الأصول في النحو باب الحرف الذي
يضارع به حرف من موضعه
مدخل
...
هَذا بابُ: الحرفِ الذي يُضارعُ بهِ حرفٌ من موضعهِ:
والحرف الذي يُضارعُ بهِ ذلكَ الحرفُ وليس مِنْ موضعهِ فأَمَّا الذي
يُضارعُ بهِ الحرفُ الذي مِنْ مخرجهِ فالصادُ الساكنةُ إذا كانَ بعدَها
الدالُ نحو: مَصْدَرٍ وأَصدَر والتقديرُ فما لم يمكن أَنْ يُعَلَّ
ضارعوا1 بها أَشبهَ الحروفِ بالدالِ مِنْ مَوضعهِ وهيَ الزايُ.
قالَ سيبويه2: وسمعْنا الفصحاءَ يجعلونَها زايًا خالصةً وذلكَ قولُكَ
في التَّصدير: التَّزديرُ وفي الفَصدِ: الفَزْدُ وفي أَصدرتُ: أَزدرتُ
ولم يجسروا علَى إبدالِ الدالِ3 لأَنَّها ليستْ بزائدةٍ كالتاءِ في
"افتعلَ" فإنْ تحركتِ الصادُ لم تُبْدل لأَنَّهُ قَدْ وقعَ بينَهما
شيءٌ ولكنَّهم قَدْ يضارعونَ بهَا نحو صَادِ4 "صدَقتُ" والبَيانُ
أَحْسَنُ فرُبّما ضارعوا بها5 وهيَ بعيدةٌ [نحو: مَصادر6] والصِّرَاط
لأَنَّ الطَاء كالدال والمضارعةُ هُنَا وإنْ بعدتْ كما قالوا: صَوِيقٌ
ومَصَاليق فأَبدلوا السينَ صَاداً8. والبيانُ هُنا أَحسنُ.
__________
1 يقصد أنهم ضارعوا بالصاد أشبه الحروف بالدال من موضعه وهي الزاي
لأنها م جهورة غير مطبقة، ولم يبدلوها زايا خ الصة كراهية الإجحاف بها
للإطباق: انظر: الكتاب 2/ 426.
2 لم يحدد سيبويه هؤلاء الفصحاء في كتابه 2/ 426، وزعم شارح الشافية 3/
232 أن حاتما الطائي قال في قصة هكذا: فزدي، أنه بدلا من "فصدي"وقال
السيوطي في المزهر 1/ 467 نقلا عن ابن السشكيت أن خلفا سمع أعرابيا
يقول: لم يحرم من فزد له يريد: من فصد له.
3 أي: إبدال الدال صادا.
4 في "ب" دال.
5 أضافت كلمة "بها" لإيضاح المعنى.
6 أضفت نحو مصادر وهذه الزيا دة من سيبويه 2/ 426.
7 أي: الدال.
8 انظر: الكتاب 2/ 426-427.
(3/429)
فإنْ كَانَ موضعُ الصادِ سينًا ساكنةً
أُبدلَت فقلتَ في التَّسدير: التَّزديرُ وفي يُسدلُ ثَوبَهُ: يُزدلُ
ثَوْبَهُ لأَنَّهُ ليسَ فِيها إطباقٌ يذهبُ والبيانُ فيها أَحسنُ
وأَمّا الحرفُ1 الذي ليسَ من موضعهِ فالشينُ وذلكَ أَشْدَقُ فتضارعُ
بهَا الزايَ والبيانُ أكثرُ وهذا عربيٌّ كثيرٌ والجيمُ أَيضاً2،
يقولونَ في "الأَجدر"3 أَشدرُ ولا يجوزُ أَن يجعلَها زايًا خالصةً ولا
الشينُ لأَنَّهما ليستا من مخرجِهما وقد قَالوا: اجدمعوا في اجتمعوا
واجدَرَؤوا يريدونَ: اجتَرؤوا4.
__________
1 في الأصل الحروف، والتصحيح من "ب".
2 أي: قريب منها فجعلت بمنزلة الشين.
3 في الأصل "أجدر" والتصحيح بمنزلة الشين.
4 انظر: الكتاب 2/ 428.
(3/430)
هذاَ بَابُ ما يقلبُ فيهِ السينُ صادًا في
بعضِ اللغَاتِ:
تقلبُها القافُ إذا كانتْ بعدهَا في كلمةٍ واحدةٍ نحو صُقْتُ1
وَصَبَقْتُ والصَّمْلَقُ2، ولم يبالوا ما بينَ السينِ والقافِ مِنَ
الحواجزِ وكذلكَ الغينُ والخاءُ يقولونَ "صَالغُ" في "سَالغٍ3"، وصَلَخ
في "سَلَخ" فإنْ قلتَ: زَقَا وَزَلَقَ لم تغيرها لأَنَّها حرفُ مجهورٌ
وإنَّما يقول: هذَا مِنَ العربِ بنو العنبرِ4، وقَالوا: صَاطعٌ في
"سَاطعٍ" ولا يجوزُ في ذُقْتُها أن تجعلَ الذالَ ظاءً5 وأَمَّا الثاءُ
والتاءُ فليسَ يكونُ في موضعهما [هذا6] .
__________
1 الذين يقولون: سقت، وسملق، هم بنو العنبر من تميم. وانظر: الكتاب 2/
428 أو بنو عمرو بن تميم في قول يونس، طبقات الزبيدي/ 26. وقد جوز هذا
القلب كثير من النحاة بشروط خاصة. وانظر: المزهر 1/ 469.
2 السملق: الأرض المستوي.
3 سالغ: السالغ: البقرة أو الشاة إذا خرج نابها.
4 انظر: الكتاب 42-82.
5 لأن الذال والظاء حرفان مجهوران.
6 أضفت كلمة: "هذا" لإيضاح المعنى، وانظر: الكتاب 2/ 428-429.
(3/431)
هَذا بَابُ ما كانَ شَاذًا: مِمّا
خَفَّفُوا على أَلسنِتِهم ولَيس بمطردٍ:
فَمِنْ ذلكَ "ستٌّ" وأَصلُها "سِدْسٌ" أُبدلَ مِنَ السينِ تَاءً ثُمَّ
أُدغمَ ومِنْ ذلكَ قولُهم: وَدٌّ إنما1 أَصلُهُ: وَتِدٌ وهيَ الحجازيةُ
الجيدةُ ولكنَّ بني تميمٍ أسكَنُوا التاءَ2، فأَدغموا ولم يكنْ مطردًا
لِمَا ذكرتُ مِنَ الالتباسِ حتَّى تَجشموا: وَطْدًا وَوَتْدًا وكانَ
الأَجودُ عندَهم: تِدَةٌ وطِدَةٌ وممّا بينُوا فيهِ "عِتْدَانٌ3" وقَد
قالوا: "عِدّانٌ" شبهوهُ "بَوَدٍّ" وقلما4 تقعُ التاءُ في كلامِهم
ساكنةً في كلمةٍ قبلَ الدالِ.
ومِنَ الشاذِّ: أَحَسْتُ وَمَسْتُ وَظَلْتُ فحذفُوا كمَا حذفوا التاءَ
مِنْ قولِهم: يستطيعُ استثقلوا التاءَ مع الطاءِ وكرهوا أَنْ يدغموا
التاءَ في الطاءِ فتُحركُ السينُ وهيَ لا تحركُ أَبدًا ومَنْ قالَ:
يسطيعُ فإنَّما زَادَ5 السينَ عَلَى "أَطاعَ يُطِيعُ". ومِنَ الشاذِّ:
قولُهم: تَقَيْتُ يَتَقى ويَتسَعُ حذفُوا الفاءَ،
__________
1 إنما: ساقط في "ب".
2 كقولهم في فخذ، فخذ.
3 عتدان: في سيبويه 2/ 429 وقال بعضهم عتدان فرارا من هذا وقد قالوا:
عدان.
4 في الأصل "قل ما".
5 في الأصل "أراد" والتصحيح من "ب".
(3/432)
لأَنَّ التاءَ تبقى1 متحركةً [ومَنْ قالَ
تَتقى يقدرُ أنَّهُ مخففٌ من اتّقَى ومَنْ قَالَ: تقى مثلُ تَرى يبدلُ
التاءَ مِنَ الواوِ] 2 وقَالَ بعضُ العربِ3: اسْتَخَذَ فلانُ أرضًا
يريدُ: اتَّخذَ أَبدلوا السينَ مكانَ التاءِ كما أُبدلتِ التاءُ
مكانَها في "سِتٍّ" ومثلُ [ذلك4] قولُ بعض العربِ: اطَّجَعَ في
اضْطَجَعَ5 كراهيةَ التقاءِ المُطبقينِ فأَبدلَ مكانَها أقربَ الحروفِ
مِنها وفي "اسْتَتْخَذَ" قولٌ آخرُ أَنْ يكونَ "استفعلَ" فحذفَ التاءَ
للتضعيفِ مِن "اسْتَتْخَذَ" كما حَذَفُوا "لاَم" ظَلْتُ. " [وقَالَ
بعضهم: "يَستيعُ" [في يستطيعُ6] فإنْ شِئْتَ قلتَ: حَذَفَ الطاءَ7]
كمَا حذفَ لامَ "ظَلْتُ" وتركوا الزيادةَ كما تركوا في "تُقَيتُ" وإنْ
شِئْتَ قلتَ: أبدلوا التاءَ مكانَ الطاءِ ليكونَ ما بعدَ السين مهموسًا
مِثْلَها كمَا قالوا: ازْدانَ ليكونَ ما بعدَهُ مجهورًا فأَبدلوا مِنْ
موضِعها أشبهَ الحروفِ بالسينِ فأبدلوها مكانَها كما تبدلُ هيَ مكانَها
في الإِطباق. ومِنَ الشاذِّ قولُهم في بني العنبر وبني الحارث: بلحرثُ
وبِلعنبرُ فحذفتِ النونُ وكذلكَ يفعلونَ بكُلِّ قبيلةٍ تظهرُ فيها لاَم
المعرفةِ فإذَا لم تظهرِ اللامُ فَلا يكونُ ذلكَ لأَنَّها لمّا كانتْ
مِمّا كَثُرَ في كلامِهم وكانتِ اللامُ والنونُ قريبتي المَخارجِ
حذفوها وشبهوها "بِمَسْتُ" لأنَّهما حرفانِ متقاربانِ ولم يَصِلُوا إلى
الإِدغامِ كَما لم يصلوا في "مَسِسْتُ" لسكونِ اللامِ وهذَا أَبعدُ
لأَنَّهُ اجتمعَ فيهِ أَنَّهُ منفصلٌ
__________
1 تبقي: ساقط من "ب".
2 زيادة من "ب".
3 انظر: الكتاب 2/ 429، والتصريف 2/ 329.
4 أضفت كلمة ذلك لإيضاح المعنى.
5 قال ابن جني في المنصف 2/ 328 فأما ما حكى عنهم من قولهم: الطجع في
اضطجع فشاذ، وانظر الكتاب 2/ 429.
6 اضفت عبارة في يستطيع لإيضاح المعنى. وانظر الكتاب 2/ 429.
7 ما بين القوسين ساقط في "ب".
(3/433)
[وأَنَّهُ1] ساكنٌ لا يتصرفُ [تَصرفَ2]
الفعلِ حينَ تدركهُ الحركةُ ومثلُ هَذا3 قولُ بعضِهم: عَلْمَاءِ بنو
فلانٍ فحذفوا اللامَ وَهُوَ يريدُ: عَلَى الماءِ بنو فلانٍ وهيَ
عربيةٌ4.
__________
1 اضفت "وأنه" لإيضاح المعنى.
2 أضفت "تصرف" لإيضاح المعنى.
3 في "ب" ذلك.
4 في الأصل عبارة "نجز الإدغام" فحذ فتها لأنها من عمل الناسخ.
(3/434)
بَابُ 1 ضرورةِ الشَّاعرِ:
ضرورةُ الشاعرِ أَن يُضطرَّ الوزنُ إلى حذفٍ أَو زيادةٍ أَو تقديمٍ
أَوْ تَأْخيرٍ في غير موضعهِ وأبدالِ حرفٍ أَو تغييرِ إعرابٍ عَنْ
وجههِ علَى التأويلِ أَو تأنيثِ مُذكرٍ علَى التأويلِ وليسَ للشاعِر
أَنْ يحذفَ ما اتفقَ لَهُ ولا أَنْ يزيدَ ما شَاءَ بَلْ لذلكَ أُصولٌ
يعملُ عليها فمنها ما يحسنُ أَنْ يستعملَ ويُقاس عَليهِ ومنها ما جاءَ
كالشاذِّ ولكنَّ الشاعرَ إذَا فَعَلَ ذلكَ فلا بُدَّ مِنْ أَن يكونَ
قَدْ ضارعَ شيئًا بِشيءٍ ولكنَّ التشبيهَ يخلتفُ فمنهُ قَريبٌ ومنهُ
بَعيدٌ.
__________
1 باب: ساقط في "ب".
(3/435)
ذِكرُ الذي يحسنُ مِنْ ذلكَ ويقاسُ عَليهِ:
اعلَمْ: أَنَّ أَحسنَ ذلكَ ما رُدَّ فيهِ الكلامُ إلى أَصلِه وهوَ في
جميعِ ذلك لا يخلُو مِنْ زيادةٍ أَو حذفٍ فالزيادةُ صَرفُ ما لا ينصرفُ
وإظهارُ التضعيفِ وتصحيحُ المعتلِّ ويتبعهُ في الحُسنِ تحريكُ الساكنِ
في القافيةِ بحركةِ ما قَبلهُ فإنْ كانَ في حشوِ البيتِ فهو عندي
أَبعدُ وقطعُ أَلفِ الوصلِ في أنصافِ البُيوتِ. وأَمَّا الحذفُ:
فَقَصْرُ الممدودِ وتخفيفِ المشدد
(3/435)
في القوافي فَأَمَّا ما لا يجوزُ للشاعرِ
في ضرورتِهِ فَلا يجوزُ لَهُ أَنْ يلحنَ لتسويةِ قافيةٍ ولاَ لإِقامةِ
وزنٍ بأَنْ يُحركَ مجزومًا أَوْ يسكنَ معربًا وليسَ لَهُ أَنْ يُخرجَ
شيئًا عَنْ لفظِه إلا أَنْ يكونَ1 يخرجهُ إلى أَصلٍ قَد كانَ لَهُ
فيردهُ إليهِ لأَنَّهُ كانَ حقيقُتُه وإنَّما أَخرجَهُ عن قياسٍ لزمَهُ
أَو اطرادٍ استمرَّ بهِ أَو استخفافٍ لِعلّةٍ واقعةٍ.
الأَولُ مِنَ الضربِ الأول:
وهوَ صرفُ ما لا ينصرفُ [للشاعرِ أَنْ يصرفَ في الشِّعرِ جميعَ ما لا
ينصرفُ2] وذلكَ أَنَّ أَصلَ الأسماءِ كلِّها الصرفُ وذلكَ قولُهم في
الشعرِ: مَررتُ بأَحمرٍ ورأيتُ أَحمرًا ومررتُ بمساجدٍ يا فَتى كما
قَالَ [النابغة: 3]
فَلْتَاْتِيَنْكَ قَصائدٌ وَلْيَرْكَبنْ ... جَيْشٌ إليكَ قوادمَ
الأَكوَارِ4
__________
1 يكون ساقط في "ب".
2 ما بين القوسين ساقط في "ب".
3 زيادة من "ب".
4 من شواهد سيبويه2/ 150، علي التوكيد بالنون في قوله: فلتأينك وليدفعن
والكور: الرجل، وقادمته: العوادن اللذان يجلس بينهما الراكب. يقول:
والله: لأغيرن عليك بقصائد الهجو ورجال الحرب. وجعل الجيش يدفع القوادم
لأنهم كانوا يركبون الإبل في الغزو حتى يحلوا بساحة العدو، فجعل الجيش
هو المز عج للإبل المرتحلة الدافع لها.
ويروى الشاهد بنصب "الجيش" ورفع "القوادم"، لأنها المتقدمة، والخيل
مقودة خلفها فكأنها الدافعة الجيش إليهم، والسابقة له نحوهمن وهذا على
رواية: وليدفعن، أما رواية ابن السراج، وليركبن، فليس فيها إلا رفع
الجيش.
وانظر: المقتضب 1/ 143. والمنصف 2/ 79. وا لخصائص 2/ 347. والمقرب لابن
عصفور/ 170. والديوان/ 32.
(3/436)
فقالَ قومٌ: كُلُّ شَيءٍ مما لا ينصرفُ
مصروفٌ في الشعرِ إلا أَفعلَ "الذي معهُ مِنْ كذَا نحو: هَذا أَفعلُ
مِنكَ1 ورأيتُ أَكرمَ مِنْكَ وذهبوا إلى أَنَّ "مِنْكَ" يقومُ مقامَ
المضافِ إليهِ وهذَا مِنْهم خَطأٌ وإنَّما مُنعَ الصرفُ لأَنَّهُ
"أَفعلُ" وتَمَّ "بِمنْكَ" نعتًا فَصارَ كأَحمَر أَلاَ ترىَ أَنَّكَ
تقولُ: مررتُ بخير منكَ وشرٍّ مِنْكَ فمنكَ على حالِها وصرفتَ خيرًا
وشراً" لأَنَّه قد نَقصَ عَنْ وزنِ "أَفعلَ" وقال قومٌ: يجوزُ في
الشعرِ تركُ صرفِ ما ينصرفُ.
قالَ محمد بن يزيد: وهذَا خَطأٌ عظيمٌ لأَنَّهُ ليسَ بأَصلٍ للأسماءِ
أن لا تنصرفَ فتردٌّ ذلكَ إلى أَصلهِ قالَ: ومِمّا يحتجونَ بهِ قولُ
العباسِ بن مرداس:
أَتجْعَلُ نهبي ونَهبَ العُبي ... دِ بَيْنَ عُيَينَةَ والأَقرعِ ...
وما كانَ حِصْنٌ ولاَ حَابسٌ ... يًفُوقانِ مِرْدَاسَ في مَجْمَعِ 2
__________
1 ذكر ابن عصفور في المقرب/ 170. أن الكوفيين استثنوا من ذلك "أفضل من"
وزعموا أن "من" منعت صرفه وهي تفاقها. وزعم البصريون أن المانع من صرفه
إنما هو وزن الفعل والصفة لا "من" بدليل قول العرب: خير منك، وشر منك،
ومنونتين، لما زال وزن الفعل، ولو كانت "من" المانعة للصرف وجب امتناع
"خير وشر" الصرف فتبين إذن أن المانع لا يعمل "من" الصرف إنما هو الوزن
والصفة كما أن أحمر كذلك، فكما أن "أحمر" يصرف في الضرورة، فكذلك
"افعل" وزعم أبو الحسن أن من العرب من يصرف ما لا ينصرف في الكلام،
وزعم أن ذلك لغة للشعراء.
2 الشاهد فيهما: ترك صرف "مرداس" وهو اسم منصرف، وهذا قبيح لا يجوز،
ولا يقاس عليه لأن لحن، لذا فإن ابن السراج قال: والرواية الصحيحة.
يفوقان شيخي في مجمع.
وللبيتين قصة بعد موقعتة حنين مذكورة في المراجع الإسلامية والتاريخية.
ورواية الديوان:
فأصبح نهبي ونهب العبيدين ...
ويروي كذلك: أيذهب نهبي ...
والنهب: الغنيمة والعبيد بالتصغير: اسم فرس العباس، وكان يدعي فارس
العبيد. يفوقان: الشيء الفائق: هو الجيد الخالص في نوعه، ورواية:
يفوقان شيخي، يريد الشاعر أباه وجده.
وانظر: الأغاني 4/ 308 والشعر والشعراء/ 101. والكامل لابن الأثير 2/
184. والموشح للمرزباني/ 144 وشروح سقط الزند 2/ 873. والسيوطي 925
والسمط/ 32. والخزانة 1/ 71. والضرائر/ 134. واللسان "نهب، وعبد"
والديوان.
(3/437)
وإنَّما الروايةُ الصحيحةُ "يفوقانِ شيخيَ
في مَجْمَعِ" ومِنْ ذلكَ روايتهُم في هذَا البيت لذي الأصبعِ العدواني:
ومَمِنْ وَلَدوا عَامرُ ... ذو الطُّولِ وذو العَرْضِ1
وإنَّمَا عامرُ اسمُ قبيلةٍ فيحتجونَ بقولِهِ "وذو الطولِ" ولم يقلْ2
"ذَاتِ" فإنَّما ردَّهُ للضرورةِ إلى "الحَيِّ" كَما قَالَ:
قَامتْ تُبَكيّهِ عَلَى قَبْرِهِ ... مَنْ لِي مِنْ بَعدِكَ يَا عَامرُ
تَرَكْتَنِي في الدَّارِ ذَا غُربَةٍ ... قَدْ ذَلَّ مَنْ لَيْسَ لَهُ
ناصرُ
__________
1 الشاهد فيه عدم صرف "عامر" لأنه اسم للقبيلة، وقال الشاعر: "ذو" ولم
يقل "ذات" لانه حمله على اللفظ.
ولدت المراة، تلد ولادة وولادا، والعائد محذوف، أي: ولدوه، وذو الطول
وذو العرض صفته -أي: عامر- وهو كناية عن عظم الجسد وقوته.
وانظر: لمع الأدلة/ 50. وابن يعيش 1/ 68. واللسان "عمر"/ 379. وشرح
السيرافي 1/ 204. والإنصاف/ 165. والعيني 4/ 364 وشعراء النصرانية/
626.
2 يقل: ساقط في "ب".
3 الشاهد فيه "ذا غربة" والقياس أن يقول: ذات غربة، لكنه رد الكلام إلى
معنى الإنسان، لأنها إنسان، فكأنها قالت: تركتني نسانا ذا غربة، وإنما
انشد البيت الأول ليعلم أن قائله امرأة.
وعمرو معدول عنه في حالة التسمية، لانه لو عدل عنه في الصفة لقيل:
العمر يريد العامر، وعامر أبو قبيلة، وهو عامر بن صعصعة بن معاوية بن
بكر بن هوازن.
وانظر: شرح السيرافي 1/ 133 وأمالي 2/ 160. وأمالي السيد المرتضي 1/
51. ولمع الأدلة/ 50. وابن يعيش 5/ 101. والإنصاف/ 266.
(3/438)
فإنَّما1 أرادَ للضرورة إنسانًا ذا غربةٍ
فهذَا نظيرُ ذلكَ وهذَا الذي ذكرَ أبو العباس كمَا قالَ: إنَّهُ
القياسُ أَنْ يُردَّ للضرورةِ الشيءُ إلى أَصلِه ولكنْ لو صحتِ الرواية
في تَركِ صرفِ ما ينصرفُ في الشعر لما كانَ حذفُ2 التنوينِ بأَبعدَ من
حذفِ الواوِ في قوله: فَبنَياهُ يَشْرِي رَحلَهُ3.. لأَنَّ التنوينَ
زَائدٌ ولأَنَّه قد يحذفُ في الوقفِ والواوُ في "هُوَ" غيرُ زائدةٍ فلا
يجوزُ حذفُها في الوقفِ كلاهُما رَديءٌ حذفُهما في القياسِ.
قالَ أَبو العباس: فأَمَّا قَولُ ابن الرقياتِ:
"ومَصْعَبُ حينَ جَدَّ ... الأمرُ أَكثرُها وأَطَيبُها4
فزعَم الأصمعي: أَنَّ ابنَ الرقياتِ ليس بحجةٍ وأنَّ الحضريةَ أَفسدتْ
عَلَيْه لغتَهُ قالَ: ومَنْ روى هذَا الشعرَ مِمَّنْ يفهمُ الإِعرابَ
ويتبعُ الصوابَ ينشدُ:
__________
1 في "ب" أرادت.
2 في "ب" ترك.
3 يشير إلى قول الشاعر:
فبيناه يشري رحله قال قائل ... لمن جمل رخو الملاط نجيب.
على أن الشاعر استعمل "بنياه" بمعنى: بينا هو شار رحله، ويشري هنا
بمعنى ببيع، واختلف في نسبة هذا البيت، فالمشهور أنه للمخلب- بضم الميم
وفتح الخاء وشديد اللام. وقيل للعجير السلولي، وروي كذلك:
لمن جمل رخو الملاط ذلول
والملاط: مقدم السنام. وقيل: جانبه، وهما ملاطان، وقيل: هما العضدان
وقيل الإبطان، وقوله: رخو" إشارة إلى عظمة واتساعه.
وانظر: الخصائص 1/ 69. والضرائر/ 77. والإيضاح لأبي على/ 75. والموشح
146. والإنصاف/ 267. وإيضاح الشواهد الإيضاح/ 79.
4 قيل إن الرواية الصحيحة في هذا هي: وأنتم حين جد الأم..
وانظر: شرح السيرافي 1/ 204، والإنصاف/ 264، وابن يعيش 1/ 68 والخزانة
1/ 72.
(3/439)
"وأَنتمُ حينَ جَدَّ الأمرُ أكثرُها
وأطيبُها1
قالَ: ومِنَ الشعراءِ الموثوقِ بهم في لغاتِهم كثيرٌ2 مِمَّنْ قد
أَخطأَ لأَنَّهُ وإنْ كانَ فصيحًا فَقَدْ يجوزْ عليهِ الوهلُ والزللُ
مِنْ ذلكَ قولُ ذي الرّمةِ:
وقَفْنَا فقلنا إيهِ عَنْ أُم سَالمٍ ... ومَا بالُ تكليمِ الدّيارِ
البلاقعِ3
وهذَا لا يعرفُ إلا منونًا في شيءٍ من اللُغاتِ وقَولُه:
حَتَى إذَا دَوَمتْ في الأرضِ رَاجَعهُ ... كِبْرٌ وَلَو شَاءَ نَجّى
نَفْسَهُ الهَرَبُ4
إنَّما يقالُ: دَوّى في الأرضِ ودَوّمَ في السَّماءِ كمَا قالَ:
والشَّمْسُ حَيْرَى لَها في الجَوِّ تدويمُ5
__________
1 انظر: الإنصاف/ 264، والخزانة/ 72.
2 كثير: ساقطة في "ب".
3 مر تفسير هذا الشاهد في هذا الجزء.
4 الشاهد فيه استعماله "دوم" في الأرض، والتدوم لا يكون إلا في السماء
دون الارض، وقيل: أن دومت هنا، ومعناها: أبعدت واصله من دام يدوم.
وصف ثور الوحش مع كلاب الصيد، وقد هرب الثور أو هم بالهرب من الكلاب
ولكنه أنف من الهرب فرجع إلى الكلاب.
والبيت لذي الرمة بن غيلان.
وانظر: الخصائص 3/ 281. والاقتضاب لبطليوسي/ 159. واللسان 15/ 105
"دوم" والجمهرة لابن دريد 2/ 302. والأضداد لابن الانباري/ 83. ومعجم
مقاييس اللغة 2/ 315. الديوان/ 24.
5 هذا شطر بين لذي الرمة في وصف جنديا وتكملته:
معرويرا رمض الرضاض يركضة ... والشمس حيرى لها في الجو تدويم.
أي: كأنها لا تمضي، فهو قد ركب حر الرضاض، والرمض: شدة الحر، ويركضه،
يضربه برجله، وكذا يفعل الجندب.
والشمس حيري: تقف الشمس بالهاجرة عن المسير مقدار ستين فرسخا تدور على
مكانها، ويقال: تحير الماء في الروضة، إذا لم يكن له جهة يمضي فيها.
والتدويم: الدوران.
وانظر: مقاييسس اللغة 2/ 315، والاقتضاب للبطليوسي/ 159 واللسان "دوم"
والديوان/ 78.
(3/440)
فأمَّا ما يضطرُ إليه الشاعرُ ممنْ ينونُ
الاسم المفردَ في النداءِ فَقد ذكرناهُ في النداءِ.
الثاني مِنَ الضربِ الأَولِ:
وَهوَ إظهارُ التضعيفِ وَهوَ زيادةُ حركةٍ إلا أَنَّها حركةٌ مقدرةٌ في
الأصلِ يجوزُ في الشعرِ ولا يجوزُ في غيرِه تضعيفُ المدغمِ فيقولُ في
"رَدَّ": رَدَدَ لأَنَّهُ الأَصلُ ويقولُ في "رَادٍّ"1: هذَا رَادِدٌ
وفي "أَصمّ" أَصمم فاعلم.
قالَ مَعْنَبُ بن أُم صَاحبٍ:
مَهْلًا أَعَاذِلَ قَدْ جَرَّبْتِ مِن خُلُقي ... أَني أَجُودُ
لأَقْوَامٍ وإنْ ضَنِنُوا
يريدُ: ضنّوا2 وقال: آخرُ:
__________
1 هذا: ساقط في "ب".
2 من شواهد سيبويه 1/ 11 و2/ 161، على إظهار التضعيف في "ضننوا" وصف
الشاعر نفسه بالجود حتى ولو كان من يجود عليه بخيلا حريصا.
وانظر: المقتضب 3/ 354، والحجة لأبي على 1/ 207 ونوادر أبي زيد/ 44.
والمخصص لابن سيدة 15/ 58 ومختار ابن الشجري/ 8 طبعه مصر. والمقرب لابن
عصفور/ 172. وابن يعيش 3/ 12. والخصائص 1/ 257. والموشح/ 94 وشرح
السيرافي 1/ 208.
(3/441)
"الحَمْدُ للهِ العَليِّ الأَجْلَلِ1
يريدُ: الأَجَلِّ.
وقالَ أبو العباس في قولِهم:
"قَدْ عَلمتْ ذاكَ بناتُ أَلْبُبِهْ2
يريدُ: بناتِ أَعقلِ هذَا الحي.
وقال: ولا أُجيزُ هَذَا إلا في الشعر كقولِكَ: "ضَنِنُوا". فأَمَّا في
الكلامِ فلاَ يجوزُ إلا بَناتُ أَلبَّهْ3.
الثالثُ مِنَ الضربِ الأول:
وهوَ تصحيحُ المعتلِّ يجوزُ في الشعرِ وَلا يصلحُ في الكلامِ تحريكُ
الياءاتِ المعتلةِ في الرفعِ والجرِّ للضرورة نحو قولِكَ في الشِّعر:
هَذا قاضيٌ ومررتُ بقَاضيٍ لأَنَّهُ الأصلُ مِنْ ذلكَ قولُ ابن
الرقياتِ:
لاَ بَاركَ اللَّهُ في الغَوَانيِ هَلْ ... يُصْبِحْنَ إلا لَهُنَّ
مُطَّلَبُ4
__________
1 هذا مطلع أرجوزة "لامية لأبي النجم العجلي". والشاهد في فك إدام
المثلين للضرورة. والقياس: الأجل.
وانظر: المقتضب 1/ 142. والمنصف 1/ 339 والخصائص 3/ 87. والنوادر: 44.
والموشح للمزرباني: 148. والمقرب لابن عصفور/ 172. وشرح السيرافي 1/
208.
2 مر تفسير هذا الشاهد ص/ 628 من هذا الجزء.
3 انظر: المقتضب 1/ 171 و2/ 99 والكتاب 2/ 403.
4 من شواهد سيبويه 2/ 59 على تحريك الياء من الغواني، وإجرائها على
الاصل ضرورة وجائز في الشعر أن يرد الشيء إلى أصله.
والغواني: جمع غانية، وهي الجارية الحسناء ذات زوج كانت أو غير ذات
زوج. سميت غانية لأنها غنيت بحسنها عن الزينة.
ورواية الديوان: الغواني" بسكون إلى الياء ولا شاهد فيه حينئذ.
وانظر الديوان: "الغواني" بسكون الياء ولا شاهد فيه حينئذ.
وانظر: المنصف 2/ 67 والخصائص 1/ 262 والمحتسب 1/ 111 والمقرب لابن
عصفور/ 173 وابن يعيش 10/ 101 واللسان "غنا" وشرح السيرافي 1/ 209 وا
لموشح للمزرباني/ 95 وأمالي ابن الشجري 2/ 226 والديوان/ 68.
(3/442)
وقال جرير:
فَيِومًا يُجَازينَ الهَوى غَيْرَ مَاضِيٍ ... ويَومًا ترَى مِنْهنَّ
غُوْلًا تَغَوَّلُ1
فهذِه الياءُ حكمُها على هَذا الشَرطِ أَن تفتحَ في موضعِ الجَرِّ
إِذَا وقعتْ في اسم لا يَنصرفُ كما ترفعُ في موضِع الرفعِ فإِنْ اضطرَّ
شَاعِرٌ إلى صَرفِ ما لا ينصرفُ حرّكها في موضعِ الجَر بالكسرِ
ونَوَّنَها كما يَفعلُ في غيرِ المعتلِّ فأَجراها في جميعِ الأشياءِ
مَجرى غير المعتلِّ وكذلكَ حكمُها في الأَفعالِ أَنْ ترفعَ في الياءِ
والواوِ فتقولُ: زيدٌ يرميُكَ ويغزُوكَ كَما قالَ:
أَلَمْ يَأْتِيْكَ والأَنباءُ تَنمِي ... بَمَا لاقَتْ لَبُونُ بني
زِيَادِ2
__________
1 من شواهد الكتاب 2/ 59 على تحريك الياء من "ماضي" ويروي: غي ما صبا
أي: يوافيني الهوى منهن ولا أصبوا ولا آتي ما لا يحل.
وكذلك: يروي يوافيني الهوي.. بدلا من "يجازين".
والغول: يقال: غالته غول، ذا نابته نائبة تذهب به وتهلكه.
وانظر: الخصائص 3/ 159، والمقتضب 1/ 144 والمنصف 2/ 80، وأمالي ابن
الشجري 1/ 86 والمقرب لابن عصفور/ 173 والحجة لأبي على 1/ 244.
والنوادر لأبي زيد/ 203 وابن يعيش 10/ 101 وشرح السيرافي 1/ 209
واللسان "مضى" وارتشاف الضرب/ 383 والديوان/ 457.
2 من شواهد سيبويه 2/ 59 على إسكان الياء في يأتيك في حال الجزم حملا
لها على الصحيح، وهي لغة بعض العرب، يجرون المعتل مجري السالم في جميع
أحواله فاستعملها ضرورة.
وتنمي: تبلغ، واللبون، جماعة الإبل ذلت اللبن، والشاهد من أبيات لقيس
بن زهير العبسي في إبل للربيع بن زياد استقاها وباعها بمكة، وذلك أن
الربيع كان قد أخذ منه درعا ولم يردها عليه.
وانظر: المحتسب 1/ 67 والمنصف 2/ 81، وسر صناعة الإعراب 1/ 88.
والأغاني 16/ 28 وشرح السيرافي 1/ 209. وأمالي ابن الشجري 1/ 84.
والحجة لأبي على 1/ 244. والخصائص 1/ 333. والجمل للزجاجي/ 257، ومعاني
القرآن 2/ 188.
(3/443)
هَذا جَزَمهُ مِنْ قولِه: "هُوَ يَأَتيُكَ"
وأَمَّا الأَسماءُ فقولُه:
قَدْ عَجِبَتْ مِني ومِنْ يُعَيْلِيَا ... لمَّا رأَتنْي خَلَقًَا
مُقْلَوْلِياَ1
ففتحَ "يُعيلى" لأَنَّهُ لا ينصرفُ ولم يلحقهُ التنوينَ لأَنَّهُ
جعلَهُ بمنزلةِ غيرِ المعتلِّ ومثلُ ذلكَ قولُه:
"أَبِيتُ عَلَى مَعَارِيَ فَاخِرَاتٍ ... بِهنَّ ملُوَّبٌ كَدَمِ
العِبَاطِ2
فَهذَا لو أسكنَ فَقالَ: مَعَارٍ فَاخراتٍ لَمْ ينكسرِ الشعرُ ولكنْ
فَرَّ مِنَ الزحافِ ومثلُ ذلكَ:
__________
1 من شواهد سيبويه 2/ 59 على إجراء "يعيل" على الأصل ضرورة، وهو تصغير
"يعلي" اسم رجل، ويمنع "يعلي" من الصرف كبرا ومصغرا للعلمية ووزن
الفعل، كان القياس أن يقول "يعيل" بالتنوين كما في جوار وغواش.
والمقلولي: الذي يتململ على الفراش حزنا.
وهذا الرجز غير منسوب في الكتاب ولم ينسبه احد لقائل معين، ونسبة
الأستاذ النجار إلى الفرزدق في حاشية الخصائص، ولم يوجد في ديوان
الفرزدق المطبوع.
وانظر: المقتضب 1/ 142. والخصائص 1/ 6 والتصريف 2/ 78 وشرح السيرافي 4/
136.
2 من شواهد الكتاب 2/ 58 على إجراء "معاري" في حال الجر مجري السالم،
وكان الوجه "معار" كجوار، ونحوها من الجمع المنقوص، فاضطر إلى الإتمام
والإجراء على الأصل كراهة للزحاف.
والمعاري: جمع معري، وهو هَهُنَا الفراش، كأنه من عروته أعروة، إذا
اتيته وترددت عليه، والملوب: الذي أجري عليه الملاب وهو ضرب من الطيب
شبهه في حمرته بدم العباط، وهي التي نحرت لغير علة واحدها عبيط.
والبيت للمنخل، مالك بن عويمر من شعراء هذيل.
وانظر: التصريف2/ 67 والخصائص 1/ 334 وشرح السيرافي 4/ 135، 1/ 211
وديوان الهزليين/ 2/ 20، والحماسة 2/ 993 واللسان "عبط" وجمهرة أشعار
العرب/ 119.
(3/444)
فَلَو كانَ عبدُ اللهِ مَوْلىً هَجَوتُهُ
... ولكنَّ عبدَ اللهِ مَوْلَى مَوَاليا1
وأمَّا قولُ القائلِ2:
"سَمَاءُ الإِلهِ فَوقَ سَبعٍ سَمَائِيَاَ3......
ففيهِ ثلاثةُ أشياءٍ. مِنْها أَنَّهُ جمَع "سَماءً" علَى "فَعَائل"
كَما تجمعُ سحابةٌ علَى سَحائب وكانَ حَقُّ ذلكَ أَنْ يقولَ: سَمَايا
فَبَلَغَ بِهِ الأَصل فقالَ: سَمَاءٌ ثم فَتَحَ فَجَعَلَهُ بمنزلةِ
الصحيحِ
فقالَ سَمَايَ يا فَتى في موضعِ الجرِّ كما تقولُ سمعتُ برسَائلَ يا
فَتى فردَّ "سَمَايَا" إلى الأصلِ مِنْ جهات رَدِّ الألفِ التي هيِ
طرفٌ "سَمَايَا" إلى الياءِ فصارتْ "سَمَايَ" [ثُمَّ رَدَّ الياءَ
الأولى التي تلي الألفَ إلى الهمزةِ فصارتْ "سَمَايَ"] 4 ثُمَّ أَعربَ
الياءَ إعرابَ الصحيحِ فلَمْ يصرفْ والياءُ في مثلِ هَذا الجمع يلحقُها
التنوينُ فيقولُ: هؤلاءِ جَوارٍ فاعلَمْ ومررتُ بجوارٍ فاعلَم. ورأيتُ
جَواريَ يا هَذا5.
الرابعُ: مِنَ الضربِ الأَولِ:
مِنَ الزيادةِ وهوَ قطعُ أَلفِ الوصلِ في أنصافِ البيوتِ يجوزُ ابتداءُ
__________
1 من شواهد سيبويه 5/ 28 "على إجرائه" موالي على الأصل ضرورة، والقياس
"موال" لأنه منقوص.
والبيت للفرزدق قال لعبد الله بن أبي إسحاق النحوي وكان يلحنه فهجاه.
وانظر المقتضب 1/ 143 وشرح السيرافي 1/ 221 والضرائر/ 218، والشعر
والشعراء 1/ 89 وطبقات الشعراء/ 8 والموشح للمرزباني/ 150، واللسان 2/
290 "عراء".
2 في "ب" الآخر.
3 هذا لأمية بن أبي الصلت. وق مر تفسيره صفحة: 341 من هذا الجزء.
4 ما بين القوسين ساقط في "ب".
5 في الأصل الجملة مكررة والتصحيح من "ب".
(3/445)
الأَنصافِ بأَلفِ الوصلِ لأّنَّ التقديرَ
الوقفُ علَى الأنصافِ التي هيَ الصدور ثُمَّ تستأنفُ ما بعدَها فَمِنْ
ذلكَ قولُ لَبيدٍ:
ولاَ يبادرُ في الشِّتَاءِ ولِيدُنا ... أَلقْدَرَ يُنزلُها بِغَيْرِ
جِعَالِ 1
وقالَ:
أَو مُذْهَبٌ جُدَدٌ علَى أَلْوَاحِهِ ... أَلنَّاطِقُ المَزْبُورُ
والمَخْتُومُ2
وقالَ:
لا نَسَبَ اليومَ وَلاَ خُلَّةً ... إتَّسَعَ الخَرْقُ علَى الراقِعِ3
ويقبحُ أَنْ يُقَطعَ أَلفُ الوصلِ في حشوِ البيتِ ورُبّما جَاء في
الشعرِ وهوَ رَديءٌ.
__________
1 من شواهد سيبويه 2/ 274 على قطع الوصل من قوله "القدر" ضرورة، وسوغ
ذلك أن الشطر الأول من البيت يوقف عليه، ثم يبتا ما بعه فقطع على هذه
النية، وهذا من أقرب الضرورات.
والجعال: خرقة تنزل بها القدر، وأجعل القدر: أنزلها بالجعال.
وانظر: الكامل للمبرد/ 475 وروي البيت: وليدها بدلا من وليدنا وشرح
السيرافي 5/ 383، 1/ 212 والتمام في تفسير أشعار هذيل/ 44، وشرح المفصل
9/ 138 واللسان "جعل" والدرر اللوامع 2/ 237 والرواية: ولا يبادر
بالعشاء وليدنا.
2 من شواهد سيبويه 2/ 274، على قطع ألف الوصل في "الناطق" وجدد: جمع
جدة وهي الطريقة، والخط كأنه يريد أسطار الكتابة. ويريد بالناطق الخط
الواضح. ووصفه بالمزبور، أي: المظهر المنشور. والمختوم: غير الواضح
والغامض شبه المعروف من الديار- وهو ما بقي من آثارها ودل عليها-
بالوشم وباللوح الذي فيه كتابة بعضها واضح، وبعضها خفي.
والشاهد للبيد بين ابي ربيعة.
وانظر: شرح السيرافي 5/ 387 والخصائص 1/ 193 ومعاني الفراء 2/ 87
والتمام في تفسير أشعار هذيل/ 56 ومقاييس هذيل/ 56 ومقاييس اللغة 1/
218 واللسان "برز" والديوان/ 91.
3 من شواهد الكتاب 1/ 349 على إثبات الهمزة في "اتسع" في حال الوصل
ضرورة وهو أسهل، لأنه في اول النصف الثاني، فالعرب تسكت على انصاف
البيوت وتبتدأ با لنصف الثاني فكأن الهمزة وقعت أولا.
والشاهد لأنس بن العباس السلمي.
وانظر: المنصف 1/ 470 وأمالي القالي 3/ 73 وشرح السيرافي 1/ 213،
وروايته: اتسع الخرق على الراتق. والمقرب لابن عصفور/ 176 والمؤتلف وا
لمختلف/ 127 ومجمع الأمثال 1/ 160. وابن يعيش 9/ 138 والكامل 475.
(3/446)
الضربُ الثاني: مِمّا يستحسنُ للشاعرِ
إِذَا اضطر أَنْ يحذفَهُ:
الحذفُ نوعان1:
الأولُ: قَصْرُ الممدودِ2 لأَنَّ المدَّ زيادةٌ فإذا اضطر الشاعرُ
فقصرَ فَقَدْ رُدَّ الكلامَ إلى أصله وليسَ له أَن يمدَّ المقصورَ كما
لم يكنْ لَهُ أَن لا يصرفَ ما ينصرفُ لأَنَّهُ لو فعلَ ذلكَ لأَخرجَ
الأَصلَ إلى الفرعِ والأُصولُ ينبغي أَن تكونَ أَغلبَ مِنَ الفروعِ
وهوَ في الشعرِ كثيرٌ ولكنْ لا يجوزُ أَن يمُدَّ المقصور.
__________
1 زيادة من "ب".
2 لم يمثل ابن السراج لقصر الممدود واكتفي بالقول: فإذا اضطر شاعر
فقصر، فقد رد الكلام إلى أصله، قال ابن عصفور في المقرب/ 170 "وقصر
الممدود جائز باتفاق، لأن فيه رد الاسم إلى أصله، بحذف الحرف الزائد
الذي قبل آخره نحو قوله:
لابد من صنعا وإن طال السفر.
فقصر صنعاء للضرورة، إلا أن الفراء اشترط في جواز قصر الممدود أن يكون
المقصور مما يجوز أن يجيء في بابه مقصورا نحو: صنعاء ... والبصريون لا
يتشرطون ذلك في قصر المدة". قال ابن عصفور: وعلي مذهب أهل البصرة ورد
السماع.
(3/447)
الثاني: تخفيفُ المشددِ في القوافي:
يجوزُ تخفيفُ كُل مشددٍ في قافيةٍ لأَنَّ الذي بقيَ يدلُّ علَى أَنَّهُ
قد حُذِفَ منهُ1 مثلُه لأَنَّ المشدد حرفانِ وإِنّما اقتطعتْهُ
القافيةُ لأَنَّ الوزنَ قد تَمَّ فَمنْ ذلكَ قولُه:
"أَصَحَوْتُ اليومَ أَمْ شاقَتْكَ هِرْ2
ومثله:
حتَّى إذَا ما لم أَجدْ غَيرَ الشَّرِي ... كُنْتُ امرًا مِنْ مَالِك
بِن جَعْفَرِ3
لا بُدَّ مِنْ تخفيفِ ياءِ الشرى ومثلُ هَذا:
قَتَلْتُ عِلباءً وهندَ الجَمَلي ... وابنًا لصُوحانَ علَى دِيْنِ
عَلَي4
__________
1 في الأصل "عنده" والتصحيح من "ب".
2 صدر بيت لطرفة بن العبد. وعجزه:
ومن الحب جنون مستعر
وصحوت: تركبت الصبا والباطل. شاقتك: هاجت شقوك، وهو اسم امرأة،
والمستعر: المتلهب.
وانظر: شرح السيرافي 1/ 215 والتمام في تفسير أشعار هذيل 218 والكامل
للمبرد 701 والخصائص 2/ 228 والأشباه والنظائر 1/ 159 والديوان/ 45،
68.
3 الشاهد فيه "الشري" فقد خفف ياء "الشري" وحذف الراء الثانية منه، ولم
ينسب هذا لقائل معين.
وانظر: المحتسب 2/ 77 والموشح/ 96 وتوجيه إعراب أبيات ملغزة الإعراب
لفارقي/ 155.
4 الشاهد فيه تخفيف ياء "الجملي" وبنو جمل بطن. منهم هند الجملي الذي
قتل مع الإمام علي يوم الجمل. وإياه عنى الشاعر عمرو بن يثربي الضبي،
فأسره عمار بن ياسر فجاءوا به إلى علي فأمر بقتله ولم يُقتل أسيرٌ غيره
فقيل له في ذلك فقال: إنه زعم أنه قتله على دين عليٍّ ودينُ عليٍّ دينُ
محمدٍ صلى الله عليه وسلم، وبنو صوحان: من بني عبد القيس.
وانظر: الاشتقاق 2/ 413 واللسان 13/ 131 "جمل".
(3/448)
وقَدْ ذكَرنا في القوافي ما يجوزُ تحريكُ
الساكنِ [فيه] 1 للقافيةِ فَما يجوزُ في الشعرِ ولا يكونُ2 في غيرهِ
[فمنه] 3 أَنْ يكونَ الاسم على ثلاثةِ أَحرفٍ مسكنِ الأَوسطِ فتحركهُ
بالحركةِ التي للحرفِ الأَولِ وذلكَ أَنْ يكونَ علَى "فِعْلٍ"
أَو"فَعْلٍ" أو"فُعْلٍ" فتحركُ للضرورة
قالَ زهير:
ثُمَّ اسْتَمرُّوا وقالوا: إنَّ مشرَبكم ... مَاءٌ بشَرقيّ سَلْمَى
فَيْدُ أو رَكَكُ 4
وإنّما اسمُ الموضعِ "رَكَّ" ومثلُ ذلك قول رؤبة:
هاجَكَ مِنْ أرْوَى كمنهاضِ الفَكَكْ5
وإنّما هو"الفَكُّ" يقالُ: فَكَّهُ يفكهُ فكًّا وقالَ آخَرُ:
"يَلْعَجُ الجِلَدَا6..
يريد الجِلْدَ فحركَ اللامَ لإِتباعِ ما قبلَها وقَد فَعَل رؤبةُ ما هو
أَشدٌّ مِنْ هَذا قالَ:
__________
1 زيادة من "ب".
2 في "ب" ولا يجوز.
3 زيادة من "ب".
4 مر تفسر هذا/ 407 من هذا الجزء.
5 مر تفسر هذا/ 406 من هذا الجزء.
6 الشا هد فيه تحريك اللام لاتباع ما قبله، وا لبيت بتمامه:
ذا تأوب نوح قامتا معه ... ضربا أليما بسبت يلعج الجلدا
وهو لعبد مناف بن ربع الهذلي.
وروى: إذا تجرد.. وكذلك يروي: إذا تجاوب.
نوح: أي: نساء ينحن قياما، والنوح: النساء القيام، وقوله: يلعج: يخرق
الجلد ويقال: وجدت لاعج الحزن، أي: حرقته، ووجدت في جلدي لعجا، أي:
حرقة، والسبت: الجلد المدبوغ يتخذ منه النعال.
وانظر: المنصف 2/ 308 والنوادر/ 30 والجمهرة 2/ 103 وشرح السيرافي 508
والتهذيب 1/ 276 والخزانة 3/ 174 والكامل/ 742 والاقتضاب للبطليوسي/
273 والخصائص 4/ 333.
(3/449)
وَلَمْ يضِعْهَا بينَ فِرْكٍ وعَشَقْ1
يريدُ: عِشْقٌ فكانَ حكمُ هَذا في الضرورةِ أَنْ يقولَ: عِشْقٌ
ولكنَّهُ كَره الجمعَ بينَ كسرتينِ لأَنَّ هذَا عَزيزٌ في الأَسماءِ.
فلو قالَ: "الجلَدُ" كما قالَ رؤبة لكانَ حسنًا كما يفعلونَ بالجمعِ
بالتاءِ في غيرِ الضرورةِ فيقولون في المضموم والمكسورِ: ظُلْمةٌ
وظُلُماتٌ كِسْرَةٌ وكِسِراتٌ وإنْ شَاءوا فَتحوا لتوالي الكَسراتِ
والضَّماتِ.
__________
1 مر تفسير هذا الشاهد/ 407 من هذا الجزء.
(3/450)
ذِكرُ ما جاءَ كالشاذِّ الذي لا يقاسُ
عليهِ:
وهوَ سبعةُ أنواعٍ: زيادةٍ وحذفٍ ووضعِ الكلامِ غيرِ موضعهِ وإبدالِ
حرفٍ مكان حرفٍ وتغييرِ وجهِ الإعراب للقافية تشبيهًا بمَا يجوزُ
وتأنيثِ المذكرِ على التأويلِ وهوَ زيادةٌ إلا أنّا أفردناها
لِمَعناها1.
الأولُ: الزيادةُ: فَمِنْ ذلكَ أَنْ ينقصَ الوزنُ فيحتاجُ الشاعرُ إِلى
تَمامهِ فيشبعُ الحركةَ حتى يصيرَ حرفًا وذلكَ نحو قولِه:
نَفْيَ الدَراهيمِ تَنْقَادُ الصَّيَاريْفُ2
__________
1 في "ب" إضافا بدلا من "لمعناها".
2 من شواهد سيبويه 1/ 10، على زيادة الياء في "الصيارف" ضرورة تشبيها
لها بما جمع في الكلام على غير واحد، نحو: ذكر ومذاكير، وسمح ومساميح،
وجعل المبرد في الكامل "الياء" في الصياريف، حرف إشبع من الكسرة.
ومعنى تنفي: كل ما رددته فقد نيته. والهاجرة: وقت اشتداد الحر. تنقاد:
من نقد الدراهم، وهو التميز بين جيدها ورديئها.
وصف ناقة بسرعة السير في الهواجر. فقال: إن يديها لشدة وقعها في الحصى
ينفيانه فيقرع بعضه بعضا، ويسمع له صوت كصوت الدراهم إذا انتقدها
الصيرفي. والبيت للفرزدق في وصف ناقة وتمامه: تنفي يد اها الحصى في كل
هاجرة وانظر: المقتضب 2/ 258 والكامل/ 143 والخصائص 2/ 315 وشرح
الحماسة 4/ 377 والجمهرة 2/ 356. وأمالي ابن الشجري 1/ 142، والإنصاف/
27 وابن يعيش 6/ 106.
(3/450)
وقالَ محمد بن يزيد: إِنّما نظر إلى هذه
الياءاتِ التي تقعُ في هَذا المكانِ في الجمعِ فإِذَا هيَ تقعُ لعللٍ.
إمّا أَنْ تكونَ كانتْ في الواحدِ فرجعتْ في الجمع نحو: مِصْباحٍ
ومَصَابيحٍ وقِنديلٍ وقَنَاديلٍ وجُرموقٍ وجَرَاميق1، وإِمَّا وقعتْ
لشيءٍ حذفتهُ مِنُ الاسم فجعلتَها عوضًا وذلكَ قولُكَ في "مُنطلقٍ":
مَطَالقُ حُذفتِ النونُ لزيادتِها شئتَ قلتَ "مَطَاليقُ" فجئتَ بالياءِ
عوضًا وذلكَ أنَّ الكسرةَ تلزمُ هذَا الموضعَ فوضعتَ العوضَ مِنْ جنسِ
الحركةِ اللازمةِ فلمَّا اضطرَّ أَدخلَ هذِه الياءَ تابعةً للحركةِ
وإِنْ لم تكنْ للواحدِ وجعلَ الصورةَ بمنزلةِ ما عُوضَ للكسرةِ منهُ
وقَد كانَ يستعملُ هَذا في الكلامِ تشبيعًا للكسرةِ في غيرِ موضعِ
العوضِ ولا الضرورةِ وذلكَ قولُكَ: دَانقٌ ثُمَّ تقولُ: دَوانيقُ
وتقولُ في جمعِ "خَاتمٍ": خَواتيمُ.
__________
1 في الكامل للمبرد/ 143، يقال في خاتم، خواتيم، وفي دانق: دوانيق، وفي
طابق: طوابيق، ثم أنشد بيت الفرزدق:
تنفي يداها الحصى في كل هاجرة..
(3/451)
الثاني: إجراؤهم الوصلَ كالوقفِ:
مِنْ ذلكَ قولُهم في الشعرِ للضرورةِ في نَصبِ "سَبْسَبٍ وكَلْكَلٍ":
رأَيتُ سبسبًّا وكَلْكلًا ولا يجوزُ مثلُ هَذا في الكلامِ إلا أن
يقولَ: رأيتُ سَبْسَبًَّا وكَلْكَلًا وإِنَّما جازَ هَذا في الضرورةِ
لأَنَّك كنتَ تقولُ في الوقفِ في الرفعِ والجرِّ: هَذا سَبْسَبٌّ
ومررتُ بسَبْسَبٍّ فتثقلُ لتدلَّ علَى أَنَّهُ متحركُ الآخرِ في الوصلِ
لأَنَّكَ إِذا ثقّلتَ لم يحزْ أَنْ يكونَ الحرفُ الآخرُ
(3/451)
إلا متحركًا لأَنَّهُ لا يلتقي ساكنانِ
قلَّما اضطرَ إِليه في الوصلِ1 أَجراهُ على حالهِ في الوقفِ وكذلكَ
فُعلَ بهِ في القوافي المجرورةِ والمرفوعةِ في الوصلِ فَمِنْ ذلكَ
قولُه:
إنْ تَنْجَلِي يَا جُمْلُ أَو تَعْتَلِّي ... أَو تُصْبِحي في
الظّاعِنِ المُولَى
ثُمَّ قالَ:
ببَازلٍ وِجْنَاءَ أَو عَيْهَلّ
فثَّقل وقَالَ:
كأنَّ مَهواهَا على الكَلْكَلِّ ... مَوضعُ كَفَّيِّ رَاهبٍ يُصَلّي2
وقالَ في النصبِ:
__________
1 في الاصل "النصب" والتصحيح من "ب".
2 من شواهد الكتاب 2/ 282، على تشديد لام "عيهل" في الوصل ضرورة وإنما
يشدد في الوقف ليعلم أنه قد ترك في الوقف.
وهذه الأبيات الخمسة من سبعة أبيات رواها أبو زيد في نوادره، ونسبت إلى
منظور بن مرثد الأسدي، وأمه حبة ولذا ينسب إليها أيضا. وبعد هذه
الأبيات:
نسل وجد الهائم المغتل ... إن صح عن داعي الهوى المصل
وفي رواية الخامس منها خلاف، فقد روي: موقع كفي ... بد لا من "موضع"،
والبازل: من الإبل الذي أتم السنة الثامنة وطعن في التاسعة وطلع نابه،
سواء أكان ذكرا أم أنثى، والوجناء: النا قة التامة الخلق، غليظة لحم
الونة لصلبة شديدة، والعيهل: الطويلة: السريعة، وقوله: كأن مهواها على
الكلكل، المراد به: بروكها على صدرها، والمغتل: من به غلة وهي حرارة
العطش، والمراد هنا: حرارة الشوق.
وانظر: الخصائص 2/ 359 والنوادر/ 53 وأراجيز العرب/ 158 والمنصف 1/ 11
والمحتسب 1/ 102 وسر صناعة الإعراب 1/ 187 وشرح شواهد الإيضاح لابن
بري/ 37 والحجة لأبي على 1/ 112، 14/ 117، وشرح السيرافي 5/ 420 وأمالي
ابن الشجري 2/ 26.
(3/452)
ضَخْمٌ يُحبُّ الخُلُقَ الأَضْخَمَّا1
فهذَا أَجراهُ في الوصلِ علَى حدهِ في الوقفِ.
الثالث منها: ومِنْ ذلكَ إدخالُ النونِ الخفيفةِ والثقيلةِ في الواجبِ
نحو قولهِ2:
رُبَّمَا أَوفيتُ في عَلَمِ ... تَرْفَعَنْ ثَوبي شَمَالاَتُ
__________
1 من شواهد سيبويه 1/ 11، على تشديد الميم في "الأضخم" ضرورة تشبيها
بما يشدد في الوقف إذا قيل: هذا اكبر وأعظم. ولو قال: الأضخم فوقف على
الميم لم تكن فيه ضرورة، ولكنه لما وصل القافية بالألف خرجت الميم عن
حكم الوقف لأن الوقف على الألف لا عليا، ولذلك مثل سيبويه بسبسبا
وكلكلا. ورى: الأضخما- بكسر الهمزة- والضخما- بكسر الضاد-، فالضرورة
على روايته لأن "أفعلا وفعلا" موجودان في الكلام كثيرا نحو: رأيت أرزب
وخدب، وإنما الضرورة في فتح الهمزة، لأن "أفعلا" ليس بموجود.
وصف رجلا بشرف الهمة وعظم الخليقة، ونسبه إلى الضخم إشارة إلى ذلك ولم
يرد ضخم الجثة. قال الله تعالى: {وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ}
والعظم والخضم سواء. والبيت لرؤبة بن العجاج.
وانظر المنصف 1/ 10 وشحر السيرافي 5/ 155، ,اللسان 15/ 247، وا لمحتسب
1/ 101 وتوجيه إعراب أبيات مل غزة الإعراب للفارفي/ 155. وديوان رؤبة
بن العجاج/ 83.
2 من شواهد الكتاب 2/ 153، على إدخال النون ضرورة في ترفعن.
قال سيبويه: وزعم يونس أنهم يقولون: ربما تقولن ذاك، وكثر ما تقولن
ذاك.
والعلم: الجبل. والشمال- بالفتح- ويجوز الكسر بقلة- وهي الريح التي تهب
من ناحية القطب. ويوري:
ترفعن أثوابي شمالات
وأوفي: اشرف.
والبيت لجذيمة الأبرض من أبيات يرثي بها جماعة من قومه.
وانظر: النوادر/ 210 وأمإلى ابن الشجري 2/ 243 وشرح شواهد الإيضاح لابن
بري/ 29 وابن يعيش 9/ 40 والإيضاح لأبي على/ 46 والمفصل للزمخشري/ 331
والمغني 1/ 119.
(3/453)
وهذا قديمٌ يقولهُ جذيمةُ الأبرش.
الرابعُ منها: ومِنْ ذلكَ إثباتُ الأَلفِ في "أَنا" في الوصلِ وإنَّما
يثبتُ في الوقفِ روَى الأعشى:
فكيفَ أَنا وانْتِحَالي القَوافي ... بَعْدَ المشيبِ كَفَى ذَاكَ عَارا
1
فأثبتَ الألفَ ووصلَ واحتجَّ النحويونَ بأَنَّ الألفَ منقلبةٌ مِنْ
ياءٍ أَوْ وَاوٍ فَردوا ما ذهبَ مِنَ الاسم.
قالَ أبو العباس: هذَا لا يصلحُ لأَنَّهُ لَو كانَ كما يقولونَ لم
تقلبِ الياءُ والواوُ ألفًا لأَنَّهما لا يكونانِ إلا ساكنينِ لأَنَّ
هذَا اسمٌ مضمرٌ مبنيُّ فلاَ سبيلَ إلى القلبِ فمنْ هَهُنَا فَسدَ
ولِهَذا كانتِ الألفُ في جميعِ الحروفِ التي جاءتْ لمعنىً أَصلًا
لأَنَّها غيرُ منقلبةٍ لأَنَّ الحروفَ لا حَقَّ لهَا في الحركةِ
وإنَّما هيَ مسكَنةٌ فلا تكونُ أَلِفاتُها منقلبةً وذلكَ: حَتى وأَمّا
وإلا ومَا أَشبهها هذهِ أَلفاتُها مِنَ الأصلِ غيرُ منقلبةٍ والاسم
والفعلُ الألفُ فيهما لا تكونُ أصلاً
__________
1 الشاهد في إثبت ألف الوصل في "أنا" ضرورة، فشبه الوصل بالوقف، كان
المبرد ينكر قراءة من قرأ: {لَكِنَّا هُوَ اللَّهُ رَبِّي} . ويروي
البيت:
فكيف يكون انتحالي القوافي
والانتحال: الادعاء، والقوافي: هنا يراد بها الشعر، فأوقع البعض موقع
الكل. وفي الديوان: أثبت القوافي بفاء منفردة في الشطر الثاني، وهو
الموافق للوزن حتى تبدأ الشطرة الثانية بالتفعيلة "فعولن" المحركة
الثاني على أن كسرة الفاء من القوافي تدل على سقوط الياء فحذفها.
وانظر: ارتشاف الضرب/ 382 وشواهد الإيضاح لابن بري/ 138 والكامل/ 250.
والتهذيب 5/ 65 وابن يعيش 5/ 45 والديوان/ 53 وشرح السيرافي 1/ 215.
وشرح الحماسة 2/ 709. وكتاب إيضاح شواهد الإيضاح/ 77.
(3/454)
قالَ أبو العباس: وروايةُ البيتِ:
فكيفَ يكون انتحالي القوافي ... بعد المشيب1......
الثاني: الحذفُ:
الأول: منهُ حذفُ التنوينِ لإلتقاءِ الساكنينِ نحو قولِه2:
فأَلْفَيْتُهُ غَيْرَ مُسْتَعْتِبٍ ... ولاَ ذَاكر الله إلا قَلِيلًا
...
وأَقبحُ منهُ حذفُ النونِ. قالَ الشاعرُ:
فَسْتُ بآتيهِ ولا أَسْتَطيعُهُ ... وَلاَكِ اسقِني إنْ كانَ مَاؤُكَ
ذَا فَضْلِ3
__________
1 انظر: الكامل/ 250.
2 من شواهد الكتاب 1/ 85، على حذف التنوين لالتقاء الساكنين. وألفي:
بمعنى وجد، يتعدي إلى مفعولين واستعتب: طلب العتاب، والمعنى ذكرته ما
كان بيننا من العهود وعاتبته على تركها فوجدته غير طالب رضائي. والبيت
لأبي الأسود الدؤلي، وللشعر قصة في الخزانة.
وانظر: المقتضب 2/ 313 ومعاني القرآن/ 2/ 202، وشرح السيرافي 1/ 223.
وأمالي ابن الشجري 1/ 383. وابن يعيش 2/ 5 والموشح/ 96 والمغني/ 612.
والسيوطي/ 316. واللسان 2/ 67.
3 من شواهد سيبويه 1/ 9 "على حذف النون من "على حذف النون من" لكن
"لالتقاء الساكنين ضرورة لإقامة الوزن"، وكان الوه أن يكسر لالتقاء
الساكنين، شبهها في الحذف بحروف المد واللين إذا سكننت وسكن ما بعدها
نحو: يغز العدو، ويقض الحق. ويخش الله.
والبيت: لقيس بن عمرو بن مالك النجاشي من بني الحارث بن كعب في وصف ذئب
وصف أنه اصطحب ذئبا في فلاة مضلة لا ماء بها، وزعم أن الذئب رد عليه
فقال: قد دعوتني إلى شيء لم يفعله السباع قبل من مؤاكلة بين الإنسان
وهذا لا يمكنني فعله ولا استطيعه، لأنني متوحش وانت إنسي، ولكن إن كان
في ماءك الذي معك فضل عما تحتاج إليه فاسقني منه، وأشار بهذا إلى تعسفه
للفلوات التي لا ماء فيها فيهتدي الذئب فيها لاعتياه لها.
وانظر: الخصائص 1/ 310 والموشح/ 147. والمنصف 2/ 229. وأمالي السيد
المرتضى 2/ 120. وابن يعيش 9/ 142. وشرح السيرافي 1/ 258 والمغني 323
والسيوطي/ 239. ,الصحاح 6/ 1296.
(3/455)
الثاني منه:
أَنْ تحذفَ للإِضافةِ والألفِ واللامِ ما كنتَ تحذفهُ للتنوينِ لأَنَّ
هذه الأَشياءَ تتعاقبُ. قالَ الشاعر2:
كَنَواحِ رِيْشِ حَمَامَةٍ نَجْدِيَّةٍ ... وَمَسَحْتِ باللَّثَتَينِ
عَصْفَ الإِثمِدِ
فحذفَ الياءَ من "نواحِي" لمَّا أَضافها إلى "ريشٍ" كمَا كانَ يحذفُها
معَ التنوينِ وأَما حذفُها مَع الأَلفِ فنحو قولِهِ:
__________
1 في "ب" هذه أشياء.
2 من شواهد الكتاب1/ 9 على حذف الياء من "نواحي" ضرورة تشبيها لها بها
في حال الإفراد والتنوين وحال الوقف، أراد كنواحي ريش.
والشاهد: لخفاف بن ندبة السلمة. وصف شفتي امرأة فشبههما بنوا حي ريش
الحمامة في رقتهما ولطافتهما وحوتهما، وأراد أن لثاتها تضرب إلى
السمسرة، فكأنها مسحت بالإثمد، وعصف الإثمد: ما سحق منه هو من عصفت
الريح: إذا هبت بشدة س حقت ما مرت عليه وكسرته. والرواية الصحيحة:
ومسحت-بكسر التاء- وعليه التفسير. وروى: مسحت – بضم التاء- ومعناه
قبلها فمسح عصف الإثمد في لثتيها وكانت العرب تفعل ذلك: تغرز المرأة
لثتها بالإبراة ثم تمر عليها الإثمد والنؤور وهو دخان الشخم المحرق حيث
يثبت باللثاث فيشتد ويسمر ويتبين بياض الثغر.
وانظر: الحجة لأبي على 1/ 102. والموشح/ 146. والعمدة 2/ 255، وابن
يعيش10/ 140 والصحاح 6/ 2539 والإنصاف/ 546 والمغني/ 324. والسيوطي/
324 تحقيق مازن المبارك. والتمام في تفسير أشعار هذيل 176. واللسان 7/
108. "جزر" وشرح السيرافي 1/ 224. وشروح سقط الزند 3/ 982.
(3/456)
وأَخُو الغَوَانِ مَتَى يَشأ يَصْرِمْنَهُ
... ويَصِرنَ أَعداءً بُعَيدَ وِدِادِ1
الثالثُ منه: ما رُخّمَ في غَيرِ نداءٍ:
قالَ زهير:
خُذوا حظَّكُم يَا آلَ عِكْرِمَ واذْكُرُوا ... أَوَاصرَكمْ والرَّحْمُ
بالغَيْبِ2 تُذْكَرُ
__________
1 من شواهد الكتاب 1/ 10 على حذف اللياء من "الغواني" تشبيها بلام
المعرفة بالتنوين من حيث كانت هذه الاشياء من خواص الأسماء فحذف الياء
لأجل اللام كما تحذفها لأجل التنوين، ويروي: ويكن، ويعدن.
وصف النساء بالغدر وقلة الوفاء والصبر، فيقول: من كان مشوفا بهن مواصلا
لهن إذا تعرض لصرمهن سارعن الي ذلك لتغير أخلاقهن وقلة وفائهن وأراد:
متى يشأ صرمهن يصرفمنه، فحذف.
وواحدة الغواني: غانية: وهي التي غنيت بشبابها وحسنها عن الزينة.
والبيت للأعشى من قصيدة طويلة له.
وانظر: المنصف 2/ 73 واللسان "غنا"/ 42 والإنصاف/ 212 وشروح سقط الزند
3/ 982 والديوان/ 98.
2 من شواهد سيبويه 1/ 343 علي ترخيم "عكرمة" وتركه علي لفظه، ويحتمل ان
يجعل فتحته إعرابا علي ان تجعله اسما لمؤنث فلا تصرفه، لأن "عكرمة" وإن
كان اسم رجل فإنه يقع علي القبيلة، وهو عكرمة بن خصفة بن قيس عيلان بن
مضر. علي أن الكوفيين أجازوا ترخيم المضاف. ويقع الحذف في آخر الاسم
الثاني كما في البيت وفي أبيات كثيرة، والأصل: يا آل عكرمة. وقالوا:
المضاف والمضاف إليه بمنزلة الشيء الواحد فجاز ترخيمه كالمفرد، ومنع
البصريون هذا الترخيم. وقالوا: لا حجة في هذا الشاهد ومثاله لانه محمول
على الضرورة. والحظ: النصيب. والأواصر: العواطف والأرحام. والمعنى خذوا
حظكم من مودتنا ومسالمتنا، وكانوا قد عزموا علي غزو قومه.
وانظر: شرح السيرافي 3/ 65 وأمالي ابن الشجري 1/ 126 و2/ 88، والإنصاف/
437. والخزانة 1/ 373 واللسان "عكرم" والديوان/ 214 والعيني 4/ 290.
وابن يعيش 1/ 20. والرواية: خذوا حذركم، والارتشاف/ 353.
(3/457)
يريدُ: عِكْرمةَ وقَالَ:
إنَّ ابنَ حَارثَ إنْ أشتَقْ لرُؤيتهِ ... أَو أَمتَدِحْهُ فإنَّ
الناسَ قَد عَلِمُوا1
يريدُ: ابنَ حَارثةَ وهذَا كثيرٌ. وقالَ في قولِه:
"قَواطِنًَا مَكَّةَ مِنْ وُرْقِ الحَمِي2......
__________
1 من شواهد الكتاب 1/ 343 "على ترخيم حارثة" على لغة من نوي رد المحذوف
فقد رخم الشاعر "حارثة"وتركه على لفظه مفتوحا كما كان قبل الترخيم،
وهذا يقوي مذهب سيبويه وابن السراج في حمله على هي الترخيم في غير
النداء ضرورة، كما كان في النداء جاريا عليها، لأن الحارثة هنا اسم
رجل، فإذا رخم وأعرب لم يكن له مانع من الصرف لأنه ليس بقبيلة ولا اسم
لمؤنث. وهو حارثة بن بد الشيباني الغداني سيد غدانة بن يربوع بن حنظلة
من تميم. وامتدحه: مدحا إذا اثني عليه ثناء حسنا. والاسم: المدحة
والمدح، والمعنى أن ابن حارثة ن اشتق إليه أو أمدحه فلا غرابة فإ الناس
قد علموا ما لي من محبته وإني محب له هائم. ويجوز أن يكون: علموا:
عرفوا. والبيت لابن حبناء التميمي.
وانظر: شرح السيرافي 3/ 65 والمقرب لابن عصفور/ 177. وشوا هد الألفية
للعاملي/ 362. والإنصاف/ 191. والعيني 4/ 283، وارتشاف الضرب/ 386
والأمالي لابن الشجري 1/ 126.
2 من شواهد سيوبه 1/ 8 "على حذف الميم من الحمام" وقلب الألف ياء وهذا
الحذف شاذ، لا يجوز أن يقال: المحي، تريد: الحمار، فإما الحمام هنا
فإنما حذف منها الألف فبقيت الحمم، فاجتمع حرفان من جنس واحد فلزمه
التضعيف فأبدل من الميم ياء كما تقول في: تظننت: تظنيت، وذلك لثقل
التضعيف، والميم تزيد في الثقل على حروف كثيرة.
3 وهذا الرجز للعجاج وقبله:
ورب هذا البلد المحرم ... والقاطنات البيت غير الريم
قواطنا مكة من ورق الحمي
وصف حمام مكة القاطنة بها لأنها فيها، واحدة القواطن، قاطنة، وهي
الساكنة المقيمة، وصرفها ضرورة، ولورق جمع: ورقاء، وهي التي على لون
الرماد تضرب إلى الخضرة، ويروي الرجز:
أو ألفا مكة من ورق الحمى.
وانظر: المقاييس لابن فارس 1/ 131. وشرح السيرافي 1/ 441. والعيني 4/
285. والمحتسب 1/ 78. والإنصاف/ 270 واللسان 15/ 48 والهمع 1/ 181.
والدرر اللوامع 1/ 157 والديوان/ 59.
(3/458)
إنهُ حذفَ الميمَ التي هيَ لامُ الفعلِ
وقلبَ ألفَ الحمامِ ياءً وأَحَسنُ مَا قِيلَ فيهَ إنَّ الشاعرَ لمَّا
اضطرَّ حذفَ الأَلفَ مِنَ الحمامِ لأَنَّها مَدةٌ كمَا تحذفُها مِنْ
سَائرِ المدودِ فصارَ الحَمِمُ فلزمهُ التضعيفُ فأَبدلَ مِنْ إحدى
الميمينِ ياءً كمَا فَعلوُا في "تَظَنيْتُ".
الرابعُ منهُ أَن تحذفَ مِنَ المكني 1 في الوَصلِ:
كَمَا كنتَ تحذفُه [في الوقفِ] 2 إلا أَنهُ تبقى الحركةُ دَالةً على
المحذوفِ فَمِنْ ذلكَ قولُه:
فإِنْ يَكُ غَثًَّا أَوْ سَمينًا فإنني ... سأَجْعَلُ عِينيهِ
لِنَفْسِهِ مَقْنَعَا3
وقالَ:
__________
1 يعين بالمكني الضمير.
2 زيادة من "ب".
3 من شواهد سيبويه 1/ 10 و1/ 297 على حذف الياء من "نفسهي" ضرورة في
الوصل تشبيها بها في الوقف، إذ قال لنفسه. يقول: أنه يقدم لضيفه ما
عنده من القرى، ويحكمه فيه ليختار منه أفضل ما تقع عليه عيناه فيقتنع
بذلك. والشاهد: لمالك بن خزيم الهمداني، وقيل: هو مالك بن حريم با لحاء
المهملة.
وانظر: المقتضب1/ 38 والكامل/ 250 وشرح السيرافي 1/ 226 والأصمعيات/ 56
والسمط/ 749 والاقتضاب للبطليوسي/ 435 والوحشيات/ 259 والإنصاف/ 517.
والخزانة 1/ 288.
(3/459)
"ومَا لَهُ مِنْ مَجدٍ تَليدٍ وَلاَ لَهُ
... مِنَ الريحِ فَضْلٌ لاَ الجُنوبِ ولا الصّبَا1
فالواوُ والياءُ في هذا زوائدُ في الوصلِ فحذفها لمّا احتاجَ وأَبعدُ
من هذَا قولهُ2:
فبيناهُ يَشْري رَحلَهُ قالَ قَائلٌ ... لِمَنْ جَمَلٌ رَخو الملاطِ
نَجيبُ
فإنَّ هذَا حذفَ الواوَ مِنْ هُوَ والمنفصلُ كالظاهرِ تقفُ علَى الواوِ
ولا يجوزُ حذفُها فيبقى الاسم علَى حرفٍ وَهوَ اسمٌ يجوزُ الابتداء بهِ
ولا كلامَ قَبلَهُ ومثلهُ3:
__________
1 من شواهد الكتاب 1/ 12 على حذف الواو من الضمير في "وماله من مجد"
للضرورة ورفع الجنوب والصبا على البدل من" فضل" ويجوز حرهما على البدل
من الريح، وهو ما فعله ابن السراج هنا. والشاهد للأعشى في هجاء رجل
لئيم الحسب والأصل لم يرث مجدا ولم يكسب خيرا. وضرب له المثل بقلة خيره
بنفي حظه من الريحين. الجنوب والصبا. وانظر: المقتضب 1/ 38. وشرح
السيرافي 1/ 295 والخصائص 1/ 371. والإنصاف/ 269. والديوان/ 114.
2 أي: العجير السلولي. وقد مر تفسير هذا
3 من شو اهد سيبويه 1/ 9 على حذف الياء ضرورة من "هي" إذ أن أصله إذا
هي من هواكا.
ولهذا الوجه أورده ابن السراج، وصف الشاعر دارا خلت من سعدي هذه المرأة
وبعد عهدها بها، فتغيرت بعدها، وذكر أنه كانت لها دارا ومستقرا إذا
كانت مقيمة بها، فكان يهوا ها بإقامتها بهان وهذا البيت من أبيات
سيوبيه الخمسين التي لا يعرف قائلها، ولا يعرف لها ضميمة. وقال
البغدادي: رأيت في حا شية اللباب أن ما قبله:
هل تعرف الدار على تبراكا
وتبراكا- بكسر التاء، موضع في ديار بني فقعس.
وانظر: الخصائص 1/ 89 والضرائر 78. والإيضاح لابي على/ 75 والموشح
للمرزباني/ 147 والحجة 1/ 100. وأمالي ابن الشجري 2/ 208 والإنصاف/ 680
والخزانة 2/ 227. وشاهد الشافية/ 290 واللسان "ها" وارتشاف الضرب/ 123.
(3/460)
"دَارٌ لِسُعْدَى اذهِ مِنْ هَوَاكا ...
وقَد جَاءَ في الشعرِ حذفُ الياءِ والواوِ الزائدةِ في الوصلِ معَ
الحركةِ كمَا هيَ في الوقفِ سَواءٌ قالَ رجَلٌ مِنْ أَزد السراةِ1:
فَظِلتُ لدى البيتِ العَتيقِ أُخليهُ ... ومَطْوايَ مَشتاقانِ لَهُ
أَرِقَانِ
__________
1 جعل ابن السراج تسكين الهاء في هذا النحو لغة أزد السراة. وقال
البغدادي في الخزانة 2/ 401 هم بنو عقيل وبنو كلاب الذي يجوزون تسكين
الهاء من نحو: "له" اما المبرد في المقتضب 1/ 39، فجعل تسكين الهاء من
قوله: "له" للضرورة الشعرية وا لبيت منسوب إلى يعلي الأحوال الأزدي،
ويروي: البيت الحرام بدلا من البيت العتيق. وكذلك يروي: أشيمه، ويروى
كذلك: أربعة.
وأخيله، يقال: أخلت السحابة إذا رآها، أخالت، أي كانت مرجوزة للمطر
والهاء في أخيلة، وله، عائة على البرق. أما على رواية: أشيمة، انظر
إليه أين يقصد وأين يمطر، وأما أريغه: أي أطلبه. ومطواي، صاحباي.
وانظر: الخصائص 1/ 128 والمقتضب 1/ 39. والمنصف 3/ 84 والحجة لابي على
1/ 100 والأغاني 19/ 111. وشرح السيرافي 1/ 226 والمحتسب 1/ 224،
والمقرب لابن ع صفور/ 189.
(3/461)
الخامسُ: منهُ حذفُ الفاءِ مِنْ جَوابِ
الجزاءِ.
وذلكَ قولُ ذي الرمة:
وإنيّ مَتَى أُشْرِفْ عَلَى الجَانبِ الذي ... بهِ أَنْتِ مِنْ بَينْ
الجَوانبِ ناظِرُ1
__________
1 من شواهد سيبويه 1/ 437 والتقدير عنده: وإني ناظر متى اشرف على
التقديم والتأخر والمبرد وابن السراج يريان أنه على إضماء الفاء، وقد
جو ز سيبويه كذلك إضمار الفاء.
والبيت لذي الرمة، وانظر: المقتضب2/ 71 وشرح السيرافي 3/ 336 وأمالي
السيد المرتضى 1/ 155 والخزانة 3/ 645. والديوان/ 241.
(3/461)
هُوَ عندَ سيبويه على تقديم الخبرِ نَاظرٌ
متى أَشرفُ1.
وأَجاز أَيضًا أَنْ يكونَ على إضمارِ الفاءِ والذي عندَ أَبي العباس2
وعندي فيه وفي مثالِه أَنَّهُ على إضمارِ الفاءِ3 لا غير لأَنَّ
الجوابَ في مَوْضِعِهِ فَلا يجوزُ أَنْ تنوي بهِ غيرَ موضعِه إذَ وُجدَ
لَهُ تأَويلٌ ومثلُه:
يا أَقْرَعُ بن حَابسٍ يا أَقْرَعُ ... إنَّكَ إنْ يُصْرَعْ أَخوكَ
تُصْرَعُ"4
فهذاَ على ما ذكرتُ لكَ وكذلكَ قولهُ:
فَقلتُ تَحَمَّلْ فوقَ طَوقِكَ إنَّها ... مُطَبَّعةٌ مَنْ يأتِها لا
يَضيرُها5
أَرادَ: لا يضيرها مَنْ يأتِها وإنَّك تصرعُ إنْ يصرعْ أَخوكَ عندَ
سيبويه وَهْوَ عندنا على إضمارِ الفاءِ. فأَمَّا قولهُ:
مَنْ يَفعلِ الحَسَناتِ اللُه يشكُرُها ... والشرُّ بالشَّرِّ عند
اللِه مِثْلانِ7
[فإنّهُ] 8 عَلَى إضمارِ الفاءِ في كُلِّ قَولٍ
__________
1 انظر: الكتاب 1/ 437.
2 انظر: الكتاب 1/ 438.
3 انظر: المقتضب 2/ 71-72.
4 من تفسير هذا الشاهد في هذا الجزء.
5 مر تفسير هذا البيت في هذا الجزء.
6 انظر: الكتا ب 1/ 437-438.
7 مر تفسيره في هذا الجزء.
8 زيادة من "ب".
9 زيادة من "ب".
(3/462)
السادسُ: منهُ ما حُذفَ [مِنهُ] 9 المنعوتُ
وذُكرَ النعتُ:
اعلَم: أَنَّ إقامةَ النعتِ مقامَ المنعوتِ في الكلامِ قبيحُ إلا أَنْ
يكونَ نعتًا خاصًا يخصُّ نوعًا مِنَ الأَنواعِ كالعاقِل الذي لا يكونُ
إلا في الناسِ والكاتبِ ومَا أَشبهَ ذلكَ مِمّا تقعُ بهِ الفائدةُ
ويزولُ اللبسُ فإذَا اضطرَ الشاعرُ فلَهُ أَن يقيمَ الصفةَ مقامَ
الموصوفِ و"الذي" وضعتْ ليوصفَ بِها معَ صلتِها فَمِن قبيحِ ما جاءَ في
ضرورةِ الشّاعر قولُه:
مِنْ أَجلكِ يالتي تَيُّمْتِ قَلبي ... وأنْتِ بَخيلةٌ بالوُدِّ عَني1
فأَدخلَ "يا" علَى "التي" وحرفُ النداءِ لا يدخلُ علَى ما فيهِ الأَلفُ
واللامُ إلا في اسمِ اللهِ عز وجلَّ وقَدْ مضى ذِكرُ ذَا فشبهَ الشاعرُ
الألفَ واللامَ في "التي" باللامِ التي في قولِكَ "الله عز وجَلَّ" إذ
كانتا غيرَ مفارقتينِ للإسمينِ.
__________
1 من شواهد الكتاب 1/ 310 على دخول ياء النداء على "التي" للضرورة
الشعرية وقال: شبهة بيا الله.
وتيمت: استعبدت، وعني: بمعنى على. ومن أجلك: صلة المحذوف، أي: قاسيت ما
قاسيت، ويروي: وأنت بخيلة بالوصل عني.
والشاهد من أبيات سيبويه الخمسين التي لا يعرف قائلها.
وانظر: المقتضب 4/ 241 وشرح السيرافي 1/ 196. وابن يعيش 2/ 8 واللسان
"لتاء"، والخزانة 1/ 358.
(3/463)
الثالثُ: مما جاءَ كالشاذِّ وهوَ وضعُ
الكلام فِي غيرِ مَوضعهِ وتغيير نضده:
أَحسنُ ذلكَ قلبُ الكلامِ إذَا لَمْ يُشكلْ فِمِنْ ذلكَ قولُه:
تَرى الثَوْرَ فيها مُدخلَ الظِّلَّ رأَسَهُ ... وسَائرهُ بَادٍ إلى
الشَمْسِ أَجْمَعُ1
فالمعنى: مُدْخِلُ رأسهِ الظلّ ولكنْ جعلَ الظلَّ مفعولًا على السعةِ
وأَضافَ إليهِ والنحويونَ يجيزونَ مثلَ هذَا في غيرِ ضرورةٍ فيقولونَ:
"يَا سارِقَ الليلةِ أَهلَ الدارِ2
فَأمَّا الذي يبعدُ فنحو قولِهِ:
مِثلُ القَنَافذِ هَدّاجونَ قَدْ بَلَغَتْ ... نَجْرانَ أَو بَلَغتْ
سَوآتِهم هَجَرُ3
__________
1 من شوزاهد الكتاب 1/ 93 على إضافة "مدخل" إلى الظل، ونصب الرأس به
على الاتساع والقلب، وكان الوجه أن يقول: مدخل رأسه الظل لأن الرأس هو
الداخل في الظل، والظل المدخل فيه. ولذا سماه سيبويه: الناصب في تفسير
الشاهد، ولم ينسب هذا الشاهد لقائل معين.
وصف هاجرة لجأت قد ألجأت الثيران إلى كنسها فترى النور مدخلا رأسه في
ظل كناسه لما يجد من شدة الحر، وسائره بارزة للشمس. وقد أورد الفراء
هذا الشاه د عند تفسيره لقوله تعالى: {فَلا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ
مُخْلِفَ وَعْدِهِ رُسُلَهُ} إبراهيم 47.
وانظر معاني القرآن 2/ 80 وأمال السيد المرتضي 1/ 155 وشرح السيرافي 1/
245 والهمع 2/ 123. وروايته: وسائره باد إلى الشمس أكتع. وال درر
اللوامع 2/ 156.
2 هذا الرجز مر تفسيره في هذا الجزء.
3 الشاهد فيه نصب الفاعل ورفع المفعول، فالسوآت منصوب وهو فاعل م عنى،
وهج ر مرفوع وهو مفعول به عكس الأول، فالسوأة: هي البالغة إلا أنه
قلبها قلبا في المعنى. فجعل ما حقه أن يكون فاعلا مفعولا، وما حقه أن
يكون مفعولا فا علا، ومثل هذا: خرق الثوب المسمار وكسر الزجاج الحجر.
ويروي:
على العيارات هداجون قد ... بلغت نجران..
والعيارات: جمع عير، وهو حمار الوحش، وا لقنافذ: جمع قنفذ، وهو معروف
يضرب به المثل في سرى الليل، يقال: أسرى من قنفذ، وهداجون: من الهدج،
وهو مشي رويد في ضعف أو هو مقارب الخطو في الإسراع من غير إرادة، ونجر
أن مدينة كبيرة اليمن من ناحية مكة شمال صنعاء. وهجر: مدينة كانت قاعدة
البحرين بينها وبين اليمامة عشرة أيام. والسوآت: الفواحش والقبائح.
والبيت من قصيدة للأخطل يهجو جريرا.
وانظر: الجمل للزجاجي/ 211 والمغني/ 781 واللسان "نجر"، والهمع 1/ 165
والدرر اللووامع 1/ 144 والمحتسب 2/ 1218 والديوان/ 99.
(3/464)
فجعلَ "هَجَر" في اللفظِ هِيَ التي تبلغُ
السوآتِ لأَنَّ هذَا لا يشكلُ ولا يحيلُ والفرقُ بينَ هَذا وبينَ
البيتَ الذي قَبْلَه أَنَّ ذاكَ قُدِّمَ فيهِ المفعولُ الثاني على
المفعولِ الأولِ وَهْوَ غيرُ مُلْبسِ فَحَسُنَ لأَنَّهُ يجوزُ أنْ
تضيفَ "مدخلَ" إلى "رأسِه" ولا تذكرُ "الظلّ" وتضيفهُ إلى "الظلّ" ولا
تذكرُ "رأَسَهُ" وهذَا خِلافُ ذلكَ لأَنكَ جعلتَ الفاعلَ فيهِ مفعولًا
والمفعولَ فاعلًا وينشدونَ في مثلهِ1:
"وتَشْقَى الرِّماحُ بالضَّياطِرةِ الحُمْرِ......"
وإنّما يشقى الرجالُ وقَدْ يحتملُ المعنى غيرَ ما قالوا "قد شقى الخزُّ
بفلانٍ" إذْ لم تجعلْهُ أَهلًا لَهُ فهذَا على السعةِ والتمثيلِ يكونُ
المعنى: قَدْ شَقيَ الرمحُ بأبدانِ هؤلاءِ وكقولِهم: أتعبتُ سيفي في
رقابِ القومِ إني فعلتُ بهِ ما إذا فَعَل بِمَنْ يجوزُ عليهِ التَّعَبُ
تَعِبَ. فأَمَّا قَولُ الله عزَ وجَلّ:
__________
1 هذا عجز بيت، وصدره:
ونركب خيلا لا هوا دة بينها ... وتشفي الرماح ...
والشاهد فيه على التقديم والتأخير، وذلك أن الضياطرة هم الذين يشقون
بالرماح لقلتهم بها، والوجه الثاني: أن الرماح تشقي بالضياطرة لأنه لم
تجعلهم أهلا للتشاغل بها، وحقر شأنهم جدا فجعل طعنهم بالرماح شقاء
للرماح كما يقال: شقي الخز بجسم فلان، إذا لم يكن أهلا للبسة.
والضياطرة: واحدهم: ضيطر وضيطار، وهو الضخم العظيم، والهوادة: اللين
والبيت لخداش بن زهير.
وانظر: الكامل للمبرد/ 364 وشرح السيرافي 1/ 245. وأمالي السيد المرتضي
2/ 116. واللسان 5/ 160.
(3/465)
{مَا إنَّ مَفَاتِحَهُ لتَنُوءُ
بِالعُصْبَةِ} 1 فَقَدْ احتملَهُ قومٌ علَى مثلِ هَذا وقالوا: إنَّما
العصبةُ تنوءُ بالمفاتيحِ وتحملُها في ثِقْلٍ. قالَ أبو العباس: وليسَ
هكذا التقديرُ إنَّما التقديرُ: لتنوء بالعصبةِ: أَي: تجعلُ العصبةَ
مثقلةَ كقولِكَ: انْزلْ بِنَا أَي: اجعلنَا ننزل معكَ [وكقولِكَ:
ارْحَلْ بِنَا يا فلانُ أَي: اجعلْنَا نرحلُ مَعك] 2 ومثلهُ قولُ ابن
الخطيمِ:
دِيارُ التي كَادتْ ونَحنُ علَى مِنَىً ... تَحلُّ بِنَا لَوْلاَ
نَجَاءُ الرَّكَائِبِ3
أي: تجعلنا نحلُّ لا أَنَّها هيَ تنتقل إلينا ومِنْ هَذا البابِ قَولُ
الشَاعرِ:
صَدَدْتِ فأطْوَلْتِ الصُّدودَ وقَلّما ... وصالٌ علَى طُولٍ الصُّدودِ
يَدُومُ4
والكلامُ: قَلَّ ما يدومُ وِصالٌ ولَيْسَ يجوزُ أَن يرفع "وصالٌ"
بيدومُ وقَد أَخَّرهُ ولكنْ يجوزُ هَذا عندي على إضمارِ "يكونُ" كأنهُ
قالَ: قُلَّ ما يكونُ وصالٌ يدومُ على طولِ الصدودِ وحَقّ "مَا" إذا
دخلتْ كافةً في مثلِ هذا الموضعِ فإنَّما تدخلُ ليقعَ الفعلُ بعدَها
وكذلكَ يكونُ معَ الحرفِ نحو: {رُبَّمَا يَوَدُّ الذِينَ كَفَرُوا}
وإنّما يقومُ زيدٌ وما أَشبهَ ذلكَ مِما لا
__________
1 القصص: 76.
2 ما بين القوسين ساقط في "ب".
3 البيت لقيس بن الخطيم ورواية الديوان:
ديار التي كا دت ونحن على منى ...
أي: كادت تحل بنا ربكابنا فنقيم عندهم من حبنا لها وقيل: تجعلنا حلالا
ونحن حرام.
وانظر شرح السيرافي 1/ 248 والكامل/ 390. وجمهرة أشعار العرب/ 123.
والدايون/ 10.
4 مر تفسير هذا الشاهد في هذا الجزء.
5 الحجر: 2.
(3/466)
يجوزُ أَن يليَهُ الفعلُ فإذَا كُفَّ
"بِمَا" وبُنيَ معهَا وَلِيَهُ الفِعْلُ ومِنْ هَذا البابِ قولُ
الفرزدق:
وَمَا مِثْلُه في النَّاسِ إلا مُمَلكاً ... أَبو أُمهِ حَيٌّ أَبوهُ
يُقَاربُه1
يريدُ: مَا مثلُه في الناسِ حَيٌّ يقاربهُ إلا مُملكٌ أَبو أُمِ ذلكَ
المملكِ أَبوهُ ولكنْ نصبَ مملكًا حيثُ قَدَّمَ الاستثناءَ ومِنْ هذَا
فصلُهم بالظرفِ بينَ المضافِ والمضافِ إليهِ نَحو قولِه:
"كَمَا خَطَّ الكتابُ بكفِّ يَوماً ... يهوديٍّ يقارِبُ أَو يُزِيلُ2
وكقول الآخر:
للهِ دَرُّ اليومَ مَنْ لامها3
__________
1 إنما أراد: وما مثله في الناس حي يقاربه إلا مملك أبو أمه أبوه.
فتعسف هذا التعسف، ووض أشياء في غير مواضعها، وهذا من شواهد البلاغة،
يذكر للتعقيد الفظي، وقد مدح الشاعر بهذا خال هشام بن عبد الملك فقال:
ما في الناس حي يقارب خال هشام إلا هشام الذي أبو أمه أبه، يعني أن جد
هشام لأمه هو أبو هذا الممدوح، ونصب مملكا لأنه استثناء مقدم، كما قال:
مالي إلا أباك صديق. إذا أردت: مالي صديق إلا ابوك.
وانظر: الضرائر/ 14. والأغاني 19/ 15 وروايته "مملك" بالرفع والموشح/
228. وشرح السيرافي 1/ 248، والديوان/ 108.
2 مر تفسير هذا الشا هد في الجزء الثاني.
3 مر تفسير في هذا الجزء.
(3/467)
الرابعُ: هو إبدالُ حرفِ اللينِ مِنْ حرفٍ
صحيحٍ:
اعلَمْ: أَنَّ الشاعرَ يضطر فيبدلُ حروفَ اللينِ مِنْ غيرِها كَما
قَالَ:
لهَا أَشاريرُ مِنْ لَحْمٍ تُتمِّرُهُ ... مِنَ الثَّعِالي وَوَخْزٌ
مِنْ أرانِيها1
__________
1 من شواهد سيبويه 1/ 334 على إبدال الياء من ياء "الثعالب والأرانب"،
شذوذا وجعله بعضهم من باب الترخيم عند الضرورة بتعويض الياء. وعند
المصنف من باب الإب دال لا من باب التخريم. والأشارير: جمع إشرارة هي
قطعة من اللحم تقدد للادخار. وتتمره: تجففه. والوخز: شيء ليس بالكثير.
وأصل الوخز: الطعن، وقيل: الوخز الخطيئة بعد الخطيئة. والأراني
والثعالبي: اصلها: ثعلب وأرنب أبدلت الياء الموحدة فيهما. وصف الشاعر:
فرخة عقاب تسمي غبة كانت لبني يشكر. والبيت لأبي كاهل النمر بن تولب
اليشكري.
وانظر: الضرائر/ 153 والشعر والشعراء/ 49 و101. والوشح/ 155. ومعج م
المقاييس 1/ 355. واللسان "تمر". والمفصل لمزمخشري/ 365. والتهذيب 4/
329، والهمع 1/ 181. والدر اللوامع 1/ 157. وشرح السيرافي 3/ 80
والجمهرة لابن دريد 2/ 13. ومجالس ثعلب/ 299.
(3/467)
يريدُ "الثعالبَ وأرانبَها" فكانَ الشعرُ
ينكسر لو ذكرَ "الباءَ" في الثعالبِ وتفسدُ القافيةُ لأَنَّ رويَهُ
الياءُ فابدلَ الباءَ لأَنَّ الحركةَ لا تدخلُها فينكسرُ الوزنُ فكذلكَ
أَبدلَ ياءً في "الحَمِي" وهو يُريدُ "الحَمامَ" ومِنْ قبيحِ ما جَاءَ
في الضرورةِ عندَ النحويينَ.
قالَ أبو بكر1: وهو عندي لا يجوز ألبتَة بوجه من الوجوه شعر ينشدونه
يجعلون فيه الألف التي هي بدل من التنوين بمنزلة هاء التأنيث فيظهرون
الياء قبلها كما يقولون: شقاية وشقاوة وذلك قوله2:
__________
1 في الأصل "أبو العباس" والتصحيح من "ب".
2 هذه الأبيات وردت في اللسان مع قليل من التحريف منسوبة الأعصر بن سعد
ابن قيس عيلان واسمه منبه بن سعد. وقيل: هو للمستو غر بن ربيعة.
والشاهد فيها: شبه الف النصب: في العظايا والشفايا بهاء التأنيث نحو:
عظاية وصلاية، فصح حال لياء وإن كانت طرفا، فكما أن الهاء فيهما صححت
الياء قبلها. فكذلك ألف النصب التي في: العظايا والشفايا، صححت الياء
قبلهما. والعظاء: واحدها عظاية وهي دويبة، ويحترش: يحرك جحرها ليغريها،
بالخروج لتخرج فيصيدها.
وانظر: الخصائص 1/ 292 وفيه يحترش بدلا من يلتمس ويسفي بدلا من "يعيط"
وحماسة البحتري/ 324 والشعر والشعراء 1/ 51. والمنصف 1/ 155، ومعجم
الشعراء/ 466. وشرح السيرافي 1/ 234. والمخصص 15/ 117 والمحتسب 1/ 77
واللسان 18/ 218 و16/ 230. والخزانة 2/ 266. وطبقات ابن سلام/ 12 طبعة
أوروبا. والتمام في تفسير أشعار هذيل/ 159.
(3/468)
إذَا ما المرءُ صُمَّ فَلَم يُكَلَّمْ ...
وأَعيَا سَمْعُهُ إلا نَدَايا
ولاعَبَ بالعَشي بني بنيهِ ... كفعلِ الهرِّ يَلْتَمِسُ العظَايَا
يلاعبُهم ووَدوا لو سَقوهُ ... فأَبعدهُ الإِلهُ ولا يُؤتَى
مِنَ الذِّيفانِ مُترَعةً إنَايَا ... ولا يُعَطّى مِنَ المَرضِ
الشِّفَايَا
قالَ أبو العباس: فَمَنْ أَجازَ هذا فلا ضرورةَ لَهُ في إجازتهِ إلا
الروايةُ وَهوَ أَحقُّ كلاَمٍ بِالرفعِ وأَولى قَولٍ بالردِّ وإنَّما
حقٌّ هَذا الشعرِ أَنْ يكونَ مهموزًا فيقولُ: ولا يُعَطّى مِنَ المرض
الشِّفَاءَ وكذلكَ العَظَاءَ وَأَعْيَا سمعهُ إلا النداءَ ومِنْ ذلكَ
إبدالُ الهمزةِ في الموضعِ الذي لا1 يقومُ فيهِ الشعرُ بتحقيقهِ ولا
تخفيفهِ2 فإنْ كانَ مفتوحاَ جُعِلَ ألفًا وإنْ كانَ مكسورًا جُعِلَ
ياءً وإنْ كانَ مضمومًا جُعِلَ واوًا نحو قول الفرزدقِ:
رَاحَتْ بِمَسْلَمَةَ البغالُ عَشِيَّةً ... فأرْعَى فَزَارةُ لاَ
هَنَاك المَرْتَعُ3
__________
1 لا: ساقطة في "ب".
2 قال المبرد في المقتضب 1/ 166 "ولو جاز أن تقلب الهمزة إلى حروف
اللين لغير علة لجاز أن تقلب الحروف المتقاربة المخارج في غير الإدغام،
لأنها تنقلب في الإدغام كما تنقلب الهمزة لعلة". وانظر: الكتاب 2/ 170.
3 من شوا هد سيبويه 2/ 170 على إبدال الهمزة ألفا للضرورة، وإن كان
حقها أن تجعل بين بين، لأنها متحركة، أراد: لا هناك.
وقيل هذا: حين عزل مسلمة بن عبد الملك عن العراق ووليها عمر بن هبيرة
الفزاري فهاجم الشاعر ودعا قومه بأن لا تهنأهم النعمة بولايته.
وراحت: بمعنى: رجعت، واوراح والغدو، عند العرب يستعملان في المسير، أي
وقت كان من ليل أو نهار، وأراد بغال البريد التي قدمت بمسلمة عن عزله.
والمرتع: مصدر ميمي، فزا رة منادي.
وانظر: المقتضب 1/ 167. الكامل/ 478، والخصائص 3/ 152. والحجة 1/ 301.
وشرح السيرافي 1/ 234. والمقرب لابن عصفور/ 175 وابن يعيش 9/ 113.
والأضداد لابن الانباري/ 209. والرواية: راحت بمسلمة الركا ب والمحتسب
2/ 173. والديوان/ 508.
(3/469)
وقالَ حسانُ بن ثابت:
سَاْلَتْ هُذَينٌ رسولَ اللَّهِ فَاحِشَةً ... ضَلَّتْ هُذيلُ بمَا
قَالتْ ولَم تُصِبِ1
وقالَ زيدٌ بن عمرو بن نُفيلٍ:
سَاْلَتاني الطَّلاقَ إنْ رأتاني ... قَلّ َمالي قَدْ جِئْتُمَاني
بِنُكْرٍ2
فهذانِ لَيْسَ من لغتِهما ... سِلْتُ أسأْلُ وسِلْتُ أسْالُ" لغة 4
مِنْ
__________
1 من شواهد سيوبيوه 2/ 130 و2/ 170 على إبدال الهمزة ألفًا للضرورة،
والأ صل سألت.
قال المبرد: وأما قول حسان: سألت هذيل.. فليس من لغته سلت أسأل مثل خفت
أخفان لأن هذا من لغة غيره. والفاحشة: التي سالتها هذيل، أن يحل لها
ارسول الزنا.
وانظر: المقتضب 1/ 167. والكامل/ 288. وشرح السيرافي 1/ 234. والمحتسب
1/ 90 وابن يعيش 9/ 114. وشواهد الشافية/ 399. والخصائص 3/ 152،
والديوان/ 63 والبيت مفردا.
2 من شواهد سيبويه 2/ 170 على إبدال الألف في "سأل" من الهمزة واسشتهد
به 1/ 290 وكذلك فعل المصنف في الجزء الأول مع بيت أخر هو:
ويكأن من يكن له نشب يح بب ... ومن يفتقر يعش عيش ضر
على أسماء الأفعال ترد للتندم ويكأن، مركبة عند الخليل وسيبويه من وفي
التعجبية وكأن المخففة من المثقلة. والبيتان لعمرو بن نفيل.
وانظر الخصاص 3/ 41. والمحتسب 2/ 155. وشرح السيرافي 1/ 234. وابن يعيش
4/ 76 والخزانة 3/ 95. والهمع 2/ 106.
3 في الكتاب 2/ 170 وبعد ذكر الأبيات الثلاثة التي مرت: فؤهلاء ليس من
لغتهم: سلت ولا يسأل، وهو يعني: الفرزدق وحسان وابن نفيل. وأما ابن
السراج فقال: فهذان، ولعله يريد: حسانا، وزيد بن نفيل.
4 انظر: الكتاب 2/ 170 وبلغنا أن "سلت تسأل" لغة، ولم يذكر لأ ية قبيلة
هي.
(3/470)
غيرِ هَذا الأَصلِ "كخِفْتُ أَخاف" في
التقديرِ والوزنُ ليسَ مِنْ أَصلِ الهمزةِ ويقولُ: هُمْ يتساولانِ
كقولِكَ: يَتقاولانِ ومِنَ الهمزةِ المبدلةِ للضرورةِ:
لاَ يرهبُ ابنُ العمِّ مَتَى صَوْلَتي ... ولا أَخْتَتِي مِن صَوْلةِ
المُتَهَدّدِ1
وإنَّما يقالُ "اخْتَتأتُ إذا استترتُ مِنْ خضوعٍ وفَرَقٍ".
__________
1 الشاهد في "اختتئ" فقلت من الهمزة ياءين احتاج إلى تسكينها، وإنما
جعل هذا في ضرورة الشعر لأن الهمزة المتحركة إذا كان قبلها فتحة أو
كانت مضمومة وفيها كسرة كان تلييينها أن تجعل بين بين ولا تبطل حركتها.
وانظر: شرح السيرافي 1/ 234. والمقرب لابن عصفور/ 175. واللسان 1/ 56.
وديوان طرفة/ 153 مما نسب إليه.
(3/471)
الخامسُ: تغيرُ وجهُ الإِعرابِ للقافيةِ:
مِنْ ذلكَ إدخالُ الفاءِ في جوابِ الواجبِ ونصبُ ما بعدَها1 وهذَا لا
يجوزُ في الكلامِ وإنَّما ينصبُ ما بعدَها إذا كانَ مخالفًا لما قبلهَا
وذلكَ إذا كانتْ جوابًا لأمرٍ أَو نهيٍ أَو تَمنٍّ أَو استفهام أَو
نفيٍ قالَ الشاعرُ:
سأَتركُ مَنْزِلي لبَني تَمْيمٍ ... فألحقُ بالحِجَازِ فاسترِيحَا
وقالَ طرفةُ:
لَنا هضْبَةٌ لاَ يَدْخلُ الذَّلُّ وسطَها ... ويأوي إليها المُستِجيزُ
فَيُعصَما2
__________
1 ونصب ما بعدها: ساقط في "ب".
2 من شواهد سيبويه 1/ 423 على نصب "فيعصما" للضرورة تشبيها له بغير
الواجب والنصب بالفاء، يجوز، لأن النصب إنما هو بإضمار "أن" بعد الفاء
عوضا منها، فنسب النصب إليه. ويوري: ليعصما. وحينئذ لا ضرورة فيه وكني
بالهضبة عن عزة قومه ومنعتهم. والهضبة: الجبل.
ونسب سيبويه وابن السراج البيت إلى طرفة ولم يوجد في ديوانه، وهناك
قصيدة في الديوان على هذا الروي في هجاء صهره/ 117 ومن البحر الطويل
أيضا ونسبه صاحب اللسان للأعشى. وليس في ديوانه.
وانظر: المقتضب 2/ 24. وشرح السيرافي 1/ 253 والمقرب لابن عصفور 189
والمحتسب 1/ 197. واللسان 12/ 310 وديوان طرفة/ 159 مما نسب إليه.
(3/471)
وإنّما كانَ النصبُ فيما خالفَ الأَولَ على
إضمار "أَنْ" إذا قالَ: ما تأتني فتُكرِمَنِي كأَنَّه قالَ: ما يكونُ
مِنكَ إتيانٌ فأَنْ تكرِمَني فإذَا قالَ: أَنتْ تأتيني فتكرُمني فهوَ
كقولِكَ: أَنتَ تأتيني وأَنْتَ تكرِمُني فإذَا نَصَبَ للضرورةِ كانَ
التقديرُ: أَنْتَ يكونُ مِنكَ إتيانٌ فأَنْ تكرمَني ومِنَ الضروراتِ
وهوَ مِنْ أَحسنِها في هَذا البابِ.
وقاَلَ أبو العباس: لو تَكلمَ بها في غيرِ شعرٍ لجازَ ذلكَ قولهَ1:
__________
1 من شواهد الكتاب 1/ 145 على حذف الفعل الناصب "للأفع وان" وإنما نصب
الأفعوان والشجاع، لأنه قد علم أن القدم هَهُنَا مسالمة، كما أنها
مسالمة، فحمل الكلام على أنها مسالمة، ورواه الكوفيون بنصب: الحيات،
وذهبوا إلى أنه أراد "القدمان" فحذف النون.
والشجاع: ضرب من الحيات، الشجعم: الطويل، والأفعوان: الذكر من الحيات
ويريد بذات قرنين: حية لها قرنان من جلدها، والضموز: الساكتة المطرقة
التي لا تصفر لخبثها، فإذا عرض لها إنسان ساورته وثبا، والضرزم: المسنة
وذلك أخبث لها.
وصف الشاعر راعيا للإبل بخشونة القدمين وغلظ جلد هما حتى لا تستطيع
الحيات أن تؤثر فيهما. وقد نسب سيبويه هذا الرجز إلى عبد بين عبس،
ونسبه الأعلم للعجاج وهو في ديوانه مما نسب إليه. ونسبة صاحب اللسان
إلى مساور بن هند العبسي.
وانظر: الخصائص 2/ 430 والحجة لأبي على 1/ 91. والجمهرة لابن د ريد 3/
375. والمنصف 3/ 96. والجمل الزجاجي/ 214. وتوجيه إعراب أبيات ملغزة
الإعراب للفارقي/ 244. والحماسة 2/ 329 وشرح السيرافي 1/ 253. والمقتضب
3/ 283. واللسان "شجع" والروض الآنف 2/ 183. والخزانة 4/ 596. وديوان
العجاج/ 89. مما نسب إليه.
(3/472)
قَد سَالمَ الحياتِ منهُ القَدَمَا ...
الأُفعُوانَ والشُّجاعَ الشَّجْعَمَا
وذاتَ قَرنينِ ضَمُوزًا ضِرْزَمَا
لأَنهُ حينَ قالَ: ساَلمَ الحياتِ منهُ القَدَما عُلِمَ أَنَّ القدمَ
مُسَالِمةٌ كَما أَنَّها مُسَالَمَةٌ فنصبَ الأُفعوانَ بأَنَّ القدمَ
سَالمتْها لأَنكَ إذا قُلتَ: سَالمتُ زيدًا وضَاربتُ عمرًا فَقَدْ كانَ
مِنكَ مِثلُ ما كانَ إليكَ فإنَّما صَلُحَ هَذَا لإستغناءِ الكلامِ
الأولِ فحملت ما بعدَهُ بعدَ اكتفاءِ الكلامِ علَى ما لا ينقضُ معناهُ
وقَدْ قرأَ بعُضُ القراءِ: {وَكَذلِكَ زُيِّنَ لكَثِيرٍ مِنَ
المُشْرِكِينَ قَتْلُ أوْلادِهِمْ شُرَكَاؤُهم} 1 لمّا استغنى الكلامُ
بقولِه: قَتْلُ أولادِهم حملَ الثاني على المعنى أَي: "زَينهُ
شركاؤُهم" فَعَلى هذا تقولُ: ضُرِبَ زيدٌ عبدُ الله لأَنكَ لمّا قلتَ:
ضُرِبَ زيدٌ عُلِمَ أَنَّ لَهُ ضاربًا فكأَنكَ قلتَ: ضَربهُ عبدُ الله.
وعلَى هذَا ينشد2:
__________
1 الأنعام: 137 وقراءة "زين" بالبناء للمفعول ورفع "قتل" ورفع شركاؤهم"
من الشواذ، نظر: ابن خالوية/ 40-41 والبحر المحيط 4/ 229.
قال ابو حيان: وقراءت فرقة منهم السلمي والحسن وأبو عبد الملك قاضي
الجند صاحب ابن عامر "زين" مبنيا للمفعول، "قتل" مرفوعات مضافا إلى
أولادهم "شركاؤهم مرفوعا على إضمار فعل، أي: زينة شركاؤهم، هكذا خرجه
سيبويه. وفاعلا بالمصدر أي قتل أولادهم. وانظر: الكتاب 1/ 146 والمقتضب
2/ 281.
2 من شواهد سيبويه 1/ 145، 83، 199، على رفع "ضارع"بفعل محذوف، وهذا
على رواية "ليبك" بالبناء للمفعول، وقد روي بالنباء للفاعل، فيكون
"يزيد"، مفعولا به، وضارع الفاعل، ولا حذف في الكلام. وعجزه: ومختبط
مما تطيح الطوائح.
وبكته: أي: بكيت عليه، بخلاف حرف الجر لكثرة الس اتعمال، والضارع:
الذليل ولامختبط: الذي يأتيك للمعروف من غير وسيلة، وأصله من خبطت
الشجرة إذا ضربتها بالعصا ليسقط ورقها.
تطيح: تذهب وعقلك، والطوائح: بمعنى: المطيحات، يقال: طوحته الطوائح،
أطاحته أي: ذهبت به، ولا يقال: المطوحات.
لخصومة: متعلق بضارع وا للام للتعليل أو بمعنى عند.
ونسبت البيت للبيد بن ربيعة العامري ويوجد في ديوانه/ 50 طبعة ليدن
أبيات منها الشاهد:
لعمي لئن أمضى يزيد بن نش هل ... حشا جدت تسف عليه الروائح
وينسب أيضا لنشهل بن حري في رثاء أخيه يزيد بن نهشل، ونسب لمزرد بن
ضرار وليس في يوانه، وينسب للح ارث بن نهيك.
وانظر: المقتضب 3/ 271. وشرح السيرافي 1/ 254. والخصا ئص 2/ 353، 376
والمحتسب 1/ 230 وابن يعيش 1/ 80 والشعر والشعراء/ 99. والمفصل
للمزمخشري/ 22 والتصحيف للعسكري 208 والكافية للرضي 1/ 67. وشواهد
الكشاف/ 65.
(3/473)
لِيُبكَ يَزيدٌ ضَارعٌ لِخُصومَةٍ
ومِنْ هَذا البابِ قولُ القطامي:
فكرتْ تَبتغيهِ فَوَافَقَتْهُ ... علَى دَمِه وَمَصْرَعِهِ
السِّبَاعَا1
لأَنهُ لمَّا قَالَ: وافقتهُ عُلم أَنَّها قَد صَادفتِ السباعَ معهُ
فكأَنَّهُ قالَ: صادفتِ السباعَ علَى دمهِ ومصرعِه ومثلُ ذلكَ:
وَجَدْنَا الصالحينَ لَهُم جَزاءٌ ... وَجَنَّاتٍ وعَيْنًا
سَلْسَبيلاَ2
__________
1 من شواهد الكتاب 1/ 143 عل نصب "السباع" بإضما ر الموافقة لما جري من
ذكرها في صدر البيت. والتقدير: فكرت تبتغيه فوافقته ووافقت السباع على
دمه ومصرعه. وعند ابن جني على حذف المضاف، أي: وافقت آثار السباع.
والبيت للقطامي في وصف بقرة وحشية فقدت ولدها فطلبته فوجدت السباع قد
اغتالته.
وخطأ المبرد هذه الرواية ويرى أن الرواية الصحيحة.
فكرت ع ند فيقتها إليه
فألفت عند مصرعه السباعا
وانظر: الخصائص 2/ 426. والنوادر/ 204. والمحتسب 1/ 210 وشرح السيرافي
2/ 73. والديوان/ 45.
2 من شواهد سيبويه 1/ 146 على حمل الجنات والعين على المعنى ونصبهما
بإضمار "فعل" والتقدير: وجدنا لهم جنات وعينا سلسبيلا.
3 من شواهد سيبويه 1/ 146 على حمل الجنات والعين على المعنى ونصبهما
بإضمار "فعل" التقدير: وجدنا لهم جنات وعينا سلسبيلا.
قال سيبويه. لأن الوجدان مشتمل في المعنى على الجزاء. فحمل الآخر علي
المعنى. ولو نصب الجزاء لجاز، وكان الظاهر المتبادر رفع جنات وما بعده
عطفا على جزاء. والسلسبيل: السهل العذب وقيل: هو اسم عين في الجنة،
وذكر بعضهم أن ذلك مركب من قوله: سل سبيلا، وقيل: هو اسم لكل عين سريعة
الجري. ونسب البيت إلى عبد العزيز الكلابي.
وانظر: المقتضب 3/ 384. وشرح السيرافي 2/ 73.
(3/474)
أَي: وجدنا لَهم عينًا فلهذَا بابٌ في
الضروراتِ غيرِ ضَيقٍ ومِمّا يَقْربُ مِنْ هذا الباب قوله1:
أَقامتْ علَى رَبْعَيهما جَارَتا صَفاً ... كُميتَا الأَعالِي جَوْنَتا
مُصطَلاهُما
وإنَّما الكلامُ: "جُوْنَا المُصطَليَينِ" فردهُ إلى الأَصلِ في المعنى
لأَنَّكَ إذَا قلتَ مررتُ برجلٍ حَسنِ الوجهِ فمعناهُ2: حَسُنَ وجهُهُ
فإذَا ثنيتَ قلتَ: برجلينِ حَسَن الوجوهِ فإنْ رددتهُ إلى أصلِه قلتَ:
برجلينِ حَسَن وجوههُما فإذا قلتَ: وجوُههُما لم يكن في "حَسَنٍ" ذكرُ
ما قبلَهُ وإذا أَتيتَ بالألفِ واللامِ وأضفتَ الصفةَ إليها كانَ في
الصفةِ ذكر الموصوفِ فكانَ حَقٌّ هذا الشاعر لما قالَ: مُصْطَلاهُما
أَنْ يُوَحدَ الصفةَ فيقولُ: جَونٌ مُصْطَلاهُما.
__________
1 من شواهد الكتاب 1/ 102 على قبح إضافة الصفة مجردة من الألف واللام
إلى مضاف لضمير، وإن جواز ذلك خاص بالضرورة، شبهوه بحسنه الوجه، وذلك ر
دئ، لأنه بالهاء معرفة، كما كان بالألف واللام، وهو من سبب الأول كما
أنه من سببه الألف واللام.
وجارتا صفا: الأفيتان: والصفا: الجبل وهو الثالث إليهما، وهو قوله:
كمتا الأعالي يعني، أن الأعالي من الافثفتين لم تسود لبعدها عن مباشرة
النار فهي على لون الجبل، وجونتا مصطلاهما: يعني: مسودتي المصطلي وهو
موضع الوقود منهما وصف دفتي دارين خلتا من أهلهما- والربع- موضع
النزول.
والبيت للشماخ.
وانظر: الخصائص 2/ 420 وشرح السيرافي 1/ 255 ومعجم المقاييس 1/ 385.
وشواهد الإيضاح لابن بري/ 117 والتذييل والت كميل 1/ 207 وابن يعيش 6/
83 والعيني 3/ 587 والصاحبي لابن فارس/ 179. والديوان/ 86.
2 في "ب" فمعنى.
(3/475)
السابع: تأَنيثُ المذكرِ علَى التأويلِ:
مِنْ ذلكَ قولُ الشاعر:
فكانَ مِجَنّى دونَ مَنْ كنتُ أتقَّي ... ثَلاثُ شُخوصٍ كاعبانِ
ومُعْصِرُ1
فإنَّما أَنَّثَ الشخوصَ لقصدهِ النساءَ فحملهُ2 على المعنى ثُمَّ
أبانَ عَنْ إرادتِهِ وكشفَ عَنْ معناهُ بقولِه: كاعبانِ ومُعصرُ ونظيرُ
ذلكَ قوله3:
__________
1 من شوا هد الكتاب 2/ 175 عل تأنيث الشخص مراعاة لمعناه، لأنه أراد به
المراة، أنث الشخوص ناث، فلو قال: ثلاثة شخوص كان أجود لان الشخص ذكر
وأن كان لأنثى، ويروي: فكان نصري.
والمجن: الترس، والكاعب: الجارية حين يبدو ثدياها للنهود. والبيت لعمر
بن أبي ربيعة.
وانظر: الكامل/ 385 وشرح السيرافي 1/ 225 والأغاني 1/ 83 والتمام في
تفسير أشعار هذيل/ 128. والحماسة/ 167. والخصائص 2/ 417. والمقتضب 2/
148. والخزانة 3/ 313. والديوان/ 85.
2 فحمله: ساقطة في "ب".
3 من شواهد الكتاب 2/ 174 على تأنيث البطن وحذف الهاء من العدد المضاف
إليها حملا على معنى القبائل، لأنه أراد من البطن القبيلة، وقد بين ذلك
قوله: من قبائلها العشر.
هجا رجل أدعي نسبه في بني كلاب فذكر أن بطونهم عشرة، ولا نسب له معلوم
في أحدهم.
نسب هذا الشاهد إلى النواح الكلابي. وقال سيبويه: هو إلى رجل من بني
كلاب، وانظر: المقتضب 2/ 148. ومعاني القرآن 1/ 126. والتمام في اشعار
هذيل/ 129، والصاحبي لابن فارس/ 213، والمخصص لابن سيده 17/ 117،
والكامل/ 384، وشرح السيرافي 1/ 255، والخصائص 2/ 417.
(3/476)
وإنَّ كِلابًا هذهِ عَشْرُ أَبْطُنٍ ...
وأَنتَ بَرِيءٌ مِنْ قبائِلها العَشْرِ
فقالَ: عَشْرُ أَبطنٍ يريدُ: قَبَائلُ وأَبانَ في عجزِ البيتِ ما أرادَ
فأَمَّا في النعوتِ فإنَّ ذلك جَيدٌ بَالغٌ تقولُ: عندي ثلاثةُ
نَسَّاباتٍ وعَلاّماتٍ لأنَّكَ إِنَّما أَردتَ1: عندي ثلاثةُ رجالٍ
ثُمَ جئتَ2 بنَسَّاباتٍ نعتًا لهم فهذَا الكلامُ الصحيحُ وقد قرأتِ
القراءُ: {مَنْ جَاءَ بِالحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا} 3
لأَنَّ العددَ وَقعَ على حَسَناتٍ أَمثالَها.
قالَ محمد بن يزيد: ومن الشيءِ الذي في الشعرِ فيكونُ جميلًا ومجازهُ
مجازُ الضروراتِ عندَ النحويينَ وليس عندَه كذلكَ قولُهم في الكلامِ:
ذهبتْ بعضُ أَصابعهِ لأَنَّ بعضَ الأصابعِ إصْبعٌ فحملهُ على المعنى4
قالَ جريرُ:
لَمَّا أَتىَ خَبَرُ الزُّبَيْرِ تَوَاضَعَتْ ... سَورُ المَدِينةِ
والجبالُ الخَشَّعَ5
__________
1 في "ب" تريد.
2 جئت: ساقطة في "ب".
3 الأنعام: 160، وانظر: شرح الكافية 2/ 139 والكتاب 2/ 175. والمقتضب
2/ 149.
4 انظر: الكامل للمبرد/ 312 ومن كلام العرب: ذهبت بعض اصابعه لأن بعض
الأصابع إصبع.
5 من شواهد الكتاب 1/ 25 على اكتساب المضاف التأنيث من المضاف إليه وصف
الجبال بالخشية باعتبار ما آلت إليه. والسور: كل ما علا، وبها سمي سور
المدينة سورا، وعلي هذا لا شاهد في البيت والبيت من قصيدة لجرير في
هجاء الفرزدق.
والمعنى: لما وافي خبر قتل الزبير إلى مدينة الرسول "صلى الله عليه
وسلم" تواضعت هي وجبالها حزنا له وهذ مثل. ورواية الديوان: تهدمت بدلا
من تواضعت.
وانظر: المقتضب 4/ 198. ومعاني الفراء 2/ 37. والصاحبي/ 224 والخصائص2/
418. والكامل/ 312 والنقائض/ 969 والمذكر والمؤنث لابن الأنباري/ 317،
ومجا ز القرآن 1/ 197 واللسان "سور" ومقاييس اللغة 2/ 183. وشرح
السيرافي 1/ 321 والجمهرة لابن دريد/ 338-339 والاضداد لابن الأنباري
296 والديوان/ 345.
(3/477)
لأَنَّ السورَ من المدينة وقَالَ أَيضًا:
رأتْ مَرَّ السِّنينَ أَخّذْنَ مِنّي ... كما أَخذَ السِّرارُ مِنَ
الهِلاَلِ1
فَقالَ: أَخذنَ فردهُ إلى السنينِ ولم يردهُ إلى مرِّ لأَنَّهُ لا
معنَى للسنين إلا مَرها ومثلُه قولُ الأعشى:
وتَشرقُ بالقولِ الذي قَدْ أَذْعْتَهُ ... كَما شَرَقتْ صَدْرُ
القَنَاةِ مِنَ الدَّمِ2
لأَنَّ صدَر القناةِ من القناةِ.
قالَ محمد بن يزيد: يردُّ عَلَى مَن ادّعى أَنَّ هذَا مجراهُ3 مجرى
الضرورةِ القرآن أفصحُ4 اللغاتِ وسيدُها وما لا تعلقُ بهِ ضَرورةٌ ولا
__________
1 استشهد به على اكتساب المضاف التأنيث من المضاف إليه. وفيه اكتسابه
الجمعية، فإن مر مفرد والسنين جمع، فاكتسب مر الجمعية من السنين وكذلك
قال: أخذن مني، وإلا لقال: أخذ، وفيه شاهد آخر على أن بعض بني تميم
وبني عامر يلزم الياء ويجعل الإعراب على النون وعليه فنون السنين في
البيت مكسورة. والبيت الجرير في هجاء الفرزدق.
وانظر: المقتضب 4/ 200 ومعاني القرآن 2/ 37. والصابي/ 213 والكامل 312
والتهذيب 1/ 135 واللسان "خضع" والديوان/ 426.
2 من شواهد سيبويه 1/ 25 على اكتساب المضاف إلى التانيث. فقد أنث الصدر
وهو مذكر، لأنه مضاف إلى مؤنث هو منه، والخبر عنه كالخبر عما أضيف
إليه، لأن المعنى في شرقت القناة وشرق صدر القناة واحد.
وشرق: غصن وأذعته: أفشيته. والقناة: الرمح.
يخاطب الشاعر: عمير بن عبد الله وكانت بينهما مهاجاة، فيقول له: يعود
عليك مكروه ما أذعت عني من القول ونسبته إلى من القبيح فلا تجد منه
مخلصا.
وانظر: المقتضب 4/ 197 والكامل/ 312. والخصائص 2/ 417. والمذكر والمؤنث
لابن الأنباري/ 316 وشرح الحماسة 2/ 370 وشعراء النصرانية/ 377، وشرح
السيرافي 1/ 321 والجمهرة 2/ 339.
3 في "ب" أن يجري هذا مجرى.
4 أفصح: ساقط من "ب".
(3/478)
يلحقهُ1 تجوزٌ. قالَ الله عز وجلَ: {إنْ
نَشَأْ نُنَزِّلُ عَلَيْهِم مِنَ السَّمَاءِ آيةً فَظَلَّتْ
أَعْنَاقُهُمْ لهَا خَاضِعِينَ} 2. فَخبَّرَ عَنْهم وتركَ الأَعناق.
وقَالَ: قال أَبو زيدٍ: وقَد3 قالَ غيرهُ:
الأعناقُ: الجماعاتُ مِنْ ذلكَ قولُكَ4: جَاءني عُنُقٌ مِنَ الناسِ أي:
جماعةٌ كمَا قالَ القائلُ5 لعلي بن أبي طالبٍ رضي الله عنهُ:
أَبلغْ أَميرَ المؤمنينَ أَخَا العراقِ إذا أَتيْتَا ... أنَّ
العِرَاقَ وأهلَه عُنُقٌ إليكَ فَهَيْتَ هَيْتَا6
قالَ: فهذاَ قولٌ والأولُ هو الذي يعملُ عليهِ.
قالَ أَبو بكر: والذي عندي في ذلكَ أَنَّ الآية ليستْ نظيرةَ الأَبياتِ
التي ذكرتْ لأَنَّ تلك بُنيَ فيها اسمٌ7 مؤنثٌ8 على فِعْلٍ مؤنثٍ
والآية9 قد جَاءتْ باسمٍ مذكرٍ بعدَ
__________
1 يلحقه: ساقط من "ب".
2 الشعراء: 4 وانظر الكامل/ 312.
3 في الكامل/ 312 وكان أبو زيد الأنصاري يقول: أعناقهم: جماعتهم، تقول:
أتاني عنق من الناس.
4 قولك: ساقط من "ب".
5 قال القائل: ساقط من "ب".
6 الشاهد فيه عنق: بمعنى جماعات أو طوائف، إذا جاءوا فرقا كل جماعة
منهم عنق وأراد الشاعر هنا أن هم أقلوا إليك بجماعاتهم، أي: مالون إليك
ومنطروك ويروي:
سلم إليك..
ولم ينسب هذا الشاهد لقائل معين.
وانظر: معاني القرآن 2/ 40 والخصائص 1/ 279 والمحتسب 1/ 337. واللسان
12/ 145 "عنق" والتهذيب 1/ 252.
7 اسم: ساقط من "ب".
8 فعل مؤنث: ساقط من "ب".
9 كلمة الآية: ساقطة من "ب".
(3/479)
مؤنثٍ في اللفظِ فردَ1 "خاضعينَ" إلى
أَصحابِ الأَعناقِ ومِنْ ذلكَ قَولُ ذي الرمةِ:
مَشَينَ كَمَا اهْتزَّت رِماحٌ تَسَفَّهتْ ... أَعاليهَا مَرُّ الرياحِ
النَّواسِمِ2
ومِنْ ذَلك3 قَولُ الراجز:
مُرُّ الليالي أَسَرَعتْ في نَقْضِي ... أَخَذْنَ بَعْضِي وَتَرْكنَ
بَعْضِي4
فَقَد ذكرتُ5 في كُل حَدٍّ مِنَ الحدودِ6 ما أَجازتهُ الضرورُ7. هذَا
آخرُ الأصول بحمدِ الله ومنتِه
والحمدُ لله الواحد العدلِ ذي الجلالِ والمنةِ والفضلِ والصلواتُ على
رسولِه محمدٍ وآلهِ
__________
1 فرد: ساقط من "ب".
2 مر تفسير هذا الشاهد في نفس جزء.
3 ومن ذلك: ساقط في "ب".
4 من شواهد الكتاب1/ 26، على اكتساب المضاف التأنيث من المضاف إليه،
وكذلك اكتساب المضاف التأنيث والجمعية من المضاف إليه. ويروي: إن
الليالي أسرت في نقضي،
ولا شاهد فيه حينئذ. وينسب هذا الشاهد إلى العجاج، وهو موجود في ديوانه
مما نسب إليه، وكذلك ينسب إلى الأ غلب العجلي، ومعناه: مرور الليالي
على هدمني وأبلاني فصرت إلى الضعف بعد القوة، فكأنما نقضت بعد الإبرام.
وانظر: المقتضب 4/ 199 والبيان والتبيين للجاحظ 4/ 60 والمعمرين/ 87
والأغاني 18/ 64 والمخصص 17/ 78 والعيني 3/ 395 والخزانة 2/ 168،
والديوان/ 80م ما ينسب إليه.
5 في: ساقطة في "ب".
6 الحدود: ساقطة في "ب".
7 في "ب" الضرورات.
(3/480)
فُرغَ من انتساخِه ثالثَ عَشَر شَهْر
رمضانَ سنة إحدى وخمسينَ وستِّ مئةٍ شاكرًا على نعمهِ وأَفضالهِ
ومصلِّيًا علَى النبي وآلهِ.
قوبلَ بنسخةٍ مقروءةٍ علَى الشيخِ أبي الحسنِ علي بن عيسى النحوي رحمهُ
الله كتبهُ محمود بن أبي المفاخر محمود غفر الله ذنوبه وستر عيوبهُ
والحمدُ لله رَبِّ العالمينَ وصلَّى الله علَى سيدِنا محمدٍ وآلهِ
الطاهرينَ.
(3/481)
|