الأصول في النحو ذكر الهمز وتخفيفه
مدخل
...
ذكر الهمز وتخفيفه:
الهمزة لا تخلو من أن تكون ساكنة أو متحركة، فالساكنة لها ثلاث جهات,
إما أن يكون قبلها فتحة أو كسرة أو ضمة, فإن كان قبلها فتحة أبدلت
ألفًا وذلك في رأس, راس, وفي يأس ياس, وفي قرأتُ قراتُ, وإن كان قبلها
كسرة أُبدلت ياء وذلك قولهم في الذئب: الذيبُ, وفي المئرةِ1: الميرةُ،
وإن كان قبلها ضمة أبدلتها واوًا, وذلك قولك في البؤسِ: البوسُ,
والمؤمنِ: المومنُ وإنما يبدل مكان كل همزة ساكنة الحرف الذي منه حركة
ما قبلها؛ لأنه ليس شيءٌ أقرب منه, فالفتحة من الألف والضمة من الواو
والكسرة من الياء, والهمزة المتحركة لا تخلو من أن يكون ما قبلها
ساكنًا أو متحركًا فالهمزة المتحركة التي قبلها ساكن تكون على ضربين:
همزة قبلها حرف مد وهو واو قبلها ضمة أو ياء قبلها كسرة أو ألف زيد
للمد. والضرب الآخر: همزة قبلها حرف غير مد فالضرب الأول: الهمزة
المتحركة التي قبلها مدَّةٌ فهي تبدل إذا كان قبلها واو أو ياء, وذلك
في قولك مقروءة مقروة ومقروٌّ فاعلم, وأبدلت الهمزة واوًا, وإنما فعلت
ذاك لأن الواو زائدة وقبلها ضمة وهي على وزن مَفْعُولةٍ ومَفْعُولٍ,
وإذا كان قبل الهمزة ياء ساكنة قبلها كسرة وهي زائدة أبدلت الهمزة ياء,
تقول في خطيئةٍ: خَطيّة, في النسيء: النسيُّ يا هذا, وفي أفَيئسٍ تصغير
أفْؤسٍ أُفَيّس, وفي سُويئلٍ وهو تصغير سائل: سُويَلٍ, فياء التصغير
بمنزلة ياء خطيةٍ. وإن كان ما قبل ياء التصغير مفتوحًا قلبوها لأنهم
أجروها مجرى المدةِ كانت لا تحرك أبدًا, وهي نظير الألف التي تجيء في
جمع التكسير نحو ألف دراهم, ألا ترى أنك تقول: دُرَيهم فتقع ياء
التصغير ثالثة كما تقع الألفُ ويكسر ما بعدها كما يكسر ما بعد الألف,
ولا تحرك كما لا تحرك الألف, وإن كان الساكن الذي قبل الهمزة ألفًا
جعلت بينَ بينَ ومعنى قول النحويين: "بَينَ بينَ" أن تجعل الهمزة في
اللفظ بين الحرف الذي منه حركتها وبين الهمزة بأنْ تلينَها, فإن كانت
مفتوحة جعلت بين الألف والهمزة, وإن كانت مضمومة جعلت بين الواو
والهمزة, وإن كانت مكسورة جعلت بين الياء والهمزة. وقال سيبويه2:
__________
1 المئرة بالهمزة: النحل والعداوة، وجمعها: مئر.
2 انظر الكتاب 2/ 124.
(2/399)
ولا يجوز أن تجعل الهمزة بينَ بينَ في
التخفيف, إلا في موضع يجوز أن يقع موضعها حرف ساكن, ولولا أن الألف يقع
بعدها الحرف الساكن ما جاز ذلك؛ لأنه لا يجمع بين ساكنين وذلك في
المسائِل المسايل, يجعلها بين الياء والهمزة, وفي هباءةٍ هَبَاأَةٌ,
فيجعلونها بين الهمزة والألف, يلينُ الصوتُ بها وتقول في جزاءُ أُمه,
جَزاؤامهِ.
الضرب الثاني:
الهمزة المتحركة التي قبلها حرف ساكن ليس بحرف مَدٍّ, فَمنْ يخفف
الهمزة يحذفها ويلقي حركتها على الساكن الذي قبلها، وذلك قولك في
المرأة، المَرة، وفي الكمأة الكَمَة, وقال الذين يخففون: "أَلا يسْجدوا
لِلَّهِ الَّذي يُخْرجُ الْخبَ فِي السَّمواتِ وَالْأرْضِ"1، ومن ذلك:
مَن بُوكَ ومَن مُّكَ وكَم بلكَ إذا خففت ومثل ذلك: الحمر تريد الأحمر,
وقد قالوا: الكماةُ والمراة ومثله قليل, ومما حذف في التخفيف لأن ما
قبله ساكن قولهم: أَرَى وتَرَى ونَرى ويَرى. وقد أجمعت العرب على تخفيف
المضارع من رأيت لكثرة استعمالهم إياه فإذا خففت همزة أرأَوهُ قلت:
رَوْهُ حذفت الهمزة وألقيت حركتها وهي الفتحة على الراء وسقطت ألف
الوصل وتقديره: أرَأوهُ مثل: أرَعوهُ دخلت ألف الوصل من أجل سكون الراء
فلما حركت سقطت ألف الوصل, فإن أمرت واحدًا قلت: ذاك نطقت بالراء وحدها
وكان الأصل أرْأى فحذفت الألف التي هي لام الفعل للأمر كما حذفتها في:
اخشَ يا هذا وكان الأصل: اخشى وحذفت الهمزة للتخفيف وألقيت حركتها على
الراء, فسقطت ألف الوصل فبقيت الراء وحدها, قال سيبويه: وحدثني أبو
الخطاب2 أنه سُمعَ من يقول: قد أَراهُم فجاء به على الأصل3.
__________
1 النمل: 25. وهذه القراءة من الشواذ، انظر شواذ ابن خالويه 109، وتنسب
إلى أبي بكر وعيسى بن عمر الثقفي, وقراءة الجمهور الخبء بالهمز.
2 أي: الأخفش الكبير.
3 انظر: الكتاب 2/ 165.
(2/400)
باب ذكر الهمزة
المتحركة:
لا تخلو الهمزة المتحركة من أحد ثلاث جهات من الضم أو الكسر أو الفتح
وكل همزة متحركة وقبلها حرف متحرك فتخفيفها أن تجعلها "بينَ بينَ" إلا
أن تكون مفتوحة قبلها ضمة أو كسرة, فإنك تبدلها وإنما صار ذلك كذلك؛
لأن الهمزة لو خففتها وقبلها ضمة أو كسرة لنحوت بها نحو الألف, والألف
لا يكون ما قبلها إلا مفتوحًا وذلك محال, فأما ما تجعل من ذلك "بينَ
بينَ" فنحو: سأل وسَيئمَ وقد قَرأَهُ, وكل همزة متحركة قبلها حرف متحرك
فهذا حكمها أن تجعلها "بينَ بينَ" إلا ما استثنيتَهُ من الهمزة
المفتوحة التي قبلها ضمة أو كسرة, فإن كانت وقبلها فتحة جعلت بينَ
بينَ, بين الألف والهمزة, وإن كان قبلها ضمة أبدلتها واوًا وإن كان
قبلها كسرة أبدلتها ياءً فتقول في التخفيف في التؤدةِ التودة,
فيجعلونها واوًا خالصة, ونريدُ أن نقريَكَ في نقرئك, وفي المئرِ1 المير
ياء خالصة، وتقول في المتصل منْ غلامُ يبِيكَ وهذا غلامُ وبِيكَ, وإن
كانت الهمزةُ مكسورةً وقبلها فتحة صارت بين الهمزة والياء وذلك في
يَئسَ ييسَ, وفي سَئِمَ سَيِمَ: {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ} 2. وإن
كانت مضمومة وقبلها فتحة صارت بين الهمزة والواو وذلك قولك: ضربتُ
أُختَكَ وإن كانت مضمومة وقبلها ضمة جعلت بينَ
__________
1 المئرة: جمع مئرة وهي العداوة.
2 البقرة: 126، 260.
(2/401)
بينَ, وذلك: هذا دِرهمُ أُختِكَ، وإن كانت
مضمومة وقبلها كسرة جعلت بينَ بينَ, وذلك من عند أُختكَ؟ وقال سيبويه:
وهو قول العرب والخليل1.
__________
1 انظر الكتاب 2/ 164.
(2/402)
باب الهمزتين إذا
التقتا:
وذلك على ضربين: فضرب يكونان فيه في كلمة واحدة, وضرب في كلمتين
منفصلتين, اعلم: أن الهمزتين إذا التقتا في كلمة واحدة لم يكن بُدٌّ من
إبدال الآخرةِ ولا تخفف, فمن ذلك قولك في فاعل من "جئت": جائي, أبدلت
مكانها الياء لأن ما قبلها مكسور وكذلك إن كان قبلها مفتوح جعلتها
ألفًا نحو آدمَ لانفتاح ما قبلها، قال1: وسألت الخليل2 عن فَعْلَلٍ من
جئتُ [فقال] 3: جَيأَي, مِثال جَيعا, وإذا جمعت آدم قلت: أَوادم كما
أنك إذا حقرت قلت: أُويدم, صيروا ألفهُ بمنزلة ألف خالدٍ؛ لأن البدل من
نفس الحرف فشبهت ألف آدم بألف "خالدٍ" لانفتاح ما قبلها لأنها ليست من
نفس الكلمة ولا بأصل فيها, وأما خَطايا فأصلها خَطَائي فحقها أن تبدل
ياء، فتصير: خطائي فقلبوا الياء ألفًا ورفَعوا ما قبلها, كما قالوا
"مُداري" أبدلوا الهمزة الأولى ياء كما أبدلوا "مَطايا" وفرقوا بينها
وبين الهمزة التي من نفس الحرف, وناس يحققون فإذا وقعت الهمزة بين
ألفين خففوا, وذلك قولهم: كساءان ورأيت كساءين كما يخففون إذا التقت
الهمزتان؛ لأن الألف أقرب الحروف إلى الهمزة ولا يبدلون ياء لأن الألف
الآخرة تسقط, ويجري الاسم في الكلام.
__________
1 أي سيبويه، انظر الكتاب 2/ 169.
2 انظر الكتاب 2/ 169.
3 أضفت كلمة "فقال" للمعنى.
(2/403)
الضرب الثاني: من التقاء الهمزتين وهو ما
كان منه في كلمتين منفصلتين:
اعلم: أن الهمزتين إذا التقتا وكل واحدة منهما في كلمة, فإن أهل
التحقيق يخففون إحداهما ويستثقلون تحقيقهما, كما يستثقل أهل الحجاز
تحقيق الواحدة, وليس من كلام العرب أن تلتقي همزتان محققتان إلا إذا
كانتا عينًا مضاعفة في الأصل نحو سماءين ومن كلامهم تحقق الآخرة وهو
قول أبي عمرو1 وذلك قول الله عز وجل: {فَقَدْ جَاءَ أَشْرَاطُهَا} 2،
{يَا زَكَرِيَّا إِنَّا} 3، ومنهم من يحقق الأولى ويخفف الآخرة, وكان
الخليل4 يستحب هذا ويقول: لأني رأيتهم يبدلون الثانية في كلمة واحدة
كآدم, وأخذ به أبو عمرو5 في قوله: {يَا وَيْلَتَى أَأَلِدُ وَأَنَا
عَجُوزٌ} 6 فحقق الأولى وقال سيبويه: وكل عربي والزنة واحدة محققة
ومخففة، ويدلك على ذلك قول الأعشى7:
__________
1 أي: أبو عمرو بن العلاء، وانظر الكتاب 2/ 167، والمقتضب 1/ 158.
2 محمد عليه الصلاة السلام: 18.
3 مريم: 7 والآية: {زَكَرِيَّا إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلامٍ اسْمُهُ
يَحْيَى} .
4 انظر الكتاب 2/ 196.
5 انظر الكتاب 2/ 197.
6 هود: 72 وفيها قراءات كثيرة سبعية، انظر إتحاف فضلاء البشر/ 259،
وغيث النفع/ 130.
7 من شواهد الكتاب 2/ 167 على أن الهمزة المخففة بزنة المحققة، ولولا
ذلك لانكسر البيت؛ لأن بعد الهمزة نونًا ساكنة، فلو كانت بين بين في
حكم الساكنة، لالتقى ساكنان في الحشو، ولا يكون ذلك في الشعر إلا في
القوافي. وعجز البيت:
ريب المنون ودهر مفسد خبل.
ورأيت بمعنى: أبصرت، والأعشى: هو الذي لا يبصر بالليل.
وانظر المقتضب 1/ 155، والحجة 1/ 231، وشرح السيرافي 5/ 11، والإنصاف/
389، والديوان/ 55.
(2/404)
أَانْ رَأَتْ رَجُلًا أَعْشَى أَضَرَّ بِهِ
...
فلو لم يكن بزنتها محققة لانكسر البيت, وأما أهل الحجاز1 فيخففون
الهمزتين لأنه لو لم يكن إلا واحدة لخففت, فتقول: اقرأ آية في قول من
خفف الأولى؛ لأن الهمزة الساكنة إذا خففت أبدلت بحركة ما قبلها, ومن
حقق الأولى قال: اقْر آية ويقولون: اقْرِي مثل: اقر آية؛ لأنه خفف همزة
متحركة قبلها حرف ساكن, وأما أهل الحجاز2 فيقولون: اقرأ آيةً ويقولون:
أَقرِي باكَ السلام, يبدلون الأولى ياء لسكونها وانكسار ما قبلها,
ويحذفون الثانية لسكون ما قبلها, ومن العرب ناس3 يدخلون بين ألف
الاستفهام وبين الهمزة ألفًا إذا التقتا؛ وذلك لأنهم كرهوا التقاء
الهمزتين ففصلوا كما قالوا: اخشينانِ4، فهؤلاء أهل التحقيق، وأما أهل
الحجاز فمنهم من يقول: آإنكَ وآأنتَ وهي التي يختار [أبو عمرو] 5
ويدخلون بين الهمزتين ألفًا ويجعلون الثانية بينَ بين كما يخفف بنو
تميم في التقاء الهمزتين, وكرهوا الهمزة التي هي بينَ بين مع الأول كما
كرهوا معها المخففة, وأما الذين لا يخففون الهمزة فيحققونهما جميعًا
ويدخلون6 بينها ألفًا, وإن جاءت ألف الاستفهام وليس قبلها شيء لم يكن
من تحقيقها بد وخففوا الثانية, واعلم: أن الهمزة التي يحقق أمثالها أهل
التحقيق من بني تميم وأهل الحجاز وتُجعل في لغة أهل التخفيف بينَ بين,
قد تبدل مكانها الألف إذا كان ما قبلها مفتوحًا والياء إذا كان ما
قبلها مكسورًا, ياء مكسورة, وليس هذا بقياس مطرد، وإنما يحفظ عن العرب7
حفظًا، فمن ذلك قولهم
__________
1 انظر الكتاب 2/ 167-168.
2 انظر الكتاب 2/ 168.
3 انظر الكتاب 2/ 168.
4 فصلوا هنا بالألف كراهية التقاء هذه الحروف المضاعفة.
5 أبو عمرو، زيادة من الكتاب 2/ 168 يقتضيها المعنى.
6 في سيبويه 2/ 168: "ولا يدخلون"، وأظنها أصح من عبارة: "ويدخلون".
7 انظر الكتاب 2/ 169.
(2/405)
في "منسأةٍ" مِنْسأة, ومن العرب من يقول في
أوْ أَنْتَ, أوَّنْتَ وأبو يوب في "أبو أيوب" وكذلك المنفصلة إذا كانت
الهمزة مفتوحة وقال بعض هؤلاء: سَوَّةٌ وضَو شبهوهما بأوَّنْتَ, فإن
خففت في قولهم: أحْلِبني إبلَكَ وأبو أُمِّكَ لم تثقل الواو كراهية
لاجتماع الواوات والضمات والياءات والكسرات وحذفت الهمزة وألقيت حركتها
على ما قبلها, وبعضهم يقول: يريد أن يَجيكَ ويَسُوكَ وهو يجيكَ
ويَسُوكَ يحذف الهمزة ويكره الضمة مع الياء والواو, وعلى هذا تقول:
هُوَ يَرم خوانَهُ يريد: يَرمِ إخْوانه حذف الهمزة وأذهب الياء لالتقاء
الساكنين. قال أبو بكر: ذكرنا ما يلحق الكلم بعد تمامها وبقي ما يلحق
الكلم في ذاتها وهو تخفيف الهمز وقد ذكرناه, والمذكر والمؤنث والمقصور
والممدود, والتثنية والجمع الذي على حدها, والعدد, وجمع التكسير,
والتصغير, والنسب, والمصادر وما اشتق منها, والإمالة, والأبنية,
والتصريف, والإِدغام، وضرورة الشاعر.
(2/406)
|