الكتاب لسيبويه

الجزء الرابع
بسم الله الرحمن الرحيم
هذا باب بناء الأفعال
التي هي أعمال تعداك إلى غيرك وتوقعها به ومصادرها
فالأفعال تكون من هذا على ثلاثة أبنية: على فعل يفعل، وفعل يفعل، وفعل يفعل. ويكون المصدر فعلاً، والاسم فاعلا.
فأما فعل يفعل ومصدره فقتل يقتل قتلاً، والاسم قاتل؛ وخلقه يخلقه خلقاً، والاسم خالق؛ ودقه يدقه دقاً، والاسم داقٌّ.
وأما فعل يفعل فنحو: ضرب يضرب ضرباً وهو ضاربٌ؛ وحبس يحبس حبساً، وهو حابس.
وأما فعل يفعل ومصدره والاسم فنحو: لحسه يلحسه لحساً وهو لاحسٌ، ولقمه يلقمه لقماً وهو لاقمٌ، وشربه يشربه شرباً وهو شاربٌ، وملجه يملجه ملجاً وهو مالج.
وقد جاء بعض ما ذكرنا من هذه الأبنية على فعول. وذلك: لزمه يلزمه لزوماً، ونهكه ينهكه نهوكاً، ووردت وروداً، وجحدته جحوداً، شبهوه

(4/5)


بجلس جلوساً، وقعد يقعد قعوداً، وركن يركن ركوناً، لأن بناء الفعل واحد.
وقد جاء مصدر فعل يفعل وفعل يفعل على فعلٍ، وذلك: حلبها يحلبها حلبا، وطردها يطردها طرداً، وسرق يسرق سرقاً.
وقد جاء المصدر أيضاً على فعل، وذلك: خنقه يخنقه خنقاً، وكذب يكذب كذباً، وقالوا: كذاباً، جاءوا به على فعالٍ، كما جاء على فعولٍ. ومثله حرمه يحرمه حرماً، وسرقه يسرقه سرقاً. وقالوا: عمله يعمله عملا، فجاء على فعلٍ كما جاء السرق والطلب. ومع ذا أن بناء فعله كبناء فعل الفزع ونحوه، فشبه به.
وقد جاء من مصادر ما ذكرنا على فعلٍ، وذلك نحو: الشرب والشغل. وقد جاء على فعلٍ نحو: فعله فعلاً، ونظيره: قاله قيلاً. وقالوا: سخطه سخطاً، شبهوه بالغضب حين اتفق البناء وكان المعنى نحواً منه، يدلك ساخطٌ وسخطته أنه مدخل في باب الأعمال التي ترى وتسمع، وهو موقعه بغيره.

(4/6)


وقالوا: وددته وداً، مثل شربته شرباً. وقالوا: ذكرته ذكراً كحفظته حفظا.
وقالوا: ذكراً كما قالوا شربا.
وقد جاء شيء من هذه الأشياء المتعدية التي هي على فاعلٍ على فعيلٍ، حين لم يريدوا به الفعل، شبهوه بظريفٍ ونحوه، قالوا: ضريب قداحٍ، وصريمٌ للصارم. والضريب: الذي يضرب بالقداح بينهم.
وقال طريف بن تميم العنبري:
أوَ كُلَّمَا وَرَدَتْ عُكاظَ قبيلةٌ ... بعثُوا إليَّ عَريفَهمْ يَتوَسَّمُ
يريد: عارفهم.
وقد جاء بعض مصادر ما ذكرنا على فعال كما جاء على فعولٍ، وذلك نحو: كذبته كذاباً، وكتبته كتاباً، وحجبته حجاباً، وبعض العرب يقول: كتبا على القياس. ونظيره: سقته سياقاً، ونكحها نكاحاً، وسفدها سفاداً. وقالوا: قرعها قرعاً.

(4/7)


وقد جاء بعض مصادر ما ذكرنا على فعلانٍ، وذلك نحو: حرمه يحرمه حرمانا، ووجد الشيء يجده وجداناً. ومثله أتيته آتيه إتيانا، وقد قالوا: أتياً على القياس.
وقالوا: لقيه لقياناً، وعرفه عرفاناً. وثل هذا: رئمة رئمانا وقالوا: رأما.
وقالوا: حسبته حسبانا، ورضيته رضواناً. وقد قالوا: سمعته سماعاً، فجاء على فعالٍ كما جاء على فعولٍ في لزمته لزوماً.
وقالوا: غشيته غشياناً، كما كان الحرمان ونحوه.
وقد جاء على فعلانٍ نحو الشكران والغفران. وقالوا: الشكور كما قالوا: الجحود. فإنما هذا الأقل نوادر تحفظ عن العرب ولا يقاس عليها، ولكن الأكثر يقاس عليه. وقالوا: الكفر كالشغل، وقالوا: سألته سؤالا، فجاءوا به على فعالٍ كما جاءوا بفعالٍ.
وقالوا: نكيت العدو نكاية، وحميته حماية، وقالوا: حمياً على القياس. وقالوا: حميت المريض حميةً كما قالوا: نشدته نشدةً. وقالوا: الفعلة نحو الرحمة واللقية. ونظيرها: خلته خيلةً. وقالوا: نصح نصاحة، وقالوا:

(4/8)


غلبه غلبةً كما قالوا: نهمةٌ، وقالوا: الغلب كما قالوا: السرق. وقالوا: ضربها الفحل ضراباً كالنكاح، والقياس ضربا، ولا يقولونه كما لا يقولون نكحاً وهو القياس.
وقالوا: دفعها دفعاً كالقرقع، وذقطها ذقطاً، وهو النكاح ونحوه من باب المباضعة.
وقالوا: سرقةٌ كما قالوا: فطنةٌ.
وقالوا: لويته حقه لياناً على فعلانٍ، وقالوا: رحمته رحمةً كالغلبة.
وأما كل عملٍ لم يتعد إلى منصوب. فإنه يكون فعله على ما ذكرنا في الذي يتعدى، ويكون الاسم فاعلاً والمصدر يكون فعولاً، وذلك نحو: قعد قعوداً وهو قاعد، وجلس جلوساً وهو جالسٌ، وسكت سكوتاً وهو ساكتٌ، وثبت ثبوتاً وهو ثابتٌ، وذهب ذهوبا وهو ذاهبٌ. وقالوا: الذهاب والثبات، فبنوه على فعال كما بنوه على فعولٍ، والفعول فيه أكثر. وقالوا: ركن يركن ركوناً وهو راكنٌ.
وقد قالوا في بعض مصادر هذا فجاء به على فعلٍ كما جاءوا ببعض مصادر الأول على فعولٍ، وذلك قولك: سكت يسكت سكتاً، وهدأ الليل يهدأ هدءاً، وعجز عجزاً، وحرد يحرد حرداً وهو حاردٌ. وقولهم فاعلٌ يدلك على أنهم إنما جعلوه من هذا الباب وتخفيفهم الحرد.
وقالوا: لبث لبثاً فجعلوه بمنزلة عمل عملاً وهو لابثٌ، يدلك على أنه من هذا الباب. وقالوا: مكث يمكث مكوثاً، كما قالوا: قعد يقعد قعوداً:

(4/9)


وقال بعضهم: مكث، شبهوه بظرف لأنه فعل لا يتعدى كما أن هذا فعلٌ لا يتعدى، وقالوا: المكث كما قالوا: الشغل وكما قالوا: القبح، إذ كان بناء الفعل واحداً.
وقال بعض العرب: مجن يمجن مجناً، كما قالوا: الشغل. وقالوا: فسق فسقاً كما قالوا فعل فعلاً، وقالوا: حلف حلفاً كما قالوا: سرق سرقاً.
وأما دخلته دخولاً وولجته ولوجاً فإنما هي ولجت فيه ودخلت فيه؛ ولكنه ألقي في استخفافا كما قالوا: نبئت زيداً، وإنما يريد نبئت عن زيدٍ.
ومثل الحارد والحرد: حميت الشمس تحمي حمياً، وهي حاميةٌ.
وقالوا: لعب يلعب لعبا، وضحك يضحك ضحكاًن كما قالوا الحلف.
وقالوا: حج حجاً كما قالوا: ذكر ذكراً.
وقد جاء بعضه على فعالٍ كما جاء على فعالٍ وفعولٍ، قالوا: نعس نعاساً، وعطس عطاساً، ومزح مزاحاً.
وأما السكات فهو داءٌ كما قالوا: العطاس. فهذه الأشياء لا تكون حتى تريد الداء، جعل كالنحاز والسهام، وهما داءان، وأشباههما.
وقالوا: عمرت الدار عمارة، فأنثوا كما قالوا: النكاية، وكما قالوا: قصرت الثوب قصارة حسنة.

(4/10)


وأما الوكالة والوصاية والجراية ونحوهن فإنما شبهن بالولاية لأن معناهن القيام بالشيء. وعليه الخلافة والإمارة والنكابة، والعرافة، وإنما أردت أن تخبر بالولاية.
ومثل ذلك الإيالة، والعياسة والسياسة. وقد قالوا: العوس.
كما أنك قد تجيء ببعض ما يكون من داءٍ على غير فعالٍ وبابه فعالٌ، كما قالوا: الحبط، والحج، والغدة. وهذا النحو كثير.
وقالوا: التجارة والخياطة والقصابة، وإنما أرادوا أن يخبروا بالصنعة التي يليها، فصار بمنزلة الوكالة. وكذلك السعاية، إنما أخبر بولايته كأنه جعله الأمر الذي يقوم به.
وقالوا: فطنةٌ كما قالوا: سرقةٌ.
وقالوا: رجح رجاحناً، كما قالوا: الشكران والرضوان.
وقالوا في أشياء قرب بعضها من بعض فجاءوا به على فعالٍ، وذلك نحو الصراف في الشاء، لأنه هياجٌ، فشبه به كما شبه ما ذكرنا بالولاية، لأن هذا الأصل كما أن ذاك هو الأصل.

(4/11)


ومثله الهباب والقراع، لأنه يهيج فيذكر. وقالوا: الضبعة كما قالوا: العوس.
وجاءوا بالمصادر حين أرادوا انتهاء الزمان على مثال فعالٍ، وذلك: الصرام والجزاز، والجداد، والقطاع، والحصاد.
وربما دخلت اللغة في بعض هذا فكان فيه فعالٌ وفعالٌ، فإذا أرادوا الفعل على فعلت قالوا: حصدته حصداً، وقطعته قطعاً، إنما تريد العمل لا انتهاء الغاية. وكذلك الجز ونحوه.
ومما تقاربت معانية فجاءوا به على مثالٍ واحد نحو الفرار والشراد والشماس والنفار والطماح، وهذا كله مباعدة، والضراح إذا رمحت برجلها. يقال رمحت وضرحت، فقالوا: الضراح شبهوه بذلك. وقالوا: الشباب، شبهوه بالشماس.
وقالوا: النفور والشموس، والشبوب والشبيب، من شب الفرس.
وقالوا: الخراط كما قالوا: الشراد والشماس، وقالوا: الخلاء والحران. والخلاء: مصدر من خلأت الناقة أي حرنت. وقد قالوا: خلاءٌ لأن هذا فرق وتباعدٌ.
والعرب مما يبنون الأشياء إذا تقاربت على بناء واحد، ومن كلامهم أن يدخلوا في تلك الأشياء غير ذلك البناء، وذلك نحو: النفور، والشبوب والشب، فدخل هذا في ذا الباب كما دخل الفعول في فعلته، والفعل في فعلت.

(4/12)


وقالوا: العضاض شبهوه بالحران والشباب، ولم يريدوا به المصدر من فعلته فعلاً. ونظير هذا فيما تقاربت معانيه قولهم: جعلته رفاتاً وجذاذاً. ومثله الحطام والفضاض والفتات. فجاء هذا على مثالٍ واحد حين تقاربت معانيه.
ومثل هذا ما يكون معناه نحو معنى الفضالة، وذلك نحو القلامة، والقوارة، والقراضة، والنفاية، والحسالة، والكساحة، والجرامة وهو ما يصرم من النخل، والحثالة. فجاء هذا على بناءٍ واحد لما تقاربت معانيه.
ونحوه مما ذكرنا: العمالة والخباسة، وإنما هو جزاء ما فعلت، والظلامة نحوها.
ونحوٌ من ذا: الكظة والملأة والبطنة ونحو هذا، لأنه في شيءٍ واحد.
وأما الوسم فإنه يجيء على فعالٍ، نحو: الخباط والعلاط والعراض والجناب والكشاح. فالأثر يكون على فعالٍ والعمل يكون فعلاً، كقولهم: وسمت وسماً، وخبطت البعير خبطاً، وكشحته كشحاً. وأما المشط والدلو والخطاف فإنما أرادوا صورة هذه الأشياء أنها وسمت به، كأنه قال: عليها صورة الدلو.
وقد جاء على غير فعالٍ، نحو القرمة والجرف، اكتفوا بالعمل، يعني

(4/13)


المصدر والفعلة فأوقعوهما على الأثر. الخباط على الوجه، والعلاط والعراض على العنق، والجناب على الجنب، والكشاح على الكشح.
ومن المصادر التي جاءت على مثال واحدٍ حين تقاربت المعاني قولك: النزوان، والنقزان؛ وإنما هذه الأشياء في زعزعة البدن واهتزازه في ارتفاع. ومثله العسلان والرتكان.
وقد جاء على فعالٍ نحو النزاء والقماص، كما جاء عليه الصوت نحو الصراخ والنباح، لأن الصوت قد تكلف فيه من نفسه ما تكلف من نفسه في النزوان ونحوه. وقالوا: النزو والنقز، كما قالوا: السكت والقفز والعجز، لأن بناء الفعل واحدٌ لا يتعدى كما أن هذا لا يتعدى.
ومثل هذا الغليان، لأنه زعزعة وتحرك. ومثله الغثيان، لأنه تجيش نفسه وتثورٌ. ومثله الخطران واللمعان، لأن هذا اضطراب وتحرك. ومثل ذلك اللهبان والصخدان، والوهجان، لأنه تحرك الحر وثؤوره، فإنما هو بمنزلة الغليان.
وقالوا: وجب قلبه وجيباًن ووجف وجيفاً، ورسم البعير رسيماً، فجاء على فعيلٍ كما جاء على فعال، وكما جاء فعيلٌ في الصوت كما جاء فعالٌ. وذلك نحو الهدير، والضجيج، والقليخ، والصهيل، والنهيق، والشحيج، فقالوا: قلخ البعير يقلخ قليخاً، وهو الهدير.

(4/14)


وأكثر ما يكون الفعلان في هذا الضرب، ولا يجيء فعله يتعدى الفاعل، إلا أن يشذ شيءٌ، نحو: شنئته شنآناً.
وقالوا: اللمع والخطر، كما قالوا: الهدر. فما جاء منه على فعلٍ فقد جاء على الأصل وسلموه عليه.
وقد جاءوا بالفعلان في أشياء تقاربت. وذلك: الطوفان، والدوران، والجولان. شبهوا هذا حيث كان تقلباً وتصرفاً بالغليان والغثيان، لأن الغليان أيضاً تقلب ما في القدر وتصرفه.
وقد قالوا: الجول والغلي، فجاءوا به على الأصل.
وقالوا: الحيدان والميلان فأدخلوا الفعلان في هذا كما أن ما ذكرناه من المصادر قد دخل بعضها على بعض.
وهذه الأشياء لا تضبط بقياس ولا بأمر أحكم من هذا. وهكذا مأخذ الخليل.
وقالوا: وثب وثباً ووثوباً، كما قالوا: هدأ هدءً وهدوءاً. وقالوا:

(4/15)


رقص رقصاً، كما قالوا: طلب طلباً. ومثله خب يخب خبباً. وقالوا: خبيباً كما قالوا: الذميل والصهيل.
وقد جاه شيءٌ من الصوت على الفعلة، نحو الرزمة، والجلبة، والحدمة والوحاة.
وقالوا: الطيران كما قالوا: النزوان. وقالوا: نفيان المطر، شبهوه بالطيران لأنه ينفي بجناحيه، فالسحاب تنفيه أول شيء رشاً أو برداً. ونفيان الريح أيضاً: التراب. وتنفي المطر: تصرفه كما يتصرف التراب.
ومما جاءت مصادره على مثالٍ لتقارب المعاني قولك: يئست يأساً ويآسةً وسئمت سأماً وسآمةً، وزهدت زهداً وزهادةٌ. فإنما جملة هذا لترك الشيء. وجاءت الأسماء على فاعل لأنها جعلت من باب شربت وركبت.
وقالوا: زهد كما قالوا: ذهب، وقالوا: الزهد كما قالوا: المكث.
وجاء أيضاً ما كان من الترك والانتهاء على فعل يفعل فعلاً، وجاء الاسم على فعلٍ. وذلك أجم يأجم أجماً وهو أجمٌ، وسنق يسنق سنقاً وهو سنقٌ، وغرض يغرض غرضا وهو غرضٌ.
وجاءوا بضد الزهد والغرض على بناء الغرض، وذلك هوى يهوى هوى وهو هوٍ.
وقالوا: قنع يقنع قناعةٌ، كما قالوا: زهد يزهد زهادةً. وقالوا قانعٌ، كما

(4/16)


قالوا: زاهدٌ، وقنعٌ كما قالوا: غرضٌ، لأن بناء الفعل واحد، وأنه ضد ترك الشيء.
ومثل هذا في التقارب بطن يبطن بطناً وهو بطينٌ وبطنٌ، وتبن تبناً وهو تبن، وثمل يثمل ثملا وهو ثملٌ. وقالوا: طبن يطبن طبناً وهو طبنٌ.

باب ما جاء من الأدواء
على مثال وجع يوجع وجعاً وهو وجع، لتقارب المعاني وذلك: حبط يحبط حبطاً وهو حبطٌ، وحبج يحبج حبجاً وهو حبجٌ.
وقد يجيىء الاسم فعيلاً نحو مرض يمرض مرضاً وهو مريض. وقالوا: سقم يسقم سقماً وهو سقيمٌ، وقال بعض العرب: سقم، كما قالوا: كرم كرماً وهو كريمٌ، وعسر عسراً وهو عسيرٌ. وقالوا: السقم كما قالوا: الحزن. وقالوا: حزن حزناً وهو حزينٌ، جعلوه بمنزلة المرض لأنه داء. وقالوا: الحزن كما قالوا: السقم وقالوا في مثل وجع يوجع في بناء الفعل والمصدر وقرب المعنى: وجل يوجل وجلاً وهو وجلٌ.

(4/17)


ومثله من بنات الياء ردى يردي ردًي وهو ردٍ، ولوى يلوي لوًي وهو لوٍ، ووجى يوجي وجًى وهو وجٍ، وعمى قلبه يعمى عمًى وهو عمٍ. إنما جعله بلاء أصاب قلبه.
وجاء ما كان من الذعر والخوف على هذا المثال، لأنه داء قد وصل إلى فؤاده كما وصل ما ذكرنا إلى بدنه، وذلك قولك: فزعت فزعاً وهو فزعٌ، وفرق يفرق فرقاً وهو فرقٌ، ووجل يوجل وجلاً وهو وجلٌ، ووجر وجراً وهو وجرٌ. وقالوا: أوجر فأدخلوا أفعل ههنا على فعل لأن فعلاً وأفعل قد يجتمعان، كما يجتمع فعلان وفعلٌ. وذلك قولك: شعثٌ وأشعث، وحدبٌ وأحدبٌ، وجربٌ وأجرب. وهما في المعنى نحوٌ من الوجع.
وقالوا: كدرٌ وأكدر، وحمقٌ وأحمق، وقعسٌ وأقعس. فأفعل دخل في هذا الباب كما دخل فعلٌ في أخشن وأكدر، وكما دخل فعلٌ في باب فعلان.
ويقولون: خشنٌ وأخشن.

(4/18)


واعلم أن فرقته وفزعته إنما معناهما فرقت منه، ولكنهم حذفوا منه كما قالوا: أمرتك الخير، وإنما يريدون بالخير.
وقالوا: خشيته خشيةً وهو خاشٍ، كما قالوا: رحم وهو راحمٌ فلم يجيئوا باللفظ كلفظ ما معناه، ولكن جاءوا بالمصدر والاسم على ما بناء فعله كبناء فعله.
وجاءوا بضد ما ذكرنا على بنائه. قالوا: أشر يأشر أشراً وهو أشرٌ، وبطر يبطر بطراً وهو بطرٌ، وفرح يفرح فرحاً وهو فرحٌ، وجذل يجذل جذلاً وهو جذلٌ. وقالوا: جذلان، كما قالوا: كسلانٌ وكسلٌ، وسكران وسكرٌ.
وقالوا: نشط ينشط وهو نشيطٌ، كما قالوا: الحزين. وقالوا: النشاط، كما قالوا: السقام. وجعلوا السقام والسقيم كالجمال والجميل.
وقالوا: سهك يسهك سهكاً وهو سهكٌ، وقنم قنماً وهو قنمٌ، جعلوه كالداء لأنه عيبٌ. وقالوا: قنةٌ وسهكةٌ.
وقالوا: عقرت عقراً، كما قالوا: سقمت سقماُ. وقالوا: عاقرٌ كما قالوا: ماكثٌ.
وقالوا: خمط خمطاً وهو خمطٌ، في ضد القنم. والقنم: السهك.

(4/19)


وقد جاء على فعل يفعل وهو فعلٌ وهو فعلٌ أشياء تقاربت معانيها، لأن جملتها هيجٌ. وذلك قولهم: أرج يأرج أرجاً وهو أرجٌ، وإنما أراد تحرك الريح وسطوعها. وحمس يحمس حمساً وهو حمسٌ، وذلك حين يهيج ويغضب. وقالوا: أحمس كما قالوا: أوجر، وصار أفعل ههنا بمنزلة فعلان وغضبان.
وقد يدخل أفعل على فعلان كما دخل فعلٌ عليهما فلا يفارقهما في بناء الفعل والمصدر كثيراً، ولشبه فعلان بمؤنث أفعل. وقد بينا ذلك فيما ينصرف وما لا ينصرف.
وزعم أبو الخطاب أنهم يقولون: رجلٌ أهيم وهيمان، يريدون شيئاً واحداً وهو العطشان.
وقالوا: سلس يسلس سلساً وهو سلسٌ، وقلق يقلق قلقاً وهو قلقٌ، ونزق ينزق نزقاً وهو نزقٌ، جعلوا هذا حيث كان خفةً وتحركاً مثل الحمس والأرج.
ومثله: غلق يغلق غلقاً، لأنه طيشٌ وخفةٌ. وكذلك الغلق في غير الأناسي لأنه قد خف من مكانه.

(4/20)


وقد بنوا أشياء على فعل يفعل فعلاً وهو فعلٌ، لتقاربها في المعنى، وذلك ما تعذر عليك ولم يسهل. وذلك: عسر يعسر عسراً وهو عسرٌ، وشكس يشكس شكساً وهو شكسٌ. وقالوا: الشكاسة، كما قالوا: السقامة. وقالوا: لقس يلقس لقساً وهو لقسٌ، ولحز يلحز لحزاً وهو لحزٌ. فلما صارت هذه الأشياء مكروهةً عندهم صارت بمنزلة الأوجاع، وصار بمنزلة ما رموا به من الأدواء.
وقد قالوا: عسر الأمر وهو عسيرٌ، كما قالوا: سقم وهو سقيمٌ. وقالوا: نكد ينكد نكداً وهو نكدٌ، وقالوا: أنكد كما قالوا: أجرب وجربٌ. وقالوا: لحج يلحج لحجاً وهو لحجٌ، لأن معناه قريبٌ من معنى العسر.

باب فعلان ومصدره وفعله
أما ما كان من الجوع والعطش فإنه أكثر ما يبنى في الأسماء على فعلان ويكون المصدر الفعل، ويكون الفعل على فعل يفعل. وذلك نحو: ظمىء يظمأ ظمأً وهو ظمآن، وعطش يعطش عطشاً وهو عطشان، وصدى يصدى صدىً وهو صديان. وقالوا: الظماءة كما قالوا: السقامة، لأن المعنيين قريبٌ، كلاهما ضررٌ على النفس وأذى لها.
وغرث يغرث غرثاً وهو غرثان، وعله يعله علها وهو علهان، وهو شدة الغرث والحرص على الأكل.
وتقول: علهٌ كما تقول: عجلٌ، ومع هذا قرب معناه من وجع.

(4/21)


وقالوا: طوى يطوي طوى وهو طيان. وبعض العرب يقول: الطوى فيبينه على فعلٍ، لأن زنة فعلٍ وفعلٍ شيء واحد، وليس بينهما إلا كسرة الأول.
وضد ما ذكرنا يجيء على ما ذكرنا، قالوا: شبع يشبع شبعا وهو شبعان، كسروا الشبع كما قالوا: الطوى، وشبهوه بالكبر والسمن حيث كان بناء الفعل واحداً.
وقالوا: روى يروي ريا وهو ريان، فأدخلوا الفعل في هذه المصادر كما أدخلوا الفعل فيها حين قالوا: السكر.
ومثله خزيان وهو الخزي للمصدر، وقالوا: الخزى في المصدر كما قالوا: العطش، اتفقت المصادر كاتفاق بناء الفعل والاسم.
وقد جاء شيءٌ من هذا على خرج يخرج، قالوا: سغب يسغب سغبا وهو ساغبٌ، كما قالوا: سلف يسفل سفلا وهو سافلٌ. ومثله جاع يجوع جوعا وهو جائع، وناع ينوع نوعا وهو نائعٌ. وقالوا: جوعان فأدخلوها ههنا على فاعل لأن معناه غرثان.
ومثل ذلك أيضاً من العطش: هام يهيم هيماً وهو هائمٌ، لأن معناه عطشان.
ومثل هذا قولهم: ساغبٌ وسغابٌ، وجائعٌ وجياعٌ، وهائمٌ وهيامٌ،

(4/22)


لما كان المعنى معنى غراث وعطاش بني على فعال كما أدخل قوم عليه فعلان إذ كان المعنى معنى غراثٍ وعطاشٍ. وقالوا: سكر يسكر سكراً وسكرا، وقالوا: سكران، لما كان من الامتلاء جعلوه بمنزلة شبعان. ومثل ذلك ملآن.
وزعم أبو الخطاب أنهم يقولون: ملئت من الطعام، كما يقولون: شبعت وسكرت. وقالوا: قدحٌ نصفان وجمجمةٌ نصفى، وقدحٌ قربان وجمجمةٌ قربى، جعلوا ذلك بمنزلة الملآن لأن ذلك معناه معنى الامتلاء، لأن النصف قد امتلأ والقربان ممتلىءٌ أيضاً إلى حيث بلغ. ولم نسمعهم قالوا: قرب ولا نصف، اكتفوا بقارب ونصف، ولكنهم جاءوا به كأنهم يقولون: قرب ونصف، كما قالوا: مذاكير ولم يقولوا: مذكير ولا مذكارٌ، وكما قالوا: أعزل وعزلٌ ولم يقولوا: أعازل. وقالوا: رجلٌ شههوان وشهوى لأنه بمنزلة الغرثان والغرثى.
وزعم أبو الخطاب أنهم يقولون: شهيت شهوة، فجاءوا بالمصدر على فعلة، كما قالوا: حرت تحار حيرة وهو حيران.
وقد جاء فعلان وفعلى في غير هذا الباب: قالوا خزيان وخزيا، ورجلان ورجلى، وقالوا عجلان وعجلى. وقد دخل في هذا الباب فاعلٌ كما دخل فعلٌ فشبهوه، بسخط يسخط سخطاً وهو ساخطٌ، كما شبهوا فعلٌ

(4/23)


يفزع يفزع فزعا وهو فزعٌ؛ وذلك قولهم، نادمٌ وراجلٌ وصادٍ.
وقالوا: غضبان وغضبى، وقالوا: غضب يغضب غضبا، جعلوه كعطش يعطش عطشا وهو عطشان، لأن الغضب يكون في جوفه كا يكون العطش.
وقالوا: ملآنةٌ، شبهوه بخمصانةٍ وندمانةٍ.
وقالوا: ثكل يثكل ثكلا، وهو ثكلان وثكلى، جعلوه كالعطش، لأنه حرارةٌ في الجوف.
ومثله لهفان ولهفى، ولهف يلهف لهفا. وقالوا: حزنان وحزنى، لأنه غمٌّ في جوفه وهو كالثكل، لأن الثكل من الحزن. والندمان مثله وندمى.
وأما جربان وجربى فإنه لما كان بلاء أصيبوا به بنوه على هذا كما بنوه على أفعل وفعلاء، نحو أجرب وجرباء.
وقالوا: عبرت تعبر عبرا، وهي عبرى مثل ثكلى، فالثكل مثل السكر، والعبر مثل العطش. وقالوا: عبرى ما قالوا: ثكلى.
وأما ما كان من هذا من بنات الياء والواو التي هي عينٌ فإنما تجيىء على فعل يفعل معتلة لا على الأصل؛ وذلك عمت تعام عتمةً، وهو عيمان وهي عيمى، جعلوه كالعطش، وهو الذي يشتهي اللبن كما يشتهي ذاك الشراب، وجاءوا بالمصدر على فعلةٍ لأنه كان في الأصل على فعلٍ كما كان العطش ونحوه

(4/24)


على فعلٍ، وكلنهم أسكنوا الياء وأماتوها كما فعلوا ذلك في الفعل، فكأن الهاء عوضٌ من الحركة.
ومثل ذلك: غرت تغار غيرة وهو في المعنى كالغضبان. وقالوا: حرت تحار حيرة، وهو حيران وهي حيرى، هو في المعنى كالسكران لأن كليهما مرتجٌ عليه.

باب ما يبنى على أفعل
أما الألوان فإنها تبنى على أفعل، ويكون الفعل على فعل يفعل، والمصدر على فعلةٍ أكثر. وربما جاء الفعل على فعل يفعل، وذلك قولك: أدم يأدم أدمة، ومن العرب من يقول: أدم يأدم أدمة، وشهب يشهب شهبة، وقهب يقهب قهبة، وكهب يكهب كهبة. وقالوا: كهب يكهب كهبةً، وشهب يشهب شهبةً.
وقالوا: صدىء يصدأ صدأة، وقالوا: أيضاً صدأ، كما قالوا: الغبس. والأغبس: البعير الذي يضرب إلى البياض. وقالوا: الغبسة كما قالوا: الحمرة.
واعلم أنهم يبنون الفعل منه على افعال، نحو اشهاب وادهام وايدام. فهذا لا يكاد ينكسر في الألوان. وإن قلت فيها: فعل يفعل أو فعل يفعل.

(4/25)


وقد يستغنى بأفعال عن فعل وفعل وذلك نحو ارزاق، واخضار واصفار، واحمار، واشراب، وابياض، واسواد. واسود وابيض واخضر واحمر واصفر أكثر في كلامهم، لأنه كثر فحذفوه والأصل ذلك.
وقالوا: الصهوبة، فشبهوا ذلك بأرعن والرعونة.
وقالوا: البياض والسواد، كما قالوا: الصباح والمساء، لأنهما لونان بمنزلتهما، لأن المساء سوادٌ والصباح وضحٌ.
وقد جاء شتى من الألوان على فعل، قالوا: جون ووردٌ، وجاءوا بالمصدر على مصدر بناء أفعل إذ كان المعنى واحدا - يعني اللون - وذلك قولهم: الوردة والجونة.
وقد جاء شيء منه على فعيل، وذلك خصيفٌ، وقالوا: أخصف وهو أقيس. والخصيف: سوادٌ إلى الخضرة. وقد يبنى على أفعل ويكون الفعل على فعل يفعل والمصدر فعلٌ، وذلك ما كان داءً أو عيباً، لأن العيب نحو الداء، ففعلوا ذلك كما قالوا: أجرب وأنكد. وذلك قولهم: عور يعور عوراً وهو أعور، وأدر يأدر أدراً وهو آدر، وشتر يشتر شتراً وهو أشتر، وحبن يحبن حبناً وهو أحبن وصلع يصلع صلعاً وهو أصلع. وقالوا: رجلٌ أجذم وأقطع، وكأن هذا على قطع وجذم وإن لم يتكلم به، كما يقولون شتر واشتر وشترت عينه. فكذلك قطعت يده وجذمت يده. وقد يقال لموضع

(4/26)


القطع: القطعة والقطعة والجذمة والجذمة، والصلعة والصلعة للموضع. وقالوا: امرأةٌ سهاء ورجلٌ أسته فجاءوا به على بناء ضده، وهو قولهم: رجل أرسح ورسحاء، وأخرم وخرماء وهو الخرم، كما قال بعضهم: أهضم وهضماء وهو الهضم.
وقالوا: أغلب أزبر، والأغلب: العظيم الرقبة، والأزبر: العظيم الزبرة، وهو موضع الكاهل على الكتفين. فجاءوا بهذا النحو على أفعل كما جاء على أفعل ما يكرهون.
وقالوا: آذن وأذناء كما قالوا: سكاء. وقالوا: أخلق وأملس وأجرد، كما قالوا: أخشن، فجاءوا بضده على بنائه. وقالوا: الخشنة كما قالوا: الحمرة، وقالوا: الخشونة كما قالوا: الصهوبة.
واعلم أن مؤنث كل أفعل صفة فعلاء، وهي تجري في المصدر والفعل مجرى أفعل، وقالوا: مال يميل وهو مائلٌ وأميل، فلم يجيئوا به على مال يميل وإنما وجه فعل من أميل ميل، كما قالوا: في الأصيد: صيد يصيد صيداً.
وقالوا: شاب يشيب كما قالوا: شاخ يشيخ، وقالوا: أشيب كما قالوا: أشمط، فجاءوا بالاسم على بناء ما معناه كمعناه، وبالفعل على ما هو نحوه أيضاً في المعنى.

(4/27)


وقالوا: أشعر، كما قالوا: أجرد للذي لا شعر عليه، وقالوا: أزب كما قالوا: أشعر. فالأجرد بمنزلة الأرسح.
وقالوا: هوج يهوج هوجا وهو أهوج، كما قالوا: ثول يثول ثولا وأثول، وهو الجنون.

باب ايضاً في الخصال
التي تكون في الأشياء
أما ما كان حسناً أو قبحاً فإنه مما يبنى فعله على فعل يفعل؛ ويكون المصدر فعالا وفعالة وفعلا، وذلك قولك: قبح يقبح قباحة، وبعضهم يقول قبوحة، فبناه على فعولةٍ كما بناه على فعالةٍ. ووسم يوسم وسامة، وقال بعضهم: وساماً فلم يؤنث، كما قالوا: السقام والسقامة. ومثل ذلك جمل جمالاً.
وتجيىء الأسماء على فعيل، وذلك: قبيحٌ، ووسيمٌ، وجميلٌ، وشقيحٌ، ودميمٌ.
وقالوا: حسنٌ فبنوه على فعل، كما قالوا بطلٌ. ورجلٌ قدمٌ وامرأةٌ قدمةٌ، يعني أن لها قدما في الخير، فلم يجيئوا به على مثال جريء وشجاع، وكميٍّ، وشديد.
وأما الفعل من هذه المصادر فنحو: الحسن والقبح، والفعالة أكثر.
وقالوا: نضر وجهه ينضر، فبنوه على فعل يفعل مثل خرج يخرج، لأن هذا فعل لا يتعداك إلى غيرك كما أن هذا فعلٌ لايتعداك إلى غيرك.

(4/28)


وقالوا: ناضر كما قالوا: نضر. وقالوا: نضيرٌ كما قالوا وسيمٌ، فبنوه بناء ما هو نحوه في المعنى، وقالوا: نضرٌ كما قالوا حسن، غلا أن هذا مسكن الأوسط.
وقالوا: ضخمٌ ولم يقولوا: ضخيمٌ كما قالوا: عظيمٌ.
وقالوا: النضارة كما قالوا الوسامة.
ومثل الحسن: السبط، والقطط.
وقالوا: سبط سباطة وسبوطة.
ومثل النضر الجعد.
وقالوا: رجلٌ سبطٌ، كما بنوه على فعل.
وقالوا: ملح ملاحة ومليحٌ، وسمح سماحة وسمحٌ.
وقالوا: سميحٌ كقبيحٌ.
وقالوا: بهو يبهو بهاء وبهيٌّ، كجمل جمالاً وهو جميلٌ.
وقالوا: شنع شناعة وهو شنيع.
وقالوا: أشنع، فادخلوا أفعل في هذا إذ كان خصلة فيه كاللون.
وقالوا: شنيعٌ كما قالوا خصيف، فأدخلوه على أفعل.
وقالوا: نظف نظافة ونظيفٌ، كصبح صباحة وصبيحٌ.
وقالوا: طهر طهراً وطهارة وطاهرٌ، كمكث مكثاً وماكثٌ.

(4/29)


قال: هذيلٌ تقول: سميجٌ ونذيلٌ، أي نذلٌ وسمجٌ.
وقالوا: طهرت المرأة كما قالوا: طمثت، أدخلوها في باب جلست ومكثت؛ لأن مكثت نحو جلست في المعنى.
وما كان من الصغر والكبر فهو نحوٌ من هذا، قالوا: عظم عظامة وهو عظيمٌ، ونبل نبالة وهو نبيلٌ، وصغر صغارة وهو صغيرٌ، وقدم قدامة وهو قديمٌ.
وقد يجيىء المصدر على فعلٍ، وذلك قولك: الصغر والكبر، والقدم، والعظم، والضخم.
وقد يبنون الاسم على فعلٍ، وذلك نحو ضخمٍ، وفخمٍ، وعبلٍ. وجهمٌ نحوٌ من هذا.
وقد يجيىء المصدر على فعولةٍ كما قالوا القبوحة، وذلك قولهم: الجهومة والملوحة والبحوحة.
وقالوا: كثر كثارة وهو كثيرٌ، وقالوا الكثرة: فبنوه على الفعلة، والكثير نحو من العظيم في المعنى إلا أن هذا في العدد.
وقد يقال للإنسان قليلٌ كما يقال قصيرٌ، فقد وافق ضده وهو العظيم،

(4/30)


ألا ترى أن ضد العظيم الصغير وضد القليل الكثير، فقد وافق ضد الكثير ضد العظيم في البناء. فهذا يدلك على أنه نحو الطويل والقصير، ونحو العظيم والصغير.
والطول في البناء كالقبح، وهو نحوه في المعنى، لأنه زيادةٌ ونقصانٌ.
وقالوا: سمنٍ سمناً وهو سمينٌ، ككبر كبراً وهو كبيرٌ.
وقالوا: كبر على الأمر كعظم.
وقالوا: بطن يبطن بطنة وهو بطينٌ كما قالوا: عظيمٌ، وبطن ككبر.
وما كان من الشدة والجرأة والضعف والجبن فإنه نحوٌ من هذا، قالوا: ضعف ضعفاً وهو ضعيفٌ، وقالوا: شجع شجاعة وهو شجاعٌ وقالوا: شجيعٌ. وفعالٌ أخو فعيلٍ.
وقد بنوا الاسم على فعالٍ كما بنوه على فعلوٍ فقالوا: جبانٌ، وقالوا: وقورٌ، وقالوا: الوقارة، كما قالوا: الرازانة.
وقالوا: جرء يجرؤ جرأة وجراءة، وهو جريء؟ ولغةٌ للعرب: الضعف كما قالوا: الظرف وظريفٌ، والفقر والفقير.
وقالوا: غلظ يغلظ غلظاً وهو غليظٌ، كما قالوا: عظم يعظم عظماً وهو عظيمٌ، إلا أن الغلظ للصلابة والشدة من الأرض وغيرها.

(4/31)


وقد يكون كالجهومة، وقالوا: سهل سهولة وسهلٌ، لأن هذا ضد الغلظ كما أن الضعف ضد الشدة.
وقالوا: سهلٌ كما قالوا: ضخمٌ.
وقد قال بعض العرب: جبن يجبن كما قالوا: نضر ينضر.
وقالوا: قوي يقوى قواية وهو قويٌّ كما قالوا: سعد يسعد سعادة وهو سعيدٌ. وقالوا: القوة كما قالوا: الشدة، إلا أن هذا مضموم الأول.
وقالوا: سرع يسرع سرعاً وهو سريعٌ، وبطؤ بطأ وهو بطيءٌ، كما قالوا: غلظ غلظاً وهو غليظٌ. وإنما جعلناهما في هذا الباب لأن أحدهما أقوى على أمره وما يريد.
وقالوا: البطء في المصدر كما قالوا: الجبن، وقالوا: السرعة، كما قالوا القوة، والسرع كما قالوا: الكرم.
ومثله ثقل ثقلاً وهو ثقيلٌ.
وقالوا: كمش كماشة وهو كميشٌ، مثل سرع. والكماشة: الشجاعة.
وقالوا: حزن حزونة للمكان، وهو حزنٌ، كما قالوا: سهل سهولة وهو سهل. وقالوا: صعب صعوبة وهو صعبٌ، لأن هذا إنما هو الغلظ والحزونة.
وما كان من الرفعة والضعة، وقالوا: الضعة، فهو نحوٌ من هذا، قالوا: غنى يغنى غنىً وهو غنيٌّ، كا قالوا: كبر يكبر كبراً وهو كبيرٌ، وقالوا:

(4/32)


فقيرٌ كما قالوا: صغيرٌ وضعيفٌ، وقالوا: الفقر، كما قالوا: الضعف، وقالوا: الفقر كما قالوا: الضعف. ولم نسمعهم قالوا: فقر، كما لم يقولوا في الشديد شدد، استغنوا، باشتد وافتقر كما استغنوا باحمار عن حمر، وهذا هنا نحوٌ من الشديد والقوي والضعيف.
وقالوا: شرف شرفاً وهو شريفٌ، وكرم كرما وهو كريمٌ، ولؤم لآمة وهو لئيمٌ كما قالوا: قبح قباحة وهو قبيحٌ، ودنؤ دناءة وهو دنيءٌ، وملؤ ملاءة وهو مليءٌ.
وقالوا: وضع ضعة وهو وضيعٌ. والضعة مثل الكثرة، والضعة مثل الرفعة. وقالوا: رفيعٌ ولم نسمعهم قالوا: رفع، وعليه جاء رفيعٌ وإن لم يتكلموا به، واستغنوا بارتفع.
وقالوا: نبه ينبه وهو نابهٌ، وهي النباهة، كما قالوا: نضر ينضر وجهه، وهو ناضرٌ، وهي النضارة، وقالوا: نبيه كما قالوا: نضيرٌ، جعلوه بمنزلة ما هو مثله في المعنى، وهو شريفٌ.
وقالوا: سعد يسعد سعادة، وشقي يشقى شقاوة، وسعيدٌ وشقيٌّ

(4/33)


فأحدهما مرفوعٌ والآخر موضوعٌ، وقالوا: الشقاء، كما قالوا: الجمال واللذاذ، حذفوا الهاء استخفافاً.
وقالوا: رشد يرشد رشدا، وراشد، وقالوا: الرشد كما قالوا: سخط يسخط سخطاً والسخط وساخط.
وقالوا: رشيدٌ كما قالوا: سعيدٌ، وقالوا: الرشاد كما قالوا: الشقاء.
وقالوا: بخل يبخل بخلاً. فالبخل كاللؤم، والفعل كفعل شقي وسعد. وقالوا: بخيلٌ. وبعضهم يقول: البخل كالفقر، والبخل كالفقر، وبعضهم يقول البخل كالكرم.
وقالوا: أمر علينا أمير، كنبه وهو نبيهٌ، والإمرة، كالرفعة، والإمارة كالولاية.
وقالوا: وكيلٌ ووصيٌّ وجريٌّ، كما قالوا: أميرٌ، لأنها ولاية.
ومثل هذا لتقاربه: الجليس، والعديل، والضجيع، والكميع، والخليط، والنزيع. فأصل هذا كله العديل، ألا ترى أنك تقول من هذا كله فاعلته.
وقد جاء فعلٌ، قالوا: خصمٌ. وقالوا: خصيمٌ.
وما أتى من العقل فهو نحوٌ من ذا، قالوا: حلم يحلم حلماً وهو حليمٌ، فجاء فعل في هذا الباب كما جاء فعل فيما ذكرنا.

(4/34)


وقالوا: ظرف ظرفاً وهو ظريفٌ، كما قالوا: ضعف ضعفا وهو ضعيفٌ، وقالوا في ضد الحلم: جهل جهلاً وهو جاهلٌ، كما قالوا: حرد حرداً وهو حاردٌ، فهذا ارتفاعٌ في الفعل واتضاع.
وقالوا: علم علماً، فالفعل كبخل يبخل، والمصدر كالحلم، وقالوا: علامٌ، كما قالوا في الضد: جاهلٌ، وقالوا: عليمٌ، كما قالوا: حليمٌ.
وقالوا: فقه وهو فقيهٌ، والمصدر فقهٌ، كما قالوا: علم علماً وهو عليمٌ.
وقالوا: اللب واللبابة ولبيبٌ، كما قالوا: اللؤم واللآمة ولئيمٌ.
وقالوا: فهم يفهم فهماً وهو فهم، ونقه ينقه نقهاً وهو ننقهٌ، وقالوا: النقاهة والفهامة، كما قالوا: اللبابة.
وسمعناهم يقولون: ناقةٌ، كما قالوا: عالمٌ.
وقالوا: لبق يلبق لباقة وهو لبقٌ، لأن ذا علمٌ وعقلٌ ونفاذٌ، فهو بمنزلة الفهم والفهامة.
وقالوا: الحذق، كما قالوا: العلم، وقالوا: حذق يحذق، كما قالوا: صبر يصبر.
وقالوا: رفق يرفق رفقاً وهو رفيقٌ، كما قالوا: حلم يحلم حلماً وهو حليمٌ، وقالوا: رفق، كما قالوا: فقه.
وقالوا: عقل يعقل عقلاً وهو عاقلٌ، كما قالوا: عجز يعجز عجزاً وهو عاجزٌ. وقالوا: العقل، كما قالوا: الظرف، أدخلوه في باب عجز يعجز لأنه مثله في أنه لا يتعدى الفاعل.

(4/35)


وقالوا: رزن رزانة، وهو رزينٌ ورزينةٌ.
وقالوا للمرأة: حصنت حصناً وهي حصانٌ، كجبنت جبناً وهي جبانٌ. وإنما هذا كالحلم والعقل.
وقالوا: حصنا، كما قالوا: علما، وقالوا: حصنا مثل قولهم: جبنا. ويقال لها أيضا ثقالٌ ورزان.
وقالوا: صلف يصلف صلفا وهو صلفٌ، كقولهم: فهم فهما وفهمٌ.
وقالوا: رقع رقاعة ورقيع، كقولهم: حمق حماقة، لأنه مثله في المعنى. وقالوا: الحمق كما قالوا: الجبن، وقالوا: أحمق، كما قالوا: أشنع، وقالوا: خرق خرقا وأخرق، وقالوا: أحمق وحمقاء وحمقٌ. وقالوا: النواكة وأنوك، وقالوا: استنوك، ولم نسمعهم يقولون: نوك، كما لم يقولوا فقر. وقالوا: حمقٌ، فاجتمعا كما قالوا: نكدٌ وأنكد.
واعلم أن ما كان من التضعيف من هذه الأشياء فإنه لا يكاد بكون فيه فعلت وفعل، لأنهم قد يستثقلون فعل والتضعيف فلما اجتمعا حادوا إلى غير ذلك، وهو قولك: ذل يذل ذلاً وذلة وذليلٌ، فالاسم

(4/36)


والمصدر يوافق ما ذكرنا، والفعل يجيء على باب جلس يجلس.
وقالوا: شحيحٌ والشح، كالبخيل والبخل، وقالوا: شح يشح.
وقالوا: شححت كما قالوا: بخلت، وذلك لأن الكسرة أخف عليهم من الضمة، ألا ترى أن فعل أكثر في الكلام من فعل، والياء أخف عليهم من الواو وأكثر.
وقالوا: ضننت ضناً كرفقت رفقا، وقالوا: ضننت ضنانة، كسقمت سقامة.
وليس شيءٌ أكثر في كلامهم من فعلٍ. ألا ترى أن الذي يخفف عضداً وكبداً لا يخفف جملاً.
وقالوا: لب يلب، وقالوا: اللب واللبابة واللبيب.
وقالوا: قل يقل قلة ولم يقولوا فيه كما قالوا في كثر وظرف.
وقالوا: عف يعف عفة وعفيفٌ.
وزعم يونس أن من العرب من يقول لببت تلب، كما قالوا: ظرفت تظرف، وإنما قل هذا، لأن هذه الضمة تستثقل فيما ذكرت لك، فلما صارت فيما يستثقلون فاجتمعا فروا منهما.

(4/37)


باب علم كل فعل تعداك إلى غيرك.
اعلم أنه يكون كل ما تعداك إلى غيرك على ثلاثة أبنية: على فعل يفعل، وفعل يفعل، وفعل يفعل، وذلك نحو ضرب يضرب، وقتل يقتل، ولقم يلقم. وهذه الأضرب تكون فيما لا يتعداك، وذلك نحو جلس يجلس، وقعد يقعد، وركن يركن.
ولما لا يتعداك ضربٌ رابع لا يشركه فيه ما يتعداك، وذلك فعل يفعل نحو كرم يكرم، وليس في الكلام فعلته متعديا.
فضروب الأفعال أربعةٌ يجتمع في ثلاثةٍ ما يتعداك وما لا يتعداك، ويبين بالرابع مالا يتعدى، وهو فعل يفعل.
وليفعل ثلاثة أبنية يشترك فيها ما يتعدى وما لا يتعدى: يفعل ويفعل ويفعل، نحو يضرب ويقتل ويلقم.
وفعل على ثلاثة أبنية، وذلك فعل، وفعل، وفعل، نحو قتل ولزم ومكث. فالأولان مشتركٌ فيها المتعدي وغيره، والآخر لما لا يتعدى كما جعلته لما لا يتعدى حيث وقع رابعاً.
وقد بنوا فعل على يفعل في أحرف، كما قالوا: فعل يفعل فلزموا الضمة، وكذلك فعلوا بالكسرة فشبه به. وذلك حسب يحسب، ويئس ييئس، ويبس ييبس، ونعم ينعم. سمعنا من العرب من يقول:

(4/38)


وهل ينعمن من كان في العصر الخالي
وقال:
واعْوَجَّ غُصْنُك مِنْ لحوٍ ومِن قِدَمِ ... لا يَنْعِمُ الغُصْنُ حتى يَنْعِم الوَرَقُ
وقال الفرزدق:
وكومٍ تَنْعِمُ الأضْيافَ عَيْناً ... وتُصْبِحُ في مَبارِكها ثِقالاَ
والفتح في هذه الأفعال جيد، وهو أقيس.

(4/39)


وقد جاء في الكلام فعل يفعل في حرفين، بنوه على ذلك كما بنوا فعل على يفعل، لأنهم قد قالوا في فعل، فأدخلوا الضمة كما تدخل في فعل. وذلك فضل يفضل ومت تموت. وفضل يفضل ومت تموت أقيس.
وقد قال بعض العرب: كدت تكاد فقال فعلت تفعل كما قال فعلت أفعل، وكما ترك الكسرة كذلك ترك الضمة. وهذا قول الخليل وهو شاذٌ من بابه كما أن فضل يفضل شاذ من بابه فكما شركت يفعل يفعل كذلك شركت يفعل يفعل. وهذه الحروف من فعل يفعل إلى منتهى الفصل شواذ.

هذا باب
ما جاء من المصادر وفيه ألف التأنيث
وذلك قولك: رجعته رجعى، وبشرته بشرى، وذكرته ذكرى، واشتكيت شكوى، وأفتيته فتيا، وأعداه عدوى، والبقيا.
فأما الحذيا فالعطية، والسقيا ما سقيت، وأما الدعوى فهو ما ادعيت.
وقال بعض العرب: اللهم أشركنا في دعوى المسلمين.

(4/40)


وقال سبحانه وتعالى: " وآخر دعواهم أن الحمد لله رب العالمين ". وقال بشير بن النكث:
ولت ودعواها كثيرٌ صخبة
فدخلت الألف كدخول الهاء في المصادر. وقالوا: الكبرياء للكبر.
وأما الفعيلي فتجيء على وجهٍ آخر تقول: كان بينهم رميا، فليس يريد قوله: رميا، ولكنه يريد ما كان بينهم من الترامي وكثرة الرمي، ولا يكون الرميا واحداً. وكذلك الحجيزي.
وأما الحثيثي فكثرة الحث كا أن الرميا كثرة الرمي، ولا يكون من واحد.
وأما الدليلي فإنما يراد به كثرة علمه بالدلالة ورسوخه فيها. وكذلك القتيتي، والهجيري: كثرة الكلام والقول بالشيء.
والخليفي: كثرة تشاغله بالخلافة وامتداد أيامه فيها.

(4/41)


باب ما جاء من المصادر على فعول
وذلك قولك: توضأت وضوءاً حسناً، وأولعت به ولوعا.
وسمعنا من العرب من يقول: وقدت النار وقوداً عالياً، وقبله قبولا، والوقود أكثر. والوقود: الحطب.
وتقول: إن على فلان لقبولا، فهذا مفتوح.
ومما جاء مخالفاً للمصدر لمعنى قولهم: أصاب شبعه، وهذا شبعه، إنما يريد قدر ما يشبعه. وتقول: شبعت شبعاً، وهذا شبعٌ فاحشٌ، إنما تريد الفعل. وطعمت طعماً حسناً، وليس له طعمٌ، إنما يريد ليس للطعام طيبٌ.
وتقول: ملأت السقاء ملئاً شديداً، وهو ملء هذا، أي قدر ما يملأ هذا.
وقد يجيىء غير مخالف، تقول: رويت رياً وأصاب ريه، وطعمت طعماً وأصاب طعمه، ونهل نهلاً وأصاب نهله.
وتقول: خرصه خرصاً، وما خرصه، أي ما قدره. وكذلك الكيلة.
وقالوا: قته قوتاً. والقوت: الرزق، فلم يدعوه على بناء واحد، كما قالوا: الحلب في الحليب والمصدر. وقد يقولون الحلب وهم يعنون اللبن. ويقولون: حلبت حلباً يريدون الفعل الذي هو مصدر.
فهذه أشياء تجيء مختلفة ولا تطرد.

(4/42)


وقالوا: مريتها مرياً، إذا أرادوا عمله. ويقول: حلبتها مرية لا يريد فعلة، ولكنه يريد نحواً من الدرة والحلب.
وقالوا لعنةٌ للذي يلعن. واللعنة المصدر. وقالوا: الخلق، فسووا بين المصدر والمخلوق. فاعرف هذا النحو وأجره على سبيله.
وقالوا: كرع كروعاً. والكرع: الماء الذي يكرع فيه.
وقالوا: درأته درءاً، وهو ذو تدرإٍ، أي ذو عدة ومنعةٍ؛ لا تريد العمل.
وكاللعنة السبة، إذا أرادوا المشهور بالسب واللعن، فأجروه مجرى الشهرة.
وقد يجيء المصدر على المفعول، وذلك قولك: لبنٌ حلبٌ، إنما تريد محلوبٌ وكقولهم: الخلق إنما يريدون المخلوق. ويقولون للدرهم: ضرب الأمير، إنما يريدون مضروب الأمير.
ويقع على الفاعل، وذلك قولك يومٌ غمٌّ، ورجلٌ نومٌ، إنما تريد النائم والغام.
وتقول: ماءٌ صرى، إنما تريد صرٍ خفيفٌ إذا تغير اللبن في الضرع. وهو صري. فتقول: هذا اللبن صري وصرٍ.

(4/43)


وقالوا: معشرٌ كرمٌ، فقالوا هذا كما يقولون: هو رضى، وإنما يريدون المرضي، فجاء للفاعل كما جاء للمفعول. وربما وقع على الجميع.
وجاء واحد الجميع على بنائه وفيه هاء التأنيث، كما قالوا: بيضٌ وبيضةٌ وجوزٌ وجوزةٌ، وذلك قولك: هذا شمطٌ وهذه شمطةٌ، وهذا شيبٌ وهذه شيبةٌ.

باب ما تجيء فيه الفعلة
تريد بها ضربا من الفعل وذلك قولك: حسن الطعمة. وقتلته قتلة سوءٍ، وبئست الميتة، وإنما تريد الضرب الذي أصابه من القتل، والضرب الذي هو عليه من الطعم.
ومثل هذا الركبة، والجلسة، والقعدة.
وقد تجيء الفعلة لا يراد بها هذا المعنى، وذلك نحو الشدة، والشعرة، والدرية. وقد قالوا: الدرية.
وقالوا: ليت شعري، في هذا الموضع، استخفافاً لأنه كثر في كلامهم، كما قالوا: ذهب بعذرتها، وقالوا: هو أبو عذرها، لأن هذا أكثر وصار كالمثل، كما قالوا: تسمع بالمعيدي لا أن تراه، لأنه مثل، وهو أكثر في كلامهم من تحقير معدىٍّ في غير هذا المثل. فإن حقرت معدىٌّ ثقلت الدال فقلت معيدىٌّ.
وتقول: هو بزنته، تريد أنه بقدره. وتقول: العدة، كما تقول القتلة.

(4/44)


وتقول: الضعة والقحة، يقولون: وقاحٌ بين القحة، لا تريد شيئاً من هذا.
كما تقول: الشدة والدرية والردة وأنت تريد الارتداد.
وإذا أردت المرة الواحدة من الفعل جئت به أبداً على فعلةٍ على الأصل، لأن الأصل فعل. فإذا قلت الجلوس والذهاب ونحو ذلك فقد ألحقت زيادةً ليست من الأصل ولم تكن في الفعل. وليس هذا الضرب من المصادر لازماً بزيادته لباب فعل كلزوم الإفعال والاستفعال ونحوهما لأفعالهما. فكان ماجاء على فعل أصله عندهم الفعل في المصدر، فإذا جاءوا بالمرة جاءوا بها على فعلةٍ كما جاءوا بتمرةٍ على تمرٍ. وذلك: قعدت قعدةً وأتيت أتيةً.
وقالوا: أتيته إتيانةً، ولقيته لقاءةً واحدةً، فجاءوا به على المصدر المستعمل في الكلام. كما قالوا: أعطى إعطاءةً واستدرج استدراجةً.
ونحو إتيانةٍ قليلٌ، والاطراد على فعلةٍ.
وقالوا غزاةٌ، فأرادوا عمل وجه واحد، كما قيل: حجةٌ، يراد به عمل سنةٍ. ولم يجيئوا به على الأصل، ولكنه اسمٌ لذا.
وقالوا: قنمةٌ، وسهلكةٌن وخمطةٌ، جعلوه اسماً لبعض الريح كالبنة والشهدة والعسلة، ولم يرد به فعل فعلةً.

(4/45)


هذا باب
نظائر ما ذكرنا من بنات الياء والواو
التي الياء والواو منهن في موضع اللامات قالوا: رميته رمياً وهو رامٍ، كما قالوا: ضربته ضرباً وهو ضاربٌ ومثل ذلك: مراه يمريه مرياً، وطلاه يطليه طلياً، وهو مارٍ وطالٍ. وغزا يغزوه غزواً وهو غازٍ، ومحاه يمحوه محواً وهو ماحٍ، وقلاه يقلو قلواً وهو قالٍ.
وقالوا: لقيته لقاءً، كما قالوا: سفدها سفاداً، وقالوا: اللقى كما قالوا النهوك. وقالوا: قليته فأنا أقليه قليً، كما قالوا: شريته شريً.
وقالوا: لمي يلمي لمياً، إذا اسودت شفته.
وقد جاء في هذا الباب المصدر على فعلٍ، قالوا: هديته هديً، ولم يكن هذا في غير هديً، وذلك لأن الفعل لا يكون مصدراً في هديت فصار هدىً عوضاً منه.
وقالوا: قليته قليً، وقريته قريً، فأشركوا بينهما في هذا فصار عوضا من الفعل في المصدر، فدخل كل واحد منهما على صاحبه، كما قالوا: كسوةٌ وكسيً، وجذوةٌ وجذيً، وصوةٌ وصويً، لأن فعلٌ وفعلٌ أخوان. ألا ترى أنك إذا كسرت على فعل فعلةً لم تزد على أن تحرك العين وتحذف الهاء. وكذلك فعلةٌ في فعل، فكل واحدٍ منهما أخٌ لصاحبه. ألا ترى أنه إذا جمع كل واحد منهما بالتاء جاز فيه ما جاز في صاحبه، إلا أن أول هذا مكسور وأول هذا مضموم، فلما تقاربت هذه الأشياء دخل كل واحد منهما على صاحبه. ومن العرب من يقول: رشوةٌ ورشاً، ومنهم من يقول: رشوةٌ

(4/46)


ورشاً، وحبوةٌ وحباً، والأصل رشاً. وأكثر العرب يقول: رشاً وكسيً وجذيً.
وقالوا: شريته شريً، ورضيته رضيً. فالمعتل يختص بأشياء، وستراه فيما تستقبل إن شاء الله.
وقالوا: عتا يعتو عتواًن كما قالوا خرج يخرج خروجاً، وثبت ثبوتاً. ومثله دنا يدنو دنواًن وثوى يثوي ثوياً، ومضى يمضي مضياً، وهو عاتٍ دانٍ وثاوٍ وماضٍ.
وقالوا: نمى ينمي نماءً، وبدا يبدو بداءً، ونثا ينثو نثاءً، وقضى يقضي قضاءً. وإنما كثر الفعال في هذا كراهية الياءات مع الكسرة، الواوات مع الضمة، مع أنهم قد قالوا: الثبات والذهاب. فهذا نظيرٌ للمعتل.
وقد قالوا: بدا يبدو بداً، ونثا ينثو نثاً، كما قالوا: حلب يحلب حلباً، سلب يسلب سلباً، وجلب يجلب جلباً.
وقالوا: جرى جرياً، وعدا عدواً، كما قالوا: سكت سكتاً.
وقالوا: زنى يزني زناً، وسرى يسري سريً، والتقى، فصارتا ههنا عوضاً من فعلٍ أيضاً، فعلى هذا يجري المعتل الذي حرف الاعتلال فيه لام.

(4/47)


وقالوا: قومٌ غزي، وبدي، وعفي، كما قالوا: ضمرٌ وشهدٌ وقرحٌ.
وقالوا: السقاء والجناء، كما قالوا: الجلاس والعباد والنساك.
وقالوا: بهو يبهو بهاءً وهو بهيٌّ، مثل جمل جمالاً وهو جميل.
وقالوا: سروا يسرو سرواً وهو سريٌّ، كما قالوا: ظرف يظرف ظرفاً وهو ظريفٌ.
وقالوا: بذو يبذو بذاءً وهو بذيٌّ كما قالوا: سقم سقاماً وهو سقيم وخبث وهو خبيثٌ. وقالوا: البذاء كما قالوا الشقاء. وبعض العرب يقول: بذيت، كما تقول: شقيت. ودهوت دهاءً وهو دهيٌّ، كما قالوا: ظرفت وهو ظريفٌ. وقالوا: الدهاء، كما قالوا: سمح سماحاً. وقالوا: داهٍ كما قالوا: عاقلٌ.
ومثله في اللفظ عقر وعاقرٌ. وقالوا: دها يدهو وداهٍ، كما قالوا: عقل وعاقلٌ. وقالوا: دهيٌّ كما قالوا: لبيبٌ.

(4/48)


هذا باب نظائر ما ذكرنا من بنات الياء والواو التي الياء والواو فيهن عينات تقول: بعته بيعاً وكلته كيلاً، فأنا أكيله وأبيعه، وكائلٌ وبائعٌ، كما قالوا: ضربه ضرباً وهو ضاربٌ.
وقالوا: سقته سوقاً وقلته قولاً، وهو سائقٌ وقائلٌ، كما قالوا: قتله يقتله قتلاً وهو قاتلٌ.
وقالوا: زرته زيارةً، وعدته عيادةً، وحكته حياكةً، كأنهم أرادوا الفعول ففروا إلى هذا كراهية الواوات والضمات.
وقد قالوا مع هذا: عبده عبادةً، فهذا نظير عمرت الدار عمارةً. وقالوا: خفته فأنا أخافه خوفاً وهو خائفٌ، جعلوه بمنزلة لقمته فأنا ألقمه لقماً وهو لاقمٌ، وجعلوا مصدره على مصدره لأنه وافقه في الفعل والتعدي.
وقالوا: هبته فأنا أهابه هيبةً وهو هائبٌ، كما قالوا: خشيته وهو خاشٍ، والمصدر خشيةٌ وهيبةٌ.
وقد قال بعض العرب: هذا رجلٌ خافٌ، شبهوه بفرقٍ وفزع إذ كان المعنى واحداً.

(4/49)


وقالوا: نلته فأنا أناله نيلاً وهو نائلٌ، كما قالوا: جرعه جرعاً وهو جارعٌ، وحمده حمداً وهو حامدٌ.
وقالوا: ذمته فأنا أذيمه ذاما، وعبته أعيبه عاباً، كما قالوا: سرقه يسرقه سرقا. وقالوا: عيباً.
وقالوا: سؤته سوءاً وقته قوتاً، وساءني سوءاً، تقديره فعلاً، كما قالوا: شغلته شغلاً وهو شاغلٌ.
وقالوا: عفته فأنا أعافه عيافةً وهو عائفٌ، كما قالوا: زدته زيادةً. وبناء الفعل بناء نلت.
وقالوا: سرته فأنا أسوره سؤوراً، وهو سائرٌ. وقالوا: غرت فأنا أغور غؤوراً وهو غائرٌ، كما قالوا: جمد جموداً وهو جامدٌ، وقعد قعوداً وهو قاعدٌ، وسقط سقوطاً وهو ساقط.
وقالوا: غرت في الشيء غؤوراً وغياراً، إذا دخلت فيه، كقولهم: يغور في الغور. وقال الأخطل:
لمَّا أتَوْها بمصباحٍ ومبْزَلِهِمْ ... سارت إليهم سُؤُور الأبجَلِ الضَّارِي

(4/50)


وقال العجاج:
ورب ذي سرادقٍ محجور ... سرت إليه في أعالي السور
وقالوا: غابت الشمس غيوباً، وبادت تبيد بيوداً، كما قالوا: جلس يجلس جلوسا، ونفر ينفر نفوراً.
وقالوا: قام يقوم قياماً، وصام يصوم صياماًن كراهية للفعول.
وقالوا: آبت الشمس إياباً، وقال بعضهم: أؤوباً، كما قالوا: الغؤور والسؤور، ونظيرها من غير المعتل الرجوع.
ومع هذا أنهم أدخلوا الفعال، كما قالوا: النفار والنفور، وشب شباباً وشبوبا، فهذا نظيره من العلة. وقالوا: ناح ينوح نياحةً، وعاف يعيف عيافةً، وقاف يقوف قيافةً فراراً من الفعول. وقالوا: صاح صياحاً وغابت الشمس غيابا، كراهية للفعول في بنات الياء، كما كرهوا في بنات الواو.

(4/51)


وقالوا: دام يدوم دواما وهو دائمٌ، وزال يزول زوالاً وهو زائلٌ وراح يروح رواحا وهو رائحٌ، كراهية للفعول.
وله نظائر أيضا: الذهاب والثبات.
وقالوا: حاضت حيضا، وصامت صوما، وحال حولاً؛ كراهية الفعول، ولأن له نظيراً نحو سكت يسكت سكتاً، وعجز يعجز عجزاً، ومثل ذلك مال يميل ميلاً.
فعىل ما ذكرت لك يجري المعتل الذي حرف الاعتلال فيه عينه.
وقالوا: لعت تلاع لاعاً، وهو لاعٌ، كما قالوا: جزع يجزع جزعاً وهو جزعٌ.
وقالوا: دئت تداء داءً وهو داءٌ، فاعلم، كا قالوا: وجع يوجع وجعا وهو وجعٌ. وقالوا: لعت وهو لاعئٌ مثل بعت وهو بائعٌ، ولاعٌ أكثر.
هذا باب نظائر بعض ما ذكرنا من بنات الواو التي الواو فيهن فاءٌ تقول: وعدته فأنا أعده وعداً، ووزنته فأنا أزنه وزناًن ووأدته فأنا أئده وأداً، كما قالوا: كسرته فأنا أكسره كسراً.
ولا يجيء في هذا الباب يفعل، وسأخبرك عن ذلك إن شاء الله.
واعلم أن ذا أصله على قتل يقتل وضرب يضرب، فلما كان من كلامهم استثقال الواو مع الياء حتى قالوا: ياجل ويبجل، كانت الواو مع الضمة أثقل، فصرفوا هذا الباب إلى يفعل، فلما صرفوه إليه كرهوا الواو بين

(4/52)


ياء وكسرةٍ إذ كرهوها مع ياء فحذفوها، فهم كأنهم إنما يحذفونها من يفعل. فعلى هذا بناء ما كان على فعل من هذا الباب.
وقد قال ناسٌ من العرب: وجد يجد، كأنهم حذفوها من يوجد، وهذا لا يكاد يوجد في الكلام.
وقالوا: ورد يرد وروداً، ووجب يجب وجوباً، كما قالوا: خرج يخرج خروجاً، وجلس يجلس جلوساً.
وقالوا: وجل يوجل وهو وجلٌ فأتموها، لأنها لا كسرة بعدها، فلم تحذف، فرقوا بينها وبين يفعل.
وقالوا: وضؤ يوضؤ، ووضع يوضع، فأتموا ما كان على فعل كما أتموا ما كان على فعل، لأنهم لم يجدوا في فعل مصرفاً إلى يفعل كما وجدوه في باب فعل نحو ضرب وقتل وحسب، فلما لم يكن يدخله هذه الأشياء وجرى

(4/53)


على مثالٍ واحد، سلموه وكرهوا الحذف، لئلا يدخل في باب ما يختلف يفعل منه، فألزموه التسليم لذلك.
وقالوا: ورم يرم وورع يرع ورعاً وورماً، ويورع لغة، ووغر صدره يغر ووحر يحر وحراً ووغراً، ووجد يجد وجداً، ويوغر ويوحر أكثر وأجود، يقال يوغر ويوحر ولا يقال يورم، وولي يلي، أصل هذا يفعل، فلما كانت الواو في يفعل لازمة وتستثقل صرفوه من باب فعل يفعل إلى باب يلزمه الحذف، فشركت هذه الحروف وعد، كما شركت حسب يحسب وأخواتها ضرب يضرب وجلس يجلس. فلما كان هذا في غير المعتل كان في المعتل أقوى.
وأما ما كان من الياء فإنه لا يحذف منه، وذلك قولك، يئس ييئس، ويسر ييسر، ويمن ييمن؛ وذلك أن الياء أخف عليهم؛ ولأنهم قد يفرون من استثقال الواو ومع الياء إلى الياء في غير هذا الموضع، ولا يفرون من الياء إلى الواو فيه؛ وهي أخف. وسترى ذلك إن شاء الله. فلما كان أخف عليهم سلموه.
وزعموا أن بعض العرب يقول: يئس يئس فاعلم؛ فحذفوا الياء من يفعل لاستثقال الياءات ههنا مع الكسرات، فحذف كما حذف الواو. فهذه في القلة كيجد.
وإنما قل مثل يجد لأنهم كرهوا الضمة بعد الياء كما كرهوا الواو بعد الياء فيما ذكرت لك، فكذلك ما هو منها، فكانت الكسرة مع الياء أخف

(4/54)


عليهم؛ كما أن الياء مع الياء أخف عليهم؛ في مواضع ستبين لك، إن شاء الله، من الواو.
وأما وطئت ووطىء يطأ؛ ووسع يسع، فمثل ورم يرم وومق يمق، ولكنهم فتحوا يفعل وأصله الكسر، كما قالوا: قلع يقلع وقرأ يقرأ، فتحوا جميع الهمزة وعامة بنات العين. ومثله وضع يضع.

باب افتراق فعلت وأفعلت
في الفعل للمعنى
تقول: دخل وخرج وجلس. فإذا أخبرت أن غيره صيره إلى شيء من هذا قلت: أخرجه وأدخله وأجلسه.
وتقول: فزع وأفزعته، وخاف وأخفته، وجال وأجلته، وجاء وأجأته؛ فأكثر ما يكون على فعل إذا أردت أن غيره أدخله في ذلك يبنى الفعل منه على أفعلت.
ومن ذلك أيضاً مكث وأمكثته.
وقد يجيى الشيء على فعلت فيشرك أفعلت، كها أنهما قد يشتركان في غير هذا؛ وذلك قولك: فرح وفرحته، وإن شئت قلت أفرحته؛ وغرم وغرمته، وأغرمته إن شئت؛ كما تقول: فزعته وأفزعته.
وتقول: ملح وملحته؛ وسمعنا من العرب من يقول: أملحته، كما تقول: أفزعته.
وقالوا: ظرف وظرفته، ونبل ونبلته؛ ولا يستنكر أفعلت فيهما؛ ولسكن هذا أكثر واستغني به.
ومثل أفرحت وفرحت: أنزلت ونزلت، قال الله عز وجل: " لولا

(4/55)


أنزل عليه آيةٌ من ربه قل إن الله قادرٌ على أن ينزل آيةً "، وكثرهم وأكثرهم، وقللهم وأقلهم.
وأما طردته فنحيته، وأطردته: جعلته طريداً هارباً، وطردت الكلاب الصيد أي جعلت تنحيه.
ويقال طلعت أي بدوت، وطلعت الشمس أي بدت. وأطلعت عليهم أي هجمت عليهم.
وشرقت: بدت؛ وأشرقت: أضاءت. وأسرع: عجل. وأبطأ: احتبس. وأما سرع وبطؤ فكأنهما غريزة كقولك: خف وثقل، ولا تعديهما إلى شيء، كما تقول: طولت الأمر وعجلته.
وتقول: فتن الرجل وفتنته، وحزن وحزنته، ورجع ورجعته. وزعم الخليل أنك حيث قلت فتنته وحزنته لم ترد أن تقول: جعلته حزيناً وجعلته فاتناً، كما أنك حين قلت: أدخلته أردت جعلته داخلاًن ولكنك أدرت أن تقول: جعلت فيه حزناً وفتنةً، فقلت فتنته كما قلت كحلته، أي جعلت فيه كحلاً، ودهنته جعلت فيه دهناً، فجئت بفعلته على حدةٍ، ولم ترد بفعلته ههنا تغيير قوله حزن وفتن. ولو أردت ذلك لقلت أحزنته وأفتنته. وفتن من فتنته كحزن من حزنته.

(4/56)


ومثل ذلك: شتر الرجل وشترت عينه، فإذا أردت تغيير شتر الرجل لم تقل إلا أشترته، كما تقول: فزع وأفزعته. وإذا قال: شترت عينه فهو لم يعرض لشتر الرجل، فإنما جاء ببنناء على حدة. فكل بناء مما ذكرت لك على حدةٍ. كما أنك إذا قلت طردته فذهب فاللفظان مختلفان.
ومثل حزن وحزنته: عورت عينه وعرتها. وزعموا أن بعضهم يقول: سودت عينه وسدتها، كما قالوا: عورت عينه وعرتها.
وقد اختلفوا في هذا البيت لنصيبٍ فقال بعضهم:
سَوِدُت فلم أَملِك سَوادى وتحته ... قميصٌ من القُوهِيِّ بيضٌ بنَائُقهْ
وقال بعضهم: سدت، يعني فعلت.
وقال بعض العرب: أفتنت الرجل، وأحزنته، وأرجعته، وأعورت عينه، أرادوا جعلته حزيناً وفاتناًن فغيروا فعل كما فعلوا ذلك في الباب الأول.
وقالوا: عورت عينه كما قالوا: فرحته، وكما قالوا: سودته.

(4/57)


ومثل فتن وفتنته: جبرت يده وجبرتها، وركضت الدابة وركضتها، ونزحت الركية ونزحتها، وسار الدابة وسرتها.
وقالوا: رجس الرجل ورجسته، ونقص الدرهم ونقصته. ومثله غاض الماء وغضته.
وقد جاء فعلته إذا أردت أن تجعله مفعلاً، وذلك: فطرته فأفطر، وبشرته فأبشر. وهذا النحو قليل.
فأما خطأته فإنما أردت سميته مخطئاً، كما أنك حيث قلت: فسقته وزنيته، أي سميته بالزنا والفسق. كما تقول: حييته أي استقبلته بحياك الله، كقولك: سقيته ورعيته، أي قلت له: سقاك الله ورعاك الله، كما قلت له يا فاسق. وخطأته قلت له يا مخطىء. ومثل هذا: لحنته.
وقالوا: جدعته وعقرته، أي قلت له: جدعك الله وعقرك الله. وأفقت به، أي قلت له أفٍّ.
وقالوا: أسقيته في معنى سقيته، فدخلت على فعلت كما تدخل فعلت عليها، يعني في فرحت ونحوها. وقال ذو الرمة:

(4/58)


وقفت على ربعٍ لمية ناقتي ... فما زِلْتُ أَبكي حَوْلَه وأُخاطِبُه
وأَسْقِيه حتى كاد ممّا أُبِثُّه ... تُكَلِّمُني أَحْجارُه ومَلاعِبُه
وتجيء أفعلته على أن تعرضه لأمر، وذلك قولك: أقتلته أي عرضته للقتل. ويجيء مثل قبرته وأقبرته، فقبرته: دفنته، وأقبرته: جعلت له قبراً.
وتقول: سقيته فشرب، وأسقيته: جعلت له ماءً وسقيا. ألا ترى أنك تقول: أسقيته نهراً. وقال الخليل: سقيته وأسقيته، أي جعلت له ماءً وسقيا. فسقيته مثل كسوته، وأسقيته مثل ألبسته.
ومثله: شفيته وأشفيته، فشفيته: أبرأته، وأشفيته: وهبت له شفاءً كما جعلت له قبراً.
وتقول: أجرب الرجل وأنحز وأحال، أي صار صاحب جربٍ وحيالٍ ونحازٍ في ماله. وتقول لما أصابه: هذا نحزٌ وجربٌ وحائلٌ للناقة.
ومثل ذلك: مشدٌّ، ومقطفٌ: ومقوٍ، أي صاحب قوةٍ وشدةٍ وقطافٍ في ماله.
ويقال: قوي الدابة وقطف.
ومثل ذلك قول الرجل: ألام الرجل أي صار صاحب لائمةٍ.

(4/59)


وتقول: قد لامه، أي أخبر بأمره.
ومثل هذا قولهم: أسمنت وأكرمت فاربط، وألأمت.
ومثل هذا أصرم النخل وأمضغ، وأحصد الزرع، وأجز النخل وأقطع، أي قد استحق أن تفعل به هذه الأشياء، كما استحق الرجل أن تلومه. فإذا أخبرت أنك قد أوقعت به قلت: قطعت وصرمت وجززت، وأشباه ذلك.
وقالوا: حمدته أي جزيته وقضيته حقه، فأما أحمدته فتقول وجدته مستحقا للحمد مني، فإنما تريد أنك استبنته محموداً كما أن أقطع النخل استحق القطع، وبذلك استنبت أنه استحق الحمد، كما تبين لك النخل وغيره، فكذلك استبنته فيه.
وقالوا: أراب، كما قالوا: ألام، أي صار صاحب ريبةٍ، كما قالوا: ألام أي استحق أن يلام. وأما رابني فإنه يقول: جعل لي ريبة، كما تقول: قطعت النخل أي أوصلت إليه القطع واستعملته فيه.
ومثل ذلك: أبقت المرأة وأبق الرجل وبقت ولداً، وبققت كلاماً كقولك: نثرت ولداً ونثرت كلاماً.
ومثل المجرب والمقطف: المعسر والموسر والمقل. وأما عسرة فتقول ضيقت عليه، ويسرته: تقول وسعت عليه.

(4/60)


وقد يجيء فعلت وأفعلت المعنى فيهما واحد، إلا أن اللغتين اختلفتا. زعم ذلك الخليل. فيجيء به قوم على فعلت، ويلحق قوم فيه الألف فيبنونه على أفعلت. كما أنه قد يجيء الشيء على أفعلت لا يستعمل غيره، وذلك قلته البيع وأقلته، وشغله وأشغله، وصر أذنيه وأصر أذنيه وبكر وأبكر، وقالوا: بكر فأدخلوه مع أبكر وبكر كأبكر فقالوا أبكر كما قالوا: أدنف الرجل فبنوه على أفعل، وهو من الثلاثة، ولم يقولوا: دنف كما قالوا: مرض. وأبكر كبكر. وكما قالوا: أشكل أمرك.
وقالوا: حرثت الظهر وأحرثته.
ومثل أدنفت: أصبحنا، وأمسينا، وأسحرنا، وأفجرنا، شهوه بهذه التي تكون في الأحيان.
ومثل ذلك: نعم الله بك عيناً، وأنعم الله بك، وزلته من مكانه وأزلته.
وتقول: غفلت؛ أي صرت غافلاً، وأغفلت إذا أخبرت أنك تركت شيئاً ووصلت غفلتك إليه. وإن شئت قلت: غفل عنه فاجتزأت بعنه عن أغفلته؛ لأنك إذا قلت عنه فقد أخبرت بالذي وصلت غفلتك إليه.

(4/61)


ومثل هذا: لطف به وألطف غيره، ولطف به كغفل عنه، وألطفه كأغفله. ومثل ذلك بصر وما كان بصيراً، وأبصره إذا أخبر بالذي وقعت رؤيته عليه.
ووهم يهم وأوهم يوهم، مثل غفل وأغفل.
وقد يجيء فعلت وأفعلت في معنى واحدٍ مشتركين كما جاء فيما صيرته فاعلاً ونحوه؛ وذلك وعزت إليه وأوعزت إليه، وخبرت وأخبرت، وسميت وأسميت. وقد يجيئان مفترقين، مثل علمته وأعلمته، فعلمت: أدبت، وأعلمت: آذنت، وآذنت: أعلمت؛ وأذنت: النداء والتصويت بإعلانٍ. وبعض العرب يجري أذنت وآذنت مجرى سميت وأسميت.
وتقول: أمرضته، أي جعلته مريضاً، ومرضته، أي قمت عليه ووليته. ومثله أقذيت عينه أي جعلتها قذية، وقذيتها: نظفتها.
وتقول: أكثر الله فينا مثلك، أي أدخل الله فينا كثيراً مثلك، وتقول للرجل: أكثرت، أي جئت بالكثير، وأما كثرت فأن تجعل قليلاً كثيراً، وكذلك قللت وكثرت. وإذا جاء بقليلٍ قلت: أقللت وأوتحت. وتقول: أقللت وأكثرت أيضاً في معنى قللت وكثرت.
وتقول: أصبحنا وأمسينا وأسحرنا وأفجرنا، وذلك إذا صرت

(4/62)


في حين صبحٍ ومساءٍ وسحرٍ، وأما صبحنا ومسينا وسحرنا فتقول: أتيناه صباحاً ومساءً وسحراً، ومثله بيتناه: أتيناه بياتا.
وما بني على يفعل: يشجع ويجبن ويقوى، أي يرمي بذلك، ومثله قد شنع الرجل أي رمى بذلك وقيل له.
وقالوا: أغلقت الباب، وغلقت الأبواب حين كثروا العمل، وسترى نظير ذلك في باب فعلت إن شاء الله. وإن قلت أغلقت الأبواب كان عربياً جيداً، وقال الفرزدق:
ما زلْتُ أُغلِقُ أبوابا وأفتحها ... حتى أتيت أبا عمرو بن عمار
ومثل غلقت وأغلقت أجدت وجودت وأشباهه.
وكان أبو عمرو أيضاً يفرق بين نزلت وأنزلت.
ويقال أبان الشيء نفسه وأبنته، واستبان واستبنته، والمعنى واحدٌ، وذا هاهنا بمنزلة حزن وحزنته في فعلت، وكذلك بين وبينته.

(4/63)


باب دخول فعلت على فعلت
لا يشركه في ذلك أفعلت
تقول: كسرتها وقطعتها، فإذا أردت كثرة العمل قلت: كسرته وقطعته ومزقته.
ومما يدلك على ذلك قولهم: علطت البعير وإبلٌ معلطةٌ وبعيرٌ معلوطٌ. وجرحته وجرحتهم. وجرحته: أكثرت الجراحات في جسده.
وقالوا: ظل يفرسها السبع ويؤكلها، إذا أكثر ذلك فيها.
وقالوا: موتت وقومت، إذا أردت جماعة الإبل وغيرها. وقالوا: يجول أي يكثر الجولان، ويطوف أي يكثر التطويف.
واعلم أن التخفيف في هذا جائز كله عربي، إلا أن فعلت إدخالها ههنا لتبيين الكثير. وقد يدخل في هذا التخفيف كما أن الركبة والجلسة

(4/64)


قد يكون معناهما في الركوب والجلوس، ولكن بينوا بها هذا الضرب فصار بناء له خاصاً، كما أن هذا بناءٌ خاصٌّ للتكثير، وكما أن الصوف والريح قد يكون فيه معنى صوفةٍ ورائحة.
قال الفرزدق:
ما زِلْتُ أَفْتحُ أبْواباً وأُغْلِقُها ... حتى أتيتُ أبا عمرو بنَ عَمّارِ
وفتحت في هذا أحسن، كما أن قعدة في ذلك أحسن. وقد قال جل ذكره: " جنات عدنٍ مفتحة لهم الأبواب "، وقال تعالى: " وفجرنا الأرض عيونا ".
فهذا وجه فعلت وفعلت مبيناً في هذه الأبواب، وهكذا صفته.

باب ما طاوع الذي فعله على فعل
وهو يكون على انفعل وافتعل
وذلك قولك: كسرته فانكسر، وحطمته فانحطم، وحسرته فانحسرن، وشويته فانشوى، وبعضهم يقول: فاشتوى. وغممته فاغتم، وانغم عربية. وصرفته فانصرف، وقطعته فانقطع.
ونظير فعلته فانفعل وافتعل: أفعلته ففعل، نحو أدخلته فدخل، وأخرجته فخرج، ونحو ذلك.

(4/65)


وربما استغنى عن انفعل في هذا الباب فلم يستعمل، وذلك قولهم: طردته فذهب، ولا يقولون: فانطرد ولا فاطرد. يعني أنهم استغنوا عن لفظه بلفظ غيره إذ كان في معناه.
ونظير هذا فعلته فتفعل، نحو كسرته فتكسر، وعشيته فتعشى، وغديته فتغدى. وفي فاعلته فتفاعل، وذلك نحو ناولته فتناول، وفتحت التاء لأن معناه معنى الانفعال والافتعال؛ قال يقول معناه معنى يتفعل في فتحة الياء في المضارع. كذلك تقول: تناول يتناول، فتفتح الياء ولا تكون مضمومة كما كانت يناول، لأن المعنى للمطاوعة معنى انفعل وافتعل.
ونظير ذلك في بنات الأربعة على مثال تفعلل نحو دحرجته فتدحرج، وقلقلته فتقلقل، ومعددته فتمعدد، وصعررته فتصعرر. وأما تقيس وتنزر وتتمم، فإنما يجري على نحو كسرته فتكسر، كأنه قال تمم فتتمم، وقيس فتقيس، كا قالوا: نزرهم فتنزروا.

(4/66)


وكذلك كل شيء جاء على زنة فعلله عدد حروفه أربعة أحرف، ما خلا أفعلت، فإنه لم يلحق ببنات الأربعة.

باب ما جاء فعل منه على غير فعلته
وذلك نحو: جن، وسل، وزكم، وورد. وعلى ذلك قالوا: مجنونٌ ومسلولٌ، ومزكومٌ، ومحمومٌ، ومورودٌ.
وإنما جاءت هذه الحروف على جننته وسللته وإن لم يستعمل في الكلام، كما أن يدع على ودعت، ويذر على وذرت وإن لم يستعملا، استغنى عنهما بتركت، واستغنى عن قطع بقطع. وكذلك استغنى عن جننت ونحوها بأفعلت. فإذا قالوا جن وسل فإنما يقولون جعل فيه الجنون والسل. كما قالوا: حزن وفسل ورذل. وإذا قالوا: جننت فكأنهم قالوا جعل فيك جنونٌ، كما أنه إذا قال أقبرته فإنما يقول: وهبت له قبراً وجعلت له قبرا.
وكذلك أحزنته وأحببته. فإذا قلت محزونٌ ومحبوبٌ جاء على غير أحببت. وقد قال بعضهم: حببت، فجاء به على القياس.

(4/67)