الجنى الداني في حروف المعاني

الباب الأول
في الأحادي
وهو أربعة عشر حرفاً:

الهمزة، والباء، والتاء، والسين، والشين، والفاء، والكاف، واللام، والميم، والنون، والهاء، والواو، والالف، والياء. ويجمعها قولك بكشف سألتمونيها. ولم يذكر بعضهم الشين، فعدها ثلاثة عشر. وأنا أذكرها، واحداً واحداً، على هذا الترتيب. إن شاء الله تعالى.
الهمزة
حرف مهمل، يكون للاستفهام، وللنداء. وما عدا هذين، من أقسام الهمزة، فليس من حروف المعاني.
فأما همزة الاستفهام فهي حرف مشترك: يدخل على الأسماء والأفعال، لطلب تصديق، نحو: أزيد قائم؟ أو تصور، نحو: أزيد عندك أم عمرو؟ وتساويها هل في طلب التصديق الموجب، لا غير.

(1/30)


فالهمزة أعم، وهي أصل أدوات الاستفهام. ولأصالتها استأثرت بأمور، منها تمام التصدير بتقديمها على الفاء والواو وثم، في نحو " أفلا تعقلون "، " أو لم يسيروا "، " أثم إذا ما وقع ". وكان الأصل في ذلك تقديم حرف العطف على الهمزة، لأنها من الجملة المعطوفة. لكن راعوا أصالة الهمزة، في استحقاق التصدير، فقدموها بخلاف هل وسائر أدوات الاستفهام. هذا مذهب الجمهور.
وذهب الزمخشري إلى تقدير جملة، بعد الهمزة، لائقة بالمحل، ليكون كل واحد من الهمزة وحرف العطف في موضعه. والتقدير: أتجهلون فلا تعقلون؟ ونحو ذلك. وضعف بعدم اطراده، إذا لا يمكن في نحو " أفمن هو قائم على كل نفس "، وبأن فيه حذف جملة معطوف عليها، من غير دليل. قيل: وقد رجع إلى مذهب الجماعة في سورة الأعراف.
ثم إن همزة الاستفهام قد ترد لمعان أخر، بحسب المقام، والأصل في جميع ذلك معنى الاستفهام.

(1/31)


الأول: التسوية: نحو " سواء عليهم أأنذرتهم أم لم تنذرهم ". قال بعض النحويين: لما كان المستفهم يستوي عنده الوجود والعدم، وكذا المسوي، جرت التسوية بلفظ الاستفهام. وتقع همزة التسوية بعد سواء، وليت شعري، وما أبالي، وما أدري.
الثاني: التقرير: وهو توقيف المخاطب على ما يعلم ثبوته أو نفيه. نحو قوله تعالى " أأنت قلت للناس: اتخذوني ".
الثالث: التوبيخ: نحو " أأذهبتم طيباتكم، في حياتكم الدنيا ". وقد اجتمع التقرير والتوبيخ في قوله تعالى " ألم نر بك فينا وليداً ".
الرابع: التحقيق: نحو قول جرير:
ألستم خير من ركب المطايا ... وأندى العالمين، بطون راح
الخامس: التذكير: نحو " ألم يجدك يتيماً فآوى ".

(1/32)


السادس: التهديد: نحو " ألم نهلك الأولين ".
السابع: التنبيه: نحو " ألم تر أن الله أنزل من السماء ماء ".
الثامن: التعجب: نحو " ألم تر إلى الذين تولوا قوماً، غضب الله عليهم ".
التاسع: الاستبطاء: نحو: " ألم يأن للذين آمنوا ".
العاشر: الإنكار: نحو " أصطفى البنات على البنين ".
الحادي عشر: التهكم: نحو " قالوا: يا شعيب أصلاتك ".
الثاني عشر: معاقبة حرف القسم: كقولك: آلله لقد كان كذا. فالهمزة في هذا عوض من حرف القسم. وينبغي أن تكون عوضاً من الباء دون غيرها، لأصالة الباء في القسم.
واختللف في الجار للاسم المقسم به، بعد الهمزة. فذهب

(1/33)


الأخفش إلى أن الجر بالهمزة، لكونها عوضاً عن الجار. واختاره ابن عصفور. وذهب غيره إلى أن الجر بالحرف المحذوف، الذي جيء بالهمزة عوضاً عنه. واختاره ابن مالك.
وذكر بعض النحويين أن التقرير هو المعنى الملازم للهمزة، في غالب هذه المواضع المذكورة، وأن غيره من المعاني، كالتوبيخ والتحقيق، والتذكير، ينجر مع التقرير.
مسألة ذهب قوم إلى أن حذف همزة الاستفهام، لأمن اللبس، من ضرورات الشعر، ولو كانت قبل أم المتصلة. وهو ظاهر كلام سيبويه. وذهب الأخفش إلى جواز حذفها في الاختيار، وإن لم يكن بعدها أم. وجعل من ذلك قوله تعالى " وتلك نعمة تمنها علي، أن عبدت بني إسرائيل ". قال ابن مالك: وأقوى الاحتجاج،

(1/34)


على ما ذهب إليه، قول رسول الله صلى الله عليه وسلم لجبريل: وإن زنى، وإن سرق؟. فقال: وإن زنى وإن سرق. أراد: أو إن زنى وإن سرق؟ والمختار أن حذفها مطرد إذا كان بعدها أم المتصلة، لكثرته نظماً ونثراً. فمن النظم قول الشاعر:
لعمرك، ما أدري، وإن كنت دارياً: ... بسبع، رمين الجمر، أم بثماني؟
وأبيات أخر، لا حاجة إلى التطويل بإنشادها. ومن النثر قراءة ابن محيصن " سواء عليهم أنذرتهم أم لم تنذرهم " بهمزة واحدة.
وأما همزة النداء فهي حرف مختص بالاسم، كسائر أحرف النداء، ولا ينادى بها إلا القريب مسافة وحكماً، كقول أمرىء القيس: أفاطم، مهلاً، بعض هذا التدلل

(1/35)


وجعل بعضهم من ذلك قراءة الحرمين " أمن هو قانت "، بتخفيف الميم. وتحتمل أن تكون همزة الاستفهام دخلت على من، ومن مبتدأ وخبره محذوف، تقديره، أمن هو قانت كغيره؟ حذف، لدلالة الكلام عليه. والله أعلم.
الباء حرف مختص بالاسم، ملازم لعمل الجر. وهي ضربان زائدة، وغير زائدة.
فأما غير الزائدة فقد ذكر النحويون لها ثلاثة عشر معنى: الأول: الإلصاق: وهو أصل معانيها. ولم يذكر لها سيببويه غيره. قال: إنما هي للإلصاق والاختلاط. ثم قال: فما اتسع من هذا، في الكلام، فهذا أصله. قيل: وهو معنى لا يفارقها.
والإلصاق ضربان: حقيقي نحو: أمسكت الحبل بيدي. قال ابن جني: أي: ألصقتها به. ومجازي، نحو: مررت بزيد. قال

(1/36)


الزمخشري: المعنى: التصق مروري بموضع يقرب منه. قلت: وذكر ابن مالك أن الباء في نحو: مررت بزيد، بمعنى على، بدليل " وإنكم لتمرون عليهم ". وحكاه عن الأخفش.
الثاني: التعدية: وباء التعدية هي القائمة مقام الهمزة، في إيصال معنى اللازم إلى المفعول به. نحو " ذهب الله بنورهم "، و " لذهب بسمعهم ". وقد وردت مع المتعدي في قولهم: صككت الحجر بالحجر، ودفعت بعض الناس ببعض. فلذلك قيل: الصواب قول بعضهم: هي الداخلة على الفاعل، فتصيره مفعولاً. ليشمل المتعدي واللازم. فإن قيل: هذه العبارة أيضاً لا تشمل المثالين، لأن الباء فيهما هي الداخلة على ما كان مفعولاً. إذ الأصل: صك الحجر الحجر، ودفع بعض الناس بعضاً! قلت: ليس كذلك، بل هي شاملة لهما. والباء فيهما داخلة على ما كان فاعلاً، لا مفعولاً، والأصل: صك الحجر الحجر، ودفع بعض الناس بعض. بتقديم المفعول، لأن المعنى أن المتكلم صير البعض، الذي دخلت عليه الباء، دافعاً للبعض المجرد منها.

(1/37)


ومذهب الجمهور أن باء التعدية بمعنى همزة التعدية، لا تقتضي مشاركة الفاعل للمفعول. وذهب المبرد والسهيلي إلى أن باء التعدية، تقتضي مصاحبة الفاعل للمفعول في الفعل، بخلاف الهمزة. قال السهيلي: إذا قلت: قعدت به، فلا بد من مشاركة، ولو باليد. ورد عليهما بقوله تعالى " ذهب الله بنورهم "، لأن الله، تعالى، لا يوصف بالذهاب مع النور. وأجيب بأنه يجوز أن يكون، تعالى، وصف نفسه بالذهاب، على معنى: يليق به، كما وصف نفسه بالمجيء، في قوله " وجاء ربك ". وهذا ظاهر البعد. ويؤيد أن باء التعدية بمعنى الهمزة قراءة اليماني " أذهب الله نورهم ".
الثالث: الاستعانة: وباء الاستعانة هي الداخلة على آلة الفعل. نحو: كتبت بالقلم، وضربت بالسيف. ومنه في أشهر الوجهين " بسم الله الرحمن الرحيم ".
ولم يذكر في التسهيل باء الاستعانة، وأدرجها في باء

(1/38)


السبيبة، وقال في شرحه: باء السببية هي الداخلة على صالح للاستغناء به عن فاعل معداها مجازاً. نحو " فأخرج به من الثمرات "، فلو قصد إسناد الإخراج إلى الهاء لحسن، ولكنه مجاز. قال: ومنه: كتبت بالقلم، وقطعت بالسكين. فإنه يقال: كتب القلم، وقطعت السكين. والنحويون يعبرون عن هذه الباء بالاستعانة. وآثرت على ذلك التعبير بالسببية، من أجل الأفعال المنسوبة إلى الله، تعالى. فإن استعمال السببية فيها يجوز، واستعمال الاستعانة لا يجوز.
الرابع: التعليل: قال ابن مالك: هي التي تصلح غالباً في موضعها اللام. كقوله تعالى " إنكم ظلمتم أنفسكم، باتخاذكم العجل "، " فبظلم، من الذين هادوا، حرمنا "، " فكلا أخذنا بذنبه ". واحتزر بقوله غالباً من قول العرب: غضبت لفلان، إذا غضبت من أجله وهو حي. وغضبت به، إذا غضبت من أجله وهو ميت.
ولم يذكر الأكثرون باء التعليل، استغناء بباء السببية، لأن

(1/39)


التعليل والسبب عندهم واحد. ولذلك مثلوا باء السببية بهذه المثل التي مثل بها ابن مالك للتعليل.
الخامس: المصاحبة: ولها علامتان: إحداهما أن يحسن في موضعها مع. والأخرى أن يغني عنها وعن مصحوبها الحال، كقوله تعالى " قد جاءكم الرسول بالحق " أي: مع الحق، أو محقاً. و " يا نوح اهبط بسلام " أي: مع سلام، أو مسلماً عليك. ولصلاحية وقوع الحال موقعها، سماها كثير من النحويين باء الحال.
السادس: الظرفية: وعلامتها أن يحسن في موضعها في. نحو " ولقد نصركم الله ببدر "، " وإنكم لتمرون عليهم مصبحين، وبالليل ". وهي كثيرة في الكلام.
السابع: البدل: وعلامتها أن يحسن في موضعها بدل. كقول الحماسي:
فليت لي، بهم قوماً، إذا ركبوا ... شنوا الإغارة، فرساناً، وركبانإ

(1/40)


وفي الحديث ما يسرني بها حمر النعم أي: بدلها.
الثامن: المقابلة: قال ابن مالك: هي الباء الداخلة على الأثمان والأعواض. نحو: اشتريت الفرس بألف، وكافأت الإحسان بضعف. وقد تسمى باء العوض.
ولم يذكر أكثرهم هذين المعنيين، أعني: البدل والمقابلة. وقال بعض النحويين: زاد بعض المتأخرين في معاني الباء أنها تجيء للبدل والعوض، نحو: هذا بذاك، أي: هذا بدل من ذلك وعوض منه. قال: والصحيح أن معناها السبب؛ ألا ترى أن التقدير: هذا مستحق بذاك، أي بسببه.
التاسع: المجاوزة: وعبر بعضهم عن هذا بموافقة عن. وذلك كثير بعد السؤال. نحو " فاسأل به خبيراً "، و " سأل سائل بعذاب واقع ". وقال علقمة:
فإن تسألوني، بالنساء، فإنني ... خبير، بأدواء النساء، طبيب

(1/41)


وقليل بعد غيره، نحو " ويوم تشقق السماء بالغمام " أي: وعن أيمانهم. كذا قال الأخفش. قلت: أما كونها بمعنى عن بعد السؤال فهو منقول عن الكوفيين، وتأوله الشلوبين على أن الباء في ذلك سببية، أي: فاسأل بسببه. وقال بعضهم: هو من باب التضمين، أي: فاعتن به، أو فاهتم به.
العاشر: الاستعلاء: وعبر بعضهم عنه بموافقة على. وذكروا لذلك أمثلة منها قوله تعالى " ومن أهل الكتاب من إن تأمنه بقنطار " أي: على قنطار، كما قال " هل آمنكم عليه ". ومنها " وإذا مروا بهم " أي: عليهم، كما قال " وإنكم لتمرون عليهم ". ومنه قول الشاعر:

(1/42)


أرب يبول الثعلبان برأسه ... لقد هان من بالت، عليه، الثعالب
الحادي عشر: التبعيض: وعبر بعضهم عن هذا بموافقة من، يعني التبعيضية، وفي هذا المعنى خلاف، وممن ذكره الأصمعي، والفارسي في التذكرة. ونقل عن الكوفيين، وقال به القتبي وابن مالك. واستدلوا على ذلك بقوله تعالى " يشرب بها عباد الله " أي: منها. وقول الشاعر:
شربن بماء البحر، ثم ترفعت ... متى لجج، خضر، لهن نئيج
وبقول الآخر:

(1/43)


فلثمت فاها، آخذاً بقرونها ... شرب النزيف، ببرد ماء الحشرج
وجعل قوم من ذلك الباء في قوله تعالى " وامسحوا برؤوسكم. وجعلها قوم زائدة. وجعلها قوم للإلصاق على الأصل. وقال بعضهم: إنها باء الاستعانة، فإن مسح يتعدى إلى مفعول بنفسه، وهو المزال عنه، وإلى آخر بحرف الجر، وهو المزيل. فيكون تقدير الآية: فامسحوا أيديكم برؤوسكم.
ولم ترد باء التبعيض عند مثبتيها إلا مع الفعل المتعدي. وقد أنكر قوم، منهم ابن جني، ورود باء التبعيض، وتأولوا ما استدل به مثبتو ذلك، على التضمين. قال ابن مالك: والأجود تضمين شربن معنى: روين. وجعل الزمخشري الباء في الآية كالباء في: شربت الماء بالعسل. والمعنى: يشرب بها عباد الله الخمر.
واعترض بعضهم كلام ابن جني، وقال: شهادة على النفي، وهي

(1/44)


غير مقبولة. وأجيب بأن الشهادة على النفي ثلاثة أقسام: معلومة نحو: إن العرب لم تنصب الفاعل. وظنية عن استقراء صحيح نحو: ليس في كلام العرب اسم متمكن، آخره واو لازمة، قبلها ضمة. وشائعة غير منحصرة نحو: لم يطلق زيد امرأته، من غير دليل، فهذا هو المردود. وكلام ابن جني من الثاني، لأنه شديد الاطلاع على لسان العرب.
الثاني عشر: القسم: نحو: بالله لأفعلن. وهي أصل حروف القسم، ولذلك فضلت سائر حروفه بثلاثة أمور، أحدها أنها لا يجب حذف الفعل معها، بل يجوز إظهاره. نحو: أقسم بالله. والثاني أنها تدخل على المضمر. نحو: بك لأفعلن. والثالث أنها تستعمل في الطلب وغيره، بخلاف سائر حروفه. فإن الفعل معها لا يظهر، ولا تجر المضمر، ولا تستعمل في الطلب. وزاد بعضهم رابعاً، وهو أن الباء تكون جارة في القسم وغيره، بخلاف واو القسم وتائه، فإنهما لا تجران إلا في القسم. قلت: ويشاركها في هذا بعض حروف القسم كاللام.
الثالث عشر: أن تكون بمعنى إلى نحو قوله تعالى " وقد أحسن بي " أي: إلي. وأول على تضمين أحسن معنى: لطف.

(1/45)


تنبيه رد كثير، من المحققين، سائر معاني الباء إلى معنى الإلصاق، كما ذكر سيبوبه. وجعلوه معنى لا يفارقها، وقد ينجر معه معان أخر. واستبعد بعضهم ذلك، وقال: الصحيح التنويع. وما تقدم من نيابة الباء عن غيرها من حروف الجر هو جار على مذهب الكوفيين، ومن وافقهم، في أن حروف الجر قد ينوب بعضها عن بعض. ومذهب البصريين إبقاء الحرف على موضوعه الأول، إما بتأويل يقبله اللفظ، أو تضمين الفعل معنى فعل آخر، يتعدى بذلك الحرف. وما لا يمكن فيه ذلك فهو من وضع أحد الحرفين موضع الآخر على سبيل الشذوذ.
وذكر صاحب رصف المباني في معاني الباء ثلاثة معان، لا تحقيق في ذكرها. وهي: السؤال نحو " سأل سائل بعذاب واقع ". والتعجب نحو: أحسن بزيد. قال: ولا يصح أن

(1/46)


تكون هذه الباء زائدة، لئلا يفسد معناها، ويخرج الكلام عن التعجب. والتشبيه نحو: لقيت به الأسد، وواجهت به الهلال.
قلت: أما الباء التي بعد السؤال فهي بمعنى عن عند قوم، وللسببية عند آخرين، كما تقدم. والسؤال مستفاد من الفعل، لا منها.
وأما باء التعجب ففيها مذهبان: أشهرهما أنها زائدة، وهذا مذهب أكثر النحويين. ثم اختلف هؤلاء، فذهب سيبويه، وجمهور البصريين، إلى أنها زائدة مع الفاعل، مثلها في " كفى بالله شهيداً ". وذهب الفراء والزجاج، ومن قال بقولهما، إلى أنها زائدة مع المفعول، وجعلوا فاعل أحسن ضمير المخاطب. وكذلك قال ابن كيسان، لكنه جعل الفاعل ضمير الحسن، كأنه قال: أحسن يا حسن بزيد، أي: دم به. والمذهب الثاني أنها للتعدية، وليست بزائدة، والهمزة في أحسن للصيرورة، وهو أمر للسبب،

(1/47)


أو للشخص، على ما تقدم من القولين. وأجاز الزمخشري في مفصله أن تكون للتعدية. وليس هذا موضع بسط الكلام على هذه المسألة. وقد بسطته في غيره.
وأما الباء في: لقيت به الأسد، وواجهت به الهلال، فهي عند التحقيق باء السببية، والمعنى: لقيت بسبب لقيه الأسد، وواجهت بسبب مواجهته الهلال. وهي كالباء في قولهم: لئن سألت فلاناً لتسألن به البحر. وهذا من باب التجريج. وهو أن ينتزع من أمر ذي صفة آخر، مثله فيها، مبالغة في كمالها فيه. وهو من أبواب علم البديع.
وأما الباء الزائدة فتكون في ستة مواضع: الأول: الفاعل. وزيادتها معه ثلاثة أضرب: لازمة، وجائزة في الاختيار، وواردة في الاضطرار.
فاللازمة في فاعل أفعل في التعجب، على مذهب سيبويه وجمهور البصريين. وهي لازمة أيضاً على مذهب من جعلها زائدة مع

(1/48)


المفعول. ولا يجوز حذفها على المذهبين إلا مع أن وأن، كقول الشاعر:
وقال نبي المسلمين: تقدموا ... وأحبب إلينا أن نكون المقدما
وفي كلام علي بن أبي طالب، رضي الله عنه أعزز علي، أبا اليقظان، أن أراك صريعاً مجدلاً، خلافاً لصاحب النهاية في قوله: إن حذف الباء من: أن، وأن، في التعجب لا يجوز. قال ابن مالك: ولو اضطر شاعر إلى حذف الباء المصاحبة غير أن لزمه أن يرفع، وعلى قول الفراء يلزمه النصب.
والجائزة في الاختيار في فاعل كفى بمعنى: حسب. نحو " كفى بالله شهيداً "، قال أبو جعفر بن الزبير: فإن كان بمعنى وقى لم تزد في فاعله، نحو " وكفى الله المؤمنين القتال ". وأجاز ابن السراج في " كفى بالله " وجهاً آخر، وهو

(1/49)


أن يكون فاعله ضمير المصدر المفهوم من كفى أي: كفى هو، أي: الأكتفاء. ورد بأن الباء على هذا ليس لها في اللفظ ما تتعلق به إلا الضمير، والمصدر لا يعمل مضمراً. قلت: وقد ذهب بعضهم إلى جوار إعماله مضمراً، وهو مذهب الكوفيين. وأجاز ابن جني والرماني أن يعمل في المجرور. وحكي عن الفارسي.
والواردة في الاضطرار في أبيات محفوظة، منها قول الشاعر:
ألم يأتيك، والأنباء تنمي، ... بما لاقت لبون، بني زياد
وقول الآخر:
ألا، هل أتاها، والحوادث جمة، ... بأن امرأ القيس بن تملك بيقرا

(1/50)


وقول الآخر:
مهما لي: الليلة، مهما ليه ... أودى بنعلي، وسرباليه
وفي بعض هذه الأبيات احتمال.
الثاني: المفعول، وزيادتها معه غير مقيسة، مع كثرتها. نحو: " ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة "، " وهزي إليك بجذع النخلة "، و " فليمدد بسبب "، " ومن يرد فيه بإلحاد ". قال ابن مالك: وكثرت زيادتها في مفعول عرف وشبهه، وقلت زيادتها في مفعول ذي مفعولين، كقول حسان:
تبلت فؤادك، في المنام، خريدة ... تسقي الضجيع، ببارد، بسام

(1/51)


ومن شواهد زيادتها مع المفعول قول الشاعر:
نحن، بني ضبة، أصحاب الفلج ... نضرب بالسيف، ونرجو بالفرج
أي: نرجو الفرج. وأبيات أخر، لا فائدة في التطويل بإنشادها، لشهرتها في كتب النحو. وفي بعضها احتمال.
والمختار أن ما أمكن تخريجه، على غير الزيادة، لا يحكم عليه بالزيادة، وتخريج كثير من هذه الشواهد ممكن، على التضمين، أو حذف المفعول. وقد خرج عليهما قوله تعالى " ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة " فقيل: لا تلقوا مضمن معنى: لا تفضوا. وقيل: حذف المفعول والباء للسببية، أي: لا تلقوا أنفسكم بسبب أيديكم، كما تقول: لا تفسد حالك برأيك. قاله المبرد.
واختلف في زيادتها في مفعول كفى في قوله:
فكفى بنا، فضلاً على من غيرنا ... حب النبي، محمد، إيانا

(1/52)


فقيل: هي في البيت زائدة مع المفعول. ورده ابن أبي العافية، وقال: هي داخلة على فاعل كفى، وحب النبي بدل اشتمال من الضمير على الموضع. وعلى هذا حمل بعضهم قول أبي الطيب:
كفى بجسمي، نحولاً، أنني رجل ... لولا مخاطبتي إياك لم ترني
الثالث: المبتدأ، نحو بحسبك زيد. بهذا مثل الزمخشري وغيره. ومثله ابن مالك بقوله: بحسبك حديث. وقال في بحسبك زيد: الأجود أن يكون زيد مبتدأ، وبحسبك خبر مقدم. فإن حسباً من الأسماء التي لا تعرفها الإضافة. قال ابن يعيش: ولا نعلم مبتدأ دخل عليه حرف الجر في الإيجاب غير هذا الحرف. قلت: جعل بعض المتأخرين الباء في قولهم: كيف بك، وكيف بنا، زائدة مع المبتدأ، والأصل: كيف أنت، وكيف نحن.
الرابع: الخبر. وزيادتها في الخبر ضربان: مقيسة، وغير مقيسة.
فالمقيسة في خبر ليس وما أختها نحو " أليس الله بكاف

(1/53)


عبده "، " وما ربك بظلام للعبيد ". وفي زيادتها بعد ما التميمية خلاف. منع الفارسي والزمخشري. والصحيح الجواز، لسماعه في أشعار بني تميم. وقد وردت زيادتها في خبر لا أخت ليس، كقول سواد بن قارب:
وكن لي شفيعاً، يوم لا ذو شفاعة ... بمغن فتيلاً، عن سواد بن قارب
وفي خبر فعل ناسخ منفي، كقول الشاعر:
وإن مدت الأيدي إلى الزاد لم أكن ... بأعجلهم، إذ أجشع القوم أعجل
وظاهر كلام بعضهم أن هذا يجوز القياس عليه.
وغير المقيسة في مواضع كثيرة. كزيادتها بعد هل في قوله:

(1/54)


ألا، هل أخو عيش، لذيذ، بدائم وندرت زيادتها في الخبر الموجب، كقول الشاعر:
فلا تطمع، أبيت اللعن، فيها ... ومنعكها بشيء يستطاع
وفيه احتمال. وقال الأخفش: إن الباء زائدة في قوله تعالى " جزاء سيئة بمثلها ". والأولى أن يكون الجار والمجرور خبراً، والباء متعلقة بالاستقرار.
الخامس: النفس والعين في باب التوكيد. يقال: جاء زيد بنفسه، وبعينه. والأصل: جاء زيد نفسه وعينه.
السادس: الحال المنفية، لأنها شبيهة بالخبر. ذكر هذا ابن مالك، واستدل بقول الشاعر:
فما رجعت، بخائبة، ركاب ... حكيم بن المسيب منتهاها
وقول الآخر:

(1/55)


كائن دعيت إلى بأساء، داهمة ... فما انبعثت بمزؤود، ولا وكل
واعترض بأنه لا حجة في البيتين، لجواز كون الباء فيهما باء الحال، والمعنى: فما رجعت خائبة، وفما انبعثت بشخص مزؤود. يعني بذلك نفسه، ويكون من باب التجريد.
فهذا تمام الكلام على باء الجر. وقد كنت نظمت معانيها في هذين البيتين:
بالباء ألصق، واستعن، أو عد، أو ... أقسم، وبعض، أو فزد، أو علل
وأتت بمعنى مع، وفي، وعلى، وعن ... وبها فعوض، إن تشا، أو أبدل

التاء
حرف يكون عاملاً، وغير عامل. وأقسامه ثلاثة: تاء القسم، وتاء التأنيث، وتاء الخطاب. وما سوى هذه الأقسام فليس من حروف المعاني، كتاء المضارعة.

(1/56)


فأما تاء القسم: فهي من حروف الجر، ولا تدخل إلا على اسم الله نحو " تالله تفتأ تذكر يوسف ". وحكى الأخفش دخولها على الرب؛ قالوا: ترب الكعبة. وخص بعضهم دخولها على الرب، بأن يضاف إلى الكعبة. وليس كذلك، لأنه قد جاء عنهم: تربي. وحكى بعضهم أنهم قالوا: الرحمن، وتحياتك. وذلك شاذ.
وهذه التاء فرع، أو القسم، لأن الواو تدخل على كل ظاهر، مقسم به. والواو فرع الباء، لأن الباء فضلت بأربعة أوجه، تقدم ذكرها. وقولهم: إن التاء بدل من الواو، والواو بدل من الباء، استضعفه بعضهم. قال: ولا يقوم دليل على صحته.
وأما تاء التأنيث: فهي حرف يلحق الفعل، دلالة على تأنيث فاعله، لزوماً في مواضع، وجوازاً في مواضع، على تفصيل مذكور في كتب النحو. ولا تلحق إلا الماضي، وتتصل به متصرفاً، وغير متصرف، ما لم يلزم تذكير فاعله، ك أفعل في التعجب، وخلا، وعدا، وحاشا في الاستثناء. وحكم هذه التاء السكون، ولذلك لما عرض تحريكها، في نحو: رمتا، لأجل الضمير، لم ترد الألف التي هي

(1/57)


بدل اللام، إلا في لغة رديئة، يقول أهلها: رماتا.
قال بعض النحويين: وقد لحقت تاء التأنيث ثلاثة أحرف وهي: ربت، وثمت، ولات. قلت: ولها رابع، وهو لعلت.
وأما تاء التأنيث التي تلحق الاسم فلا تعد من حروف المعاني. ومذهب البصريين فيها أنها تاء في الأصل، والهاء في الوقف بدل التاء، ومذهب الكوفيين عكس ذلك.
وأما تاء الخطاب، فهي التاء اللاحقة للضمير المرفوع المنفصل، نحو: أنت وأنت. فالتاء في ذلك حرف خطاب وأن هو الضمير. هذا مذهب الجمهور. وعلى هذا لو سميت ب أنت حكيته، لأنه مركب من حرف واسم. وذهب الفراء إلى أن المجموع هو الضمير. وذهب ابن كيسان إلى أن التاء هي الاسم، وهي التي في فعلت، لكنها كثرت ب أن. والله أعلم.

(1/58)


السين
حرف مهمل. يكون للتنفيس، ويكون زائداً في الوقف، لبيان الحركة.
فأما سين التنفيس: فمختصة بالمضارع، وتخلصه للاستقبال. نحو " كلا سيعلمون ".
فإن قلت: فكيف دخلت على الفعل المقرون ب الآن، في قول الشاعر:
فإني لست خاذلكم، ولكن ... سأسعى، الآن، إذ بلغت أناها
قلت: لأنه أراد التقريب ولم يرد الآن الزمن الحاضر حقيقة.
والسين عند البصريين حرف مستقل. وذهب الكوفيون

(1/59)


إلى أنها مقتطعة من سوف كما قالوا: سو، وسي، وسف. واختاره ابن مالك. قال: لأنه أبعد عن التكلف، ولأنهم أجمعوا على أن هذه الثلاثة فروغ سوف، فلتكن السين كذلك. واستدل بعضهم، على أصالة السين، بتفاوت مدة التسويف؛ فإن سوف أبلغ في ذلك. فلو كانت السين فرعها لتساوت مدة التسويف. قال ابن مالك: وهذه دعوى مردودة، لأن العرب عبرت عن المعنى الواحد الواقع في الوقت الواحد ب: سيفعل، وسوف يفعل. ومنه قول الشاعر:
وما حالة إلا سيصرف حالها ... إلى حالة، أخرى، وسوف تزول
وأما سين الوقف: فهي في لغة بكر، يزيدون سيناً بعد كاف المؤنثة، في الوقف، لبيان حركة الكاف. نحو: عليكس. فإذا وصلوا حذفوها. فهي، في ذلك، نظير هاء السكت. وهذه لغة قليلة، تسمى: كسكسة بكر. والله أعلم.

(1/60)


الشين
حرف مهمل، يزاد وقفاً بعد كاف المخاطبة، في لغة تميم، كزيادة السين في لغة بكر. فيقولون: أكرمتكش. وتسمى كشكشة تميم. والله أعلم.

الفاء
حرف مهمل، خلافاً لمن زعم أنها تجر إذا نابت عن رب، ولمن ذهب إلى أنها تنصب المضارع في الأجوبة. وسيأتي الكلام على ذلك. وأصول أقسام الفاء ثلاثة: عاطفة، وجوابية، وزائدة.
أما العاطفة فهي من الحروف التي تشرك في الإعراب والحكم، ومعناها التعقيب. فإذا قلت: قام زيد فعمرو، دلت على أن قيام عمرو بعد زيد، بلا مهلة. فتشارك ثم في إفادة الترتيب، وتفارقها في أنها الأتصال، وثم تفيد الانفصال. هذا مذهب البصريين، وما أوهم خلاف ذلك تأولوه.
وأورد السيرافي، على قولهم: إن الفاء للتعقيب، قولك: دخلت

(1/61)


البصرة فالكوفة. لأن أحد الدخولين لم يل الآخر. وأجاب بأنه بعد دخوله البصرة لم يشتغل بشيء، غير أسباب دخول الكوفة.
وقال بعضهم: تعقيب كل شيء بحسبه، فإذا قلت: دخلت مصر فمكة، أفادت التعقيب على الوجه الذي يمكن.
وذهب قوم، منهم ابن مالك، إلى أن الفاء قد تكون للمهلة بمعنى ثم. وجعل من ذلك قوله تعالى " ألم تر أن الله أنزل من السماء ماء، فتصبح الأرض مخضرة ". وتؤولت هذه الآية على أن فتصبح معطوف على محذوف، تقديره: أنبتنا به، فطال النبت، فتصبح. وقيل: بل هي للتعقيب، وتعقيب كل شيء بحسبه.
وذهب الفراء إلى أن ما بعد الفاء قد يكون سابقاً، إذا كان في الكلام ما يدل على ذلك. كقوله تعالى " وكم، من قرية، أهلكناها فجاءها بأسنا "، والبأس في الوجود واقع قبل الإهلاك. وأجيب بأن معنى الآية: وكم من قرية أردنا إهلاكها، كقوله إذا أكلت فسم الله. وقيل الفاء في الآية عاطفة للمفصل على المجمل، كقوله تعالى " إنا أنشأناهن إنشاء، فجعلناهن أبكاراً ". وهذا مما

(1/62)


انفردت به الفاء.
وذهب بعضهم إلى أن الفاء قد تأتي، لمطلق الجمع، كالواو. وقال به الجرمي في الأماكن والمطر خاصة. كقولهم: عفا مكان كذا فمكان كذا، وإن كان عفاؤهما في وقت واحد. ونزل المطر بمكان كذا فمكان كذا، وإن كان نزوله في وقت واحد. قال امرؤ القيس: بسقط اللوى، بين الدخول فحومل وقال النابغة:
عفا ذو حسى، من فرتنى، فالفوارع ... فجنبا أريك، فالتلاع، الدوافع
وقد اتضح، بما ذكرته من هذه الأقوال، أن ما نقله بعضهم، من الإجماع، على أن الفاء للتعقيب، غير صحيح.
وقال بعضهم: الترتيب بالفاء على ضربين: ترتيب في المعنى، وترتيب في الذكر. والمراد بالترتيب في المعنى أن يكون المعطوف بها لاحقاً متصلاً، بلا مهلة. كقوله تعالى " الذي خلقك فسواك

(1/63)


فعد لك ". وأما الترتيب في الذكر فنوعان: أحدهما عطف مفصل على مجمل، هو في المعنى، كقولك: توضأ، فغسل وجهه ويديه، ومسح برأسه، ورجليه. ومنه قوله تعالى " ونادى نوح ربه، فقال: رب " الآية. والثاني عطف، لمجرد المشاركة في الحكم، بحيث يحسن الواو. كقول امرئ القيس: بسقط اللوى، بين الدخول فحومل وسمى غيره هذا ترتيباً في اللفظ؛ قال: ومراد الشاعر وقوع الفعل بتلك المواضع، وترتيب اللفظ واحداً بعد آخر بالفاء ترتيباً لفظياً.
تنبيه لا يخلو المعطوف بالفاء من أن يكون مفرداً، أو جملة، والمفرد: صفة، وغير صفة. فالأقسام ثلاثة. فإن عطفت مفرداً غير صفة لم تدل على السببية. نحو: قام زيد فعمرو. وإن عطفت جملة، أو صفة، دلت على السببية غالباً. نحو " فوكزه موسى، فقضى عليه ".

(1/64)


ونحو " لآكلون من شجر، من زقوم، فمالئون منها البطون، فشاربون عليه من الحميم ". قال الزمخشري، في الكشاف فإن قلت: ما حكم الفاء إذا جاءت عاطفة في الصفات؟ قلت: إما أن تدل على ترتب معانيها في الوجود. كقوله:
يا لهف زيابة، للحارث ال ... صابح، فالغانم، فالآيب
كأنه قال: الذي صبح، فغنم، فآب. وإما على ترتبها في التفاوت، من بعض الوجوه. كقولك: خذ الأكمل فالأفضل، واعمل الأحسن فالأجمل. وإما على ترتب موصوفاتها، في ذلك. كقولك: رحم الله المحلقين فالمقصرين.
فعلى هذه القوانين الثلاثة ينساق أمر الفاء العاطفة في الصفات.

(1/65)


وللفاء العاطفة أحكام أخر، مذكورة في مواضعها، لا حاجة هنا إلى ذكرها.
وأما الفاء الجوابية: فمعناها الربط، وتلازمها السببية. قال بعضهم: والترتيب أيضاً، كما ذكر في العاطفة. ثم إن هذه الفاء تكون جواباً لأمرين: أحدهما الشرط ب إن وأخوتها. والثاني ما فيه معنى الشرط نحو أما.
فأما جواب الشرط ب إن وأخواتها فأصله أن يكون فعلاً صالحاً لجعله شرطاً. فإذا جاء على الأصل لم يحتج إلى فاء، وذلك إذا كان ماضياً متصرفاً عارياً من قد وغيرها، أو مضارعاً مجرداً، أو منفياً ب لا أو لم.
ومع كونه في ذلك غير محتاج إلى الفاء لا يمتنع اقترانه بها، على تفصيل أنا ذاكره: وهو أنه إن كان مضارعاً جاز اقترانه بها، ويجب رفعه حينئذ كقوله تعالى: " ومن عاد فينتقم الله منه "، " ومن

(1/66)


يؤمن بربه فلا يخاف ". والتحقيق أنه حينئذ خبر مبتدأ محذوف. فيكون الجواب جملة اسمية.
وإن كان ماضياً متصرفاً مجرداً، فهو على ثلاثة أضرب: ضرب لا يجوز اقترانه بالفاء، وهو ما كان مستقبلاً، ولم يقصد به وعد أو وعيد. نحو: إن قام زيد قام عمرو.
وضرب يجب اقترانه بالفاء، وهو ما كان ماضياً لفظاً ومعنى. نحو " إن كان قميصه قد من قبل فصدقت "، وقد معه مقدرة.
وضرب يجوز اقترانه بالفاء ولا يجب، وهو ما كان مستقبلاً، وقصد به وعد أو وعيد. كقوله تعالى " فمن جاء بالسيئة فكبت وجوههم في النار ".
وإذا كان الجواب لا يصلح لأن يجعل شرطاً وجب اقترانه بالفاء، ليعلم ارتباطه بأداة الشرط. وذلك إذا كان:

(1/67)


جملة أسمية، نحو: من يفعل الخير فالله يجزيه.
أو فعلية طلبية، نحو " قل: إن كنتم تحبون الله فاتبعوني ".
أو فعلاً غير متصرف، نحو " إن ترني أنا أقل منك مالاً، وولداً، فعسى ربي ".
أو مقروناً بحرف تنفيس، نحو " من يرتد، منكم، عن دينه فسوف ".
أو ب قد، نحو " قالوا: إن يسرق فقد سرق أخ، له، من قبل ".
أو منفياً ب ما أو لن أو أن، نحو: إن قام زيد فما يقوم عمرو، أو فلن يقوم، أو فإن يقوم.
أو قسماً، نحو: إن تكرمني فو الله لأكرمنك.

(1/68)


أو مقروناً ب رب، أو بنداء، كقول امرىء القيس:
فإن أمس مكروباً فيا رب قينة ... منعمة، أعملتها بكران
فهذه الأجوبة تلزمها الفاء، لأنها لا يصلح جعلها شرطاً.
وجاء حذف الفاء لضرورة الشعر كقوله: من يفعل الحسنات الله يشكرها أي: فالله يشكرها.
وقال بعضهم: لا يجوز حذفها إلا في ضرورة، أو ندور. ومثل الندور بما في صحيح البخاري، من قوله صلى الله عليه وسلم، لأبي بن كعب، رضي الله عنه فإن جاء صاحبها، وإلا استمتع بها.
وعن الأخفش إجازة حذف الفاء، في الاختيار. واختلف النقل عن المبرد، فنقل عنه كمذهب الأخفش، ونقل عنه منع حذفها

(1/69)


مطلقاً. وزعم أن الرواية في البيت: من يفعل الخير فالرحمن يشكره واعلم أن إذا الفجائية قد تخلف الفاء في الجملة الاسمية، بشروط يأتي ذكرها عند ذكر إذا، إن شاء الله تعالى.
وأما الفاء الواقعة جواباً ل أما فالأليق تأخير ذكرها، لتذكر مع أما.
وأما الفاء الزائدة فهي ضربان: أحدهما الفاء الداخلة على خير المبتدأ، إذا تضمن معنى الشرط. نحو: الذي يأتي فله درهم. فهذه الفاء شبيهة بفاء جواب الشرط، لأنها دخلت لتفيد التنصيص على أن الخبر مستحق بالصلة المذكورة. ولو حذفت لاحتمل كون الخبر مستحقاً بغيرها.
فإن قلت: فكيف تجعلها زائدة، وهي تفيد هذا المعنى؟ قلت: إنما جعلتها زائدة، لأن الخبر مستغن عن رابط يربطه بالمبتدأ. ولكن المبتدأ لما شابه اسم الشرط دخلت الفاء في خبره، تشبيهاً له بالجواب.

(1/70)


وإفادتها هذا المعنى لا تمنع تسميتها زائدة. وبالجملة فهذه الفاء شبيهة بفاء جواب الشرط.
ولتضمن المبتدأ معنى الشرط صور، مذكورة في موضعها.
والثاني التي دخولها في الكلام كخروجها. وهذا القسم لا يقول به سيبويه، وقال به الأخفش، وزعم أنهم يقولون: أخوك فوجد. واحتج بقول الشاعر:
وقائلة: خولان فانكح فتاتهم ... وأكرومة الحيين خلو: كما هيا
وبقول عدي بن زيد:
أرواح، مودع، أم بكور ... أنت فانظر: لأي ذاك تصير؟
ولا حجة فيهما، لاحتمال كون خولان خبر مبتدأ محذوف، أي:

(1/71)


هؤلاء خولان. وكون أنت فاعل فعل مقدر، يفسره الظاهر، أي: فانظر أنت.
وقد أجاز الفراء وحماعة، منهم الأعلم، دخولها في خبر المبتدأ، إذا كان أمراً، أو نهياً.
وأجاز الزجاج في قوله تعالى " هذا فليذوقوه " أن يكون هذا مبتدأ، وفليذوقوه خبره.
وقال ابن برهان: واعلم أن الفاء تكون زائدة عند أصحابنا جميعاً. نحو قول الشاعر: وإذا هلكت فعند ذلك فاجزعي

(1/72)


مسألتان
الأولى: اختلف في الفاء الداخلة على إذا الفجائية، نحو: خرجت فإذا الأسد. فذهب المازني، ومن وافقه، إلى أنها زائدة لازمة. وإليه ذهب الفارسي. وذهب أبو بكر مبرمان إلى أنها فاء عاطفة، واختاره ابن جني. وذهب الزجاج إلى أنها فاء الجزاء، دخلت على حد دخولها في جواب الشرط.
الثانية: اختلف في الفاء الداخلة على الفعل المقدم معموله، في الأمر والنهي، نحو: زيداً فاضرب، وعمراً فلا تهن. فذهب قوم، منهم الفارسي، إلى أنها زائدة. وذهب قوم إلى أنها عاطفة، وقالوا: الأصل في نحو زيداً فاضرب: تنبه فاضرب زيداً. فالفاء عاطفة على تنبه، ثم حذف الفعل المعطوف عليه، فلزم تأخير الفاء، لئلا

(1/73)


تقع صدراً. فلذلك قدم المعمول عليها.
وقد ذكر للفاء أقسام أخر، ترجع عند التحقيق إلى الأقسام الثلاثة المتقدمة.
أحدها الناصبة للفعل في جواب الأمر، والنهي، والدعاء، والاستفهام، والتحضيض، والعرض، والتمني، والنفي، والترجي. فهذه تسعة أجوبة.
وليس للترجي عند البصريين جواب منصوب، وتأولوا قراءة حفص " لعلي أبلغ الأسباب، أسباب السماوات فأطلع " على أن لهل أشربت معنى ليت.
ومذهب بعض الكوفيين أن الفاء، في هذه الأجوبة، هي الناصبة للفعل بنفسها. وذهب بعضهم إلى أن انتصابه بالمخالفة، لأنه لما لم يصح عطفه على الأول، لمخالفته له في المعنى، نصب.
ومذهب البصريين أن هذه الفاء فاء عاطفة، والفعل منصوب ب أن مضمرة بعد الفاء. والفاء في ذلك عاطفة مصدراً مقدراً على مصدر متوهم. فإذا قلت: أكرمني فأحسن إليك، فالتقدير:

(1/74)


ليكن منك إكرام فإحسان مني.
وثانيها الجازة، وهي فاء رب، كقول امرىء القيس:
فمثلك، حبلى، قد طرقت، ومرضع ... فألهيتها، عن ذي تمائم، مغيل
وقول الهذلي:
فحور قد لهيت بهن، عين ... نواعم، في المروط، وفي الرياط
وليست هذه الفاء جارة، كما زعم هذا القائل. وإنما الجر ب رب المقدرة بعدها، والفاء في ذلك إما عاطفة، كالبيت الأول، وإما جواب شرط كالبيت الثاني، لأن قبله:

(1/75)


فإما تعرضن، أميم، عني ... وينزغك الوشاة، أولو النباط
وقد حكى ابن عصفور، وابن مالك، إجماع النحويين على أن الجر في ذلك ب رب المحذوفة، لا بالفاء.
وثالثها أن تكون للاستئناف. كقوله تعالى " أنما إلهكم إله واحد. فهل أنتم مسلمون ". قال بعضهم: وإذا أردت الاستئناف بعدها، من غير تشريك للجملتين، كانت حرف ابتداء. نحو: قام زيد، فهل قمت. وقام زيد، فعمر قائم. وعليه قوله: ألم تسأل الربع القواء، فينطق أي: فهو ينطق. وجعل من ذلك قوله تعالى " فأنتم فيه سواء " وهذه الفاء ترجع، عند التحقيق، للفاء العاطفة للجمل، لقصد الربط بينها.

(1/76)


ورابعها أن تكون بمعنى حتى ذكره بعضهم، قال: كقوله تعالى " فهم فيه شركاء ".
وليس كما ذكر. بل هذه الفاء فاء العطف.
وخامسها أن تكون بمعنى إلى. ذكره بعض الكوفيين، ومثله بقوله: هو أحسن الناس ما بين قرن فقدم. أي: إلى قدم. وأجاز بعضهم في قولهم بين الدخول فحومل أن تكون الفاء بمعنى إلى.
وهذا ضعيف، والفاء في ذلك عاطفة.
وقد نظمت أقسام الفاء في هذه الأبيات:
معاني الفاء لا تعدو ثلاثاً ... فعاطفة، ترتب باتصال
وبعض قال: قد تأتي، كواو ... وبعض قال: تأتي، لا نفصال
وفي جمل، وأوصاف، كثيراً ... جلت سببية، ضمن المقال

(1/77)


ورابطة الجواب، تدل فيه ... على سببية، في كل حال
وزائدة، كما قد قال قوم ... ويظهر ذاك، في صور المثال

الكاف
حرف، يكون عاملاً، وغير عامل. فالعامل: كاف الجر. وغير العامل: كاف الخطاب.
أما كاف الجر: فحرف ملازم لعمل الجر. والدليل على حرفيته أنه على حرف واحد، صدراً، والاسم لا يكون كذلك. وأنه يكون زائداً، والأسماء لا تزاد. وأنه يقع مع مجروره صلة، من غير قبح، نحو: جاء الذي كزيد. ولو كان اسماً لقبح ذلك، لاستلزامه حذف صدر الصلة من غير طول. ومذهب سيبويه أن كاف التشبيه لا تكون اسماً، إلا في ضرورة الشعر. كقوله:

(1/78)


يضحكن، عن كالبرد، المنهم أي: عن مثل البرد. فالكاف هنا اسم، بمعنى: مثل، لدخول حرف الجر عليه.
ومذهب الأخفش والفارسي، وكثير من النحويين، أنه يجوز أن تكون حرفاً واسماً، في الاختيار. فإذا قلت: زيد كالأسد، احتمل الآمرين. وشذ أبو جعفر بن مضاء، فقال: إن الكاف اسم أبداً، لأنها بمعنى مثل.
وذكر بعض النحويين أن لكاف التشبيه ثلاثة أحوال: فالاول: تتعين فيه الحرفية، وذلك إذا وقع زائداً، نحو قوله تعالى " ليس كمثله شيء ". قيل: وكذلك إذا وقعت أول كافين، كقول خطام المجاشعي:

(1/79)


وصاليات، ككما يؤثفين قلت: وفي هذا نظر، من وجهين: أحدهما أن الكاف الأولى في ذلك زائدة، كالكاف في " ليس كمثله شيء "، فلا حاجة لإفراده بالذكر. والآخر أن الكافين في البيت يحتملان ثلاثة أوجه: أولها أن تكون الأولى حرفاً والثانية اسماً، كما ذكر. وثانيها أن يكونا حرفين أكد أحدهما بالآخر، كقول الشاعر: ولا للمابهم، أبداً دواء وثالثها أن يكونا اسمين، أكد أحدهما بالآخر. وقد أشار الزمخشري إلى ذلك، قال: ولك أن تزعم أن كلمة التشبيه كررت، للتأكيد، يعني: في قوله تعالى " ليس كمثله شيء "، كما كررها من قال:

(1/80)


وصاليات، ككما يؤثفين وزاد بعضهم، فيما تتعين فيه الحرفية، أن تقع مع مجرورها صلة، كقول الشاعر:
ما يرتجى، وما يخاف، جمعا ... فهو الذي كالغيث، والليث، معا
قال: تتعين الحرفية في ذلك، لإجماعهم على استحسانه. ولو كانت الكاف في ذلك اسماً لزم أن يكون المبتدأ محذوفاً من الصلة، أي: فهو الذي هو كالغيث. وحذف المبتدأ من صلة الذي في مثل ذلك قبيح.
قلت: وفي كلام الجزولي، وابن مالك، وغيرهما، ما يدل على جواز الأمرين في ذلك، مع ترجيح الحرفية. قال الجزولي: والأحسن الأجود ألا تكون كاف التشبيه في صلة الموصول إلا حرفاً. وقال ابن مالك: وإن وقعت صلة فالحرفية راجحة.

(1/81)


والثاني: تتعين فيه الاسمية، وذلك في خمسة مواضع: أحدهما أن يقع مجروراً بحرف جر. كقول الشاعر:
بكا للقوة، الشغواء، جلت، فلم أكن ... لأولع، إلا بالكمي، المقنع
وثانيها أن يضاف إليه. كقول الشاعر:
تيم القلب حب كالبدر، لابل ... فاق حسناً من تيم القلب حباً
وثالثها أن يقع فاعلاً. كقول الأعشى:
أتنتهون، ولن ينهى ذوي شطط ... كالطعن، يذهب فيه الزيت، والفتل
ورابعها أن تقع مبتدأ. كقوله:

(1/82)


أبداً، كالفراء فوق ذراها ... حين يطوي، المسامع، الصرار
وخامسها أن تقع اسم كان كقوله:
لو كان في قلبي كقدر قلامة ... حباً، لغيرك، ما أتتك رسائلي
وزاد بعضهم سادساً، وهو أنت تقع مفعولاً. كقول النابغة:
لا يبرمون، إذا ما الأفق جلله ... برد الشتاء، من الإمحال، كالأدم
واعلم أن منهم من تأول هذا كله، على حذف الموصوف، وإقامة الصفة التي هي الجار والمجرور مقامه.
والثالث: تجوز فيه الحرفية والاسمية. وهو ما عدا ما ذكر.
واعلم أن الكاف، التي هي حرف جر، قسمان: زائدة، وغير زائدة. فغير الزائدة لها معنيان:

(1/83)


الأول: التشبيه: نحو زيد كالأسد. ولم يثبت أكثرهم لها غير هذا المعنى.
الثاني: التعليل: ذكره الأخفش وغيره، وجعلوا منه قوله تعالى " كم أرسلنا فيكم رسولاً ". قال الأخفش: أي: لما فعلت هذا فاذكروني. قال ابن مالك: وورودها للتعليل كثير. كقوله تعالى " واذكروه كما هداكم "، وقوله تعالى " وكأنه لا يفلح الكافرون "، أي: أعجب لأنه لا يفلح الكافرون. وكذا قدره ابن برهان. وحكى سيبويه: كما أنه لا يعلم فتجاوز الله عنه. والتقدير: لأنه لا يعلم فتجاوز الله عنه.
وزاد ابن مالك معنى ثالثاً، وهو أن تكون بمعنى على. قال: كقول بعض العرب كخير، في جواب: كيف أصبحت؟ حكاه الفراء. قلت: ذكر بعض النحويين أن هذا مذهب الكوفيين والأخفش. قال: وحكى الأخفش عن بعض العرب أنه قيل له: كيف أنت؟ فقال: كخير. يريد: على خير. وعلى هذا خرج

(1/84)


الأخفش قولهم: كن كما أنت.
وأقول تأويل ذلك ورده إلى معنى التشبيه أولى من ادعاء معنى، لم يثبت. وقد أول قوله كخير على حذف مضاف، أي: كصاحب خير. وأما قولهم: كن كما أنت، ففيه أربعة أوجه: الأول: أن الكاف للتشبيه وما زائدة، والأصل: كن كأنت، أي: كن مماثلاً الآن لنفسك قبل. ولا ينكر تشبيه الشيء بنفسه، في حالين مختلفين. وعلى هذا ف أنت في موضع جر بالكاف. وقد ورد دخول كاف التشبيه على أنت وأخواته.
الثاني: أن تكون ما كافة للكاف عن العمل، وأنت مبتدأ، وخبره محذوف. أي: كما أنت عليه، أو كائن.
الثالث: أن تكون ما كافة أيضاً، ومهيئة لدخول الكاف على الجملة الفعلية، وأنت مرفوع بفعل مقدر، أي: كما كنت. فلما حذف الفعل انفصل الضمير.
الرابع: أن تكون ما موصولة، وأنت خبر مبتدأ محذوف، أي: كالذي هو أنت.

(1/85)


وذكر بعضهم للكاف معنى آخر، وهو أن تكون بمعنى الباء. قال: كقول العجاج، وقد قيل له: كيف أصبحت؟ فقال كخير. قال: يجوز في هذا المثال أن تكون الكاف بمعنى الباء، وأن تكون بمعنى على.
قلت: وليست الكاف بمعنى الباء، ولا بمعنى على، إذ لا دليل على ذلك. وقد تقدم تأويل هذا المثال.
مسألة كاف الجر غير الزائدة كسائر حروف الجر، في تعلقها بالفعل أو ما في معناه، لأن جميع حروف الجر لا بد لها من شيء تتعلق به، إلا الزوائد ولولا، ولعل في لغة من جربها، على خلاف في بعض ذلك. وذهب الفارسي إلى أن الكاف لا تتعلق بشيء، وتبعه ابن عصفور في بعض تصانيفه، ونقل عن الأخفش، وهو ضعيف.
وأما الكاف الزائدة فقد وردت في النثر والنظم.
فمن النثر قوله تعالى " ليس كمثله شيء " فالكاف

(1/86)


هنا زائدة، عند أكثر العلماء، والمعنى: ليس مثله شيء. قالوا: لأن جعلها غير زائدة يفضي إلى المحال، إذ يصير معنى الكلام: ليس مثل مثله شيء. وذلك يستلزم إثبات المثل، تعالى الله عن ذلك. وزيادتها في كلام العرب غير قليلة؛ حكى الفراء أنه قيل لبعضهم: كيف تصنعون الأقط؟ فقال: كهين. يريد: هيناً. فزاد الكاف، وفي الحديث يكفي كالوجه والكفين أي: يكفي الوجه والكفان. قيل: ومن زيادتها قوله تعالى " وحور عين، كأمثال اللؤلؤ المكنون ".
فإن قلت: ما فائدة زيادتها في الآية؟ قلت: فائدتها توكيد نفي المثل، من وجهين: أحدهما لفظي، والآخر معنوي.
أما اللفظي فهو أن زيادة الحرف في الكلام تفيد ما يفيده التوكيد اللفظي، من الاعتناء به. قال ابن جني: كل حرف زيد في كلام العرب فهو قائم مقام إعادة الجملة مرة أخرى. فعلى هذا يكون المعنى: ليس مثله شيء، ليس مثله شيء.

(1/87)


وأما المعنوي فإنه من باب قول العرب: مثلك لا يفعل كذا. فنفوا الفعل عن مثله، وهم يريدون نفيه عن ذاته، لأنهم قصدوا المبالغة في ذلك. فسلكوا به طريق الكناية، لأنهم إذا نفوه عمن هو على أخص أوصافه فقد نفوه عنه. ذكر ذلك الزمخشري؛ قال: فإذا علم أنه من باب الكناية لم يقع فرق بين قوله: ليبس كالله شيء، و " ليس كمثله شيء " إلا ما تعطيه الكناية من فائدتها. وقال ابن عطية: الكاف مؤكدة للتشبيه. فنفي التشبيه أوكد ما يكون. وذلك أنك تقول: زيد كعمرو، وزيد مثل عمرو. فإذا أردت المبالغة التامة قلت: زيد كمثل عمرو. ومثل هذا قول أوس بن حجر:
وقتلى، كمثل جذوع النخيل ... تغشاهم مسبل، منهمر

(1/88)


وقول الآخر:
سعد بن زيد إذا أبصرت فضلهمما إن كمثلهم، في الناس، من أحد فجرت الآية على عرف كلام العرب. وأنشد غيره:
ليس كمثل الفتى، زهير ... خلق، يوازيه في الفضائل
قلت: وذهب قوم إلى أن الكاف في الآية ليست بزائدة. ولهم في ذلك أقوال: الأول: أن مثلاً هي الزائدة، لتفصل بين الكاف والضمير. فإن إدخال الكاف على الضمير غير جائز، إلا في الشعر. وهذا القول فاسد، لأن الأسماء لا تزاد.
الثاني: أن مثلاً بمعنى الذات، أي: ليس كذاته شيء.
الثالث: أن مثلاً بمعنى الصفة، أي ليس كصفته شيء.
الرابع: أن تكون الكاف اسماً بمعنى مثل، وهو من

(1/89)


التوكيد اللفظي. وقد أشار إليه الزمخشري؛ قال: ولك أن تزعم أن كلمة التشبيه كررت للتأكيد، كما كررها من قال: وصاليات، ككما يؤثفين ومن قال: فأصبحت مثل كعصف، مأكول الخامس: قال بعض أهل المعقول: الحق أن قوله تعالى " ليس كمثله شيء " محمول على المعنى الحقيقي. ويلزم منه نفي المثل مطلقاً، بطريق برهاني، وهو الاستدلال بنفي اللازم، على نفي الملزوم. فإن مثل المثل لازم للمثل، لأنه إذا كان للشيء مثل يكون ذلك الشيء مثل مثله. وأورد عليه أنه لو كان المراد نفي مثل المثل لزم المحال، لأنه يلزم نفيه - تعالى عما يقول الظالمون علواً كبيراً - لأنه مثل لمثله. وأجيب بأنه إنما يلزم من ذلك نفي هذا الوصف، أعني وصف مثل المثل، عن الله تعالى، لا نفيه تعالى، ولا محذور في نفي هذا الوصف

(1/90)


عنه، فإن نفي هذا الوصف إما أن ينفي الموصوف، أو ينفي المثل. ونفي الموصوف ممتنع لذاته، فيكون بنفي المثل.
قلت: وقد رد هذا القرافي في شرح المحصول بأن قال: القاعدة في القضايا التصديقية أن الحكم فيها إنما يكون على ما صدق عليه العنوان، ونعني بالعنوان: ما عبر عن المحكوم عليه به. فإذا حكمنا بالنفي، على جميع أمثال المثل، فقد حكمنا بالنفي على ما صدق عليه أنه مثل المثل، لا على المماثلة، فيلزم القضاء بالنفي على ذات واجب الوجود، وذلك محال، فما أفضى إليه يكون باطلاً. وذلك إنما نشأ عن كون الكاف ليست بزائدة، فتعين ما قاله العلماء، أنها زائدة، قلت: وفي هذا بحث لا يليق بهذا الموضع.
وأما كاف الخطاب: فحرف يدل على أحوال المخاطب. ويتصل بستة أشياء: الأول: اسم الإشارة، نحو: ذاك، وذلك. واتصاله به دليل على بعد المشار إليه. وقيل: ذاك للتوسط،، وذلك للبعد. ولا خلاف في

(1/91)


حرفية كاف الخطاب المتصلة باسم الإشارة. وفيها ثلاث لغات: الأولى أن تختلف لاختلاف أحوال المخاطب، في التذكير، والتأنيث، والإفراد، والتثنية، والجمع، كالكاف التي هي ضمير المخاطب. وهذه اللغة الفصيحة. والثانية أن تفرد مفتوحة، في الأحوال كلها. فلم يقصد بها، على هذه اللغة، إلا التنبيه على مطلق الخطاب، لا على أحوال المخاطب. والثالثة أن تنفرد، مفتوحة في التذكير، ومكسورة في التأنيث. فلها على هذه اللغة حالان فقط.
الثاني: ضمير النصب المنفصل، وهو إياك وأخواته. ف إيا في ذلك هو الضمير، والكاف حرف خطاب. هذا مذهب سيبويه، واختاره ابن جني. وفيه مذاهب تأتي في باب الرباعي، إن شاء الله تعالى.
الثالث: أرأيت التي بمعنى: أخبرني. كقوله تعالى "

(1/92)


أرأيتك هذا الذي كرمت علي " فالكاف في ذلك حرف خطاب، لا موضع له من الإعراب. هذا مذهب سيبويه، وهو الصحيح.
وذهب الفراء إلى أن الكاف في ذلك اسم في موضع رفع بالفاعلية، والتاء حرف خطاب. وهو ضعيف، لوجهين: أحدهما: أن التاء محكوم بفاعليتها، مع غير هذا الفعل بإجماع، والكاف بخلاف ذلك. والثاني: أن التاء لا يستغنى عنها، بخلاف الكاف، فإنه يجوز ألا تذكر. وما لا يستغنى عنه أولى بالفاعلية.
وحكي عن الكسائي أن الكاف في أرأيتك في موضع نصب. وهو بعيد.
الرابع: بعض أسماء الأفعال: نحو: حيهلك، والنجاءك، ورويدك.
الخامس: بعض الأفعال، وهي: أبصر، وليس، ونعم، وبئس. فتقول: أبصرك زيداً، وليسك زيد قائماً، ونعمك الرجل زيد، وبئسك الرجل عمرو. فالكاف، في هذا كله،

(1/93)


حرف خطاب، لا موضع لها من الاعراب. ولكن اتصالها بهذه الألفاظ قليل جداً.
وأجاز الفارسي أن تكون الكاف حرف خطاب، في قول الشاعر: وحنت، وما حسبتك أن تحينا وحمله على ذلك وجود أن بعدها. فإنه إن لم يكن الأمر كما قال لزم الإخبار ب أن والفعل عن اسم عين.
وخرجه بعضهم على أن الكاف مفعول أول، وأن تحين بدل منه، سد مسد المفعول الثاني، لأن التعويل على البدل. وعلى ذلك خرج الزمخشري، وغيره، قراءة حمزة " ولا تحسبن الذين كفروا أنما نملي لهم ".
السادس: بعض الحروف. وذلك بلى وكلا. يقال:

(1/94)


بلاك، وكلاك. وهو قليل.
وقد نظمت معاني الكاف، في هذه الأبيات:
الكاف قسمان، وهو حرف ... كاف خطاب، وكاف جر
وذا فشبه به، وعلل ... وزده، إن شئت، دون حجر
ومن يقل: جاءنا كباء ... أو ك على، جاءنا بنكر

اللام
حرف كثير المعاني والأقسام. وقد أفرد لها بعضهم تصنيفاً، وذكر لها نحواً من أربعين معنى. وأقول: إن جميع أقسام اللام، التي هي حرف من حروف المعاني، ترجع عند التحقيق إلى قسمين: عاملة، وغير عاملة. فالعاملة قسمان: جارة وجازمة. وزاد الكوفيون ثالثاً، وهي الناصبة للفعل. وغير العاملة خمسة أقسام: لام ابتداء، ولام فارقة، ولام الجواب، ولام موطئة، ولام التعريف، عند من جعل حرف التعريف أحادياً. فهذه ثمانية أقسام.

(1/95)


القسم الأول: اللام الجارة، ولها معان كثيرة. وقد جمعت لها، من كلام النحويين، ثلاثين قسماً. فأذكرها كما ذكروها، وأشير إلى التحقيق في ذلك.
الأول: الاختصاص: نحو: الجنة للمؤمنين. ولم يذكر الزمخشري في مفصله غيره. قيل: وهو أصل معانيها.
الثاني: الاستحقاق. نحو: النار للكافرين. قال بعضهم: وهو معناها العام، لأنه لا يفارقها.
الثالث: الملك. نحو: المال لزيد. وقد جعله بعضهم أصل معانيها، والظاهر أن أصل معانيها الاختصاص، وأما الملك فهو نوع من أنواع الاختصاص، وهو أقوى أنواعه. وكذلك الاستحقاق، لأن من استحق شيئاً فقد حصل له به نوع اختصاص.
الرابع: التمليك. نحو: وهبت لزيد ديناراً.
الخامس: شبه الملك. نحو: أدوم لك ما تدوم لي.

(1/96)


السادس: شبه التمليك. نحو " والله جعل لكم من أنفسكم أزواجاً ".
السابع: التعليل. نحو: زرتك لشرفك.
الثامن: النسب. نحو: لزيد عم، هو لعمرو خال. ذكر هذا المعنى ابن مالك، وغيره، وليس فيه تحقيق. وإنما اللام في هذا للاختصاص.
التاسع: التبيين. ولام التبيين هي اللام الواقعة بعد أسماء الأفعال، والمصادر التي تشبهها، مبينة لصاحب معناها. نحو " هيت لك "، وسقياً لزيد. وتتعلق بفعل مقدر، تقديره: أعني. قال ابن مالك: وكذا المعلقة بحب، في تعجب أو تفضيل. نحو: ما أحب زيداً لعمرو، " والذين آمنوا أشد حباً لله ".
العاشر: القسم. ويلزمها فيه معنى التعجب. نحو قوله:

(1/97)


لله يبقى، على الأيام، ذو حيد ... بمشمخر، به الظيان، والآس
الحادي عشر: التعدية. قال ابن مالك: كقوله تعالى " فهب لي من لدنك ولياً ".
الثاني عشر: الصيرورة. نحو قوله: لدوا، للموت، وابنوا، للخراب وتسمى أيضاً: لام العاقبة، ولام المآل. وسيأتي الكلام عليها.
الثالث عشر: التعجب. كقولهم: يا للماء! ويا للعشب! إذا تعجبوا من كثرته. ومن ذلك قول الشاعر:
شباب، وشيب، وافتقار، وذلة ... فلله هذا الدهر، كيف ترددا؟!

(1/98)


الرابع عشر: التبليغ. ولام التبليغ هي اللام الجارة اسم سامع قول، أو ما في معناه. نحو: قلت له، وفسرت له، وأذنت له.
الخامس عشر: أن تكون بمعنى إلى لانتهاء الغاية. كقوله تعالى " سقناه لبلد، ميت " أي: إلى بلد، " بأن ربك أوحى لها " أي: إليها. وهو كثير.
السادس عشر: أن تكون بمعنى في الظرفية. قالوا: كقوله تعالى " يا ليتني قدمت لحياتي "، أي: في حياتي، يعني: الحياة الدنيا. والظاهر أن المعنى: لأجل حياتي، يعني: الحياة الآخرة. ومن ذلك قوله تعالى " ونضع الموازين القسط، ليوم القيامة " أي: في يوم القيامة.
السابع عشر: أن تكون بمعنى عن. وهي اللام الجارة اسم من غاب حقيقة أو حكماً، عن قول قائل، متعلق به. نحو " وقال الذين كفروا للذين آمنوا: لو كان خيراً ما سبقونا
إليه "

(1/99)


أي: عن الذين آمنوا. وقول الشاعر:
كضرائر الحسناء، قلن، لوجهها ... حسداً، وبغياً: إنه لدميم
وقيل: اللام في ذلك للتعليل، أي: من أجل الذين آمنوا. وقد أطلق بعضهم في ورود اللام بمعنى عن، ولم يخصه بأن يكون بعد القول. ومثله بقول العرب: لقيته كفة لكفة، أي عن كفة. لأنهم قالوا: لقيته كفة عن كفة. والمعنى واحد.
الثامن عشر: أن تكون بمعنى على. كقوله تعالى " ويخرون للأذقان " أي: على الأذقان. قال الشاعر:

(1/100)


فخر، صريعاً، لليدين، وللفم وجعل بعضهم منه قوله تعالى " وتلله للجبين " أي: على الجبين.
التاسع عشر: أن تكون بمعنى عند كقولهم: كتبته لخمس خلون، أي: عند خمس. وجعل ابن جني اللام، في قراءة من قرأ " بل كذبوا بالحق لما جاءهم " بالتخفيف، بمعنى عند، أي: عند مجيئه إياهم.
المتمم عشرين: أن تكون بمعنى بعد. كقوله تعالى " أقم الصلاة لدلوك الشمس ". قيل: وعليه الأثر النبوي: صوموا لرؤيته، وأفطروا لرؤيته أي: بعد رؤيته. وجعل بعضهم منه: كتب لخمس خلون. وجعل ابن الشجري منه قول الشاعر:

(1/101)


فلما تفرقنا كأني، ومالكاً ... لطول اجتماع، لم نبت، ليلة، معا
الحادي والعشرون: أن تكون بمعنى مع. وأنشدوا عليه:
فلما تفرقنا ...
وتقدم ما قاله ابن الشجري.
الثاني والعشرون: أن تكون بمعنى من كقول جرير:
لنا الفضل، في الدنيا، وأنفك راغم ... ونحن، لكم، يوم القيامة، أفضل
أي: ونحن منكم. ومثله بعضهم بقوله: سمعت له صراخاً، أي: منه.
الثالث والعشرون: التبعيض. ذكره صاحب رصف المباني، ومثله بقوله: الرأس للحمار، والكم للجبة. وقد ذكر غيره أن اللام تكون بمعنى من، كما تقدم، ولكنهم مثلوه بما هو لابتداء الغاية، لا للتبعيض.

(1/102)


الرابع والعشرون: لام المستغاث به. وهي مفتوحة. كقول الشاعر: فيا للناس، للواشي، المطاع ولا تكسر إلا مع ياء المتكلم. فإذا قلت: يا لي، احتمل أن يكون مستغاثاً به، ومستغاثاً من أجله. وقد أجاز ابن جني الوجهين، في قول أبي الطيب: فيا شوق، ما أبقى، ويالي من النوى وقال ابن عصفور: الصحيح عندي أن يالي، حيث وقع، مستغاث من أجله، لأنه لو جعل مستغاثاً به لكان التقدير: يا أدعو لي. وذلك غير جائز في غير ظننت وما حمل عليها.

(1/103)


تنبيه
اختلف في لام الاستغاثة. فقيل: هي زائدة، فلا تتعلق بشيء. وقيل: ليست بزائدة فتتعلق. وعلى هذا ففيما نتعلق به قولان: أحدهما أنه الفعل المحذوف، وهو اختيار ابن عصفور. والثاني أنه حرف النداء، وإليه ذهب ابن جني. وذهب الكوفيون إلى أن هذه اللام بقية آل، والأصل في يا لزيد: يا آل زيد. وزيد مخفوض بالإضافة.
الخامس والعشرون: لام المستغاث من أجله. وهي مكسورة إلا مع المضمر. فإذا قلت: يالك، احتمل أن يكون مستغاثاً به، ومستغاثاً من أجله. وهذه اللام هي، في الحقيق، لام التعليل، وهي متعلقة بفعل محذوف. فإذا قلت: يا لزيد لعمرو، فالتقدير: أدعوك لعمرو. قال ابن عصفور قولاً واحداً. وليس كذلك، بل قيل: إنها تتعلق بحال محذوفة، أي: مدعواً لعمرو.
السادس والعشرون: لام المدح نحو: يا لك رجلاً صالحاً.
السابع والعشرون: لام الذم. نحو: يا لك رجلاً جاهلاً.
ذكر هذين القسمين بعض من صنف في اللامات. وهما

(1/104)


راجعان إلى لام التعجب.
الثامن والعشرون: لام كي. نحو: جئتك لتكرمني. فهذه اللام جارة، والفعل منصوب ب أن المضمرة. وأن مع الفعل في تأويل مصدر، مجرور باللام. هذا مذهب البصريين. وهذه اللام أيضاً هي لام التعليل.
التاسع والعشرون: لام الجحود. وهي الواقعة بعد كان الناقصة المنفية. نحو " ما كان الله ليذر المؤمنين ". وسيأتي الكلام على هذه اللام، محرراً، إن شاء الله تعالى.
المتمم ثلاثين: اللام الزائدة. وهي ضربان. أحدهما مطرد، والآخر غير مطرد.
فالمطرد أن تزاد مع المفعول به، بشرطين: الأول: أن يكون العامل متعدياً إلى واحد.

(1/105)


الثاني: أن يكون قد ضعف، بتأخيره، نحو " إن كنتم للرؤيا تعبرون "، أو بفرعيته، نحو " فعال لما يريد "، فزيادتها في ذلك مقيسة، لأنها مقوية للعامل.
قال ابن مالك: ولا يفعل ذلك بالمتعدي إلى اثنين، لأنها إن زيدت في مفعوليه لزم منه تعدية فعل واحد إلى مفعولين، بحرف واحد وإن زيدت في أحدهما فيلزم منها ترجيح من غير مرجح، وإيهام غير المقصود.
واعترض قوله ترجيح من غير مرجح بأنه إذا تقدم أحدهما، وتأخر الآخر، لم يلزم من زيادتها في المتقدم ترجيح من غير مرجح، لأنه يترجح بضعف طلب العامل لتقدمه. وقد أجاز ذلك الفارسي، في قراءة من قرأ " ولكل وجهة هو موليها " بالإضافة، أي: ولكل ذي وجهة. والمعنى: الله مول كل ذي وجهة وجهته.

(1/106)


وغير المطرد فيما عدا ما تقدم. كقول الشاعر:
وملكت ما بين العراق، ويثرب ... ملكاً، أجار لمسلم، ومعاهد
وجعل قوم من ذلك قوله تعالى " ردف لكم " أي: ردفكم، لأن ردف بمعنى: تبع. وأوله بعضهم على التضمين. وفي البخاري: ردف بمعنى قرب.
وقد زيدت اللام مقحمة، بين المضاف والمضاف إليه، في قوله:
يا بؤس للحرب، التي ... وضعت أراهط، فاستراحوا
فاللام في ذلك مقحمة لتوكيد التخصيص. ومن ذلك قولهم: لا أبا لزيد، على مذهب سيبويه. فإن قلت: بأي شيء انجر ما بعد هذه

(1/107)


اللام، أبها أم بالإضافة؟ قلت: فيه قولان، والمختار أنه باللام، لمباشرتها، ولأن حرف الجر لا يعلق عن العمل. وهو اختيار ابن جني.
فهذا تمام الكلام على اللام الجارة، على سبيل الإيجاز. وقد نظمت أقسامها في هذه الأبيات:
أتاك، للام الجر، مما جمعته ... ثلاثون قسماً، في كلام منظم
فأولها التخصيص، وهو أعمها ... ويتلوه الاستحقاق، يا صاح، فاعلم
وملك، وتمليك، وشبههما معاً ... وعلل بها، وانسب، وبين، وأقسم
وعد، وزد صيرورة، وتعجباً ... وجاءت لتبليغ المخاطب، فافهم
ومثل إلى، في، عن، على، عند، بعد، مع ... ومن، ولتبعيض، وذا كله نمي

(1/108)


ولامان، قد جاءا بباب استغاثة ... ولام بها فامدح، ولام بها اذمم
وقل لام كي، لام الجحود، كلاهما ... لجر، وباللام المزيدة تمم
وعندي، في التقسيم، عيب تداخل ... وعذري، في ذلك، اتباع المقسم

تنبيه
التحقيق أن معنى اللام، في الأصل، هو الاختصاص. وهو معنى لا يفارقها، وقد يصحبه معان أخر. وإذا تؤملت سائر المعاني المذكورة وجدت راجعة إلى الاختصاص. وأنواع الاختصاص متعددة؛ ألا ترى أن من معانيها المشهورة التعليل، قال بعضهم: وهو راجع إلى معنى الاختصاص، لأنك إذا قلت: جئتك للإكرام، دلت اللام على أن مجيئك مختص بالإكرام. إذ كان الإكرام سببه، دون غيره. فتأمل ذلك. والله أعلم.

(1/109)


القسم الثاني: الجازمة. وهي لام الأمر، والأولى أن يقال: لام الطلب، ليشمل: الأمر نحو " لينفق ذو سعة من سعته "، والدعاء نحو " ليقض علينا ربك "، قيل: والالتماس، كقولك لمن يساويك: لتفعل، من غير استعلاء. وذلك لأن الطلب إذا ورد من الأعلى فهو أمر، وإذا ورد من الأدنى فهو دعاء، وإذا ورد من المساوي فهو التماس.
وهذه اللام التي للطلب كصيغة افعل، في أنها قد ترد لمعان أخر، غير الطلب، كالتهديد نحو قوله تعالى " ليكفروا بما آتيناهم "، وليتمتعوا. فسوف يعلمون " والأصل في ذلك معنى الطلب.
واعلم أن فعل المفعول لا طريق للأمر فيه، إلا باللام، سواء أكان للمتكلم، نحو: لأعن بحاجتك، أم للمخاطب، نحو: لتعن بحاجتي، أم للغائب، نحو: ليعن زيد بالأمر.
وأما فعل الفاعل فإن كان لغائب نحو " لينفق ذو سعة "، أو متكلم مفرد، نحو قوله في الحديث قوموا،

(1/110)


فلأصل لكم، أو مشارك، نحو " ولنحمل خطاياكم "، فكذلك.
وإن كان للمخاطب فللأمر به طريقان: الأولى بصيغة افعل، وهذا هو الكثير، نحو: اعلم. والثانية باللام، وهو قليل. قال بعضهم: وهي لغة رديئة. وقال الزجاجي: لغة جيدة. ومن ذلك قراءة عثمان، وأبي، وأنس " فبذلك فلتفرحوا " بتاء الخطاب. وفي الحديث لتأخذوا مصافكم.

مسألتان
الأولى: حركة هذه اللام الكسر. ونقل ابن مالك أن فتحها لغة، وحكاه الفراء عن بني سليم. ويجوز إسكانها بعد الواو والفاء، وهو أكثر من تحريكها. نحو " فليستجيبوا لي، وليؤمنوا بي ". ويجوز إسكانها بعد ثم، وليس بضعيف، ولا مخصوص

(1/111)


بالضرورة، خلافاً لزاعم ذلك. وبه قرأ الكوفيون، وقالون، والبزي " ثم ليقطع ".
واختلف في وجه تسكين هذه اللام، بعد هذه الأحرف؛ فقال الأكثرون: إنه من باب الحمل على عين فعل، إجراء للمنفصل مجرى المتصل. وقال ابن مالك: بل هو رجوع إلى الأصل، لأن للام الطلب الأصالة في السكون، من وجهين: أحدهما مشترك، وهو كون السكون مقدماً على الحركة، إذ هي زيادة، والأصل عدمها. والثاني خاص وهو أن يكون لفظها مشاكلاً لعملها كما فعل بباء الجر، لكن منع من سكونها الابتداء بها، فكسرت. فإذا دخل حرف العطف رجع إلى السكون ليؤمن دوام تفويت الأصل. قال: وليس حملاً على عين فعل، لأن مثله لا يكاد بوجد إلا في ضرورة.
الثانية: في حذف لام الطلب وإبقاء عملها أقوال: مذهب الجمهور أنه لا يجوز إلا في ضرورة، كقوله:

(1/112)


محمد، تفد نفسك كل نفس
ومذهب المبرد منع ذلك حتى في الشعر. وزعم أن هذا البيت لا يعرف قائله، مع احتماله أن يكون خبراً، وحذفت الياء، استغناء بالكسرة. ومذهب الكسائي أنه يجوز حذفها، بعد الأمر بالقول، كقوله تعالى " قل لعبادي الذين آمنوا يقيموا الصلاة "، أي: ليقيموا.
واضطرب كلام ابن مالك، في هذه المسألة. فقال في التسهيل: ويلتزم في النثر، في غير فعل الفاعل المخاطب. وهذا مذهب الجمهور. وذكر في شرح الكافية أن حذفها وإبقاء عملها على ثلاثة أضرب: كثير مطرد، وقليل جائز في الاختيار، وقليل مخصوص بالاضطرار. قال: فالكثير المطرد بعد أمر بقول، كقوله تعالى " قل

(1/113)


لعبادي الذين آمنوا يقيموا الصلاة ". والقليل الجائز في الاختيار الحذف بعد قول غير أمر، كقول الراجز:
قلت لبواب، لديه دارها: ... تئذن، فإني حمؤها، وجارها
أراد: لتئذن. وليس مضطراً لتمكنه من أن يقول: وائذن. والقليل المخصوص بالاضطرار الحذف دون تقدم قول، كقول الشاعر:
فلا تستطل، مني، بقائي ومدتي ... ولكن يكن للخير، منك، نصيب
القسم الثالث: الناصبة للفعل. فإنما قال بها الكوفيون. وأما البصريون فهي عندهم لام جر، والناصب أن مضمرة بعدها. وهو

(1/114)


الصحيح لثبوت الجر بها في الأسماء. وقد أمكن إبقاؤها جارة، بتقدير أن، لأن المصدر المنسبك من أن المقدرة والفعل مجرور بها. وأيضاً فظهور أن بعد هذه اللام، في بعض المواضع، موضح لما ادعي، من الإضمار.
وذكر لهذه اللام، الناصبة للفعل، ستة أقسام: الأول: لام كي، وهي لام التعليل. وسميت لام كي لأنها تفيد ما تفيده كي مع التعليل. وفي هذه اللام مذاهب: مذهب أكثر الكوفيين أنها ناصبة، بنفسها.
وقال ثعلب: ناصبة، لكن لقيامها مقام أن.
وقال البصريون: جارة، والناصب مقدر بعدها، وهو أن.
وقال ابن كيسان، والسيرافي: يجوز أن يكون أن، ويجوز أن يكون كي.

(1/115)


ومذهب الجمهور أن كي لا تضر.
ويجوز إظهار أن المضمرة بعد هذه اللام، فتقول: جئت لتكرمني، ولأن تكرمني. إلا إذا قرن الفعل ب لا النافية، أو الزائدة، فإن إظهار أن في ذلك واجب. نحو " لئلا يعلم أهل الكتاب ".
فإن قلت: إذا ظهر بعدها أن أو كي فماذا يقول الكوفيون؟ قلت: يقولون: إن كلا منهما مؤكد للام الناصبة. هكذا نقل عنهم.
الثاني: لام الجحود. وهي اللام الواقعة بعد كان الناقصة المنفية الماضية لفظاً، أو معنى. نحو: ما كان زيد ليذهب، ولم يكن زيد ليذهب. وسميت لام الجحود، لاختصاصها بالنفي. قيل: ولا يكون قبلها من حروف النفي إلا ما ولا دون غيرهما. قلت: الظاهر مساواة إن النافية لهما في ذلك.

(1/116)


وقد جعل بعضهم اللام في قوله تعالى " وإن كان مكرهم لتزول منه الجبال " لام الجحود، على لا قراءة غير الكسائي وأجاز بعض النحويين وقوع لام الجحود بعد أخوات كان قياساً عليها. وأجاز بعضهم ذلك في ظننت. وقال بعضهم: تقع في كل فعل، تقدمه فعل منفي. نحو: ما جئت لتكرمني. والصحيح أنها لا تقع إلا بعد كان الناقصة، كما تقدم.
فإن قلت: ما هذه اللام التي في قوله:
فما جمع ليغلب جمع قومي ... مقاومة، ولا فرد لفرد
قلت: هي لام الجحود، وجمع اسم كان المحذوفة. أي: فما كان جمع، كما قال أبو الدرداء في الركعتين بعد العصر: ما أنا لأدعهما. أي ما كنت لأدعهما.

(1/117)


واعلم أن الخلاف في لام الجحود كالخلاف في لام كي. ففيها المذاهب الثلاثة. ومذهب البصريين أنه لا يجوز إظهار أن بعدها، بل يجب إضمارها. واختلف النقل عن الكوفيين، فحكى ابن الأنباري عنهم منع ذكر أن بعدها. وحكى غيره عنهم جواز ذكرها توكيداً.

تنبيه
مذهب البصريين أن لام الجحود تتعلق بمحذوف، هو خبر كان التي قبلها. والتقدير في قولك ما كان زيد ليفعل: ما كان زيد مريداً للفعل. قلت: تقديرهم مريداً يقتضي أن تكون اللام زائدة، مقوية للعامل، كاللام في نحو " فعال لما يريد ". ومذهب الكوفيين أن الفعل الذي دخلت عليه اللام هو خبر كان. ولا حذف عندهم.
قال بعض النحويين: وهذا الخلاف مبني على الخلاف السابق. فلما كان مذهب البصريين أن اللام جارة لمصدر منسبك، من أن

(1/118)


المقدرة والفعل، لزم عندهم أن يكون خبر كان محذوفاً. ولما كانت اللام عند الكوفيين ناصبة كان الخبر هو نفس الفعل، واللام عندهم زائدة لتأكيد النفي. ولذلك أجازوا أن يتقدم معمول منصوبها عليها.
ورد أبو البقاء مذهب الكوفيين، بأن نصب الفعل إن كان باللام فليست بزائدة. ورد غيره بأن الخبر المحذوف قد سمع مصرحاً به، في قول الشاعر: سموت، ولم تكن أهلاً، لتسمو ولكن التصريح به في غاية الندرة.
وذكر ابن مالك أن لام الجحود هي المؤكدة لنفي في خبر كان ماضية لفظاً أو معنى. فوافق الكوفيين على أن الفعل الذي

(1/119)


بعدها هو الخبر، ولم يجعلها ناصبة بنفسها، بل جعل أن مضمرة بعدها وفاقاً للبصريين. فهو قول ثالث، مركب من المذهبين. وظاهر قوله المؤكدة يقتضي أنها زائدة، فلا تتعلق بشيء.
وصرح بذلك ولده في شرح الألفية، وقال - أعني ولده - في كلامه على هذا الموضع من تسهيل الفوائد: سميت مؤكدة لصحة الكلام بدونها، لا لأنها زائدة. إذا لو كانت زائدة لم يكن لنصب الفعل بعدها وجه صحيح. وإنما هي لام الاختصاص، دخلت على الفعل، لقصد: ما كان زيد مقدراً، أو هاماً، أو مستعداً لأن يفعل.
وقال صاحب رصف المباني ما ملخصه: إن هذه اللام هي لام العلة المذكورة قبل، وهي وما بعدها في موضع خبر كان المنفية. والمعنى في قولك ما كان عبد الله ليذهب: ما كان عبد الله للذهاب.

(1/120)


قلت: فهو على هذا من وقوع الجار والمجرور خبراً. قال بعضهم: من جعل لام الجحود لام كي فهو ساه.
الثالث: لام الصيرورة. وتسمى لام العاقبة، ولام المآل. ذكرها الكوفيون، والأخفش، وقوم من المتأخرين، منهم ابن مالك. كقوله تعالى " فالتقطه آل فرعون ليكون لهم عدواً وحزناً ". وهذا اللام، عند أكثر البصريين، صنف من أصناف لام كي. وهي عند الكوفيين ناصبة بنفسها، كما تقدم في لام كي.
الرابع: اللام الزائدة. نحو قوله تعالى " يريد الله ليبين لكم "، وأمرنا لنسلم، وقول الشاعر:
أريد لأنسى ذكرها، فكأنما ... تمثل، لي، ليلى، بكل سبيل
فاللام في ذلك، ونحوه، زائدة عند قوم من النحويين.
وذهب المحققون إلى أنها لام كي. ولهم في توجيه

(1/121)


ذلك قولان: أحدهما أن المفعول محذوف، واللام للتعليل، والمعنى: يريد الله ذلك ليبين. وأمرنا بما أمرنا به لنسلم. وأريد السلو لأنسى ذكرها. والثاني ما حكي عن سيبويه وأصحابه، أن الفعل مقدر بالمصدر، أي: إرادة الله ليبين، وأمرنا لنسلم. فينعقد من من ذلك مبتدأ وخبر. قلت: قال سيبويه: وسألته - يعنى الخليل - عن هذا، يعنى البيت المتقدم، فقال: المعنى إرادتي لأنسى.
فإن قلت: ما حقيقة هذا القول؟ قلت: هو كالقول الذي قبله في أن اللام للتعليل، ولكن معمول الفعل، على القول الأول، حذف اختصاراً، فهو منوي لدليل. وعلى هذا القول حذف اقتصاراً، فهو غير منوي، إذ لم يتعلق به قصد المتكلم، فيصير الفعل على هذا كاللازم. ولذلك انعقد من ذلك مبتدأ وخبر. وهو تقدير معنوي لا إعرابي. وهذا معنى قول ابن عطية، بعد ذكره القولين: وقول الخليل أخصر وأحسن.
الخامس: اللام التي بمعنى أن. ذهب إلى ذلك الفراء، ونقله

(1/122)


ابن عطية عن الكوفيين. قال الفراء: العرب تجعل لام كي في موضع أن، في: أمرت، وأردت. قال تعالى " يريدون ليطفئوا "، وأمرنا لنسلم ". وقد سبق تأويل ذلك.
السادس: اللام التي بمعنى الفاء. ذكر ذلك قوم، وجعلوا منه قوله تعالى " فالتقطه آل فرعون ليكون لهم عدواً وحزناً "، وقوله تعالى " ربنا ليضلوا عن سبيلك " أي: فكان لهم، وفضلوا. وقول الشاعر:
لنا هضبة، لا ينزل الذل وسطها ... ويأوي إليها المستجير، ليعصما
أي: فيعصما.
ولا حجة لهم في شيء من ذلك، لأن اللام في الآيتين لام الصيرورة، وقد تقدم ذكرها، وفي البيت لام كي. وأيد بعضهم قول من جعلها في البيت. بمعنى الفاء، بأنه قد روي بالفاء. قلت: الرواية

(1/123)


بالفاء هي المشهورة، ولكن الفاء ليست أصلاً، في هذا الموضع، فتحمل عليها اللام، لأن نصب الفعل بعد الفاء في الواجب إنما يجوز لضرورة الشعر.
فهذه أقسام اللام العاملة.
القسم الرابع: لام الابتداء. وهي اللام المفتوحة، في نحو: لزيد قائم. وفائدتها توكيد مضمون الجملة. قال الزمخشري وغيره: ولا تدخل إلا على الاسم، والفعل المضارع. ومثلوا دخولها على المضارع، بقوله تعالى " وإن ربك ليحكم بينهم " وهو صحيح، لأن اللام الداخلة في خبر إن هي في الأصل لام الابتداء. وسيأتي بيان ذلك.
فإن قلت: فهل تدخل على المضارع، إذا لم يكن بعد إن؟ قلت: قد ذكر ذلك ابن مالك، ومثله بقوله: ليحب الله المحسنين.

(1/124)


وذكر ذلك أيضاً صاحب رصف المباني قال: هذه اللام تدخل للابتداء، في المبتدأ، نحو " لأنتم أشد "، وما حل محله، وهو المضارع إذا صدر به، نحو: ليقوم زيد. وكذلك الفعل الذي لا يتصرف، نحو " لبئس ما كانوا يعملون ". قال: وإنما ذلك لمشابهة الاسم. أما المضارع ففي الإبهام والتخصيص، وأما الماضي المذكور فلعدم تصرفه، كعدم تصرف الاسم. هذا اختصار كلامه.
ولا تدخل هذه اللام على الماضي المتصرف. فإن وجد نحو: لقام زيد. فهو جواب قسم، واللام فيه لام الجواب، وليست لام الابتداء. وأما المقرون ب قد، نحو: لقد قام زيد، فالذي ذكره المعربون أنها لام جواب القسم. وأجاز بعضهم أن تكون لام الابتداء. قلت: وقد نصوا على دخولها على الماضي المقرون بقد، بعد إن وخالف في ذلك خطاب الماردي، فقال: إن اللام في نحو إن

(1/125)


زيداً لقد قام جواب قسم محذوف.

تنبيه
مقتضى كلام الزمخشري أن لام الابتداء إذا دخلت على المضارع، ولم تتقدم إن، فالمبتدأ محذوف بعدها. قال في الكشاف: فإن قلت: ما هذه اللام الداخلة على سوف - يعني: في قوله تعالى " ولسوف يعطيك ربك فترضى " - قلت: هي لام المبتدأ المؤكدة لمضمون الجملة. والمبتدأ محذوف تقديره: ولأنت سوف يعطيك، كما ذكرنا في لأقسم - يعنى " لأقسم بيوم القيامة " على قراءة ابن كثير - وذلك أنه لا يخلو من أن تكون لام قسم أو ابتداء. فلام القسم لا تدخل على المضارع، إلا مع نون التوكيد. فبقي أن تكون لام الابتداء. ولام الابتداء لا تدخل إلا على الجملة من المبتدأ والخبر، فلا بد من تقدير مبتدأ وخبر، وأن يكون أصله: ولأنت سوف يعطيك.

(1/126)


قلت: أما قوله فلام القسم لا تدخل على المضارع، إلا مع نون التوكيد ليس على إطلاقه. بل هو مشروط عند القائلين به، وهم البصريون، بألا يفصل بين الفعل واللام بحرف تنفيس، أو قد، أو بمعموله. فيمتنع حينئذ دخول النون. فقد اتضح أن عدم النون في ولسوف ليس مانعاً من جعل اللام جواب القسم. وأما الكوفيون فإنهم أجازوا تعاقب اللام والنون. وأما في " لأقسم بيوم القيامة " فقد أوله بعض البصريين على إرادة الحال. وفعل الحال إذا أقسم عليه دخلت عليه اللام وحدها.
فإن قلت: أليس قوله في المفصل إن لام الابتداء تدخل على المضارع، مناقضاً لقوله: ولام الابتداء لا تدخل إلا على الجملة من المبتدأ والخبر؟ قلت: ليس مناقضاً له، لأنه مثل في المفصل بقوله تعالى " وإن ربك ليحكم بينهم ". وهذه اللام، في الأصل، داخلة على المبتدأ. ولكنها تأخرت عن محلها.

(1/127)


مسألة
لام الابتداء مستحقة لصدر الكلام. ولذلك علقت أفعال القلوب، وندر زيادتها في الخبر، كقول الراجز: أم الحليس لعجوز، شهربه وأوله بعضهم على إضمار مبتدأ محذوف، تقديره: لهي عجوز. وضعف بأن حذف المبتدأ مناف للتوكيد الذي، جيء باللام لأجله.
تنبيه
من أصناف لام الابتداء لام التوكيد، الواقعة بعد إن المكسورة، خلافاً لمن قال: هي غيرها. والأول مذهب البصريين، قالوا: كان الأصل أن تقدم، وإنما تأخرت لئلا يجتمع حرفان لمعنى واحد، وهو التوكيد.

(1/128)


فإن قلت: فهل كان أصلها أن تكون قبل إن أو بعدها. ولم أخرت هي وتركت إن مقدمة؟ قلت: الجواب عن الأول أن أصلها كما ذكر ابن جني، وغيره، أن تكون قبل إن لوجهين: أحدهما أنها لو قدرت بعد إن تكون قبل إن لوجهين: أحدهما أنها لو قدرت بعد إن لزم الفصل بين إن ومعمولها، بحرف من أدوات الصدر. والثاني أنها جاءت مقدمة على إن لما أبدلوا همزتها هاء، في نحو قول الشاعر:
ألا، يا سنا برق، على قلل الحمى ... لهنك، من برق، علي كريم
وإنما سهل الجمع بين حرفي التوكيد، في ذلك، تغير لفظ أحدهما. وفي هذا البيت أقوال أخر، ليس هذا موضع ذكرها.

(1/129)


والجواب عن الثاني أنهم بدؤوا ب إن لقوتها، لكونها عاملة. كذا قال الأخفش.
وفائدة هذه اللام توكيد مضمون الجملة. وكذلك إن. وإنما اجتمعا، لقصد المبالغة في التوكيد. وما قيل من أن اللام لتوكيد الخبر، وإن لتوكيد الاسم، فهو منقول عن الكسائي. وفيه تجوز، لأن التوكيد إنما هو للنسبة لا للاسم والخبر، وعن ثعلب وقوم من الكوفيين أن قولك: إن زيداً منطلق، جواب: ما زيد منطلق. وإن زيداً لمنطلق، جواب: ما زيد بمنطلق.
وقال أهل علم المعاني: إذا ألقيت الجملة إلى من هو خالي الذهن استغني عن مؤكدات الحكم. فيقال: زيد ذاهب. ويسمى هذا النوع من الخبر ابتدائياً. وإذا ألقيت إلى طالب لها، متردد في الحكم، حسن تقوية الحكم بمؤكد. وذلك بإدخال إن، نحو: إن زيداً ذاهب. أو اللام، نحو: لزيد ذاهب. ويسمى هذا النوع طلبياً. وإذا ألقيت إلى منكر للحكم وجب توكيدها، بحسب الإنكار. فتقول: إني صادق، لمن ينكر صدقك، ولا يبالغ فيه.

(1/130)


وإني لصادق لمن يبالغ في إنكاره. ويسمى هذا النوع إنكارياً. وعليه قوله تعالى " واضرب لهم مثلا أصحاب القرية، إذا جاءها المرسلون " إلى آخرها.
ويؤيد ذلك جواب أبي العباس، للكندي عن قوله: إني أجد في كلام العرب حشواً: يقولون: عبد الله قائم. ثم يقولون: إن عبد الله قائم. ثم يقولون: إن عبد الله لقائم. والمعنى واحد! فقال: بل المعاني مختلفة؛ فعبد الله قائم: إخبار عن قيامه. وإن عبد الله قائم: جواب عن سؤال سائل. وإن عبد الله لقائم: جواب عن إنكار منكر قيامه.
ولهذه اللام بعد إن أربعة مواضع: الأول: الخبر، بشرطين: أحدهما أن يكون مثبتاً. والثاني ألا يكون ماضياً، متصرفاً، عارياً من قد.

(1/131)


الثاني: الاسم، إذا تأخر، نحو: إن في الدار لزيداً.
الثالث: معمول الخبر، إذا توسط بينه وبين الاسم، نحو: إن زيداً لطعامك آكل. وشرطه أن يكون الخبر صالحاً للام، فلو كان ماضياً متصرفا، نحو: إن زيداً طعامك أكل، لم تدخل اللام على معموله، لأن دخولها عليه فرع دخولها على عامله.
الرابع: الفصل بين الاسم والخبر، نحو " إن هذا لهو القصص الحق ".
ويحكم على هذه اللام بالزيادة، فيما سوى هذه المواضع. ولا تدخل على خبر لكن خلافاً للكوفيين. وأما قول الشاعر: ولكنني، من حبها، لعميد فمتأول.

(1/132)


فإن قلت: قد تقدم أن لام الابتداء لها صدر الكلام، فلا يتقدم معمول ما بعدها عليها. وهذه اللام التي بعد إن يتقدم معمول ما بعدها عليها، كقوله تعالى " إنه على رجعه لقادر "، فهذا دليل على أن هذه غير تلك! قلت: الجواب عن ذلك أن هذه اللام لما تأخرت عن موضعها جاز تقديم المعمول عليها. نظير ذلك الفاء الواقعة جواب أما. وسيأتي بيان ذلك، إن شاء الله تعالى.
القسم الخامس: اللام الفارقة. وهي الواقعة بعد إن المخففة، في نحو " وإن كانت لكبيرة "، فارقة بين إن المذكورة وإن النافية، فإذا قلت: إن زيد لقائم، ف إن مخففة من الثقيلة، واللام بعدها فارقة. هذا مذهب البصريين. وذهب الكوفيون

(1/133)


إلى أن إن نافية، واللام بمعنى إلا.
قال الزمخشري وغيره: هذه اللام لازمة في خبر إن، إذا خففت. قلت: إنما تلزم إذا ألغيت إن ولم يكن في الكلام قرينة. فإن أعملت، نحو: إن زيداً قائم، أو دل دليل على المراد، لم تلزم لعدم الحاجة إليها. ومن ذلك قول الشاعر:
أنا ابن أباة الضيم من آل مالك ... وإن مالك كانت كرام المعادن
واختلف في هذه اللام الفارقة. فذهب قوم إلى أنها قسم برأسه، غير لام الابتداء. منهم الفارسي. وذهب قوم إلى أنها هي لام الابتداء، الداخلة على خبر إن، لزمت للفرق. وهو مذهب سيبويه، واختاره ابن مالك. واستدل الشلوبين، على أنها لام أخرى، بعمل الفعل قبلها فيما بعدها. وقد بسطت الكلام على هذه المسألة في غير هذا الموضع.
القسم السادس: لام الجواب. وهي ثلاثة أنواع: جواب القسم، وجواب لو، وجواب لولا.

(1/134)


فأما اللام التي هي جواب القسم فتدخل على الجملة الاسمية والفعلية. نحو: والله لزيد قائم، " وتالله لأكيدن أصنامكم "، و " تالله لقد آثرك الله ".
والأكثر في الماضي المتصرف، إذا وقع جواباً، اقترانه ب قد مع اللام. وقد يستغنى عن قد كقول امرىء القيس:
حلفت لها بالله، حلفة فاجر ... لناموا، فما إن حديث، ولا صالي
وذهب قوم إلى أنه لابد، في ذلك، من قد ظاهرة أو مقدرة. وقال ابن عصفور: إن كان الفعل قريباً من زمان الحال أدخلت عليه اللام وقد، لأن قد تقربه من الحال. وإن كان بعيداً منه أتيت باللام وحدها. ومنه قوله لناموا.

(1/135)


ولا إشكال في أن لام القسم مغايرة للام الابتداء. وقول صاحب رصف المباني وإذا تأملت هذه اللام فهي لام الابتداء، ولام التوطئة غير صحيح.
وأما اللام التي هي جواب لو وجواب لولا فيأتي ذكرها مع: لو، ولولا.
القسم السابع: اللام الموطئة. وهي الداخلة على أداة الشرط، في نحو: والله لئن أكرمتني لأكرمنك. فإن كان القسم مذكوراً لم تلزم. وإن كان محذوفاً غالباً، نحو " لئن أخرجوا لا يخرجون معهم ". وقد تحذف، والقسم محذوف، نحو " وإن لم ينتهوا عما يقولون ليمسن "، " وإن لم تغفر لنا، وترحمنا، لنكونن ". وقيل: هي منوية في نحو ذلك.

(1/136)


وإنما سميت هذه اللام موطئة، لأنها وطأت للجواب. وتسمى أيضاً: المؤذنة. وقولهم: إنها موطئة للقسم، فيه تجوز. وإنما هي موطئة لجواب القسم.
وأكثر ما تكون مع إن الشرطية، كما تقدم. وقد تدخل على غيرها، من أدوات الشرط. ومن ذلك قراءة غير حمزة " لما آتيتكم، من كتاب، وحكمة "، وقول الشاعر:
لمتى صلحت ليقضين لك صالح ... ولتجزين، إذا جزيت، جميلا
وذكر ابن جني في سر الصناعة أن إذ قد شبهت ب إن فأدخلت عليها اللام الموطئة، في قول الشاعر:

(1/137)


غضبت علي، لأن شربت بجزة ... فلإذ غضبت لأشربن بخروف
وقد يجاء ب لئن بعد ما يغني عن الجواب، فيحكم بزيادة اللام. كقول عمر بن أبي ربيعة:
ألمم بزينب، إن البين قد أفدا ... قل الثواء، لئن كان الرحيل غدا
القسم الثامن: لام التعريف، عند من جعل حرف التعريف أحادياً. وهم المتأخرون، ونسبوه إلى سيبويه. وذهب الخليل إلى أن حرف التعريف ثتائي، وهمزته همزة قطع، وصلت لكثرة الاستعمال. وهو مذهب ابن كيسان. وكان الخليل يسميه أل. ولا يقول: الألف واللام. واختار هذا القول ابن مالك. ونقل ابن مالك عن سيبويه أن حرف التعريف عنده ثنائي، ولكن همزته همزة وصل، معتد بها في الوضع، كما يعتد بهمزة استمع ونحوه، فيقال: هو خماسي. قلت: وهو صريح كلام سيبويه، لأنه عد حرف التعريف في الحروف

(1/138)


الثنائية.
وسيأتي الكلام على حرف التعريف في باب الثنائي، إن شاء الله تعالى. وإنما أخرت الكلام عليه، لأن المختار عندي مذهب سيبويه.
فهذه جملة أقسام اللام، على سبيل الاختصار. والله الموفق.

الميم
يكون حرف معنى في موضعين: الأول: قولهم في القسم: م الله، بضم الميم. فالميم في ذلك حرف جر، عند قوم من النحويين. وذهب قوم إلى أنها بدل من واو القسم. ورد بأنها لو كانت بدلاً منها لفتحت، كما تفتح الواو، وبأن إبدال الميم من الواو لم يوجد، إلا في كلمة واحدة، مختلف فيها، وهي فم. وذهب قوم إلى أن هذه الميم اسم، وهي بقية ايمن. واختاره ابن مالك. وحكى في هذه الميم الفتح والكسر أيضاً، فهي مثلثة. وذهب الزمخشري إلى أن قولهم م الله هي من التي تستعمل في القسم، حذفت نونها.

(1/139)


الثاني: الميم التي هي بدل من لام التعريف، في لغة طيىء. وقيل: هي لغة أهل اليمن. كقول الشاعر:
ذاك خليلي، وذو يواصلني ... يرمي ورائي، بامسهم، وامسلمه
وروى النمر بن تولب، قال: سمعت رسول الله، صلى الله عليه وسلم، يقول: ليس من امبر امصيام في امسفر. قال ابن يعيش في شرح المفصل: لم يرو النمر عن النبي صلى الله عليه وسلم، غير هذا الحديث.
قلت: في عد هذه الميم من حروف المعاني نظر، لأنها بدل لا أصل. وأيضاً فإن هذا مبني على القول بأن حرف التعريف أحادي والهمزة غير معتد بها.
وذكر أبو البقاء أن الميم في أنتم حرف معنى.

(1/140)


النون
له في الكلام مواضع كثيرة. وإنما أذكر هنا أقسام النون، الذي يعد من حروف المعاني. وهي أربعة أقسام.
الأول: نون التوكيد. وهي قسمان: ثقيلة، وخفيفة. وقد جمعها قوله تعالى " ليسجنن وليكونن ". وهما أصلان، عند البصريين، لتخالف بعض أحكامهما، ولأن التوكيد بالثقيلة أشد، قاله الخليل. ومذهب الكوفيين أن الخفيفة فرع الثقيلة.
وكلاهما مختص بالفعل، وندر توكيد اسم الفاعل في قول الراجز: أقائلن: أحضروا الشهودا وقول الآخر:

(1/141)


أشاهرن، بعدنا، السيوفا والذي سوغ ذلك ما بين اسم الفاعل والمضارع، من الشبه.
ويؤكد بها الأمر مطلقاً.
وأما المضارع فإن كان حالاً لم تدخل النون عليه، وإن كان مستقبلاً أكد بها وجوباً، إذا وقع جواب قسم، بأربعة شروط: أن يكون مثبتاً، وأن يكون غير مقرون بحرف تنفيس، وأن يكون غير مقرون ب قد، وألا يكون مقدم المعمول. فإذا استوفى هذه الشروط، وهو مستقبل، وجب عند البصريين توكيده بالنون. وأجاز الكوفيون حذف النون، اكتفاء باللام، وورد في الشعر. وجوازاً بعد إما نحو " فإما تخافن ".
ولم يرد في القرآن بعد إما إلا مؤكداً. وذهب المبرد والزجاج إلى أن توكيده بعد إما واجب، في غير الضرورة. قلت: قد كثر حذف النون بعد إما في الشعر. وأما في النثر فعزيز. وقد حكي منه قراءة بعضهم " فإما ترين " بنون الرفع.

(1/142)


ذكرها ابن جني، وهي شاذة.
ويجوز التوكيد أيضاً، في المضارع، إذا وقع بعد ما يفهم الطلب، كلام الأمر ولا في النهي، وأدوات التحضيض والعرض، والتمني، والاستفهام.
ويقل التوكيد بالنون، في غير ذلك. واستيفاؤه في كتب النحو.
وأما الماضي فقد جاء توكيده بالنون، في قول الشاعر:
دامن سعدك، إن رحمت متيماً ... لولاك لم يك، للصبابة، جانحا
وفي الحديث: لإإما أدركن واحد منكم الدجال. والذي سوغ ذلك أن الفعل فيهما مستقبل المعنى، لأنه في البيت دعاء، وفي الحديث شرط.
وتنفرد النون الثقيلة، بوقوعها بعد ألف الاثنين، والألف الفاصلة إثر نون الإناث. ولا تقع الخفيفة بعد الألف عند البصريين. وأجاز ذلك يونس، والكوفيون.

(1/143)


الثاني: التنوين. وهو نون ساكنة، تلحق الآخر، تثبت لفظاً، وتسقط خطاً. ويورد على هذا الحد نون التوكيد الخفيفة في مثل " لنسفعا ". فإن قيل: لا ترد، لأنها لم تسقط حطاً، بل رسمت ألفاً! قلنا: هذه الألف ليست صورة النون، بل صورة بدلها. ولو سلم ذلك انتقض الحد بتنوين المنصوب في نحو " اهبطوا مصراً ". فلذلك قال ابن الحاجب: نون ساكنة، تتبع حركة الآخر، لا لتوكيد الفعل.
فإن قلت: لو قال آخر الاسم كما قال بعضهم لم يحتج إلى الاحتزاز عن نون التوكيد. قلت: لو قال ذلك لم يكن الحد جامعاً، لخروج تنويني الترنم والغالي. فإنهما قد يلحقان الفعل، والحرف، كما سيأتي.
وأقسام التنوين عند سيبويه خمسة: الأول: تنوين التمكين. وهو اللاحق للاسم المعرب المنصرف،

(1/144)


إشعاراً ببقائه على أصالته.
والثاني: تنوين التنكير. وهو اللاحق بعض الأسماء المبنية، فرقاً بين معرفتها ونكرتها. ويطرد فيما آخره ويه، نحو: سيبويه. ولا يطرد في أسماء الأفعال.
والثالث: تنوين المقابلة. وهو اللاحق لما جمع بألف وتاء زائدتين، نحو: مسلمات، لأنه يقابل النون في جمع المذكر، نحو: مسلمين. وليس تنوين الصرف، خلافاً للربعي، لثبوته في نحو: عرفات، بعد التسمية.
والرابع: تنوين العوض. وهو نوعان: عوض عن مضاف إليه: إما جملة، نحو: يومئذ، وإما مفرد، نحو: كل، وبعض، وأي. وعوض من حرف، نحو: جوار، وغواش. فالتنوين في ذلك عوض من الياء المحذوفة بحركتها، عند سيبويه. وقال المبرد والزجاجي: هو عوض من حركة الياء، فقط. وقال الأخفش: هو تنوين الصرف.
والخامس: تنوين الترنم. وهو تنوين يلحق الروي المطلق،

(1/145)


عوضاً عن مدة الإطلاق، في لغة تميم وقيس. قال ابن مالك: وقولهم تنوين الترنم هو على حذف مضاف، والتقدير: تنوين ذي الترنك. وإنما هو عوض من الترنم، لأن الترنم مد الصوت بمدة، تجانس حرف الروي. وهذا التنوين يلحق الاسم، والفعل، والحرف. فالاسم كقول العجاج: يا صاح، ما هاج الدموع، الذرفن؟ والفعل كقوله: من طلل، كالأتحمي، أنهجن والحرف كقول النابغة:
أزف الترحل، غير أن ركابنا ... لما تزل برحالنا، وكأن قدن

(1/146)


وزاد الأخفش قسماً، وهو الغالي. وهو كتنوين الترنم، في عدم الاختصاص بالاسم. والفرق بينهما أن تنوين الترنم هو اللاحق للروي المطلق، كما سبق. والغالي هو اللاحق للروي المقيد، كقول العجاج: وقائم الأعماق، خاوي المخترقن أراد المخترق. فزاد التنوين، وكسر الحرف قبله، لالتقاء الساكنين. وسمى الأخفش الحركة التي قبله الغلو، كما سماه الغالي. والمشهور عند من أثبته أنه قسم مغاير للترنم.
وذهب بعضهم إلى أنه ضرب من الترنم، واختاره ابن يعيش الحلبي. وقد أنكر الزجاج والسيرافي الغالي، وقالا: إن القافية

(1/147)


المقيدة لا يلحقها حرف الإطلاق، فكذلك لا يلحقها التنوين، لأنه ينكسر بذلك. وقالا: إن كان سمع فإنما هو: وقاتم الأعماق، خاوي المخترق إن بزيادة إن إشعاراً بأنه بيت كامل. فضعف لفظه بهمزة إن، لانحفازه في الإنشاد، فظن السامع أنه نون، وكسر الروي. قال ابن مالك: فهذا، الذي ذهب إليه أبو سعيد، تقدير صحيح مخلص من زيادة ساكن بعد تمام الوزن. وقال أبو الحجاج يوسف ابن معزوز: ظاهر قول سيبويه، في الذي يسمونه تنوين الترنم، أنه ليس بتنوين، وإنما هو نون تتبع الآخر، عوضاً عن المدة. وذكر في التحفة أن التنوين من خواص الاسم، في جميع وجوهه، وتسمية ما يلحق الفعل للترنم تنويناً مجاز، وأنما هو نون تتبع الآخر، عوضاً عن المدة. ولذلك حكمه عكس حكم التنوين، لأنه يثبت وقفاً،

(1/148)


ويسقط وصلاً، بخلاف التنوين.
وزاد بعضهم قسماً سابعاً، وهو تنوين الاضطرار، كقول الشاعر: سلام الله، يا مطر، عليها ف مطر مبني للنداء، ونونه الشاعر للضرورة. قال بعضهم: وهو راجع، في التحقيق، إلى تنوين التمكين. ولكن الضرورة سبب لإظهار التنوين الذي كان له قبل البناء.
وأما التنوين في هؤلاء في الإشارة فهو خارج عن أقسام التنوين. فلذلك سماه بعضهم التنوين الشاذ. وقال ابن مالك في شرح التسهيل: التحقيق أنه نون زيدت في آخر هؤلاء وليس بتنوين.
الثالث: نون الإناث في الفعل المسند إلى الظاهر، على اللغة التي يقولون فيها: لغة أكلوني البراغيث. وهي لغة طيىء، كقول الشاعر:

(1/149)


ولكن ديافى أبوه، وأمه ... بحوران، يعصرن السليط أقاربه
فالنون في يعصرن حرف يدل على التأنيث والجمع.
وأنكر قوم، من النحويين، هذه اللغة، وتأولوا ما ورد منها. ولا يقبل قولهم في ذلك. بل هي ثابتة بنقل الأئمة. وسيأتي لذلك مزيد بيان.
الرابع: نون الوقاية. وهي نون مكسورة تلحق قبل ياء المتكلم، إذا نصبت بفعل، نحو: أكرمني، أو باسم فعل، نحو: عليكني، بمعنى: الزمني، أو ب إن وأخواتها، نحو: ليتني. وتلزم مع الفعل واسم الفعل، إلا ما ندر من قوله: إذ ذهب القوم الكرام، ليسي وأما إن وأخواتها فثلاثة أقسام: قسم لا تحذف منه إلا نادراً، وهو ليت. وقسم لا تلحقه إلا نادراً وهو لعل. وقسم يجوز فيه الأمران، وهو: إن، وأن، ولكن، وكأن.

(1/150)


وتلحق نون الوقاية أيضاً، قبل ياء المتكلم، إن جرت ب من وعن. ولا تحذف إلا في ضرورة الشعر. نحو قوله:
أيها السائل عنهم، وعني ... لست من قيس، ولا قيس مني
أو بإضافة: قد، وقط، ولدن، وبجل. وكلها بمعنى حسب. وحذفها من بجل أكثر من إثباتها، بعكس الثلاثة التي قبلها.
ولا تلحق نون الوقاية غير ما ذكرته إلا ما ندر، مما لا يقاس عليه. وحكم نون الوقاية مشهور، فلا نطول هنا باستيفائه.
وإنما سميت هذه النون نون الوقاية، لأنها لحقت، لتقي الفعل من الكسر. ثم حمل على الفعل ما ذكر. وقال ابن مالك: سميت بذلك لأنها تقي اللبس في الأمر، نحو: أكرمني. فلولا النون لالتبس أمر المذكر بأمر المؤنثة. ثم حمل الماضي والمضارع على الأمر.

(1/151)


الهاء
حرف مهمل، وهو هاء السكت. وهي هاء، السكت. وهي هاء، تلحق وفقاً، لبيان الحركة. وإنما تلحق بعد حركة بناء لا تشبه الإعراب، نحو: هوه، وهيه، وما ليه، وله. وتلحق أيضاً بعد ألف الندبة، ونحوها. كقولك: وازيداه. ولا تثبت وصلاً، إلا في ضرورة شعر. وإنما أثبتها القراء وصلاً، في بعض المواضع، اتباعاً لرسم المصحف.
ولحاق هذه الهاء ليس بواجب، إلا في موضعين: أحدهما ما بقي من الأفعال المعتلة على أصل واحد. نحو: عه، ولم يعه. والثاني: ما الاستفهامية، إذا جرت بإضافة اسم، نحو: قراءة مه؟ ولتفصيل الكلام على هذه المواضع موضع غير هذا.
وذكر بعضهم أن للهاء، التي هي حرف معنى، قسماً آخر. وهو أن تكون بدلاً من همزة الاستفهام، نحو: هزيد منطلق؟ حكاه قطرب. ومنه قول الشاعر:

(1/152)


وأتى صواحبها، فقلن: هذا الذي ... منح المودة غيرنا، وجفانا؟
وقال بعضهم: إنه أراد هذا فحذف ألف ها، للضرورة.
فإن قلت: عد الهاء من حروف المعاني مشكل، لأن هاء السكت قد ذكرها النحويون مع الحروف الزوائد، أعني حروف أمان وتسهيل. فإنهم مثلوا الهاء بهاء السكت. وإنما يذكر من حروف أمان وتسهيل ما ليس بحرف معنى. وأما الهاء التي هي بدل من همزة فليست بأصل! قلت: أما كون هاء السكت حرف معنى فواضح. وقد قال ابن الحاجب، وغيره: إن ذكرها مع الحروف الزوائد ليس بجيد. وهو كما قال. والله أعلم.

الواو
حرف يكون عاملاً، وغير عامل. فالعامل قسمان: جار وناصب فالجار: واو القسم، وواو رب. والناصب: واو مع، تنصب المفعول معه، عند قوم. والواو، التي ينتصب الفعل المضارع بعدها،

(1/153)


هي الناصبة له، عند الكوفيين. فأقسام الواو العاملة أربعة. ولا يصح منها غير الأول. وسيأتي بيان ذلك.
فأما واو القسم فحرف يجر الظاهر، دون المضمر. وهو فرع الباء، لأن الباء فضلت بأربعة أوجه، تقدم بيانها. وذهب كثير من النحويين إلى أن الواو بدل من الباء؛ قالوا: لأنها تشابهها مخرجاً ومعنى، لأنهما من الشفتين، والباء للإلصاق والواو للجمع. واستدلوا على ذلك بأن المضمر لا تدخل عليه الواو، لأن الإضمار يرد الأشياء إلى أصولها.
وأما واو رب فذهب المبرد، والكوفيون، إلى أنها حرف جر، لنيابتها عن رب، وأن الجر لا ب رب المحذوفة. واستدل المبرد على ذلك بافتتاح القصائد بها، كقوله: وقاتم الأعماق، خاوي المخترق والصحيح أن الجر ب رب المحذوفة، لا بالواو.
ولأن الواو أسوة الفاء وبل، قال ابن مالك: ولم يختلفوا في أن الجر بعدهما ب رب المحذوفة، وقد تقدم ذكر ذلك في الفاء.
والواو المذكورة عاطفة. ولا حجة له، في افتتاح القصائد بها،

(1/154)


على أنها غير عاطفة، لإمكان إسقاط الراوي شيئاً من أولها، ولإمكان عطفها على بعض ما في نفسه.
وأما واو مع فذهب عبد القاهر إلى أنها ناصبة للمفعول معه، في نحو: استوى الماء والخشبة. وهو ضعيف، لأن الواو لو كانت عاملة لا تصل بها الضمير، في نحو: سرت وإياك. والصحيح أن المفعول معه منصوب بما قبل الواو، من فعل، أو شبهه، بواسطة الواو.
وذهب الزجاج إلى أن ناصبه مضمر بعد الواو، من فعل، أو شبهه. تقديره في ما صنعت وأباك: وتلابس أياك. وهو ضعيف، لأن فيه إحالة لباب المفعول معه، إذ المنصوب ب تلابس مفعول به.
وذهب الكوفيون إلى أن منصوب بالخلاف. وهو فاسد، لأن الخلاف معنى، والمعاني المجردة لم يثبت النصب بها.

(1/155)


وقال الأخفش: انتصابه انتصاب الظرف، وذلك لأن الأصل: سرت مع النيل. فلما جيء بالواو في موضع مع انتصب الاسم انتصاب مع. والواو مهيئة لانتصاب هذا الاسم انتصاب الظرف. ونظير ذلك إعراب ما بعد إلا بإعراب غير، إذا وقعت إلا صفه.
فإن قلت: فهل واو مع قسم برأسه، أو هي الواو العاطفة؟ قلت: بل هي غيرها. وقال قوم: إنها، في الأصل، هي العاطفة. ولذلك لا تدخل عليها واو العطف، ولو كانت غيرها لصح دخول واو العطف عليها، كما تدخل على واو القسم.
وأما الواو التي ينتصب المضارع بعدها فتكون في موضعين: الأول في الأجوبة الثمانية، التي تقدم ذكرها، للفاء الناصبة. كقول الشاعر:

(1/156)


لاتنه عن خلق، وتأتي مثله ... عار عليك، إذا فعلت، عظيم
والثاني: أن يعطف بها الفعل على المصدر، كقول القائلة:
للبس عباءة، وتقر عيني ... أحب إلي، من لبس الشفوف
وذهب بعذ الكوفيين إلى أن الواو في ذلك هي الناصبة للفعل، بنفسها، وذهب بعضهم إلى أن الفعل منصوب بالمخالفة. والصحيح أن الواو في ذلك عاطفة، والفعل منصوب ب أن مضمرة بعد الوا. إلا أنها، في الأول، عاطفة مصدراً مقدراً على مصدر متوهم، وفي الثاني عاطفة مصدراً مقدراً على مصدر صريح. وإضمار أن بعدها

(1/157)


في الأول واجب، وفي الثاني جائز.
وأما الواو غير العاملة فقد ذكر بعضهم لها أقساماً كثيرة. وهي راجعة إلى ثمانية أقسام: الأول: العاطفة. وهذا أصل أقسامها وأكثرها. والوا أم باب حروف العطف، لكثرة مجالها فيه. وهي مشركة في الإعراب والحكم.
ومذهب جمهور النحويين أنها للجمع المطلق. فإذا قلت: قام زيد وعمرو، احتمل ثلاثة أوجه: الأول أن يكونا قاما معاً، في وقت واحد. والثاني أن يكون المتقدم قام أولاً. والثالث أن يكون المتأخر قام أولاً. قال سيبويه: وليس في هذا دليل على أنه بدأ بشيء قبل شيء، ولا بشيء بعد شيء.
وذهب قوم إلى أنها للترتيب. وهو منقول عن قطرب،

(1/158)


وثعلب، وأبي عمر الزاهد غلام ثعلب، والربعي، وهشام، وأبي جعفر الدينوري. ولكن قال هشام والدينوري: إن الواو لها معنيان: معنى اجتماع، فلا تبالي بأيتهما بدأت، نحو: اختصم زيد وعمرو، ورأيت زيداً وعمراً، إذا اتحد زمان رؤيتهما. ومعنى اقتران، بأن يختلف الزمان، فالمتقدم في الزمان يتقدم في اللفظ، ولا يجوز أن يتقدم المتأخر. وعن الفراء أنها للترتيب حيث يستحيل الجمع. وقد علم بذلك أن ما ذكره السيرافي والفارسي والسهيلي، من إجماع النحاة، بصريتهم وكوفيهم، على أن الواو لا ترتب، غير صحيح.
قال ابن الخباز: وذهب الشافعي، رضي الله عنه، إلى أنها

(1/159)


للترتيب. ويقال: نقله عن الفراء. وقال إمام الحرمين في البرهان: اشتهر، من مذهب أصحاب الشافعي، أنها للترتيب، وعند بعض الحنفية للمعية، وقد زل الفريقان.
وقال ابن مالك في التسهيل: تنفرد الواو بكون متبعها في الحكم محتملاً للمعية برجحان. وللتأخر بكثرة، وللتقدم بقلة. قيل: وهو مخالف، في ذلك، لكلام سيبويه وغيره.
وقال ابن كيسان: لما احتملت هذه الوجوه، ولم يكن فيها أكثر من جمع الأشياء، كان أغلب أحوالها أن يكون الكلام على الجمع، في كل حال، حتى يكون في الكلام ما يدل على التفرق.

تنبيهات
الأول: تنفرد الوا، في العطف، بأمور. منها باب المفاعلة والافتعال، نحو تخاصم زيد وعمرو، واختصم زيد وعمرو. وهذا أحد الأدلة على أنها لا ترتب.

(1/160)


الثاني: إذا عطف بالواو على منفي فإن قصدت المعية لم يؤت بلا بعد الواو، نحو: ما قام زيد وعمرو. وقد ترد زائدة، إن أمن اللبس، نحو: ما يستوي زيد ولا عمرو. لأن المعية هنا مفهومة من يستوي، وإن لم تقصد المعية جيء ب لا، نحو: ما قام زيد ولا عمرو، ليعلم بذلك أن الفعل منفي عنهما حال الاجتماع والافتراق. ومنه " وما أموالكم ولا أولادكم بالتي تقربكم، عندنا، زلفى ".
فإن قلت: إذا قيل: ما قام زيد ولا عمرو، فهل هو من عطف المفردات أو من عطف الجمل؟ قلت: بل من عطف المفردات، خلافاً لبعضهم.
الثالث: قال السهيلي: الواو قسمان: أحدهما أن تجمع الاسمين في عامل واحد، وتنوب مناب صيغه التثنية. فيكون قام زيد وعمرو بمنزلة: قام هذان. وإذا نفي الفعل قلت: ما قام زيد وعمرو. والثاني

(1/161)


أن تضمر بعد الواو، فترفع المعطوف بذلك المضمر، أو تنصب، فإذا نفيت، على هذا، قلت: ما قام زيد ولا عمرو. فالواو عاطفة جملة على جملة.
ويتركب على هذين الأصلين مسائل. منها: قامت هند وزيد، إذا أضمرت. وقام هند وزيد، إذا جعلها جامعة، لتغليب المذكر على المؤنث. وتقول: طلعت الشمس والقمر، على هذا. ولا تقول في جمع إلا: جمع الشمس والقمر. ومنها: زيد قام عمرو وأبوه، إن جعلتها جامعة جاز، أو أضمرت بعدها لم يجز. وكذلك في الصلة والصفة.
الرابع: قال بعض العلماء: الصواب أن يقال: الواو لمطلق الجمع، لا للجمع المطلق. لأن الجمع المطلق هو الجمع الموصوف بالإطلاق، لأنا نفرق بالضرورة بين الماهية بلا قيد، والماهية المقيدة، ولو بقيد لا. والجمع الموصوف بالإطلاق ليس له معنى هنا، بل المطلوب هو مطلق الجمع، بمعنى أي جمع كان، سواء كان مرتباً أو غير مرتب. ونظير ذلك قولهم: مطلق الماء، والماء المطلق.

(1/162)


الثاني من أقسام الواو: واو الاستئناف، ويقال: واو الابتداء. وهي الواو التي يكون بعدها جملة غير متعلقة بما قبلها، في المعنى، ولا مشاركة له في الإعراب. ويكون بعدها الجملتان: الاسمية والفعلية. فمن أمثلة الاسمية قوله تعالى " ثم قضى أجلاً، وأجل مسمى عنده ". ومن أمثلة الفعلية " لتبين لكم، ونقر في الأرحام ما نشاء "، " هل تعلم له سمياً، ويقول الإنسان ". وهو كثير.
وذكر بعضهم أن هذه الواو قسم آخر، غير الواو العاطفة. والظاهر أنها الواو التي تعطف الجمل، التي لا محل لها من الإعراب، لمجرد الربط، وإنما سميت واو الاستئناف، لئلا يتوهم أن ما بعدها من المفردات، معطوف على ما قبلها.
وذكر بعض النحويين أن واو رب في نحو:

(1/163)


وبلدة ليس بها أنيس ينبغي أن تحمل على أنها واو الابتداء. وقد تقدم ذكرها.
الثالث: واو الحال: وقدرها النحويون ب إذ، من جهة أن الحال، في المعنى، ظرف للعامل فيها. وتدخل على الجملة الاسمية، نحو: جاء زيد ويده على رأسه، وعلى الفعلية، إذا تصدرت بماض. الأكثر اقترانه ب قد، نحو: جاء زيد وقد طلعت الشمس. وتدخل على المضارع المنفي، ولا تدخل على المثبت. وأما نحو قوله: نجوت، وأرهنهم مالكا فالصحيح أنه على إضمار مبتدأ بعد الواو.
واعلم أن اقتران الجملة الحالية بهذه الواو ثلاثة أقسام: واجب، وممتنع، وجائز. وقد أوضحته في غير هذا الموضع، فإن ذكره هنا يطول به الكتاب.
الرابع: الواو الزائدة: ذهب الكوفيون والأخفش، وتبعهم ابن

(1/164)


مالك، إلى أن الواو قد تكون زائدة. وأنشد الكوفيون، على ذلك، قول الشاعر:
حتى إذا قملت بطونكم ... ورأيتم أولادكم شبوا
وقلبتم ظهر المجن، لنا ... إن اللئيم، الفاجر، الخب
أراد: قلبتم. وزاد الواو. وأنشد أبو الحسن:
فإذا وذلك، يا كبيشة، لم يكن ... إلا كلمة بارق، بخيال
قال ابن مالك: ومثله قول أبي كبير:

(1/165)


فإذا وذلك ليس إلا ذكره ... وإذا مضى شيء كأن لم يفعل
قلت: وذكروا زيادة الواو في آيات، منها قوله تعالى " حتى إذا جاؤوها وفتحت أبوابها ". وقوله " فلما أسلما وتله للجبين وناديناه "، قيل: واو وتله زائدة، وهو الجواب. وقيل: الزائدة واو وناديناه. ومذهب جمهور البصريين أن الواو لا تزاد، وتأولوا هذه الآيات ونحوها، على حذف الجواب.
الخامس: الواو التي بمعنى أو: ذهب قوم من النحويين إلى أن الواو قد ترد بمعنى أو، كقول الشاعر:
وننصر مولانا، ونعلم أنه ... كما الناس، مجروم عليه، وجارم
وأجاز بعضهم أن تكون الواو في قولهم الكلمة اسم وفعل وحرف بمعنى أو، لأنه قد ييقال: اسم أو فعل أو حرف. قلت: العكس أقرب، لأن استعمال الواو في ذلك هو الأكثر. قال ابن مالك:

(1/166)


استعمال الواو فيما هو تقسيم أجود من استعمال أو.
السادس: واو الثمانية: ذهب قوم إلى إثبات هذه الواو، منهم ابن خالويه، والحريري، وجماعة من ضعفة النحويين. قالوا: من خصائص كلام العرب إلحاق الواو في الثامن من العدد، فيقولون: واحد اثنان ثلاثة أربعة خمسة ستة سبعة وثمانية، إشعاراً بأن السبعة عندهم عدد كامل. واستدلوا بقوله تعالى " التائبون، العابدون، الحامدون، السائحون، الراكعون، الساجدون، الآمرون بالمعروف، والناهون عن المنكر "، وبقوله تعالى " وثامنهم كلبهم "، وبقوله تعالى " ثيبات وأبكاراً، وبقوله تعالى " حتى إذا جاؤوها وفتحت أبوابها ". قالوا: ألحقت الواو، لأن أبواب الجنة ثمانية، ولما ذكر جهنم قال فتحت

(1/167)


بلا واو، لأن أبوابها سبعة.
وذهب المحققون إلى أن الواو في ذلك إما عاطفة، وإما واو الحال. ولم يثبتوا واو الثمانية. وأنكر الفارسي واو الثمانية، لما ذكرها ابن خالويه في باب المناظرة.
ولنذكر ما قيل في هذه الآيات. أما قوله تعالى والناهون فالواو فيه عاطفة. وحكمة ذكرها في هذه الصفة، دون ما قبلها من الصفات، ما بين الأمر والنهي من التضاد. فجيء بالواو رابطة بينهما لتباينهما، وتنافيهما. وقال بعضهم: هي زائدة. وليس بشيء.
وأما قوله تعالى وثامنهم كلبهم فقيل: هي واو العطف، أي: يقولون سبعة، وثامنهم كلبهم. فهما جملتان. وقال الزمخشري: هي الواو، الداخلة على الجملة الواقعة صفة للنكرة، كما تدخل على الجملة الواقعة حالاً عن المعرفة. قال: وفائدتها توكيد لصوق الصفة بالموصوف، والدلالة على أن اتصافه بها أمر ثابت مستقر، وهي التي آذنت بأن الذين قالوا سبعة وثامنهم كلبهم قالوه

(1/168)


عن ثبات علم، وطمأنينه نفس، ولم يرجموا بالظن كغيرهم. وهو معترض من جهة أن دخول الواو على الصفة لم يقل به أحد، من النحويين.
وأما قوله تعالى وأبكاراً فليس من هذا الباب، لأن الواو فيه عاطفة، ولابد من ذكرها، لأنها بين وصفين لا يجتمعان في محل واحد.
وأما قوله تعالى وفتحت فقال أبو علي وغيره: هي واو الحال، والمعنى: حتى إذا جاؤوها، وقد فتحت. أي: جاؤوها، وهي مفتحة، لا يوقفون. وهذا قول المبرد أيضاً. وقيل: إن أبواب جهنم لا تفتح، إلا عند دخول أهلها، وأما أبواب الجنة فيتقدم فتحها، بدليل قوله تعالى " جنات عدن، مفتحة لهم الأبواب ". وجواب إذا، على هذا القول، محذوف، تقديره بعد خالدين، أي: نالوا المنى، ونحو ذلك. حذف للتعظيم. وقيل بعد أبوابها، أي دخلوها. وقيل: الجواب قال لهم والواو مقحمة. وتقدم قول من جعل فتحت هو الجواب، والواو مقحمة. والله أعلم.

(1/169)


السابع: الواو التي هي علامة الجمع في لغة أكلوني البراغيث. وهي لغة ثابتة، خلافاً لمن أنكرها، وأصحاب هذه اللغة يلحقون الفعل المسند إلى ظاهر، مثنى أو مجموع، علامة كضميره. فيقولون: قاما الزيدان، وقاموا الزيدون، وقمن الهندات. فالألف والواو والنون في ذلك حروف، لا ضمائر، لإسناد الفعل إلى الاسم الظاهر. فهذه الأحرف عندهم كتاء التأنيث في نحو: قامت هند.
ومن شواهد هذه اللغة، في الواو، قول الشاعر:
بني الأرض قد كانوا بني، فعزني ... عليهم، لإخلال المنايا، كتابها
أنشده ابن مالك. قال: وقد تكلم بهذه اللغة النبي، صلى الله عليه وسلم، قال يتعاقبون فيكم ملائكة بالليل، وملائكة بالنهار. وقال السهيلي: ألفيت، في كتب الحديث المروية الصحاح، ما يدل على كثرة هذه اللغة وجودتها. وذكر آثاراً منها: يتعاقبون فيكم ملائكة. ثم قال: لكني أقول في حديث مالك: إن الواو فيه علامة إضمار، لأنه

(1/170)


حديث مختصر. رواه البزار مطولاً مجرداً، فقال فيه: إن لله ملائكة يتعاقبون فيكم ...
قلت: ونسب بعض النحويين هذه اللغة إلى طيىء، وقال بعضهم: هي لغة أزدشنوءة. ومن أنكر هذه اللغة تأول ما ورد من ذلك. فبعضهم يجعل ذلك خبراً مقدماً ومبتدأ مؤخراً، وبعضهم يجعل ما اتصل بالفعل ضمائر، والأسماء الظاهرة أبدال منها. وهذان تأويلان صحيحان، لما سمع من ذلك، من غير أصحاب هذه اللغة، وأما من يحمل جميع ما ورد من ذلك على التأويل فغير صحيح، لأن المأخوذ عنهم هذا الشأن متفقون على أن ذلك لغة قوم مخصوصين من العرب.
وحمل بعضهم على هذه اللغة قوله تعالى " ثم عموا وصموا كثير منهم "، " وأسروا النجوى ". قلت: ولا ينبغي ذلك لأن هذه اللغة ضعيفة، فلا يحمل القرآن إلا على اللغات الفصيحة. والتأويلان المذكوران، قيل: يجريان في الآيتين. وقيل في وأسروا النجوى أقوال أخر.

(1/171)


الثامن: واو الإنكار. نحو قولك أعمروه لمن قال: جاء عمرو. وحرف الإنكار تابع لحركة الآخر، ألفاً بعد الفتحة، وياء بعد الكسرة، وواواً بعد الضمة. ويردف بهاء السكت.
التاسع: واو التذكار. نحو قولك يقولو تعني: يقول زيد. وحرف التذكار أيضاً تابع لحركة الآخر، وإنما يكون ذلك في الوقف على الكلمة، لتذكر ما بعدها. فإن كان آخر الموقوف عليه ساكناً كسر وألحق الياء، ولا تلحق هاء السكت حرف التذكار، لأن الوصل منوي. وقد عدوا حرف الإنكار وحرف التذكار من حروف المعاني.
العاشر: أن يكون بدلاً من همزة الاستفهام، إذا كان بعدها همزة. كقراءة قنبل " قال فرعون: وآمنتم "، " وإليه النشور. وأمنتم ". فالواو في ذلك بدل من همزة الاستفهام. ذكر ذلك صاحب رصف المباني. ولا ينبغي ذكر مثل هذا، إذ لو فتح هذا الباب لعدت الواو من حروف الاستفهام. والإبدال في ذلك عارض، لاجتماع الهمزتين. والله أعلم.

(1/172)


فهذه جملة أقسام الواو، وهي أربعة عشر قسماً. وبقيت للواو أقسام أخر، ذكرها النحويون، ليست من حروف المعاني.
منها الواو التي هي ضمير الحمع، نحو: الزيدون قاموا. فهذه الواو اسم، خلافاً للمازني. فإنه قال: هي حرف، والفاعل مستكن في الفعل.
ومنها الواو التي هي علامة الرفع، نحو: جاء الزيدون.
ومنها واو الإشباع، وهي الزائدة للضرورة، ي نحو قول الشاعر:
وأنني حيث ما يثني الهوى بصري ... من حيث ما سلكوا أدنو، فأنظور
أي: فأنظر. فأشبع الضمة لإقامة الوزن.
ومنها واو الإطلاق. وهي، في الحقيقة، واو الإشباع، لكنها قياسية، كالواو في قوله:

(1/173)


سقيت الغيث، أيتها الخيام ومنها واو الإبدال. وهي أقسام: بدل من همزة، نحو يومن. وبدل من ألف، نحو: خوصم زيد، لأن أصله خاصم. وبدل من ياء، نحو: موقن. فإنه من اليقين.
ومنها الواو الأصلية، كالواو في وعد.
وإنما ذكرت هذه الأقسام، مع أنها ليست من حروف المعاني، لأن بعض من صنف، في حروف المعاني، ذكر منها أقساماً، فأوهم كلامه أنها حروف معان.
وقد كنت نظمت للواو خمسة عشر معنى، في هذه الأبيات. وإليها يرجع جميع أقسامها:
الواو أقسامها تأتي ملخصة ... أصل، وعطف، والاستئناف، والقسم
والحال، والنصب، والإعراب، مضمرة ... علامة الجمع، والإشباع منتظم
وزائد، وبمعنى أو، ورب، ومع ... وواو الأبدال فيها العد يختتم

(1/174)


الألف
حرف مهمل، له عشرة أقسام: الأول: أن تكون للانكار نحو: أعمراه! لمن قال: رأيت عمراً.
الثاني: أن تكون للتذكار نحو: رأيت الرجلا، تريد الرجل، ووقفت لتتذكر ما بعده.
وقد تقدم ذكر هذين المعنيين في الواو.
الثالث: أن تكون علامة التثنية في اللغة التي تقدم ذكرها. كقول الشاعر:
تولى قتال المارقين، بنفسه ... وقد أسلماه مبعده، وحميم
الرابع: أن تكون كافة. وهي الألف في بينا. كقول

(1/175)


الشاعر:
فبينا نحن نرقبه أتانا ... معلق شكوة، وزناد راعي
وقيل: إن الجملة بعدها في موضع جر بالإضافة، والألف إشباع. وقد أضيفت إلى المفرد، في قول الشاعر:
بينا تعانقه الكماة، وروغه ... يوماً، أتيح له جريء، سلفع
في رواية من جر. وقيل: بينا أصلها بينما، فحذفت الميم، وقيل: ألف بينا للتأنيث. وكلاهما قول ضعيف.
الخامس: أن تكون فصلاً بين نون التوكيد ونون الإناث، في نحو: اضربنان يا نسوة.

(1/176)


السادس: أن تكون للندبة، نحو: وازيداه.
السابع: أن تكون للاستغاثة، كقول الشاعر:
يا يزيدا، لآمل نيل عز ... وغنى، بعد فاقة، وهوان
الثامن: أن تكون للتعجب، كقول الشاعر:
يا عجبا، لهذه الفليقه ... هل تذهبن القوباء الريقه؟
التاسع: أن تكون بدلاً من نون التوكيد الخفيفة، نحو " لنسفعا ".
العاشر: أن تكون بدلاً من تنوين المنصوب، نحو: رأيت زيدا.
وما سوى هذه الأقسام فليس بحرف معنى، كألف التأنيث، وألف الإطلاق، وألف الإلحاق، وألف التثنية، وألف التكسير،

(1/177)


والألف الفاصلة بين الهمزتين، في نحو: آأنت، أم أم سالم؟ وألف الإشباع، في قوله: أقول، إذ خرت، على الكل لكال والألف الزائدة في الوقف، لبيان الحركة. وذلك ألف أنا على مذهب البصريين. والألف المزيدة في آخر المبهمات، إذا صغرت، عوضاً عن ضم أولها. نحو: ذيا، والذيا. والألف التي تلحق من في الإستثبات، حال النصب، نحو منا لمن قال: رأيت رجلا. فهذه الأقسام العشرة لا ينبغي أن يعد منها شيء في حروف المعاني.
وفي بعض الأقسام المتقدمة قبل هذه نظر.

(1/178)


تنبيه
إنما أخرت الألف إلى هذا الموضع، لأن، موضعها في ترتيب الحروف، على الأسلوب المألوف، بين الواو
والياء. وذلك قولهم في: أ، ب، ت، ث ... و، لا، ي. قال ابن جني: لا يقال لام ألف، وإنما يقال لا بلام مفتوحة، وألف لينة تليها. والمراد هنا الألف اللينة لأن اللام قد تقدمت. فلما قصدوا النطق بالألف، وهي ساكنة لا يمكن الابتداء بها، توصلوا إلى النطق بها، بإدخال اللام عليها.
فإن قيل: ولم خصت اللام بهذا دون غيرها؟ فالجواب أن العرب لما توصلوا بألف الوصل إلى اللام الساكنة في الرجل توصلوا إلى الألف الساكنة باللام، مقاصة.
فإن قلت: قد ذكرت الألف أول الحروف! قلت: المراد بالألف المذكورة أول الحروف الهمزة. نص على ذلك الأئمة. وذلك متعين لئلا يلزم تكرار حرف، وإهمال حرف. لأنه إذا جعلت الألف المبدوء بها عبارة عن الحرف الهاوي لزم تكرارها، لأنها مذكورة

(1/179)


بعد اللام، كما تقدم، ولزم إهمال ذكر الهمزة.
قال أبو عبيد: الألف عند العرب ألفان: ألف مهموزة، وهي الهمزة. وإنما جعلت صورتها ألفاً، لأنها لا تقوم بنفسها. ألا تراها تنقلب في الرفع واواً، وفي الفتح ألفاً، وفي الكسر ياء. والألف الأخرى هي التي تكون مع اللام في الحروف المعجمة. وهي ساكنة. لا ألف في الكلام غير هاتين.
وقد بسطت الكلام على هذا في وريقات مفردة. وهذا موضع اختصار.
الياء
حرف مهما، له ثلاثة أقسام: الأول: أن تكون للإنكار، نحو: أزيد نيه. ألحقت الياء بعد كسر التنوين.

(1/180)


الثاني: أن تكون للتذكار، نحو: قدي،

إذا أردت أن تقول: قد قام، فوقفت على قد لتذكر ما بعده. وقد تقدم ذلك في الواو والألف.
الثالث: أن تكون حرفاً يدل على التأنيث والخطاب. وهو الياء في تفعلين على مذهب الأخفش والمازني. والصحيح أنها اسم مضمر. والخلاف في ذلك شهير.
وما سوى ذلك، من أقسام الياء، فلا يعد من حروف المعاني، كياء التصغير، وياء النسب، وياء المضارعة، وياء الإطلاق، وياء الإشباع، وغير ذلك من الياءات.
فهذا تمام الكلام على الحروف الأحادية. ويتعلق بها مسألة، أختم بها الباب. وهي أن الأصل، في هذه الحروف الأحادية، أن تبنى على السكون، لأن الأصل في المبني أن يسكن. ولكن عارض هذا الأصل أمران: أحدهما أن ما وضع على حرف واحد فحقه أن يقوى بالحركة لضعفه. والثاني أنها عرضة، لأن يبتدأ بها، فاحتاجت

(1/181)


إلى الحركة، إذ لا يبتدأ بساكن. فصار أصلها، بهذا الاعتبار، أن تبنى على حركة.
ثم الأصل، في حركتها، أن تكون فتحة، لأنها أخف من الضمة والكسرة. فهي أخت السكون، الذي هو الأصل، في الخفة. وكل هذه الحروف، غير ما لزم السكون، جاء على هذا الأصل، أعني مبنياً على الفتح، إلا ثلاثة أحرف، وهي: باء الجر، ولامه، ولام الأمر.
أما الباء فإنها بنيت على الكسر، لأنها عاملة للجر دائماً. فاختاروا لها الكسرة، ليجانس لفظها عملها. وحكى اللحياني الفتح فيها شاذاًَ، قالوا به، ولا يقاس عليه. وذكر ابن جني، عن بعضهم، أن حركتها الفتح مع الظاهر، نحو: مررت بزيد.
وأما اللام فإنها تفتح مع المضمر، غير ياء المتكلم، على الأصل. وتكسر مع الظاهر، فرقاً بينها وبين لام الابتداء، إلا في المستغاث به،

(1/182)


والمتعجب منه في النداء، فإنها تفتح فيهما، مراجعة للأصل، لأنهما واقعان موقع الضمير. إذ كل منادى حال محل المضمر. وما ذكرته في لام الجر هو اللغة الفصحى. ولغة خزاعة كسر اللام مع المضمر، كما تكسر مع الظاهر. وحكى أبو عمرو، ويونس، وأبو عبيدة، وأبو الحسن، أن من العرب من يفتحها مع الظاهر على الإطلاق. ولغة عكل وبالعنبر فتحها، مع الفعل. قال أبو زيد: سمعت من العرب من يقول " وما كان الله ليعذبهم " بفتح اللام. وقرأ سعيد

(1/183)


ابن جبير، فيما حكى عنه المبرد " وإن كان مكرهم لتزول منه الجبال " بفتح اللام الأولى، ونصب الثانية.
وأما لام الأمر فإنها كسرت حملاً على لام الجر، لأن عملها نقيض عملها. ومن كلامهم حمل النقيض على النقيض، كما يحمل النظير على النظير. وتقدم أنها قد تسكن بعد الواو والفاء وثم، وعلة ذلك، فليراجع.
وهذا فصل، أطال فيه النحويون، وما ذكرته فهو خلاصة كلامهم. والله أعلم بالصواب.

(1/184)