الأصول في النحو ذكر ما يحرك من
السواكن في أواخر الكلم
مدخل
...
ذكر ما يحرك من السواكن في أواخر الكلم، وما يسكن من المتحركات، وما
تغير حركته لغير إعراب، وما يحذف لغير جزم:
أما ما يتحرك من السواكن لغير إعراب فهو على ضربين: إما أن يحرك من أجل
ساكن يلقاه ولا يجوز الجمع بين ساكنين, وإما أن يكون بعده حرف متحرك
فيحذف ويلقي حركته عليه. الأول على ضربين: أحدهما: إما أن يكون آخر
الحرف ساكنًا فيلقاه ساكن نحو قولك: {قُمِ اللَّيْلَ} 1 حركت الميم
بالكسر لالتقاء الساكنين, وأصل التحريكات لالتقاء الساكنين الكسر, ولم
تردِ الواو؛ لأن الكسر غير لازمة في الوقف, وكذلك قولك: "كَمِ المالُ؟
ومَنِ
__________
1 المزمل: 2، قرئ بالكسر والفتح والضم في قوله: {قُمِ اللَّيْلَ} ،
وانظر البحر الميحط.
(2/361)
الرجلُ؟ " فإن قلت: "مِنَ الرجل" فالفتح1
أحسن، من قبل أن الميم مكسورة فيثقل الكسر بعد كسرة ولكثرة الاستعمال
أيضًا, والكسرة الأصل, فكل ما لا يتحرك إذا لقيهُ ساكن حرك، من ذلك
قولك: "هذا زيد العاقلُ" حركت التنوين بالكسر.
والآخر: ما حرك من أواخر الكلم السواكن من أجل سكون ما قبلها، وليس
التحريك تحريك البناء كأين وأولاءِ وحيث, فمن ذلك الفعل المضاعف والعرب
تختلف فيه, وذلك إذا اجتمع حرفان من موضع واحد؛ فأهل الحجاز يقولون:
"ارددْ وإنْ تضاررْ أضاررْ"2 وغيرهم3 يقول: "ردَّد" وفرّ, وإنْ تردَّ
أرَدّ ويقولون: لا تضار؛ لأن الألف يقع بعدها المدغم, والذين يدغمون
يختلفون في تحريك الآخر, فمنهم من يحركه بحركة ما قبلها أي: حركة كانت
وذلك4 رُدَّ وعُضَّ وفُرَّ واطمئن واستعدَّ واجترَّ؛ لأن قبلها فتحة5،
فإذا جاءت الهاء والألف التي لضمير المؤنث فتحوا أبدًا فقالوا: رُدَّها
وعُضَّها وفُرَّها؛ لأن الهاء خفية فكأنه قال: فِرّا ورِدّا ولم
يذكرها، فإذا6 كانت الهاء [مضمومة] 7 في مثل قولهم: ردهو ضموا كأنهم
قالوا: رُدوا. فإن جئت بالألف واللام [وأردت] 8 الوصل كسرت الأول كله
فقلت: رُدِّ القومَ وردِّ ابنكَ وعَضِّ الرجل وفُرِّ اليوم؛ وذلك لأن
الأصل: ارْدُدْ فهو ساكن, فلو قلت: اردُدِ
__________
1 يقول الكسائي: إن سبب فتح النون في "من" هو أن أصلها "منا" انظر شرح
الشافية 2/ 446, وفي اللسان 17/ 311 أن قبيلة قضاعة تقول "منا" بدلًا
من "من".
2 انظر الكتاب 2/ 158، وقرأ ابن مسعود: "ولا تضارر" على لغة أهل
الحجاز، البقرة: 233، وانظر البحر المحيط.
3 يريد بني تميم وكثيرًا من العرب، انظر الكتاب 2/ 158-159.
4 في "ب" نحو.
5 انظر: الكتاب 2/ 159.
6 في "ب" وإذا.
7 زيادة من "ب".
8 زيادة من "ب".
(2/362)
القومَ لم يكن إلا الكسر فهذه الدال تلك1
وهي على سكونها وهو الأصل على لغة أهل الحجاز2، ألا ترى أن الذال في
"مُذْ" واليوم في ذهبتم لما لقيها الألف واللام احتيج إلى تحريكها
لالتقاء الساكنين رُدَّ إلى3 الأصل، وأصلها الضم4، فقلت: مُذُ اليوم
وذهبتمُ اليوم؛ لأن أصل "مُذْ" منذُ يا هذا, وأصل ذهبتم: ذهبتُمُ يا
قوم فرد مذ وذهبتم إلى أصله وهي الحركة, ومنهم من يفتح على كل [حال] 5
إلا في الألف واللام وألف الوصل وهم بنو أسد, قال الخليل: شبهوه "بأين
وكيف"6 ومنهم من يدعه إذا جاء بالألف واللام مفتوحًا، يجعله في جميع
الأشياء "كأينَ" ومن العرب من يكسرُ ذا أجمع على كل حال فيجعله بمنزلة
"اضرب الرجلَ" وإن لم تجئ بالألف واللام لأنه فعل حرك لالتقاء الساكنين
والذين يكسرون كعب وغني7. ولا يكسر هلم8 ألبتة من قال: هلما، وهلمي9
ليس إلا الفتح وأهل الحجاز وغيرهم يجمعون على أنهم يقولون للنساء:
ارددنَ؛ لأن سكون الدال هنا لا
__________
1 يشير إلى أن الدال الساكنة هي نفسها التي كسرت لالتقاء الساكنين.
2 انظر الكتاب 2/ 160.
3 في "ب" ردوا.
4 قال سيبويه 2/ 160: "ومثل ذلك مذ وذهبتم فيمن أسكن، تقول: مذ اليوم،
وذهبتم اليوم؛ لأنك لم تبن الميم على أن أصله السكون، ولكنه حذف كياء
قاضٍ ونحوها.
5 زيادة من "ب".
6 قال سيبويه 2/ 160: زعم الخليل: أنهم شبهوه بأين وكيف وسوف وأشباه
ذلك وفعلوا به إذا جاء بالألف واللام والألف الخفيفة ما فعل الأولون
وهم بنو أسد وغيرهم من بني تميم.
7 كعب وغني من قيس، انظر الكتاب 2/ 160, وشرح الرضي 2/ 243.
8 لم يكسر "هلم" لأنه ضعف تمكنه وتصرف بما ضم إليه, فألزموه أخف
الحركات كما اجتمعوا على فتح الدال في "رويد" انظر الكتاب 2/ 160.
9 في "ب" أو.
(2/363)
يشبه سكون الجزم ولا سكون الأمر والنهي؛
لأنها إنما سكنت من أجل النون كما تسكن مع التاء1، وزعم الخليل وغيره
أن ناسًا من بكر بن وائل يقولون: "ردَّنَ ومرَّنَ وردَّتْ"2، كأنهم
قدروا الإِدغام قبل دخول النون والتاء, والشعراء إذا اضطروا إلى ما
يجتمع أهل الحجاز وغيرهم على إدغامه أخرجوه على الأصل, ومن ذلك الهمزة
إذا خففت وقبلها حرف ساكن حذفت وألقيت الحركة على الساكن, وسنذكر باب
الهمزة3 إن شاء الله.
والثاني: ما يسكن لغير جزم وإعراب, وهو على ثلاثة أضرب: إسكان لوقف
وإسكان لإِدغام وإسكان لاستثقال؛ أما الوقف فكل حرف يوقف عليه فحقه
السكون كما أن كل حرف يبتدأ به فهو متحرك وأنا أفرد ذكر الوقف
والابتداء. وأما الإِدغام فنحو قولك: "جَعَلَ لَكَ" فمن العرب من
يستثقل اجتماع كثرة المتحركات فيدغم وهذا يبين في الإِدغام. وأما إسكان
الاستثقالِ فنحو ما حكوا في شعر امرئ القيس في قوله4:
"فاليومَ أشربْ غَيْرَ مُسْتَحْقَبٍ ... إثمًا مِنَ الله ولا وَاغِلِ"5
__________
1 يشير إلى تاء: رددتُ، ورددتِ، ورددتَ.
2 انظر الكتاب 2/ 160.
3 في "ب" الهمز.
4 من شواهد سيبويه 2/ 297 على تسكين الباء من قوله: "أشرب" في حال
الرفع والوصل، ويروى: فاليوم فأشرب..
وكذلك: فاليوم أسقى.. ولا شاهد فيه على هذه الرواية.
والمستحقب: المكتسب, وأصله من استحقب، أي: وضع الحقيبة، وهي خرج يربط
بالسرج خلف الراكب، والواغل: الذي يأتي شراب القوم من غير أن يدعى
إليه. وهو مأخوذ من الوغول, وهو الدخول, ومعناه أنه وغل في القوم وليس
منهم.
وانظر: شرح السيرافي 1/ 229, والتمام في تفسير أشعار هذيل 205،
والخصائص 1/ 74 وج2/ 274, والحماسة 612, والفاخر للمفضل بن سلمة 63,
وابن يعيش 1/ 48, وإصلاح المنطق 245, والشعر والشعراء 98, والأصمعيات
40, والضرائر 225, والحجة 1/ 86، والخزانة 3/ 531, والديوان 150.
5 زيادة من "ب".
(2/364)
كان الأصل: أشربُ فأسكن الباءَ كما تسكن في
"عَضُدِ" فتقول: "عَضْدٌ" للاستثقال فشبه المنفصل والإِعراب بما هو من
نفس الكلمة, وهذا عندي غير جائز لذهاب علم الإِعراب, ولكن الذين قالوا
"وهو" فأسكنوا الهاء تشبيهًا "بِعَضْدٍ" والذين يقولون في "عَضُدٍ":
"عَضْدٌ"؛ وفي "فَخذٍ" إنما يفعلون هذا إذا كانت العين مكسورة أو
مضمومة فإذا انفتحت لم يسكنوا.
الثالث: ما غيرت حركته لغير إعراب تقول: هذا غلامٌ فإذا أضفته إلى نفسك
قلت: غُلامي, فزالت حركت الإِعراب, وحدث موضعها كسرة, وقد ذكرت ذا فيما
تقدم فهذه الياء تكسر ما قبلها إذا كان متحركًا, فإن كان قبلها ياءٌ
نحو: "يا قاضي" قلت: قاضِيّ وجواريّ, فإن كان قبلها واو ساكنة وقبلها
ضمةٌ قلبتها ياءً وأدغمت نحو "مسلميّ" فإن كان ما قبلها1 ياء ساكنة
وقبلها حرف مفتوح لم تغيرها تقول: "رأيتُ غُلامي" تدع الفتحة على حالها
وكل اسم آخره ياءٌ يلي حرفًا مكسورًا فلحقته الواو والنون والياء
للجمعِ تحذف منه الياء ويصير مضمومًا, تقول في "قاضٍ" إذا جمعت:
"قاضونَ" وقاضينَ لما لزم الياء التي هي لام السكون أسقطت لالتقاء
الساكنين, فإن أضفت "قاضُون" إلى نفسك قلت: "قاضي" كما قلت: مُسلِميّ,
وتختلف العرب في إضافة المنقوص إلى الياء فمن العرب2 من يقول: بُشرايَ
بفتح الياء, ومنهم من يقول: بشريّ, وأما قولهم: في عَلَيّ عليكَ,
ولَدَيّ لديكَ, فإنما ذاك ليفرقوا بينهما وبين الأسماء المتمكنة كذا
قال سيبويه: وحدثنا الخليل3، أن ناسًا من العرب يقولون: علاكَ ولداكَ
وإلاكَ وسائر علامات المضمر المجرور بمنزلة الكاف, وهؤلاء على القياس,
قال: وسألته عَنْ مَنْ قال: رأيتُ كلا أَخويكَ, ومررت بكلا أخويكَ,
ومررت
__________
1 "ما" ساقطة من "ب".
2 في الأصل "فالأعرف" والتصحيح من "ب".
3 انظر الكتاب 2/ 104-105, والحجة للفارسي 1/ 32.
(2/365)
بكليهما، فقال: جعلوه بمنزلة: عليكَ
ولديكَ، وكِلا لا تفرد أبدًا, إنما تكون للمثنى1.
الرابع: ما حذف لغير جزم, وذلك على ضربين: أحدهما ما يحذف من الحروف
المعتلة لالتقاء الساكنين, والآخر ما2 يحذف في الوقف ويثبت في
الإِدراج. فأما الذي يحذف لالتقاء الساكنين, فالألف والياءُ التي قبلها
كسرة والواو التي قبلها ضمة, وذلك نحو: هو يغزو الرجل, ويرمي القومَ,
ويلقي الفارسَ, وكذلك إن كانت واو جمع أو ياء نحو: مسلمو القوم ومسلمي
الرجل, فإن كان قبل الواو التي للجمع فتحة لم يجز أن يحذف؛ لأنها لا
تكون كذا إلا وقبلها حرف قد حذف لالتقاء الساكنين, وهي مع ذلك لو حذفت
لالتبست بالواحد, وذلك قولك: هم مصطفو القوم واخشوا الرجلَ, والفتح مع
ذلك أخف من الضم, وأما الذي يحذف في الوقف ويثبت في غيره فنذكره في
الوقف والابتداء ونجعله يتلو ما ذكرنا, ثم نتبعه الهمزَ للحاجة إليه إن
شاء الله.
__________
1 انظر الكتاب 2/ 105.
2 "ما" ساقطة من "ب".
(2/366)
باب ذكر الابتداء:
كل كلمة يبتدأ بها من اسم1 وفعل وحرف، فأول حرف تبتدئ به وهو متحرك
ثابت في اللفظ, فإن كان قبله كلام لم يحذف ولم يغير إلا أن يكون ألف
وصل فتحذف ألبتة من اللفظ وذلك إجماع من العرب, أو همزة قبلها ساكن
فيحذفها من يحذف2 الهمزة ويلقي الحركة على الساكن, وسنذكر هذا في تخفيف
الهمزة, فأما ما يتغير ويسكن من أجل ما قبله فنذكره بعد ذكر ألف الوصل
إن شاء الله.
__________
1 في "ب" أو.
2 في الأصل "يخفف" والتصحيح من "ب".
(2/367)
ألف الوصل:
ألف الوصل همزة زائدة يوصل بها إلى
الساكن في الفعل والاسم والحرف إذ كان لا يكون أن يبتدأ بساكن, وبابها
أن تكون في الأفعال غير المضارعة، ثم المصادر الجارية على تلك الأفعال،
وقد جاءت في أسماء قليلة غير مصادر ودخلت على حرف من الحروف التي جاءت
لمعنى, ونحن نفصلها بعضها من بعض إن شاء الله. أما كونها في الأفعال
غير المضارعة1 فنحو قولك مبتدئًا: اضربْ, اقتلْ2، اسمعْ, اذهب، كان
الأصل: تذهبُ، تضربُ،
__________
1 انظر الكتاب 2/ 271.
2 في "ب" أقبل.
(2/367)
وتقتلُ، وتسمعُ، فلما أزلت حرف المضارعة
وهو "التاءُ" بقي ما بعد الحرف ساكنًا فجئت بألف الوصل لتصل إلى الساكن
وأصل كل حرف السكون, فكان أصل هذه الهمزة أيضًا السكون فحركتها لالتقاء
الساكنين بالكسر, فإن كان الثالث في الفعل مضمومًا ضممتها, وتكون هذه
الألف في "انفعلت" نحو: انطلقت, وافعللت نحو: احمررتُ, وافتعلتُ نحو:
احتبستُ, وتكون في استفعلتُ نحو: استخرجتُ, وافعللتُ نحو: اقعنسستُ,
وافعاللتُ نحو: اشهاببتُ, وافعولتُ نحو: اجلوذتُ, وافعوعلتُ نحو:
اغدودنتُ, وكذلك ما جاء من بنات الأربعة على مثال استفعلتُ, نحو:
احرنجمت واقشعررتُ, فألف الوصل في الفعل في الابتداء مكسورة أبدًا إلا
أن يكون الثالث مضمومًا فتضمها نحو قولك: اقتل, استضعف, احتقر, احرنجم,
والمصادر الجارية على هذه الأفعال كلها1 وأوائلها ألفاتُ الوصل مثلها
في الفعل, ولا تكون إلا مكسورة تقول: انطلقتُ انطلاقًا واحمررتُ
احمرارًا واحتبستُ احتباسًا واستخرجت2 استخراجًا واقعنسستُ اقعنساسًا
واشتهاببتُ اشتهبابًا واجلوذتُ اجلواذًا واغدودنتُ اغديدانًا, وأما
الأسماء التي تدخل عليها ألف الوصل سوى المصادر الجارية على أفعالها
وهي أسماء قليلة, فهي: ابن وابنة واثنانِ واثنتانِ وامرؤٌ وامرأَة
وابنم واسم واستٌ, فجميع هذه الألفات مكسورة في الابتداء3، ولا يلتفت
إلى ضم الثالث, تقول مبتدئًا: ابنم وامرءٌ؛ لأنها ليست ضمة تثبت في هذا
البناء على حال كما كانت في الفعل, وأما الحرف4 الذي تدخل عليه5 ألف
الوصل، فاللام التي يعرف بها الأسماء, نحو: القوم والخليل والرجل
والناس وما
__________
1 كلها، ساقطة في "ب".
2 في "ب" استخرجت قبل احتبست.
3 انظر الكتاب 2/ 273.
4 في "ب" الحروف.
5 عليه، ساقط في "ب".
(2/368)
أشبه ذلك, إلا أن هذه الألف مفتوحة وهي
تسقط في كل موضع تسقط فيه ألف الوصل إلا مع ألف الاستفهام, فإنهم
يقولون: أَالرجل عندك؟ فيمدون كيلا يلتبس الخبر بالاستفهام, وقد شبهوا
بهذه الألف التي في "ايم وايمن" في القسم ففتحوها لما كان اسمًا
مضارعًا للحروف, وأما ما يتغير إذا وصل بما قبله ولا يحذف فالهاء من
"هو" إذا كان قبلها واو أو فاء نحو قولهم: فهو قالَ ذاكَ وهي أُمكَ,
وكذلك لامُ [الأمر] 1 في قولك: لتضربْ زيدًا, إذا كان قبلها واو [وصلت]
2 فقلت: ولتضربْ, والعرب تختلف في ذلك, فمنهم من يدع الهاء في "هو" على
حالها ولا يسكن, وكذلك هي, ومن ترك الهاء على حالها في "هي" و"هو" ترك
الكسرة في اللام على حالها, فقال في قوله: فلينظرْ "فلينظر"3 فإن كان
قبل ألف الوصل ساكن حذفت ألف الوصل وحركت ما قبل الساكن لالتقاء
الساكنين, وإن كان مما يحذف لالتقاء الساكنين حذفته, فأما الذي يحرك
لالتقاء الساكنين من هذا الباب فإنه يجيء على ثلاثة أضرب, يحرك بالكسر
والضم والفتح؛ فالمكسور نحو قولك: "اضرب ابنَكَ واذهبِ اذهبْ" و {قُلْ
هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ 4، اللَّهُ} 5، وإن الله6، وعنِ الرجلِ, وقَطِ
الرجل، وأما الضم فنحو قوله: "قُلْ اُنُّظُرُوْا} 7, وقالتُ اُخرج"8
{وَعَذَابٍ، ارْكُضْ} 9 ومِنهُ10 {أَوِ انْقُصْ} 11، إنما فعل هذا
__________
1 زيادة من "ب".
2 زيادة من "ب".
3 فلينظر، ساقط من "ب".
4 الإخلاص: 1. والشاهد في الآية كسر التنوين في أحدن الله.
5 قال سيبويه 2/ 275: لأن التنوين ساكن وقع بعد حرف ساكن، فصار بمنزلة
باء أضرب ونحو ذلك.
6 انظر: الكتاب 2/ 275.
7 يونس: 101، ضموا الساكن حيث حركوه كما ضموا الألف في الابتداء. وقد
قرأ حفص بكسر اللام من "قل" على أصل التقاء الساكنين، انظر الكتاب 2/
275.
8 يوسف: 31، والآية: {وَآتَتْ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ سِكِّينًا
وَقَالَتِ اخْرُجْ عَلَيْهِنَّ} ، وقراءة حفص بكسر التاء على أصل
التقاء الساكنين.
9 سورة ص: 41 والآية: {وَاذْكُرْ عَبْدَنَا أَيُّوبَ إِذْ نَادَى
رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ {وَعَذَابٍ، ارْكُضْ}
.
10 أضفت "ومنه" لأن المعنى يقتضيها.
11 المزمل: 3، والآية: {قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا، نِصْفَهُ أَوِ
انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلًا} .
(2/369)
من أجل1 الضم الذي بعد الساكن، ومنهم من
يقول: قلِ انظرا ويكسر جميع ما ضم غيره, ومن2 ذلك الواو التي هي علامة
الإِضمار يُضمُّ إذا كان ما قبلها مفتوحًا نحو: {وَلا تَنْسَوُا
الْفَضْلَ} 3 قال الخليل4: لفصلَ بينها وبين واو "لَو" وأو التي من نفس
الحرف وقد كسر قوم5، وقال قوم: لو استطعنا، والياء التي هي علامة
الإِضمار وقبلها مفتوح تكسر لا غير, نحو: اخشي الرجل يا هذهِ, وواو
الجميع وياؤه مثل الضمير تقول: مصطفو الله في الرفع ومصطفى الله في
النصب والجر, وأما الفتح فجاء في حرفين {الم, اللَّهُ} 6 فرقوا بينه
وبين ما ليس بهجاء, والآخر: مِنَ الله ومِنَ الرسولِ لما كثرت7, وناس
من العرب يقولون: "مِنِ الله"8 واختلفت العرب في "مِنْ" إذا كان بعدها
ألف وصل غير الألف
__________
1 أجل، ساقط في "ب".
2 في "ب" إلا أن الواو التي هي علامة الإضمار, والمعنى واحد.
3 البقرة: 237، وانظر الكتاب 2/ 276، والجدير بالذكر: أن همز هذه الواو
هو لغة قيس عامة وغني خاصة، كما قال ابن جني في المحتسب 1/ 20، وقد
وردت قراءات شاهدة على هذه اللغة في قوله تعالى: {وَلا تَنْسَوُا
الْفَضْلَ} ، وفي قوله: {اشْتَرَوُا الضَّلالَةَ} [البقرة: 16] ، وذلك
لانضمام الواو.
4 انظر الكتاب 2/ 276، قال سيبويه: وزعم الخليل أنهم جعلوا حركة منها
ليفصل بينها وبين الواو التي من نفس الحرف، نحو: واو لو وأو.
5 ضموا واو "لو" شبهوها بواو اخشوا الرجل حيث كانت ساكنة مفتوحًا ما
قبلها وهي في القلة بمنزلة: ولا تنسوا الفضل بينكم فيمن كسر الواو في
"لا تنسوا".
6 آل عمران: 1.
7 انظر الكتاب 2/ 275، والجملة ناقصة هنا، قال سيبويه: لما كثرت في
كلامهم ولم تكن فعلًا وكان الفتح أخف عليهم فتحوا، وشبهوها بأين وكيف.
8 أي: يكسرونه ويجرونه على القياس لالتقاء الساكنين.
(2/370)
واللام, فكسره قوم ولم يكسره قوم1، ولم
يكسروا في الألف واللام لكثرتها معها إذ كانت الألف واللام كثيرة في
الكلام, وذلك: "مِن ابنِك" "ومِنِ امرئ" وقد فتح قوم فصحاء فقالوا:
"مِنَ ابنكَ" وأما ما يحذف من السواكن إذا وقع بعدها حرف ساكن فثلاثة
أحرف, الألف والياء التي قبلها حرف مكسور2، والواو التي قبلها حرف
مضموم؛ فالألف نحو: رمى الرجل3، وحُبلى الرجل ومعزى القوم ورَمَتْ,
دخلت التاء وهي ساكنة على ألف "رَمَى" فسقطت وقالوا: رَمَيا وغَزَوا؛
لئلا4 يلتبس بالواحد وقالوا: حبليان وذفريانِ5، لئلا يلتبس بما فيه ألف
تأنيث, والياء مثل: يقضي القوم ويرمي الناس, والواو نحو: يغزو القوم,
ومن ذلك: لم يبعْ ولم يقُلْ ولم يَخفْ, فإذا قلت: لم يخفِ الرجلُ ولم
يبعِ الرجلُ ورمت المرأة, لم ترد الساكنَ الساقط وكان الأصل في "يبع"
"يبيعُ" وفي "يخف" يخاف وفي "يَقلْ" يقول, فلم نرد لأنها حركة جاءت
لالتقاء الساكنين غير لازمة, وقولهم: "رَمَتا" إنما حركوا للساكن الذي
بعده, ولا يلزم هذا في "لم يخافاَ" و"لم يبيعَا" لأن الفاء غير مجزومة
وإنما حذفت النون للجزم, ولم تلحق الألف شيئًا6 حقه السكون.
__________
1 انظر الكتاب 2/ 275.
2 في "ب" قبلها كسرة.
3 انظر الكتاب 2/ 276.
4 في الأصل لأن لا.
5 في "ب" مغزيان, والذفري: العظم الشاخص خلف الأذن.
6 زيادة من "ب".
(2/371)
ذكر الوقف على الاسم
والفعل والحرف:
أما الأسماء فتنقسم في ذلك على أربعة أقسام: اسمٍ ظاهرٍ سالمٍ وظاهر
معتل ومضمر مكني ومبهم مبنيّ.
الأول: الأسماء الظاهرة السالمة نحو: "هذا خالدٌ، وهذا حَجر،
(2/371)
ومررت بخالد وحجرٍ" فأما المرفوع والمضموم
فإنه يوقف عنده على أربعة أوجه: إسكان مجرد وإشمام وروم التحريك
والتضعيف, وجعل سيبويه لكل شيءٍ من ذلك علامة في الخط1, فالإِشمام نقطة
علامة2, وعلامة الإِسكان وروم الحركة خط بين يدي الحرف وللتضعيف
الشين3، فالإِشمام لا يكون إلاّ في المرفوع خاصة؛ لأنك تقدر أن تضع
لسانك في أي موضع شئت ثم تضم شفتيكَ, وإشمامُك للرفع4 إنما هو للرؤية
وليس بصوت يسمع, فإذا قلت: "هذا مَعْنٌ" فأشممت كانت عند الأعمى
بمنزلتها إذا لم تشم وإنما هو أن تضم شفتيكَ بغير تصويت, ورومُ الحركة
صوت ضعيف ناقص, فكأنك تروم ذاك ولا تتممهُ, وأما التضعيف فقولك: هذا
خالدٌ, وهو يجعل, وهذا فَرِحٌ, ومن ثم قالت العرب5 في الشعر في
القوافي: "سبسبا, تريد: السبسب, وعَيهَل تريد: العَيهل" وإنما فعلوا
ذلك ضرورة وحقه الوقف إذا شدد وإذا وصل رده إلى التخفيف فإن كان الحرف
الذي قبل آخر حرف ساكنًا لم يضعفوا نحو "عمرٍو"6 فإذا نصبت فكل اسم
منون تلحقهُ الألف في النصب في الوقف فتقول: "رأيتُ زيدًا وخالدًا"
فرقوا بين النون والتنوين ولا يفعل ذلك في غير النصب، وأزد السراة7
يقولون:
__________
1 انظر الكتاب 2/ 582. قال سيبويه: ولهذه علامات، فللإشمام نقطة, والذي
أجرى مجرى الجزم والإسكان الخاء، ولزوم الحركة خط بين يدي الحرف,
وللتضعيف الشين.
2 علامة، ساقطة من "ب".
3 لم يذكر ابن السراج الذي أجرى مجرى الجزم والإسكان, والذي جعل له
سيبويه علامة هي "خ".
4 في "ب" الرفع.
5 العرب، ساقط في "ب".
6 لأن الذي قبله لا يكون ما بعده ساكنًا؛ لأنه ساكن، وانظر الكتاب 2/
382.
7 قال سيبويه 2/ 281: "وزعم أبو الخطاب: أن أزد السراة يقولون: هذا
زيدو وهذا عمرو، ومررت بزيدي وبعمري، جعلوه قياسًا واحدًا فأثبتوا
الياء والواو كما أثبتوا الألف".
(2/372)
هذا زيدوْ وهذا عَمرُوْ وبكرُوْ, ومررت
بزيدي؛ يجعلون الخفض والرفع مثل النصب، والذين يرومون الحركة يرومونها
في الجر [والنصب] 1 والذين يضاعفون يفعلون ذلك أيضًا في الجر والنصب
إذا كان مما لا ينون2، فيقولون: مررت بخالد ورأيت أحمر. وقال سيبويه:
وحدثني من أَثقُ به أنه سمع أعرابيا يقول3: أبيضه، يريد: أبيض وألحق4
الهاء مبنيا للحركة, فأما5 المنون في النصب فتبدل الألف من التنوين
بغير تضعيف، وبعضُ العرب يقول في "بكرٍ": هذا بكرو من بكرٍ, فيحرك
العين بالحركة التي هي اللام في الوصل ولم يقولوا: رأيتُ البكرَ؛ لأنه
في موضع التنوين, وقالوا: هذا عِدِل وفِعِل فأتبعوها الكسرة الأولى؛
لأنه ليس من كلامهم فِعلٌ7، وقالوا في اليسر فأتبعوها الكسرة الأولى؛
لأنه ليس في الأسماء فُعِل وهم الذين يقولون في الصلة: اليُسْر
فيخففون, وقالوا: "رأيتُ العِكِمَ"8 ولا يكون هذا في "زيدٍ وعَوْنٍ"
ونحوهما لأنهما حَرفا مَدٍّ, فإن كان اسمٌ آخره هاء9 التأنيث نحو:
"طلحة وتمرةٍ وسفرجلةٍ" وقفت عليها بالهاء في الرفع والنصب والجر وتصير
تاء في الوصل, فإذا ثنيت الأسماء الظاهرة وجمعتها قلت: زيدانِ
ومسلمانِ, وزيدونَ ومسلمونَ, تقف على النون في جميع ذلك, ومن العرب
__________
1 زيادة من "ب".
2 لا، ساقط من "ب".
3 انظر الكتاب 2/ 283 ألحق الهاء في أبيضه, كما ألحقها في "هنه" وهو
يريد: هن.
4 في "ب" فألحق.
5 في "ب" وأما.
6 انظر الكتاب 2/ 283.
7 قال سيبويه 2/ 284: وقالوا: هذا عدل وفعل، فأتبعوها الكسرة الأولى
ولم يفعلوا ما فعلوا بالأول؛ لأنه ليس من كلامهم "فعل" فشبهوها "بمنتن"
أتبعوها الأول.
8 لم يفتحوا كاف "العكم" كما لم يفتحوا كاف "البكر" وجعلوا الضمة إذا
كانت قبلها بمنزلتها إذا كانت، وهو قولك: رأيت الحجر. انظر الكتاب 2/
284.
9 هاء، ساقط من "ب".
(2/373)
من يقول: ضَاربانِهْ، ومسلمونَهْ، فيزيد
هاء يبين1 بها الحركة، ويقف عليها, والأجود ما بدأت به, وإذا جمعت
المؤنث بالألف والتاء نحو تمراتٍ ومسلماتٍ فالوقف على التاء2، وكذلك
الوصل لا فرق بينهما، فإذا استفهمت منكرًا, فمن العرب من [يقول] 3 إذا
قلت: رأيت زيدًا قال: أزيدنيه, وإن كان مرفوعًا أو مجرورًا فهذا حكمه
[في إلحاق الزيادة فيه, فأما آخر الكلام فعلى ما شرحتُ لكَ من
الإِعراب] 4 فإذا كان قبل هذه العلامة حرف ساكن كسرته لالتقاء
الساكنين، وإن كان مضمومًا جعلته واوًا، وإن كان مكسورًا جعلته ياءً,
وإن كان مفتوحًا جعلته ألفًا, فإن قال: "لقيتُ زيدًا وعمرًا" قلت:
أَزيدًا وعمرنَيْهِ, وإذا5 قال: "ضربتُ عُمَر" قلت: أَعمراهُ, وإن قال:
"ضربتُ زيدًا الطويلَ" قلت: الطويلاه, فإن قال: "أَزيدًا يا فتى؟ "
تركت العلامة لما وصلت, ومن العرب من يجعل بين هذه الزيادة وبين الاسم
"إنْ" فتقول: أعمرَانِيه.
القسم الثاني: وهو الظاهر المعتل:
المعتل من الأسماء على ثلاثة أضرب: ما كان آخره ياءً قبلها كسرة أو
همزة أو ألف مقصورة, فأما ما لامه ياءٌ فنحو: "هذا قاضٍ وهذا غازٍ وهذا
العَمِ" يريد: القاضيَ والغازيَ والعَمِيَ, أسقطوها في الوقف؛ لأنها
تسقط في الوصل من أجل التنوين. قال سيبويه6: وحدثنا7 أبو
__________
1 في "ب" لبيان.
2 التاء، ساقط من "ب".
3 أضفت كلمة يقول؛ لأن المعنى يحتاجها.
4 زيادة من "ب".
5 في "ب" فإذا.
6 انظر الكتاب 2/ 288.
7 في "ب" وحكى.
(2/374)
الخطاب1 أنَّ بعض من يوثق بعربيته من العرب
يقول: "هذا رامي وغازي وعَمِي" يعني في الوقف والحذف فيما فيه تنوين
أجود, فإن لم يكن في موضع تنوين فإن البيان أجود في الوقف, وذلك قولك:
هذا القاضِي والعاصِي, وهذا العَمِي لأنها ثابتة في الوصل, ومن العرب
من يحذف هذا في الوقف شبهوه بما ليس فيه ألف ولام, كأنهم أدخلوا الألف
واللام بعد أن وجب الحذف فيقولون: "هذا القاض والعاص" هذا في الرفع
والخفضِ, فأما النصب فليس فيه إلا البيان؛ لأنها ثابتة في الوصل, تقول:
رأيتُ قاضيًا ورأيتُ القاضي2، وقال الله3 عز وجل: {كَلَّا إِذَا
بَلَغَتِ التَّرَاقِيَ} 4 وتقول: رأيت جواريَ, وهُنَّ جوارٍ يا فَتى في
الوصل, ومررتُ بجوارٍ, فالياء كياء "قاضي" والياء الزائدة ههنا
كالأصلية نحو ياءِ ثَمانٍ ورباع إذا كان يلحقها التنوين في الوصل. قال
سيبويه5: وسألت الخليلَ عن "القاضي" في النداء, فقال: "اختر يا قاضي"
لأنه ليس بمنون كما اختار هذا القاضي6 فأما يونس فقال: "يا قاض"7 بغير
ياء, وقالا في "مُر" وهو اسم من أرى: هذا مُرِي بياء في الوقف كرهوا أن
يخلو بالحرف فيجمعوا عليه -لو قالوا:
__________
1 أبو الخطاب وهو المعروف بالأخفش الكبير، واسمه عبد الحميد بن عبد
المجيد، والأخافش الثلاثة المشهورون من النحاة, وهم: أبو الخطاب وسعيدة
بن مسعدة وعلي بن سليمان, أخذ النحو عن أبي عمرو بن العلاء, مات ولم
تعرف سنة وفاته.
ترجمته في أخبار النحويين 37, ومراتب النحويين 23, وطبقات الزبيدي 35,
وإنباه الرواة 2/ 157.
2 لأنه لما تحركت الياء أشبهت غير المعتلّ.
3 في "ب" تبارك وتعالى.
4 القيامة: 26.
5 انظر الكتاب 2/ 289.
6 انظر الكتاب 2/ 289.
7 قال سيبويه 2/ 289: "وقول يونس أقوى؛ لأنه لما كان من كلامهم أن
يحذفوا في غير النداء أجدر، لأن النداء موضع حذف، يحذفون التنوين
ويقولون: يا حار، ويا صاح، ويا غلام أقبل".
(2/375)
مُر-1 ذهاب الهمزة والياء وذلك أن أصله:
مُرئِي مثل: مُرْعِي, فإن كان الاسم آخره ياء قبلها حرف ساكن أو واو
قبلها ساكن فحكمه حكم الصحيح نحو "ظَبيٍ وكرسيٍّ" وناس من بني سعد
يبدلون الجيم مكان الياء في الوقف؛ لأنها خفيفة فيقولون: هذا تميمج,
يريدون "تميمي" وهذا عَلِجّ يريدون "عَلي" وعربَانج يريدون "عرباني"
والبرنج2 يريدون "البِرَني" وجميع ما لا يحذف في الكلام وما لا3 يختار
فيه أن لا يحذف يحذفُ في الفواصل والقوافي، فالفواصل4 قول الله عز وجل:
{وَاللَّيْلِ إِذَا يَسْرِ} 5, و {ذَلِكَ ... نَبْغِ} 6, {يَوْمَ
التَّنَادِ} 7 {الْكَبِيرُ الْمُتَعَالِ} 8.
الضرب الثاني: وهو ما كان آخره همزة:
ما كان في الأسماء في آخره همزة وقبل الهمزة ألف فحكمهُ حكم الصحيح
وإعرابُه كإعرابِه, تقول: هذا كساءٌ ومررتُ بكساء, وهو9 مثل حُمارٍ في
الوصل والوقف, فإن كانت الهمزة ألف قبلَها وقبلها ساكن فحكمها [حكم
الصحيح وحكمها] 10 أن تكون كغيرها من الحروف كالعين, وذلك
__________
1 يريد "مفعل" من "رأيت".
2 يشير إلى قول الشاعر: وبالغداة فلق البرنج.. يريد: البرني، انظر
الكتاب: 2/ 288.
3 سيبويه، ساقط من "ب".
4 في "ب" والفواصل.
5 الفجر: 4.
6 الكهف: 64، والآية: {قَالَ ذَلِكَ مَا كُنَّا نَبْغِ فَارْتَدَّا
عَلَى آثَارِهِمَا} .
7 غافر: 32، والآية: {وَيَا قَوْمِ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ يَوْمَ
التَّنَادِ} .
8 الرعد: 9، والآية: {عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الْكَبِيرُ
الْمُتَعَالِ} .
9 وهو، ساقط من "ب".
10 زيادة من "ب".
(2/376)
قولك: الخَبءُ حكمهُ حكم الفرع في
الإِسكان, وروم الحركة والإِشمام, فتقول: هو الخَبْء, ساكن, والخَبء
بروم الحركة, والخَبَءْ تشم, وناس من العرب كثير يلقون على الساكن الذي
قبل الهمزة الحركة1، ومنهم تميم وأسد، يقولون2: "هو الوثُوء" فيضمون
الثاء بالضمة التي كانت في الهمزة في الوصل وفي الوثيء ورأيت الوثأ3
وهو البطء, ومن البطيء, ورأيت البطأ, وهو الردؤ, وتقديرها: الردعُ ومن
الرديء ورأيتُ الردأ4، وناس من بني5 تميم يقولون: هو الردِيء كرهوا
الضمة بعد الكسرة6، وقالوا: رأيتُ الردِيء سووا بين الرفع والنصب,
وقالوا: من البُطء؛ لأنه ليس في الكلام "فُعِلٌ" ومن العرب من يقول: هو
الوَثُو، فيجعلها واوًا7 من الوثُيْ ورأيتُ الوثَاءَ ومنهم من يسكن
الثاء في الرفع والجر ويفتحها في النصب, وإذا كان ما قبل الهمزة
متحركًا لزم الهمزة ما يلزم النَّطع من الإِشمام والسكون وروم الحركة8،
وكذلك يلزمها هذه الأشياء إذا حركت الساكن قبلها، وذلك قولك: هو
الخَطأ، والخَطأ تشم والخَطأ ترومُ، قال سيبويه: ولم نسمعهم ضاعفوا؛
لأنهم لا يضاعفون الهمزة في آخر الكلمة, ومن العرب من يقول: هو الكَلَو
حرصًا على البيان, ويقول: من الكَلَى ورأيت الكلاء9, وهذا وقف الذين
يحققون الهمزة فأما الذين لا يحققون الهمزة من أهل الحجاز فيقولون:
الكَلاَ, وأكمُو, وأهنى10، يبدل من الهمزة حرفًا من
__________
1 يعني حركة الهمزة.
2 في "ب" فيقولون.
3 الوثوء، والوثيء: البطء، انظر الكتاب 2/ 286.
4 الردأ يعني به: الصاحب.
5 بني، ساقط من "ب".
6 لأنه ليس في الكلام "فعل" فتنكبوا هذا اللفظ؛ لاستنكار هذا في
كلامهم.
7 حرصًا على البيان، ويقول: من الوثي فيجعلها ياء، انظر الكتاب 2/ 286.
8 انظر الكتاب 2/ 286.
9 انظر الكتاب 2/ 286.
10 تقديرها: أهنع.
(2/377)
جنس الحركة التي قبلها, وإذا كانت الهمزة
قبلها ساكن فالحذف عندهم لازم ويلزم الذي ألقيت عليه الحركة ما يلزم
سائر الحروف من أصناف الوقف.
الضرب الثالث منه: وهو ما كان في آخره ألف مقصورة:
حقُّ هذا الاسم أن تقف عليه في الرفع والنصب والجر بغير تنوين, وإن كان
منصرفًا فتقول: هذا قَفَا ورأيت قَفا ومررت بقفا, إلا أن هذه الألف
التي وقفت عليها يجب أن تكون عوضًا من التنوين في النصب, وسقطت الألف
التي هي لام لالتقاء الساكنين, كما تسقط مع التنوين في الوصل, هذا إذا
كان الاسم مما ينون مثلهُ, وبعض العرب يقول في الوقف: هذا أَفْعَى,
وحُبْلَى1، وفي مُثنّى مُثَنًّى2، فإذا وصل صيرها ألفًا وكذلك كل ألف
في آخر3 اسم وزعموا أن بعض طَيء يقول: "أَفْعَو"4 لأنها أبين من الياء,
وحكى الخليل عن بعضهم: هذه حُبْلأ, مهموز مثل حُبْلَع, ورأيت رَجُلًا
مثل رَجُلَع, فهمزوا في الوقف فإذا وصلوا تركوا ذلك5.
القسم الثالث: وهي الأسماء المكنية:
من ذلك: "أَنا" الوقف بألف, فإذا وصلت قلت: أَنَ فعلت ذاك, بغير ألف,
ومن العرب من يقول في الوقف: هذا غُلام, يريد: هذا غُلامي،
__________
1 أي: يقول في أفعى وحبلى.
2 ومثنى ساقط من "ب".
3 في سيبويه 2/ 287 "حدثنا الخليل وأبو الخطاب أنها لغة لفزارة وناس من
قيس وهي قليلة، أما الأكثر الأعرف فإن تدع الألف في الوقف على حالها
ولا تبدلها ياء, وإذا وصلت استوت اللغتان.
4 يشير إلى أفعى، قال سيبويه 2/ 287: "وأما طيء فزعموا أنهم يدعونها في
الوصل على حالها في الوقف لأنها خفية لا تحرك، قريبة من الهمزة، حدثنا
بذلك أبو الخطاب وغيره من العرب.. زعموا أن بعض طيء يقول: "أفعو" لأنها
أبين من الياء".
5 انظر الكتاب 2/ 285.
(2/378)
شبهها1 بياء قاضٍ، وقد أسقَان وأَسْقِن
يريد: أسقاني وأسقني لأن "في" اسم. وقد قرأ أبو عمرو فيقول: {رَبِّي
أَكْرَمَنِ} 2، و {رَبِّي أَهَانَنِ} 3 على الوقف، وترك4 الحذف أقيس,
فأما: هذا قاضِيَّ وهذا غلاميَّ ورأيتُ غلاميَّ فليس أحد يحذف هذا, ومن
قال: غلاميَّ فاعلم, وإني ذاهبٌ لم يحذف في الوقف لأنها كياء القاضي في
النصب, ومن ذلك قولهم: "ضربَهُو زيد وعليهُو مالٌ, ولديهو رجلٌ,
وضربَها زيد" وعليها مالٌ فإذا كان قبل الهاء حرف لين فإن حذف الياء
والواو في الوصل أحسن5 وأكثر، وذلك قولك: عليه يا فتى ولديه فلان
ورأيتُ أباهُ قَبلُ, وهذا أبوه كما ترى وأحسنُ القراءتين:
{وَنَزَّلْنَاهُ تَنْزِيلًا} 6 {إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ} 7،
{وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ} 8، {خُذُوهُ فَغُلُّوهُ} 9. والإِتمام
عربي ولا يحذف الألف في المؤنث فيلتبس المذكر والمؤنث فإن لم يكن قبل
هاء التذكير حرف لين أثبتوا الواو والياء في الوصل وجميع هذا الذي يثبت
في الوصل من الواو والياء يحذف في الوقف إلا الألف في "هَا" وكذلك إذا
كان قبل الهاء حرف ساكن وذلك قول بعضهم: منهُ يا فتى وأصابتهُ جائحةٌ
والإِتمام أجودُ, فإن كان الحرف الذي قبل الهاء متحركًا فالإِثبات ليس
إلا كما تثبت الألف في التأنيث, وهاتان, والواو والياء تلحقان الهاء
التي هي كناية تسقطان في
__________
1 في "ب" تشبيها.
2 الفجر: 15، انظر البحر المحيط.
3 الفجر: 16.
4 في "ب" وتركوا.
5 لأن الياء من مخرج الألف، والألف تشبه الياء والواو تشبيهًا في المد
وهي أختهما، فلما اجتمعت حروف متشابهة حذفوا، وهو أحسن وأكثر، وذلك
قولك: عليه يا فتى، وانظر الكتاب 2/ 291.
6 الإسراء: 106.
7 الأعراف: 176.
8 يوسف: 20.
9 الحاقة: 30.
(2/379)
الوقف، هذا في المكني المتصل, فأما إن كانت
الكناية منفصلة نحو: هُو وهي وهما وهنَّ, فإن جميع ذا لا يحذف منه في
الوقف شيءٌ, ومن العرب من يقول: هُنَّهْ وضَرَبتنّهْ وذَهَبتنَّهْ
وغُلاميهْ ومن بَعْدِيَهْ وضَربنهْ, فأما من رأى أن يسكن الياء فإنه لا
يلحق الهاء, وَهِيَهْ يريدون "هي" وهوَهْ يريدون "هُوَ" يا هذا, وخُذه
بحكمكهْ, وكثير من العرب لا يلحقون الهاء في الوقف فإذا قلت: عليكمو1
مال، وأنتُمو ذاهبونَ2، ولديهمي مال، فمنهم من يثبت الياء والواو في
الوصل ومنهم من يسقطهما في الوصل3 ويسكن الميم، والجميع إذا وقفوا
وقَفوا على الميم ولو حركوا الميم كما حركوا الهاء في "عليه مال"
لاجتمع أربعة متحركات نحو: "رُسُلكمو"4، وهم يكرهون الجمع بين أربعة
متحركات، وهذه الميمات من أسكنها في الوصل لا يكسرها إذا كان بعدها ألف
وصل ولكن يضمها؛ لأنها في الوصل متحركة بعدها5 واو كما أنها في الاثنين
متحركة بعدها ألف نحو: غُلامكُما، وإنما حذفوا وأسكنوا استخفافًا وذلك
قولك: كنتُمُ اليومَ وفعلتُمُ الخير وتقول: مررتُ بهي قَبلُ, ولديهي
مال، ومررت بدارهي, وأهل الحجاز يقولون: مررتُ بِهُو قَبلُ, ولديهو
مال6 ويقرءون: "فخسفنا بهو" وبدارهُو الأرض7، وجميع هذا الوقف فيه على
الهاء ويقول: بهمي دَاءٌ وعليهمي مالٌ ومن قال: "بدارِهُو الأرض" قال:
عليهمو مال وبهمو داءٌ والوقف على الميم.
__________
1 في الأصل "عليكموا".
2 في الأصل "وأنتم".
3 الوصل، ساقط من "ب".
4 في الأصل "رسلكم" وهو يشير إلى الآية الكريمة: {قَالُوا أَوَلَمْ
تَكُ تَأْتِيكُمْ رُسُلُكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا بَلَى} [غافر:
50] ، وانظر الكتاب: 2/ 292.
5 في "ب" وبعدها.
6 مال، ساقط من "ب".
7 القصص: 81، وانظر الكتاب 1/ 293-294، والمقتضب 1/ 37.
(2/380)
الرابع: المبهم المبني:
تقول في الوصل: علامَ تقولُ كَذا وكَذا؟ 1، وفيمَ صنعتَ؟ ولِمَ فعلتَ؟
وحتامَ؟ وكان الأصل: على "مَا" وفي ما ولِما صنعت, فالأصل "مَا" إلا أن
الألف تحذف مع هذه الأحرف إذا كان "ما"2 استفهامًا, فإذا وقفت فلك أن
تقول: فيمَ وبِمَ ولِمَ وحتامَ, ولك أن تأتي بالهاء فتقول: لِمَه
وعلامَه وحتامَه وبِمَهْ, وإثبات الهاء أجود في هذه الحروف؛ لأنك حذفت
الألف من "ما" فيعوضون منها في الوقف الهاء ويبينون الحركة, وأما
قولهم: مجيءُ مَ جِئتَ؟ ومثلُ مَ أنتَ؟ فإنك إذا وقفت ألزمتها الهاء
لأن "مجيء ومثل" يستعملان في الكلام مفردين لأنهما اسمان, ويقولون:
مثلَ ما أنتَ, ومجيءُ ما جئتَ, وأما حَيهلَ إذا وصلت فقلت: حَيهلَ
بِعُمَر, وإذا وقفت فإن شئت قلت: حَيهلْ وإن شئت قلت: حَيهلا تقف على
الألف كما وقفت في "أنَا" وتقول: هذي أمةُ الله, فإذا وقفت قلت:
"هَذِهْ" فتكون الهاء عوضًا عن الياء, وقد مضى ذكر ذا, وقد تلحق الهاء
بعد الألف في الوقف؛ لأن3 الألف خفية وذلك قولهم: هؤلاءِ وههُناهُ,
والأجود أن تقف بغير هاءٍ4، ومن قال: هؤلاء وههُناه لم يقل في "أَفعى
وأَعمى" ونحوهما من الأسماء المتمكنة كيلا يلتبس بهاء الإِضافة؛ لأنه
لو قال: أَعماه وأَفعاه لتوهمتَ الإِضافة إلى ضمير.
واعلم: أنهم لا يتبعون الهاء ساكنًا سوى هذا الحرف5 الذي يمتد به
الصوت؛ لأنه خفي, وناس من العرب كثير لا يلحقون الهاء6.
__________
1 وكذا، ساقط من "ب".
2 ما، ساقط من "ب".
3 في الأصل: إلا أن، والتصحيح من "ب".
4 ما، ساقط من "ب".
5 أي: الألف؛ لأنه خفي فأرادوا البيان كما أرادوا أن يحركوا.
6 انظر الكتاب 2/ 281.
(2/381)
الوقف على الفعل:
الفِعْلُ ينقسم إلى قسمين: سالم ومعتلّ, فأما السالم فما لم تكن لامه
ألفًا ولا ياءً ولا واوًا, والمعتل ما كان لامهُ ألفًا أو ياءً أو
واوًا.
الأول: الفعل السالم والوقفُ عليه كما تقف على الاسم السالم في الرفع
في جميع المذاهب غير مخالف له إلا في الاسم المنصوب المنصرف الذي تعوض
فيه الألف من التنوين فيه فتعوض منه, تقول: لن نضرب أما1 المجزوم فقد
استغني فيه عن الإِشمام والروم وغيره؛ لأنه ساكن وكذلك فعلُ الأمر,
تقول: لم يضربْ ولَم يقتلْ, واضربْ واقتلْ, وإذا وقفت على النون
الخفيفة في الفعل كان بمنزلة التنوين في الاسم المنصوب فتقول: اضربا,
ومنهم من إذا ألحق النون الشديدة قال في الوقف: اضربنَّهْ وافعَلنَّهْ,
ومنهم من لا يلحق الهاء, وقد ذكرنا باب النونين الخفيفة والشديدة.
الثاني: الفعل المعتل:
نحو: يرمي ويغزو وأخشى ويقضي ويرضى, وجميع هذا يوقف عليه بالواو والياء
والألف, ولا يحذف منه في الوقف شيء2؛ لأنه ليس مما يلحقه التنوين في
الوصل فيحذف, فأما المعتل إذا جزم أو وقف للأمر ففيه لغتان: من العرب
من يقول: ارْمِهْ ولَم يَغْزه واخشَهْ ولم يقضِهْ ولم يَرضَهْ3، ومنهم
من يقول: ارمِ واغزُ واخشَ, فيقف بغير هاء. قال سيبويه: حدثنا بذلك
عيسى بن عمر ويونس, وهذه اللغة أقل اللغتين4، فأما: لا تقهِ من وقيتُ,
وإن تَعِ أَعِهْ من "وعَيتُ" فإنه
__________
1 في "ب" فأما.
2 شيء، ساقط من "ب".
3 قال سيبويه 2/ 278: لأنهم كرهوا ذهاب اللامات والإسكان جميعًا، فلما
كان ذلك إخلالًا بالحرف كرهوا أن يسكنوا المتحرك، فهذا تبيان أنه قد
حذف من آخرها هذه الحروف.
4 انظر الكتاب 2/ 278.
(2/382)
يلزمها الهاء في الوقف من تركها في "اخشَ"1
وقد قالوا: لا أَدر في الوقف لأنه كثر في كلامهم وهو شاذ كما قالوا:
"لم يَكُ" شبهت النون بالياء حيث سكنت, ولا يقولون: لَم يكُ الرجلُ؛
لأنها في موضع تحريك فيه, فلم يشبه بلا أدرِ ولا تحذف الياء إلا في:
أَدرِ وما أَدرِ.
__________
1 انظر الكتاب 2/ 278.
(2/383)
الوقف على الحرف:
الحروف كلها لك أن تقف عليها على لفظها, فالصحيح فيها والمعتل سواء,
وقد ألحق بعضهم الهاء في الوقف لبيان الحركة فقال: إنَّهْ, يريدون
"أنَّ" ومعناها أَجَلْ, قال الشاعر:
ويَقُلْنَ شَيْبٌ قَدْ عَلا ... كَ وقَدْ كَبِرْتَ فَقُلْتُ: إنَّهُ1
ولَيتَهْ, ولعَلهْ كذاك2.
__________
1 من شواهد سيبويه 2/ 279 على تبين حركة النون بالهاء، وعلته أنها حركة
بناء لا تتغير، فكرهوا تسكينها لأنها حركة مبني لازمة. وينسب هذا
الشاهد إلى ابن الرقيات وهو موجود في ديوانه.
وانظر: الأغاني 1/ 16, وابن يعيش 8/ 6, والمغني 1/ 37, والسمط 2/ 939,
والجمهرة 1/ 22, والخزانة 4/ 485, والديوان 142, وشرح السيرافي 5/ 405,
وأمالي ابن الشجري 1/ 322.
2 انظر الكتاب 2/ 287 في ليت ولعل.
(2/383)
باب الساكن الذي
تحركه في الوقف إذا كان بعدها المذكر الذي هو
علامة الإِضمار:
وذلكَ قولك في: "ضربتُهُ ضَربْتُهُ وأضرِبُه, وقَدهُ, ومِنه, وعَنه"
قال سيبويه: سمعنا ذلك من العرب ألقوا عليه حركة الهاء1، وقال أبو
النجم:
فَقَرِّبَنْ هذا وهذا أَزْحِلُه ... 2
وسمعنا بعض بني تميم من بني عدي يقولون: قد ضَرَبتِهْ وأَخَذتِهْ حرك
لسكون الهاء وخفائها, فإذا وصلت أسكنت جميع هذا لأنك تحرك الهاء
فتبينُ.
الوقف على القوافي:
العرب إذا ترنمت في الإِنشاد ألحقت3 الألف والياء والواو فيما ينون ولا
ينون؛ لأنهم أرادوا مدَّ الصوت فإذا لم يترنموا فالوقف على ثلاثة أوجه:
أما
__________
1 انظر الكتاب 2/ 287.
2 من شواهد سيبويه 2/ 287 على نقل حركة الهاء إلى اللام ليكون أبين لها
في الوقف؛ لأن مجيئها ساكنة بعد ساكن أخفى لها.
ومعنى: أزحله: أبعده، ومنه سمي زحل لبعده عن الأرض أكثر من غيره من
النجوم.
انظر: الكامل 325، والمفصل للزمخشري 339.
3 في "ب" ألحقوا.
(2/384)
أهل الحجاز، فيدعون هذه القوافي ما نونَ
منها وما لم ينونْ على حالها في الترنم؛ ليفرقوا بينهُ وبين الكلام،
فيقولون:
قِفَا نَبْكِ مِنْ ذِكْرَىَ حَبِيبٍ ومنزلي1
وفي النصب:
فَبِتْنَا نَحِيدُ الوَحْشَ عَنَّا كأنما ... قَتِيلانِ لَمْ يَعْلَمْ
لَنَا النَّاسُ مصْرَعَا2
وفي الرفع:
هُرَيْرَةَ وَدعْهَا وإنْ لاَمَ لاَئِمُو ... 3
__________
1 من شواهد سيبويه 2/ 298 على وصل اللام في حال الكسر بالياء للترنم
ومد الصوت. والشاعر قد أجرى خطاب الاثنين على الواحد لمرونة ألسنتهم
عليه. وقيل: يجوز أن يكون المراد: قف، قف، فإلحاق الألف أمارة دالة على
أن المراد تكرير اللفظ.
والشاهد صدر بيت لامرئ القيس، وعجزه:
بسقط اللوى بين الدخول فحومل
وانظر: المنصف 1/ 225, وشرح السيرافي 5/ 477, والحجة لأبي علي 1/ 54,
وارتشاف الضرب 382, والمحتسب 2/ 49, والمغني 1/ 394, وشرح المعلقات
السبع 3, والخزانة 4/ 397.
2 من شواهد سيبويه 2/ 298، على إثبات الألف في الوقف في حال النصب كما
ثبت الياء في الجر والواو في الرفع للترنم.
ويروى:
فبتنا نصد الوحش عنا كأننا....
وصف الشاعر أنه خلا بمن يحب بحيث لا يطلع عليهما إلا الوحش. والبيت
لزيد بن الطثرية، وقيل: لامرئ القيس ولم يوجد في ديوانه.
وانظر: شرح السيرافي 5/ 476.
3 من شواهد الكتاب 2/ 298 على وصل القافية بالواو في حال الرفع. وهو
صدر بيت للأعشى, وعجزه:
غداة غد أم أنت للبين واجم
يعاتب فيه يزيد بن مسهر الشيباني، وهريرة: مولاة حسن بن عمرو بن مرثد،
وواجم: حزين.
وانظر الكامل للمبرد 394، والحجة للفارسي 1/ 54, وشرح السيرافي 5/ 447,
وشعراء النصرانية 371، والديوان 646.
(2/385)
هذا فيما ينون, فأما ما لا ينون في الكلام
وقد فعلوا به كفعلهم بما ينون, فقول جرير في الرفع:
مَتى كَانَ الخِيَامُ بِذِي طُلُوحٍ ... سُقِيتِ الغَيْثَ أيَّتُها
الخِيَامُو1
وقال في الجر:
أَيْهَاتَ مَنْزِلُنَا بِنَعْفِ سُوَيقَةٍ ... كَانَتْ مُبَارَكةً مِنَ
الأَيامِي2
وفي النصب:
أَقِلِّي اللَّوْمَ عَاذِلَ والعِتَابَا3 ... وقُولِي: إنْ أَصَبْت
لَقَد أَصَابَا4
فهذا وجهٌ.
الثاني: ناس كثيرون من بني تميم يُبدلون مكانَ المدةِ النونَ فيما
ينونُ ولا ينونُ لمَّا لم يريدوا الترنم, يقولون:
__________
1 من شواهد سيبويه أيضًا 2/ 298 على وصل القافية بالواو مع الألف
اللام. وذي طلوح: اسم موضع، وسمي بما فيه من الطلح وهو الشجر.
وانظر: التصريف 1/ 224, والحماسة 617, وشرح السيرافي 1/ 201, والارتشاف
302, والجمهرة 2/ 171, والعمدة 2/ 38.
2 من شواهد الكتاب 2/ 299 على وصل القافية بالياء في الجر، وأيهات لغة
في هيهات، وروي في الخصائص:
هيهات منزلنا ...
ونعف سويقة: موضع، وقوله: مباركة, أي: كانت تلك الأيام التي جمعتنا ومن
نحب، فأضمرها ولم يجر لها ذكرًا لما جاء بعد ذلك من التفسير. والبيت
لجرير، وانظر شرح السيرافي 5/ 477، والخصائص 3/ 43, وابن يعيش 3/ 67،
والعيني 1/ 38.
3 من شواهد سيبويه 2/ 298، على إجراء المنصوب وفيه الألف واللام مجرى
ما لا ألف فيه ولا لام؛ لأن المنون وغير المنون في القوافي سواء.
والبيت لجرير أيضًا وهو مطلع قصيدة مشهورة يهجو فيها الراعي النميري.
وانظر المقتضب 1/ 240, والخصائص 1/ 171، وشرح السيرافي 1/ 134, والمنصف
1/ 224, والنقائض 432, والحجة لأبي علي الفارسي 1/ 54, والديوان 64.
4 زيادة من "ب".
(2/386)
يا أبتا عَلَّك أو عَسَاكنْ1 ... ويا صاحِ
ما هاجَ الدموعَ الذُّرفنَّ2 ...
وقال العجاجُ:
مِنْ طَللٍ كالأَتْحَمِي أنهجن3 ... ..............................
وكذلك الجر والرفع, والمكسور والمبني, والمفتوحُ المبني, والمضموم
المبني في جميع هذا كالمجرور والمرفوع والمنصوب.
الثالث: إجراء القوافي في مجراها لو كانت في الكلام ولم تكن قوافي شعر،
يقولون:
__________
1 من شواهد الكتاب 2/ 299 و1/ 388 على وصل القافية؛ لضرب من الترنم.
قيل: هذا الشاهد لرؤبة، ونسبه سيبويه للعجاج، وهو موجود في زيادات
ديوان رؤبة بن العجاج وقبله:
تقول بنيتي: قد أني أناكا ... يا أبتا علك أو عساكا
وانظر شرح السيرافي 5/ 477, والخصائص 2/ 96, وشروح سقط الزند 2/ 714,
ارتشاف الضرب 350.
2 هذا الرجز من شواهد سيبويه 2/ 299، على وصل القافية بالنون لضرب من
الترنم, والذرفن: جمع ذارف. والرجز للعجاج من أرجوزة طويلة منها:
وقاتم الأعماق خاوي المخترفن
وانظر السيرافي 1/ 207, والمحتسب 1/ 86, والجمهرة 2/ 236, والحجة 1/
65, ومقاييس اللغة 2/ 172, وشروح سقط الزند 2/ 582, والديوان 104.
3 من شواهد الكتاب 2/ 299 على وصل القافية بالنون كالذي قبله, وهو عجز
بيت وصدره:
ما هاج أشجانًا وشجوًا قد شجن
وشجن أصله: شجًا، فألحقه تنوين الترنم، وأنهجن رسم بالألف "أنهجا"
والأتحمي: ضرب من البرود، وشبه الطلل به في اختلاف آثاره، ومعنى أنهجن:
أخلق، وهذا الرجز من نفس الأرجوزة التي ذكرت في الشاهد الذي قبل هذا
الشاهد.
وانظر: شرح السيرافي 5/ 478, والخصائص 1/ 171, والديوان 7.
(2/387)
أقِلِّي اللَّومَ عَاذِلَ والعِتَاب1
وقال الأخطلُ:
واسأَلْ بمصقَلة البَكْرِي ما فَعَلْ2 ...
ويقولون:
قَدْ رَابَنِي حَفْصٌ فَحَرِّكْ حَفْصَا3
يثبتون الألف التي هي بدل من التنوين في النصب, كما يفعلون في الكلام,
والياءات والواوات اللواتي هُنَّ لاماتٌ, إذا كان ما قبلها حرف الروي
فُعِلَ بها ما فُعِلَ بالواو والياء اللتين ألحقتا للمد في القوافي,
فالأصل والزائد للإِطلاق والترنم سواءٌ في هذا, من أثبت الزائد أثبت
الأصل, ومن لم يثبت الزائد لم يثبت الأصل, فمن ذلك إنشادهم لزهير:
وبَعْضُ القَوْمِ يَخْلُقُ ثُمَّ لا يفْر4 ...
__________
1 من تفسيره وهو الشاهد رقم 3 ص409.
2 من شواهد سيبويه 2/ 299 على حذف الألف من "فعلا" حيث لم يرد الترنم
ومد الصوت. وهذا عجز بيت صدره:
دع المضمر لا تسأل بمصرعه ... واسأل......................
والبيت للأخطل التغلبي من قصيدة يمدح فيها مصقلة بن هبيرة أحد بني
ثعلبة بن شيبان.
وانظر أدب الكتاب 507, وشرح السيرافي 5/ 478, والاقتضاب 434.
3 من شواهد الكتاب 2/ 300 على إثبات الألف في قوله "حفصا" لأنه منون
ولا تحذف ألفه هنا في الوقف كما لا تحذف في الكلام إلا على ضعف، ولم
يعرف قائل هذا الشاهد. وانظر شرح السيرافي 5/ 478.
4 من شواهد سيبويه 2/ 300 على حذف الياء، وإن شاء أثبتها في "يفري"
والشاهد عجز بيت صدره:
ولأنت تفري ما خلقت ... وبعض القوم.....
وهو من قصيدة لزهير يمدح فيها هرم بن سنان المري بالحزم ومضاء العزيمة.
قال شارح الديوان: قوله: لأنت تفري ما خلقت, هذا مثل ضربه، والخالق:
الذي يقدد الأديم ويهيئه لأن يقطعه ويخرزه، والفري: القطع، والمعنى:
إنك إذا تهيأت لأمر مضيت له وأنفذته ولم تعجز عنه، وبعض القوم يقدر
الأمر ويتهيأ له ثم لا يقدم عليه ولا يمضيه عجزًا وضعف همة.
وانظر: الشعر والشعراء 139, والأغاني 5/ 164, والحجة 1/ 307, والمفصل
للزمخشري 341, والحيوان للجاحظ 3/ 383, والحماسة 2/ 74, والديوان 94.
(2/388)
وكذلك: يغزو لو كانت في قافية كنت حاذفًا
الواو إن شئت، وهذه اللامات لا تحذف في الكلام وتحذف في القوافي
والفواصل, فتقرأ: {وَاللَّيْلِ إِذَا يَسْرِ} 1 إذا وقفت وأما يخشى
ويرضى ونحوهما مما لامه ألف فإنه لا يحذف منهنَّ الألف لأنَّ هذه الألف
لما كانت تثبتُ في الكلام جُعلت بمنزلة ألف النصب التي في الوقف بدلًا
من التنوين فلم تحذف هذه الألف كما لم يجز حذف ألف النصب, ألا ترى أنه
لا يجوز لك أن تقول: لم يعلمْ لنا الناسُ مصرع2، فتحذف الألف, قال
رؤبة:
دايَنتُ أروى والدُّيونُ تُقضَى ... فَمَطَلتْ بعضًا وأَدَّتْ بَعْضَا3
فكما لا تحذف ألف "بعضا" لا تحذف ألف "تقضى". وزعم الخليل أن واو يغزو,
وياء "يقضي" إذا كانت واحدة منهما حرف الروي ثم تحذف لأنها ليست بوصل
حينئذ وهي حرف روي كما أن القاف في "وقاتم الأعماق خاوي4 المخترق"5 حرف
رويٍّ، فكما لا تحذف القاف لا تحذف
__________
1 الفجر: 4. يريد في الآية: "والليلِ إذا يَسْري" بالياء.
2 يشير إلى قول يزيد بن الطثرية الذي مر "صفحة 408".
3 رجز من شواهد سيبويه 2/ 300 على إثبات الألف في "تقضى" كما تثبت ألف
"بعضا" لأنها عوض من التنوين في حال النصب.
وينسب هذا الرجز إلى رؤبة بن العجاج, داينت فلانًا: إذا أقرضته وأقرضك،
وداينت فلانًا: إذا عاملته فأعطيته دينًا وأخذت بدين.
وانظر شرح السيرافي 5/ 484, والخصائص 2/ 96, والحجة 1/ 58, والجمهرة 1/
18, والخزانة 4/ 334, وديوان رؤبة 79.
4 في الأصل "خاوٍ".
5 من شواهد الكتاب 2/ 30 على ما يلزم من إثبات الياء والواو إذا كانتا
قافيتين لما يلزم إثبات القاف في "المخترقن" لأنها حرف الروي.
والرجز لرؤبة بن العجاج، وبعده: مشتبه الأعلام لماع الخفق ... والقاتم:
المغبر, والقتام: الغبار، والأعماق: النواحي القاصية، وعمق الشيء قعره
ومنتهاه. والخاوي: الذي لا شيء به، والمخترق المتسع، يعني: جوف الفلاة.
وانظر: المنصف 2/ 3, والمحتسب 1/ 86, وشرح السيرافي 5/ 494, والتهذيب
1/ 290, والجمهرة 2/ 236, والحماسة 582.
(2/389)
واحدة منهما، وهذا هو القياس كما قال إذا
كانتا حرفي روي, فأما إذا جاءتا بعد حرف الروي فحكمها حكم ما يزاد
للترنم. وقال سيبويه1: وقد دعاهم حذف ياء "يقضي" إلى أن حذف ناس كثيرون
من قيس وأسد الواو والياء اللتين هما علامتا المضمر ولم تكثر واحدة
منهما في الحذف ككثرة ياء "يقضي" لأنهما يجيئان لمعنى الأسماء وليستا
حرفين [بنيا] 2 على ما قبلهما فهما بمنزلة الهاء في قوله3:
يا عَجبًا لِلدّهْرِ شَتَّى طَرَائِقُهْ4
وقال: سمعت من العرب من يروي هذا الشعر:
لا يُبْعِد الله أصحابًا تَركْتُهُمُ ... لَمْ أَدْرِ بَعْدَ غَدَاة
الأمْسِ ما صَنَعْ5
يريدُ: ما صنعوا.
وقال عنترةُ:
__________
يلزم إثبات القاف في "المخترقن" لأنها حرف الروي.
والرجز لرؤبة بن العجاج، وبعده: مشتبه الأعلام لماع الخفق ... والقاتم:
المغبر, والقتام: الغبار، والأعماق: النواحي القاصية، وعمق الشيء قعره
ومنتهاه. والخاوي: الذي لا شيء به، والمخترق المتسع، يعني: جوف الفلاة.
وانظر: المنصف 2/ 3, والمحتسب 1/ 86, وشرح السيرافي 5/ 494, والتهذيب
1/ 290, والجمهرة 2/ 236, والحماسة 582.
1 قال سيبويه، ساقط في "ب" وانظر الكتاب 2/ 301.
2 أضفت كلمة "بنيا" لإيضاح المعنى.
3 زيادة من "ب".
4 من شواهد سيبويه 2/ 301، على لزوم الياء والواو، إذا كانتا للإضمار
واتصلتا بحرف الروي. والشتى: المتفرقة المختلفة، أي: تأتي بخير وشر.
وانظر الحجة 1/ 57.
5 من شواهد الكتاب 2/ 301، على حذف واو الجماعة من "صنعوا" كما تحذف
الواو الزائدة إذا لم يريدوا الترنم, وهذا قبيح.
ولم ينسب هذا البيت لقائل معين، بل قال: إنه سمعه من بعض العرب. انظر:
الحجة 1/ 57, وشرح السيرافي 5/ 486, والمفصل للزمخشري 341.
(2/390)
يا دَارَ عَبْلَةَ بالجَوَاءِ تَكَلَّمْ1
...
يريد: تكلمي. فأما "الهاءُ" فلا تحذف من قولك: شتَّى طرائقهُ2 وما
أشبهه؛ لأنَّ الهاء ليست من حروف المد واللين، قال3: وأنشدنا الخليل:
خَلِيلَيَّ طِيرَا بالتَّفَرُّقِ أو قعَا4 ...
فلم يحذف الألف كما لم يحذفها من "يقضى" فإنما جاء الحذف في الياء
والواو إذا كانا ضميرين فقط, ولم يجئ في الألف ولم يجز لما تقدم ذكره.
واعلم: أن الساكن والمجزوم يقعان في القوافي5، فإذا وقع واحد منهما في
القافية حرك, وجعلوا الساكن والمجزوم لا يكونان إلا في القوافي
المجرورة حيث احتاجوا إلى حركتها, ولا يقع ذلك في غير المجرور, كما
أنهم إذا اضطروا إلى تحريكها لالتقاء الساكنين كسروا, قال امرؤ القيس:
__________
1 من شواهد سيبويه 2/ 302 على حذف الياء من "تكلمي" وهي ضمير المؤنث,
كما حذفت واو الجماعة من "صنعوا" في الشاهد الذي قبله.
والشاهد صدر بيت عجزه:
وعمي صباحًا دار عبلة واسلمي
والجواء: اسم موضع، وعبلة اسم معشوقة الشاعر، يقول: يا دار, حبيبتي
بهذا الموضع تكلمي وأخبريني عن أهلك ما فعلوا. ثم أضرب عن استخبارها
إلى تحيتها فقال: طاب عيشك في صباحك وسلمت يا دار عبلة.
وانظر: الحجة 1/ 57, وشرح السيرافي 5/ 486, وشروح سقط الزند 2/ 607,
وشرح المعلقات السبع للزوزني 163, والديوان 214.
2 يشير إلى شطر البيت السابق ص414.
3 يعني سيبويه، انظر الكتاب 2/ 302.
4 من شواهد سيبويه 2/ 302 على أن الألف من قوله: "قعا" لا تحذف، كما لا
تحذف ألف "بعضا" يقال: وقع الطائر: إذا نزل بالأرض، والوقوع ضد
الطيران.
وانظر الحجة 1/ 57، وشرح السيرافي 5/ 487.
5 قال سيبويه 2/ 303: ولو لم يفعلوا ذلك لضاق عليهم, ولكنهم توسعوا
بذلك.
(2/391)
أَغَرَّكِ مِنِّي أنَّ حُبَّكِ قَاتِلي ...
وأنَّك مَهْمَا تَأمري القَلْبَ يَفْعَلِ1
وقال طرفة:
مَتَى تَأْتِنِي أُصْبِحكَ كأسًا رَوِيَّةً ... فإنْ كُنْتَ عَنْها
غَانِيًا فَاغْنَ وَازْدَدِ2
ولو كانت في قواف3 مرفوعة أو منصوبة كان إقواء, وقال أبو النجم:
إذا استحثُّوها بَحَوْبٍ أو حلِ4 ...
وحلْ، مسكنة في الكلام. قال سيبويه5: ويقول الرجل إذا تذكر ولم يرد أن
يقطع كلامهُ: "قالا" فيمد "قال" و"يقولوا" فيمد "يقولُ" ومن6
__________
1 من شواهد سيبويه 2/ 303 على كسر اللام في حال الجزم للإطلاق والوصل
وإجرائها في ذلك مجرى المجرور، والشاهد لامرئ القيس يقول: قد غرك مني
كون حبي لك قاتلي وكون قلبي منقادًا لك بحيث مهما أمرته بشيء فعله.
وانظر شرح السيرافي 5/ 488، وشرح المعلقات السبع 13, والديوان 143.
2 في "ب" ساقط بيت طرفة.
والشاهد في كتاب سيبويه 2/ 303، على أن ازدد بالسكون، ولكنه كسر
للإطلاق في القافية ووصلها بحرف المد للترنم.
وأراد بالكأس: الخمر في إنائها ولا تسمى كأسًا إلا كذلك، ومعنى أصبحك:
أسقك صبوحًا، وهو شرب الغداة، والروية: المروية، وهي فعلية بمعنى
مفعلة.
3 الغاني والمستغني سواء، يقال: غنيت عن الشيء, استغنيت.
وصف الشاعر كلفه بالخمر واستهلاكه في شربها، والبيت من معلقة طرفة.
وانظر: المقتضب 2/ 49, وشرح السيرافي 5/ 488, وجمهرة أشعار العرب 138,
وشرح المعلقات السبع لابن الأنباري 187, والديوان 25 في الأصل "قوافي".
4 من شواهد الكتاب 2/ 303، على كسر لام "حل" للإطلاق والوصل، وحوب وحل
زجر للناقة لحثها وحملها على السير، وحوب مكسورة لالتقاء الساكنين كما
كسرت "جير" و"حل" ساكنة على ما يجب فيها، إلا أنها حركت للإطلاق. ونسب
هذا الرجز إلى أبي النجم العجلي، وانظر: شرح السيرافي 5/ 488, والمخصص
7/ 80.
5 انظر الكتاب 2/ 303.
6 انظر الكتاب 2/ 303، ونص سيبويه: و"بين" بدلًا من "من".
(2/392)
العامي فيمدُّ "العام" سمعناهم يتكلمون به
في الكلام, ويجعلونه علامة ما يتذكرونه1 ولم يقطعوا2 كلامهم، فإذا
اضطروا إلى مثل هذا في الساكن كسروا سمعناهم يقولون: إنه "قدي" في
"قَدْ" ويقولون: إلى في الألف واللام يتذكرون3 الحارث ونحوه. قال:
وسمعنا من يوثق به في ذلك يقول: "هذا سيفني يريد: سيفٌ, ولكنَّهُ تذكر
بعدُ كلامًا ولم يرد أن يقطع اللفظ, ولو أراد القطعَ ما نونَ, فالتنوين
حرف ساكن فكسر كما كسر دال4 "قَدْ".
__________
1 انظر الكتاب 2/ 303، والنص "يتذكر به".
2 انظر الكتاب 2/ 303، والنص "يقطع".
3 نص الكتاب 2/ 303 "يتذكر الحارث".
4 في الأصل "ذاك" وهو تصحيف؛ لأنه يريد كسر دال قد في "قدي".
(2/393)
|