الأصول في النحو

باب الإدغام
مدخل
...
بسم الله الرحمن الرحيم
بَابُ الإِدغامِ 1:
قالَ أَبو بكر: أَصلُ حروفِ العربيةِ تسعةٌ وعشرونَ حرفاً2 الهمزةُ الألفُ، الهاءُ، العينُ، الحاءُ، الغينُ، الخاءُ، القافُ، الكافُ، الضادُ، الجيمُ، الشينُ، الياءُ، اللامُ، الراءُ، النونُ، الطاءُ، الدالُ، التاءُ، الصادُ، الزايُ، السينُ، الظاءُ، الذالُ، الثاءُ، الفاءُ، الباءُ، الميمُ، الواوُ. وتكونُ خمسةً وثلاثينَ. حرفاً3 مستحسنةً النونُ الخفيفةُ، وهمزةٌ بينَ بينَ، والأَلفُ الممالةُ، والشينُ كالجيمِ، والصادُ كالزاي، وأَلفُ التفخيمِ، ويكونُ اثنين وأربعينَ حرفًا بحروفٍ غير مستحسنةٍ.
__________
"*" هذا ساقط من نسخة "ب".
1 في الأصل "يتلوه" قبل باب الإدغام والتصحيح من "ب".
2 في المقتضب 1/ 192. اعلم: أن الحروف العربية خمسة وثلاثون حرفا، منها ثمانية وعشرون لها صور. والحروف السبعة جارية على الألسن مستدل عليها في الخط بالعلامات. فأما في المشافهة فموجودة، أما سيبويه فأصل حروف العربية عنده تسعة وعشرون حرفا. انظر: الكتاب 2/ 404.
والجدير بالذكر أن سيبويه قدم الكاف على القاف، وترتيب ابن السراج أقرب إلى الصواب.
3 في الأصل" مروعا" والتصحيح من "ب".

(3/399)


مخارجُ الحروفِ ستةَ عَشَرَ 1:
فللحقِ ثلاثةٌ فأَقصاها مخرجًا: الهمزةُ والهاءُ والألفُ. والأوسطُ: العينُ والحاءُ. والأَدنى مِنَ الفم: الغينُ والخاءُ. الرابع: أَقصى اللسانِ وما فوقَهُ مِنَ الحَنَكِ: القافُ. الخامس: أسفل مِنْ موضعِ القافِ مِنَ اللسانِ قليلًا ومما يليهِ من الحَنَكِ: الكافُ. السادس: وسطُ اللسانِ بينَهُ وبينَ وسطِ الحَنَكِ: الجيمُ والشينُ والياءُ. السابع: مِنْ بين أَولِ حافةِ اللسان وما يليها مِنَ الأضراسِ: الضادُ. الثامن: مِنْ [بينِ أَولِ] 2 حافةِ اللسانِ مِنْ أَدناها3 إلى منتهى طرفِ اللسانِ ما بينهما وبينَ ما يليها من الحنكِ الأعلى مما فُويق الضاحكِ4 والنابِ والرباعيةِ5 والثنيةِ6: مخرجُ اللامِ. التاسعُ: النونُ وهيَ من طرفِ اللسانِ بينهُ وبينَ ما فُويقِ الثنايا. العاشر: وَمِنْ مخرج النونِ غير أنَّهُ أَدخلَ في ظهر اللسانِ قليلًا لانحرافه إلى اللامِ: مخرجُ الراءِ. الحادي عشَرَ: ومما7 بينَ طرفِ اللسانِ وأصول الثنايا: مخرجُ الطاءِ والدالِ والتاءِ. الثاني عَشَر: مِمَّا بينَ اللسانِ وفُويق الثنايا السُّفلى8: مخرج الزاي
__________
1 في عدد المخارج خلاف: فمذهب الخليل وبعض علماء القراءات أنها سبعة عشر مخرجا، يزيدون مخرجا للحروف الجوفية. وعلى مذهب سيبويه وجمهور النحاة والقراء ستة عشر. وعلى مذهب الجرمي. والفراء أربعة عشر. وانظر: النشر لابن الجزري.
2 زيادة من "ب".
3 من أدناها: ساقط في "ب".
4 الضاحك: والضاحكة: في أول الأضراس خلف الناب مباشرة.
5 الرباعية: أحد أسنان مقدم الفم من القواطع بين الناب والثنية.
6 الثنية: أحد سني مقدم الفم مما يلي الرباعية.
7 في الأصل: ومن ما.
8 حدد ابن السراج الثنايا بأنها السفلى وهو مراد سيبويه، إذ قال 2/ 405. ومما بين طرف اللسان وفويق الثنايا مخرج الزاي والسين والصاد.

(3/400)


والسينِ والصادِ. الثالث عشَرَ: مِمَّا بينَ طرفِ اللسانِ وأَطرافِ الثنايا: مخرجُ الظاءِ والثاءِ والذالِ. الرابع عشَرَ: ومِنْ باطنِ الشَّفةِ السفلى وأَطرافِ الثنايا العليا: مخرجُ الفاءِ. الخامس عَشَر: ومما بينَ الشفتينِ: الباءُ والميمُ والواوُ. السادس عشَر: ومِنَ الخَياشيم مخرجُ النونِ الخفيفةِ.

(3/401)


أَصنافُ هذهِ الحروفِ أَحدَ عَشَر صنفًا:
المجهورةُ والمهموسةُ والشديدةُ والرخوةُ والمنحرفُ والشديدُ الذي يخرجُ معهُ الصوتُ والمكررةُ واللينةُ والهاوي والمطبقةُ والمنفتحةُ.
الأول: المجهورةُ1:
وهيَ تسعةَ عَشَرَ حرفًا: الهمزةُ والألفُ والعينُ والغينُ والقافُ والجيمُ والياءُ والضادُ واللامُ والزايُ والراءُ والطاءُ والدالُ والنونُ والظاءُ والذالُ والباءُ والميمُ والواوُ.
فالمجهورةُ كُلُّ حرفٍ أُشبِعَ الاعتمادُ في موضعهِ ومُنِعَ النفسُ أَنْ يجريَ معهُ حتّى ينقضي الاعتمادُ يجري الصوتُ إلا أَنَّ النونَ والميمَ قد يعتمدُ لهما في الفمِ والخَياشيمِ فتصيرُ فيهما غُنَّةٌ والدليلُ على ذلكَ أَنَّكَ لو أمسكتَ بأَنفِكَ ثُمَّ تكلمتَ بهما رَأَيْتَ ذلكَ قد أَخلَّ بهما.
__________
1 المجهور: حرف أشبع الاعتماد في موضعه ومنع النفس أن يجري معه حتى ينقضي الاعتماد عليه. وانظر: الكتاب 2/ 45

(3/401)


الثاني: المهموسةُ1:
وهيَ عشَرةُ أحرفٍ: الهاءُ والحاءُ2، والخاءُ والكافُ والسينُ والشينُ والتاءُ والصادُ والثاءُ والفاءُ، وهوَ حرفٌ أُضعِفَ الاعتمادُ في موضعهِ حتَى جَرى معهُ النفسُ [وأَنتَ تعرفُ ذلكَ إِذا اعتبرتَ فرردتَ الحرفَ مع جَري النفسِ] 3 وَلَو أَردتَ ذلكَ في المجهورةِ لم تقدرْ عليهِ.
الثالثُ: الشديدُ مِنَ الحروفِ:
هُوَ الذي يمنعُ الصوتَ أَنْ يجريَ فيهِ وهيَ ثمانيةُ أَحرفٍ: الهمزةُ والقافُ والكافُ والجيمُ والطاءُ والتاءُ والباءُ والدالُ فلو أَردتَ مَدَّ صوتِكَ بالحرفِ الشديدِ لَمْ يَجْرِ لكَ وذلكَ أَنَّكَ لو قلتَ: أُلحَجَ لَمْ يَجْرِ لكَ مَد الصوتِ بالجيمِ.
الرابعُ: الحروفُ الرَّخوةُ:
الهاءُ والحاءُ والغينُ والخاءُ والشينُ والصادُ والضادُ والزايُ والسينُ والظاءُ والثاءُ والذالُ والفاءُ وذلكَ أَنَّكَ إذا قلتَ: الطَّسْ وانْقَض وأَشباهُ ذلكَ أَجريتَ فيهِ الصوتَ إِنْ شئتَ أَما "العينُ" فبينَ الرَّخْوةِ والشديدةِ تصلُ إِلى الترديدِ فيها لشبهِها بالحاءِ.
__________
1 بدأ المبرد في المقتضب 1/ 195 بالحروف المهموسة خلافا لسيبويه وابن السراج اللذين ذكرا أولا الحروف المجهورة. انظر: الكتاب 2/ 405. والحروف المهموسة أضعف الاعتماد في موضعه حتى جرى النفس معه.
2 الحاء: ساقطة في "ب"
3 ما بين القوسين ساقط في "ب".

(3/402)


الخامسُ: الحرفُ المنحرفُ:
وَهوَ حرفٌ شديدٌ جرى فيهِ الصوتُ لانحرافِ اللسانِ مع الصوتِ ولَمْ يعترضْ على الصوتِ كاعتراض الشديدةِ وهوَ اللامُ وإنْ شئتَ مددتَ فيهِ الصوتَ وليسَ كالرَّخوةِ لأنَّ طرفَ اللسانِ لا يتجافى عَنْ موضعهِ وليسَ يخرجُ الصوتُ مِن موضعِ اللامِ ولكنْ مِنَ ناحيتي مُستدقِّ اللِّسانِ فُويقَ ذلكَ.
السادسُ: الشديدُ الذي يخرجُ معهُ الصوتُ:
لأنَّ ذلكَ الصوتَ غنَّةٌ مِنَ الأَنفِ1 فإنَّما تخرجهُ مِنْ أَنفِكَ واللسانُ لازمٌ لموضعِ الحرفِ لأنَّكَ لو أمسكتَ بأَنفِكَ لم يجرِ معهُ صوتٌ وهوَ النونُ والميمُ.
السابعُ: المكررُ:
وهوَ حرفٌ شديدٌ جرى فيهِ الصوتُ لتكريرهِ وانحرافهِ إِلى اللامِ فَتَجافى للصوتِ كالرِّخوةِ ولَوْ لَمْ يكررْ لَمْ يجرِ الصوتُ فيهِ وهو الراءُ.
الثامنُ: اللينةُ:
الواوُ والياءُ لأَنَّ مخرجَهما يتسعُ لهواءِ الصوتِ أَشدُّ مِنَ اتساعِ غيرهِما.
__________
1 في "ب" من الألف، وهو خطأ.

(3/403)


التاسعُ: الهاوي:
حرفٌ اتسعَ لهواءِ الصوتِ مخرجُهُ أشدُّ مِن اتساعِ مخرجِ الياءِ والواوِ لأَنّكَ قَدْ تضمُّ شفَتيكَ في الواوِ وترفعُ لِسَانَكَ في الياءِ قِبَلَ الحَنَكِ وهيَ الألفُ وهذِه الثلاثةُ أَخفى الحروفِ لاتساعِ مخرجِها وأَخفاهُنَّ وأَوسعهنَّ مخرجًا الألفُ ثُمَّ الياءُ ثُمَّ الواوُ1.
العاشرُ: المطبقةُ:
هيَ أَربعةٌ: الصادُ والضادُ والطاءُ والظاءُ.
الحادي عَشَر: المُنفتحةُ:
وهَوَ كُلُّ ما سِوى المطبقةِ مِنَ الحروفِ لأَنَّكَ لا تُطبقُ لشيءْ منهنَّ لسانَكَ ترفعهُ إلى الحَنَكِ وهذهِ2 الأَربعةُ الأحرفُ إذَا وضعتَ لِسَانَكَ في مواضعهن انطبق لسانُكَ من مواضعهِنَّ إلى ما حَاذى الحَنَكَ الأَعلى مِنَ اللسانِ ترفعهُ إلى الحَنَكِ فإذَا وضعتَ لِسَانَكَ فالصوتُ محصورٌ فيما بينَ اللسانِ والحَنَكِ إلى موضعِ الحروفِ. وأَمَّا الدالُ والزايُ ونحوهما فإنَّما ينحصرُ الصوتُ إذا وضعتَ لِسَانَكَ في مواضعهِن ولولا الإِطباقُ لصارتِ الطاءُ دالًا والصادُ سينًا والظاءُ ذالًا ولخرجتِ الضادُ مِنَ الكلامِ لأَنهُ ليس شيءٌ من موضعِها وغيرُها.
__________
1 ما بين القوسين ساقط من "ب".
2 في "ب" وهي.

(3/404)


ذِكرُ الإِدغامِ:
وَهَو وصلُكَ حرفًا ساكنًا بحرفٍ مثلهِ مِنْ موضعهِ مِنْ غيرِ حركةٍ تفصلُ بينَهما ولا وقف فيصيرانِ بتداخلِهما كحرفٍ واحدٍ ترفعُ اللسانَ عَنهما رفعةً واحدةً ويشتدُّ الحرفُ أَلاَ ترى أَنَّ كُلَّ حرفٍ شديدٍ يقومُ في العَروضِ والوزنِ مُقامَ حرفينِ الأَولُ مِنْهُما ساكنٌ.
والإِدغامُ في الكلامِ يجيءُ علَى نوعينِ: أَحدهما: إدغامُ حرفٍ في حرفٍ يتكررُ والآخرُ: إدغامُ حرفٍ في حرفٍ يقاربُه.

(3/405)


النوع الأولُ: إدغامُ الحرفينِ اللذينِ تضعُ لسانَكَ لهَما موضعًا واحداً
لا يزولُ عنهُ وذلكَ يجيءُ على ضربينِ: أَحدهما: أَنْ يجتمعَ الحرفانِ في كلمةٍ واحدةٍ والآخرُ: أَنْ يكونا من كلمتينِ. فأَمَّا ما كانَ من ذلكَ في الفعلِ الثلاثي الذي لا زيادةَ فيهِ فجميعهُ مدغمٌ متَى التقى حرفانِ مِنْ موضعٍ واحدٍ متحركينِ حذفتِ الحركةُ وأُدغمَ أحدُهما في الآخرِ وذلكَ نحو: فَرَّ وسُرَّ والأَصلُ: فَررَ وَسُرِرَ. فَفَرٌّ. نظيرُ "قَامَ" أُعلَّتِ العينُ في ذَا كما أُعلَّتْ في ذا1، وَسُرَّ: نظيرُ "قِيلَ" في أَصلِها أَلاَ ترى أَنَّ بعضَهم يقولُ2: قُوْلَ
__________
1 الألف: ساقطة في "ب".
2 ذكر سيبويه 2/ 360 هذه اللغات في الفعل الأجوف المبني للمجهول، اعتبر أن قيل وبيع هي الأصل، ولم يعز هذه الل غات لأصحابها. قال وبعض العرب يقولك خيف وبيع، فيشم إرادة أن يبين أنها فُعِلَ، وبعض من يضم يقول: بوع وقول وخوف. يتبع الياء ما قبلها. قال أبو حيان في البحر المحيط 1/ 60-61: قيل: لغة قريش ومجاوريهم من كنانة. وقول: لغة هذيل وبني دبير من أسد، وقيل بالإشمام -الحركة بين الكسرة والضمة- لغة كثير من قيس وعقيل ومن جاورهم وعامة بني أسد.

(3/405)


وبُوعَ كمَا أنَّ منهم مَنْ يقولُ: رِدَّ مثلُ "قِيلَ" وأَمَّا مُدُّ وفِرَّ في الأمرِ فَقَد ذكرناهُ في حَدِّ الوقف والابتداء وكذلكَ ما جاءَ من الأسماءِ علَى وزنِ الأَفعال المدغمةِ أُعِلَّ وأُدغِمَ لأَنَّ الإِدغامَ اعلالٌ إلا "فَعَلٌ" مثلُ "طَلَلٍ وشَرَرٍ" فإنْ كانَ المضاعفُ علَى مِثَالِ "فَعُلٍ" و"فَعِلٍ" لَمْ يقعْ إلا مدغمًا وذلكَ رَجلُ ضَفُّ1 الحَالِ هُو"فَعِلٌ" والدليلُ علَى ذلكَ قولُهم الضفَفُ في المصدرِ فهذا نظيرُهُ من غيرِ المُضَاعفِ. الحَذَرُ، وَرَجلُ حَذِرٌ وقَد جاءَ حرفٌ منهُ علَى أَصلهِ كما قَالوا "الخَوَنةُ والحَوَكَةُ" علَى أُصولِهما قالوا: قَوْمٌ ضَفَفُو الحاَلِ فَشَذَّ هَذا كما شَذَّ غيرهُ. "وفَعُلٌ" لَمْ يسمعْ منهُ شيءٌ جاءَ على أَصلِه وإنْ كانَ المضاعفُ "فُعْلاً" أو"فِعَلاً" أو فُعُلًا مِمّا لا يكونُ مثالُه فِعْلًا فهوَ على الأَصلِ نحو: "خُزَوٌ ومَرِرٌ"3، وحُضُضٍ وضُضً فَأَمَّا قولهُم: قَصَصٌ وقَصٌّ وَهُم يعنونَ المصدَرَ4 فإنّما هُما اسمانِ: أَحدهما مُحَرَّكُ العينِ والآخرُ ساكنُ العينِ. فجاءا علَى أُصولِهما ومثلُه مِنْ غيرِ المضاعفِ: مَعَزٌ ومَعْزٌ وشَمَعٌ وشَمْعٌ وشَعَرٌ وشَعْرٌ وهَذا كثيرٌ ولَيْسَ أَنَّ "قَصّاً" مسكّنٌ مِنْ "قَصَصٍ" ولكن كُل واحدْ منهما أَصلٌ وأَما قَولُ الشاعرِ:
"هَاجَكَ مِنْ أَرْوَى كمنَهاضِ الفَلَكْ5......
__________
1 ضففُ الحال: الضفف: شدة المعيشة وكثرة العيال. ورجل ضف الحال: رقيقه.
2 الخونة والحوكة لم يُعلُّوهما مع موجب الإعلال، وهو تحرك الواو وانفتاح ما قبلها لخفة الفتح، أما قولهم: قوم ضففوا الحال فشاذ.
3 خزر: ذكر الأرانب، ويجمع على خزار، ومرر: جمع مَرة أو مِرة.
4 في الأصل: الصدر.
5 مر تفسير هذا الرجز ص/ 449

(3/406)


فإنّما احتاجَ إلى تحريكهِ فبناهُ على "فَعَلٍ" كَما قالَ1:
"ولَمْ يُضِعْها بينَ فِرْكٍ وعَشَق ... "
وإنَّما هُوَ عِشْقُ فاحتاجَ فبناهُ على "فَعَلٍ".
قالَ المازني: وزعمَ الأصمعي قَالَ: سألتُ أَعرابيًا ونحن بالموضعِ الذي ذكرَهُ وزهيرُ حيثُ يقولُ:
ثم استَمرّوا وقَالوا: إنَّ مشرَبكم ... مَاءٌ بشرقيّ سَلْمَى فَيْدُ أَوْ رَكَكُ2
هل تعرفُ "رَكَكاً" فقالَ: قَدْ كانَ هَهُنَا ماءٌ يُسَمَّى ركًّا. فهذَا مثلُ فَكَكٍ3 فإذا أَلحقتَ هذه الأشياءَ التي ذكرتَ الأَلِفَ والنونَ في آخرها فإنّ الخَليلَ وسيبويهِ والمازنيَّ يدعونَ الصدرَ علَى ما كانَ عليهِ قبلَ أَنْ يلحقَ وذلكَ نحو: ردَدَانِ وإنْ أَردتَ "فَعُلانٌ" أَو "فَعِلانٌ" أَدغمتَ فقلتَ: "رَدَّانٌ" فيهما4 وكانَ أَبو الحسن الأخفش يظهرُ فيقولُ: رَدُدَانٌ وَرَدِدَانٌ ويقولُ: هُوَ ملحقٌ بالألفِ والنونِ فلذلكَ يظهرُ لِيَسْلَمًَ البناء5.
__________
1 هذا الرجز لرؤبة بن العجاج من أرجوزة في وصف المفازة. والشاهد سكون الشين والفرك: بالكسر: البغضة عامة، وقيل: الفرك: بغضة الرجل امرأته وبغضة امرأته له، وهو أظهر. وقد فركته تفكره فركا وفركا: أبغضته. والعشق: العشق وهو عجب المحب بالمحبوب، ويكون عفاف الحب ودعارته.
وانظر: المنصف 2/ 307 والتهذيب 1/ 170. واللسان "سرر، وعشق، وفرك" والديوان/ 104. وإصلاح المنطق/ 8/ 98. ومعجم مقاييس اللغة 4/ 321.
2 هذا البيت لزهير بن أبي سلمي والشاهد فيه فك الإدغام في "رك" ورك: محلة من محال سلمى أحد جبلي طيء، وقيل هو ماء.
وانظر: المقتضب 1/ 200. والمنصف 2/ 309. والخصائص2/ 334، والمحتسب 1/ 87. والكامل/ 324 والموشح/ 48، 250. والنوادر لأبي زيد/ 30 وشرح السيرافي 1/ 207. والأغاني 1/ 311، والديوان/ 167.
3 انظر: التصريف 2/ 309 ونوادر أبي زيد/ 30. والمسلسل/ 139.
4 انظر: الكتاب 2/ 402، والتصريف 2/ 309-310.
5 انظر: التصريف 2/ 310، والهمع 2/ 181.

(3/407)


قال المازني: والقول عندي على خلاف ذلك لأَن الألفَ والنونَ يجبُ أَنْ يكونا كالشيءِ الواحدِ المنفصلِ أَلاَ تَرى أَنَّ التصغيرَ لا يحتسبُ بهما فيهِ كمَا لا يحتسبُ بياءي الإِضافةِ ولا بألِفَي التأنيثِ ويحقرونَ "زَعْفَراناً" فيقولونَ: زُعَيفَرانٌ وخُنْفُساءُ1. خُنَيفِسَاءُ فَلَو احتسبوا بهما لحذفوهما كمَا يحذفونَ ما جاوزَ الأربعةَ فيقولونَ في "سَفَرْجَلٍ". سُفَيرِجٌ2 فأَمَّا ما جاءَ مِنَ التضعيفِ فيما جاوزَ عدتهُ ثلاثةَ أَحرفٍ فإنّهُ يكونُ علَى ضربينِ. ملحقٍ وغيرِ ملحقٍ3، فالمُلحقُ يظهرُ فيهِ التضعيفُ نحو: مَهْدَدٍ وجَلْبَبَةٍ. فَمَهْدَدٌ ملحقٌ بجَعْفَرٍ وجَلْبَبَةٌ ملحقٌ بدَحْرَجَةٍ.
وإنْ كانَ غيرَ ملحقٍ أُدغمَ وذلكَ نحو: احمّارَ واحمر ولو كانَ لَهُ في الرباعي مِثالٌ لَمَا جازَ تضعيفهُ كَما لم يجزْ إدغامُ "اقْعَنْسَسَ" لمَّا كانَ ملحقًا "باحْرَنْجَمَ4" وقَد مَضَى ذِكرُ ذَا وأَشباهه وأَمَّا "اقْتَتَلوُا" فَليسَ بمحلقٍ والعربُ5 تختلفُ في الإِدغامِ وتركهِ فمنهم مَنْ يجريهِ مَجرى المنفصلينِ فلاَ يدغمُ كَما لا يُدغمُ اسمُ "مُوسَى" وإنَّما فُعِلَ بهِ ذلكَ لأَنَّ التاءَ الأُولى دخلتْ لمعنى فَمَنْ أَبَى الإِدغامَ كرِهَ أَنْ يُزيلَ البناءَ الذي دخلتْ لَهُ التاءُ فيزولُ المعنى وذَهب إلى أَنَّ التاءَ غيرُ لازمةٍ وأَنَّها لَيْست
__________
1 خنفساء: يقال: الخنفساء والخنفسة والخنفس.
2 انظر: التصريف 2/ 311.
3 غير ملحق: ساقط في "ب".
4 احرنجم: اجتمع.
5 اختلف العرب في الفعل الذي على وزن "افتعل" الذي يشتمل على حرفين متماثلين. مثل، اقتتل أو متقاربين مثل: اختطف، فمنهم من يظهر ومنهم من يدغم ولهم في الإدغام وجوه: فمنهم من يقول: قِتّلوا يَقتلون، ومنهم من يقول: قَتّلوا يَقَتلون، أو يَقِتلون. وقد وردت قراءات منسوبة إلى أصحابها شاهدة بهذه الوجوه جميعا. انظر: البحر المحيط. وسيبويه 2/ 410 والمنصف2/ 336.

(3/408)


مثلَ راءِ "احْمَرَرْتُ" اللازمةِ لأَنَّهُ يجوزُ أَنْ يقعَ بعدَ تاءِ "افتَعلُوا" كُلُّ حرفٍ مِنْ حروفِ المعجمِ. ومنهم مَنْ أَدغمَ لمَّا كانَ الحرفانِ في كلمةٍ ومضَى علَى القياسِ فقالَ: يَقتِّلُونَ وَقَدْ قِتِّلوا كسروا القافَ لإلتقاءِ الساكنينِ وشبهتْ1 بقولهم: "رُدٌّ"2. وقالَ آخرونَ: قَتَّلوا أَلقوا حركةَ المتحركِ علَى الساكنِ وتصديقُ ذلكَ قراءةُ3 الحَسَنِ4. "إلَّا مَنْ خَطَّفَ الخَطْفَةَ"5 ومَنْ قَالَ: يَقَتِّلُ قَالَ: مُقَتِّلٌ ومَنْ قالَ: يَقتِّلُ قَالَ: مُقَتِّلٌ.
قالَ سيبويه: حدثني الخليلُ وهارون6: أَنَّ ناسًا يقولونَ: {مُرُدِّفِينَ} 7، يريدونَ: مُرْتَدِفِينَ أَتْبعوا الضمةَ الضمة ومَنْ قالَ هَذا قالَ: مُقُتِّلِينَ وهَذا أَقلُّ اللغاتِ8. وكُلُّ مَا يجوزُ أَن تدغمَهُ ولا تدغمهُ فلكَ فيهِ الإِخفاءُ إلا أَنْ يكونَ قبلَهُ ساكنٌ وبعدَهُ ساَكنٌ كنح و"أُرْدُدْ"
__________
1 في "ب" ويشبهه.
2 في "ب" رد ساقطة.
3 في الأصل "قول" والتصحيح من "ب".
4 الحسن: هو أبو سعيد بن يسار البصري. كان أبوه من موالي الأنصار. وأمه مولاة لأم سلمة زوج الرسول صلى الله عليه وسلم. وكان من الشخصيات البارزة في القراءات والتفسير، والكلام والفقه. وكتب للربيع بن زياد الحارثي بخراسان. ولد سنة 31هـ. وتوفي سنة 110هـ. وانظر: الأعلام 1/ 243 ومعارف/ 400.
5 الصافات: 10.
6 هارون: أبو عبد الله الأعور البصري الأزدي، صاحب القرآن والعربية. وأخذ عن عاصم وابن كثير وأبي عمرو وغيرهم. وهو أول من تتبع وجوه القرآن وألفها وتتبع الشاذ منها. وبحث عن إسناده توفي في حدود 170هـ.
وانظر: طبقات القراء 2/ 348 وبغية الوعاة/ 406.
7 الأنفال: 9، والآية: {فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُرْدِفِينَ} .
8 انظر: الكتاب 2/ 410 والبحر المحيط.

(3/409)


الضربُ الثاني: أَنْ يكونَ الحرفانِ من كلمتينِ منفصلتينِ.
وهوَ ينقسمُ قسمينِ:
أَحدهما: ما يجوزُ إدغامُهُ.
والآخرُ: لا يجوزُ إدغامُهُ.
وأَحسنُ ما يكونُ الإِدغامُ في الحرفينِ المتحركينِ اللذينِ هُمَا سواءٌ إذَا كانا منفصلينِ أَن تتوالى خمسةُ أَحرفٍ متحركةٍ بهما فَصَاعدًا لأَنَهُ ليسَ في أَصلِ بناءِ كلامهم بناءٌ لكلمةٍ علَى خمسةِ أَحرفٍ متحركةٍ. وقَد تتوالى الأربعةُ متحركةً في مثلِ "عُلَبِطٍ"1 وهو محذوفٌ [مِنْ] 2 عَلاَبط ولا يكونُ ذلكَ في غيرِ المحذوفِ وليسَ في الشعرِ خَمسةُ أَحرفٍ متحركةً متواليةً وذلكَ نحو: جَعَلَ لَكَ وفَعَلَ لَبِيدُ لَكَ. أَن تُدغَم ولكَ أَنْ تُبينَ والبيانُ عربي3 حجازي4 لأَنَّ المنفصلَ ليسَ بمنزلةِ ما هُوَ في كلمةٍ واحدةٍ لا ينفصلُ نحو: مَدَّ واحْمَرَّ ولكَ الإِدغامُ في كُلِّ حرفينِ منفصلينِ إلا أَنْ يكونَ قبلَ الأولِ حرفٌ ساكنٌ فحينئذٍ لا يجوزُ الإِدغامُ لأَنَّهُ لا يلتقي ساكنانِ إلا أَنْ يكونَ الساكنُ الذي قبلَ الأَوّلِ حرفُ مَدٍّ فإنَّ الإِدغام يجوزُ في ذلكَ [كما] 5 كانَ في غيرِ الانفصالِ كما قالوا: رَادَّ وتُمُودَّ الثوبُ6.
فأَمَّا المنفصلَ فنحو قولِكَ: المالُ لَكَ وهم يُظْلِمُونيِّ والبيانُ هَهُنَا
__________
1 علبط: قطيع من الغنم.
2 زيادة من "ب".
3 عربي: ساقط من "ب".
4 انظر: الكتاب 2/ 407.
5 زيادة من "ب".
6 تمود الثوب: أي: تمادا، كلاهما.

(3/410)


يزدادُ حسنًا لسكونِ ما قبلَهُ فإنْ كانَ قبلَهُ ساكنٌ لَيْسَ بحرفِ مَدٍّ لَم يجزِ الإِدغامُ وذلكَ قولُكَ: ابنُ نُوحٍ واسمُ مُوسى لا تُدغِم ولكنَّكَ إنْ شئتَ أَخفيتَ وتكونُ بزنةِ المتحركِ ولا يجوزُ إذَا كانَ قبلَ الحرفِ الأَولِ حرفٌ ساكنٌ أَنْ يُدغمَ. ويُحركُ ما قبلَهُ لإلتقاءِ الساكنينِ فأَمَّا قولُ بعضِهم: "نِعِمَّا"1 مُحَرَّكَ العينِ فَلَيْسَ علَى لُغةِ مَنْ قالَ "نِعْمَ" فأَسكنَ ولكنْ علَى لُغةِ مَنْ قالَ: "نِعِمَ" فحرّكَ العينَ هَذَا قولُ سيبويه2.
قال: وحدّثَنا أَبو الخطابِ3: أَنَّها لغةُ هُذيَلٍ4 وكسروا كمَا كسروا "لِعِبٌ" وأَمَّا قولهُ: {فَلا تَتَنَاجَوْا} 5 فإنْ شَئْتَ أَسكنتَ وأَدغمتَ لأَنَّ قبلَهُ حرفُ مَدٍّ وهوَ الألفُ وأَمَّا "ثَوبُ بَكْرٍ" فالبيانُ هَهُنَا أَحسنُ منهُ في الأَلفِ لأَنَّ الواوَ في "ثَوْبٍ" لا تشبهُ الأَلفَ لأَنَّ حركةَ ما قبلَها لَيْسَ مِنها وكذلكَ "جَيْبُ بَكْرٍ" والإِدغامُ في هَذا جَائزٌ وإنْ لِم يكونا بمنزلةِ الأَلِفِ وإنَّما يكونانِ بمنزلةِ الأَلفِ إذَا كانَ قبلَ الواوِ ضَمَّةٌ قبلَ الياءِ كسَرةٌ فالإِدغامُ في "ثَوْبِ بَكْرٍ" في المنفصلِ مثلُ "أُصَيْمٌ" في المتصل وإنَّما فُعِلَ ذَلكَ بياءِ التصغيرِ لأَنَّها لا تحركُ وأَنَّها نظيرُ الألفِ في "مَفَاعِلَ ومَفَاعيلَ"6.
__________
1 يشير إلى قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ} النساء: 58. وانظر: الكتاب 2/ 408.
2 انظر: الكتاب 2/ 408.
3 أبو الخطاب: هو الأخفش الكبير من أساتذة سيبويه.
4 انظر: الكتاب 2/ 408.
5 المجادلة: 9 والآية: {فَلا تَتَنَاجَوْا بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَمَعْصِيَتِ الرَّسُولِ} .
6 لأن التحقير يجري على "مفاعل ومفاعيل". إذا جاوز الثلاثة. وانظر: الكتاب 2/ 409.

(3/411)


القسمُ الثاني: الذي لا يجوزُ إدغامُهُ:
وإذا قلتَ: مررتُ بوليِّ يزيدَ وعَدوِّ وليدٍ فإن شِئْتَ أخفيتَ وإنْ شِئتَ بنيتَ ولا يجوزُ الإِدغامُ لأَنكَ حيثُ أَدغمتَ الواوَ في "عَدوٍّ" والياءَ في "وَليٍّ" فرفعتَ لِسَانَكَ رفعةً واحدةً ذهبَ المدُّ وصارتا1 بمنزلةِ ما يدغمُ مِنْ غيرِ المعتل فالواوُ الأُولى في "عَدوٍّ" بمنزلةِ اللامِ في "دَلْوٍ" والياءُ الأُولى في "وَليٍّ" بمنزلةِ الباءِ في "ظَبيٍ" والدليلُ علَى ذلكَ أَنَهُ يجوزُ في القوافي "ليَّا" معَ قولِكَ: ظَبْيًا و"دوّا"2 معَ قولِكَ: غَزْوًا وإذَا كانتِ الواوُ قبلَها ضَمّةٌ والياءُ قبلهَا كسرةٌ فإنَّ واحدةً منهما لا تدغمُ إذَا كانَ مثلُها بعدَها وذلكَ قولُكَ: ظَلَمُوا واقِدًا واظْلِمِي يَاسرًا ويغزوُ واقِدٌ وهَذَا قاضي يَاسرٍ لا تدغمُ وإنّما تركوا المَدَّ علَى حالهِ في الانفصالِ كمَا قالوا: قَد قُوْوِلَ حيثُ لم تَلزمِ الواوُ وأرادوا أَنْ تكونَ علَى زنةِ "قَاوَلَ" فكذلك هذهِ3 إذا لم تكُنْ الواوُ لازمةً4 فأَمَّا الواوُ إذَا كانتْ لازمةً بعدَها واوٌ في كلمةٍ واحدةٍ فهيَ مدغمةٌ وذلكَ نحو: مَعْزِوٍّ وَزَنهُ مَفْعُولٌ فالواوُ لازمةٌ لهذَا البناءِ ولَيْسَتْ بمنزلةِ قُوْوِلَ الذي إذا بنيتَه للفاعلِ صَارَ: قَاولَ وإذَا قلتَ وأَنتَ تأمرُ: اخْشَي يَّاسِرًا واخْشَوا وَاقِدًا أدغمتَ لأَنَّهما لَيسا بحرفَي مَدٍّ كالألفِ لأَنَّهُ انفتحَ ما قبلَ الهاءِ والواوِ
__________
1 في الأصل: "صارت".
2 في الأصل "عدوا".
3 في "ب" إذ.
4 أي: لازمة لها، أرادوا أن تكون ظلموا على زنة ظلما واقدا، وقضي ياسرا.
وانظر: الكتاب 2/ 409.

(3/412)


والهمزتانِ لَيْسَ فيهما إدغامٌ1 في مثلِ قولِكَ: قَرَأَ أَبُوكَ وأَقْرِىءْ أَبَاكَ وقَدْ ذُكرَ في بابِ الهمزِ ما يجوزُ في ذَاْ و [ما] 2 لا يجوزُ.
__________
1 قال سيبويه 2/ 410: وزعموا أن ابن إسحاق كان يحقق الهمزتين، وأناس معه. وقد تكلم ببعضه العرب وهو رديء، فيجوز الإدغام في قول هؤلاء وهو رديء.
2 أضفت "ما" لإيضاح المعنى.

(3/413)


النوعُ الثاني مِنَ الإِدغامِ وهُوَ مَا أُدغَم للتقاربِ:
اعلَمْ: أَنَّ المتقاربةَ تنقسمُ قسمينِ: أَحدهما: أَنْ يُدغمَ الحرف في الحرفِ المقاربِ لَهُ والقسمُ الآخرُ لا يدغمُ الحرفُ في مقاربِه.
فأَمَّا الذي يُدغمُ في مقاربهِ فهوَ علَى ضربينِ:
أَحدهما: يدغم كُلُّ واحدٍ مِنَ الحرفينِ في صاحبه والآخرُ: لَيْسَ كذلكَ بَلْ لا يدغمُ أَحد الحرفينِ فِي الآخرِ ولا يدغمُ1 الآخرُ فيهِ.
__________
1 لا، ساقطة في "ب".

(3/413)


ذِكرُ ما يدغمُ في مقاربهِ:
اعلَمْ: أَنَّ أَحسنَ1 الإِدغامِ أَنْ يكونَ في حروفِ الفَمِ وأَبعدُ ما يكونُ في حروفِ الحَلقِ فكلَّما قَرُبَ مِنَ الفمِ فالإِدغامُ فيهِ أَحسنُ مِنَ الإِدغامٍ فِيمَا لا يقربُ والبيانُ في حروفِ الحلقِ. وما قَرُبَ مِنها أَحسنُ وما قَرُبَ مِنَ الفمِ لا يُدغمُ في الذي قبلَهُ.
واعلَمْ: أَنَّ هذهِ المُدغمةَ تنقسمُ ثلاثةَ أَقسامٍ مِنْها ما يبدلُ الأولُ بلفظِ الثاني ثُمَّ يُدغمُ فيهِ وهذَا أَحقُّ الإِدغامِ ومِنْها ما يبدلُ الثاني بلفظِ
__________
1 في "ب" الحسن، وهو خطأ.

(3/413)


الأولِ ثُمَ يدغمُ الأَولُ في الثَاني ومِنْها ما يبدلُ الحرفانِ جميعًا بما يقاربهما ثُمَّ يُدغمُ أَحدُهما في الآخرِ وقَد كتبنَا جميعَ ذلكَ في مواضعهِ وقَد قلنا: إنَّ المخارجَ ستةَ عَشَرَ مَخرجًا ونحنُ نذكرُ جميعَ ذلكَ وما يجوزُ ومَا لا يجوزُ وما يحسنُ وما لاَ يحسنُ.

(3/414)


الأولُ: ما يدغمُ مِن حروفِ الحَلقِ:
ولهَا ثلاثةُ مَخَارج كمَا ذكرنا الهاءُ معَ الحاءِ تَدغمُ كقولِكَ: اجْبَهْ حَمَلاً1 البيانُ أَحسنُ2، ولا يدغمُ الحاءُ في الهاءِ3 العينُ معَ الهاءِ: أَقْطَعْ هِلاَلًا البيانُ أَحسنُ فإن أَدغمتَ لقربِ المخرجينِ حَوّلتَ الهاءَ حَاءً والعينَ حاءً ثُمَّ أَدغمت الحاءَ في الحاءِ لأَنَّ الأَقربَ إلى الفمِ لا يدغمُ في الذي قبلَهُ وكانَ التقاءُ الحاءينِ أَخفَّ في الكلامِ مِنَ التقاءِ العينينِ وبنو تميمٍ يقولونَ: مَحّمْ يريدونَ: مَعَهم وَمحّاؤُلاءِ يريدونَ: مَعَ هَؤلاءِ4.
العينُ مَعَ الهاءِ:
اقْطَع حّمَلاً5، الإِدغامُ حَسَنٌ والبيانُ حَسَنٌ لأَنَّهما مِنْ مَخْرَجٍ واحدٍ ولا تُدغمُ الحاءُ في العينِ لأَنَّ الحاءَ يفرُونَ إليها إذا وقعتِ الهاءُ مَعَ العينِ.
__________
1 حمل: اسم رجل.
2 لاختلاف المخرجين، ولأن حروف الحلق ليست بأصل للإدغام لقلتها.
3 كما لا تدغم الفاء في الباء، لأن ما كان أقرب إلى حروف الفم كان أقوى على الإدغام. ومثل ذلك: امدح هلالا. فلا تدغم. انظر: الكتاب 2/ 412.
4 انظر: الكتاب 2/ 413.
5 الإدغام: اقطحملا.

(3/414)


الحاءُ معَ العينِ:
قالَ سيبويه: ولكنَّكَ لو قلبتَ العينَ حاءً فقلتَ في "امْدَحْ عَرَفَةَ": امْدَحَّرَفَةَ جازَ1.
الغينُ معَ الخاءِ:
البيانُ أَحسنُ والإِدغامُ حَسَنٌ وذلكَ قولُكَ: أَدْمَغْ خَلَفاً2.
الخاءُ معَ الغيَنِ:
البيانُ أَحسنُ ويحوزُ الإِدغام لأَنَّهُ المخرجُ الثالثُ وَهوَ أَدنى مخَارج الحلقِ إلى اللسانِ أَلا تَرَى أَنَّ بَعْضَ العربِ يقولُ: مُنْخُلٌ3، ومُنْغُلٌ فيُخفي النونَ كما يخفيها معَ حروفِ اللسانِ وذلكَ قولُكَ [في] 4 اسْلَخْ غَنَمَكَ: اسْلَغَّنَمكَ ويدلُّكَ علَى حُسنِ البيانِ عِزتُها في بَاب "رَددتُ" لأَنَّهم لا يكادونَ يُضعِفُونَ ما يستثقلونَ.
القَافُ مع الكَافِ:
الْحَقْ كَلَدَةَ الإِدغام حَسَنٌ والبَيانُ حَسَنٌ5
__________
1 انظر: الكتاب 2/ 413.
2 إذا أدغمت قلت: ادمخّلفا.
3 في اللسان "نخل" المنخل، والمنخل، ما ينخل به، ولا نظير له إلا في قولهم: منصل وهذا أحد ما جاء من الأدوات على "مفعل" -بالضم- وأما قولهم فيه: "فعل" فعلى البدل للمضارعة.
4 زيادة من "ب".
5 إنما أُدغمت لقرب المخرجين، وإنهما من حروف اللسان- وهما متفقان في الشدة.

(3/415)


الكافُ معَ القاَفِ:
انْهَكْ قَطَنًَا البيانُ أَحسنُ والإِدغام حَسَنٌ وإنّما كانَ البيانُ أَحسنُ لأَنَّ القافَ أَقربُ إلى حروفِ الحلقِ مِنَ الكافِ فإدغامُ الكافِ فيها أَحسنُ مِنْ إدغامِها هيَ في الكافِ.
السادسُ الجيمُ معَ الشينِ:
ابْعَجْ شَبَثًَا الإِدغامُ والبيانُ حَسنانِ1.
السابعُ اللامُ معَ الراءِ:
اشْغَل رَّجَبَةَ يُدغم2 وَهو أَحسنُ3.
النونُ معَ الراءِ واللامِ والميمِ:
مِنْ رَّاشدٍ يُدغمُ بِغُنَّةٍ وبِلاَ غُنَّةٍ وتُدغمُ في اللامِ "مَن لَّكَ" إنْ شِئْتَ كانَ إدْغامًا بِلا غُنَّةٍ وإنْ شِئْتَ بغُنّةٍ وتُدْغَمُ النونُ معَ الميمِ.
النونُ معَ الباءِ:
تُقلبُ النونُ معَ الباءِ ميمًا ولَمْ يجعلوا النونَ باءً لبعدِها في المخرجِ
__________
1 في الأصل: "حسن" وإنما كان الإدغام والبيان حسنين لأنهما من مخرج واحد وهما من حروف وسط اللسان.
2 يدغم: ساقط في "ب".
3 وذلك قرب المخرجين، ولأن فيهما انحرافا نحو اللام قليلا، وقاربتها في طرف اللسان، وهما من الشدة وجري الصوت سواء وليس بين مخرجيهما مخرج.
وانظر: الكتاب 2/ 414.

(3/416)


وأَنّها ليستْ فيها غُنَّةٌ وذلكَ قولُهم: [مَمْبِكَ يريدون] 1: مَنْ بِكَ وشَمبَاءُ وعَمبرٌ يُريدونَ: شَنبَاءَ وعَنَبرًا.
النونُ معَ الواوِ:
وتُدغمُ النونُ معَ الواوِ بُغنّةٍ وبِلا غُنَّةٍ لأَنَّها من مخرجِ ما أُدغمتْ فيهِ النونُ وإنَّما منعَها أَنْ تُقلبَ معَ الواوِ ميمًا أَنَّ الواوَ حرفُ لِينٍ تَتَجافى عنهُ الشَّفتانِ والميمُ كالباءِ في الشدةِ وإلزامِ الشَّفَتينِ.
النونُ معَ الياءِ:
تُدغمُ بغُنَّةٍ وبِلا غُنَّةٍ لأَنَّ الياءَ أُختُ الواوِ وقد تُدغمُ فيها الواوُ فكأَنَّهما من مخرجٍ واحدٍ لأَنَّهُ ليسَ مَخرجٌ مِنْ طرفِ اللسانِ أَقربُ إلى مخرجِ الراءِ منهُ الياءُ أَلاَ تَرى أَنَّ الألثغَ بالراءِ يجعلُها يَاءً وكذلكَ الأَلثغُ باللامِ وتكونُ النونُ مَعَ سَائرٍ حروفِ الفَمِ حَرفًا [خفياً] 2 مخرجهُ مِنَ الخَياشيمِ وذلكَ أَنَّها مِنْ حروفِ الفمِ وأَصلُ الإِدغامِ لحروفِ الفمِ لأَنَّها أكثرُ الحروفِ فلمَّا وصلوا إلى أَنْ يكونَ لها مخرجٌ مِنْ غيرِ الفمِ كانَ أَخفَّ عليهم أَنْ لا يستعملوا أَلسنتَهم إلا مرةً واحدةً وذلكَ قولُكَ: مَنْ كانَ ومَنْ قالَ ومَنْ جَاءَ وهيَ مَعَ الراءِ واللامِ والياءِ والواوِ إذا أُدغمتَ بغُنَّةٍ ليسَ مخرجُها مِنَ الخياشيمِ3 ولكنَّ صوتَ الفمِ أُشربَ غُنَّةً ولَو
__________
1 أضفت عبارة "ممبك يريدون" وهذه الزيادة من الموجز لابن السراج/ 172، وانظر: الكتاب 2/ 414.
2 أضفت كلمة "خفيا" لإيضاح المعنى.
3 قال سيبويه 2/ 415: فليس مخرجها من الخياشيم ولكن صوت الفم أُشرِبَ غنة.

(3/417)


كانَ مخرجُها مِنَ الخِياشمِ لَما جازَ أَنْ تدغمها في الواوِ والياءِ والراءِ واللامِ حتَى تصيرَ مثلهن في كُلِّ شيءٍ وهيَ معَ حروفِ الحلقِ1 بنيةٌ موضعُها2 مِنَ الفم.
قالَ سيبويه: وذلكَ أَنَّ هذهِ الستّةَ3 تباعدتْ عَنْ مخرجِ النونِ فَلَمْ تُخْفَ هَهُنَا كمَا لا4 تُدغمُ في هذَا الموضعِ وكمَا أَنَّ حروفَ اللسانِ لا تُدغمُ في حروفِ الحلقِ وإنَّما أخفيتَ النونَ في حروفِ الفمِ كما أدغمتَ في اللام وأخواتِها تقولُ: مِنْ أَجلِ ذَنْبٍ وَمِنْ خَلْفِ [زيدٍ] 5 ومِنْ حَاتِم ومَنْ عَلَيكَ ومَنْ غَلبَكَ6 ومُنْخُلٌ فَتبينُ وَهوَ الأجودُ والأَكثرُ وبعضُ العربِ7 يُجري الغينَ والخاءَ مَجرى القافِ وإذَا كانتِ النونُ متحركةً لم تكنْ إلا مِنَ الفمِ ولَمْ يجز إلا إبانتَها وتكونُ النونُ ساكنةً مَعَ الميمِ إذا كانتْ مِنْ نَفسِ الحرفِ بَينَةٌ وكذَلكَ هيَ معَ الواوِ والياءِ بمنزلتِها معَ حروفِ الحلقِ وذلكَ قولُه: شَاةٌ8 زَنَماءُ9، وغَنَمٌ
__________
1 حروف الحلق: هي الهمزة، والهاء، والعين، والحاء، والغين، والخاء.
2 في "ب" بينة الموضع.
3 أي: حروف الحلق.
4 في "ب" كما لم.
5 زيادة من "ب".
6 من غلبك: ساقط في "ب".
7 لم تحدد المراجع قبائل هؤلاء العرب، ولكن صاحب النشر 2/ 22.
إخفاء النون الساكنة عن الغين والخاء مذهب أبي جعفر، وقرأ الباقون بالإظهار، والقرد بن مهران عن أبي بوبان عن أبي نشيط عن قالون بالإخفاء أيضا عند الغين والخاء فنحن-إذن- بصدد قراءة مدنية حجازية. وانظر: الكتاب 2/ 415.
8 قوله: ساقط في "ب".
9 زنماء: جمع زُنْم، والزنم: ما قطع من أذن البعير أو الشاة، فترك معلقا، وذلك إنما يفعل بكرام الإبل، واللحمة المتدلية في الحلق.

(3/418)


زُنْمٌ وَقنْواءُ1 وقِنِيةٌ2 وكُنْيةٌ. وإنَّما حَمَلهم علَى البيانِ كراهيةُ الإِلباسِ3 فيصيرُ كأَنَّهُ مِنَ المضاعفِ لأنَّ هذَا المثالَ قد يكونُ في كلامِهم مضعَّفًا أَلاَ تَراهم قَالوا: امّحَى حيثُ لم يخافوا الإِلباسَ لأَنَّ هذَا المثالَ لا تضاعفُ فيهِ الميمُ.
قَالَ سيبويه: وسمعتُ الخليلَ يقولُ في انْفَعَلَ مِنْ "وَجِلْتُ": اوَّجَلَ كمَا قالوا: امَّحَى لأَنَّها نونٌ زِيدتْ في مثالٍ لا تضاعفُ فيهِ الواوُ فصارَ هَذا بمنزلةِ المنفصلِ في قولِكَ: مَنْ مِثْلكَ4، وكذلكَ إنْ بنيتَ "انْفَعَلَ" مِن "يَئِسَ" [قلتَ] 5: ايَّاسَ وإذا كانتْ مَع الباءِ لم تَتَبينْ وذلكَ قولُكَ: شَمْباءُ6 لأَنَّكَ لا تُدغِمُ النونَ وإنما تُحوِّلُها ميمًا والميمُ لا تقعُ ساكنةً قبلَ الباءِ في كلمةٍ فَلَيْسَ في هذَا لَبْسٌ ولا تعلمُ النونُ وقعتْ في الكلامِ ساكنةً قبلَ راءٍ ولاَ لامٍ لَيْسَ في الكلامِ مثلُ: قِنْرٍ وَ [لا] 7. عِنْلٍ وإنَّما احتملَ ذلكَ في الواوِ والياءِ لبعدِ المخارجِ ولَيْسَ حرفٌ مِنَ الحروفِ التي تكونُ النونُ معَها مِنَ الخَياشيمِ تُدغمُ في النونِ لم8 تُدغمْ فيهنَّ فأَمَّا اللامُ فَقَدْ تُدغمُ في النونِ9 وذلكَ قولُكَ: هَنَّرَى10
__________
1 قنواء: مؤنث أقنى، والقنى في الأنف نتوء وسط قصبته وضيق منخريه.
2 غنم قنية: وقنية، بكسر القاف، وضمها – يتخذها الإنسان لنفسه لا للتجارة والربح.
3 في "ب" الالتباس.
4 انظر: الكتاب 2/ 415.
5 زيادة من "ب".
6 شمباء: بدلا من شنباء، أي: ذات الأسنان البيض.
7 زيادة من "ب".
8 زيادة من "ب".
9 في الأصل "فيها" والتصحيح من "ب".
10 في الأصل "هل نرى".

(3/419)


فتدغمُ1 في النونِ والبيانُ أَحسنُ لأَنَّهُ قَد امتنع أَنْ يُدغمَ في النونِ ما أَدْغَمْتَ فيهِ سِوَى اللامِ فكأَنَّهم يستوحشونَ مِنَ الإِدغامِ فيها ولَم يُدغموا الميمَ في النونِ لأَنَّها لا تُدغمُ في الياءِ التي هيَ مِنْ مخرجِها فلمَّا لم تُدغَمْ فيما هُوَ مِنْ مخرجِها كانتْ مِنْ غيرِه أَبعدُ ولامُ المعرفةِ تُدغمُ في ثلاثةَ عَشَرَ حَرفاً2 ولا يجوزُ فيها معهن إلا الإِدغامُ لكثرةِ لامِ المعرفةِ في الكلامِ وكثرةِ موافقتِها لهذهِ الحروفِ واللامُ مِنْ طرفِ اللسانِ وهذهِ الحروفُ أَحدَ عَشَر حرفًا منها مِنْ طرفِ اللسانِ وحرفانِ بخالطانِ طرفَ اللسان فلمَّا اجتمَع فيها3 هذَا وكثرتُها في الكلامِ4 لم يجز إلا الإِدغامُ والأَحدَ عَشَر حَرفًا: النونُ والواوُ والدالُ والتاءُ والصادُ والطاءُ والزايُ والسينُ والظاءُ والثاءُ والذالُ. وَقَدْ خالطتها الضادُ والشينُ لأَنَّ الضادَ استطالتْ لرخاوتِها حتَى اتصلتْ بمخرجِ الطاءِ وذلكَ قولُكَ: النعمانُ والرجلُ فكذلكَ سائرُ هذِه الحروفِ فإذَا كانتْ غيرَ لامِ المعرفةِ نحو لامِ "هَلْ وبَلْ" فإنَّ الإدغامَ في بعضِها أَحسنُ وذلكَ قولُكَ: هَرَّأيتَ5 لأَنَّ الراءَ أَقربُ الحروفِ إلى اللامِ وإنْ لَمْ تدغمْ6 فهيَ لغةٌ لأهلِ الحجاز وهيَ عربيةٌ جائزةٌ7، وهيَ معَ الطاءِ والدالِ والتاءِ والصادِ والزاي والسينِ جائزةٌ وليسَ ككثرتِها معَ الراءِ وإنَّما جازَ
__________
1 في: ساقطة في "ب".
2 هي الحروف المعروفة بالشمسية.
3 فيها: ساقطة في "ب".
4 في الكلام: ساقط في "ب".
5 في الأصل: هل رأيت.
6 أي: إذا قلت: هل رأيت.
7 انظر: الكتاب 2/ 416، ويتجلى ذلك في القراءات في قوله تعالى: {كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ} ، المطففين: 83. حيث قرأ الجمهور بالإدغام "بَرَّانَ" وقرأ حفص وحمزة ونافع بالإظهار، {بَلْ رَانَ} . البحر المحيط.

(3/420)


الإِدغامُ لأنَّ آخرَ مخرجِ اللامِ قريبٌ مِنْ مخرجِها وهيَ حروف طرفِ اللسانِ وهيَ معَ الظاءِ والثاءِ والذالِ جائزةٌ وليسَ كحُسنِهِ معَ هؤلاءِ وإنَّما جازَ الإِدغامُ لأَنَّهنَّ مع الثنايا وهُنَّ مِنْ حروف طرف اللسان كما أنهن منه واللام مع الضاد والشين أضعف لأنَّ الضاد مخرجُها من أَولِ حافةِ اللسانِ والشين مِنْ وسطهِ.
قال طريف بن تَميم العنبري:
تَقولُ إذَا اسْتَهْلَكْتُ مَالًا للذَّةٍ ... فُكَيهَةُ هَشَّيءٌ بِكَفيكَ لاَئْقِ1
يُريدُ: "هَلْ شَيءٌ" فأَدغمَ اللامَ في الشين.
وقرأَ أَبو عمرو: "هَثُّوِبَ الكُفَّارُ"2 فأَدغمَ اللامَ في الثاءِ وقُرِىءَ3: "بَتُّؤْثِرُونَ الحَيَاةَ الدُّنْيَا"4، فأَدغمَ اللامَ في التاءِ.
قَالَ سيبويه: وإدغامُ اللامِ في النونِ أَقبحُ مِنْ جميعِ هذهِ
__________
1 من شواهد سيبويه 2/ 417 على الإدغام في لام "هل" في الشين لاتساع مخرج الشين وتفشيها وإجرائها -وإن كانت من وسط اللسان إلى طرفه واختلاطها بطرفه.
واللام من حروف طرف اللسان فأدغمت فيها لذلك، وإظهارها جاز لأنهما من كلمتين مع انفصالهما في المخرج.
واستهلكت: أتلفت وأهلكت، واللائق: المستقر المحتبس، يقال: لقت بمكان كذا أي: انحبست فيه، وألاقني غيري: أي: حبسني، ومنه قولهم: لا يليق هذا الأمر بكذا، أي: لا يصلح له. ولا يلتبس به، وهشّيء: أصله: هل شيء. وانظر: شرح السيرافي 6/ 545 وابن يعيش 10/ 141 وروايته: هلكت بدلا من استهلكت.
2 المطففون: 36، وقراءة الإدغام سبعية، الإتحاف/ 435. وانظر: الكتاب 2/ 417 وشرح السيرافي 6/ 545، ويريد: {هَلْ ثُوِّبَ الْكُفَّارُ} .
3 وقرئ: ساقط في "ب".
4 الأعلى: 16، وقراءة الإدغام سبعية، الإتحاف/ 437 وانظر: الكتاب 2/ 417، يريد: {بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا} .

(3/421)


الحروفِ1، لأَنَّها تُدغمُ في اللاّمِ كما تدغمُ في الياءِ والواوِ والراَّءِ والميمِ فَلَم يجسروا أَنْ يخرجوها مِنْ هذِه الحروفِ التي شَاركتَها في إدغامِ النّونِ وصارتْ كأَحدِها في ذلك.
__________
1 هذا رأي سيبويه 2/ 416-417، وتابعه ابن السراج وجمهور النحاة، أما موقف القراء، فقال الداني في التيسير/ 43: واختلفوا في لام "هل وبل" عند ثمانية أحرف: التاء، والثاء، والسين، والزاي، والطاء، والظاء، والضاد، والنون. نحو قوله عز وجل: {هَلْ تَعْلَمُ} ، {هَلْ ثُوِّبَ} ، {بَلْ سَوَّلَتْ} ، {بَلْ زُيِّنَ} ، {بَلْ طَبَعَ} ، {بَلْ ظَنَنْتُمْ} ، {بَلْ ضَلُّوا} ، {هَلْ نَدُلُّكُمْ} ، {هَلْ نُنَبِّئُكُمْ} ، {هَلْ نَحْنُ} ، وشبهه، فأدغم الكسائي اللام في الثانية، وأدغم حمزة في التاء والثاء والسين فقط، واختلف عن خلاد عند الطاء في قوله: {بَلْ طَبَعَ اللَّهُ} النساء: 155، فقراءته بالوجهين. وبالإدغام آخذ له. وأظهر هشام عند النون والضاد وعند التاء في قوله: {أَمْ هَلْ تَسْتَوِي} . الرعد 16، لا غير. وأدغم أبو عمرو: {هَلْ تَرَى مِنْ فُطُورٍ} الملك 67. {فَهَلْ تَرَى لَهُمْ مِنْ بَاقِيَةٍ} الحاقة 69، لا غير. وأظهر الباقون اللام عند الثانية. وانظر: شرح المفصل 10/ 142-143.

(3/422)


الإِدغامُ في حروف طرف اللسانِ والثنايا:
الدالُ معَ الطاءِ 1:
اضْبِطُّلامَه يريدُ: اضْبِطْ دُلامَه تُدغِمُ وتدعُ الإِطباقَ علَى حالِه فلا تُذهبْهُ لأَنَّ الدَّالَ ليسَ فيها إطباقٌ وبعضُ العرب يُذهبُ الإِطباقَ حتَى يجعلَها كالدَّالِ سواءً والدالُ في الظاءِ وذلكَ [قولكَ] 2: أفْقُدْ ظَالِمًا.
الطاءُ مع التاءِ:
تُدغِمُ وتدعُ الإِطباقَ بحالِه وذهابُ الإِطباقُ معَ الدالِ أَمثلُ لأَنَّ الدالَ
__________
1 كذا في الأصل، والوجه أن يقال: الطاء مع الدال ليتفق مع المثال المستشهد به.
2 زيادة من "ب".

(3/422)


مجهورةٌ والتاء مهموسةٌ وكُلٌّ عربيٌّ وذلكَ: أُنْقُتَّوْأَماً1 تُدغمُ وكذلكَ التاءُ في الطاءِ وذلكَ قولُكَ: انْعَطَّالِبًَا وهذَا لا يُجحفُ فيهِ بالإِطباقِ.
التاءُ معَ الدَّالِ:
كُلُّ واحِدةٍ منهما تُدغمُ في صاحبتِها إلا أَنَّ إدغامَ التاءِ في الدالِ أَحسنُ لأَنَّ الدّالَ مجهورةٌ والأَحسنُ إدغامُ الناقِص في الزائِد وذلكَ قولُكَ: انْعَدُّلامًا وانقُتِّلْكَ2 فتُدغِمُ ولو بينتَ فقلتَ: اضْبِطْ دُلاَمًا واضْبِطْ تِلْكَ وانْعَتْ دُلاَمًا لجازَ وهوَ يثقلُ الكلامُ بهِ.
__________
1 في الأصل" انقط لاما" والتصحيح من "ب".
2 الأصل "انعت دلاما" و"أنقد تلك" والتصحيح من "ب".

(3/423)


بَابُ الصادِ والزاي والسينِ:
الصادُ مَعَ السينِ:
"افْحَسَّالِماً"1 تدغمُ فتصيرُ سينًا وتدعُ الإِطباقَ لأَنَّها مهموسَةٌ مثلُها وإنْ شِئتَ أَذهبتَهُ وإذهابُ الإِطباقِ معَ السينِ أَمثلُ مِنْ إذهابِ الإِطباقِ إذَا أدغمتَ الطاءَ وتُدغمُ السينَ في الصادِ وذلكَ احْبِصَّابِراً2.
الزاي معَ الصادِ:
وتدغمُ الزاي في الصادِ وذلكَ: أَوْجِصَّابرًا.
الزاي والسينُ:
احْبِزَّرَدَةَ تدغمُ وكذلكَ الزاي في السينِ وَرُسَّلَمةَ تدغمُ.
__________
1 بلا إدغام "افحص سالما".
2 في الأصل: أحبس صابرا، وكتب الناسخ كل ما هو مدغم بدون إدغام.

(3/424)


بَابُ الظاءِ والذالِ والثاءِ:
الظاءُ مَع الذالِ:
احْفَذّلِكَ تُدغمُ وتدعُ الإِطباقَ، وإن شِئْتَ أَذهبته لأَنَّها مجهورةٌ مثلُها وتُدْغمُ الذّالَ في الظاءِ نحو: خُظَّالِمًا.
الثاءُ معَ الظاءِ:
ابْعَظَّالمًا تُدْغِمُ.
الذّالُ معَ الثاءِ:
تُدْغَمُ كُلُّ واحدةٍ منهما في صاحبتِها وذلكَ: خُثَّابِتًا وابْعَذّلِكَ والبيانُ فيهنَّ أَمثلُ منهُ في الصادِ والسينِ والزاي.

(3/425)


إدغامُ مخرجٍ في مخرجٍ يقاربهُ:
الطاءُ والدالُ والتاءُ يُدغمنَ كلهنَّ في الصادِ والزاي والسِّينٍ لقربِ المخرجينِ وذلكَ1: ذَهَبسَّلْمَى وَقَسَّمِعَتْ فتُدغِمُ واضْبِزَّرَدَةَ فَتُدغم
__________
1 وذلك: ساقط في "ب".

(3/425)


وَانْعَصَّابِرًا وقرأَ بعضهمُ: {لاَ يَسَّمَّعُونَ 1} . يريدُ: [لا2] يَتَسمَّعونَ والبيانُ عربيٌّ حَسنٌ. وكذلكَ: الظاءُ والذالُ والثاءُ تُدغمُ في الصادِ وأختيها وذَلكَ قولُكَ: ابْعَسَّلَمةَ واحفسَّلَمَةَ وخُصَّابِرًا واحفَزَّرَدَةَ سمعناهم يقولونَ: مُزَّمان فيدغمونَ الذّال في الزاي ومُسَّاعة فيُدغمونها في السينِ والبيانُ فيها أَمثلُ منهُ في الظاءِ وأُختيها. والظاءُ والثاءُ والذالُ أخواتُ. الطاءُ والتاءُ والدالُ لا يمتنعُ بعضهُنَّ مِن بعضٍ في الإِدغام وذلكَ أهْبِظَّالِمًا وابْعِذَّلِكَ وانْعَثَّابِتًا واحْفَطَّالِبًا وَخُدَّاوُدَ وابْعَتَّلِكَ وحجتهُ قولهم: ثلاثُ دراهم تُدغمُ الثاءُ في التاءِ التي هيِ بَدَلٌ مِنَ الهاءِ [التي في الدارهمِ3] وقالوا: حَدَّتّهُم4 فجعلوهَا تاءً والبيانُ فيهِ جيدٌ فأَمَّا الصادُ والسينُ والزايُ فلا تدغمهنَ في هذه الحروفِ لأنَّهنَ حروفُ الصفير وهُنَّ أَندى في السمعِ فامتنعتْ كما امتنعتِ الراءُ أَنْ تدغَم في اللامِ وتدغمُ الطاءُ والدالُ والتاءُ في الضادِ وذلكَ اضْبِضَّرَمَةَ وانقضَّرَمَةَ وانْعِضَّرَمَةَ. قالَ سيبويه: وسَمعنا مَنْ يوثقُ بعربيتهِ قالَ: ثَارَ فَضَجَّضَّجَّةً رَكائِبهْ5، فأَدغَم التاءَ في الضادِ.
والظاءُ والثاءُ والذالُ يدغمنَ في الضادِ وذلكَ: احْفَضّرَمَةَ
__________
1 الصافات: 8، والآية: {لا يَسَّمَّعُونَ إِلَى الْمَلَأِ الْأَعْلَى وَيُقْذَفُونَ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ} .
2 أضفت "لا" لإيضاح المعنى.
3 زيادة من "ب".
4 في الاصل أخذتهم، والذي يريده حدثتهم فأدغم الثاء وجعلها تاء.
5 من شواهد سيبويه 2/ 420 على إدغام تاء "ضجت" في ضاد "ضجة" لمخالطة الضا د للتاء باستطالتها وإن كانت من حافة طرف وسط اللسان. وصف رجلا ثار بسيفه في ركائبه ليعرقبها ثم ينحرها للأضياف فج علت تضج. وانظر: شرح السيرافي 6/ 553. ولم يعرف قائل هذا الشاهد.

(3/426)


وخُضَّرَمَةَ وابْعَضَّرَمَةَ ولا تُدغمُ الضادُ في الصادِ والسينِ والزايِ لإستطالةِ الضّادِ كما امتنعتِ الشينُ وهيَ قريبةٌ مِنها ولا تُدغمُ الصادُ وأُختاها في الضادِ فالضادُ/ لا تُدغمُ فيما تدغمُ فيها والبيانُ عربيٌّ جَيّدٌ وتدغُم الطاءُ والتاءُ والدالُ في الشينِ لإستطالتِها حينَ اتصلتْ بمخرجِها وذلكَ: اضْبشَّبَثًا وَانْقُشَّبَتًا والإِدغامُ في الضادِ أَقوى وتُدغمُ الظاءُ والذالُ والثاءُ في الشينِ لأَنَّهم أنزلوها منزلَة الضادِ وذلكَ قولُكَ: احْفَشَّنباءً وابْعَشَّنْباءَ وخُشَّنباءَ والبيانُ عربيٌّ جيّدٌ وهو أَجودُ منهُ في الضادِ.
واعلَم: أَنَّ جَميعَ ما أَدغمتَهُ وهُوَ ساكنٌ يجوزُ لكَ فيهِ الإِدغامُ إذَا كانَ متحركًا كما تفعلُ ذلكَ في المثلينِ وحالهُ فيمَا يحسنُ فيهِ ويقبحُ الإِدغامُ ومَا يكونُ فيهِ حَسَنٌ وما كانَ خَفيًا وهو بزنتهِ متحركًا قَبلَ أَنْ يخفى كحالِ المثلينِ وإذَا كانتْ هذهِ الحروفُ المتقاربةُ في حرفٍ واحدٍ ولَم يكنِ الحرفانِ منفصلين ازدَاد ثُقلًا واعتلالًا كمَا كانَ المثلان إذَا لم يكونا منفصلين أَثقل لأَنَّ الحرفَ لا يفارقهُ ما يستثقلونَ فَمِنْ ذلكَ قولُهم في "مُثْتَرِدٍ": مُثَّرِدٍ1، وقَدْ ذُكِرَ بابُ "افْتَعَلَّ" في التصريفِ وما يُدغمُ منهُ وما يُبدلُ ولا يُدغمُ.
__________
1 في سيبويه 2/ 421 فمن ذلك قولهم "مثترد مثرد" لأنهما متقاربان مهموسان والبيان حسن، وبعضهم يقول: مثترد، وهي عربية جيدة، والقياس مترد، لأن أصل الإدغام أن يدغم الاول في الأخر.

(3/427)


ذِكرُ ما امتنَع مِنَ الحروفِ المتقاربةِ:
وهيَ تجيءُ علَى ضربينِ: منها ما يُدغمُ في مقاربهِ ولا يُدغمُ مقاربهُ فيهِ ومنها ما لا يدغمُ في مقاربهِ ويدغمُ مقاربهُ فيهِ1.
__________
1 فيه: ساقطة في "ب".

(3/427)


فالحروفُ التي تُدغمُ فيما قاربَها ولا يُدغمُ فيها مقاربُها: الهمزةُ والألفُ والواوُ لا تدغمُ وإنْ كانَ قبلَها فتحةٌ في شيءٍ من المقاربةِ وكذلكَ الواوُ لو كانتْ معَ هذهِ1 الياءِ التي ما قبلهَا مفتوحٌ مَا هُوَ مثلُها سواءٌ لأدغمتَها ولم تستطعْ إلا ذلكَ وإذَا كانتِ الواوُ قبلَها ضمةٌ والياءُ قبلَها كسرةٌ فهوَ أَبعدُ للإِدغامِ.
الحروفُ التي لا تُدغمُ في المقاربة فيها: الميمُ والراءُ والفاءُ والشينُ.
فالميمُ لا تُدغمُ في الباءِ لأَنَّهم يقلبونَ النونَ ميمًا في قولهِم: العنبَرُ ومَنْ بِكَ2، وأَمَّا إدغامُ الباءِ في الميمِ فنحو: اصحَمَّطَرًا تريدُ: اصْحَبْ مَطرًا. والفاءُ لا تُدغمُ في الباءِ والباءُ تدغمُ فيها وذلكَ: اذْهَفَّي ذَلكَ. والرّاءُ لا تُدغمُ في اللامِ3 ولا في النونِ لأَنَّها مكررةٌ وتُدغمُ اللامُ والنونُ في الراءِ. والشِّينُ لا تُدغمُ في الجيمِ وتُدغمُ الجيمُ فيها.
وجملةُ هَذا أنَّ حَقَّ الناقصِ أَنْ يُدغمَ في الزَّائدِ وحَقُّ الزائدِ أَنْ لا يُدغم َ في الناقصِ وأَصلُ الإِدغامِ في حروفِ الفمِ واللسانِ وحروفِ الحلقِ وحروفُ الشَّفةِ أَبعدُ مِنَ الإِدغامِ فَما أُدغمَ من الجميعِ فلمقاربةِ حروفِ الفَمِ واللسانِ.
__________
1 ما بين القوسين ساقط في "ب".
2 في الأصل: من "يدالك" والذي يعنيه بالعمبر في العنبر. وممبك في من بك.
3 قال سيبويه 2/ 412: والراء لا تدغم في اللام وفي النون لأنها مكررة وهي تفشي ذا كان معها غيرها فكرهوا أن يجحفوا بها فدغم مع ما ليس يتفشي في الفم مثلها ولا يكرر، أما الكسائي والفراء- كما في شرح الشافية 3/ 274 - فقد أجازا إدغام الراء في اللام قياسا.
أما موقف الفراء من ذلك: فبناء على صاحب التيسير/ 44، وأدغم أبو عمرو الراء الساكنة في اللام نحو قوله-عز وجل: {نَغْفِرْ لَكُمْ} {وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ} وشبه بخلاف بين أهل العراق في ذلك، وأظهر الباقون.

(3/428)