الكتاب لسيبويه باب ما كانت الياء فيه أولاً وكانت فاءً
وذلك نحو قولهم: يسر ييسير، ويئس ييئس، ويعر ييعر، ويل ييل من الأيل في
الأسنان وهو انثناء الأسنان إلى داخل الفم. وقد بينا يفعل منه وأشياء
فيما مضى، فنترك ذكرها ههنا لأنها قد بينت.
واعلم أن هذه الياء إذا ضمت لم يفعل بها ما يفعل بالواو، لأنها كياءٍ
(4/337)
بعدها واوٌ، نحو: حيودٍ ويومٍ وأشباه ذلك،
وذاك لأن الياء أخف من الواو عندهم. ألا تراها أغلب على الواو من الواو
عليها، وهي أشبه بالألف، فكأنها واو قبلها ألف، نحو: عاود، وطاول، وذلك
قولهم: يئس ويبس.
يدلك على أن الياء أخف عليهم من الواو أنهم يقولون: ييئس وييبس، فلا
يحذفون موضع الفاء كما حذفوا يعد. وكذلك فواعل تقول: يوابس.
فإن أسكنتها وقبلها ضمةٌ قلبتها واواً كما قلبت الواو ياء في ميزان،
وذلك نحو: موقنٍ وموسرٍ وموئسٍ وموبسٍن ويا زيد وإس، وقد قال بعضهم: يا
زيد يئس، شبهها بقيل.
وزعموا أن أبا عمرٍو قرأ: يا صالحيتنا جعل الهمزة ياءً ثم لم يقلبها
واواً.
ولم يقولوا هذا في الحرف الذي ليس منفصلاً. وهذه لغة ضعيفة، لأن قياس
هذا أن تقول: يا غلا موجل.
والياء توافق الواو في افتعل في أنك تقلب الياء تاء في افتعل من اليبس،
تقول: اتبس ومتبسٌ ويتبس، لأنها قد تقلب تاء، ولأنها قد تضعف ههنا
فتقلب واواً لو جاءوا بها على الأصل في مفتعلٍ وافتعل وهي في موضع
الواو، وهي أختها في الاعتلال، فأبدلوا مكانها حرفاً هو أجلد منها، حيث
كانت فاء وكانت أختها فيما ذكرت لك، فشبهوها بها.
(4/338)
فأما أفعل فإنها تسلم، لأن الاو تسلم في
أفعل وأشباهه، إلا أن يشد الحرف.
وقد قالوا: يا تئس ويا تبس، فجعلوها بمنزلتها إذ صارت بمنزلتها في
التاء؛ فليست تطرد العلة إلا فيما ذكرت لك، إلا أن يشذ حرف، قالوا: يبس
يابس، كما قالوا يئس يئس، فشبهوها بيعد.
باب ما الياء والواو فيه ثانية
وهما في موضع العين منه اعلم أن فعلت وفعلت وفعلت منهما معتلة كما تعتل
ياء يرمي وواو يغزو. وإنما كان هذا الاعتلال في الياء والواو لكثرة ما
ذكرت لك من استعمالهم إياهما وكثرة دخولهما في الكلام، وأنه ليس يعرى
منهما ومن الألف أو من بعضهن. فلما اعتلت هذه الأحرف جعلت الحركة التي
في العين مخولة على الفاء، وكرهوا أن يقروا حركة الأصل حيث اعتلت
العين، كما أن يفعل من غزوت لا تكون حركة عينه إلا من الواو، وكما أن
يفعل من رميت لا تكون حركة عينه إلا من الياء حيث اعتلت؛ فكذلك هذه
الحروف حيث اعتلت جعلت حركتهن على ما قبلهن، كما جعلت من الواو والياء
حركة ما قبلها، لئلا تكون في الاعتلال على حالها إذا لم تعتل. ألا ترى
أنك تقول: خفت وهبت فعلت فألقوا حركتها على الياء وأذهبوا حركة الفاء،
فجعلوا حركتها الحركة التي كانت في المعتل الذي بعدها، كما لزم ما ذكرت
لك الحركة مما بعده لئلا يجرى المعتل على حال الصحيح.
(4/339)
وأما قلت فأصلها فعلت معتلة من فعلت، وإنما
حولت إلى فعلت ليغيروا حركة الفاء عن حالها لو لم تعتل؛ فلو لم يحولوها
وجعلوها تعتل من قولت لكانت الفاء إذا هي ألقي عليها حركة العين غير
متغيرة عن حالها لو لم تعتل، فلذلك حولوها إلى فعلت فجعلت معتلة منها.
وكانت فعلت أولى بفعلت من الواو من فعلت لأنهم حيث جعلوها معتلة محولة
الحركة جعلوا ما حركته منه أولى به، كما أن يغزو حيث اعتل لزمه يفعل،
وجعل حركة ما قبل الواو من الواو، فكذلك جعلت حركة هذا الحرف منه.
ويدلك على أن أصله فعلت أنه ليس في الكلام فعلته. ونظيره في الاعتلال
من محول إليه: يعد ويزن. وقد بين ذلك.
فأما طلت فإنها فعلت، لأنك تقول طويل وطوال، كما قلت قبح وقبيح، ولا
يكون طلته كما لا يكون فعلته في شيء، واعتلت كما اعتلت خفت وهبت.
وأما بعت فإنها معتلة من فعلت تفعل، ولو لم يحولوها إلى فعلت لكان حال
الفاء كحال قلت، وجعلوا فعلث أولى بها كما أن يفعل من رميت حيث كانت
حركة العين محولة من يفعل ويفعل إلى أحدهما، كان الذي من الياء أولى
بها.
وكذلك زدت كانت الكسرة أولى بها، كما كانت الضمة أولى بالواو في قلت.
(4/340)
وليس في بنات الياء فعلت كما أنه ليس في
باب رميت فعلت، وذلك لأن الياء أخف عليهم من الواو وأكثر تحويلاً للواو
من الواو لها، وكرهوا أن ينقلوا الخفيف إلى ما يستثقلون.
ودخلت فعلت على بنات الواو كما دخلت في باب غزوت في قوله شقيت وغبيت
لأنها نقلت من الأثقل إلى الأخف، ولو قلت فعلت في الياء لكنت مخرجاً
الأخف إلى الأثقل، ولو قلت في باب زدت فعلت فقلت: زدت تزود، كما أنك لو
قلتها من رميت لكانت رمو يرمو، فتضم الزاي كما كسرت الخاء في خفت.
وتقول: تزوج كما تقول: موقن لأنها ساكنة قبلها ضمة.
وقالوا: وجد يجد، ولم يقولوا في يفعل يوجد، وهو القياس، ليعلموا أن
أصله يجد.
وقال بعضهم: طلته، مثل قلته، وهو فعلت منقولة إلى فعلت، فعدى علت، ولو
كانت فعلت لم تتعد.
وإذا قلت يفعل من قلت قلت يقول، لأنه إذا قال فعل فقد لزمه يفعل.
وإذا قلت يفعل من بعت قلت يبيع، ألزموه يفعل حيث كان محولاً من فعلت،
ليجري مجرى ما حول إلى فعلت، وصار يفعل لهذا لازماً، إذ كان في كلامهم
فعل يفعل في غير المعتل، فكما وافقه في تغيير الفاء كذلك وافقه في
يفعل.
وأما يفعل من خفت وهبت. فإنه يخاف ويهاب، لأن فعل يلزمه يفعل،
(4/341)
وإنما خالفتا يزيد ويبيع لأنهما لم تعتلا
محولتين، وإنما اعتلتا من بنائهما الذي هو لهما في الأصل، فكما اعتلتا
في فعلت من البناء الذي هو لهما في الأصل كذلك اعتلتا في يفعل منه.
وإذا قلت فعل من هذه الأشياء كسرت الفاء وحولت عليها حركة العين كما
فعلت ذلك في فعلت لتغير حركة الأصل لو لم تعتل، كما كسرت الفاء حيث
كانت العين منكسرة للاعتلال. وذلك قولك: خيف، وبيع، وهب، وقيل. وبعض
العرب يقول: خيف وبيع وقيل، فيشم إرادة أن يبين أنها فعل. وبعض من يضم
يقول: بوع وقول وخوف وهوب، يتبع الياء ما قبلها كما قال موقن.
وهذه اللغات دواخل على قيل وبيع وخيف وهيب، والأصل الكسر كما يكسر في
فعلت.
فإذا قلت فعل صارت العين تابعة، وذلك قولك: باع، وخاف، وهاب، وقال. ولو
لم تجعل تابعةً لالتبس فعل من باع وخاف وهاب بفعل، فأتبعوهن قال، حيث
أتبعوا العين الفاء في أخواتهن ليستوين، وكرهوا أن يساوي فعل في حالٍ،
إذ كان بعضهم يقول: قد قول ذاك. فاجتمع فيها هذا وأنهم شبهوها بأخواتها
حيث أتبعوا العين فيهن ما قبلهن. فكما اتفقن في التغيير كذلك اتفقن في
الإلحاق.
وحدثنا أبو الخطاب أن ناساً من العرب يقولون: كيد زيد يفعل، وما زيل
زيد يفعل ذاك، يريدون: زال وكاد، لأنهم كسروها في فعل كما
(4/342)
كسروها في فعلت حيث أسكنوا العين وحولوا
الحركة على ما قبلها، ولم يرجعوا حركة الفاء إلى الأصل كما قالوا: خاف،
وقال، وباع، وهاب.
فهؤلاء الحركات مردودةٌ إلى الأصل وما بعدهن توابع لهن كما يتبعن إذا
أسكن الكسرة والضمة في قولهم: قد قيل وقد قول.
فإذا قلت فعلت أو فعلن أو فعلنا من هذه الأشياء، ففيها لغات: أما من
قال قد بيع وزين وهيب وخيف فإنه يقول: خفنا وبعنا، وخفن وبعن، وهبت،
يدع الكسرة على حالها ويحذف الياء، لأنه التقى ساكنان.
وأما من ضم بإشمامٍ إذا قال فعل فإنه يقول: قد بعنا وقد رعن وقد زدت.
وكذلك جميع هذا يميل الفاء ليعلم أن الياء قد حذفت فيضم، وأمال كما
ضموا وبعدها الياء، لأنه أبين لفعل.
وأما الذين يقولون بوع وقول وخوف وهوب فإنهم يقولون بعنا وخفنا وهبنا
وزدنا، لا يزيدون على الضم والحذف، كما لم يزد الذين قالوا رعن وبعن
على الكسر والحذف.
وأما مت تموت فإنما اعتلت من فعل يفعل، ولم تحول كما يحول قلت وزدت.
ونظيرها من الصحيح فضل يفضل.
وكذلك كدت تكاد اعتلت من فعل يفعل، وهي نظيرة مت في أنها شاذة. ولم
يجيئا على ما كثر واطرد من فعل وفعل.
وأما ليس فإنها مسكنة من نحو قوله: صيد، كما قالوا علم ذاك في
(4/343)
علم ذاك، فلم يجعلوا اعتلالها إلا لزوم
الإسكان، إذ كثرت في كلامهم ولم يغيروا حركة الفاء، وإنما فعلوا ذلك
بها حيث لم تكن فيها يفعل وفيما مضى من الفعل، نحو قولك: قد كان ثم
ذهب، ولا يكون منها فاعلٌ ولا مصدر ولا اشتقاق، فلما لم تصرف تصرف
أخواتها جعلت بمنزلة ما ليس من الفعل نحو ليت، لأنها ضارعتها، ففعل بها
ما فعل بما هو بمنزلة الفعل وليس منه.
وأما قولهم: عور يعور، وحول يحول، وصيد يصيد فإنما جاءوا بهن على الأصل
لأنه في معنى ما لا بد له من أن يخرج على الأصل نحو: اعوررت، واحوللت،
وابيضضت، واسوددت، فلما كن في معنى ما لا بد له من أن يخرج على الأصل
لكون ما قبله تحركن. فلو لم تكن في هذا المعنى اعتلت، ولكنها بنيت على
الأصل إذ كان الأمر على هذا.
ومثل ذلك قولهم: اجتوروا، واعتونوا، حيث كان معناه معنى ما الواو فيه
متحركة ولا تعتل فيه، وذلك قولهم: تعاونوا، وتجاوروا.
وأما طاح يطيح وتاه يتيه، فزعم الخليل أنهما فعل يفعل بمنزلة حسب يحسب.
وهي من الواو، ويدلك على ذلك، طوحت وتوهت، وهو أطوح منه وأتوه منه،
فإنما هي فعل يفعل من الواو كما كانت منه فعل يفعل. ومن فعل يفعل
اعتلتا ومن قال طيحت وتيهت فقد جاء بها على باع يبيع مستقيمة. وإنما
دعاهم إلى هذا الاعتلال ما ذكرت لك من كثرة هذين
(4/344)
الحرفين، فلو لم يفعلوا ذلك وجاء على الأصل
أدخلت الضمة على الياء والواو والكسرة عليهما في فعلت وفعلت ويفعل
ويفعل، ففرا من أن يكثر هذا في كلامهم مع كثرة الياء والواو، فكان
الحذف والإسكان أخف عليهم.
ومن العرب من يقول: ما أتيهه، وتيهت، وطيحت. وقال: آن يئين، فهو فعل
يفعل من الأوان، وهو الحين.
باب ما لحقته الزوائد
من هذه الأفعال المعتلة من بنات الثلاثة
فإذا كان الحرف الذي قبل الحرف المعتل ساكناً في الأصل ولم يكن ألفاً
ولا واواً ولا ياءً فإنك تسكن المعتل وتحول حركته على الساكن. وذلك
مطرد في كلامهم.
وإنما دعاهم إلى ذلك أنهم أرادوا أن تعتل وما قبلها إذا لحق لحرف
الزيادة، كما اعتل ولا زيادة فيه. ولم يجعلوه معتلاً من محول إليه
كراهية أن يحول إلى ما ليس من كلامهم. ولو كان يخرج إلى ما هو من
كلامهم لاستغنى بذا لأن ما قبل المعتل قد تغير عن حله في الأصل كتغير
قلت ونحوه، وذلك: أجاد، وأقال، وأبان، وأخاف، واستراث، واستعاذ.
ولا يعتل في فاعلت لأنهم لو أسكنوا حذفوا الألف والواو والياء في
فاعلت، وصار الحرف على لفظ ما لا زيادة فيه من باب قلت وبعت، فكرهوا
(4/345)
هذا الإجحاف بالحرف والالتباس.
وكذلك تفاعلت لأنك لو أسكنت الواو والياء حذفت الحرفين.
وكذلك فعلت وتفعلت، وذلك قولهم: قاولت وتقاولنا، وعوذت وتعوذت، وزيلت
وزايلت، وبايعت وتبايعنا، وزينت وتزينت.
وفي تفاعلت وتفعلت مع ما ذكرت أنه لم يكن ليعتل كما لم يعتل فاعلت
وقعلت لأن التاء زيدت عليهما.
وقد جاءت حروفٌ على الأصل غير معتلة مما أسكن ما قبله فيما ذكرت لك قبل
هذا، شبهوه بفاعلت إذ كان ما قبله ساكناً، كما يسكن ما قبل واو فاعلت.
وليس هذا بمطرد، كما أن بدل التاء في باب أولجت ليس بمطرد، وذلك نحو
قولهم: أجودت، وأطولت، واستحوذ، واستروح، وأطيب، وأخيلت، وأغيلت،
وأغيمت، واستغيل، فكل هذا فيه اللغة المطردة، إلا أنا لم نسمعهم قالوا
إلا استروح إليه، وأغيلت، واستحوذ، بينوا في هذه الأحرف كما بينوا في
فاعلت، فجعلوها بمنزلتها في أنها لا تتغير، كما جعلوها بمنزلتها حيث
أحيوها فيما تعتل فيه نحو: اجتوروا، إذ توهموا تفاعلوا.
ولو قال لك قائل: ابن لي من الجوار افتعلوا لقلت فيها اجتاروا، إلا أن
يقول ابنه على معنى تفاعلوا فتقول: اجتوروا، وكذلك اجتوزوا، ولا ينكر
أن يجعلوها معتلة في هذا الذي استثنينا؛ لأن الاعتلال هو الكثير
المطرد.
(4/346)
وإذا كان الحرف قبل المعتل متحر كما في
الأصل لم يغير، ولم يعتل الحرف من محول إليه، كراهية أن يحول إلى ما
ليس من كلامهم. وذلك نحو: اختار، واعتاد، وانقاس. جعلوها تابعةً حيث
اعتلت وأسكنت كما جعلوها في قال وباع، لأنهم لم يغيروا حركة الأصل كما
لم يغيروها في قال وباع، وجعلوا هذه الأحرف معتلة كما اعتلت ولا زيادة
فيها.
وإذا قلت أفتعل وأنفعل قلت: أختيروا وأنقيد، فتعتل من أفتعل، فتحول
الكسرة على التاء كما قلت ذلك في قيل، فتجرى تيروقيد مجرى قيل وبيع في
كل شيء.
وأما قولهم: اجتوروا، واعتونوا، وازدوجوا، واعتوروا، فزعم الخليل أنها
إنما تثبت لأن هذه الأحرف في معنى تفاعلوا. ألا ترى أنك تقول: تعاونوا،
وتجاوروا، وتزاوجوا. فالمعنى في هذا وتفاعلوا سواء. فلما كان معناها
معنى ما تلزمه الواو على الأصل أثبتوا الواو، كما قالوا عور إذ كان في
معنى فعلٍ يصح على الأصل. وكذلك: احتوشوا واهتوشوا، وإن لم يقولوا
تفاعلوا فيستعملوه، لأنه قد يشرك في هذا المعنى ما يصح، كما قالوا صيد
لأنه قد يشركه ما يصح، والمعنى واحد. فهما يعتوران باب افعل في هذا
النحو كسود واسوددت، وثولت واثوللت، وابيضضت.
فإذا لم تعتل الواو في هذا ولا الياء نحو عورت وصيدت فإن الواو والياء
لا تعتلان إذا لحق الأفعال الزيادة وتصرفت، لأن الواو بمنزلة واو شويت،
والياء بمنزلة ياء حييت، ألا ترى أنك تقول: ألا أعور الله عينه: إذا
أردت أفعلت من عورت، وأصيد الله بعيره.
(4/347)
باب ما اعتل من
أسماء الأفعال
المعتلة على اعتلالها
اعلم أن فاعلاً منها مهموز العين. وذلك أنهم يكرهون أن يجيء على الأصل
مجيء ما لا يعتل فعل منه، ولم يصلوا إلى الإسكان مع الألف، وكرهوا
الإسكان والحذف فيه فيلتبس بغيره، فهمزوا هذه الواو والياء إذ كانتا
معتلتين وكانتا بعد الألفات، كما أبدلوا الهمزة من ياء قضاءٍ وسقاءٍ
حيث كانتا معتلتين وكانتا بعد الألف. وذلك قولهم: خائفٌ وبائعٌ.
ويعتل مفعولٌ منهما كما اعتل فعل، لأن الاسم على فعل مفعولٌ، كما أن
الاسم على فعل فاعلٌ. فتقول: مزورٌ ومصوغٌ، وإنما كان الأصل مزوورٌ،
فأسكنوا الواو الأولى كما أسكنوا في يفعل وفعل، وحذفت واو مفعولٍ لأنه
لا يلتقي ساكنان.
وتقول في الياء: مبيعٌ ومهيبٌ، أسكنت العين وأذهبت واو مفعولٍ، لأنه لا
يلتقي ساكنان وجعلت الفاء تابعةً للياء حين أسكنتها كما جعلتها تابعة
في بيضٍن وكان ذلك أخف عليهم من الواو والضمة فلم يجعلوها تابعةً
للضمة، فصار هذا الوجه عندهم، إذ كان من كلامهم أن يقلبوا الواو ياءً
ولا يتبعوها الضمة فراراً من الضمة، والواو إلى الياء لشبهها بالألف،
وذلك قولهم: مشوبٌ ومشيبٌ، وغارٌ منول ومنيل، وملومٌ مليمٌ، وفي حور:
حير.
وبعض العرب يخرجه على الأصل فيقول: مخيوط ومبيوعٌ، فشبهوها بصيودٍ
وغيوريٍ، حيث كان بعدها حرف ساكن ولم تكن بعد الألف فهمز.
(4/348)
ولا نعلمهم أتموا في الواوات، لأن الواوات
أثقل عليهن من الياءات، ومنها يقرون إلى الياء؛ فكرهوا اجتماعهما مع
الضمة.
ويجري مفعلٌ مجرى يفعل فيهما، فتعتل كما اعتل فعلهما الذي على مثالهما
وزيادته في موضع زيادتها، فيجري مجرى يفعل في الاعتلال، كما قالوا:
مخافةٌ، فأجروها مجرى يخاف ويهاب، فكذلك اعتل هذا، لأنهم لم يجاوزوا
ذلك المثال المعتل، إلا أنهم وضعوا ميماً مكان ياءٍ، وذلك قولهم: مقامٌ
ومقالٌ، ومثابةٌ ومنارةٌ، فصار دخول الميم كدخول الألف في أفعل، وكذلك
المغاث والمعاش.
وكذلك مفعل تجري مجرى يفعل، وذلك قولك: المبيض والميسر.
وكذلك مفعلةٌ تجري مجرى يفعل، وذلك: المعونة والمشورة والمثوبة، يدلك
على أنها ليست بمفعولة أن المصدر لا يكون مفعولة.
وأما مفعلة من بنات الياء فإنما تجيء على مثال مفعلةٍ، لأنك إذا أسكنت
الياء جعلت الفاء تابعةً كما فعلت ذلك في مفعول، ولا تجعلها بمنزلة
فعلت في الفعل، وإنما جعلناها في فعلت يفعل تابعةً لما قبلها في
القياس، غير متبعتها الضمة كما أن فعلت تفعل في الواو، وإذا سكنت لم
تتبعها الكسرة، وإنما هذا كقولهم: رمو الرجل في الفعل، فيتبعون الواو
ما قبلها ولا يفعلون ذلك في فعل لو كان اسماً، فمعيشةٌ يصلح أن تكون
مفعلةً ومفعلةً.
(4/349)
وأما مفعلٌ منهما فهو على يفعل، وذلك
قولهم: مقامٌ ومباعٌ، إذا أردت منهما مثل مخدع، وكمسعط يجري من الواو
كأفعل من الأمر قبل أن يدركه الحذف، وهو قولك: مزورٌ ومقولٌ، يجري مجرى
مفعلةٍ منها، إلا أنك تضم الأول، وذلك قولك: مبيعةٌ.
وقد قال قوم في مفعلةٍ فجاءوا بها على الأصل؛ وذلك قول بعضهم: إن
الفكاهة لمقودةٌ إلى الأذى. وهذا ليس بمطرد، كما أن أجودت ليس بمطرد.
وقد جاء في الاسم مشتقاً للعلامة، لا لمعنى سوى ذا، على الأصل، وذلك
نحو: مكوزةً ومزيد. وإنا جاء هذا كما جاء تهلل حيث كان اسماً، وكما
قالوا حيوة وشبهوا هذا بمورقٍ وموهبٍ، حيث أجروه على الأصل إذ كان
مشتقاً للعلامة. وليس هذا بمطرد في مزيد ومكوزة، كما أن تهلل وحيوة ليس
بمطرد. وليس مزيدٌ ومكوزة بأشد من لزومهم استحوذ وأغيلت.
وقالوا: محببٌ، حيث كان اسماً ألزموه الأصل كمورق.
ويتم أفعل اسماً، وذلك قولك: هو أقول الناس وأبيع الناس، وأقول منك
وأبيع منك. وإنما أتموا ليفصلوا بينه وبين الفعل المتصرف نحو أقال
وأقام، ويتم في قولك: ما أقوله وأبيعه لأن معناه معنى أفعل منك وأفعل
الناس، لأنك تفضله على من لم يجاوز أن لزمه قائلٌ وبائع، كما فضلت
الأول على غيره وعلى الناس. وهو بعد نحو الاسم لا يتصرف تصرفه ولا يقوى
قوته. فأرادوا أن يفرقوا بين هذا وبين الفعل المتصرف نحو أقال وأقام،
وكذلك أفعل به، لأن معناه معنى ما أفعله، وذلك قولك: أقول به وأبيع به.
(4/350)
ويتم في أفعلٍ، لأنهما اسمان، فرقوا بينهما
وبين أفعل من الفعل، ولو أردت مثل أصبعٍ، من قلت وبعت لأتممت لتفرق بين
الاسم والفعل.
فأما أفعلٌ فنحو: أدروٍ، وأسوقٍ، وأثوبٍ، وبعض العرب يهمز لوقوع الضمة
في الواو، لأنها إذا انضمت خفيت الضمة فيها كما تخفى الكسرة في الياء.
وأما أفعلةٌ فنحو: أخونةٍ، وأسورةٍ وأجوزةٍ، وأحورةٍ، وأعينةٍ.
ولا تهمز أفعلٌ من بنات الياء، لأن الضمة فيها أخف عليهم، كما أن الياء
وبعدها الواو أخف عليهم من الواو. وقد بين ذلك، وسيبين إن شاء الله،
وذلك نحو: أعينٍ وأنيبٍ.
وأما نظير إصبعٍ منها فإقولٌ وإبيعٌ وإن أردت مثال إثمدٍ قلت إبيعٌ
وإقولٌ، لئلا يكون كأفعلٍ منهما فعلا وإفعل قبل أن يدركهما الحذف
والسكون للجزم.
وإن أردت منهما مثال أبلم قلت أبيعٌ وأقولٌ، لئلا يكونا كأفعل منهما في
الفعل قبل أن يحذف ساكناً عن الأصل. غير أنك إن شئت همزة أفعلاً من قلت
كما همرت أدؤراً.
(4/351)
ولم نذكر أفعل لأنه ليس في الكلام أفعل
اسماً ولا صفة، وكان الإتمام لازماً لهذا مع ما ذكرنا، إذ كان يتم في
أجود ونحوه.
ويتم تفعلٌ اسماً وتفعلٌ منهما، ليفرق بينهما وبين تفعل وتفعل في
الفعل، كما فعلت ذلك في أفعل وذلك قولك تقول وتبيع وتقولٌ وتبيعٌ.
وكذلك إذا أردت مثال تنضبٍ تقول تقولٌ وتبيعٌ لتفرق بينهما وبين تفعل
فعلاً، كما أنك إذا أردت مثال تتفلٍ وترتبٍ أتممت، وإذا أردت مثل
تنهية، وتوصيةٍ تتم ذلك، كما أتممت أفعلةً، ليفرق بينه اسماً وفعلاً،
وذلك قولك: تقولةٌ وتبيعةٌ، وإن شئت همزت تفعلٌ من قلت وأفعلٌ، كما
همزة أفعلٌ وإنما قلت تقولةٌ وتبيعةٌ لتفرق بين هذا وبين تفعل، يدلك
على أن هذا يجري مجرى ما أوله الهمزة مما ذكرنا قول العرب في تفعلةٍ من
دار يدور: تدورةٌ، قال الشاعر:
بِتْنَا بتدورةٍ يُضيءُ وُجُوهَنَا ... دَسَمُ السِّلِيطِ على فَتِيلِ
ذُبالِ
والتتوبة تريد التوبة.
وإنما منعنا أن نذكر هذه الأمثلة فيما أوله ياء، أنها ليست في الأسماء
والصفة إلا في يفعل، ولم تجر هذه الأسماء مجرى ما جاء على مثال الفعل
وأوله
(4/352)
ميم، لأن الأفعال لا تكون زيادتها التي في
أوائلها ميماًن فمن ثم لم يحتاجوا إلى التفرقة.
وأما تفعلٌ مثل التتفل فإنه لا يكون فعلاًن فهو بمنزلة ما جاء على مثال
الفعل، ولا يكون فعلاً مما أوله الميم. فإذا أردت تفعلٌ منهما فإنك
تقول تقولٌ وتبيعٌ كما فعلت ذلك في مفعل، لأنه على مثال الفعل ولا يكون
فعلاً. وكذلك تفعل نحو التحلىء، يجرى مجرى افعل كما أجري تفعلٌ مجرى
افعل، فأجري هذا مجرى ما أوله الميم. فالتفعل مثل التحلىء، ومثاله
منهما تقيلٌ وتبيعٌ.
وإنما تشبه الأسماء بأفعل وإفعل ليس بينهما إلا إسكان متحرك وتحريك
مسكن، ويفرق بينه وبينهما إذا كانتا مسكنتين على الأصل قبل أن يدركهما
الحذف، لا على ما استعمل في الكلام، ولا على الأصل قبل الإسكان،
ولكنهما إذا كانتا بمنزلة أقام وأقال، ليس فيهما إلا إسكان متحرك
وتحريك ساكن.
(4/353)
بابٌ أتم فيه الاسم
لأنه ليس على مثال الفعل فيمثل به، ولكنه أتم لسكون ما قبله وما بعده
كما يتم التضعيف إذا أسكن ما بعده نحو اردد وسترى ذلك في أشياء فيما
بعد إن شاء الله وذلك فعلٌ وفعالٌ، نحو: حولٍ وعوارٍ. وكذلك فعالٌ، نحو
قوالٍ، ومفعالٌ، نحو: مشوارٍ ومقوالٍ. وكذلك التفعال، نحو التقوال.
وكذلك التفعال، نحو التقوال. وكذلك ففعولٌ، نحو قوولٍ وبيوعٍ. وفعولٌ،
نحو شيوخٍ وحوولٍ وسووقٍ. وكذلك فعالٌ، نحو نوارٍ وجوابٍ وهيامٍ. وكذلك
فعيلٌ، نحو طويلٍ وقويمٍ وسويقٍ. وكذلك فعالٌ، نحو: طوالٍ وهيامٍ،
وفعالٌ نحو: خوانٍ وخيارٍ وعيانٍن ومفاعل نحو: مقاول ومعايش.
وبنات الياء في جميع هذا في الإتمام كبنات الواو، في ترك الهمز وفي
الهمز.
وطاووسٌ نحو ما ذكرت لك، وناووسٌ، وسابورٌ، وكذلك أهوناء وأبنياء
وأعيياء، وقد قالوا أعياء، وقد قال بعض العرب أبنياء فأسكن الياء وحرك
الباء، كره الكسرة في الياء كما كرهوا الضمة في الواو في فعل من الواو
فأسكنوا نحو نورٍ وقولٍ؛ فليس هذا بالمطرد فأما الإقامة والاستقامة
فإنما اعتلتا كما اعتلت أفعالهما، لأن لزوم الاستفعال والإفعال لاستفعل
وأفعل، كلزوم يستفعل ويفعل لهما، ولو كانتا
(4/354)
تفارقان كما تفارق بنات الثلاثة التي لا
زيادة فيها مصادرها لتمت كما تتم فعولٌ منهما ونحوه.
وأما مفعولٌ فإنهم حذفوه فيهما وأسكنوه لأنه الاسم من فعل، وهو لازمٌ
له كلزوم الإفعال والاستفعال لأفعالهما، فمن ثم أجري في الاعتلال مجرى
فعله، لأنه الاسم من فعل ويفعل، كما أن الاسم من فعل ويفعل اعتل كما
اعتل فعله.
فأما ما ذكرنا مما أتممناه للسكون فليس بالاسم من فعل ويفعل، ولا من
فعل ويفعل، إنما الاسم من هذه الأشياء فاعلٌ ومفعولٌ. فإن قلت: قالوا
طويلٌ؟ فإن طويلاً لم يجىء على يطول ولا على الفعل. ألا ترى أنك لو
أردت الاسم على يفعل لقلت طائلٌ غداً، ولو كان جاء عليه لاعتل فإنما هو
كفعيلٍ يعنى به مفعولٌ، وقد جاء مفعولٌ على الأصل، فهذا أجدر أن يلزمه
الأصل، قالوا: مخيوطٌ.
ولا يستنكر أن تجيء الواو على الأصل. ولو جاءوا بالاسم على الفعل
لقالوا طائلٌ كما قالوا قائمٌ. ولم يهمزوا مقاول ومعايش، لأنهما ليستا
بالاسم على الفعل فتعتلاً عليه، وإنما هو جمع مقالةٍ ومعيشةٍ، وأصلهما
التحريك، فجمعتهما على الأصل كأنك جمعت معيشةً ومقولةً، ولم تجعله
بمنزلة ما اعتل على فعله، ولكنه أجري مجرى مفعالٍ.
وسألته عن مفعلٍ لأي شيءٍ أتم ولم يجر مجرى إفعل؟ فقال: لأن مفعلاً
إنما هو من مفعال. ألا ترى أنهما في الصفة سواء، تقول: مطعنٌ ومفسادٌ،
فتريد في المفساد من المعنى ما أردت في المطعن.
(4/355)
وتقول: المخصف والمفتاح، فتريد في المخصف
من المعنى ما أردت في المفتاح.
وقد يعتوران الشيء الواحد نحو مفتحٍ ومفتاح، ومسجٍ ومنساجٍ، ومقولٍ
ومقوالٍ. فإنما أتممت فيما زعم الخليل أنها مقصورة من مفعالٍ أبداً،
فمن ثم قالوا مقولٌ ومكيلٌ. فأما قولهم مصائب فإنه غلطٌ منهم، وذلك
أنهم توهموا أن مصيبة فعيلةٌ وإنما هي مفعلةٌ. وقد قالوا: مصاوب.
وسألته عن واو عجوزٍ وألف رسالةٍ وياء صحيفةٍ، لأي شيء همزن في الجمع،
ولم يكن بمنزلة معاون ومعايش إذا قلت صحائف ورسائل وعجائز؟ فقال: لأني
إذا جمعت معاون ونحوها، فإنما أجمع ما أصله الحركة، فهو بمنزلة ما حركت
كجدولٍ. وهذه الحروف لما لم يكن أصلها التحريك وكانت ميتةٍ لا تدخلها
الحركة على حالٍ، وقد وقعت بعد ألف، لم تكن أقوى حالاً مما أصله متحرك.
وقد تدخله الحركة في مواضع كثيرة وذلك نحو قولك: قال وباع، ويغزو
ويرمي، فهمزت بعد الألف كما يهمز سقاءٌ وقضاءٌ، وكما يهمز قائلٌ وأصله
التحريك، فهذه الأحرف الميتة التي ليس أصلها الحركة أجدر أن تغير إذا
همزت ما أصله الحركة، فمن ثم خالفت ما حرك وما أصله الحركة في الجمع
كجدولٍ ومقامٍ. فهذه الأسماء بمنزلة ما اعتل على فعله نحو يقول ويبيع،
ويغزو ويرمي، إذا وقعت هذه السواكن بعد ألف.
وقالوا: مصيبةٌ ومصائب، فهمزوها وشبهوها حيث سكنت بصحيفةٍ وصحائف.
وأما فاعلٌ من عورت، فإذا قالوا فاعلٌ غداً قالوا: عاورٌ غداً. وكذلك
صيدت؛ لأنها لما حيت في عورت أجريت مجرى واو شويت، وأجريت ياء
(4/356)
صيدت مجرى ياء حييت، إلا أنه لا يدركها
الإدغام. وذلك مثل قولك: صايدٌ غداً.
ولو كانت تقول اسماًن ثم أردت أن تكسر للجمع لقلت: تقاول، وكذلك تبيعٌ
وتبايع، فلا تهمز، لأنك إذا جمعت حرفاً والمعتل فيه أصله التحريك فإنما
هو كمعونةٍ ومعيشةٍ، ولم ترد اسماً على الفعل فتجريه مجرى الفعل، ولكنك
جمعت اسماً.
ويتم فاعلٌ كما أتممت ما ليس باسم فعلٍ مما ذكرت لك، تقول قاولٌ
وبايعٌ.
فإذا قلت فواعل من عورت وصيدت همزت، لأنك تقول في شويت شوايا، ولو قلت:
شواوٍ كما ترى قلت عواور ولم تغير. فلما صارت منه على هذا المثال همزت
نظيرها كما تهمز نظير مطايا من غير بنات الياء والواو، نحو صحائف. فلم
تكن الواو لتترك في فواعل من عورت وقد فعل بنظيرها ما فعل بمطايا،
فهمزت كما همزت صحائف. وفيها من الاستثقال نحو ما في شواوٍ، لالتقاء
الواوين وليس بينهما حاجزٌ حصينٌ، فصارت بمنزلة الواوين يلتقيان، فقد
اجتمع فيها الأمران.
وتجري فواعل من صيدت مجراها كما اتفقا في الهمز في حال الاعتلال، لأنها
تهمز هنا كما تهمز معتلة، ولأن نظيرها من حييت يجري مجرى شويت،
فيوافقها كما اتفقا في الاعتلال في قلت وبعت.
(4/357)
هذا باب
ما جاء في أسماء هذا المعتل على ثلاثة
أحرف لا زيادة فيه
اعلم أن كل اسم منها كان على ما ذكرت لك، إن كان يكون مثاله وبناؤه
فعلا فهو بمنزلة فعله، يعتل كاعتلاله. فإذا أردت فعلٌ قلت: دارٌ ونابٌ
وساقٌ، فيعتل كما يعتل في الفعل، لأنه ذلك البناء وذلك المثال، فوافقت
الفعل كما توافق الفعل في باب يغزو ويرمي.
وربما جاء على الأصل كما يجيء فعلٌ من المضاعف على الأصل إذا كان
اسماً، وذلك قولهم: القود، والحوكة، والخونة، والجورة. فأما الأكثر
فالإسكان والاعتلال. وإنما هذا في هذا بمنزلة أجودت واستحوذت.
وكذلك فعلٌ وذلك: خفت ورجلٌ خافٌ، وملت ورجلٌ مالٌ، ويومٌ راحٌ. فزعم
الخليل أن هذا فعلٌ حيث قلت فعلت كقولهم: فرق وهو رجلٌ فرقٌ، ونزقٌ وهو
رجلٌ نزقٌ. وقد جاء على الأصل كما جاء فعلٌ، قالوا: رجلٌ روعٌ ورجلٌ
حولٌ.
وأما فعلٌ فلم يجيئوا به على الأصل كراهية للضمة في الواو، ولما عرفوا
أنهم يصيرون إليه من الاعتلال من الإسكان أو الهمز، كما فعلوا ذلك
يأدؤرٍ وخونٍ.
وأما فعلٌ منها فعلى الأصل ليس فيه إلا ذلك، لأنه لا يكون فعلاً معتلاً
فيجري مجرى فعله وكان هذا اللازم له إذ كان البناء الذي يكون فيه
معتلاً قد يجيء على الأصل على فعله، نحو قودٍ وروعٍ. فإنما شبه ما اعتل
من الأسماء هنا
(4/358)
به إذ كان فعلاً. فأما ما لم يكن معتلاً
مثاله فهو على الأصل. وذلك قولهم: رجلٌ نومٌ، ورجلٌ سولةٌ، ولومةٌ،
وعيبةٌ.
وكذلك فعلٌ، قالوا: حولٌ، وصيرٌ، وبيعٌ، وديمٌ.
وكذلك إن أردت نحو إبل قلت قولٌ، وبيعٌ.
فأما فعلٌ فإن الواو فيه تسكن لاجتماع الضمتين والواو، فجعلوا الإسكان
فيها نظيراً للهمزة في الواو في أدؤر وقؤول، وذلك قولهم: عوانٌ وعونٌ؛
ونوارٌ ونورٌ، وقوولٌ وقومٌ قولٌ. وألزموا هذا الإسكان إذ كانوا يسكنون
غير المعتل نحو رسلٍ وعضدٍ وأشباه ذلك. ولذلك أثروا الإسكان فيها على
الهمزة حيث كان مثالها يسكن للاستثقال. ولم يكن لأدؤرٍ وقؤولٍ مثالٌ من
غير المعتل يسكن فيشبه به. ويجوز تثقيله في الشعر كما يضعفون فيه ما لا
يضعف في الكلام. قال الشاعر، وهو عديٌ بن زيد:
وفي الأكُفِّ اللامِعاتِ سُوُرْ
وأما فعلٌ من بنات الياء فبمنزلة غير المعتل، لأن الياء وبعدها الواو
أخف عليهم، كما كانت الضمة أخف عليهم فيها، وذلك نحو غيورٍ وغيرٍ. فإذا
(4/359)
قلت فعلٌ قلت غيرٌ ودجاجٌ بيضٌ. ومن قال
رسلٌ فخفف قالبيضٌ وغيرٌ كما يقولها في فعلٍ من أبيض، لأنها تصير
فعلاً.
باب تقلب الواو فيه ياء
لا لياءٍ قبلها ساكنة، ولا لسكونها وبعدها ياء
وذلك قولك: حالت حيالاً. وإنما قلبوها حيث كانت معتلة في الفعل،
فأرادوا أن تعتل إذا كانت قبلها كسرة وبعدها حرف يشبه الياء، فلما كان
ذلك فيها مع الاعتلال لم يقروها؛ وكان العمل من وجهٍ واحد أخف عليهم،
وجسروا على ذلك للاعتلال.
ومثل ذلك: سوطٌ وسياطٌ، وثوبٌ وثيابٌ، وروضةٌ ورياضٌ. لما كانت الواو
ميتةً ساكنة شبهوها بواو يقول؛ لأنها ساكنة مثلها، ولأنها حرف
الاعتلال. ألا ترى أن ذلك دعاهم إلى أنهم لا يستثقلونها في فعلاتٍ، إذ
كان ما أصله التحريك يسكن، وصارت الكسرة بمنزلة ياء قبلها، وعملت فيه
الألف لشبهها بالياء كما عملت ياء يوجل في ييجل.
وأما ما كان قد قلب في الواحد فإنه لا يثبت في الجمع إذا كان قبله
الكسر، لأنهم قد يكرهون الواو بعد الكسرة حتى يقلبوها فيما قد ثبتت في
واحده، فلما كان ذلك من كلامهم ألزموا البدل ما قلب في الواحد، وذلك
قولهم: ديمةٌ وديمٌ، وقامةٌ وقيمٌ، وتارةٌ وتيرٌ، ودارٌ وديارٌ. وهذا
أجدر أن
(4/360)
يكون إذ كانت بعدها ألف. فلما كانت الياء
أخف عليهم والعمل من وجهٍ واحدٍ، جسروا عليه في الجمع إذ كان في الواحد
محولا، واستثقلت الواو بعد الكسرة كما تستثقل بعد الياء.
وإذا قلت فعلة فجمعت ما في واحده الواو أثبت الواو، كما قلت فعلٌ فأثبت
ذلك، وذلك قولك: حولٌ وعوضٌ، لأن الواحد قد ثبت فيه، وليس بعدها ألف
فتكون كالسياط. وذلك قولك: كوزٌ وكوزةٌ، وعودٌ وعودةٌ، وزوجٌ وزوجةٌ.
فهذا قبيلٌ آخر.
وقد قالوا ثورةٌ وثيرةٌ، قلبوها حيث كانت بعد كسرة، واستثقلوا كما
استثقلوا أن تئبت في ديمٍ. وهذا ليس بمطرد. يعني ثيرةٌ.
وإذا جمعت قيلٌ قلت أقوالٌ، لأنه ليس قبلها ما يستثقل معه من كسرةٍ أو
ياء.
ولو جمعت الخيانة والحياكة كما قلت رسالةٌ ورسائل، لقلت حوائك وخوائن؛
لأن الواو إذا كانت بعد فتحة أخف عليهم وبعد ألفٍ، فكأنك قلت عاود،
فتقلبها واواً كما قلبت ميزاناً وموازين، ولا يكون أسوأ حالاً في الرد
إلى الأصل من رد الساكن إلى الأصل حيث قلب.
ومما أجرى مجرى حالت حيالاً ونام نياماً: اجتزت اجتيازاً، وانقدت
انقيادا، قلبت الواو ياء حيث كانت بين كسرة وألف، ولم يحذفوا كما حذفوا
في الإقالة والاستعاذة، لأن ما قبل هذا المعتل لم يكن ساكناً في الأصل
حرك بحركة ما بعده فيفعل ذلك بمصدره. ولكن ما قبله بمنزلة قاف قام ونون
نام، فنام وقاد يجري مجراهما. والحرف قبل المعتل فيما ذكرت لك
(4/361)
ساكن الأصل، ومصدره كذلك، فأجرى مجراه.
فأما اسم اختار واختير فمعتلٌّ كما اعتل اسم قال وقيل، وكذلك اسم انقاد
وانقيد ونحوه.
فأما الفعال من جاورت فتقول فيه بالأصل، وذلك الجوار والحوار. ومثل ذلك
عاونته عواناً. وإنما أجريتها على الأصل حيث صحت في الفعل ولم تعتل كما
قلت تجاور ثم قلت التجاور، وكما صح فعلت وتفعلت حيث قلت سوغته تسويغاً
وتقول تقولاً.
وأما الفعول من نحو قلت مصدراً، ومن نحو سوط جمعاً، فليس قبل الواو فيه
كسرة فتقلبها كما تقلبها ساكنة، فهم يدعونها على الأصل كما يدعون
أدوراً، ويهمزون كما يهمزونه. والوجهان مطردان، وكذلك فعولٌ. ولم
يسكنوا فيحذفوا ويصيرا بمنزلة ما لا زيادة فيه نحو فعلٍ، وذلك نحو غارت
غووراً، وسارت سووراً، وحولٌ وحوولٌ، وخورٌ وخوورٌ، وساقٌ وسووقٌ.
وكذلك قالوا: القوول، والموونة، والنووم، والنوور. وقد همزوا كما همزوا
أدؤرٌ، لاجتماع الواو والضم، ولأن الضم فيها أخفى.
ولا يفعلون ذلك بالياء في هذه الأبنية، لأنها بعدها أخف عليهم، لخفة
الياء وشبهها بالألف، فكأنها بعد ألفٍ، ولكنها تقلب ياء في فعل؛ وذلك
قولهم: صيمٌ في صومٍ، وقيمٌ في قومٍ، وقيلٌ في قولٍ، ونيمٌ في نومٍ.
لما كانت الياء أخف عليهم وكانت بعد ضمة، شبهوها بقولهم عتيٌّ في عتوٍ،
وجثيٌّ في جثوٍ، وعصيٌّ في عصوٍ. وقد قالوا أيضاً: صيمٌ ونيمٌ، كما
قالوا عتيٌّ وعصيٌّ. ولم يقلبوا في زوارٍ وصوامٍ لأنهم شبهوا الواو في
صيمٍ بها في عتوٍ إذا كانت لاماً وقبل اللام واو زائدة. وكلما تباعدت
من آخر الحرف
(4/362)
بعد شبهها وقويت وترك ذلك فيها إذ لم يكن
القلب الوجه في فعلٍ. ولغة القلب مطردة في فعلٍ.
وقالوا: مشوبٌ ومشيبٌ، وحورٌ وحيرٌ، وهذا النحو، فشبهوه بفعلٍ وأجروه
مجراه.
وأما طويلٌ وطوالٌ فهو بمنزلة جاور وجوارٌ، لأنها حية في الواحد على
الأصل.
وأما فعلانٌ فيجري على الأصل وفعلى، نحو جولانٍ وحيدانٍن وصورى وحيدى.
جعلوه بالزيادة حتى لحقته بمنزلة ما لا زيادة فيه مما لم يجيء على مثال
الفعل، نحوا لحول والغير واللومة. ومع هذا أنهم لم يكونوا ليجيئوا بهما
في المعتل الأضعف على الأصل نحو: غزوانٍ، ونزوانٍ، ونفيانٍ. ويتركان في
يالمعتل الأقوى.
وكذلك فعلاء، نحو السيراء. وفعلاء بمنزلة ذلك. قالوا: قوباء وخيلاء،
فتمت كما قالوا: عرواءٌ.
وقد قالبعضهم في فعلان وفعلى كما قالوا في فعلٍ ولا زيادة فيه، جعلوا
الزيادة في آخره بمنزلة الهاء، وجعلوه معتلاً كاعتلاله ولا زيادة فيه.
وذلك قولهم: دارانٌ من دار يدور، وحادانٌ من حاد يحيد، وهامانٌ
ودالانٌ. وهذا ليس بالمطرد كما لا تطرد أشياء كثيرة ذكرناها.
وأما فعلى وفعلى وهذا النحو فلا تدخله العلة كما لا تدخل فعلٌ وفعل.
(4/363)
باب ما تقلب فيه
الياء واواً
وذلك فعلى إذا كانت اسما. وذلك: الطوبى، والكوسى، لأنها لا تكون وصفاً
بغير ألف ولام، فأجريت مجرى الأسماء التي لا تكون وصفاً.
وأما إذا كانت وصفاً بغير ألف ولام فإنها بمنزلة فعلٍ منها، يعني بيضٌ.
وذلك قولهم: امرأةٌ حيكى. ويدلك على أنها فعلى أنه لا يكون فعلى صفةً.
ومثل ذلك: " قسمةٌ ضيزى " فإنما فرقوا بين الاسم والصفة في هذا كما
فرقوا بين فعلى اسماً وبين فعلى صفة في بنات الياء التي الياء فيهن
لام. وذلك قولهم: شروى وتقوى في الأسماء.
وتقول في الصفات: صديا وخزيا، فلا تقلب. فكذلك فرقوا بين فعلى صفة
وفعلى اسما فيما الياء فيه عين، وصارت فعلى ههنا نظيرة فعلى هناك، ولم
يجعلوها نظيرة فعلى حيث كانت الياء ثانية، ولكنهم جعلوا فعلى اسماً
بمنزلتها، لأنها إذا ثبتت الضمة في أول حرف قلبت الياء واواً، والفتحة
لا تقلب الياء، فكرهوا أن يقلبوا الثانية إذا كانت ساكنةً إلا كما
قلبوا ياء موقنٍ، وإلا كما قلبوا واو ميزانٍ وقيلٍ. وليس شيءٌ من هذا
يقلب وقبله الفتحة. وكما قلبوا ياء يوقن في الفعل.
فأما فعلى فعلى الأصل في الواو والياء، وذلك قولهم: فوضى، وعيثى. وفعلى
من قلت على الأصل كما كانت فعلى من غزوت على الأصل، فإنما أرادوا أن
تحول إذا كانت ثانية من علة، فكان ذلك تعويضاً للواو من كثرة دخول
الياء عليها.
(4/364)
باب ما تقلب الواو
فيه ياءً
إذا كانت متحركة والياء قبلها ساكنة، أو
كانت ساكنة والياء بعدها متحركة
وذلك لأن الياء والواو بمنزلة التي تدانت مخارجها لكثرة استعمالهم
إياهما وممرهما على ألسنتهم، فلما كانت الواو ليس بينها وبين الياء
حاجزٌ بعد الياء ولا قبلها، كان العمل من وجهٍ واحد ورفع اللسان من
موضع واحد، أخف عليهم. وكانت الياء الغالبة في القلب لا الواو؛ لأنها
أخف عليهم، لشبهها بالألف. وذلك قولك في فيعلٍ: سيدٌ وصيبٌ، وإنما
أصلهما سيودٌ وصيوبٌ.
وكان الخليل يقول: سيدٌ فيعلٌ وإن لم يكن فيعلٌ في غير المعتل، لأنهم
قد يخصون المعتل بالبناء لا يخصون به غيره من غير المعتل، ألا تراهم
قالوا كينونةٌ والقيدود، لأنه الطويل في غير السماء، وإنما هو من قاد
يقود. ألا ترى أنك تقول جملٌ منقاد وأقود، فأصلهما فيعلولةٌ. وليس في
غير المعتل فيعلولٌ مصدراً. وقالوا: قضاةٌ فجاءوا به على فعلةٍ في
الجمع، ولا يكون في غير المعتل للجمع. ولو أرادوا فيعلٌ لتركوه مفتوحاً
كما قالوا تيحانٌ وهيبانٌ.
وقد قال غيره: هو فيعلٌ، لأنه ليس في غير المعتل فيعلٌ. وقالوا: غيرت
الحركة لأن الحركة قد تقلب إذا غير الاسم. ألا تراهم قالوا بصريٌّ،
وقالو أمويٌّ، وقالوا أختٌ، وأصله الفتح. وقالوا دهريٌّ. فكذلك غيروا
حركة فيعلٍ.
(4/365)
وقول الخليل أعجب إلي؛ لأنه قد جاء في
المعتل بناءٌ لم يجىء في غيره، ولأنهم قالوا هيبانٌ وتيحانٌ فلم
يكسروا. وقد قال بعض العرب:
ما بالُ عيني كالشعب العَيَّنِ
فإنما يحمل هذا على الاطراد حيث تركوها مفتوحة فيما ذكرت لك؛ ووجدت
بناء في المعتل لم يكن في غيره. ولا تحمله على الشاذ الذي لا يطرد، فقد
وجدت سبيلاً إلى أن يكون فيعلاً.
وأما قولهم: ميتٌ وهينٌ ولينٌ، فإنهم يحذفون العين كما يحذفون الهمزة
من هائرٍ، لاستثقالهم الياءات، كذلك حذفوها في كينونةٍ وقيدودةٍ
وصيرورةٍ، لما كانوا يحذفونها في العدد الأقل، ألزموهن الحذف إذا كثر
عددهن وبلغن الغاية في العدد، إلا حرفاً واحداً. وإنما أرادوا بهن مثال
عيضموزٍ.
وإذا أردت فيعل من قلت قلت قيلٌ. فلو كان يغير شيء من الحركة باطراد
لغيروا الحركة ههنا. فهذه تقوية لأن يحمل سيدٌ على فيعلٍ، إذ كانت
الكسرة مطردة كثيرة. وبنات الياء فيما ذكرت لك وبنات الواو سواء.
(4/366)
ومما قلبوا الواو فيه ياءً ديارٌ وقيامٌ،
وإنما كان الحد قيوامٌ وديوار.
وقالوا قيومٌ وديورٌ، وإنما الأصل قيوومٌ وديوورٌ، لأنهما بنيا على
فيعالٍ وفيعولٍ.
وأما فعيلٌ مثل حذيمٍ فبمنزلة فيعلٍ، إلا أنك تكسر أول حرف فيه.
وأما زيلت ففعلت من زايلت. وإنا زايلت بارحت، لأن مازلت أفعل ما برحت
أفعل، فإنما هي من زلت، وزلت من الياء. ولو كانت زيلت فيعلت لقلت في
المصدر زيلةً ولم تقل تزييلاً.
وأما تحيزت فتفيعلت من حزت، والتحيز تفيعلٌ.
وأما صيودٌ وطويلٌ وأشباه ذلك فإنما منعهم أن يقلبوا الواو فيهن ياءً
أن الحرف الأول متحرك، فلم يكن ليكون إدغامٌ إلا بسكون الأول. ألا ترى
أن الحرفين إذا تقارب موضعهما فتحركا أو تحرك الأول وسكن الآخر لم
يدغموا نحو قولهم: وتدٌ ووتدٌ فعلٌ، ولم يجيزوا وده على هذا فيجعلوه
بمنزلة مد لأن الحرفين ليسا من موضع تضعيف، فهم في الواو والياء أجدر
أن لا يفعلوا ذلك.
وإنما أجروا الواو والياء مجرى الحرفين المتقاربين، وإنما السكون
والتحرك في المتقاربين، فإذا لم يكن الأول ساكناً لم تصل إلى الإدغام،
لأنه لا يسكن حرفان. فكانت الواو والياء أجدر أن لا يفعل بهما ما يفعل
بمد ومد، لبعد ما بين الحرفين. فلما لم يصلوا إلى أن يرفعوا ألسنتهم
رفعةً واحدة لم يقلبوا وتركوها على الأصل كما ترك المشبه به.
(4/367)
وفوعلٌ من بعت بيعٌن تقلب الواو كما قلبها
وهي عين في فيعلٍ وفيعلٍ من قلت. وكذلك فعيل من بعت وفعولٌ، تقول بيعٌ
وبيعٌ. وعلى هذه الطريقة فأجر هذا النحو.
وسألت الخليل عن سوير وبويع ما منعهم من أن يقلبوا الواو ياءً؟ فقال:
لأن هذه الواو ليست بلازمة ولا بأصل، وإنما صارت للضمة حين قلت فوعل.
ألا ترى أنك تقول: سير ويساير، فلا تكون فيهما الواو. وكذلك تفوعل نحو:
تبويع، لأن الواو ليست بلازمة، وإنما الأصل الألف.
ومثل ذلك قولهم: رويةٌ ورويا ونوىٌ، لم يقلبوها ياءً حيث تركوا الهمزة،
لأن الأصل ليس بالواو، فهي في سوير أجدر أن يدعوها، لأن الواو تفارقها
إذا تركت فوعل، وهي في هذه الأشياء لا تفارق إذا تركت الهمزة.
وقال بعضهم: ريا وريةٌ، فجعلها بمنزلة الواو التي ليست ببدل من شيءٍ.
ولا يكون في سوير وتبويع، لأن الواو بدل من الألف، فأرادوا أن يمدوا
كما مدوا الألف، وأن لا يكون فوعل وتفوعل بمنزلة فعل وتفعل. ألا تراهم
قالوا: قوول وتقوول، فمدوا ولم يرفعوا ألسنتهم رفعةً واحدة، لئلا يكون
كفعل وتفعل، وليكون على حال الألف في المد. ولا تدغمها فتصير بمنزلة
حرفين يلتقيان في غير حروف المد من موضع واحد الأول منهما ساكن، فكما
ترك الإدغام في الواوين كذلك ترك في سوير وتبويع.
ونحو هذه الواو والياء في سوير وتبويع واو ديوانٍ، وذلك لأن هذه الياء
ليست بلازمة للاسم كلزوم ياء فيعلٍ وفيعالٍ وفعيلٍ ونحو ذلك، وإنما
(4/368)
هي بدلٌ من الواو وكما أبدلت ياء قيراطٍ
مكان الراء، ألا تراهم يقولون دوبوينٌ في التحقير، ودواوين في الجمع،
فتذهب الياء. فلما كانت كذلك شبهت هذه الياء بواو رويةٍ وواو بوطر؛ فلم
يغيروا الواو كما لم يغيروا تلك الواو للياء. ولو بنيتها، يعنى ديوان؛
على فيعالٍ لأدغمت، ولكنك جعلتها فعالٌ ثم أبدلت كما قلت تظنيت. وكذلك
قلت قراريط فرددت وحذفت الياء. وهي من بعت على القياس لو قيل بياعٌ
بإدغام، لأنك لا تنجو من ياءين.
باب ما يكسر عليه الواحد
مما ذكرنا في الباب الذي قبله ونحوه
اعلم أنك إذا جمعت فوعلاً من قلت همزة كما همزة فواعل من عورت وصيدت.
فإذا جمعت سيداًن وهو فيعلٌ، وفيعلاً نحو عينٍ همزت، وذلك: عيلٌ
وعيائل، وخيرٌ وخيائر، لما اعتلت ههنا، فقلبت بعد حرف مزيد في موضع ألف
فاعلٍ، همزت حيث وقعت بعد ألف، وصار انقلابها ياءً نظير الهمزة في
قائلٍ. ولم يصلوا إلى الهمزة في الواحد إذ كانت قبلها ياء، فكأنهم
جمعوا شيئاً مهموزاً. ولم يكن ليعتل بعد ياء زائدة في موضع ألف ولا
يعتل بعد الألف. ولو لم يعتل لم يهمز، كما قالوا: ضيونٌ وضياونٍ،
وقالوا: عينٌ وعيائن.
وإذا جمعت فعلٌ من قلت قلت قوائل، همزت.
وإذا جمعت فعولاً فبناؤه بناء فوعلٍ في اللفظ سواء. ألا ترى أن الواوين
يقدمان ويؤخران. وذلك قولك إذا أردت فوعلاً قولٌ، وإذا أردت فعولاً
(4/369)
قولٌ. وتهمز فعاول فتقول قوائل كما همزت
فعاعل. وإنما فعلوا ذلك لالتقاء الواوين، وأنه ليس بينهما حاجز حصين،
وإنما هو الألف تخفى حتى تصير كأنك قلت قوول، وقربت من آخر الحرف فهمزت
وشبهت بواو سماء، كما قالوا صيمٌ، فأجروها مجرى عتيٍ. وذلك الذي دعاهم
إلى أن غيروا شوايا.
وإذا التقت الواوان على هذا المثال فلا تلتفتن إلى الزائد وإلى غير
الزائد. ألا تراهم قالوا أول وأوائل، فهمزوا ما جاء من نفس الحرف وأما
قول الشاعر:
وكحل العينينِ بالعَواوِرِ
فإنما اضطر فحذف الياء من عواوير ولم يكن ترك الواو لازماً له في
الكلام فيهمز.
(4/370)
وكذلك فواعل من قلت قوائل، لأنها لا تكون
أمثل حالا من فواعل من عورت ومن أوائل.
واعلم أن بنات الياء نحو بعت تبيع في جميع هذا كبنات الواو، يهمزن كما
همزت فواعل من صيدت، فجعلتها بمنزلة عورت، فوافقتها كما وافقت حييت
شويت، لأن الياء قد تستثقل مع الواو كما تستثقل الواوان، فوافقت هذه
الواو وصارت يجري عليها ما يجري على الواو في الهمز وتركه، كما اتفقتا
في حال الاعتلال وترك الأصل. فلما كثرت موافقتها لها في الاعتلال
والخروج عن الأصل، وكانت الياءان تستثقلان وتستثقل الياء مع الواو،
أجريت مجراها في الهمز، لأنهم قد يكرهون من الياء مثل ما يكرهون من
الواو.
ويهمز فعيلٌ من قلت وبعت. وذلك قوائل وبيائع، فهمزت الياء كما همزت
الواو في فعاول، فاتفقا في هذا الباب كما اتفقت الياء والواو فيما ذكرت
لك، إذ كان اجتماع الياءات يكره، والياء مع الواو مكروهتان.
باب ما يجري فيه بعض ما ذكرنا
إذا كسر للجمع على الأصل
فمن ذلك: فيعالٌ، نحو ديارٍ وقيام، وديورٍ، وقيومٍ، تقول دياوير
وقياويم.
ومثل ذلك عوارٌ تقول عواوير، ولا تهمز هذا كما تهمز فعاعل من قلت.
وخالفت فعالٌ فعلاً كما يخالف فاعولٌ نحو طاووسٍ عاوراً إذا جمعت فقلت
طواويس. وإنما خالفت الحروف الأول هذه
(4/371)
الحروف لأن كل شيءٍ من الأول همز على اعتلال فعله أو واحده فإنما شبه
حيث قرب من آخر الحروف بالياء والواو اللتين تكونان لامين، إذا وقعتا
بعد الألف ولا شيء بعدهما، نحو سقاءٍ وقضاءٍ، فجعلت الياءات والواوات
هنا كأنهن أواخر الحروف، كما جعلت الواوان في صيمٍ كأنهما أواخر
الحروف. فإذا فصلت بينهن وبين أواخ الحروف بحرفٍ جرين على الأصل، تقول:
الشقاوة والغواية، فتخرجهما على الأصل، إذا كان آخر الكلمة ما بعدهما
وحرف الإعراب. فإذا كان هذا النحو هكذا فالمعتل الذي هو أقوى وقد منعه
أن يكون آخر الحرف حرفان، أقرب من البيان، والأصل له ألزم. ومثل هذا
قولهم: زوارٌ وصوامٌ، لما بعدت من آخر الكلمة قويت كما قويت الواو في
أخوةٍ وأبوةٍ، حيث لم يكونا أواخر الحرفين. فالبيان والأصل في الصوام
ينبغي أن يكون ألزم وأثبت، لأنه أقوى المعتلين. |