَ عن عمرٍو قلت: "الذي ضربتُ زيدًا وإياهُ عمرٌو" فإن لم تردْ ترتيب الكلام على ما كان عليه قلت: الذي ضربتهُ وزيدًا عمرٌو, وجاز ذلك لأنَّ قولك: "ضربتُ زيدًا وعمرًا, وضربتُ عمرًا وزيدًا" في الفائدة سواءٌ, فإن قلت: ضربتُ زيدًا وقامَ عمرٌو, لم يجز الإِخبار عن واحدٍ منهما؛ لأنهما من جملتين والعاملان يختلفان, فلو أخبرت عن "زيدٍ" لكنت قائلًا: "الذي ضربتهُ وقامَ عمرٌو زيدٌ" فليس لقولكَ: قامَ عمرٌو اتصالٌ بالصلة, فإن زدتَ في الكلام [فقلتَ] 6: وقامَ عمرٌو إليه أو من أجله جاز, فإن قلت: ضربتُ زيدًا أو عمرًا فأخبرت عن "زيدٍ" فإن الأخفش يقولُ: "الضاربهُ أنا أو عمرًا زيدٌ" قال لأنَّ
__________
1 في "ب" فإن.
2 في الأصل "تؤكد" والتصحيح من "ب".
3 في "ب" فإن.
4 في "ب" المسألة.
5 زيادة من "ب".
6 زيادة من "ب".

(2/306)


عمرًا قد1 صار كأنه من سببه إن وقع عليهما فِعْلٌ واحدٌ, كما تقول: مررتُ برجلٍ ذاهبٍ أبوهُ أو2 عمرو, ولو قلت: أو ذاهبٌ عمرٌو لم يجز؛ لأنهما لم يجتمعا في فِعْلٍ واحدٍ فيصير عمرٌو إذا جعلت لهُ فعلًا على حدته3 كأنك قلت: مررتُ برجلٍ ذاهبٌ عمرٌو وكذلك لا يجوز: الضاربه أنا والضاربُ زيدًا عمرٌو [قال أبو بكر] 4: لأنه قد انفصل من العامل الذي في صلة الضاربِ, وإذا قلت: ضربتُ أو شتمتُ عمرًا فأخبرت عن "عمرٍو" قلت: "الذي ضربتُ أو شتمتُ عمرٌو" تريد: "الذي ضربتهُ أو شتمتهُ عمرٌو" فالفعلانِ داخلانِ في الصلة، فإن5 قلتهُ بالألف واللام احتجتَ أن تقول: الضاربه أنا والشاتمه أنا عمرٌو, فأخرجتَ ما كان في صلة "الذي" عنها؛ لأنه لا بد من ألف ولامٍ أخرى حتى يصير فاعلٌ بمعنى الفعل, وهذا لا يجوز, ومعنى الكلام أيضًا يتغير لأنك إذا قلت: "الذي ضربتُ أو شتمتُ عمرٌو" فالشك واقع في الفعلين, وإذا قلت: "الضاربهُ أنا أو الشاتمهُ أنا عمرٌو" فالشك في الاسمين, فإن قلت: ضربتُ زيدًا أو شتمتُ عمرًا لم يجز أن تخبر عن زيدٍ إلا أن تضمر في الجملة الثانية ما يرجعُ إلى "زيدٍ" فتقول: "الذي ضربتُ أو شتمتُ عمرًا من أجله أو لهُ زيدٌ".
واعلم: أنه قد جاء في العطف أشياء مخالفةٌ للقياس, فمن ذلك قولك: "مررت برجلٍ قائمٍ أبواه, لا قاعدين" فقولك: "لا قاعدينِ" معطوفٌ على "قائمٍ" وليس في قولك: "قاعدينِ" شيءٌ يرجعُ إلى رجلٍ, [كما كان في قولك: قائمٌ أبواهُ, ضميرٌ يرجع إلى "رجل"6] فجاز هذا في المعطوف على
__________
1 "قد" ساقط في "ب".
2 في "ب" وعمرو.
3 في "ب" حده.
4 زيادة من "ب".
5 في "ب" فإذا.
6 ما بين القوسين ساقط من "ب".

(2/307)


غير قياسٍ، وهذا لفظُ المازني وقول كلّ من يرضى قوله, وكان ينبغي أن تقول: مررتُ برجلٍ قائمٍ أبواه ولا قاعدٍ أبواه, وأن لا يجيء الأبوان مضمرين ولكنه حكي عن العرب وكثر في كلامهم حتى صار قياسًا مستقيمًا, ومما جاء في العطف لا يجوز في الأول قول العرب: "كُلُّ شاةٍ وسخلتها بدرهمٍ"1 ولو جعلتَ السخلةَ تلي "كُلّ" لم يستقمْ, ومثلهُ: "ربَّ رجلٍ وأخيهِ" فلو كان الأخ يلي "رُبَّ" لم يجز, ومن كلام العرب: "هذا الضاربُ الرجلِ وزيدٍ" ولو كان زيدٌ يلي الضاربَ لم يكن جرا, وينشدونَ هذا البيتَ [جرا] 2:
الواهب المائةِ الهجانِ وعبدِها ... عوذًا تُزجَّى خلفَها أطفالها3
وكان أبو العباس4 -رحمهُ الله-5 يفرقُ بين عبدها وزيدٍ, ويقول: إن الضمير في "عبدِها" هو للمائة فكأنه قال: وعبدُ المائة, ولا يستحسنُ6 ذلك في "زيدٍ" ولا يجيزه7 وأجاز ذلك سيبويه8 والمازني, ولا أعلمهم قاسوه إلا على هذا البيت. وقال المازني: إنه من كلام العرب, والذي قال أبو العباس9 أولى وأحسن, فإذا قلت: "مررتُ بزيدٍ القائمِ أبواه, لا القاعدينِ" أجريتَ "القاعدينِ" على: القائم أبواه عطفًا, فصارا جميعا من صفة زيدٍ ولم يكن في "القاعدينِ" ما يرجع إلى الموصول في اللفظ, ولكنه جاز في المعرفة كما جاز في النكرة, وتقول على هذا القياس: مررتُ بهند القائمِ أبواها لا القاعدين, فتجري "القاعدينِ" عليها.
__________
1 انظر الكتاب 1/ 244، وشرح الرماني 2/ 45، والخزانة 2/ 181.
2 زيادة من "ب".
3 مر تفسيره في الجزء الأول، صفة 88 من الأصل.
4 انظر: الخزانة 2/ 181، والدرر اللوامع 2/ 57.
5 رحمه الله، ساقط من "ب".
6 في "ب" استحسن.
7 في "ب" أجيزه.
8 انظر الكتاب 1/ 93, والخزانة 2/ 181, والدرر اللوامع 2/ 57.
9 انظر: المقتضب 4/ 164.

(2/308)


قال المازني: وقد قال قوم من أهل العلم: نجيزُ هذا في الألف واللام، ولا نجيزهُ في "الذي"؛ لأن الألف واللام ليستا على القياس و"الذي" لا بد في صلته من ضميره, وقال هؤلاء: ألا ترى أنك تقول: "نِعْمَ الذاهبُ زيدٌ, ونِعْمَ القائمُ أبوهُ زيدٌ, ونِعْمَ الضارب زيدًا عمرٌو" ولا تقول: "نِعْمَ الذي ذهبَ زيدٌ" ألا تَرى أن الألفَ واللامَ قد دخلتا مدخلًا لا يدخلهُ "الذي" وكذلك1 جاز: مررتُ بهندٍ القائمِ أبواها لا القاعدينِ، ولم يجز: "مررتُ بهندٍ القائم أبواها لا2 اللذينِ قَعَدا" وقال الآخرون: نجيزهُ "بالذي" معطوفًا ونجعل صلتهُ على المعنى, كما قلنا: أنا الذي قمتُ, وأنت الذي قمتَ, وأنا الذي ضربتُكَ فحملناهُ على المعنى فكان الحملُ على المعنى في العطف أقوى، إذ كان يكون ذلك في هذا وليس معطوفًا؛ لأنّا قد رأينا أشياء تكون في العطف فلا تكون في غيره، فإذا كانت صلةُ "الذي" جائزة أن تحمل على المعنى غير معطوفةٍ فهي معطوفةٌ أشد احتمالًا, فأجازوا هذا الباب على ما ذكرتُ لك. قال المازني: وهو عندي جائزٌ على المعنى كما تقول: "اللذانِ قامَ وقعدَ أخواك" فتجعل الضمير الذي في "قام وقعد" يرجع إلى "اللذينِ" على معناهما لا على لفظِهما. ومما جاءَ في الشعر في صلة الذي محمولًا على معناه لا على لفظه:
وأَنَا الَّذِي قَتَّلتُ بَكْرًا بالقَنَا ... وتَرَكْتُ تَغْلِبَ غَيْرَ ذَاتِ سَنَامِ3
ولو حمله على لفظه لقال4: "قَتَل" قال: وليس كل كلام يحتمل5 أن
__________
1 في "ب" فكذلك.
2 في "ب" إلا، ولا معنى لها ههنا.
3 الشاهد فيه "قتَّلت" والكثير: قتل, والقنا: جمع قناة، يكتب بالألف؛ لأنك تقول في جمعه: قنوات, والبيت للمهلهل بن ربيعة. وانظر: المقتضب 4/ 132, والمقصور والممدود لابن ولاد 88, والأبيات المشكلة للفارقي/ 238, وشرح السيرافي 3/ 136.
4 في "ب" قال.
5 في "ب" محتملًا.

(2/309)


يحمل على المعنى, لو قلت: أخَواكَ قامَ وأنتَ تريدُ: قامَ أحدهُما، لم يكن كلامًا؛ لأنك ابتدأت الأخوين ولم تجئ في خبرهما بما1 يرجعُ إليهما, فلذلك لم يجز هذا, ولو قلت: أخواكَ قام وقعد فحملت "قامَ وقعدَ" على معنى الأخوين, كان هذا أقوى؛ لأن الكلام كلما طال جاز فيه ما لا يجوز فيه إذا لم يطل, ولو قلت: "اللذانِ قامَ أخواكَ" تريد: "اللذان قامَ أحدهما أخواك" لم يجز وقد يضطر الشاعر فيجيء بالشيء على المعنى فيكون ذلك جائزا2 كما جاز له صرف ما لا ينصرف ووضع الكلام في غير موضعه، ولا يجوز ذلك في غير الشعر [فكلُّ ما شنَع في السمع أجازته ولم يستعمل لا تجزه] 3. وقال الأخفش: لو أنَّ رجلًا أجاز: مررت بالذي ذهبت جاريتاهُ والذي أقَامتا على القياس -يعني في هذا الباب- وعلى أنه يجوز في العطف ما لا يجوز في الإِفراد كان قياسًا على قبحه، وعلى أنه ليس من كلام العرب، ومن لم يجز هذا لم يجز: "مررتُ بالحَسنة جاريتاهُ لا القبيحتينِ" إذا أرادَ معنى "الذي" ويجوز هذا على أن لا يجريه مجرى "الذي" ولكن يدخل الألف واللام للمعرفة, وإذا قلت: "ضربتُ زيدًا فعمرًا" فأردتَ الإِخبارَ عن "زيدٍ"4 قلت: "الذي ضربتُه فعمرًا زيدٌ" فإن أخبرت عن "عمرٍو" قلت: "الذي ضربتُ زيدًا فإياهُ عمرٌو" ولا يجوز أن تجعل ضميره متصلًا وتقدمهُ كما فعلت في الواو؛ لأن معنى الفاء خلاف ذلك وثمَّ كالفاء, وكذلك "لا" إذا كانت5 عاطفة فإذا قلت: "ضربتُ زيدًا ثمَّ شتمتُ عمرًا" لم يجز أن تخبر عن زيدٍ بالألف واللام؛ لأنهُ يلزمكَ أن تقول: "الضاربهُ أنا ثُمَّ الشاتمُ أنَا عمرًا زيدٌ" فلا يكون لقولك: "الشاتمُ أنا عمرًا" اتصال بما في الصلة إلا أن تريد له أو من أجله كما بينا في مسائل تقدمت، لو قلت: الذي ضربتهُ
__________
1 في الأصل "ما" والتصحيح من "ب".
2 جائز، ساقط في "ب".
3 زيادة من "ب".
4 في "ب" زيد عمرو.
5 في "ب" كان.

(2/310)


وضربتُ عمرًا زيدٌ, أو ثمَّ ضربتُ عمرًا أو فضربتُ عمرًا لم يجز ذلك كله إلا على هذا الضمير أو تكون تريد: "ضربتهُ وزيدًا" فتقول: ضربتهُ وضربتُ زيدًا, تريد الفعل الثاني توكيدًا فيجوز على هذا وهو أيضًا قبيحٌ, وكذلك لو قلت: الذي ضربتهُ وقمتُ أو ثم قمتُ أو قلتُ زيدٌ, لم يجز إلا على ما ذكرتُ لك وهو قبيحٌ, ألا ترى أنَّكَ لو قلت: "مررتُ برجلٍ قائمٍ أبوه وأنا" جاز ولو قلت: "مَرَّ زيدٌ برجلٍ وذاهبٌ أنا" لم يجز إلا على ما ذكرت [لك] 1 من الضمير فتقول2: وذاهبٌ أنا من أجلهِ ولو قلت: "الذي ضربتُه فبكى3 زيدٌ أخَوكَ" جاز لأَنَّ بكاء زيدٍ كان لضربِكَ إياهُ, ولو قلت: "الضاربهُ أنا4 والباكي زيدٌ أَخوكَ" لم يجز لأنك إذا أدخلت الألف واللام لم تجعل الأول علةً للآخر وإنما يكون ذلك في الفعل, ولو قلت: الذي ضربتهُ وقمتُ زيدٌ كان جيدًا؛ لأنَّ الفعلين جميعًا من صلة "الذي". وقال الأخفش: لو قلت: الضاربهُ أنا وقمتُ زيدٌ كان جائزًا على المعنى؛ لأن معنى الضاربهُ أنا الذي ضربتهُ5، وفي "كتاب الله عز وجل"6: {إِنَّ الْمُصَّدِّقِينَ وَالْمُصَّدِّقَاتِ وَأَقْرَضُوا اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا يُضَاعَفُ لَهُمْ} 7، ولو قلت: "الضاربه أنا، والقائم أنا زيدٌ" لم يجز لأن كل واحدٍ منهما اسمٌ على حياله, والقائمُ أنا ليس فيه ذكرُ زيدٍ, ولو قلت: "الضاربُ زيدًا فمبكيه أنتَ" كان جائزًا8 على أن يكون الضربُ علةً للبكاءِ؛ لأنك لو قلت: الضاربُ زيدًا
__________
1 زيادة من "ب".
2 في "ب" تقول.
3 في الأصل "فبكا".
4 "أنا" ساقط من "ب".
5 الذي ضربته، ساقط من "ب".
6 في "ب" قال الله عز وجل.
7 الحديد: 18.
8 في "ب" جاز على أن يكون.

(2/311)


[فبكى أنا "كان جيدًا"] 1 ولو قلت: "الضاربُ زيدًا فالباكي هو أنا" لم يحسن. وقال الأخفش: إلا على وجهٍ بعيدٍ, كأنه ليس فيه ألفٌ ولامٌ, كما قالت العرب: هم فيها الجماءَ الغفير, يريدون: هُم فيها جما غفيرًا, وأرسلها العراك2 يريد: أرَسلها عِراكًا, وقال: قالت العربُ: "همُ الخمسة العشَر" يريدون: "هُم الخمسةَ عَشَرَ".
__________
1 ما بين القوسين ساقط في "ب".
2 أي: إن الألف واللام زائدتان، والعراك تعرب حالًا.

(2/312)


الرابع عشر: الإِخبار عن المضمر:
إذا قلت: "قمتُ" فأخبرتَ عن "التاءِ" قلت: "القائمُ أنَا" فإن1 قلت: "قمتَ" فأخبرتَ عن "التاءِ" قلت: "القائمُ أنتَ" فإنْ كان الضمير غائبًا قلتُ: "القائمُ هوَ" وإن أخبرتَ "بالذي" قلت: "الذي قامَ هُوَ, والذي قامَ أنتَ, والذي قامَ أنَا" لأنك لو قلت: "الذي قمتُ أنا والذي قمتَ أنتَ" لم يكن في صلة "الذي" شيءٌ يرجع إليه, وزعموا أنه سمع من العرب وهو في أشعارهم: أنا الذي قمتُ وأنت الذي قمتَ, إذا بدأت بالمخاطب قبل "الذي" أو بدأ المتكلم "بأنا" قبل "الذي" فحملت "الذي" في هذا الباب على المعنى, والجيد2: أنا الذي قامَ والآخر جائزٌ, فإذا قلتَ: "ضربتني" فأخبرت عن المفعول قلت: "الذي ضربته أنا" فإن قلت: "ضربتك" فأخبرت عن الفاعل قلت: الذي ضربكَ3 أنا, ولا يجوز: "الذي ضربتُكَ أنتَ" ولا "الذي ضربتني أنا" إذا أخبرت عن "التاء" فإن قدمت "نفسَكَ" قبلَ "الذي" قلتَ: "أنا الذي ضربتُكَ وأنا الذي ضربتني". قال المازني: ولولا أن هذا حكي عن العرب الموثوق بعربيتهم لرددناه4 لفساده, وإذا قلتَ:
__________
1 في "ب" وإن.
2 في "ب" الجيد، بإسقاط الواو.
3 "ضربك" ساقط من "ب".
4 في "ب" رددناه بإسقاط اللام.

(2/312)


ضربتُكَ فخبرتَ عن المفعول بالذي, قلت: "الذي ضربتُ أنتَ" إن شئتَ حذفتَ الهاء من "ضربتُ" وإن شئت أثبتها وكذلك إذا قلت: مررتُ بِكَ فأخبرتَ عن "الكاف"1 بالذي, قلت: "الذي مررتُ بهِ أنتَ" فإن قلتَ: ضربتني أو مررت بي فأخبرتَ عن نفسك قلتَ: "الذي مررتُ بهِ أنا, والذي ضربتهُ أنا" فالمجرور2 والمنصوب والمرفوع من المضمر على هذا, فإذا قلت: هذا غلامُك فأخبرت عن "الكاف" قلت: الذي هذا غلامهُ أنتَ, وإذا قلت: هذا غلامي فأخبرت عن الياء قلت: "الذي هذا غلامهُ أنَا"3 وإذا قلت: "هذا غلامُه" قلت: "الذي هذا غلامُه هُوَ"4 لأن "أنَا" للمتكلم وأنتَ للمخاطب وهو للغائب. وقال المازني في هذا الباب: إنه جائزٌ عند جميع النحويين, ثم قال: وهو عندي رديءٌ في القياس, ولولا اجتماع النحويين على إجازته ما أجَزتُهُ, قال أبو بكر: والذي جعلهُ عندهُ رديئًا في القياس أنكَ تخرج المضمر الذي هو أعرف المعارف إلى الظاهر؛ لأن "الذي" وإن كان مبهمًا فهو كالظاهر لأنه يصحُّ بصلته.
__________
1 الكاف، ساقط من "ب".
2 في "ب" والمجرور.
3 في "ب" هو.
4 هو، ساقط في "ب".

(2/313)