الكتاب لسيبويه باب دخول الزيادة في
فعلت للمعاني
اعلم أنك إذا قلت: فاعلته، فقد كان من غيرك إليك مثل ما كان منك إليه
حين قلت فاعلته.
ومثل ذلك: ضاربته، وفارقته، وكارمته، وعازني وعاززته، وخاصمني وخاصمته.
فإذا كنت أنت فعلت قلت: كارمني فكرمته.
واعلم أن يفعل من هذا الباب على مثال يخرج، نحو عازني فعززته أعزه،
وخاصمني فخصمته أخصمه، وشاتمني فشتمته أشتمه. وتقول: خاصمني فخصمته
أخصمه.
وكذلك جميع ما كان من هذا الباب، إلا ما كان من الياء مثل رميت وبعت،
وما كان من باب وعد، فإن ذلك لا يكون إلا على أفعله، لأنه لا يختلف ولا
يجيء إلا على يفعل.
وليس في كل شيء يكون هذا. ألا ترى أنك لا تقول نازعني فنزعته، استغنى
عنها بغلبته وأشباه ذلك.
وقد تجيء فاعلت لا تريد بها عمل اثنين، ولكنهم بنوا عليه الفعل كما
بنوه على أفعلت، وذلك قولهم: ناولته، وعاقبته، وعافاه الله، وسافرت،
وظاهرت عليه، وناعمته. بنوه على فاعلت كما بنوه على أفعلت.
ونحو ذلك: ضاعفت وضعفت، مثل ناعمت ونعمت، فجاءوا به على مثال عاقبته.
(4/68)
وتقول: تعاطينا وتعطينا؛ فتعاطينا من اثنين
وتعطينا بمنزلة غلقت الأبواب، أراد أن يكثر العمل.
وأما تفاعلت فلا يكون إلا وأنت تريد فعل اثنين فصاعدا، ولا يجوز أن
يكون معملاً في مفعولٍ، ولا يتعدى الفعل إلى منصوب.
ففي تفاعلنا يلفظ بالمعنى الذي كان في فاعلته. وذلك قولك: تضاربنا،
وترامينا، وتقاتلنا.
وقد يشركه افتعلنا فتريد بهما معنى واحدا، وذلك قولهم: تضاربوا
واضطربوا، وتقاتلوا واقتتلوا، وتجاوروا واجتوروا، وتلاقوا والتقوا.
وقد يجيىء تفاعلت على غير هذا كما جاء عاقبته ونحوها، لا تريد بها
الفعل من اثنين. وذلك قولك: تماريت في ذلك، وتراءيت له وتقاضيته،
وتعاطيت منه أمراً قبيحاً.
وقد يجيىء تفاعلت ليريك أنه في حالٍ ليس فيها. من ذلك: تغافلت،
وتعاميت، وتعاييت، وتعاشيت وتعارجت، وتجاهلت. قال: إذا تخازرت وما بي
من خزر
(4/69)
فقوله: وما بي من خزر يدلك على ما ذكرنا.
وقالوا: تذاءبت الريح وتناوحت وتذأبت، كما قالوا: تعطينا، وتقديرها:
تذعبت وتذاعبت.
باب استفعلت
تقول: استجدته أي أصبته جيداً، واستكرمته أي أصبته كريماً. واستعظمته
أي أصبته عظيماً، واستسمنته أي أصبته سميناً.
وقد يجيىء استفعلت على غير هذا المعنى كما جاء تذاءبت وعاقبت، تقول:
استلأم، واستخلف لأهله كما تقول أخلف لأهله، المعنى واحد.
وتقول: استعطيت أي طلبت العطية، واستعتبته أي طلبت إليه العتبى. ومثل
ذلك استفهمت واستخبرت، أي طلبت إليه أن يخبرني؟ ومثله: استثرته.
وتقول: استخرجته، أي لم أزل أطلب إليه حتى خرج. وقد يقولون: اخترجته،
شبهوه بافتعلته وانتزعته.
وقالوا: قر في مكانه واستقر، كما يقولون: جلب الجرح وأجلب، يريدون بهما
شيئاً واحداً، كما بني ذلك على أفعلت بني هذا على استفعلت.
وأما استحقه فإنه يكون طلب حقه، وأما استخفه فإنه يقول طلب خفته. وكذلك
استعمله أي طلب إليه العمل، وكذلك استعجلت، ومر مستعجلاً أي مر طالبا
ذاك من نفسه متكلفاً إياه.
(4/70)
وأما علا قرنه واستعلاه فإنه مثل قر واستقر
وقالوا في التحول من حالٍ إلى حال هكذا، وذلك قولك: استنوق الجمل،
واستتيست الشاة.
وإذا أراد الرجل أن يدخل نفسه في أمرٍ حتى يضاف إليه ويكون من أهله
فإنك تقول: تفعل، وذلك تشجع وتبصر وتحلم وتجلد، وتمرأ، وتقديرها تمرع،
أي صار ذا مروءة، وقال حاتم طيىء: د
تحلمْ عنِ الأدنينَ واستبقِ وُدَّهم ... ولن تَستطيع الحلم حَتى
تحلّمَا
وليس هذا بمنزلة تجاهل؛ لأن هذا يطلب أن يصير حليما.
وقد يجيء تقيس وتنز وتعرب على هذا.
وقد دخل استفعل ههنا، قالوا: تعظم واستعظم، وتكبر واستكبر.
كما شاركت تفاعلت تفعلت الذي ليس في هذا المعنى، ولكنه استثباتٌ، وذلك
قولهم: تيقنت واستيقنت، وتبينت واسبنت: وتثبت واستثبت.
ومثل ذلك - يعني تحلم - تقعدته أي ريثته عن حاجته وعقته.
(4/71)
ومثله: تهيبني كذا وكذا، وتهيبتني البلاد،
وتكاءدني ذاك الأمر تكاؤداً، أي شق علي.
وأما قوله: تنقصته وتنقصني فكأنه الأخذ من الشيء الأول فالأول.
وأما تفهم وتبصر وتأمل، فاستثباتٌ بمنزلة تيقن.
وقد تشركه استفعل نحو استثبت.
وأما يتجرعه، ويتحساه ويتفوقه، فهو يتنقصه، لأنه ليس من معالجتك الشيء
بمرة، ولكنه في مهلةٍ.
وأما تعقله فهو نحو تقعده، لأنه يريد أن يختله عن أمرٍ يعوقه عنه.
ويتملقه نحو ذلك، لأنه إنما يديره عن شيء.
وقال: تظلمني، أي ظلمني مالي، فبناه في هذا الموضع على تفعل، كما
قالوا: جزته وجاوزته وهو يريد شيئاً واحداً، وقلته وأقلته ولقته
وألقته، وهو إذا لطخته بالطين؛ وألقت الدواة ولقتها.
وأما تهيبه فإنه حصرٌ، ليس فيه معنى شيءٍ مما ذكرنا، كما أنك تقول
استعليته لا تريد إلا معنى علوته.
(4/72)
وأما تخوفه فهو أن يوقع أمراً يقع بك، فلا
تأمنه في حالك التي تكلمت فيها أن يوقع أمراً. وأما خافه فقد يكون وهو
لا يتوقع منه في تلك الحال شيئاً.
وأما تخونته الأيام فهو تنقصته، وليس في تخونته من هذه المعاني شيءٌ،
كما لم يكن في تهيبه.
وأما يتسمع ويتحفظ فهو يتبصر. وهذه الأشياء نحو يتجرع ويتفوق، لأنها في
مهلة. ومثل ذلك تخيره.
وأما التعمج والتعمق فنحوٌ من هذا. والتدخل مثله، لأنه عملٌ بعد عملٍ
في مهلة.
وأما تنجز حوائجه واستنجز فهو بمنزلة تيقن واستيقن، في شركة استفعلت.
فالاستثبات والتقعد والتنقص والتنجز وهذا النحو كله في مهلة، وعمل بعد
عمل. وقد بينا ما ليس مثله في تفعل.
باب موضع افتعلت
تقول: اشتوى القوم، أي اتخذوا شواءً. وأما شويت فكقولك:
(4/73)
أنضجت. وكذلك اختبز وخبز واطبخ وطبخ، واذبح
وذبح. فأما ذبح فمبنزلة قوله قتله، وأما ذبح فبمنزلة اتخذ ذبيحة.
وقد يبنى على افتعل ما لا يراد به شيء من ذلك، كما بنوا هذا على أفعلت
وغيره من الأبنية، وذلك افتقر واشتد، فقالوا هذا كما قالوا استلمت،
فبنوه على افتعل كما بنوا هذا على أفعل.
وأما كسب فإنه يقول أصاب، وأما اكتسب فهو التصرف والطلب. والاجتهاد
بمنزلة الاضطراب.
وأما قولك: حبسته فبمنزلة قولك: ضبطته، وأما احتبسته فقولك: اتخذته
حبيسا، كأنه مثل شوى واشتوى.
وقالوا: ادخلوا واتلجوا، يريدون يتدخلون ويتولجون.
وقالوا: قرأت واقترأت، يريدون شيئا واحدا، كما قالوا: علاه واستعلاه.
ومثله خطف واختطف.
وأما انتزع فإنما هي خطفة كقولك استلب، وأما نزع فانه تحويلك إياه وإن
كان على نحو الاستلاب. وكذلك قلع واقتلع، وجذب اجتذب بمعنىً واحدٍ.
(4/74)
وأما اصطب الماء فبمنزلة اشتوه، كأنه قال:
اتخذه لنفسك.
وكذلك: اكتل واتزن. وقد يجيء على وزنته، وكلته فاكتال واتزن. قال رؤبة:
يعرضن إعراضاً ... لدين المفتن
باب افعوعلت وما هو على مثاله
مما لم نذكره قالوا: خشن، وقالوا: اخشوشن. وسألت الخليل فقال: كأنهم
أرادوا المبالغة والتوكيد، كما أنه إذا قال: اعشوشبت الأرض فإنما يريد
أن يجعل ذلك كثيرا عاما، قد بالغ. وكذلك احلولى.
(4/75)
وربما بنى عليه الفعل فلم يفارقه، كما انه
قد يجيء الشيء على أفعلت وافتعلت ونحو ذلك، لا يفارقه بمعنى، ولا
يستعمل في الكلام إلا على بناء فيه زيادة.
ومثل ذلك: اقطر النبت واقطار النبت، لم يستعمل إلا بالزيادة، وابهار
الليل، وارعويت واجلوذت، واعلوطت من نحو اذلولى.
والجوذ واعلوط، إذا جدبه السير. واقطار النبت، إذا ولى وأخذ يجف.
وابهار الليل، إذا كثرت ظلمته، وابهار القمر، إذا كثر ضوءه. واعلوطته
إذا ركبته بغير سرج. واعروريت الفلو، إذا ركبته عريا؛ وكذلك البعير.
ونظير اقطار من بنات الأربعة: اقشعرت واشمأززت.
فأما قعس واقعنس فنحو حلى واحلولي.
وأما اسحنكك: اسود، فبمنزلة اذلولي. وأرادوا بافعنلل أن يبلغوا به بناء
احرنجم، كما أرادوا بصعررت بناء دحرجت. فكذلك هذه الأبواب، فعلى نحو ما
ذكرت لك فوجهها.
باب ما لا يجوز فيه فعلته
إنما هي أبنيةٌ بنيت لا تعدى الفاعل، كما أن فعلت لا يتعدى إلى مفعول
فكذلك هذه الأبنية التي فيها الزوائد.
فمن ذلك انفعلت، ليس في الكلام انفعلته؛ نحو انطلقت وانكمشت وانجردت،
وانسللت. وهذا موضعٌ قد يستعمل فيه انفعلت وليس مما
(4/76)
طاوع فعلت، نحو كسرته فانكسر، ولا يقولون
في ذا: طلقته فانطلق، ولكنه بمنزلة ذهب ومضى، كما أن افتقر بمنزلة ضعف.
وأي المعنيين عنيت فإنه لا يجيء فيه انفعلته.
وليس في الكلام احرنجمته، لأنه نظير انفعلت في بنات الثلاثة، زادوا فيه
نونا وألف وصل كما زادوهما في هذا. وكذلك: افعنللت، لأنهم أرادوا أن
يبلغوا به احرنجمت. وليس في الكلام افعنللته، وافعلنليته، ولا
افعاللته، ولا افعللته، وهو نحو احمررت واشهاببت.
ونظير ذلك من بنات الأربعة: اطمأننت واشمأززت، لم نسمعهم قالوا: فعلته
في هذا الباب.
وأما افعوعل فقد تعدى. قال حميدٌ الهلالي:
فلما أتى عامان بعد انفصاله ... عن الضرع واحلولى دماناً يرودها
وكذلك افعول، قالوا: اعلوطته. وكذلك فعللته، صعررته؛ لأنهم أرادوا بناء
دحرجته. وقال:
(4/77)
سودٌ كحب الفلفل المصعرر
وكذلك فوعلته مفوعلة، نحو مكوكبة، لأنهم أرادوا بناء بنات الأربعة،
فجعلوا من هذه التي هي ذات زوائد أبنية الأربعة، وهي أقل مما يتعدى من
ذوات الزوائد، كما أن ما لا يتعدى من فعلت وفعلت أقل.
وإنما كان هذا أكثر لأنهم يدخلون المفعول في الفعل ويشغلونه به، كما
يفعلون ذلك بالفاعل، فكما لم يكن للفعل بدٌّ من فاعل يعمل فيه، كذلك
أرادوا أن يكثر المفعول الذي يعمل فيه.
وقالوا: اعروريت الفلو، واعروريت مني أمراً قبيحاً، كما قالوا: احلولى
ذلك. فذلك في موضع المفعول.
باب مصادر ما لحقته الزوائد
من الفعل من بنات الثلاثة
فالمصدر على أفعلت إفعالاً، أبداً. وذلك قولك: أعطيت إعطاءً، وأخرجت
إخراجاً.
وأما افتعلت فمصدره عليه افتعالاً، وألفه موصولةٌ كما كانت موصولةً في
الفعل، وكذلك ما كان على مثاله. ولزوم الوصل ههنا كلزوم القطع في
(4/78)
أعطيت. وذلك قولك: احتبست احتباساً،
وانطلقت انطلاقاً، لأنه على مثاله ووزنه، واحمررت احمراراً.
فأما استفعلت فالمصدر عليه الاستفعال. وكذلك ما كان على زنته ومثاله،
يخرج على هذا الوزن وهذا المثال، كما خرج ما كان على مثال افتعلت. وذلك
قولك: استخرجت استخراجاً، واستصعبت استصعاباً، واشهاببت اشهيباباً،
واقعنست اقعنساساً، واجلوذت اجلواذاً.
وأما فعلت فالمصدر منه على التفعيل، جعلوا التاء التي في أوله بدلاً من
العين الزائدة في فعلت، وجعلت الياء بمنزلة ألف الإفعال، فغيروا أوله
كما غيروا آخره. وذلك قولك: كسرته تكسيراً، وعذبته تعذيباً. وقد قال
ناسٌ: كلمته كلاماً، وحملته حمالاً، أرادوا أن يجيئوا به على الإفعال
فكسروا أوله وألحقوا الألف قبل آخر حرفٍ فيه، ولم يريدوا أن يبدلوا
حرفاً مكان حرف، ولم يحذفوا، كما أن مصدر أفعلت واستفعلت جاء فيه جميع
ما جاء في استفعل وأفعل من الحروف، ولم يحذف ولم يبدل منه شيءٌ. وقد
قال الله عز وجل: " وكذبوا بآياتنا كذابا ".
وأما مصدر تفعلت فإنه التفعل، جاءوا فيه بجميع ما جاء في تفعل، وضموا
العين لأنه ليس في الكلام اسم على تفعلٍ، ولم يلحقوا الياء فيلتبس
بمصدر فعلت، ولا غير الياء لأنه أكثر من فعلت، فجعلوا الزيادة عوضاً من
ذلك.
من ذلك قولك: تكلمت تكلماً، وتقولت تقولاً.
وأما الذين قالوا: كذابا فإنهم قالوا: تحملت تحمالاً، أرادوا أن
(4/79)
يدخلوا الألف كما أدخلوها في أفعلت
واستفعلت، وأرادوا الكسر في الحرف الأول كما كسروا أول إفعالٍ
واستفعال، ووفروا الحروف فيه كما وفروهما فيهما.
وأما فاعلت فإن المصدر منه الذي لا ينكسر أبداً: مفاعلةٌ، جعلوا الميم
عوضاً من الألف التي بعد أول حرف منه، والهاء عوضٌ من الألف التي قبل
آخر حرف؛ وذلك قولك: جالسته مجالسةً، وقاعدته مقاعدة، وشاربته مشاربةً،
وجاء كالمفعول لأن المصدر مفعول. وأما الذين قالوا هذا فقالوا: جاءت
مخالفةً الأصل كفعلت، وجاءت كما يجيء المفعل مصدراً والمفعلة، إلا أنهم
ألزموها الهاء لما فروا من الألف التي في قيتالٍ، وهو الأصل.
وأما الذين قالوا: تحملت تحمالاً فإنهم يقولون: قاتلت قيتالاً، فيوفرن
الحروف ويجيئون به على مثال إفعالٍ وعلى مثال قولهم كلمته كلاماً.
(4/80)
وقد قالوا: ماريته مراءً، وقاتلته قتالاً.
وجاء فعالٌ على فاعلت كثيراً، كأنهم حذفوا الياء التي جاء بها أولئك في
قيتالٍ ونحوها. وأما المفاعلة فهي التي تلزم ولا تنكسر كلزوم الاستفعال
استفعلت.
وأما تفاعلت فالمصدر التفاعل، كما أن التفعل مصدر تفعلت؛ لأن الزنة
وعدة الحروف واحدة، وتفاعلت من فاعلت بمنزلة تفعلت من فعلت؛ وضموا
العين لئلا يشبه الجمع، ولم يفتحوا لأنه ليس في الكلام تفاعلٌ في
الأسماء.
باب ما جاء المصدر فيه على غير الفعل
لأن المعنى واحد
وذلك قولك: اجتوروا تجاوراً تجاوروا اجتواراً، لأن معنى اجتوروا
وتجاوروا واحد. ومثل ذلك: انكسر كسراً وكسر انكساراً لأن معنى كسر
وانكسر واحد. وقال الله تبارك وتعالى: " والله أنبتكم من الأرض نباتا
"، لأنه إذا قال: أنبته فكأنه قال: قد نبت، وقال عز وجل: " وتبتل إليه
تبتيلا "، لأنه إذا قال تبتل فكأنه قال: بتل. وزعموا أن في
(4/81)
قراءة ابن مسعود: " وأنزل الملائكة تنزيلا
"، لأن معنى أنزل ونزل واحد. وقال القطامي:
وخَيرُ الأمرِ ما استقبَلَت منهُ ... وليس بأن تَتَبّعهُ اتِّباعاً
لأن تتبعت وأتبعت في المعنى واحد، وقال رؤبة:
وقد تطَوّيتُ انطِواءَ الحِضْبِ
لأن معنى تطويت وانطويت واحد، ومثل هذه الأشياء: يدعه تركاً؛ لأن معنى
يدع ويترك واحدٌ.
(4/82)
باب ما لحقته هاء
التأنيث عوضاً
لما ذهب
وذلك قولك: أقمته إقامةً، واستعنته استعانة؛ وأريته إراءة. وإن شئت لم
تعوض وتركت الحروف على الأصل. قال الله عز وجل: " لا تلهيهم تجارةٌ ولا
بيعٌ عن ذكر الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة ".
وقالوا: اخترت اختياراً، فلم يلحقوه الهاء لأنهم أتموه.
وقالوا: أريته إراءً، مثل أقمته إقاماً؛ لأن من كلام العرب أن يحذفوا
ولا يعوضوا.
وأما عزيت تعزيةً ونحوها فلا يجوز الحذف فيه ولا فيما أشبهه، لأنهم لا
يجيئون بالياء في شيءٍ من بنات الياء والواو مما هما فيه في موضع اللام
صحيحتين.
وقد يجيء في الأول نحو الإحواذ والاستحواذ ونحوه. ولا يجوز الحذف أيضاً
في تجزئةٍ وتهنئةٍ، وتقديرهما تجزعةٌ وتهنعةٌ، لأنهم ألحقوهما بأختيهما
من بنات الياء والواو، كما ألحقوا أرأيت بأقمت حين قالوا أريت.
باب ما تكثر فيه المصدر من فعلت
فتلحق الزوائد وتبنيه بناءً آخر
كما أنك قلت في فعلت فعلت حين كثرت الفعل.
(4/83)
وذلك قولك في الهذر: التهذار، وفي اللعب:
التلعاب، وفي الصفق: التصفاق، وفي الرد: الترداد، وفي الجولان:
التجوال، والتقتال والتسيار.
وليس شيء من هذا مصدر فعلت، ولكن لما أردت التكثير بنيت المصدر على هذا
كما بنيت فعلت على فعلت.
وأما التبيان فليس على شيء من الفعل لحقته الزيادة، ولكنه بنى هذا
البناء فلحقته الزيادة كما لحقت الرئمان وهو من الثلاثة، وليس من باب
التقتال، ولو كان أصلها من ذلك فتحوا التاء، فإنما هي من بينت، كالغارة
من أغرت، والنبات من أنبت.
ونظيرها التلقاء، وإنما يريدون اللقيان. وقال الراعي:
أمّلتُ خيرَك هل تأْتى مواعده ... فاليوم قصر عن تلقائك الأمل
(4/84)
باب مصادر بنات
الأربعة
فاللازم لها الذي لا ينكسر عليه أن يجيء على مثال فعللةٍ. وكذلك كل شيء
ألحق من بنات الثلاثة بالأربعة، وذلك نحو: دحرجته دحرجةً، وزلزلته
زلزلةً، وحوقلته حوقلةً، وزحولته زحولةً.
وإنما ألحقوا الهاء عوضاً من الألف التي تكون قبل آخر حرف، وذلك ألف
زلزالٍ. وقالوا زلزلته زلزالاً، وقلقلته قلقالاً، وسرهفته سرهافاً،
كأنهم أرادوا مثال الإعطاء والكذاب، لأن مثال دحرجت وزنتها على أفعلت
وفعلت.
وقد قالوا الزلزال والقلقال، ففتحوا كما فتحوا أول التفعيل، فكأنهم
حذفوا الهاء وزادوا الألف في الفعللة. والفعللة ههنا بمنزلة المفاعلة
في فاعلت، والفعلال بمنزلة الفيعال في فاعلت، وتمكنهما ههنا كتمكن ذينك
هناك.
وأما ما لحقته الزيادة من بنات الأربعة وجاء على مثال استفعلت. وما لحق
من بنات الثلاثة ببنات الأربعة، فإن مصدره يجيء على مثال استفعلت. وذلك
احرنجمت احرنجاماً، واطمأننت اطمئناناً. والطمأنينة والقشعريرة ليس
واحدٌ منهما بمصدر على اطمأننت واقشعررت، كما أن النبات ليس
(4/85)
بمصدر على أنبت، فمنزلة اقشعررت من
القشعريرة واطمأننت من الطمأنينة، بمنزلة أنبت من النبات.
باب نظائر ضربته ضربة
ورميته رمية من هذا الباب
فنظير فعلت فعلةً من هذه الأبواب أن تقول: أعطيت إعطاءةً، وأخرجت
إخراجةً. فإنما تجيء بالواحدة على المصدر اللازم للفعل.
ومثل ذلك افتعلت افتعالةً وما كان على مثالها، وذلك قولك: احترزت
اخترازةً واحدةً، وانطلقت انطلاقةً واحدةً، واستخرجت استخراجةً واحدةً.
وما جاء على مثاله وزنته بمنزلته، وذلك قولك: اقعنسس اقعنساسةً،
واغدودن اغديدانةً. وكذلك جميع هذا.
وفعلت بهذه المنزلة، تقول: عذبته تعذيبةً، وروحته ترويحةً.
والتفعل كذلك، وذلك قولهم: تقلبت تقلبةً واحدةً.
وكذلك التفاعل، تقول: تغافل تغافلةً واحدةً.
وأما فاعلت فإنك إن أردت الواحدة قلت: قاتلته مقاتلةً، وراميته
مراماةً؛ تجيء بها على المصدر اللازم الأغلب. فالمقاتلة ونحوها بمنزلة
الإقالة والاستغاثة؛ لأنك لو أردت الفعلة في هذا لم تجاوز لفظ المصدر،
لأنك تريد فعلةً واحدةً فلابد من علامة التأنيث.
(4/86)
ولو أردت الواحدة من اجتورت فقلت تجاورةٌ
جاز، لأن المعنى واحد، فكما جاز تجاوراً كذلك يجوز هذا. وكذلك يجوز
جميع هذا الباب.
ومثل ذلك يدعه تركةً واحدةً.
باب نظير ما ذكرنا من بنات الأربعة
وما ألحق ببنائها من بنات الثلاثة
فتقول: دحرجته دحرجةً واحدة، وزلزلته زلزلةً واحدة، تجيء بالواحدة على
المصدر الأغلب الأكثر.
وأما ما لحقته الزوائد فجاء على مثال استفعلت فإن الواحدة تجيء على
مثال استفعالةٍ، وذلك قولك: احرنجمت احرنجامةً، واقشعررت اقشعرارة.
باب اشتقاقك الأسماء
لمواضع بنات الثلاثة التي ليست فيها زيادة من لفظها
أما ما كان من فعل يفعل فإن موضع الفعل مفعلٌ، وذلك قولك: هذا محبسنا،
ومضربنا، ومجلسنا، كأنهم بنوه على بناء يفعل، فكسروا العين كما كسروها
في يفعل.
فإذا أردت المصدر بنيته على مفعلٍ، وذلك قولك: إن في ألف درهم لمضرباً؛
أي لضرباً. قال الله عز وجل: " أين المفر "، يريد: أين الفرار. فإذا
أراد المكان قال: المفر، كما قالوا: المبيت حين أرادوا المكان
(4/87)
لأنها من بات يبيت. وقال الله عز وجل: "
وجعلنا النهار معاشا "، أي جعلناه عيشاً.
وقد يجيء المفعل يراد به الحين. فإذا كان من فعل يفعل بنيته على مفعلٍ،
تجعل الحين الذي فيه الفعل كالمكان. وذلك قولك: أتت الناقة على مضربها،
وأتت على منتجها، إنما تريد الحين الذي فيه النتاج والضرب.
وربما بنوا المصدر على المفعل كما بنوا المكان عليه، إلا أن تفسير
الباب وجملته على القياس كما ذكرت لك، وذلك قولك: المرجع، قال الله عز
وجل: " إلى ربكم مرجعكم "، أي رجوعكم. وقال: " ويسئلونك عن المحيض قل
هو أذًى فاعتزلوا النساء في المحيض "، أي في الحيض.
وقالوا: المعجز يريدون العجز. وقالوا: المعجز على القياس، وربما ألحقوا
هاء التأنيث فقالوا: المعجزة والمعجزة، كما قالوا: المعيشة.
وكذلك أيضاً يدخلون الهاء في المواضع. قالوا: المزلة أي موضع زلل.
وقالوا: المعذرة والمعتبة، فألحقوا الهاء وفتحوا على القياس.
(4/88)
وقالوا: المصيف، كما قالوا: أتت الناقة على
مضربها، أي على زمان ضرابها، وقالوا: المشتاة فأنثوا وفتحوا، لأنه من
يفعل.
وقالوا: المعصية والمعرفة كقيلهم: المعجزة.
وربما استغنوا بمفعلةٍ عن غيرها، وذلك قولهم: المشيئة والمحمية.
وقالوا: المزلة.
وقال الراعي:
بُنِيَتْ مَرافِقُهنّ فوق مزلةٍ ... لا يَستطيعُ بها القُرادُ مَقيلا
يريد: قيلولةً.
وأما ما كان يفعل منه مفتوحاً فإن اسم المكان يكون مفتوحا، كما كان
الفعل مفتوحا. وذلك قولك: شرب يشرب. وتقول للمكان مشربٌ. ولبس يلبس،
والمكان الملبس. وإذا أردت المصدر فتحته أيضاً كما فتحته في يفعل، فإذا
جاء مفتوحاً في المكسور فهو في المفتوح أجدر أن يفتح.
وقد كسر المصدر كما كسر في الأول، قالوا: علاه المكبر.
ويقولون المذهب للمكان. وتقول: أردت مذهباً أي ذهاباً فتفتح، لأنك
تقول: يذهب، فتفتح.
(4/89)
ويقولون: محمدةٌ، فأنثوا كما أنثوا الأول
وكسروا كما كسروا المكبر.
وأما ما كان يفعل منه مضموماً فهو بمنزلة ما كان يفعل منه مفتوحاً، ولم
يبنوه على مثال يفعل لأنه ليس في الكلام مفعلٌ، فلما لم يكن إلى ذلك
سبيل وكان مصيره إلى إحدى الحركتين ألزموه أخفهما. وذلك قولك: قتل يقتل
وهذا المقتل. وقالوا: يقوم وهذا المقام. وقالوا: أكره مقال الناس
وملامهم. وقالوا: الملامة والمقالة فأنثوا. وقالوا: المرد والمكر،
يريدون الرد والكرور. وقالوا: المدعاة والمأدبة، إنما يريدون الدعاء
إلى الطعام.
وقد كسروا المصدر في هذا كما كسروا في يفعل، قالوا: أتيتك عند مطلع
الشمس، أي عند طلوع الشمس. وهذه لغة بني تميم، وأما أهل الحجاز
فيفتحون.
وقد كسروا الأماكن في هذا أيضاً، كأنهم أدخلوا الكسر أيضاً كما أدخلوا
الفتح. وذلك: المنبت، والمطلع لمكان الطلوع. وقالوا: البصرة مسقط رأسي،
للموضع. والسقوط المسقط.
وأما المسجد فإنه اسم للبيت، ولست تريد به موضع السجود وموضع جبهتك، لو
أردت ذلك لقلت مسجدٌ.
(4/90)
ونظير ذلك: المكحلة، والمحلب، والميسم، لم
ترد موضع الفعل، ولكنه اسمٌ لوعاء الكحل. وكذلك المدق صار اسماً له
كالجلمود. وكذلك المقبرة، والمشرقة، وإنما أراد اسم المكان. ولو أراد
موضع الفعل لقال مقبرٌ، ولكنه اسم بمنزلة المسجد.
ومثل ذلك: المشربة، وإنما هو اسمٌ لها كالغرفة. وكذلك المدهن.
والمظلمة بهذه المنزلة، إنما هو اسم ما أخذ منك، ولم ترد مصدراً ولا
موضع فعل.
وقالوا: مضربة السيف، جعلوه اسماً للحديدة، وبعض العرب يقول: مضربةٌ،
كما يقول: مقبرة ومشربة، فالكسر في مضربةٍ كالضم في مقبرةٍ. والمنخر
بمنزلة المدهن كسروا الحرف كما ضم ثمة.
وقالوا: المسربة، فهو الشعر الممدود في الصدر وفي السرة، بمنزلة
المشرقة، لم ترد مصدراً ولا موضعاً لفعل، وإنما هو اسم مخط الشعر
الممدود في الصدر.
وكذلك: المأثرة، والمكرمة، والمأدبة. وقد قال قوم معذرةٌ كالمأدبة،
ومثله: " فنظرةٌ إلى ميسرةٍ ".
(4/91)
ويجيء المفعل اسماً كما جاء في المسجد والمنكب، وذلك: المطبخ، والمربد.
وكل هذه الأبنية تقع اسماً للتي ذكرنا من هذه الفصول لا لمصدرٍ ولا
لموضع العمل. |