الكتاب لسيبويه باب فعل من فوعلت
من قلت وفيعلت من بعت
وذلك قولك: قد قوول وقد بويع في فوعلت وفيعلت، فمددت كما مددت في
فاعلت. وإنما وافق فوعلت وفيعلت فاعلت ههنا كما اتفقن في غير المعتل.
ألا ترى أنك تقول: بيطرت فتقول بوطر، فتمد كما كنت مادا لو قلت باطرت.
وتقول صومعت فتجريها مجرى صامعت لو تكلمت بها. وكذلك فيعلت من بعت إذا
قلت فيها فعل، وكذلك تفيعلت منها إذا قلت قد تفوعل، توافق تفاعلت كما
وافق الآخر فاعلت. وذلك قولك: تقوول وتبويع، وافق تفاعلت كما يوافق
تفيعلت من غير المعتل، وذلك قولك:
(4/372)
تفوهق من تفيهقت. كما وافق فاعلت من هذا
الباب غير المعتل ولم يكن فيه إدغام، كذلك وافقة فوعلت وفيعلت.
ولم تجعل هذا بمنزلة العينين في حولت وزيلت، لأن هذه الواو والياء
تزدان كما تزاد الألف. ألا ترى أنهما قد يجيئان وليس بعدهما حرفٌ من
موضعهما، ولا يلزمهما تضعيف. وذلك قولك: حوقلت وبيطرت. فلما كانتا كذلك
أجريتا مجرى الألف، وفرق بين هاتين وبين الأخرى المدغمة. وكذلك فعولت
تمد منهما ولا تدغم، ولا تجعلها بمنزلة العينين، إذ كانتا حرفين
مفترقين. ألا ترى أن الزيادة التي فيها تلحق ولا يلزمها التضعيف في
جهورت. فلما كانت الزيادة كذلك جرت ههنا مجراها لو لم تكن بعدها واوٌ
زائدة. فكذلك إذا كان الحرف فعولت وفعيلت تجري كما جرت الواو والياء في
فوعلت وفيعلت مجراهما وليس بعدهما واو ولا ياء، لأنهما كانا حرفين
مفترقين. وذلك قولك: قد بووع وقوول، قلبت ياء بويع واواً للضمة كما
فعلت ذلك في فعللت. وسيبين ذلك إن شاء الله.
ولا تقلب الواو ياءً في فوعل من بعت إذا كانت من فيعلت لأن أمرها كأمر
سويرت.
وتقول في افعوعلت من سرت: اسييرت، تقلب الواو ياءً لأنها ساكنة بعدها
ياء. فإذا قلت فعلت قلت: اسيويرت، لأن هذه الواو قد تقع وليست بعدها
ياء، كقولك اغدودن، فهي بمنزلة واو فوعلت وألف افعاللت، وكذلك هي من
قلت؛ لأن هذه الواو قد تقع وليس بعدها واو، فيجريان في فعل مجرى غير
المعتل كما أجريت الأول مجرى غير المعتل فأجريت
(4/373)
اسيوير على مثال اغدودن في هذا المكان،
واشهوب في هذا المكان، ولم تقلب الواو ياءً، لأن قصتها قصة سوير.
وسألته عن اليوم فقال: كأنه من يمت وإن لم يستعملوا هذا في كلامهم،
كراهية أن يجمعوا بين هذا المعتل وياءٍ تدخلها الضمة في يفعل كراهية أن
يجتمع في يفعل ياءان في إحداهما ضمةٌ مع المعتل. فلما كانوا يستثقلون
الواو وحدها في الفعل رفضوها في هذا لما يلزمهم من الاستثقال في تصرف
الفعل. ومما جاء على فعل لا يتكلم به كراهية نحو ما ذكرت لك: أول،
والواو، وآءة وويحٌ، وويسٌ، وويلٌ، بمنزلة اليوم، كأنها من: ولت ووحت،
وأؤت، وإن لم يتكلم بها؛ تقديرها ععت من قولك: آءةٌ؛ لما يجتمع فيه مما
يستثقلون.
وسألته: كيف ينبغي له أن يقول أفعلت في القياس من اليوم على من قال
أطولت وأجودت، فقال: أيمت، فتقلب الواو ههنا كما قلبها في أيام. وكذلك
تقلبها في كل موضع تصح فيه ياء أيقنت. فإذا فعلت أفعل ومفعلٌ ويفعل
قلت: أووم ويووم وموومٌ؛ لأن الياء لا يلزمها أن تكون بعدها ياء كفعلت
من بعت، وقد تقع وحدها. فكما أجريت فيعلت وفوعلت مجرى بيطرت وصومعت،
كذلك جرى هذا مجرى أيقنت.
وإذا قلت أفعل من اليوم قلت أيم كما قلت أيام. فإذا كسرت على الجمع
همزت فقلت أيائم، لأنها اعتلت ههنا كما اعتلت في سيدٍ. والياء قد
تستثقل مع الواو فكما أجريت سيداً مجرى فوعلٍ من قلت، كذلك تجري هذا
مجرى أول.
وأما افعوعلت من قلت فبمنزلة افعوعلت من سرت في فعل، وأتمت
(4/374)
افعوعلت منها كما يتم فاعلت وتفاعلت، لأنهم
لو أسكنوا كان فيه حذف الألف والواو، لئلا يلتقي ساكنان.
وكذلك افعاللت وافعللت. وذلك قولك في افعوعلث اقوولت وفي افعاللت من
الياء والواو: اسواددت وابياضضت. فإذا أردت فعل قلت: أبيوضٌ كما قلت
اشهوب وضورب، فقلبت الألف.
وأما افعللت فقولك: ازوررت وابيضضت.
باب تقلب فيه الياء واواً
وذلك قولك في فعللٍ من كلت كوللٌ، وفعلل إذا أردت الفعل كولل، ولم تجعل
هذه الأشياء بمنزلة بيضٍ وقد بيع، حيث خرجت إلى مثالها لبعدها من هذا،
وصارت على أربعة أحرف، وكان الاسم منها لا تحرك ياؤه ما دام على هذه
العدة، وكان الفعل ليس أصل يائه التحريك. فلما كان هذا هكذا جرى فعله
في فعل مجرى بوطر من البيطرة، وأيقن يوقن وأوقن، والاسم يجري مجرى
موقنٍ. سمعنا من العرب من يقول: تعيطت الناقة. وقال:
(4/375)
مُظَاهِرةً نِيّاً عَتِيقاً وعُوطَطاً ...
فقد أَحْكَمَا خَلْقاً لها متباينا
العوطط فعللٌ.
باب ما الهمزة فيه في موضع اللام
من بنات الياء والواو
وذلك نحو: ساء يسوؤ، وناء ينوء؛ وداء يداء، وجاء يجيء، وفاء يفيء، وشاء
يشاء.
اعلم أن الواو والياء لا تعلان واللام ياء أو واوٌ، لأنهم إذا فعلوا
ذلك صاروا إلى ما يستثقلون، وإلى الالتباس والإجحاف. وإنما اعتلتا
للتخفيف. فلما كان ذلك يصيرهم إلى ما ذكرت لك رفض.
فهذه الحروف تجري مجرى قال يقول، وباع يبيع، وخاف يخاف، وهاب يهاب. إلا
أنك تحول اللام ياءً إذا همزت العين، وذلك قولك: جاءٍ كما ترى، همزت
العين التي همزت في بائعٍ واللام مهموزةٌ، فالتقت همزتان، ولم تكن
لتجعل اللام بين بين من قبل أنهما في كلمة واحدة، وأنهما لا يفترقان،
(4/376)
فصار بمنزلة ما يلزمه الإدغام لأنه في كلمة
واحدة، وأن التضعيف لا يفارقه. وسترى ذلك في باب الإدغام إن شاء الله.
فلما لزمت الهمزتان ازدادتا ثقلاً، فحولوا اللام وأخرجوها من شبه
الهمزة.
وجميع ما ذكرت لك في فاعلٍ بمنزلة جاءٍ. ولم يجعلوا هذا بمنزلة خطايا
لأن الهمز لم يعرض في الجمع، فأجرى هذا مجرى شاءٍ وناءٍ من شأوت ونأيت.
وأما خطايا فحيث كانت همزتها تعرض في الجمع أجريت مجرى مطايا.
واعلم أن ياء فعائل أبداً مهموزة، لا تكون إلا كذلك، ولم تزد إلا كذلك،
وشبهت بفعاعل.
وإذا قلت فواعل من جئت قلت جواءٍ، كما تقول من شأوت شواءٍ، فتجريها في
الجمع على حدٍ ما كانت عليه في الواحد، لأنك أجريت واحدها مجرى الواحد
من شأوت.
وأما فعائل من جئت وسؤت فكخطايا، تقول: جبايا وسوايا.
وأما الخليل فكان يزعم أن قولك جاءٍ وشاءٍ ونحوهما اللام فيهن مقلوبة.
وقال: ألزموا ذلك هذا واطرد فيه، إذ كانوا يقلبون كراهية الهمزة
الواحدة. وذلك نحو قولهم، للعجاج:
لاثٍ بها الأشاءُ والعُبْرِيُّ
(4/377)
وقال، لطريف بن تميم العنبري:
فتعرّفوني أنني أناذاكم ... شاكٍ سِلاحي في الحوادث مُعْلِمُ
وأكثر العرب يقول: لاثٌ وشاكٌ سلاحه. فهؤلاء حذفوا الهمزة، وهؤلاء
كأنهم لم يقلبوا اللام في جئت حين قالوا فاعلٌ، لأن من شأنهم الحذف لا
القلب ولم يصلوا إلى حذفها كراهية أن تلتقي الألف والياء وهما ساكنتان.
فهذا تقويةٌ لمن زعم أن الهمزة في جاءٍ هي الهمزة التي تبدل من العين.
وكلا القولين حسنٌ جميل.
وأما فعائلٌ من جئت فجياءٍ، ومن سوت سواءٍ، لأنها ليست همزةً تعرض في
جمعٍ، فهي كمفاعلٍ من شأوت.
وأما فعللٌ من جئت وقرأت فإنك تقول فيه: جيأيٌ وقرأيٌ، وفعللٌ منهما:
قرئىٍ وجوئىٍ، وفعللٌ: قرئىٍ وجيءٍ. وإنما فعلت ذلك لالتقاء الهمزتين
ولزومهما. وليس يكون ههنا قلبٌ كما كان في جاءٍ، لأنه ليس ههنا شيء
أصله الواو ولا الياء فإذا جعلته طرفاً جعلته كياء قاضٍ، وإنما الأصل
ههنا الهمز. فإنما أجرى جاءٍ في قول من زعم أنه مقلوب مجرى لاثٍ حيث
قلبوا قراءٍ وجياءٍ، لأن الهمزة ثابتة في الواحد، وليست تعرض في الجمع،
فأجريت مجرى مشأىً ومشاءٍ ونحو هذا.
وأما فعاعل من جئت وسؤت فتقول فيه سوايا وجبايا، لأن فعاعل من بعت وقلت
مهموزان، فلما وافقت اللام مهموزةً لم يكن من قلب اللام ياءً بدٌّ، كما
قلبتها في جاءٍ وخطايا. فلما كانت تقلب ياء وكانت الهمزة إنما تكون
(4/378)
في حال الجمع أجريت مجرى فواعل من شويت
وحويت حين قلت: شوايا، لأنها همزة عرضت في الجمع وبعدها ياءٌ فأجريت
مجرى مطايا. ومن جعلها مقلوبة فشبهها بقوله شواعٍ وإنما يريد شوائع،
فهو ينبغي له أن يقول جياءٍ وشواءٍ، لأنهما همزتا الأصل التي تكون في
الواحد. وإنما جعلت العين التي أصلها الياء والواو طرفاً، فأجريت مجرى
واو شأوت وياء نأيت في فاعل.
وأما افعللت من صدئت فاصدأيت، تقلبها ياء كما تقلبها في مفعللٍ، وذلك
قولك: مصدىءٍ كما ترى، ويفعلل يصدئي، لم تكن لتكون ههنا بمنزلة بنات
الياء وتكون في فعلت ألفاً. ومن ثم لم يجعلوها ألفاً ساكنة. كما أنك لم
تقل أغزوت إذ كنت تقول يغزي، فلم تكن لتجعل فعلت منه بمنزلة الهمزة
وسائره كبنات الياء، فأجرى هذا مجرى رمى يرمي.
وهذا قول الخليل.
وفياعل من سؤت وجئت بمنزلة فعاعل، تقول: جبايا وسيايا، لأنها همزة عرضت
في الجمع.
وسألته عن قوله: سؤته سوائيةً فقال: هي فعاليةٌ بمنزلة علانيةٍ. والذين
قالوا سوايةٌ حذفوا الهمزة كما حذفوا همزة هارٍ ولاثٍ، كما اجتمع
أكثرهم على ترك الهمزة في ملكٍ وأصله الهمزة. قال الشاعر:
(4/379)
فَلَسْتَ لانسىٍ ولكنْ لملأكٍ ... تنزَّلَ
من جَوِّ السماء يصوب
وقالوا: مألكةٌ وملأكةٌ، وإنما يزيد رسالةٌ.
وسألته عن مسائيه فقال: هي مقلوبة. وكذلك أشياء وأشاوى. ونظير ذلك من
المقلوب قسيٌّ، وإنما أصلها قووسٌ، كرهوا الواوين والضمتين. ومثل ذلك
قول الشاعر:
مَرْوانُ مَرْوانُ أخو اليوم اليَمِي
وإنما أراد اليوم، فاضطر إلى هذا ومع ذلك أن هذه الواو تعتل في فعلٍ
وتكره، فهي في الياء أجدر أن تكره، فصار اليوم بمنزلة القووس. فمسائيةٌ
إنما كان حدها مساوئةٌ، فكرهوا الواو مع الهمزة لأنهما حرفان مستثقلان.
وكان أصل أشياء شيئاء، فكرهوا منها مع الهمزة مثل ما كره من الواو
وكذلك أشاوى أصلها أشايا كأنك جمعت عليها إشاوة، وكأن أصل
(4/380)
إشاوة شيئاء، ولكنهم قلبوا الهمزة قبل
الشين وأبدلوا مكان الياء الواو، كما قالوا: أتيته أتوةً، وجبيته
جباوةً، والعليا والعلياء.
ومثل هذا في القلب طأمن واطمأن. فإنما حمل هذه الأشياء على القلب حيث
كان معناها معنى ما لا يطرد ذلك فيه، كان اللفظ فيه إذا أنت قلبته ذلك
اللفظ، فصار هذا بمنزلة ما يكون فيه الحرف من حروف الزوائد ثم يشتق في
معناه ما يذهب فيه الحرف الزائد.
وأما جذبت وجبذت ونحوه فليس فيه قلب، وكل واحدٍ منهما على حدته، لأن
ذلك يطرد فيهما في كل معنىً، ويتصرف الفعل فيه. وليس هذا بمنزلة ما لا
يطرد مما إذا قلبت حروفه عما تكلموا به وجدت لفظه لفظ ما هو في معناه
من فعلٍ أو واحدٍ هو الأصل الذي ينبغي أن يكون ذلك داخلاً عليه كدخول
الزوائد.
وجميع هذا قول الخليل.
وأما كلا وكلٌّ فمن لفظين؛ لأنه ليس ههنا قلب ولا حرفٌ من حروف الزوائد
يعرف هذا له موضعاً.
باب ما كانت الواو والياء فيه لامات
اعلم أنهن لاماتٍ أشد اعتلالاً وأضعف، لأنهن حروف إعراب، وعليهن يقع
التنوين، والإضافة إلى نفسك بالياء، والتثنية، والإضافة، نحو هنيٍ،
فإنما ضعفت لأنها اعتمد عليها بهذه الأشياء. وكلما بعدتا من آخر الحرف
كان أقوى لهما. فهما عيناتٍ أقوى، وهما فاءاتٍ أقوى منهما عيناتٍ
ولاماتٍ. وذلك نحو غزوت ورميت.
(4/381)
واعلم أن يفعل من الواو تكون حركة عينه من
المعتل الذي بعده، ويفعل من الياء تكون حركة عينه من الحرف الذي بعده،
فيكون في غزوت أبدا يفعل، وفي رميت يفعل أبداًز ولم يلزمهما يفعل ويفعل
حيث اعتلتاء لأنهم جعلوا ما قبلهما معتلين كاعتلالهما.
واعلم أن فعلت قد تدخل عليهما كما دخلت عليهما وهما عيناتٌ، وذلك شقيت
وغبيت.
وأما فعل فيكون في الواو نحو سرو يسرو، ولا يكون في الياء، لأنهم يقرون
من الواو إليها، فلم يكونوا لينقلوا الأخف إلى الأثقل فيلزمها ذلك في
تصرف الفعل.
واعلم أن الواو في يفعل تعتل إذا كان قبلها ضمة ولا تقلب ياء ولا
يدخلها الرفع، كما كرهوا الضمة في فعل، وذلك نحو البون والعون. فالأضعف
أجدر أن يكرهوا ذلك فيه. ولكنهم ينصبون لأن الفتحة فيها أخف عليهم، كما
أن الألف أخف عليهم من الواو. ألا تراهم إذا قالوا فعلٌ من باب قلت لم
تعتل، وذلك نحو: النومة، واللومة. والضمة فيها كواو بعدها، والفتحة
فيها كألف بعدها، وذلك قولك: هو يغزوك، ويريد أن يغزوك.
وإذا كان قبل الياء كسرةٌ لم يدخلها جرٌّ كما لم يدخل الواو ضم، لأن
الياءات قد يكره منها ما يكره من الواوات، فصارت وقبلها كسرةٌ كالواو
والضمة قبلها، ولا يدخلها الرفع إذ كره الجر فيها، لأن الواو قد تكره
بعد
(4/382)
الياء حتى تقلب ياءً، والضمة تكره معها حتى
تكسر في بيضٍ ونحوها. فلما تركوا الجر كانوا لما هو أثقل مع الياء وما
هو منها أترك.
وأما النصب فإنه يدخل عليها؛ لأن الألف والفتحة معها أخف كما كانتا
كذلك في الواو. وذلك قولك: هذا راميك وهو يرميك، ورأيت راميك ويريد أن
يرميك.
وإذا كانت الياء والواو قبلها فتحةٌ اعتلت وقلبت ألفاً كما اعتلت
وقبلها الضم والكسر، ولم يجعلوها وقبلها الفتحة على الأصل إذ لم تكن
على الأصل وقبلها الضمة والكسرة، فإذا اعتلت قلبت ألفاً، فتصير الحركة
من الحرف الذي بعدها كما كانت الحركة قبل الياء والواو حيث اعتلت مما
بعدها. وذلك قولك: رمى ويرمى، وغزا ويغزى، ومرمىً ومغزىً.
وأما قولهم: غزوت ورميت، وغزون ورمين، فإنما جئن على الأصل لأنه موضعٌ
لا تحرك فيه اللام، وإنما أصلها في هذا الموضع السكون، وإنما تقلب
ألفاً إذا كانت متحركة في الأصل، كما اعتلت الياء وقبلها الكسرة،
والواو وقبلها الضمة، وأصلها التحرك.
واعلم أن الواو إذا كان قبلها حرف مضموم في الاسم وكانت حرف الإعراب
قلبت ياءً وكسر المضموم، كما كسرت الباء في مبيع. وذلك قولك: دلوٌ
وأدلٍ، وأحقٍ كما ترى، فصارت الواو ههنا أضعف منها في الفعل حين قلت
يغزو ويسرو، لأن التنوين يقع عليها والإضافة بالياء نحو قولك: هنيٌّ،
والتثنية، والإضافة إلى نفسك بالياء؛ فلا تجد بداً من أن
(4/383)
تقلبها، فلما كثرت هذه الأشياء عليها وكانت
الياء قد تغلب عليها لو ثبتت، أبدلوها مكانها، لأنها أخف عليهم والكسرة
من الواو والضمة. وهي أغلب على الواو من الواو عليها. فإن كان قبل
الواو ضمة ولم تكن حرف إعراب ثبتت، وذلك نحو: عنفوانٍ، وقمحدوةٍ،
وأفعوانٍ، لأن هذه الأشياء التي وقعت على الواو في أدلٍ ونحوها وقعت
ههنا على الهاء والنون. وقالوا: قلنسوةٌ فأثبتوا، ثم قالوا قلنسٍ
فأبدلوا مكانها الياء لما صارت حرف الإعراب.
وإذا كان قبل الياء والواو حرفٌ ساكنٌ جرتا مجرى غير المعتل، وذلك نحو:
ظبيٍ ودلوٍ، لأنه لم يجتمع ياءٌ وكسرة، ولا واوٌ وضمة، ولم يكن ما
قبلهما مفتوحاً فتجري مرى ما قبله الكسرة أو ما قبله الضمة في
الاعتلال، وقويتا حيث ضعف ما قبلهما. ومن ثم قالوا: مغزوٌّ كما ترى
وعتوٌّ فاعلم.
وقالوا: عتيٌّ ومغزيٌّ، شبهوها حيث كان قبلها حرف مضموم ولم يكن بينهما
إلا حرف ساكن بأدلٍ. فالوجه في هذا النحو الواو. والأخرى عربية كثيرة.
والوجه في الجمع الياء، وذلك قولك: ثديٌّ وعصيٌّ، لأن هذا جمعٌ كما أن
أدلياً جمعٌ. وقد قال بعضهم: إنكم لتنتظرون في نحوٍ كثيرة، فشبهوها
بعتوٍ. وهذا قليل، وإنما أراد جمع النحو. فإنما لزمتها الياء حيث كانت
الياء تدخل فيما هو أبعد شبهاً، يعني صيمٌ.
وقد يكسرون أول الحروف لما بعده من الكسرة والياء، وهي لغة
(4/384)
جيدة. وذلك قول بعضهم: ثديٌّ، وحقيٌّ،
وعصيٌ، وجثيٌّ. وقال فيما قلبت الواو فيه ياء من غير الجمع. البيت لعبد
غيوث بن وقاصٍ الحارثي:
وقد عَلِمَتْ عِرْسي مُلَيْكةُ أَنَّني ... أَنَا اللَّيْثُ مَعْدِيًّا
عليه وعادِيَا
وقالوا: يسنوها المطر، وهي أرضٌ مسنيةٌ. وقالوا: مرضيٌّ وإنما أصله
الواو. وقالوا مرضوٌّ فجاءوا به على الأصل والقياس.
فإن كان الساكن الذي قبل الياء والواو ألفاً زائدةً همزت، وذلك نحو:
القضاء، والنماء، والشقاء. وأنما دعاهم إلى ذلك أنهم قالوا: عتيٌّ
ومغزيٌّ وعصيٌّ، فجعلوا اللام كأنها ليس بينها وبين العين شيء، فكذلك
جعلوها في قضاء ونحوها، كأنه ليس بينها وبين فتحة العين شيء، فكذلك
جعلوها في قضاء ونحوها، كأنه ليس بينها وبين فتحة العين شيء، وألزموها
الاعتلال في الألف لأنها بعد الفتحة أشد اعتلالا. ألا ترى أن الواو بعد
الضمة تثبت في الفعل وفي قمحدوةٍ، وتدخلها الفتحة، والياء بعد الكسرة
تدخلها الفتحة ولا تغير فتحول من موضعها. وهما بعد الفتحة لا تكونان
إلا مقلوبتين لازماً لهما السكون.
ولا يكون هذا في دلوٍ وظبيٍ ونحوهما، لأن المتحرك ليس بالعين، ولأنك لو
أردت ذلك لغيرت البناء وحركت الساكن.
(4/385)
واعلم أن هذه الواو لا تقع قبلها أبداً
كسرةٌ إلا قلبت ياء. وذلك نحو: غاز، وغزي، ونحوهما.
وسألته عن قوله غزي وشقي إذا خففت في لغة من قال عصر وعلم فقال: إذا
فعلت ذلك تركتها ياءً على حالها، لأني إنما خففت ما قد لزمته الياء،
وإنما أصلها التحريك وقلب الواو، وليس أصل هذا بفعل ولا فعل. ألا تراهم
قالوا: لقضو الرجل، فلما كانت مخففة مما أصله التحريك وقلب الواو، لم
يغيروا الواو. ولو قالوا غزو وشقو لقالوا: لقضى.
وسألته عن قول بعض العرب: رضيوا، فقال: هي بمنزلة غزي، لأنه أسكن
العين، ولو كسرها لحذف لأنه لا يلتقي ساكنان حيث كانت لا تدخلها الضمة
وقبلها الكسرة.
وتقول سرووا على الإسكان، وسروا على إثبات الحركة.
وتقول في فعلٍ من جئت: جيءٌ. فإن خففت الهمزة قلت جيٌ فضممت للتحريك.
وتقول في فعللٍ من جئت: جوىءٍ. فإن خففت قلت جيٍ، تقلبها ياءً للحركة
كما تقول في موقنٍ مييقنٌ في التحرك للتحقير، وكما تقول في ليةٍ لويةٌ.
وليس ذا بمنزلة غزى، لأن الواو إنما قلبتها للكسرة، فصارت كأنها من
الياء. ألا ترى أنك تفعل ذلك في أفعلت واستفعلت ونحوهما إذا قلت أغزيت
واستغزيت.
(4/386)
وإذا قلت فعلت من سقت فيمن قال سيق قلت
سقت؛ لأن هذه كسرة كما كسرت خاء خفت.
باب ما يخرج على الأصل
إذا لم يكن حرف إعراب
وذلك قولك: الشقاوة، والإداوة، والإتاوة، والنقاوة، والنقاية،
والنهاية.
قويت حيث لم تكن حرف إعراب كما قويت الواو في قمحدوةٍ. وذلك قولهم:
أبوةٌ وأخوةٌ، لا يغيران ولا تحولهما فيمن قال مسنيٌّ وعتيٌّ، لأنه قد
لزم الإعراب غيرهما.
وسألته عن قولهم: صلاءةٌ، وعباءةٌ، وعظاءةٌ؟ فقال: إنما جاءوا بالواحد
على قولهم: صلاءٌ وعظاءٌ وعباءٌ، كما قالوا: مسنيةٌ ومرضيةٌ حيث جاءتا
على مرضيٍ ومسنيٍ.
وإنما ألحقت الهاء آخراً حرفاً يعرى منها ويلزمه الإعراب، فلم تقو قوة
ما الهاء فيه على أن لا تفارقه. وأما من قال صلايةٌ وعبايةٌ فإنه لم
يجيء بالواحد على الصلاء والعباء، كما أنه إذا قال خصيان لم يثنه على
الواحد المستعمل في الكلام. ولو أراد ذلك لقال خصيتان.
وسألته عن الثنايين فقال: هو بمنزلة النهاية، لأن الزيادة في آخره لا
تفارقه، فأشبهت الهاء. ومن ثم قالوا مذروان، فجاءوا به على الأصل، لأن
ما بعده من الزيادة لا يفارقه.
وإذا كان قبل الياء والواو حرفٌ مفتوح وكانت الهاء لازمة لم تكن إلا
(4/387)
بمنزلتها لو لم تكن هاءٌ، وذلك نحو:
العلاة، وهناةٍ، وقناةٍ. وليس هذا بمنزلة قمحدوةٍ لأنها حيث فتحت
وقبلها الضمة كانت بمنزلتها منصوبةً في الفعل. وذلك نحو: سرو، ويريد أن
يغزوك.
وإذا كان قبلها أو قبل الياء فتحة قلبت ألفاً، ثم لم يدخلها تغيرٌ في
موضع من المواضع. فإنما قمحدوةٌ بمنزلة ما ذكرت لك من الفعل.
وإذا كان قبلها أو قبل الياء فتحةٌ في الفعل أو غيره لزمها الألف وأن
لا تغير.
وأما النفيان والغثيان فإنما دعاهم إلى التحريك أن بعدها ساكناًن
فحركوا كما حركوا رميا وغزوا، وكرهوا الحذف مخافة الالتباس، فيصير كأنه
فعالٌ من غير بنات الياء والواو. ومثل الغثيان والنفيان: النزوان
والكروان.
وإذا كانت الكسرة قبل الواو ثم كان بعدها ما يقع عليه الإعراب لازماً
أو غير لازم فهي مبدلةٌ مكانها الياء، لأنهم قد قلبوا الواو في المعتل
الأقوىل ياءً وهي متحركة، لما قبلها من الكسر، وذلك نحو: القيام،
والثيرة، والسياط. فلما كان هذا في هذا ال نحو ألزموا الأضعف الذي يكون
ثالثاً الياء.
وكينونتها ثانيةً أخف، لأنك إذا وصلت إليها بعد حرفٍ كان أخف من أن تصل
إليها بعد حرفين. وذلك قولك: محنيةٌ، فإنما هي من حنوت وهي الشيء
المحنى من الأرض - وغازيةٌ. وقالوا: قنيةٌ للكسرة وبينهما حرف، والأصل
قنوةٌ فكيف إذا لم يكن بينهما شيء.
(4/388)
باب ما تقلب فيه
الياء واواً
ليفصل بين الصفة والاسم
وذلك فعلى. إذا كانت اسماً، أبدلوا مكانها الواو، نحو: الشروى،
والتقوى، والفتوى.
وإذا كانت صفةً تركوها على الأصل، وذلك نحو: صدياً وخزياورياً. ولو
كانت ريا اسماً لقلت روى، لأنك كنت تبدل واواً موضع اللام وتثبت الواو
التي هي عين.
وأما فعلى من الواو فعلى الأصل؛ لأنها إن كانت صفة لم تغير كما لم تغير
الياء. وإن كانت اسماً ثبتت لأنها تغلب على الياء فيما هي فيه أثبت.
وذلك قولك: شهوى، ودعوى. فشهوى صفة، ودعوى اسم، وعدوى كدعوى.
وأما فعلى من بنات الواو فإذا كانت اسماً فإن الياء مبدلة مكان الواو،
كما أبدلت الواو مكان الياء في فعلى، فأدخلوها عليها في فعلى كما دخلت
عليها الواو في فعلى لتتكافئا. وذلك قولك: الدنيا، والعليا، والقصيا.
وقد قالوا القصوى فأجروها على الأصل لأنها قد تكون صفة بالألف واللام.
فإذا قلت فعلى من ذا الباب جاء على الأصل إذا كان صفةً وهو أجدر أن
يجيء على الأصل، إذ قالوا القصوى فأجروه على الأصل وهو اسم، كما أخرجت
فعلى من بنات الياء صفةً على الأصل.
وتجرى فعلى من بنات الياء على الأصل اسماً وصفة، كما جرت الواو في فعلى
صفة واسماً على الأصل.
(4/389)
وأما فعلى منهما فعلى الأصل صفةً واسماً،
تجريهما على القياس لأنه أوثق، ما لم تتبين تغييراً منهم.
باب ما إذا التقت فيه الهمزة والياء
قلبت الهمزة ياء والياء ألفاً
وذلك قولك: مطيةٌ ومطايا، وركيةٌ وركايا، وهديةٌ وهدايا، فإنما هذه
فعائل، كصحيفةٍ وصحائف.
وإنما دعاهم إلى ذلك أن الياء قد تقلب إذا كانت وحدها في مثل مفاعل
فتبدل ألفاً. وذلك نحو: مدارى وصحارى.
والهمزة قد تقلب وحدها ويلزمها الاعتلال، فلما التقى حرفان معتلان في
أثقل أبنية الأسماء ألزموا الياء بدل الألف، إذ كانت تبدل ولا معتل
قبلها، وأردوا أن لا تكون الهمزة على الأصل في مطايا إذ كان ما بعدها
معتلاً وكانت من حروف الاعتلال، كما اعتلت الفاء في قلت وبعت إذا اعتل
ما بعدها. فالهمزة أجدر؛ لأنها من حروف الاعتلال. وإن شئت قلت صارت
الهمزة مع الألفين حيث اكتتنفتاها بمنزلة همزتين، لقرب الألف منهما،
فأبدلت. يدلك على ذلك أن الذين يقولون سلاءٌ فيحققون، يقولون رأيت سلاً
فلا يحققون، كأنها همزة جاءت بعدها، وأبدلوا مكان الهمزة الياء التي
كانت ثابتةً في الواحد، كما أبدلوا مكان حركة قلت التي في القاف وحركة
ياء بعت اللتين كانتا في العينين، ليعلم أن الياء في الواحد، كما علم
أن ما بعد الباء والقاف مضمومٌ ومكسور.
(4/390)
وقد قال بعضهم: هداوى، فأبدلوا الواو، لأن
الواو قد تبدل من الهمزة.
وأما ما كانت الواو فيه ثابتة نحو: إداوةٍ، وعلاوةٍ، وعراوةٍ، فإنهم
يقولون فيه: هراوى، وعلاوى، وأداوى، ألزموا الواو ههنا كما ألزموا
الياء في ذلك، وكما قال حبالى ليكون آخره كآخر واحدة. وليست بألف تأنيث
كما أن هذه الواو غير تلك الواو.
ولم يفعلوا هذا في جاءٍ، لأنه شيءٌ على مثال قاضٍ تبدل فيه الياء
ألفاً. وقد فعل ذلك فيما كان على مثال مفاعل لأنه ليس يلتبس بغيره،
لعلمهم أنه ليس في الكلام على مثال مفاعل. وذلك يلتبس لأن في الكلام
فاعلاً.
وفواعل من شويت كذلك، لأنها همزة تعرض في الجمع وبعدها الياء، فهمزتها
كما همزت فواعل من عورت، فهي نظيرها في غير العنل، كما أن صحائف ورسائل
نظيرة مطايا وأداوى.
وكذلك فواعل من حييت هن حوايا، تجرى الياء مجرى الواو كما أجريتهما
مجرى واحداً في قلت وبعت وعورت وصيدت ولا تدرك الهمزة في قلت وبعت
وعورت وصيدت في موضعٍ إلا أدركهما ثم اعتلتا اعتلال مطايا. وذلك قولك
شوايا في فواعل وحوايا.
وفواعلٌ منهما بمنزلة فواعل، في أنك تهمز ولا تبدل من الهمزة ياءً، كما
فعلت ذلك في عورت. وذلك قولك عوائرٌ. ولا يكون أمثل حالاً من فواعل
وأوائل. وذلك قولك شواءٍ.
وأما فعائلٌ من بنات الياء والواو فمطاءٍ ورماءٍ، لأنها ليست همزة
(4/391)
لحقت في جمعٍ، وإنما هي بمنزلة مفاعلٍ من
شأوت وفاعلٍ من جئت، لأنها تخرج على مثال مفاعل. وهي في هذا المثال
بمنزلة فاعلٍ من جئت، فهمزتها بمنزلة همزة فعالٍ من حييت. وإن جمعت قلت
مطاءٍ، لأنها لم تعرض في الجمع.
وفياعل من شويت وحييت بمنزلة فواعل، تقول: حيايا وشيايا، وذلك لأنك
تهمز سيداً وبيعاً إذا جمعت.
فكل شيءٍ من باب قلت وبعت همز في الجمع فإن نظيره من حييت وشويت يجيء
على هذا المثال، لأنها همزةٌ تعرض في جمع وبعدها ياءٌ، ولا يخافون
التباساً.
وقالوا: فلوةٌ وفلاوى، لأن الواحد فيه واو فأبدلوه في الجمع واواً.
وأما فعائلٌ وفواعلٌ ففيه مع شبهه بمفاعلٍ من شأوت وجاءٍ فيما ذكرت لك
- يعني أنه واحد - أن له مثالاً مفتوحاً يلتبس به لو جعلته بمنزلة
فعائل، نحو حبارى، فكرهوا أن يلتبس به ويشبهه. وليس للجمع مثال أصلٍ ما
بعد ألفه الفتح.
باب ما بني على أفعلاء وأصله فعلاء
وذلك: سريٌّ وأسرياء، وأغنياء وأشقياء. وإنما صرفوها عن سرواء وغنياء
لأنهم يكرهون تحريك الياء والواو وقبلهما الفتحة؛ إلا أن يخافوا
التباساً في رميا وغزوا ونحوهما.
والياء إذا كانت قبلها الكسرة فهي في النصب والفتح بمنزلة غير المعتل،
(4/392)
فلما كانت الحركة تكره وقبلها الفتحة،
وكانت أفعلاء قد يجمع بها فعيلٌ؛ فروا إليها كما فروا إليها في التضعيف
في أشداء، كراهية التضعيف.
باب ما يلزم الواو فيه بدل الياء
وذلك إذا كانت فعلت على خمسة أحرف فصاعداً. وذلك قولك: أغزيت وغازيت،
واسترشيت.
وسألت الخليل عن ذلك فقال: إنما قلبت ياءً لأنك إذا قلت يفعل لم تثبت
الواو للكسرة، فلم يكن ليكون فعلت على الأصل وقد أخرجت يفعل إلى الياء.
وأفعل وتفعل ونفعل.
قلت: فما بال تغازينا وترجينا وأنت إذا قلت يفعل منهما كان بمنزلة يفعل
من غزوت.
قال: الألف بدلٌ من الياء ههنا التي أبدلت مكان الواو، وإنا أدخلت
التاء على غازيت ورجيت.
وقال: ضوضيت وقوقيت بمنزلة ضعضعت، ولكنهم أبدلوا الياء إذ كانت رابعة.
وإذا كررت الحرفين فهما بمنزلة تكريرك الحرف الواحد، فإنما الواوانن
ههنا بمنزلة ياءي حييت وواوي قوةٍ، لأنك ضاعفت. وكذلك: حاحيت، وعاعيت،
وهاهيت. ولكنهم أبدلوا الألف لشبهها بالياء؛ فصارت كأنها هي. يدلك على
أنها ليست فاعلت قولهم: الحيحاء والعيعاء، كما قالوا: السرهاف
والفرشاط؛ والحاحاة والهاهاة، فأجري مجرى دعدعت إذ كن للتصويت، كما أن
دهديت هي فيما زعم الخليل دهدهت بمنزلة دحرجت، ولكنه أبدل الياء من
الهاء لشبهها بها، وأنها في الخفاء والخفة نحوها، فأبدلت كما أبدلت من
الياء في هذه.
(4/393)
وقالوا: دهدوة الجعل، وقالوا: دهدية الجعل،
كماقالوا دحروجةٌ. يدلك على أنها مبدلة قولهم: دهدهت.
فأما الغوغاء ففيها قولان: أما من قال غوغاءٌ فأنث ولم يصرف فهي عنده
مثل عوراء.
وأما من قال غوغاءٌ فذكر وصرف فإنما هي عنده بمنزلة القمقام، وضاعفت
الغين والواو كما ضاعفت القاف والميم. وكذلك الصيصية والدوداة،
والشوشاة؛ فإنما يضاعف حرفٌ وياء أو واو، كما ضاعفت القمقام، فجعلت
هؤلاء بمنزلتها، كما تجعل الحياء وحييت بمنزلة الغصص وغصصت، وكما تجعل
القوة بمنزلة الغصة. فهؤلاء في الأربعة بمنزلة هؤلاء في الثلاثة.
والموماة بمنزلة الدوداة والمرمر، ولا تجعلها بمنزلة تمسكن؛ لأن ما جاء
هكذا والأول من نفس الحرف هو الكلام الكثير ولا تكاد تجد في هذا الضرب
الميم زائدة إلا قليلا.
وأما قولهم: الفيفاة فالألف زائدة، لأنهم يقولون الفيف في هذا المعنى.
وأما القيقاء والزيزاء فبمنزلة العلباء، لأنه لا يكون في الكلام مثل
القلقال إلا مصدراً.
وإذا كانت الياء زائدة رابعة فهي تجري مجرى ما هو من نفس الحرف. وذلك
نحو: سلقيت، وجعبيت، تجريهما وأشباههما مجرى ضوضيت وقوقيت.
وأما المروراة فبمنزلة الشجوجاة، وهما بمنزلة صمحمحٍ، ولا تجعلهما على
عثوثلٍ لأن مثل صمحمحٍ أكثر. وكذلك قطوطى.
(4/394)
وقالوا: القيقاء والزيزاءة، فإنما أرادوا
الواحد على القيقاء، والزيزاء. وقد قال بعضهم: قيقاءةٌ وقواقٍ، فجعل
الياء مبدلةً كما أبدلها في قيلٍ.
وسألته عن أثفية فقال: هي فعليةٌ فيمن قال أثفت، وأفعولةٌ فيمن قال
ثفيت.
هذا باب التضعيف في بنات الياء
وذلك نحو: عييت وحييت وأحييت واعلم أن آخر المضاعف من بنات الياء يجري
مجرى ما ليس فيه تضعيف من بنات الياء، ولا تجعل بمنزلة المضاعف من غير
الياء، لأنها إذا كانت وحدها لاماً لم تكن بمنزلة اللام من غير الياء،
فكذلك إذا كانت مضاعفةً. وذلك نحو: يعيا ويحيا، ويعيى ويحيى، أجريت ذلك
مجرى يخشى ويخشي.
ومن ذلك محياً، قالوه كما قالوا مخشىً.
فإذا وقع شيءٌ من التضعيف بالياء في موضع تلزم ياء يخشى فيه الحركة
وياء يرمي لا تفارقهما، فإن الإدغام جائزٌ فيه، لأن اللام من يرمي
ويخشى قد صارتا بمنزلة غير المعتل، فلما ضاعفت صرت كأنك ضاعفت في غير
بنات الياء حيث صحت اللام على الأصل وحدها. وذلك قولك: قد حي في هذا
المكان، وقد عي بأمره. وإن شئت قلت: قد حيي في هذا المكان وقد عيي
بأمره. والإدغام أكثر، والأخرى عربيةٌ كثيرةً. وسنبين هذا النحو إن شاء
الله.
ومثل ذلك قد أحي البلد، فإنما وقع التضعيف لأنك إذا قلت خشي أو رمي
كانت الفتحة لا تفارق، وصارت هذه الأحرف على الأصل
(4/395)
بمنزلة طرد وأطرد وحمد، فلما ضاعفت صارت
بمنزلة مد وأمد وود. قال الله عز وجل: " ويحيى من حي عن بينةٍ ".
وكذلك قولهم: حياءٌ وأحيةٌ، ورجلٌ عييٌّ وقومٌ أعياء؛ لأن اللام إذا
كانت وحدها كانت بمنزلة غير المعتل فلزمتها الحركة، فأجري مجرى حي.
فإذا قلت فعلوا وأفعلوا قلت: حيا وأحيوا، لأنك قد تحذفها في خشوا
وأخشوا. قال الشاعر:
وكُنَّا حَسِبْناهُمْ فَوارِسَ كهمسٍ ... حَيُوا بعدَ ما ماتوا من
الدَّهْر أَعْصُرَا
وقد قال بعضهم: حيوا وعيوا. لما رأوها في الواحد والاثنين والمؤنث إذا
قالوا حييت المرأة، بمنزلة المضاعف من غير الياء، أجروا الجمع على ذلك.
قال الشاعر:
عَيُّوا بأَمْرِهِمُ كما ... عَيّتْ بَبْيضتها الحَمامَةْ
(4/396)
وقال ناسٌ كثير من العرب: قد حيي الرجل
وحييت المرأة، فبين. ولم يجعلوها بمنزلة المضاعف من غير الياء. وأخبرنا
بهذه اللغة يونس.
وسمعنا بعض العرب يقول، أعييتاء وأحييةٌ؛ فيبين. وأحسن ذلك أن تخفيها
وتكون بمنزلتها متحركة. وإذا قلت يحيي أو معىٍ ثم أدركه النصب فقلت:
رأيت معيباً ويريد أن يحييه، لم تدغم لأن الحركة غير لازمة، ولكنك تخفي
وتجعلها بمنزلة المتحركة، فهو أحسن وأكثر. وإن شئت بينت كما بينت حيي.
والدليل على أن هذا لا يدغم قوله عز وجل: " أليس ذلك بقادرٍ على أن
يحيي الموتى ".
ومثل ذلك معييةٌ؛ لأنك قد تخرج الهاء فتذهب الحركة وليست بلازمة لهذا
الحرف. وكذلك محييان ومعييان وحييان، إلا أنك إن شئت أخفيت. والتبيين
فيه أحسن مما في يائه كسرة، لأن الكسرة من الياء، فكأنهن ثلاث ياءات.
فأما تحيةٌ فبمنزلة أحييةٍ، وهي تفعلةٌ.
والمضاعف من الياء قليل، لأن الياء قد تثقل وحدها لاماً، فإذا كان
قبلها ياءٌ كان أثقل لها.
(4/397)
باب ما جاء على أن
فعلت منه
مثل بعت وإن كان لم يستعمل في الكلام
لأنهم لو فعلوا ذلك صاروا بعد الاعتلال إلى الاعتلال والالتباس. فلو
قلت يفعل من حي ولم تحذف لقلت يحى، فرفعت ما لا يدخله الرفع في كلامهم،
فكرهوا ذلك كما كرهوه في التضعيف.
وإن حذفت فقلت يحيى أدركته علة لا نقع في كلامهم، وصار ملتبساً بغيره،
يعني يعي ويقي ونحوه. فلو كانت علةٌ بعد علة كرهوا هذا الاعتماد على
الحرف.
فمما جاء في الكلام على أن فعله مثل بعت: آيٌ، وغايةٌ، وآيةٌ. وهذا ليس
بمطرد، لأن فعله يكون بمنزلة خشيت ورميت، وتجري عينه على الأصل. فهذا
شاذٌّ كما شذ قودٌ وروعٌ وحولٌ، في باب قلت. ولم يشذ هذا في فعلت لكثرة
تصرف الفعل وتقلب ما يكرهون فيه فعل ويفعل. وهذا قول الخليل.
وقال غيره: إنما هي آيةٌ وأيٌّ فعلٌ، ولكنهم قلبوا الياء وأبدلوا
مكانها الألف لاجتماعهما، لأنهما تكرهان كما تركه الواوان، فأبدلوا
الألف كما قالوا الحيوان، وكما قالوا ذوائب، فأبدلوا الواو كراهية
الهمزة وهذا قولٌ.
(4/398)
وأما الخليل فكان يقول: جاء على أن فعله
معتلٌّ وإن لم يكن يتكلم به، كما قالوا قودٌ، فجاء كأن فعله على الأصل.
وجاء استحيت على حاي مثل باع، وفاعله حاءٍ مثل بائعٍ مهموز، وإن لم
يستعمل، كما أنه يقال يذر ويدع، ولا يستعمل فعل. وهذا النحو كثير.
والمستعمل حايٍ غير مهموز، مثل عاورٍ إذا أردت فاعلا، ولا تعل لأنها
تصح في فعل نحو عور. وكذلك استحيت أسكنوا الياء الأولى منها كما سكنت
في بعت، وسكنت الثانية لأنها لام الفعل، فحذفت الأولى لئلا يلتقي
ساكنان. وإنما فعلوا هذا حيث كثر في كلامهم.
وقال غيره: لما كثرت في كلامهم وكانتا ياءين حذفوها وألقوا حركتها على
الحاء، كما ألزموا يرى الحذف، وكما قالوا: لم يك ولا أدر.
وأما الخليل فقال: جاءت على حيت، كما أنك حيث قلت استحوذت واستطيبت كان
الفعل كأنه طيبت وحوذت. فهذا شذ على الأصل كما شذ هذا على الأصل، ولا
يكون الاعتلال في فعلت منه كما لم يجىء فعلت من باب جئت وقلت على
الأصل.
وقول الخليل يقويه أول، وآءةٌ، ويومٌ، ونحو هذا، لأنها قد جاءت على
أشياء لم تستعمل. والآخر قولٌ.
وقالوا: حيوة كأنه من حيوة وإن لم يقل؛ لأنهم قد كرهوا الواو ساكنة
وقبلها الياء فيما لا لا تكون الياء فيه لازمة في تصرف الفعل، نحو
(4/399)
يوجل، حتى قالوا ييجل. فلما كان هذا لازماً
رفضوه كما رفضوا من يومٍ يمت كراهية لاجتماع ما يستثقلون. ولكن مثل
لويت كثير لأن الواو تحيا ولم تعتل في يلوي كييجل فيكون هذا مرفوضاً،
فشبهت واو ييجل بالواو الساكنة وبعدها الياء فقلبت ياءً كما قلبت أولا.
وكانت الكسرة في الواو والياء بعدها، أخف عليهم من الضمة في الياء
والواو بعدها، لأن الياء والكسرة نحو الفتحة والألف. وهذا إذا صرت إلى
يفعل.
باب التضعيف في بنات الواو
اعلم أنهما لا تثبتان كما تثبت الياءان في الفعل. وإنما كرهتا كما كرهت
الهمزتان حتى تركوا فعلت كما تركوه في الهمز في كلامهم، فإنما يجيء
أبداً على فعلت على شيء يقلب الواو ياءٌ. ولا يكون فعلت ولا فعلت،
كراهية أن تثبت الواوان. فإنما يصرفون المضاعف إلى ما يقلب الواو ياءً.
فإذا قلبت ياء جرت في الفعل وغيره والعين متحركةٌ مجرى لويت ورويت، كما
أجريت أغزيت مجرى بنات الياء حين قلبت ياءً، وذلك نحو: قويت وحويت
وقوي.
ولم يقولوا قد قو، لأن العين وهي على الأصل قالبةٌ الواو الآخرة إلى
الياء، ولا يلتقي حرفان من موضع واحد، فكسرت العين ثم أتبعتها الواو
وإذا كان أصل العين الإسكان ثبتت، وذلك قولك: قوةٌ وصوةٌ وجوٌ وحوةٌ
وبوٌّ، لما كانت لا تثبت مع حركة العين اسماً كما لا تثبت واو غزوت
(4/400)
في الاسم والعين متحركة، بنوها كما بنيت
والعين ساكنةً في مثل غزوٍ وغزوةٍ ونحو ذلك.
قلت: فهلا قالوا قووت تقوو، كما قالوا: غزوت تغزو؟ قال: إنما ذلك لأنه
مضاعف، فيرفع لسانه ثم يعيده، وهو هنا يرفع لسانه رفعةً واحدة فجاز
هذا، كما قالوا: سآلٌ ورآسٌ، لأنه حيث رفع لسانه رفعةً واحدة كانت
بمنزلة همزة واحدة. فلم يكن قووت كما لم يكن إصدأأت وأأت، وكانت قوةٌ
كما كانت سآلٌ. واحتمل هذا في سآلٍ لأنه أخف، كما كان أصم أخف عليهم من
أصمم.
واعلم أن الفاء لا تكون واواً واللام واواً في حرف واحد. ألا ترى أنه
ليس مثل وعوت في الكلام. كرهوا ذلك كما كرهوا أن تكون العين واواً
واللام واوٌ ثانية. فلما كان ذلك مكروهاً في موضع يكثر فيه التضعيف نحو
رددت وصممت، طرحوا هذا من الكلام مبدلاً وعلى الأصل، حيث كان مثل قلق
وسلس أقل من مثل رددت وصممت. وسنبين ذلك في الإدغام إن شاء الله.
وقد جاء في الياء كما جاءت العين واللام ياءين. وأن تكون فاءً ولاماً
أقل، كما كان سلس أقل. وذلك قولهم: يديت إليه يداً. ولا يكون في الهمزة
إذ لم يكن في الواو، ولكنه يكون في الواو في بنات الأربعة، نحو الوزوزة
والوحوحة، لأنه يكثر فيها مثل قلقل وسلسل ولم تغير؛ لأن بينهما حاجزاً،
وما
(4/401)
قبلها ساكن فلم تغير: وتكون الهمزة مثل
الدأدأة: ضرب من السير ثانية ورابعة، لأن مثل نفنفٍ كثيرٌ. وتكون في
الواو نحو ضوضيت، وهي في الواو أوجد لأنها أخف من الهمزة. فإذا كان
شيءٌ من هذا النحو في الهمزة فهو للواو ألزم، لأنها أخف وهم لها أشد
احتمالاً.
واعلم أن افعاللت من رميت بمنزلة أحييت في الإدغام والبيان والخفاء،
وهي متحركة، وكذلك افعللت. وذلك قولك في افعاللت: ارماييت، وهو يرمايي،
وأحب أن يرمايي بمنزلة " أن يحيى الموتى ". وتقول ارماييا، فتجربها
مجرى أحييا ويحييان. وتقول قد ارموي في هذا المكان كما قلت: قد حي فيه،
وأحي فيه، لأن الفتحة لازمة، ولا تقلب الواو ياءً لأنها كواو سوير لا
تلزم وهي في موضع مد. وتقول: قد ارمايوا، كما تقول: قد أحيوا. وتقول:
ارمييت في الفعللت يرميي، كما تقول يحيي. وتقول: ارمييا، كما تقول: قد
أحييا. ومن قال يحييان فأخفى قال ارمييا فأخفى. وتقول: قد ارمي في هذا
المكان، لأن الفتحة لازمة. ومن قال أحيي فيها قال ارمويي فيها إذا
أرادها من ارماييت، ولا يقلب الواو، لأنها مدة. وتقول: مرماييةٌ
ومرمييةٌ فتخفى، كما تقول معييةٌ. وإن شئت بينت على بيان معييةٍ
والمصدر ارمياءً وارمياءً، واحيياءً واحيياءً.
وأما افعللت وافعاللت من غزوت فاغزويت واغزاويت، ولا يقع فيها الإدغام
ولا الإخفاء، لأنه لا يلتقي حرفان من موضعٍ واحد.
(4/402)
ومثل ذلك من الكلام: ارعويت، وأثبت الواو
الأولى لأنه لا يعرض لها في يفعل ما يقلبها. ولم تكن لتحولها ألفاً
وبعدها ساكن وإنما هي بمنزلة نزوانٍ.
وأما افعاللت من حييت فبمنزلتها من رميت.
وأما افعللت فبمنزلة ارمييت، إلا أنه يدركها من الإدغام مثل ما يدرك
اقتتلت، وتبين كما تبين، لأنهما ياءان في وسط الكلمة كالتاء في وسطها.
وذلك قولك: احييت واحييينا، كما قلت اقتتلت واقتتلنا، واحيييا كما قلت
اقتتلت، واقتتلا. ومن قال يقتل فكسر القاف وأدغم قال يحيي. ومن قال
يقتل قال يحيي. ومن قال يقتتل فأخفى وتركها على حركتها فإنه يقول
يحييي.
وتقول فيمن قال قتلوا: حيوا. ومن قال اقتتلوا فأخفى قال احييوا. ومن
قال قتلوا قال حيوا. ومن قال في مفتعلٍ مقثتلٌ قال محيياً. ومن قال
مقتلٌ قال محيٌّ. ومن قال مقتلٌ قال محيٌّ. ومن أخفى فقال مقتتلٌ قال
محيياً. فقسه في الإدغام على افعللت.
وإنما منعهم أن يجعلوا اقتتلوا بمنزلة رددت فيلزمه الإدغام أنه في وسط
الحرف، ولم يكن طرفاً فيضعف كما تضعف الواو، ولكنه بمنزلة الواو الوسطى
في القوة. وسنبين ذلك في الإدغام إن شاء الله.
وأما افعاللت من الواوين فبمنزلة غزوت، وذلك قول العرب: قد احواوت
الشاة واحواويت. فالواو بمنزلة واو غزوت، والعين بمنزلتها في افعاللت
من عورت.
(4/403)
وإذا قلت احواويت فالمصدر احوياءً، لأن
الياء تقلبها كما قلبت واو أيامٍ.
وإذا قلت افعللت قلت: احوويت تثبتان حيث صارتا وسطاً، كما أن التضعيف
وسطاً أقوى نحو: اقتتلنا، فيكون على الأصل، وإن كان طرفاً اعتل. فلما
اعتل المضاعف من غير المعتل في الطرف كانوا للواوين تاركين، إذ كانت
تعتل وحدها. ولما قوي التضعيف من غير المعتل وسطاً جعلوا الواوين وسطاً
بمنزلته، فأجرى احوويت على اقتتلت والمصدر احوواء. ومن قال قتالاً قال
حواءً.
وتقول في فعلٍ من شويتٌ شيءٌ، قلبت الواو ياء حيث كانت ساكنة بعدها
ياءٌ، وكسرت الشين كما كسرت تاء عتىٍّ وصاد عصيٍ، كراهية الضمة مع
الياء، كما تكره الواو الساكنة وبعدها الياء.
وكذلك فعلٌ من أحييت.
وقد ضم بعض العرب ولم يجعلها كبيضٍ، لأنه حين أدغم ذهب المد وصار كأنه
بعد حرف متحرك نحو صيدٍ. ألا ترى أنها لو كانت في قافية مع عمىٍ جاز.
فهذا دليلٌ على أنه ليس بمنزلة بيضٍ. ولم يجعلوها كتاء عتيٍّ وصاد عصيٍ
ونون مسنية لأنهن عينات، فإنما شبهن بلام أدلٍ وراء أجرٍ. وقالوا قرنٌ
ألوى وقرونٌ ليٌّ، سمعنا ذلك منهم.
ومثل ذلك قولهم: ريا وريةٌ حيث قلبوا الواو المبدلة من الهمزة فجعلوها
كواو شويت. وقد قال بعضهم ريا وريةٌ كما قالوا ليٌّ. ومن قال ريةٌ
(4/404)
قال في فعلٍ من وأيت فيمن ترك الهمز: ويٌّ،
ويدع الواو على حالها، لأنه لم يلتق الواوان إلا في قول من قال أعد.
ومن قال ريا فكسر الراء قال ويٌّ فكسر الواو إلا في قول من قال إسادةٌ
وسألته عن قوله معايا فقال: الوجه معايٍ، وهو المطرد. وكذلك قول يونس.
وإنما قالوا معايا كما قالوا مدارى وصحارى، وكانت مع الياء أثقل إذ
كانت تستثقل وحدها.
وسألته عن قولهم: لم أبل فقال: هي من باليت، ولكنهم لما أسكنوا اللام
حذفوا الألف لأنه لا يلتقي ساكنان. وإنما فعلوا ذلك في الجزم لأنه موضع
حذفٍ، فلما حذفوا الياء التي هي من نفس الحرف بعد اللام صارت عندهم
كنون يكن حين أسكنت. فإسكان اللام هنا بمنزلة حذف النون من يكن.
وإنما فعلوا هذا بهذين حيث كثرا في كلامهم، إذ كان من كلامهم حذف النون
والحركات. وذلك نحو: مذ، ولد، وقد علم. وإنما الأصل لدن ومنذ وقد علم.
وهذا من الشواذ، وليس مما يقاس عليه ويطرد.
وزعم الخليل أن ناساً من العرب يقولون: لم أبله، لا يزيدون على حذف
الألف حيث كثر الحذف في كلامهم، كما حذفوا ألف احمر وألف علبطٍ، وواو
غدٍ.
(4/405)
وكذك فعلوا بقولهم: ما أباليه بالة، كأنها
باليةٌ بمنزلة العافية.
ولم يحذفوا لا أبالي لأن الحرف يقوى ههنا ولا يلزمه حذفٌ، كما أنهم إذا
قالوا لم يكن الرجل فكانت في موضع تحركٍ لم تحذف؛ لأنه بعد شبهها من
التنوين كنون منذ ولدن.
وإنما جعلوا الألف تثبت مع الحركة. ألا ترى أنها لا تحذف في أبالي في
غير موضع الجزم، وإنما تحذف في الموضع الذي تحذف منه الحركة.
باب ما قيس من المعتل
من بنات الياء والواو ولم يجىء في الكلام
إلا نظيره من غير المعتل
تقول في مثل حمصيصةٍ من رميت رمويةٌ، وإنما أصلها رمييةٌ، ولكنهم كرهوا
ههنا ما كرهوا في رحيىٍ حيث نسبوا إلى رحى فقالوا رحويٌّ لأن الياء
التي بعد الميم لو لم يكن بعدها شيءٌ كانت كياء رحى في الاعتلال فلما
كانت كذلك تعتل، ويكون البدل أخف عليهم، وكرهوها وهي واحدة، كانوا لها
في توالي الياءات والكسرة فيها أكره، فرفضوها. فإنما أمرها كأمر رحى في
الإضافة.
وكذلك مثل الصمكيك، تقول: رمويٌّ.
وكذلك مثل الحلكوك تقول رمويٌّ، لأنك تقلب الواو ياءً فتصير إلى مثل
حال فعليل.
(4/406)
وأما فعلولٌ منها نحو بهلولٍ فتقول:
رمييٌّ، وكان أصلها رميويٌ، ولكنك قلبت الواو التي قبل الياء لأنها
ساكنة وبعدها ياء. وتثبت الياء الأولى، لأنك لو أضفت إلى ظبيٍ قلت
ظبيٌّ، وإلى رمىٍ قلت رميىٌّ فلم تغيره، فكأنك أضفت إلى رمى.
وكذلك فعليل، إلا أنك تكسر أول الحرف تقول: رميىٌّ. ومن غزوت: غزويٌّ،
تقلب الواو ياءً لأن قبلها ياء ساكنة. كما أنك تقول في فعيل: غزيٌ تقلب
للياء التي قبل الواو.
وأما فعلولٌ منها، فغزويٌّ، وأصلها غزووٍّ، فلما كانوا يستثقلون
الواوين في عتيٍ ومعديٍ ألزم هذا بدل الياء، حيث اجتمعت ثلاث واوات مع
الضمتين في فعلولٍ، فألزم هذا التغيير كما ألزم مثل محنيةٍ البدل إذ
غيرت في ثيرةٍ والسياط ونحوهما.
وتقول في مفعولٍ من قويت: هذا مكان مقويٌّ فيه، لأنهن ثلاث واوات
بمنزلة ما ذكرت لك من فعلولٍ من غزوت، وإنما حدها مقووٌّ، كما أنه إذا
قال مفعولٌ من شقيت قال مكانٌ مشقوٌّ فيه، لأنها من الواو من شقوةٍ
وشقاوة، ولم يدرك الواو ما يغيرها إلا أن تقول مشقيٌّ فيما قال أرضٌ
مسنيةٌ.
وتقول في فعلولٍ من قويت: قويٌّ، تغير منها ما غيرت من فعلولٍ من غزوت.
وتقول في أفعولةٍ من غزوت أغزوةٌ. وقد جاءت في الكلام أدعوةٌ. وقد تكون
أدعيةٌ، على أرضٍ مسنية.
(4/407)
وتقول في أفعولٍ من قويت أقويٌّ لأن فيها
ما في مفعولٍ من الواوات فغير منها ما غيرت في مفعولٍ منها.
وتقول في فعلولٍ من غزوت غزوىٌّ لاجتماع واوات مع الضمة التي في اللام.
وتقول في فعلولٍ من شويت وطويت: شوويٌ وطووىٌّ، وإنما حدها وقد قلبوا
الواوين: طيىٌّ وشيىٌّ، ولكنك كرهت الياءات كما كرهتها في حيىٍ حين
أضفت إلى حيةٍ فقلت: حيوىٌّ.
وكذلك فيعولٌ من طويت، لأن حدها وقد قلبت الواوين طيىٌّ فقد اجتمع فيها
مثل ما اجتمع في فعلولٍ، وذلك قولك طيوىٌّ. ومن قال في النسب إلى أمي:
أميىٌّ، وإلى حيةٍ: حيىٌّ، تركها على حالها فقال في فعلول طيىٌّ فيمن
قال لىٌّ، وطيىٌّ فيمن قال لىٌّ.
وأما فيعلولٌ من غزوت فغيزوٌّ بمنزلة مغزوٍ، وهي من قويت قيوٌّ قلبت
الواو التي هي عين وأثبت واو فيعولٍ الزائدة، لأن التي قبلها متحركة،
فلما سلمت صارت وما بعجها كواوي غيزوٍ.
وتقول في فيعلٍ من حويت وقويت: حياً وقياً؛ قلبت التي هي عينٌ ياءً
للياء التي قبلها الساكنة، وقلبت التي هي لامٌ ألفاً للفتحة قبلها،
لأنها تجرى مجرى لام شقيت، كما أجريت حييت مجرى خشيت.
وتقول منها فيعلٌ حيٍ وقيٍ، لأن العين منها واوٌ كما هي في قلت. وإنما
منعهم من أن تعتل الواو وتسكن في مثل قويت ما وصفت لك في حييت. وينبغي
أن يكون فيعلٌ هو وجه الكلام فيه، لأن فيعلاً عاقبت فيعلاً
(4/408)
فيما الواو والياء فيه عين. ولا ينبغي أن
يكون في قول الكوفيين إلا فيعلاً مكسور العين، لأنهم يزعمون أنه فيعلٌ،
وأنه محمدود عن أصله.
وأما الخليل فكان يقول: عاقبت فيعلٌ فيعلاً فيما الياء والواو فيه عينٌ
واختصت به، كما عاقبت فعلةٌ للجمع فعلةٌ فيما الياء والواو فيه لامٌ.
وكذلك شويت وحييت بهذه المنزلة. فإذا قلت فيعلٌ قلت حيٌّ وشيٌّ وقيٌّ،
تحذف منها ما تحذف من تصغير أحوى، لأنه إذا كان آخره كآخره فهو مثله في
قولك أحيٌ، إلا أنك لا تصرف أحي.
وتقول في فعلانٍ من قويت: قووانٌ. وكذلك حييت. فالواو الأولى كواو عور،
وقويت الواو الآخرة كقوتها في نزوانٍ، وصارت بمنزلة غير المعتل، ولم
يستثقلوها مفتوحتين كما قالوا: لوويٌّ وأحوويٌّ. ولا تدغم لأن هذا
الضرب لا يدغم في رددت.
وتقول في فعلانٍ من قويت قوانٌ. وكذلك فعلانٌ من حييت حيانٌ، تدغم لأنك
تدغم فعلانٍ من رددت. وقد قويت الواو الآخرة كقوتها في نزوانٍ، فصارت
بمنزلة غير المعتل. ومن قال حيي عن بينةٍ قال قووانٌ.
وأما قولهم: حيوانٌ فإنهم كرهوا أن تكون الياء الأولى ساكنة ولم يكونوا
ليلزموها الحركة ههنا والأخرى غير معتلة من موضعها، فأبدلوا الواو
ليختلف الحرفان كما أبدلوها في رحويٌ حيث كرهوا الياءات، فصارت الأولى
على الأصل، كما صارت اللام الأولى في ممل ونحوه على الأصل، حين أبدلت
الياء من آخره.
وكذلك فعلانٌ من حييت تدغم، إلا في اللغة الأخرى. وذلك قولك:
(4/409)
حيانٌ. ولا تدغم في قويت، تقول قويانٌ لأنك
تقلب اللام ياء. ومن قال عميةٌ فأسكن قال قويانٌ. وإنما خففوا في عميةٍ
وكان ذلك أحسن لأنهم يقولون فخذٌ في فخذٍ. فإذا كانت مع الياء فهو
أثقل. ولا تقلب الواو ياءً لأنك لا تلزم الإسكان، وليس الأصل الإسكان.
ومن قال ريةٌ في رؤيةٍ قلبها فقال قيانٌ.
وتقول في فيعلانٍ من حييت وقويت وشويت: حيانٌ وشيانٌ وقيانٌ، لأنك تحذف
ياءً هنا كما حذفتها في فيعلٍ، وكما كنت حاذفها في أفيعلانٍ، نحو
التصغير في أشيويانٍ، تقول أشيانٌ لو كانت اسماً. فهم يكرهون ههنا ما
يكرهون في تصغير شاويةٍ وراويةٍ في قولهم: رأيت شويةً لأنها لم تعد أن
كانت كألف النصب والهاء، لأنهما يخرجان الياء في فاعلٍ ونحوه على
الحركة في الأصل؛ كما يخرجونه في فيعلانٍ لو جاءت في رميت. فأجر أويت
مجرى شويت وغويت.
وتقول في مفعلةٍ من رميت مرموةٌ، لأنك تقول في الفعل رمو الرجل، فيصير
بمنزلة سرو الرجل، ولغزو الرجل. فإذا كانت قبلها ضمة وكانت بعدها فتحة
لا تفارقها صارت كالواو في قمحدوةٍ وترقوةٍ، فجعلتها في الاسم بمنزلتها
في الفعل كما جعلت الواو ههنا بمنزلتها في سرو.
وكذلك فعلوةٌ من رميت تقول فيها رميوةٌ.
وتقول في فعلةٍ من رميت وغزوت إذا لم تكن مؤنثة على فعلٍ: رموةٌ
(4/410)
وغزوةٌ. فإن بنيتها على فعلٍ قلت رميةٌ
وغزيةٌ، لأن مذكرهما رمٍ وغزٍ، فهذا نظير عظاءة حيث كانت على عظاءٍ،
وعبايةٍ حيث لم تكن على عباءٍ. ألا تراهم قالوا خطواتٌ فلم يقلبوا
الواو، لأنهم لم يجمعوا فعلاً ولا فعلةً جاءت على فعلٍ. وإنما يدخل
التثقيل في فعلاتٍ. ألا ترى أن الواحدة خطوةٌ؟! فهذا بمنزلة فعلةٍ وليس
لها مذكر.
ومن قال خطواتٌ بالتثقيل فإن قياس ذلك في كليةٍ كلواتٌ، ولكنهم لم
يتكلموا إلا بكليات مخففةً، فراراً من أن يصيروا إلى ما يستثقلون،
فألزموها التخفيف إذ كانوا يخففون في غير المعتل كما خففوا فعلاً من
باب بونٍ ولكنه لابأس بأن تقول في مديةٍ مدياتٌ، كما قلت في خطوةٍ
خطواتٌ لأن الياء مع الكسرة كالواو مع الضمة، ومن ثقل في مدياتٍ فإن
قياسه أن يقول في جروةٍ جرياتٌ، لأن قبلها كسرة وهي لام ولكنهم لا
يتكلمون بذلك إلا مخففاً، فراراً من الاستثقال والتغيير. فإذا كانت
الياء مع الكسرة والواو مع الضمة فكأنك رفعت لسانك بحرفين من موضع واحد
رفعةً، لأن العمل من موضع واحد، فإذا خالفت الحركة فكأنهما حرفان من
موضعين متقاربين الأول منهما ساكن نحو وتدٍ.
وفعللةٌ من رميت بمنزلة فعلوةٍ، رميوةٌ، وتفسيرها تفسيرها.
وتقول في مثل ملكوتٍ من رميت: رموتٌ، ومن غزوت غزوتٌ، تجعل هذا مثل
فعلوا ويفعلون. كما جعلت فعلانٌ منزلة فعلاً لللاثنين، وفعليلٌ بمنزلةٍ
فعلىٍ. وذلك قولك رميا، جاءوا بها على الأصل كراهية التباس الواحد
(4/411)
بالاثنين. وقالوا: رحوىٌّ ولم يحذفوا،
لأنهم لو حذفوا لالتبس ما العين فيه مكسورةٌ بما العين فيه مفتوحةٌ.
وتقول في فوعلةٍ من غزوت: غوزوةٌ، وأفعلةٍ: أغزوةٌ، وفي فعل: غزوٌّ.
ولا يقال في فوعلٍ غوزىٌّ، لأنك تقول في فوعلت: غوزيت، من قبل أنك لم
تبن فوعلاٌ ولا أفعلة على فوعلت، وإنما بنيت هذا الاسم من غزوت من
الأصل. ولو كان الأمر كذلك لم تقل في أفعولةٍ أدعوةٌ، لأنك لو قلت أفعل
وأفعلت لم تكن إلا ياءً، ولدخل عليك أن تقول في مفعولٍ مغزىٌّ، لأنك
حركت ما لو لم يكن ما قبله الحرف الساكن ثم كان فعلاً لكان على بنات
الياء، ولو ثنيته أخرجته إلى الياء. فأنت لم تحرك الآخر بعد ما كان
مفعلاً، ولكنك إنما بنيته على مفعولٍ، ولم تلحقه واو مفعولٍ بعد ما كان
مفعلٌ.
وكذلك فوعلةٌ لم تلحقها التثقيل بعد ما كانت فوعل، ولكنه بنى وهذا له
لازمٌ كمفعولٍ.
وتقول في فوعلةٍ من رميت: روميةٌ، وأفعلة: أرميةٌ، تكسر العين كما
تكسرها في فعولٍ إذا قلت ثديٌّ. ومن قال عتىٌّ في عتوٍ قال في أفعلةٍ
من غزوت: أغزيةٌ. ولا تقول رومياةٌ كما قال في افعل ارميا، لأن أصل هذا
افعللٌ والتحريك له لازم. ألا ترى أنك تقول ارمييت وتقول احمررت، فأصل
الأول التحريك كما كان أصل الدال الأولى من رددت التحريك. وأفعلةٌ
وفوعلةٌ إنما بنيتا على هذا، وليس الأصل التحريك. ولو كان كذلك لقلت في
فعلٍ رمياً، لأن أصله الحركة.
وحدثنا أبو الخطاب أنه سمعهم يقولون: هبىٌّ وهبيةٌ للصبي والصبية. فلو
كان الأصل متحركاً لقالوا هبياً وهبياةٌ.
(4/412)
وتقول في فعلالةٍ من غزوت: غزواوةٌ، إذ لم
تكن على فعلالٍ كما كانت صلاءةٌ على صلاءٍ. فإن كانت كذلك قلت غزواءةٌ
ولا تقول: غزوايةٌ، لأنك تقول: غزويت كما لم تقل في فوعلةٍ غوزيةٌ، لأن
التثقيلة حين جاءت كان الحرف المزيد بمنزلة واو مغزوٍ المزيدة وأدعوةٍ.
ولو كنت إنما تأخذ الأسماء التي ذكرت لك من الأفعال التي تكون عليها
لقلت: غزوايةٌ وغوزيةٌ؛ ولكنك إنا تجيء بهذه الأشياء التي ليست على
الأفعال المزيدة على الأصل، لا على الأفعال التي تكون فيها الزيادة.
كما أن فيها الزيادة ولكنها على الأصل، كما كان مغزوٌّ ونحوه على
الأصل.
وتقول في مثل كوألل من رميت: رومياً، ومن غزوت غوزواً. وتقولها من
قويت: قوواً؛ ومن حييت حوياً، ومن شويت: وشياً، وحدها شووياً، ولكنك
قلبت الواو إذ كانت ساكنة.
وتقول في فعولٍ من غزوت غزووٌّ، لا تجعلها ياء والتي قبلها مفتوحة ألا
تراهم لم يقولوا في فعلٍ غزيٌّ للفتحة كما قالوا عتيٌّ. ولو قالوا فعلٌ
من صمت لم يقولوا صيمٌ كما قالوا صيمٌ.
وكعثولٍ من قويت قيوٌّ؛ وكان الأصل قيووٌّ، ولكنك قلبت الواو ياء كما
قلبتها في سيدٍ، وهي من شويت شيىٌّ والأصل شيوىٌّ، ولكن قلبت الواو.
وتقول في مثل خلفنةٍ من رميت وغزوت: رمينةٌ وغزونةٌ، لا تغير، لأن
أصلها السكون، فصارتا بمنزلة غزون ورمين.
(4/413)
وتقول في مثل صمحمحٍ من رميت: رميماً. وفي
مثل حلبلابٍ من غزوت ورميت رميماءٌ وغزيزاءٌ، كسرت الزاي والواو ساكنة
فقلبتها ياء.
وتقول في فوعلةٍ من أعطيت: عوطوةٌ على الأصل، لأنها من عطوت، فأجر أول
وعيت على أول وعدت وآخره على آخر رميت؛ وأول وجيت على أول وجلت وآخره
على آخر خشيت في جميع الأشياء. ووأيت بمنزلة وعيت كما أن أويت كغويت
وشويت.
وتقول في فعليةٍ من غزوت: غزويةٌ، ومن رميت: رمييةٌ، تخفى وتحقق، وتجري
ذلك مجرى فعليةٍ من غير المعتل، ولا تجعلها وإن كانت على غير تذكير
كأحييةٍ، ولكن كقعددٍ.
وتقول في فعلٍ من غزوت: غزٍ، ألزمتها البدل إذ كانت تبدل وقبلها الضمة،
فهي ههنا بمنزلة محنيةٍ.
وتقول في فعلوةٍ من غزوت: غزويةٍ، ولا تقول: غزووةٌ، لأنك إذا قلت:
عرقوةٌ فإنما تجعلها كالواو في سرو ولغزو. فإذا كانت قبلها واوٌ مضمومة
لم تثبت، كما لا يكون فعلت مضاعفا من الواو في الفعل نحو قووت. وأما
غزوٌّ فلما انفتحت الزاي صارت الواو الأولى بمنزلة غير المعتل، وصارت
الزاي مفتوحة، فلم يغيروا ما بعدها لأنها مفتوحة، كما أنه لا يكون في
فعلٍ تغييرٌ البتة لا يغير مثل الواو المشددة. فلما لم يكن قبل الواو
المشددة ما كانت تعتل به من الضمة صارت بمنزلة واو قوٍ.
(4/414)
وأما فعلول فلما اجتمعت فيه ثلاث واوات مع
الضم صارت بمنزلة محنيةٌ، إذ كانوا يغيرون الثنتين كما ألزموا محنية
البدل؛ إذ كانوا يغيرون الأقوى.
وتقول في مثل فيعلي من غزوت غيزوي، لأنك لم تلحق الألف فيعلاًن ولكنك
بنيت الاسم على هذا. ألا تراهم قالوا مذروان، إذ كانوا لا يقيدون
الواحد، فهو في فيعلى أجدر أن يكون، لأن هذا يجيء كأنه لحق شيئاً قد
تكلم به بغير علامة التثنية، كما أن الهاء تلحق بعد بناء الاسم، ولا
يبنى لها. وقد بينا ذلك فيما مضى.
باب تكسير بعض ما ذكرنا على بناء الجمع
الذي هو على مثال مفاعل ومفاعيل فإذا جمعت فعلٌّ نح رمىٍ وهبىٍ قلت:
هبايٌ ورمايٌ، لأنها بمنزلة غير المعتل نحو معدٍ وجبنٍ. ولا تغير الألف
في الجمع الذي يليها، لأن بعدها حرفاً لازما. ويجري الآخر على الأصل
لأن ما قبلها ساكن وليس بألف. وكذلك غزاوٌ.
وأما فعللٌ من رميت فرمياً؛ ومن غزوت غزوي؛ والجمع غزاوٍ ورماىٍ لا
يهمز؛ لأن الذي يلي الألف ليس بحرف الإعراب، واعتلت الآخرة لأن ما
قبلها مكسور.
وأما فعاليل من رميت فرمائيٌ، والأصل رماييٌ، ولكنك همزت كما همزوا في
رايةٍ وآيةٍ حين قالوا رائيٌ وآئيٌ، فأجريته مجرى هذا حيث كثرت الياءات
بعد الألف، كما أجريت فعليلةٍ مجرى فعليةٍ.
(4/415)
ومن قال راوىٌّ فجعلها واواً قال: رماويٌ.
ومن قال: أميىٌّ وقال آيىٌّ قال: رمايىٌّ، فلم يغير.
وكذلك فعاليل من حييت ومفاعيل. وقد كرهوا الياءين وليستا تليان الألف
حتى حذفوا إحداهما فقالوا أثافٍ؛ ومعطاءٌ ومعاطٍ. فهم لهذا أكره وأشد
استثقالاً، إذ كن ثلاثا بعد ألف قد تكره بعدها الياءات.
ولو قال إنسان أحذف في جميع هذا إذ كانوا يحذفون في نحو أثافٍ وأواقٍ،
ومعطاءٍ ومعاطٍ، حيث كرهوا الياءين - قال قولا قوياً، إلا أنه يلزم
الحذف هذا، لأنه أثقل للياءات بعد الألف، والكسرة التي في الياء
الأولى، كما ألزم التغيير مطايا.
ومن قال: أغير لأنهم قد يستثقلون فيغيرون ولا يحذفون، فهو قويٌ. وذلك:
راوىٌّ في رايةٍ، لم يحذفوها فتجريه عليها كما أجروا فعليلةً مجرى
فعليةٍ.
وما يغير للاستثقال ولم يحذف أكثر من أن يحصى. فمن ذلك في الجمع: معايا
ومدارى ومكاكى. وفي غير ذلك: جاءٍ، وأدؤرٌ. وهذا النحو أكثر من أن
يحصى.
وأما فعاليل من غزوت فعلى الأصل لا يهمز ولا يحذف، وذلك قولك: غزاويٌ،
لأن الواو بمنزلة الحاء في أضاحيٌ، ولم يكونوا ليغيروها وهم قد يدعون
الهمزة إليها في مثل غزاويٌ. فالياءات قد يكرهن إذا ضوعفن
(4/416)
واجتمعن، كما يكره التضعيف من غير المعتل
نحو تظنيت، فذلك أدخلت الواو عليها وإن كانت أخف منها.
ولم تعر الواو من أن تدخل على الياء؛ إذ كانت أختها، كما دخلت الياء
عليها. ألا تراهم قالوا موقنٌ وعوططٌ. وقالوا في أشد من هذا: جباوةٌ
وهي من جبيت، وأتوةٌ، وأدخلوها عليها لكثرة دخول الياء على الواو، فلم
يريدون أن يعروها من أن تدخل عليها.
ولها أيضاً خاصةٌ ليست للياء كما أن للياء خاصةً ليست لها. وقد بينا
ذلك فيما مضى.
باب التضعيف
اعلم أن التضعيف يثقل على ألسنتهم، وأن اختلاف الحروف أخف عليهم من أن
يكون من موضع واحد. ألا ترى أنهم لم يجيئوا بشيءٍ من الثلاثة على مثال
الخمسة نحو ضرببٍن ولم يجيء فعللٌ ولا فعللٌ إلا قليلا، ولم يبنوهن على
فعالل كراهية التضعيف، وذلك لأنه يثقل عليهم أن يستعملوا ألسنتهم من
موضع واحد ثم يعودوا له، فلما صار ذلك تعباً عليهم أن يداركوا في موضع
واحد ولا تكون مهلةٌ، كرهوه وأدغموا، لتكون رفعةً واحدة، وكان أخف على
ألسنتهم مما ذكرت لك.
أما ما كانت عينه ولامه من موضعٍ واحد فإذا تحركت اللام منه وهو فعلٌ
ألزموه الإدغام، وأسكنوا العين. فهذا متلئبٌّ في لغة تميم وأهل الحجاز.
فإن أسكنت اللام فإن أهل الحجاز يجرونه على الأصل، لأنه لا يسكن حرفان.
(4/417)
وأما بنو تميم فيسكنون الأول ويحركون الآخر
ليرفعوا ألسنتهم رفعة واحدة وصار تحريك الآخر على الأصل، لئلا يسكن
حرفان، بمنزلة إخراج الآخرين على الأصل لئلا يسكنا، وقد بينا اختلاف
لغات أهل الحجاز وبني تميم في ذلك واتفاقهم، واختلاف بني تميم في تحريك
الآخر ومن قال بقولهم، فيما مضى في الأفعال ببيانه. وإنما أكتب لك ههنا
ما لم أذكره فيما مضى ببيانه.
فإن قيل: ما بالهم قالوا في فعل ردد فأجروه على الأصل؟ فلأنهم لو
أسكنوا صاروا إلى مثل ذلك إذ قالوا ردد، فلما كان يلزمهم ذلك التضعيف
كان الترك على الأصل أولى، ومع هذا أن العين الأولى تكون أبداً ساكنة
في الاسم والفعل، فكرهوا تحريكها. وليست بمنزلة أفعل واستفعل ونحو ذلك،
لأن الفاء تحرك وبعدها العين، ولا تحرك العين وبعدها العين أبداً.
واعلم أن كل شيء من الأسماء جاوز ثلاثة أحرف فإنه يجري مجرى الفعل الذي
يكون على أربعة أحرف إن كان يكون ذلك اللفظ فعلاً، أو كان على مثال
الفعل ولا يكون فعلاً، أو كان على غير واحدٍ من هذين، لأن فيه من
الاستثقال مثل ما في الفعل. فإن كان الذي قبل ما سكن ساكناً حركته
وألقيت عليه حركة المسكن. وذلك قولك: مستردٌّ ومستعدٌّ وممدٌّ وممدٌّ
ومستعدٌّ، وإنما الأصل مستعددٌ وممددٌ ومستعددٌ.
وكذلك مدقٌّ والأصل مدققٌ، ومردٌّ وأصله مرددٌ.
وإن كان الذي قبل المسكن متحركاً تركته على حركته. وذلك
(4/418)
قولك مرتدٌّ، وأصله مرتددٌ، كانت حركته
أولى فتركته على حركته إذ لم تضطر إلى تحريكه.
وإن كانت قبل المسكنة ألفٌ لم تغير الألف، واحتملت ذلك الألف لأنها حرف
مدٍّ، وذلك قولك: رادوا ومادوا، والجادة، فصارت بمنزلة متحرك.
وأما ما يكون أفعل فنحو ألد وأشد، وإنما الأصل ألدد وأشدد، ولكنهم
ألقوا عليها حركة المسكن وأجريت هذه الأسماء مجرى الأفعال في تحريك
الساكن وإلزام الإدغام وترك المتحرك الذي قبل المدغم، وترك الألف التي
قبل المدغم.
ولا تجرى ما بعد الألف مجرى ما بعد الألف في يضربانني إذا ثنيت، لأن
هذه النون الأولى قد تفارقها الآخرة، وهذه الدال الأولى التي في رادٍ
لا تفارقها الآخرة، فما يستثقلون لازمٌ للحرف.
ولا يكون اعتلالٌ إذا فصل بين الحرفين، وذلك نحو الإمداد والمقداد
وأشباههما.
فأما ما جاء على ثلاثة أحرف لا يزادة فيه فإن كان يكون فعلاً فهو
بمنزلته وهو فعلٌ، وذلك قولك في فعلٍ صبٌّ زعم الخليل أنها فعلٌ لأنك
تقول صببت صبابةً كما تقول: قنعت قناعةً وقنعٌ.
(4/419)
ومثله رجلٌ طبٌّ وطبيبٌ، كما تقول قرحٌ
وقريحٌ، ومذلٌ ومذيلٌ. ويدلك على أن فعلاً مدغم أنك لم تجد في الكلام
مثل طببٍ على أصله.
وكذلك رجلٌ خافٌ. وكذلك فعلٌ أجري هذا مجرى الثلاثة من باب قلت على
الفعل، حيث قالوا في فعل وفعل قال وخاف، ولم يفرقوا بين هذا والفعل كما
فرقوا بينهما في أفعل، لأنهما على الأصل فجعلوا أمرهما واحداً حيث لم
يجاوزوا الأصل. فكما لم يحدث عددٌ غير ذلك كذلك لم يحدث خلافٌ. ألا ترى
أنهم أجروا فعلاً اسماً من التضعيف على الأصل، وألزموه ذلك؛ إذ كانوا
يجرونه على الأصل فيما لا يصح فعله في فعلت من بنات الواو ولا في موضع
جزمٍ كما لا يصح المضاعف. وذلك نحو: الخونة؛ والحوكة؛ والقود. وذلك نحو
شررٍ ومددٍ. ولم يفعلوا ذلك في فعلٍ لأنه لا يخرج على الأصل في باب
قلت، لأن الضمة في المعتل أثقل عليهم. ألا ترى أنك لا تكاد تجد فعلاً
في التضعيف ولا فعلاً؛ لأنها ليست تكثر كثرة فعلٍ في باب قلت، ولأن
الكسرة أثقل من الفتحة، فكرهوها في المعتل. ألا تراهم يقولون فخذٌ
ساكنةً وعضدٌ، ولا يقولون جملٌ. فهم لها في التضعيف أكره.
وقد قال قوم في فعلٍ فأجروه على الأصل، إذ كان قد يصح في باب قلت وكانت
الكسرة نحو الألف. وذلك قولهم: رجلٌ ضففٌ وقومٌ ضففو الحال. فأما الوجه
فرجلٌ ضفٌّ وقومٌ ضفو الحال.
(4/420)
وأما ما كان على ثلاثة أحرف وليس يكون
فعلاً فعلى الأصل كما يكون ذلك في باب قلت، ليفرق بينهما كما فرق بين
أفعل اسماً وفعلاً من باب قلت. فمن ذلك قولك في فعلٍ: دررٌ، وقددٌ،
وكللٌ، وشددٌ. وفي فعلٍ: سررٌ، وخززٌ، وقذذ السهم، وسددٌ، وظللٌ،
وقللٌ. وفي فعلٍ: سررٌ، وحضضٌ، ومددٌ، وبللةٌ، وشددٌ، وسننٌ.
وقد قالوا عميمةٌ وعمٌّ، فألزموها التخفيف، إذ كانوا يخففون غير المعتل
كما قالوا بونٌ في جمع بوان.
ومن ذلك ثنىٌ فألزموها التخفيف.
ومن قال في صيد صيدٌ قال في سررٍ سرٌّ فخفف.
ولا يستنكر في عميمةٍ عممٌ. فأما الثني ونحوه فالتخفيف، لم يستعملوا في
كلامهم الياء والواو لامات في باب فعلٍ، واحتمل هذا في الثلاثة أيضاً
لخفتها، وأنها أقل الأصول عددا.
باب ما شذ من المضاعف
فشبه بباب أقمت، وليس بمتلئبٍ
وذلك قولهم: أحست، يريدون أحسست، وأحسن، يريدون أحسسن. وكذلك تفعل به
في كل بناء تبني اللام من الفعل فيه على السكون ولا تصل إليها الحركة
ولا تصل إليها الحركة، شبهوها بأقمت، لأنهم أسكنوا الأولى، فلم تكن
لتثبت والآخرة ساكنةٌ. فإذا قلت لم أحس لم تحذف، لأن اللام في موضع
(4/421)
قد تدخله الحركة، ولم يبن على سكون لا
تناله الحركة، فهم لا يكرهون تحريكها. ألا ترى أن الذين يقولون لا ترد
يقولون رددت كراهيةً للتحريك في فعلت، فلما صار في موضعٍ قد يحركون فيه
اللام من رددت أثبتوا الأولى، لأنه قد صار بمنزلة تحريك الإعراب إذا
أدرك نحو يقول ويبيع.
وإذا كان في موضعٍ يحتملون فيه التضعيف لكراهية التحريك، حذفوا لأنه لا
يلتقي ساكنان.
ومثل ذلك قولهم: ظلت ومست، حذفوا وألقوا الحركة على الفاء، كما قالوا
خفت. وليس هذا النحو إلا شاذاً. والأصل في هذا عربيٌّ كثير. وذلك قولك:
أحسست، ومسست، وظللت.
وأما الذين قالوا: ظلت ومست فشبهوها بلست، فأجروها في فعلت مجراها في
فعل، وكرهوا تحريك اللام فحذفوا. ولم يقولوا في فعلت لست البتة، لأنه
لم يتمكن تمكن الفعل. فكما خالف الأفعال المعتلة وغير المعتلة في فعل
كذلك يخالفها في فعلت.
ولا نعلم شيئاً من المضاعف شذ عما وصفت لك إلا هذه الأحرف وقالوا: "
وإذا الأرض مدت " " وحقت ".
واعلم أن لغةً للعرب مطردةً يجري فيها فعل من رددت مجرى فعل
(4/422)
من قلت، وذلك قولهم: قد رد وهد، ورحبت
بلادك وظلت، لما أسكنوا العين ألقوا حركتها على الفاء، كما فعل ذلك في
جئت وبعت. ولم يفعلوا ذلك في فعل نحو عض وصب، كراهية الالتباس، كما كره
الالتباس في فعل وفعل من باب بعت. وقد قال قوم: قد رد، فأمالوا الفاء
ليعلموا أن بعد الراء كسرة قد ذهبت، كما قالوا للمرأة أغزى، فأشموا
الزاي ليعلموا أن هذه الزاي أصلها الضم. وكذلك لم تدعي. ولم يضموا
فتقلب الياء واواً فيلتبس بجمع القوم. ولم تكن لتضم والياء بعدها
لكراهية الضمة وبعدها الياء، إذ قدروا على أن يشموا الضم. فالياء تقلب
الضمة كسرةً كما تقلب الواو في لية ونحوها. وإنما قالوا قيل من قبل أن
القاف ليس قبلها كلام فيشموا.
واعلم أن رد هو الأجود الأكثر، لا يغير الإدغام المتحرك؛ كما لا يغيره
في فعل وفعل ونحوهما. وقيل وبيع وخيف أقيس وأكثر وأعرف، لأنك لا تفعل
بالفاء ما تفعل بها في فعلت وفعلت.
وأما تغزين ونحوها فالإشمام لازمٌ لها ولنحوها، لأنه ليس في كلامهم أن
تقلب الواو في يفعل ياءً في تفعل وأخواتها. وإنما صيرت فيها الكسرة
للياء، وليس يلزمها ذلك في كلامهم كما لزم رد وقيل، فكرهوا ترك الإشمام
مع الضمة والواو إذ ذهبا، وهما يثبتان في الكلام فكرهوا هذا الإجحاف.
وأصل كلامهم تغيير فعل من رددت وقلت.
(4/423)
باب ما شذ فأبدل
مكان اللام والياء
لكراهية التضعيف، وليس بمطرد
وذلك قولك: تسريت، وتظنيت، وتقصيت من القصة، وأمليت، كما أن التاء في
أسنتوا مبدلة من الياء، أرادوا حرفاً أخف عليهم منها وأجلد، كما فعلوا
ذلك في أتلج، وبدلها شاذ هنا بمنزلتها في ستٍّ. وكل هذا التضعيف فيه
عربيٌّ كثير جيد.
وأما كل وكلا فكل واحدةٍ من لفظ. ألا تراه يقول رأيت كلا أخويك، فيكون
مثل معىً ولا يكون فيه تضعيف.
وزعم أبو الخطاب أنهم يقولون: هنانان، يريدون هنين. فهذا نظيره.
هذا باب تضعيف اللام
في غير ما عينه ولامه من موضع واحد فإذا ضاعفت اللام وأردت بناء
الأربعة لم تسكن الأولى فتدغم وذلك قولك: قرددٌ، لأنك أردت أن تلحقه
بجعفرٍ وسلهبٍ؛ وليس بمنزلة بناء معدٍ، لأن معدا بني على السكون، وليس
أصله الحركة. وليس هذا بمنزلة مردٍ، ولو كان هذا بمنزلة مردٍ لما جاز
قرددٌ في الكلام، لأن ما يدغم وأصله الحركة لا يخرج على أصله، فإنما كل
واحدٍ منهما بناءٌ على حدة؛ وإنما معدٌّ بمنزلة خدبٍ، تقول فعللٌ لأنه
ليس في الكلام فعللٌ، يعني
(4/424)
فيما اللام فيه مضاعفة نحو قرددٍ. وكذلك
معدٌّ ليس من فعللٍ في شيء.
وقالوا: قعددٌ وسرددٌ، أرادوا أن يلحقوا هذا البناء بالتضعيف بجعشمٍ.
ومنزلة جبنٍ منها منزلة فعلٍ من فعللٍ.
وقالوا: رمددٌ، ألحقوه بالتضعيف بزهلقٍ. وطمرٌ منه بمنزلة فعلٍ من
فعللٍ.
وقالوا قعددٌ فألحقوه بندندبٍ وعنصلٍ بالتضعيف، كما ألحقوا ما ذكرت لك
ببنات الأربعة.
ودرجةٌ منه بمنزلة فعلٍ من فعللٍ.
وقالوا: عفنججٌ، فلم يغير عن زنة جحنفلٍ؛ كأنه لم يكن ليغير عفججٌ عن
زنة جحفلٍ.
ولا تلحق هذه النون فعلا لأنها إنما تلحق ما تلحقه ببنات الخمسة.
وإذا ضاعفت اللام وكان فعلا ملحقا ببنات الأربعة لم تدغم؛ لأنك إنما
أردت أن تضاعف لتلحقه بما زدت بدحرجت وجحدلت. وذلك قولك: جلببته فهو
مجلببٌ، وتجلبب ويتجلبب، أجريته مجرى تدحرج ويتدحرج في الزنة، كما
أجريت فعللت على زنة دحرجت.
وأما اقعنسس فأجروه على مثال احرنجم.
فكل زيادة دخلت على ما يكون ملحقاً ببنات الأربعة بالتضعيف فإن تلك
الزيادة إن كانت تلحق ببنات لأربعة فإن هذا ملحق بتلك الزمة من بنات
(4/425)
الأربعة كما كان ملحقا بها وليس زيادةٌ سوى
ما ألحقها بالأربعة.
وأما احمررت واشهاببت فليس لهما نظيرٌ في باب الأربعة. ألا ترى أنه ليس
في الكلام احرجمت ولا احراجمت فيكون ملحقاً بهذه الزيادة، فلما كانتا
كذلك أجريتا مجرى ما لم يلحق بناءً ببناء غيره، مما عينه ولامه من موضع
واحد، لأنه تضعيفٌ وفيه من الاستثقال مثل ما في ذلك، ولم يكن له نظيرٌ
في الأربعة على ما ذكرت لك فيحتمل التضعيف ليسلموا زنة ما ألحقوه به.
فإن قلت: فهلا قالوا استعدد على زنة استخرج؟ فإن هذه الزيادة لم تلحق
بناء يكون ملحقاً ببناء، وإنما لحقت شيئاً يعتل وهو على أصله، كما أن
أخرجت على الأصل، ولو كان بخرج من شيء إلى شيء لفعل ذلك به، ولما
أدغموا في أعددت كما لم يدغموا في جلبيت.
وأما سبهللٌ وقفعددٌ فملحقٌ بالتضعيف بهمرجلٍ، كما ألحقوا قردداً
بجعفرٍ.
وإذا ضوعف آخر بنات الأربعة في الفعل صار على مثال افعللت وأجري في
الإدغام مجرى احمررت. وكذلك اطمأننت واطمأن، واقشعررت واقشعر، لأنه ليس
في بنات الخمسة مثل اسفرجل ولا فعلٌ البتة، فيكون هذا ملحقاً بتلك
الزنة كما كان اقعنسس ملحقاً باحرنجم، وتجلبب ملحقاً بتدحرج. فكما لم
يكن لاحمر واشهاب نظير في الأربعة فأدغم، كذلك أدغم هذا إذ لم يكن له
نظير في الخمسة.
(4/426)
باب ما قيس من
المضاعف
الذي عينه ولامه من موضع واحد، ولم يجىء في
الكلام إلا نظيره من غيره
تقول في فعلٍ من رددت رددٌ، كما أخرجت فعلاً على الأصل، لأنه لا يكون
فعلاً.
وتقول في فعلانٍ: رددانٌ، وفعلانٍ: رددانٌ، يجري المصدر في هذا مجراه
لو لم تكن بعده زيادة. ألا تراهم قالوا: خششاء.
وتقول في فعلانٍ: ردانٌ، وقعلانٍ: ردانٌ، أجريتهما على مجراهما وهما
على ثلاثة أحرف ليس بعدها شيء، كما فعلت ذلك بفعلٍ وفعلٍ.
وتقول في فعلولٍ من رددت: رددودٌ، وفعليلٍ: ردديدٌ كما فعلت ذلك
بفعلانٍ.
وأما فعلانٌ من قلت فقولانٌ، كما فعلت ذلك: بفعلانٍ. لأنها من غزوت لا
تسكن. ولكنك إن شئت همزة فيمن همز فعولا من قلت وأدؤراً.
وكذلك فعلانٌ تقول: قولانٌ، ولا تجعل ذلك بمنزلة المضاعف، ولكنك تجريه
مجرى فعلانٍ من بابه، يعني جولانٌ ونفيانٌ، لأنه يوافقه وهو على ثلاثة
أحرف ثم يصير على الأصل بالزيادة، فكذلك هذا. وإنما جعلوا هذا يتحرك مع
تحرك واو غزوت.
وتقول في افعللت من رددت: ارددت، وتجرى الدالين الآخرين
(4/427)
مجرى راء احمررت، وتكون الأولى بمنزلة
الميم. والمصدر اردداداً. ومن قال في الاقتتال قتالا فأدغم أدغم هذا
فقال: الرداد.
وتقول في افعللت ارداددت، وتجريه مجرى اشهاببت، وتكون الأولى بمنزلة
الهاء.
وتقول في مثل عثوثلٍ: ردوددٌ، لأنه ملحق بسفرجلٍ.
فإذا قلت افعوعلت وافعوعل كما قلت اغدودن قلت اردود يردودٌ مثل يسبطر،
واردوددت تجريه في الإدغام مجرى احمررت لأنه لا نظير له في الأربعة نحو
احروجمت واحروجم.
وتقول مثل اقعنسس: اردندد، الأولى كالعين والأخريان كالسينين.
وتقول في مثل قرددٍ: رددٌ؛ لأن الأولى ساكنة كعين جعفرٍ وبعدها متحركة،
فمن ثم شددت، والأخريان بمنزلة دالى قرددٍ.
ومثال دخللٍ: رددٌ. ومثل رمددٌ رددٌ. وفي مثل صمحمح: ردددٌ لأنه مثل
سفرجلٍ، ولم تحرك الثانية لأنها بمنزلة حاء صمحمحٍ.
وتقول مثل جلعلعٍ: ردددٌ، ولم تدغم في الآخرة كما لم تفعل ذلك في ردد،
فتركوا الحرف على أصله لأنهم يرجعون إلى مثل ما يفرون منه فيدعون الحرف
على الأصل.
وتقول في مثل خلفنةٍ: رددنةٌ، لا تدغم، لأن الحرف ليس مما يصل إليه
التحريك، فإنما هو بمنزلة رددت.
وتقول في فوعلٍ من رددت: روددٌ اسماً. وإن كان فعلاً قلت:
(4/428)
روددت ورودد يرودد. وكذلك فيعلٌ اسماً:
ريددٌ. وإن كان فعلاً قلت ريدد لأنه ملحق بالأربعة، فأردت أن تسلم تلك
الزنة كما سلمتها في جلبب. فكما لم تغير الزنة حين ألحقت بالتضعيف كذلك
لا تغيرها إذا ألحقت بالواو والياء.
وإنما دعاهم إلى التسليم أن يفرقوا بين ما هو ملحقٌ بأبنية الأربعة وما
لم يلحق بها، وما ألحق بالخمسة وما لم يلحق بها.
ويقوي رودداً ونحوه قولهم: ألنددٌ، لأنها ملحقة بالخمسة كعقنقلٍ
وعثوثلٍ. والدليل على ذلك أن هذه النون لا تلحق ثالثةً بناء ببناءٍ
والعدة على خمسة أحرف إلا والحرف على مثال سفرجلٍ. ولا تكاد تلحق وليست
آخراً بعد ألف إلا وهي تخرج بناءً إلى بناء.
فإن قلت: أقول جلب ورود، لأن إحدى اللامين زائدة، فإنهم قد يدغمون
وإحداهما زائدة، كما يدغمون وهما من نفس الحرف. وذلك نحو احمر واطمأن.
وكرهوا في عفنج مثل ما كرهوا في ألندٍ.
فإن قلت: إنما ألحقتها بالواو؟ فإن التضعيف لا يمنع أن يكون على زنة
جعفرٍ وكعسبٍ، كما لم يمنع ذلك في جلبب، إذ كانت اللامان قد تكرهان كما
يكره التضعيف وليس فيه زيادة إذا لم يكن على مثال ذكرت لك. فكما كان
يوافقه وأحد حرفيه زائد، كذلك يوافق في هذا ما أحد حرفيه على الزيادة.
(4/429)
ويقوي هذا ألنددٌ، لأن الدالين من نفس الحرف إحداهما موضع العين
والأخرى موضع اللام.
وأما فعولٌ فردودٌ، وليس فيه اعتلال ولا تشديد، لأنك قد فصلت بينهما. |