الأصول في النحو باب من وأي إذا كنت
مستفهما عن نكرة
مدخل
...
باب "من" وأي إذا كنت مستفهمًا عن نكرة:
إذا قال القائل: رأيتُ رجلًا قلتَ: مَنَا وإذا قال: هذا رجلٌ قلت:
مَنُو وإن قال: رأيتُ رجلين قلت: مَنَيْن وإن قال: "هذانِ رجلانِ" قلت:
مَنَان وفي الجميع: مَنونْ ومَنَينْ, وللمؤنث: مَنَهْ ومَنَتْ مثل بنتٍ
وابنةٍ ومنتانْ ومناتْ. وزعَمَ الخليل1: أنَّ هذا الباب في "مَا" إذا
وصلت قلت: مَنْ يَا فتى؟ وإنما يصلحُ هذا في الوقف فقط. قال سيبويه2:
وحدثنا يونس أن ناسًا يقولون: مَنَا ومِنَي ومَنَو واحدًا كان أو اثنين
أو جماعة, وإذا قال: رأيتُ امرأة ورجلًا قلت: مَنْ ومَنَا؛ لأنكَ تقول:
مَنْ يا فتى في الصلة للمؤنث وإن بدأت بالمذكر قلت: مَنْ ومنَهْ؟ قال:
فإذا قال: "رأيتُ عبد اللهِ" فلا تقل: مَنَا, لا يصلح ذلك في شيءٍ من
المعرفة، قال سيبويه3: وسمعنا من العرب من يقال لهُ: ذهب4 مَعَهم,
فيقول: مع مَنِين وقد رأيتهُ فيقولُ: مَنَا, وذلك أنه سأله, على أن
الذين ذكر ليسوا عنده ممن يعرفهم بأعيانهم, والعرب تختلف في الاسم
المعروف فأهل الحجاز5 إذا
__________
1 انظر الكتاب 1/ 403.
2 انظر الكتاب 1/ 402.
3 انظر الكتاب 1/ 403.
4 في الكتاب 1/ 403، ذهبنا بدلًا من "ذهب".
5 انظر الكتاب 1/ 403.
(2/394)
قال الرجلُ: "رأيتُ زيدًا" قال: "مَنْ
زيدًا" يحكون النصب أو الرفع أو الجر, وأما بنو تميم فيرفعون على كل
حال وإنما يكون هذا في الاسم الغالب فإذا قال: "رأيتُ أَخا زيدٍ" لم
يجز: "منْ أخا زيدٍ" إلا قول من قال: "دَعنا من تمرتانِ"1 وليس
بقرشيا2، والواجبُ الرفعُ3 وقال يونس4: إذا قال رجل: رأيت زيدًا وعمرًا
أو زيدًا وأخاهُ أو زيدًا أخا عمرو فالرفع يرده إلى القياس والأصل إذا
جاوز الواحد كما ترد: ما زيد إلا منطلق إلى الأصل, فأما ناس فإنهم
قالوا: منْ أخو زيدٍ وعمرٍو؟ ومَنْ عمرًا وأخا زيدٍ؟ يتبع الكلام بعضُه
بعضًا وإذا قالوا: "منْ عمرًا؟ ومنْ أخو زيدٍ؟ " رفعوا "أخا زيدٍ"5
قال6: وسألت يونس عن: رأيت زيد بن عمرٍو فقال: أقول: مَنْ زيد بن عمرو
لأنه كالواحد, فَمنْ نونَ زيدًا رفع في قول يونس7، فإن أدخلت الواو
والفاء في "مَنْ" فقلت: فَمن أو منون لم يكن فيما بعده إلا الرفع,
ويقول القائل: رأيت زيدًا فتقول: المَنيَّ فإن قال: رأيت زيدًا وعمرًا
قلت: المَنين وإن ذكر ثلاثة قلت: المنيين, تحمل الكلام على ما حمل عليه
المتكلم كأنك قلت: القرشيَّ أم الثقفيَّ, نصب, وإن شاء رفع على "هو"
كما قال صالح في جواب: كيف أنتَ؟ وما أي فهي مخالفة "لِمَنْ" لأنها
معرفة فإذا استفهمت بها عن نكرة قلت إذا قال: رأيتُ رجلًا, أيا؟ فإن
قال: رجلين قلت: أيين؟ وللجميع: أيينَ فإن ألحقت "يا فتى" فهي على
__________
1 يعني الحكاية لقوله: ما عنده تمرتان.
2 انظر الكتاب 1/ 403.
3 لأنه ليس باسم غالب.
4 انظر الكتاب 1/ 403.
5 انظر الكتاب 1/ 403-404، تبدأ الزيادة من "ب" من هذه الصفحة إلى 422
من الأصل.
6 أي: سيبويه، انظر الكتاب 1/ 404.
7 لأنه يجعل الابن صفة منفصلة.
(2/395)
حالها1، وإذا قلت: رأيتُ امرأةً, قلت: أية
يا فتى؟ وللاثنتين: أَيتين يا فتى؟ والجماعة: أيَّات يا فتى؟ وإن تكلم
بجميع ما ذكرنا مجرورًا جررت وإن رفع رفعت, فإن قال: رأيت عبد الله فإن
الكلام من عبد الله وأي عبد الله ليس مع "أيٍّ" في المعرفة إلا الرفع,
فأيٌّ ومَنْ يتفقان في أشياء ويختلفان؛ فأما اتفاقهما فإنهما يستفهم
بهما ويكونان بمعنى "الذي" تقول: اضرب أيهم هو أفضل وأعط أيهم كان أفضل
واضربْ أيهم أبوهُ زيد, كما تقول: اضربْ منْ أبوهُ زيد, ومن هو أفضل,
فإن قلت: "اضربْ أيهم عاقلٌ" رفعت هذا مذهب سيبويه2، وهو عندي مبني
"لأنَّ" الذي عاقل قبيح, فإن دخلت "هو" نصبت, وزعم الخليل أنه سمع
أعرابيا يقول: ما أنا بالذي قال لك شيئًا3، فعلى هذا تقول: اضربْ أيهم
قائل لك خيرًا, إذا طال الكلام حَسُنَ حذف "هو" ومن لا يقدر فيها الرفع
إذا قلت: اضربْ منْ أفضلُ, ورفع اضربْ أيُّهم أفضلُ وهو بمعنى "الذي"
عندي ناقص لأصول العربية, إلا أنْ تراد الحكاية أو ضَرب من الضروب يمنع
الفعل من الاتصال "بأي" وما يفارق "أي" فيه "من" أن أي تضاف و"من" لا
تضاف, ومن تصلح للواحد والاثنين والجماعة والمذكر والمؤنث, فمن ذلك:
{وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ} 4، ومَنْ كانت أُمُّكَ،
وتقول أيضًا: أَيهم كانت أمُّكَ؟ وزعمَ الخليل5 أن بعضهم قرأ: {وَمَنْ
يَقْنُتْ مِنْكُنَّ لِلَّهِ} 6، وقال الفرزدق:
__________
1 قال سيبويه: فإن ألحقت "يا فتى" في هذا الموضع فهي على حالها قبل أن
تلحق "يا فتى". وانظر الكتاب 1/ 401.
2 انظر الكتاب 1/ 399.
3 انظر الكتاب 1/ 399.
4 يونس: 43.
5 انظر الكتاب 1/ 404.
6 الأحزاب: 31.
(2/396)
نَكُنْ مِثْلَ مَنْ يا ذِئْبُ
يَصْطَحِبَانِ1
فأي: إنما هي بعض لما أضيفت إليه، ومن قد حكي فيها أنها تكون نكرة
وتوصف نحو قولك: مررت بمن صالح, وقالوا: من تكون استفهامًا وتعجبًا
وجزاءً, قال بعض الكوفيين: إذا وقعت على نكرة كانت تعجبًا ولم تكن
استفهامًا, ولم يجاز بها إذا وقعت على نكرة أزادتها كلها, وإذا وقعت
على معرفة أزادت بعضها في الجزاء والاستفهام, فإذا قلت: أيُّ الرجلين
أخواكَ؟ وأي رجالٍ إخوتُكَ؟ فهو على العدد, وإذا قلت: أي الزيدينِ
أخوكَ؟ وأي الثلاثةِ صاحبُكَ وصاحباكَ؟ فلا يجوز أصحابكَ لأنها تزيد
بعد المعرفة.
واعلم: أنها في جميع ذلك لا تخرج عن معنى البعض؛ لأنك إذا قلت: أي
الرجلينِ أخواكَ؟ إنما تريد: أي الرجالِ, إذا صُنفوا رجلينِ رجلينِ
أخواك, وقد حكي أن "ذا" قد جاءت بمعنى "الذي".
__________
1 من شواهد سيبويه 1/ 404 على تثنية "يصطحبان" حملًا على معنى "من"
لأنها كناية عن اثنين وأخبر عنه وعن الذئب فجعله ونفسه بمنزلتهما في
الاصطحاب، وهو عجز بيت صدره:
تعال فإن عاهدتني لا تخونني.
ويروى يصطلحان, ورواه المبرد: تعش فإن عاهدتني لا تخونني.
وصف ذئبًا طرقه عندما أوقد نارًا فدعاه إلى العشاء والصحبة. وانظر
المقتضب 2/ 295، 3/ 253، وشرح السيرافي 1/ 76، وارتشاف الضرب/ 140،
وأمالي ابن الشجري 2/ 311، والمحتسب 1/ 219، والخصائص 2/ 422، والعيني
1/ 461، والديوان/ 870.
(2/397)
باب ما تلحقه
الزيادة في الاستفهام:
يقول الرجل: ضربتُ زيدًا, فتقول إذا أنكرت: أزيدَنِيه, وإن كان مرفوعًا
أو مجرورًا فهذا حكمه. إذا كان قبل هذه العلامة حرف ساكن كسرتَهُ
لالتقاء الساكنين مثل التنوين, وإن كان مضمومًا جعلته واوًا, وإن كان
مكسورًا جعلته ياءً, وإن كان مفتوحًا جعلته ألفًا, فإن قال: "لقيتُ
زيدًا وعمرًا" قلت: أزيدًا وعَمرنيه وإذا قال: ضربتُ عمر, قلت:
أعُمراهُ, فإن قال: ضربتُ زيدًا الطويلَ قلت: الطويلاه وإن قلت: أزيدًا
يا فتى, تركت الزيادة إذا وصلت, ومن العرب من يجعل بين هذه وبين الاسم
أن فيقول: أَعُمرانيه, قال سيبويه: سمعنا رجلًا من أهل البادية قيل له:
أتخرجُ إنْ أخصبتِ الباديةُ؟ فقال: أَنَا إِنِيه منكرًا1. ومما زادوا
الهاء فيه بيانًا قولهم: اضْرِبْهُ يريد: اضرِبْ وتقول: إني قد ذهبتُ
فيقول: أذهبتوه ويقول: أنا خارج فتقول: أنا إنِيه, تلحق الزيادة ما
لفظتهُ وتحكيه.
__________
1 انظر الكتاب 1/ 406.
(2/398)
|