اللامات

باب اللام المزيدة في لعل
أجمع النحويون على أن أصل لعل عل وأن اللام في أوله مزيدة واستدلوا على ذلك بقول الشاعر:
يا أبتا علك أو عساكا
وقال آخر:
عل صروف الدهر أو دولاتها ... يدلننا اللمة من لماتها
قالوا فلو كانت اللام أصلية في أوله لم يجز حذفها لأن المعنى بها كان يكمل وفيها خمس لغات عل ولعل ولعن وعن وأن بهمزة مفتوحة

(1/135)


ونون مشددة فأما لعل فالشاهد عليها أكثر من أن يحصى قال الله جل وعز لعل الله يحدث بعد ذلك أمرا؛ وقال الشاعر:
لعلك إن مالت بك الريح ميلة ... على أبي ذبيان أن تتندما
وقال الفرزدق في لعن:
ألستم عائجين بنا لعنا ... نرى العرصات أو أثر الخيام
وللعرب فيها لغتان المجمع عليها منها هي التي تنصب الاسم وترفع الخبر، وقد روي أن بعضهم يخفض بها وأنشدوا:
وداع دعا هل من مجيب إلى الندى ... فلم يستجبه عند ذاك مجيب
فقلت ادع أخرى وارفع الصوت داعيا ... لعل أبي المغوار منك قريب
فخفض بها كما ترى وهذا شعر قديم ومثل هذا يروى على شذوذه ولا يقاس عليه؛

(1/136)


وأما مجيء أن مفتوحة مشددة بمعنى لعل فلغة مشهورة معروفة قد جاءت في كتاب الله تعالى وكلام الفصحاء من العرب قال: سيبويه قلت للخليل ما تأويل من قرأ قل إنما الآيات عند الله وما يشعركم أنها إذا جاءت لا يؤمنون بالفتح قال: تأويله لعلها إذا جاءت لا يؤمنون ولا يجوز أن تكون منصوبة بإيقاع يشعركم عليها لأنه يصير عذرا للقوم في طلبهم الآيات قال: والعرب تقول امض إلى السوق أنا نشتري غلاما يريدون لعلنا نشتري غلاما وأنشد الخليل وسيبويه:
قلت لشيبان ادن من لقائه ... أنا نغدي القوم من شوائه
يريد لعلنا وزاد الفراء في معنى فتح أن في هذه الآية وجها آخر قال: يجوز أن يكون تأويله وما يشعركم أنها إذا جاءت يؤمنون أو لا يؤمنون فيكون في الكلام حذف يدل عليه ما قبله وتكون أن منصوبة بما قبلها وأكثر القراء على كسر إن على الابتداء والقطع مما قبله وهو الوجه المختار.

(1/137)


باب لام إيضاح المفعول من أجله
هذه اللام تجيء مبينة علة إيقاع الفعل وذلك قولك إنما أكرمت زيدا لعمرو أي من أجل عمرو وإنما بررت أخاك لك أي من أجلك، وكذلك ما أشبهه وربما دخلت على الفعل المستقبل فكانت بمنزلة لام كي في نصب ما بعدها لأنها متضارعان يجيئان مبينين علة إيقاع الفعل وبعض الناس يقول إذا دخلت على الفعل المستقبل فهي لام كي بعينها وإذا دخلت على الأسماء فهي التي تبين المفعول، والقول فيهما واحد، وقد شرحناه في باب لام كي ومنه قوله تعالى: (وَأُمِرْنَا لِنُسْلِمَ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ) وما أمروا إلا ليعبدوا الله ومنه قول الشاعر:
أريد لأنسى ذكرها فكأنما ... تمثل لي ليلى بكل سبيل
تقديره أريد وإرادتي لهذا أي لنسيان ذكرها قال أبو العباس المبرد تقول أمرتك أن تفعل وأمرتك أن تفعل بالجزم وأمرتك بأن تفعل

(1/138)


وأمرتك لتفعل من قال: أمرتك بأن تفعل كأنه قال: أمرتك أن بالفعل ومن قال أمرتك أن تفعل فهو قبيح بالجزم لأنه وصل أن بفعل الأمر وكان سبيله أن ينقله إلى لفظ الأمر للغائب فيقول أمرتك أن افعل كما تقول أمرتك أن قم وكتبت إليك أن اخرج ومن قال أمرتك أن تفعل بالنصب فهو وجه جيد وإنما أراد أمرتك بأن تفعل فلما حذف الخافض تعدى الفعل فنصب كما قال الشاعر:
أمرتك الخير فافعل ما أمرت به ... فقد تركتك ذا مال وذا نشب
ومن قال أمرتك لتفعل فقد أخبر بالعلة التي من أجلها أمر فهذه اللام تبين علة وقوع الفعل وهي لام كي مع الأفعال، ومن هذا الباب قوله عز وجل: (إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَا أَرَدْنَاهُ أَن نَّقُولَ لَهُ كُن فَيَكُونُ) ؛ لأن بعض العلماء يذهب إلى أن التقدير إنما قولنا من أجل شيء إذا أردناه لأن القول عنده غير واقع بالشيء لأن الشيء إن كان معدوما فخطابه غير جائز وإن كان موجودا فهو مستغن عن التكون بوجوده ولكنه تمثيل كأنه قال: إذا أردنا شيئا قلنا من أجله كن فيكون وأكثر أهل النظر يذهب إلى أنه لا قول هناك وأنه تمثيل للفعل كأنه قال: إذا أردنا تكوين شيء تكون ليدل على تيسير كون الأشياء عليه وهذا مشهور في اللغة معروف أن يكون القول صلة للفعل كقولك: قلت بيدي فحركتها إنما تريد حركت يدي وقلت بمتاعي فرفعته، وقال الحائط فسقط وشبيه بهذا ما لا قول فيه على الحقيقة قول الشاعر:

(1/139)


امتلأ الحوض، وقال قطني ... سلا رويدا قد ملأت بطني
تقديره لو كان ممن يتأنى له القول لقال مثل هذا لما في حاله ومشاهدته من الدليل عليه كما قال:
يشكو إلي جملي طول السرى ... يا جملي ليس إلي المشتكى
ولا قول هناك ولا شكوى على الحقيقة وإنما يراد به ما تدل عليه مشاهدة الحال، وقد كشف هذا المعنى عنترة في وصف فرسه فقال:
فازور من وقع القنا بلبابنه ... وشكا إلي بعبرة وتحمحم
لو كان يدري ما المحاورة اشتكى ... ولكان لو علم الكلام مكلمي

(1/140)


باب اللام التي تعاقب حروفا وتعاقبها
اعلم أن العرب قد تبدل الحروف بعضها من بعض إذا تقاربت مخارجها ولا تكاد تبدل ما بعد مخرجه وذلك نحو قولهم: سمد رأسه وسبده إذا استأصل أخذ شعره والأصل الباء والميم بدل منها وكما قالوا أرقت الماء وهرقته وإياك وهياك وإبرية وهبرية لحزاز الرأس والأصل الهمز في هذه الأحرف والهاء معاقبة لها وكما قالوا جدف وجدث للقبر وغير ذلك مما يكثر تعداده مما هو معروف عند أهل اللغة من القلب والإبدال، وكذلك أيضا فعلوا باللام وما قاربها من الحروف فقالوا هتنت السماء وهتلت ولعمري ورعملي فقدموا وأخروا، وقالوا بعير رفل ورفن إذا كان سابغ الذنب والأصل اللام والنون بدل منها قال: عدي يسمو إلى أوصال ذيال رفن

(1/141)


أراد رفلا فقلب اللام نونا، وقالوا لضرب من الطيور الرهادن والرهادل واحدها رهدل ورهدن قال: ابن السكيت هو شبيه بالقبر ويقال لما بقي من الماء في الحوض الغريل والغرين إلى نظائر لذلك كثيرة فأما قولهم أصيلال وأصيلان فكذلك أيضا إلا أن أصيلانا جمع جمع أصيل كأنه قيل أصيل وأصل وجمع أصل فقيل أصلان كما قيل في جمع كثب كثبان فأصلان جمع الجمع ثم صغر أصلان فقيل أصيلان ثم أبدلت اللام من النون فقيل أصيلال.

(1/142)


باب اللام التي بمعنى إلى
وذلك في قول الله تعالى: (رَّبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِياً يُنَادِي لِلإِيمَانِ) قال: بعضهم معناه ينادي إلى الإيمان، وقال بعضهم تقديره إننا سمعنا مناديا للإيمان ينادي فأما قوله تعالى: (وقالواْ الْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا) فلا خلاف فيه أن تقديره هدانا إلى هذا فهذه لام إلى وفي هدانا ثلاث لغات يقال هديته الطريق كما قال الله: (اهدنا الصراط المستقيم) وهديته إلى الطريق كما قال تعالى: (وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ) ؛ وهديته للطريق كما قال تعالى: (الْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا) ؛ وإن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم أي إلى التي هي أقوم.

(1/143)


فأما قوله تعالى: (سُقْنَاهُ لِبَلَدٍ مَّيِّتٍ) ؛ فجائز أن تكون اللام لبيان المفعول من أجله فيكون المعنى سقناه من أجل بلد ميت وجائز أن تكون بمعنى إلى فيكون التقدير سقناه إلى بلد ميت.

(1/144)


باب لام الشرط
لام الشرط على ضربين تكون مع فعل الأمر معطوفا على فعل مثله فيكون الكلام بمعنى الجزاء وتكون داخلة على حرف الشرط فتستقبل بلام التوكيد لا بد من ذلك فالمثال الأول قول الله جل وعز: (اتبعوا سبيلنا ولنحمل خطاياكم) ؛ فهذا شرط وجزاء والدليل على ذلك تكذيب الله تعالى إياهم بقوله وما هم بحاملين من خطاياهم من شيء إنهم لكاذبون يريد أنهم إنما يغرونهم بهذا الشرط الذي شرطوا لهم والجزاء، فإن خطاياهم غير محمولة عنهم ولا موضوعة وظاهر هذا الكلام الأمر ومعناه الجزاء وتلخيصه باللام كما ذكرت لك؛ وأما قوله تعالى متصلا بهذا (وليحملن أثقالهم وأثقالا مع أثقالهم) ؛ فتأويله والله أعلم ليحملن أثقال أنفسهم؛ يعني أوزار خطاياهم ردا على هؤلاء الذين شرطوا هذا الشرط الذي ذكرناه وأثقالا مع أثقالهم؛ يعني أوزارا مضافة إلى أوزار خطاياهم لأن من أغووهم فعليهم أوزار إغوائهم كما يروى أن من سن سنة خير فله أجرها وأجر العاملين بها من غير أن ينقص من أجورهم شيء، وكذلك من سن سنة سوء، فإنه يأثم لأجل من استن بفعله من غير أن ينقص من إثم من استن بها؛ وأما مثال دخول لام الشرط على حرف الجزاء فمثل قوله تعالى: (لئن لم يفعل ما آمره ليسجنن) ؛

(1/145)


و (كلا لئن لم ينته لنسفعاً بالناصية) ؛ فهذه اللام يسميها بعضهم لام الشرط للزومها حرف الشرط واستقبالها بالجزاء مؤكدا وهي في الحقيقة لام القسم كأن قبلها قسما مقدرا هذا جوابه، وأكثر هذه اللامات ترجع إلى أصل واحد منه تشعبها وتنوعها وسنذكر هذا في باب مفرد مشروحا إن شاء الله تعالى.

(1/146)