اللامات

باب أحكام اللامات في الإدغام
إنما نذكر هذا ليكون هذا الكتاب جامعا لمعاني اللامات وأحكامها ومعنى الإدغام إنما هو إدخال حرف في حرف واشتقاقه من قول العرب أدغمت اللجام في في الفرس إذا أدخلته فيه قال ساعدة بن جؤية:
بمقربات بأيديهم أعنتها خوص ... إذا فزعوا أدغمن في اللجم
يقول أدخلت رؤوسهن في اللجم والإدغام في كلام العرب على ضربين أحدهما أن يلتقي حر، فإن مثلان متحركان وما قبل الأول منهما متحرك فتسكن الأول وتدغمه في الثاني وإظهار ذلك غير جائز نحو صل ومل وشد ومد وأشباه ذلك والآخر أن يلتقي حرفان مختلفان إلا أن أحدهما مقارب للآخر في المجانسة أو المخرج فتبدل الأول من جنس الثاني وتدغمه فيه فيصير من لفظ الثاني كقولك: الرحمن الرحيم والسميع والذاهب وما أشبه ذلك نقول على هذه المقدمة الإدغام وصلك حرفا ساكنا بحرف مثله من موضع

(1/151)


واحد أو موضعين من غير حركة تفصل بينهما ولا وقفة فيصيران بتداخلهما كحرف واحد ينبو اللسان عنهما نبوة واحدة ويشتد الحرف وليس غرضنا شرح الإدغام فنأتي على وجوهه وأحكامه وإنما ذكرنا منه أصلا يدل على وجوهه لتعلقه بمقصدنا ثم نرجع إلى ذكر اللام واعلم أنه لا بد من أن تعرف مخرج الحرف الذي تريد أن تعرف حكمه في الإدغام والحروف المجانسة له فمخرج اللام من طرف اللسان وتقاربه في مخرجه الراء والنون قال: سيبويه مخرج اللام من حافة اللسان من أدناها إلى منتهى طرف اللسان ما بينها وبين ما يليها من الحنك الأعلى وما فويق الضاحك والناب والرباعية والثنية ومخرج النون من طرف اللسان بينه وبين ما فويق الثنايا ومخرج الراء أدخل من مخرج النون واللام في ظهر اللسان قليلا لانحرافه إلى اللام وفي الراء تكرير ليس في اللام ولا النون والراء من مخرج اللام كما ترى وإن تباعدا عنه أدنى تباعد فالمخرج واحد وتقارب اللام في مخرجها الطاء والدال والتاء والظاء والذال والثاء والسين والشين والصاد والضاد والزاي فلذلك صارت اللام تدغم في هذه الحروف على ما أذكره واعلم أن النون تدغم في اللام كقولك: من لك، فإن شئت بغنة وإن شئت بغير غنة ولا يكون ذلك إلا من كلمتين قال: سيبويه ليس في كلام العرب نون ساكنة قبل راء ولا لام في كلمة واحدة ليس فيه مثل قنل ولا قنر ولا عنر ولا عنل وما أشبه ذلك قال: لأنه لو بين لثقل عليهم

(1/152)


لقرب المخرجين كما ثقل بيان التاء مع الدال في ود وعدان ولو أدغم التبس بالمضاعف وجاز الإدغام في ود وعدان لأن صوتهما من الفم والنون ليست كذلك لأنها تصير غنة في الخياشيم فتلتبس بما ليس فيه غنة واللام تدغم في الراء نحو قولك الراكب والراهب والرحمن والرحيم ولا يجوز إدغام الراء في اللام نحو قولكك مر لبيدا لا يكون في هذا إلا الإظهار وذلك أن في الراء تكريرا فلو أدغمت في اللام ذهب التكرير فلا يجوز إدغام حرف فيه مزية وفضل على مقاربه فيه في هذا الموضع وفي جميع العربية لأنه لو أدغم فيه ذهب الفضل الذي له، وكذلك النون تدغم في الراء كقولك: مراشد وأنت تريد من راشد والإظهار جائز ولا يجوز إدغام الراء فيها كما لم يجز إدغامها في اللام والعلة واحدة.

(1/153)


ولام المعرفة تدغم في أربعة عشر حرفا لا يجوز إظهارها معها لكثرة دور لام المعرفة في الكلام وتكرارها فيه وكثرة موافقتها لهذه الحروف قال: سيبويه وذلك لأن اللام من طرف اللسان كما ذكرت لك واثنا عشر حرفا من هذه الحروف من طرف اللسان وحر، فإن منها يخلطان طرف اللسان فلما اجتمع فيها هذا وكثرتها في الكلام لم يجز إلا الإدغام والاثنا عشر حرفا النون والراء والدال والتاء والصاد والطاء والظاء والزاي والسين والثاء والذال ولم مثلها تكون لغير التعريف والحر، فإن اللذان خالطاها الضاد والشين لأن الضاد استطالت لرخاوتها حتى اتصلت بمخرج اللام والشين كذلك اتصلت بمخرج الطاء ولا يجوز إظهار لام المعرفة مع شيء من هذه الأربعة عشر حرفا وذلك قولك التائب والتائبون السائحون الراكعون الساجدون والصلاة والساحب والذاهب واللاعب وما أشبه ذلك وهي معروفة المواقع في كتاب الله عز وجل وكلام العرب فإذا كانت اللام لغير التعريف نحو لام مثل وبل فدخلت على بعض هذه الحروف جاز الإظهار والإدغام وكان الإظهار في بعضها أحسن والإدغام في بعضها أحسن فمما يكون الإدغام فيه أحسن قولك هل رأيت لقرب الراء من اللام والإظهار أقبح ولله أعلم وهي فيما حكى سيبويه لغة لأهل الحجاز، وكذلك مع الطاء والدال والصاد والزاي والشين والإظهار أجود والإدغام

(1/154)


أقبح وينشد لطريف العنبري:
تقول إذا استهلكت مالا للذة ... فطيمة هشيء بكفيك لائق
يريد هل شيء فأدغم اللام في الشين، وقد قرأ أبو عمرو بن العلاء هثوب الكفار ما كانوا يفعلون بالإدغام، وقد قرئ هل ثوب بالإظهار والإظهار أحسن وأنشد سيبويه لمزاحم العقيليك
فدع ذا ولكن هتعين متيما ... على ضوء برق آخر الليل ناصب
يريد هل تعين فأدغم اللام في التاء وأنشد غيره ألا ليت شعري هتغيرت الرحا رحا المثل أم أضحت بفلج كما هيا والإظهار أحسن

(1/155)


باب من مسائل اللام نختم به الكتاب
اعلم أنك إذا قلت زيد لينطلقن وعبد الله لأبوه أفضل منك وما أشبه ذلك، فإن البصريين يرفعونه بالابتداء ويجعلون اللام وما بعده خبره وإنما جاز عندهم لما كان المبتدأ قد سبق إليه فرفعه وكان ما بعده خبرا عنه واللام مؤكدة له؛ وأما الكوفيون، فإن هذا عندهم غير جائز إلا من كلامين كأنه يرتفع زيد باسم مثله في نية المتكلم ولم يجز أن يكون كلاما واحدا عندهم لأن اللام تقطع ما قبلها مما بعدها ولا يتصل بعضه ببعض فلذلك لم يكن ما بعدها خبرا عما قبلها، وكذلك زيد إنه قائم وعبد الله هل قام لا يكون عندهم إلا على كلامين وهو عند البصريين جائز، فإن قلت زيد حلفت لأضربنه أو زيد أشهد إنه لعالم أو زيد قلت لك اضربه أو زيد قلت له ليقم كان هذا كله عند الكوفيين من كلام واحد وذلك أن هذه الحروف صارت صلة للفعل الذي قبلها واتصل الفعل بالاسم الذي قبله فصار في موضع خبر وارتفع الاسم بما عاد عليه من ذكره وهو كله عند البصريين على الابتداء والخبر جائز، فإن قلت لزيد أكل طعامك لم يجز تقديم شيء مما بعد اللام عليها لأنها حاجزة فاصلة ولو قلت طعامك لزيد أكل لم يجز أن تقدم مفعول الخبر على اللام ولا يتقدم مفعول ما بعد اللام عليها إلا في خبر إن وكذلك قولك: إن زيدا لآكل طعامك،

(1/156)


فإن قدمت الطعام فقلت إن زيدا طعامك لآكل كان ذلك جائزا عند البصريين والكوفيين معا قالوا لأن دخول اللام وخروجها سواء ألا ترى أن قولك إن زيدا آكل طعامك وإن زيدا لآكل طعامك سواء هذا احتجاجهم جميعا في إجازة هذا وعندي أن الأمر على خلاف ما ذهبوا إليه ولو كان كذلك لوجب إجازة تقديم المنصوب بخبر الابتداء على لام الابتداء وكذلك قولك: لزيد آكل طعامك فكان يلزم أن يقال طعامك لزيد آكل لأن دخول هذه اللام وخروجها سواء كدخولها في خبر إن وخروجها فجاريت في ذلك أبا إسحاق الزجاج فقال لام الابتداء مقدرة قبلها يمين فهي جواب القسم فألزمته مثل ما ذكرت لك في لام الابتداء في هذا الكتاب والفرق بينهما وبين لام القسم من أن يكون الرجل إذا قال: لزيد قائم وزيد غير قائم إنه حانث وتلزمه كفارة اليمين فقال ذلك غير واجب لأن هذه اللام تؤكد تأكيد لام القسم، والقول في ذلك أنه إنما امتنع من تقديم ما بعد هذه اللام عليها لأنها لام الابتداء ولها صدر الكلام ولا يسبق الابتداء شيء وجاز تقديم ما بعد لام إن عليها من المنصوب بخبرها لأنها في الحقيقة مقدرة قبل إن فكأن المقدم قبلها وقع بينها وبين اسم إن مؤخر بعدها في الترتيب فجاز لذلك فإذا خففت إن فقلت إن زيد لقائم لزمتها اللام كما ذكرت لك لتفصل بينها وبين التي تكون نافية بمعنى ما ولا يجوز تقديم المنصوب بالخبر على اللام هاهنا لأنها فاصلة بين الموجبة والنافية فقد وقعت لازمة في موضع لا يجوز أن تقدر في غيره فلو قلت إن زيد طعامك لآكل لم يجز كما جاز فيها حين شددت

(1/157)


ولا يجوز إدخال اللام على شيء من أخوات إن غيرها للعلة التي قد مضى ذكرها في بابها ولا تدخل على لكن وإن كانت مؤكدة كما تؤكد إن لأنها تقع جوابا لقولك ما جاءني عمرو لكن زيدا جاءني والجواب لا يتقدمه شيء لئلا يفصل بينه وبين ما هو جوابه فلو أدخلت اللام في خبر لكن لقدرت قبل لكن فكانت تنقطع مما قبلها وذلك غير جائز؛ وأما قول الشاعر:
ولكنني من حبها لكميد
فإن ما أراد ولكن إنني من حبها لكميد فأدخل اللام في خبر إن وهذا مثل قول الله تعالى: (لكنا هو الله ربي) على قراءة من قرأ بإثبات الألف وأصله عند العلماء أجمعين على هذه القراءة لكن أنا هو الله ربي فألقيت الهمزة تخفيفا وأدغمت النون الأولى في الثانية، وكذلك الشاعر لما قال: لكن إنني فحذف الهمزة بقيت نون لكن ساكنة خفيفة وبعدها ساكن فحذف نون لكن لالتقاء الساكنين وكان سبيله أن يكسرها ولكن حذفها في الشعر جائز، وقال الآخر:

(1/158)


فلست بآتيه ولا أستطيعه ولاك ... اسقني إن كان ماؤك ذا فضل
واعلم أن اللام تدخل في خبر إن على الخبر وعلى صلة الخبر إذا كانت مقدمة قبل الخبر، فإن أخرتها بعد الخبر لم تدخل إلا على الخبر لأنه موضعها كقولك: ك إن زيدا لبالجارية كفيل وإن زيدا بالجارية لكفيل وإن قلت إن زيدا كفيل لبالجارية لم يجز وإنما جاز دخولها على صلة الخبر حين تقدمت لأنك توقعها على جملة الكلام الذي بعدها.

(1/159)


مسألة من القرآن
قول الله تعالى: (وَإِن كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ) ؛ قرئ بكسر اللام ونصب الفعل على أن تكون إن على مذهب البصريين مخففة من الثقيلة وتكون اللام بمعنى كي، وقال بعضهم يجوز أن تكون إن نافية بمعنى ما التي تكون جحدا كأنه ما كان مكرهم لتزول منه الجبال استحقارا بمكرهم من أن تزول منه الجبال وهذا جيد في المعنى إلا أنه ضعيف في العربية لأن اللام لا تدخل على إن إذا كانت نافية، وقد قرئ وإن كان مكرهم لتزول منه الجبال على أن نجعل إن هي المخففة من الثقيلة واللام للتوكيد التي تلزم في خبر إن تفصل بينها وبين النافية فيكون على هذا التقدير كأنه قال: وإن مكرهم لتزول منه الجبال فدخلت اللام كما ذكرت لك ويكون هذا على التعظيم لمكرهم كما قال: في موضع

(1/160)


آخر: وجاؤوا بسحر عظيم؛ ولكلا القراءتين مذهب على ما فسرت لك وأكثر القراء على كسر اللام ونصب الفعل إلا الكسائي، فإنه قرأ بفتح اللام ورفع الفعل.
تم الكتاب والحمد لله رب العالمين وصلى الله على سيد المرسلين محمد نبيه وعلى أهل بيته الطيبين صلاة دائمة زاكية إلى يوم الدين وحسبنا الله ونعم الوكيل.

(/161)