اللباب في علل البناء والإعراب

اللّبَاب فِي علل الْبناء وَالْإِعْرَاب ج 2 بَاب الْأَفْعَال

قد ذكرنَا فِي أول الْكتاب حدَّ الفعلِ وعلاماتِه وَذكرنَا فِي بَاب الْمصدر أنَّه مشتقٌّ من الْمصدر وَبَقِي الكلامُ فِي أقسامه وأحكامِه
فصل

واقسامُ الْأَفْعَال ثلاثةٌ ماضٍ وحاضرٌ ومستقبلٌ
وَأنكر قومٌ فعل الْحَال
وحُجَّة الْأَوَّلين أنَّ الْفِعْل اشتُقَّ من الْمصدر ليدلَّ على الزَّمَان فَيَنْبَغِي أَن يَنْقَسِم بِحَسب انقسامِه وَلَا أحدَ ينكرُ زمنَ الحالِ وَهُوَ الْآن فَكَذَلِك الْفِعْل الدالّ عَلَيْهِ فَهُوَ

(2/13)


واسطةٌ بَين الْمَاضِي والمستقبل وَلذَلِك قَالَ تَعَالَى {لَهُ مَا بينَ أيْدِينا وَمَا خَلْفَنا وَمَا بينَ ذَلِك} قَالُوا أَرَادَ الْأَزْمِنَة الثَّلَاثَة
وَمِنْه قولُ زُهَيْر من // الطَّوِيل //
(وأعلمُ مَا فِي اليومِ والأمسِ قبلَه ... ولَكِنِّني عَنْ عِلْمِ مَا فِي غَدٍ غمِ)
واحتجَّ الْآخرُونَ بِأَن مَا وُجِدَ من أجزاءِ الْفِعْل صارَ مَاضِيا وَمَا لم يوجدْ فَهُوَ مستقبلٌ وَلَيْسَ بَينهمَا واسطةٌ
وَالْجَوَاب أنَّ النَّحْويين يريدونَ بِفعل الْحَال فعلا ذَا أجزاءٍ يتَّصلُ بعضُها بِبَعْض كَالصَّلَاةِ وَالْأكل وَنَحْوهمَا وَهَذَا يُعقل فِيهِ الحالُ قسما ثَالِثا لأنَّه يُشارُ إِلَيْهِ وَهُوَ متشاغلٌ بِهِ وَلم يقْضِه ويفرّق بَين حالِه الْآن وحالِه قبلَ الشُّروع وَبعد الفراغِ

(2/14)


فصل

وَاخْتلفُوا أيُّ أَقسَام الْفِعْل أصل لغيره فَقَالَ الْأَكْثَرُونَ هُوَ فعلُ الْحَال لأنَّ الأصلَ فِي الْفِعْل أَن يكون خَبرا وَالْأَصْل فِي الْخَبَر أَن يكونَ صِدْقاً
وفعلُ الحالِ يُمْكِنُ الإشارةُ إِلَيْهِ فتحقَّق وجودُه
فَيصدق الْخَبَر عَنهُ وَقَالَ قومٌ الأصلُ هُوَ المستقبلُ لأنَّه يخبر عَنهُ عَن الْمَعْدُوم ثمَّ يخرج الْفِعْل إِلَى الْوُجُود فيخبر عَنهُ بعد وجوده
وَقَالَ الْآخرُونَ هُوَ الْمَاضِي لأنَّه لَا زيادةَ فِيهِ ولأنَّه كَمُلَ وجودُه فاستحقَّ أَن يسمَّى أصلا
فصل

الأصلُ فِي الفعلِ البناءُ لأنَّ الإعرابَ دخلَ للْفِعْل بَين الْفَاعِل وَالْمَفْعُول وليسَ فِي الْفِعْل فاعلٌ وَلَا مفعولٌ فصارَ كالحرفِ
فصل

والأصلُ أَن يُبنى على السكونِ لأنَّ البناءَ ضدٌّ الإعرابِ على مَا ذُكِرَ فِي صدرِ الْكتاب إِلَّا أنَّ الفعلَ الْمَاضِي حُرِّكَ لشبهه بالمضارع إِذْ كَانَ يَقع موقعه فِي نَحْو

(2/15)


قَوْله {ويومَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَفَزِعَ} أَي فَيفزع
وَفِي الشَّرطِ وَالْجَزَاء إِذا ذهبتَ ذهبتُ
وَفِي الحالِ كَقَوْلِك مررتُ بزيد قد كتبَ كَقَوْلِك يكْتب والشَّبه يَقْتَضِي إثباتَ حكمِ من أحكامِ المشابهِ للمشابهِ والحركةُ من أحكامِ المضارعِ إلاَّ أنَّ حَرَكَة المضارعِ إعرابٌ وحركةَ الْمَاضِي بناءٌ وعلَّةُ ذَلِك أنَّ إعرابَ المضارعَ فَرعٌ على الِاسْم والماضي فَرْعٌ على الْمُضَارع والفروعُ تنقصُ عَن الأصولِ فكيفَ بفرع الْفَرْع.
فصل

وإنَّما جُعلت حركتُه فَتْحة لأمرين: أَحدهمَا: أنَّ أمثلةَ الفعلِ الْمَاضِي كثيرةٌ فاختِير لَهُ أخفُّ الحركاتِ تعديلاً وَالثَّانِي أنَّ الغرضَ تمييزُ هَذَا المبنيَّ على المبنيِّ على السّكُون والتمييزُ يحصلُ بالفتحة وَهِي أخفُّ فَلَا يُصار إِلَى الثقيل
وَقيل لَو كُسِر لَبُنِيَ على كسرةٍ لازمةٍ والفعلُ لم يدخُلْه الجرّ مَعَ أَنه عارضٌ وَلم يضمّ لأنَّ مِنَ العربِ مَنْ يحذِفُ واوَ الْجمع ويجعلُ الضمةَ دَلِيلا عَلَيْهَا نَحْو ضَرَبٌ فِي ضَربوا وَهَذَا وجهٌ ضَعِيف

(2/16)


مَسْأَلَة

فعلُ الأمرِ الَّذِي ليسَ فِيهِ حرفُ مضارَعةٍ مبنيٌّ على السكونِ وَقَالَ الكوفيُّون هُوَ مُعْرَبٌ بِالْجَزْمِ واحتجَّ الأوَّلون من وَجْهَيْن
أَحدهمَا أنَّ الأصلَ فِي الْفِعْل البناءُ وإنَّما أُعْرِبَ لمشابهتِه الإسمَ والمشابهةُ تتحقَّقُ بحرفِ المضارعةِ فَقَط فَإِذا فُقِدَ فُقِدَتْ فيخرجُ على الاصْل
والثَّاني أَن نَزَال وبابَه مبنيٌّ لقيامِه مقامَ الأمرِ فَلَو كانَ مُعْرَباً لم يُبْنَ مَا قامَ مقامَه
واحتجَّ الْآخرُونَ من وَجْهَيْن أَحدهمَا أنَّ الأصلَ فِي قُمْ لِتَقُمْ فحُذِفَ تَخْفِيفًا وَقد جَاءَ ذَلِك فِي الْمُضَارع الصَّرِيح قَالَ الشَّاعِر من // الطَّوِيل //
(على مِثْلِ أصحابِ البعُوضَة فاخمِشي ... لكِ الويلُ حُرَّ الوجهِ أَو يبكِ مَنْ بَكَى)

(2/17)


وَقَالَ آخر من // الوافر //
(محمّدُ تَفْدِ نفسَك كلُّ نفسٍ ... إِذا مَا خفتَ مِنْ شيءٍ تبالا)
أَي لتفد وَقُرِئَ {فبذلك فليفرحوا} على الْخطاب أَي فافْرَحُوا
وَالْوَجْه الثَّانِي أنَّ حروفَ العلَّة تسقطُ من هَذَا الْفِعْل نَحْو اغْزُ واسْعَ وارْمِ كَمَا تسقطُ بالجازم

(2/18)


وَالْجَوَاب عَن الأول من وَجْهَيْن أَحدهمَا أَن قُمْ واذهبْ أصلٌ بِنَفسِهِ وَلَيْسَ الأصلُ فِيهِ مَا ذكرُوا لأنَّه لَو كانَ كَذَلِك لَلَزِمَ مِنْهُ حذفُ الْعَامِل وحرفِ المضارعة وتغييرُ الضيغة وكلٌّ ذَلِك مخالفٌ للْأَصْل وَلَا سماعَ يدلُّ عَلَيْهِ
وَالثَّانِي يقدّر أنَّ الأَصْل مَا ذكرُوا ولكنْ بِهَذَا الحذفِ زالَ شَبَه الْفِعْل بِالِاسْمِ فَعَاد إِلَى الْبناء
وَالثَّالِث أنَّ الجزمَ يحتاجُ إِلَى جازم وتقديرُ الْجَازِم ممتنعٌ لوَجْهَيْنِ
أَحدهمَا أنَّه لَا يصحُّ ظهورُه مَعَ هَذِه الصِّيغَة فَلَا تَقول لاذهبْ والمقدّرُ كالمنطوقِ بِهِ
وَالثَّانِي الجازمُ أضعفُ من الجارِّ والجارُّ لَا يبْقى عملُه بعد حذفه فالجازم أولى
فأمَّا الْبَيْت فَهُوَ خبرٌ وليسَ بأمرٍ وحذفُ الْيَاء ضرورةٌ وَلَو قدَّر أَنه حذفَ اللامَ فَلَا يَصح مثله فِي مَسْأَلَتنَا لوَجْهَيْنِ أَحدهمَا أنَّ حرفَ المضارعةِ باقٍ هُنَاكَ وليسَ بموجودٍ هُنَا فَلَا يلزمُ من حذفِ

(2/19)


شيءٍ وَاحِد حذفُ شَيْئَيْنِ وَلَا يلْزم من حذفِ مَا عَلَيْهِ دليلٌ وَهُوَ حرف المضارعة حذفُ مَا لَا دَلِيل عَلَيْهِ
وَالثَّانِي أنَّ ذلكَ شاذٌّ سوَّغته الضَّرُورَة
وأمَّا الْوَجْه الثَّانِي فليسَ بشيءٍ لأنَّ البناءَ يُذهبُ الحركةَ فيذهبُ الحرفَ القائمَ مقامَها وحروفُ العلّة قَامَت مقامَ الْحَرَكَة على مَا نبيِّنه
مَسْأَلَة

الفعلُ المضارعُ أُعربَ لِشَبَهِهِ بِالِاسْمِ من أوجه
أَحدهَا أنَّه يكونُ شَائِعا فتخصصَ بالحرف كَقَوْلِك زيد يصلِّي فَيحْتَمل أنْ يكونَ فِي الصَّلَاة وأنْ يكونَ لم يشرعْ فِيهَا وَإِذا قلت سيصلي اخْتصَّ كَمَا أنَّ رجلا يحتملُ غيرَ واحدٍ ثمَّ يختصُّ بواحدٍ بِالْألف وَاللَّام
وَالثَّانِي أنَّ اللامَ تدخلُ عَلَيْهِ فِي خبرِ إنَّ كَقَوْلِه تَعَالَى {وإنَّ رَبَّكَ لَيَحْكُمُ} وَلَا تدخلُ على الْأَمر والماضي وحقّها أنْ تدخُلَ على الاسمِ لأنَّها لامُ الِابْتِدَاء زُحلِقت إِلَى الْخَبَر فلولا قوةُ الشَّبَه لم تدخلْ على هَذَا الْفِعْل
والثالثُ أَنه على زِنَةِ اسْم الْفَاعِل عدَّة وحركةً وسكوناً ف يضْرب مثلُ ضاربٍ فِي ذَلِك ويُكْرِم مثل مُكرم وَقد شذَّ عَنهُ ينصب فَهُوَ نَصِب وبابه وَلما أشْبَهه من هذهِ الأوجهِ الخاصّة أُعطي حُكماً من أَحْكَامه لأنَّ ذَلِك

(2/20)


قَضَاهُ الشَّبه كَمَا أنَّ الاسمَ لمّا شابه الفعلَ مُنع الصّرْف فَإِن قيل لِمَ لَمْ يُجعل من أَحْكَام الِاسْم غير الْإِعْرَاب قيل الْإِعْرَاب لَا يغيّر معنى الْفِعْل وَغَيره من أَحْكَام الِاسْم تغيّر معنى الْفِعْل فينبو عَن قبُوله
مَسْأَلَة

إِعْرَاب الْفِعْل الْمُضَارع استحسانٌ وَقَالَ الْكُوفِيُّونَ أُعْربَ كَمَا أُعْرِبَ الاسمُ واحتجَّ الْأَولونَ بأنَّ معنى الفعلِ واحدٌ فِي كلّ حالٍ وَهُوَ الدَّلالة على الْحَدث وزمانِه وَلَا يُضاف إِلَيْهِ بالعاملِ الدَّاخل عَلَيْهِ معنى آخر وإعرابُ الْأَسْمَاء يَفْرُق بَين الْمعَانِي الْمُخْتَلفَة الحادثةِ العارضةِ على المسمَّى وَإِنَّمَا أُعرب الْفِعْل للشبه على مَا تقدَّم
واحتجَّ الْآخرُونَ بأنَّ الإعرابَ فِي الْفِعْل يَفْرُق بَين الْمعَانِي أَلا ترى أنَّ قَوْلك لَا تَأْكُل السّمك وتشرب اللَّبن إِذا جزمت الثَّاني كَانَ لَهُ معنى فَإِذا نصبتَه أَو رفعتَه كَانَ لَهُ معنى آخر وَكَذَلِكَ أريدُ أَن أزورَك فيمنعني البوابُ فالرفع يدلُّ على خلاف مَا يدل عَلَيْهِ النصب وَكَذَلِكَ لَا يَسَعُني شيءٌ ويعجزَ عَنْك وَكَذَلِكَ لِتضربُ زيدا إنْ جزمتَ كانَ أمرا وَإِن نصبت كَانَ عِلّة

(2/21)


وَالْجَوَاب إنَّ اختلافَ الْمَعْنى فِيمَا ذكرُوا حَاصِل بالإعراب لَا بِعَدَمِ الْإِعْرَاب فإنَّكَ لَو سكَّنت فِي هَذِه الْمَوَاضِع كلّها لعرفتَ الْمَعْنى بدليلٍ آخر فالواو فِي قَوْلك لَا تَأْكُل السّمك وتشرب اللبنَ للْعَطْف فَيحْتَمل أَن يُعطفَ على لفظِ الفعلِ الأوَّل فيكونَ نهيا عَنْهُمَا جَمِيعًا مُجْتَمعين ومُنْفَردين فعندَ ذَلِك يُجْزَم على تَقْدِير وَلَا تشرب اللَّبن ويُحتَمل أنْ تُريدَ بِهِ العطفَ على الْموضع وَمعنى الْجمع وَلَا يصحّ ذَلِك إِلَّا بِإِرَادَة أنْ ليصير الْمَعْنى لَا تجمعْ بينَ أكلِ السّمك وَشرب اللَّبن وَلَو ظَهرت أنْ لفُهم الْمَعْنى بِدُونِ الْإِعْرَاب وَكَذَلِكَ لَو ظهرتْ لَا فاللَّبْسُ جَاءَ من حذف الْعَامِل فأقمتَ الحركاتِ مقامَ ظُهوره لَا أنَّ معنى الْفِعْل تغيّر بالعامل كَمَا تغيَّر الِاسْم بِالْفِعْلِ فَيكون تَارَة فَاعِلا وَتارَة مَفْعُولا وَالْفِعْل مَعَ عَامله قد يكون لَهُ مَوضِع الِاسْم الْمُفْرد المفتقر الى عاملٍ وَمن هَا هُنَا كَانَ الرفعُ فِي قَوْلك فيمنعني البواب هُوَ الوجهُ لِأَنَّك لَو نصبت عطفته على أزورك وَذَلِكَ مُراد والمنعُ ليسَ بِمُرَاد فَيفْسد الْمَعْنى بِسَبَب الْعَطف الْمُوجب للتشريك وَلذَلِك لَو سكنتَ لم يفْسد الْمَعْنى فقد رَأَيْت الْإِعْرَاب بِالنّصب كَيفَ أفسدَ الْمَعْنى وَلَو نصبتْ العربُ الفاعلَ ورفعتِ المفعولَ لحصلَ الفرْقُ وَلَو نصبتْ هُنَا لفسدَ الْمَعْنى لِمَا ذكرنَا وَالرَّفْع فِيهِ لم يتعيَّن ليصحح الْمَعْنى بل النصب هُوَ الْمُتَعَيّن لِفساد الْمَعْنى وَكَذَلِكَ لَا يسعني شَيْء ويعجزَ عَنْك الرفعُ يُفْسِد الْمَعْنى لأنَّه يصير لَا يسعني شَيْء وَلَا يعجزُ عَنْك فبوجود الرّفْع يَفْسُدُ الْمَعْنى وَفِي الْأَسْمَاء بِعَدَمِ الْإِعْرَاب يَفْسُد الْمَعْنى وَأما قَوْلك ليضربْ زيد فَلَا يلتبس إِذا كَانَ هَذَا الْكَلَام وحدَه بل يكون أمرا لَا محَالة فَإِذا انضمّ إِلَيْهِ كلامٌ آخرٌ يَصْلُح أَن يكون عِلَّةً لَهُ فُهِمَ الْمَعْنى وَإِن سكَّنته

(2/22)


فصل

لَا يصيرُ الفعلُ مضارعاً إِلَّا بِزِيَادَة الْحُرُوف لأنَّ الحركاتِ موجودةٌ فِي الْمَاضِي من ضَمٍّ وفتحٍ وَكسر وإنَّما زيدت الحروفُ المذكورةُ لأنَّ أوْلى مَا زيد حروفُ المدِّ لِمَا ذكرنَا فِي أوَّل الْكتاب إلاَّ أنَّ الْألف لِسُكونها لَا يُمْكن الابتداءُ بهَا فَجُعِلت الهمزةُ بدلهَا إِذْ كَانَت أُخْتهَا فِي الْمخْرج وَالْوَاو لَا تزاد أَولا لوَجْهَيْنِ
أحدُهما ثِقَلُها وَلذَلِك لم تُزَدْ أَولا فِي موضعٍ مَا
والثَّاني أنَّه يُؤَدِّي فِي بعض المواضعِ إِلَى اجْتِمَاع ثَلَاث واوات فَاء الْكَلِمَة وحرف المضارعة وحرف الْعَطف وَذَلِكَ مُسْتَثْقَلٌ مستنكر فَجعلت التَّاء بدَلها لِما ذَكرْنَاهُ فِي القَسَم وَلم يعرِضْ للياء مَانع واحْتِيج إِلَى حرفٍ آخر لتَمام أدلَّة الْمعَانِي فزِيدت النُّون إِذْ كَانَت تشبه الْوَاو
فصل
وَالْفِعْل هُنَا إمّا أنْ يكونَ خَبرا عَن المتكلِّم وحدَه أَو عَنهُ وعمّن مَعَه أَو عَن المخاطَبِ أَو عَن الغائبِ وَلذَلِك كانتْ حروفُه أَرْبَعَة
فصل

وإنَّما خَصَّت الهمزةُ بالمتكلم لوَجْهَيْنِ
أَحدهمَا أنَّها أوَّلُ الحروفِ مَخْرجاً فَجُعِلت دَلِيلا على الْمُتَكَلّم إذْ كَانَ مَبْدءاً للْكَلَام

(2/23)


والثَّاني أنَّ الواحدَ مقابلٌ للْجمع وعلامةُ الْجمع الْوَاو فَجعل عَلامَة الْوَاحِد الْمُتَكَلّم الهمزةَ الَّتِي مخرجها مقابلٌ لمخرج الْوَاو فمخرجحما أوَّل ومخرج الْوَاو آخر وَمَا بَينهمَا وسطٌ كَمَا أنَّ الْوَاحِد أوَّلُ والجمعَ آخِرٌ والتثنية وسط
فصل

وإنَّما جُعلت النونُ للْجمع لوَجْهَيْنِ
أَحدهمَا أنَّها تُشبه الواوَ والواوُ علامةُ الْجمع
وَالثَّانِي أنَّها جُعلت ضميراً لجمع الْمُؤَنَّث نَحْو ضَرَبْنَ فَلذَلِك زيدت أَولا للْجمع
فصل

وَأما التَّاء فمختصّ بهَا المخاطَبُ المذكَّرُ كَمَا جُعلتْ ضميراً لَهُ فِي قَوْلك ضربت وَفِي الْمُؤَنَّث هِيَ عَلامَة تَأْنِيث الْفَاعِل نَحْو قامتْ فجُعلت أَولا فِي الْمُضَارع لهَذَا الْمَعْنى وأمَّا الْيَاء فَجعلت للغائبِ لما فِيهَا من الْخَفاء الْمُنَاسب لحالِ الْغَائِب وَلذَلِك لم يكن للغائبِ الْوَاحِد ضمير ملفوظ بِهِ فِي الْفِعْل نَحْو زيد قَامَ
فصل

وإنَّما جُعلت هَذِه الحروفُ أَولا لأمرين
أَحدهمَا أَنَّهَا ناقلةٌ للْفِعْل من معنى إِلَى معنى آخر فكونها أَولا يدل على الْمَعْنى الْمَنْقُول إِلَيْهِ بأوَّل نظرٍ

(2/24)


وَالثَّانِي أنَّ الآخِرَ موضعُ الْإِعْرَاب والحشوَ موضعُ اخْتِلَاف الْأَبْنِيَة فَلم يبْق سوى الأوَّل
مَسْأَلَة

إِذا تجرّد المضارعُ عَن عامِل الْجَزْم وَالنّصب ارتفعَ لوُقُوعه موقعَ الِاسْم وَقَالَ الفرّاء يرتفعُ لتعرِّيه من الجوازم والنواصب وَقَالَ الكسائيّ يرْتَفع بِحرف المضارعة
واحتجَّ الأوَّلون بِأَن وقوعَه موقع الِاسْم يُكْسِبه قوَّةً يشبه بهَا الِاسْم وأوَّل أَحْوَال الِاسْم فِي الاعراب الرفعُ فَيصير كالمبتدأ فِي ارتفاعه لأوَّليته وأنَّ الرفعَ أوَّلُ وَلَا فرق بَين أَن يكون ذَلِك الِاسْم مَرْفُوعا أَو غَيره لأنَّه ارْتَفع لوقوعِه مَوْقِعَ الاسمِ من حيثُ هُوَ اسْم لَا من حَيْثُ هُوَ مرفوعٌ.
واحتجَّ الفرّاء من وَجْهَيْن
أَحدهمَا أَن تعرّيه من العوامل اللفظية واستقلاله دونهَا يدلُّ على قوَّته فَأشبه بذلك الْمُبْتَدَأ
وَالثَّانِي أنَّ ارتفاعَه لوُقُوعه موقع الِاسْم باطلٌ بِخَبَر كَاد فَإِنَّهُ مَرْفُوع وَلَا يَقع موقع الِاسْم وَمذهب الْكسَائي فاسدٌ فتعيَّن التَّعْلِيل بالتعرِّي واحتجَّ للكسائي بأنَّ الْفِعْل قبل حَرْف المضارعة مبنيّ وَبعد وجوده وحدَه مرفوعٌ والرفعُ عملٌ لَا بدَّ لَهُ من عاملٍ وَلم يحدث سوى الحرفِ فوجبَ أنْ يُضافَ العملُ إِلَيْهِ وإنَّما بَطل عمله بعامل آخر لِأَنَّهُ أقوى مِنْهُ كَمَا إنْ الشّرطِيَّة يبطل عَملهَا ب لم

(2/25)


والجوابُ عَن كلامِ الفرّاء من ثَلَاثَة أوجه
أَحدهَا أَنه تَعْلِيل بِالْعدمِ الْمَحْض وَقد أفْسَدْناه فِي بَاب الْمُبْتَدَأ
وَالثَّانِي مَا ذكرتموه يؤول إِلَى مَا قُلْنَاهُ لأنّه بيّن قُوَّة الْفِعْل باستقلاله وَبِذَلِك وقعَ مَوْقِعَ الِاسْم
وَالثَّالِث أنَّ مَا قَالَه يُفْضي إِلَى أنّ أوَّل أحوالِ الفعلِ مَعَ النَّاصب والجازم والأمرَ بعكسه وأمَّا خبرُ كَاد فالأصلُ أَن يكونَ اسْما لِمَا ذكرنَا فِي بَابه وإنَّما أُقيم الفعلُ مقامَه ليدلَّ على قُرْبِ الزَّمان وأمَّا كلامُ الكسائيّ إنْ حُمل على ظَاهره ففاسدُ لثلاثةِ أوْجه
أَحدهَا أنَّه عدَّد حرف المضارعة وغيرَه وَهُوَ وقوعُه مَوْقعَ الِاسْم فَلم يَلْزَم إضافةُ العَمل إِلَى الْحَرْف
والثَّاني أنَّ حَرْفَ الْمُضارعة صارَ من سِنْخ الكلمةِ وبعضُ الْكَلِمَة لَا يعْمل فِيهَا
والثَّالث أنَّ الناصبَ والجازم يُزيل الرفعَ وَلَو كانَ حرفُ المضارعة عَاملا لما بَطل بعاملٍ قبلَه بِخلافِ إنْ لأنَّ عملَها بَطل بعامل بعْدهَا

(2/26)


مَسْأَلَة
مثلةُ الخمسةُ وَهِي تَفْعلان ويَفْعَلان وتَفْعَلُون ويفعلون وتَفْعلين مُعْرَبةٌ وليسَ لَهَا حرفُ إعرابٍ والدليلُ على أنَّها مُعْرَبة من وَجْهَيْن
أَحدهمَا أنَّ الْمَعْنى الَّذِي أُعرب بِهِ الْمُضَارع موجودٌ فِيهَا من غير مَانع
والثَّاني أنَّ النونَ تثبت فِي رفعِها وَتسقط فِي غَيره
وَهَذَا الِاخْتِلَاف إعرابٌ والدليلُ على أَنه لَا حرفَ إعْراب لَهَا أنَّه لَو كانَ لكانَ إمَّا الحرفَ الَّذِي قَبْل حرفِ الْعلَّة أَو حرف الْعلَّة أَو النُّون والأوّلَ بَاطِل لأنَّه لَو كانَ حرفَ إعرابٍ لكَانَتْ حركتُه حركةَ إعرابٍ وَلَيْسَت كَذَلِك بل هيَ تَابِعَة لحرفِ العلَّة مُنَاسبَة لطبيعته وَالثَّانِي بَاطِل أَيْضا لأنَّه اسمٌ فِي مَوْضعِ رفعٍ معمولٌ للْفِعْل فلي سَ مِنْهُ وَلَا علامةَ لشَيْء هُوَ فِيهِ والثَّالثُ باطلٌ أَيْضا لوَجْهَيْنِ أَحدهمَا أنَّ النونَ حرفٌ صحيحٌ تَسْقُط فِي النَّصب والجزْم فَلم تَكُنْ حرفَ إِعْرَاب كَسَائِر الْحُرُوف والثَّاني أنَّها واقعةٌ بعد الفاعلِ الموصولِ بالفعلِ وَهَذَا الحائلُ يُحيل كونَها من الفعلِ لَفْظاً أَو حُكْماً فَثَبت مَا قُلْنَا

(2/27)


مَسْأَلَة
الفعلُ المعْرَبُ يَعْرِضُ لَهُ البناءُ لشيئين
أَحدهمَا نونُ التّوكيد لأنَّ حركةَ آخرِه صارتْ دالَّةً على معنى وَهُوَ كونُ الفاعلِ وَاحِدًا أَو جمَاعَة أَو مؤنثاً فَلم يَبْقَ الحرفُ محلاًّ لحركةِ الْإِعْرَاب فيعودُ إِلَى أصلِه من الْبناء
والثَّاني نونُ جماعةِ الْمُؤَنَّث نَحْو يَضْرِبْنَ لأنَّ هَذِه النُّون أوجبت تسكينَ الحرفِ الْأَخير فِي الْمَاضِي فوجبَ إسكانُه فِي الْمُضَارع وَإِنَّمَا كَانَ ذَلِك لأمرين
أَحدهمَا أنَّ الماضيَ سُكِّن لئلاّ تتوالى أربعُ حركاتٍ وَكَذَلِكَ هُوَ فِي المضارعِ وسكونُ الثَّاني عارضٌ لَا يعتدُّ بِهِ وَإِن السّاكنَ غيرُ حَصِين وحَرْفُ المضارعة متحرِّكٌ وَهُوَ من نَفْسِ الفعلِ وإنَّ زِيَادَة الحرفِ نابَ مَنابَ الْحَرَكَة
والثَّاني أنَّه أشْبَه الْمَاضِي فِي أنَّ حُروفَه باقيةٌ فِيهِ وأنَّ أحدَهما يقعُ موقعَ الآخرِ فحمْلُه عَلَيْهِ فِي الْبناء أقْرَبُ من حَمْل الفعلِ على الِاسْم فِي الْإِعْرَاب
مَسْأَلَة

الفعلُ المعتلُّ الآخر نَحْو يَغْزَو ويَرْمي لَا يُحرِّكُ آخِره بالضمة لِثِقَلها عَلَيْهِ

(2/28)


كثقلها على الاسمِ المنْقُوص بل أَكثر فأماَّ تقديرُ الضمَّةِ فيحتملُ وَجْهَيْن كَمَا ذكَرْنا فِي يَاء قَاضِي وَأما الالفُ فتقدَّرُ الْحَرَكَة عَلَيْهَا البتةَ كالاسم الْمَقْصُور
مَسْأَلَة
تَقول الرِّجَال يَعْفُون والنِّساءُ يَعْفُون فاللفظُ واحدٌ والتقديرُ مُخْتَلف ففعلُ الرِّجَال حُذِفت مِنْهُ اللامُ لسكونها وَسُكُون وَاو الضَّمِير بعْدهَا كَمَا حذفت الياءُ من يرْمونَ وَالنُّون عَلامَة الرّفْع وفعلُ النِّساء لم يُحذفْ مِنْهُ شيءٌ لأنَّه مبنيّ وواوه لامُه وَالنُّون اسْم مُضْمر وَلذَلِك ثبتَتْ فِي الْأَحْوَال الثَّلَاث على صُورَة وَاحِدَة

(2/29)


بَاب

نواصب الْفِعْل
أَصْلهَا أنْ المصدريّة وإنَّما عَمِلت لاختصاصها بِالْفِعْلِ وإنَّما نَصبتْ لأنَّها أشبهتْ أنَّ العاملةَ فِي الْأَسْمَاء من أَرْبَعَة أوجه
أَحدهَا أنَّ لفظَها قريبٌ من لَفظهَا وَإِذا خُفّفت صَارَت مثلَها فِي اللَّفْظ
الثَّاني أنَّها وَمَا عَمِلت فِيهِ مصدرٌ مثل أنَّ الثَّقِيلَة
وَالثَّالِث أنَّ لَهَا ولِمَا عملتْ فِيهِ موضعا من الْإِعْرَاب كالثقيلة
وَالرَّابِع أنَّ كلَّ واحدةٍ مِنْهُمَا تدخلُ على جملةٍ

(2/30)


فصل
وأنْ وَالْفِعْل فِي تَقْدِير الْمصدر وَلذَلِك يُقدَّر المصدرُ بأنْ وَالْفِعْل وَأَنه لَا يجوز تَقْدِيم معمولِ أنْ عَلَيْهَا وَلَا مَعْمُول معمولها عَلَيْهَا وَلَا عَلَيْهِ كقولكَ أريدُ زيدا أنْ تضربَ وَلَا أريدُ أنْ زيدا تضرب لأنَّ الصِّلة لَا تتقدَّمُ على الموصولِ
مَسْأَلَة

إِذا حُذفت أنْ فالجيِّد أنْ لَا يبْقى عملُها إلاَّ أَن يكون ثَمَّ بدلٌ مثل الْفَاء وَنَحْوهَا وَقَالَ الْكُوفِيُّونَ يبْقى عملُها
وحُجَّةُ الأوَّلين قولُه تَعَالَى {تَأْمُرُونِّي أعْبُدُ} وبأنَّ عوامل الْأَفْعَال ضعيفةٌ وَلَا تعْمل محذوفةً
وَاحْتج الْآخرُونَ بأَشْيَاء جَاءَت فِي الشّعْر وَهِي شاذَّة أَو مُتَأوِّلة وَقد قاسوا

(2/31)


ذَلِك على عوامل الْأَسْمَاء وَهُوَ قياسٌ فَاسد لِأَنَّهَا أقوى من عواملِ الْأَفْعَال وَلَو جازَ مثل ذَلِك لجَاز يضربْ زيد وَأَنت تُرِيدُ ليضربْ
فصل

وَأما لَنْ فتعملُ لاختصاصها وتنصِبُ لشبهها بأنْ من وَجْهَيْن
أَحدهمَا أنَّها تخلّص الفعلَ للاستقبال كَمَا تخلّصه أنْ
وَالثَّانِي أَنَّهَا نقيضتها فَتلك تثبته وَهَذِه تَنْفِي مَا ثبتته تِلْكَ وَلنْ جَوَاب سيفعل أَو سَوف تفعل وَجَوَاب أُرِيد أَن تفعل فَإِنَّهُ يَقُول لن أفعل
مَسْأَلَة

لن مفردةٌ وَقَالَ الْخَلِيل هِيَ مركَّبة من لَا وَأَن إلاَّ أنَّ الْهمزَة حذفت تَخْفِيفًا ثمَّ حذفت الْألف لسكونها وَسُكُون النُّون بعْدهَا

(2/32)


وَاحْتج الْأَولونَ بأنَّ الأصلَ عدمُ التَّرْكِيب وإنَّما يُصارُ إِلَيْهِ لدليلِ ظَاهر وَلَا دليلَ على ذَلِك بل الدليلُ يدلُّ على فَسَاده وَبَيَانه من وَجْهَيْن
أَحدهمَا جوازُ تقدُّم مَعْمُول معمولها عَلَيْهَا كَقَوْلِك زيدا لن أضْرب وأنْ لَا يتَقَدَّم عَلَيْهَا مَا فِي حيِّزها وَبِذَلِك احْتج سِيبَوَيْهٍ على الْخَلِيل وَقد اعتذر عَنهُ بأنَّ التَّرْكِيب غيَّر الحكمَ كَمَا غيَّر الْمَعْنى وَهَذِه دَعْوَى أَلا ترى أنَّ لَوْلَا لما تَغَيَّرت فِي الْمَعْنى للتركيب لم يتغيَّر الحكم فِي التَّقْدِيم وَالتَّأْخِير
وَالْوَجْه الثَّانِي أَن لَا أَن يتقدّمها مَا يتَعَلَّق بِالْمَعْنَى وَلنْ لَا يلْزم فِيهَا ذَلِك
فصل

وَأما كي فتكونُ ك أنْ فِي الْعَمَل بنفسِها فَلَا يُضْمَر بعْدهَا شَيْء وَذَلِكَ

(2/33)


اذا ادخلت عَلَيْهَا اللَّام كَقَوْلِه تَعَالَى {لكَي لَا تَأْسَوْا} إلاَّ أَن فِيهَا معنى التَّعْلِيل فَلذَلِك لَا يحسنُ أَن تَقول أُرِيد كي تقوم
وَالْوَجْه الثَّانِي أَن تكونَ حرفَ جرٍّ بدليلِ دُخُولهَا على الِاسْم كَقَوْلِك كَيْمَهْ بِمَعْنى لِمَهْ وَمَا اسْم للاستفهام وَالْهَاء لبَيَان الْحَرَكَة وَالْألف محذوفة وَلَو كانتْ كي بِمَعْنى أنْ لم تدخل على الِاسْم فَإِذا دخلتْ هَذِه على الْفِعْل كانتْ أنْ بعدَها مضمرةً لأنَّ حرفَ الجرِّ لَا يعملُ فِي الْفِعْل فتضمر مَعَه أنْ لتصيرَ دَاخِلَة على الِاسْم فِي التَّقْدِير وَهَذَا هُوَ حكم اللاَّم فإنْ دخلت اللامُ على كي وجبَ أنْ تصيّر بِمَعْنى أنْ لأنَّ حرف الجرّ لَا يدخلُ على مثله
فصل

وأمَّا إِذن فحرف مُفْرد وَقَالَ الْخَلِيل أصلُها إذْ أنْ فحذفت الْهمزَة وركِّبا كَمَا قَالَ فِي لن وَهَذِه دَعْوَى مجرَّدة
وَإِذن تعْمل بِخمْس شَرَائِط
أَحدهَا أَن تكونَ جَوَابا
وَالثَّانيَِة أنْ لَا يكونَ مَعهَا حرف عطف
والثالثُ أنْ يَعْتَمد الْفِعْل عَلَيْهَا
وَالرَّابِعَة أنْ لَا يُفْصَل بَينهَا وَبَين الْفِعْل بِغَيْر الْيَمين

(2/34)


وَالْخَامِسَة أَن يكونَ الْفِعْل مُسْتَقْبلا
فَإِن قيل لِمَ عملت إِذن ثمَّ لِمَ عملتْ عندَ وُجود هَذِه الشَّرَائِط لَا غير ثمَّ لِمَ عملت النصبَ
والجوابُ عَن الأول وَالثَّانِي أنَّها اختصّت بِالْفِعْلِ عِنْد اجْتِمَاع هَذِه الشَّرَائِط وكلُّ مختصٌّ يعملُ
وَأما الجوابُ عَن الثَّالِث فلأنَّها أشبهتْ أنْ فِي إخلاصِ الْفِعْل للاستقبال واختصاصها بِالْجَوَابِ واختصاص الجوابِ فِي مثلِ هَذَا بِالْفِعْلِ فعلى مَا ذكرنَا تترتَّب المسائلُ
مَسْأَلَة

إِذن فِي عوامل الْأَفْعَال ك ظَنَنْت فِي عواملِ الْأَسْمَاء لأنَّ ظننتُ تعْمل إِذا وَقعت فِي رتبتها وتُلغى إِذا أُزيلت عَنْهَا وَكَذَلِكَ إِذن لأنَّها إِذا اعْتمد الْفِعْل عَلَيْهَا وابْتُدِئ بهَا فِي الْجَواب وَقعت فِي رتبتها كَقَوْل الْقَائِل أَنا أزورك

(2/35)


فَتَقول مجيباً إذَنْ أُكرمَك فَإِذا قلت أَنا إذنْ أكرمُك فقد وقعتْ إِذن بَين الْمُبْتَدَأ وَخَبره فيبطلُ عَملهَا ويعتمد الفعلُ على أَنا وَكَذَلِكَ إِن قلت أَنا أكرمُك إِذن فَإِن قيل إِذن هُنَا يلزمُ إلغاؤها وظننت فِي مثل هَذَا لَا يلْزم قيلَ الفَرْقُ بَينهمَا أنَّ عواملَ الْأَسْمَاء أقْوى من عواملِ الأفعالِ خُصُوصا إِذا كَانَت أفعالاً وعاملُ الْفِعْل لَا يكونُ إلاَّ حرفا
مَسْأَلَة

فَإِن فصلت بَينهمَا ب لَا أَو بِالْيَمِينِ لم يبطُل عملُها لِأَن لَا لَا تُبطلُ عمل أنْ واليمينُ مؤكدَّة
مَسْأَلَة

فَإِن كانَ مَعهَا حرفُ عطفٍ كَقَوْلِك فإذنْ أكرمَك وَإِذن أُحسنَ إِلَيْك جازَ إعمالُها لأنَّ الْوَاو وَالْفَاء قد يُبتدأ بهما وجازَ إلغاؤها لأنَّ حرفَ الْعَطف يُدْخِلُ مَا بعْدهَا فِي حكم مَا قبلهَا فَيبْطل الِاعْتِمَاد عَلَيْهَا وَمِنْه قَوْله تَعَالَى {فَإِذا لَا يُؤتُونَ النَّاسَ نَقيراً} وَفِي بعضِ الْمَصَاحِف {وَإِذا لَا يلبثُونَ خِلافك} والجيد الإلغاء.

(2/36)


مَسْأَلَة

إِذا حدَّثَكَ إنسانٌ حَدِيثا فقُلْتَ إذنْ أظنُّك صَادِقا رَفَعْتَ لأنَّ الظنَّ هُنَا ثابتٌ فِي الْحَال وَقد ذكرنَا أَنَّهَا لَا تعملُ إِلَّا فِي الْمُسْتَقْبل
مَسْأَلَة

إِذن إِذا وَقعت خَبَراً ووُقِفَ عَلَيْهَا جازَ أنْ تبدلَ نونُها ألفا لِأَنَّهَا أشبهت التَّنْوِين إذْ كَانَت سَاكِنة بعد فتحةٍ
فصل

تُضْمَر أنْ بعد الْفَاء فِي جوابِ الْأَشْيَاء الثَّمَانِية الْأَمر والنَّهي والاستفهام والنَّفي والتمنِّي والدُّعاء وَالْعرض والتحضيض

(2/37)


وَقَالَ الْجَرْمي تعْمل الفاءُ بِنَفسِهَا وَقَالَ الْكُوفِيُّونَ ينْتَصب الْفِعْل على الخِلاف
وحجَّة الْأَوَّلين أنَّ الفاءَ لَا تنفكُّ من معنى الْعَطف والربط وَلَا تختصُّ بل تدخلُ على الكلماتِ الثَّلَاث وَمَا هَذَا سَبيله لَا يعْمل فَعِنْدَ ذَلِك يُحتاج الى إضْمارٍ لاستحالةِ الْعَطف هُنَا على اللَّفْظ أَلا ترى أنَّ قولَك زُرْني لَا يصحّ أنْ تَعْطِفَ عَلَيْهِ فأزورَك لأنَّ العطفَ يُشْرِكُ بَين الشَّيْئَيْنِ ومعلومٌ أنَّ الْأَمر لَا يُشَارك الْخَبَر وأنَّ الأولَ سببٌ للثَّانِي والسببُ والمسَبِّبُ مُخْتَلِفَانِ فَعِنْدَ ذَلِك يُعدَل إِلَى الْعَطف على الْمَعْنى وَلَا يتحققُ ذَلِك إِلَّا بإضمار أنْ وأنْ يقدِّرَ الأوَّلُ بمصدر فالتقدير لِتكنْ منكَ زيارةٌ فزيارةٌ مِنِّي وَبِذَلِك يتَبَيَّن ضعفُ قولِ الجَرْمي وأمَّا مذهَبُ الكوفيِّين فقد أبطلناه فِي غير مَوضِع
فصل

وتُضْمَرُ أنْ بعد اللاَّم وَقَالَ الْكُوفِيُّونَ هيَ العاملةُ بِنَفسِهَا

(2/38)


حجّة الأوَّلين أنَّ اللامَ حرفُ جرٍّ داخلةٌ للتَّعليل وَهِي الَّتي تدخلُ على المفعولِ لَهُ وحرفُ الجرِّ لَا يعملُ فِي الْفِعْل فتُضْمَر أنْ ليصيرَ الفعلُ مَعهَا فِي تَقْدِير الِاسْم فتدخلَ اللامُ عَلَيْهِ وَلذَلِك يجوزُ أَن تظهر أنْ مَعهَا كَقَوْلِك جِئْتُ لأنْ تُكْرِمَني
واحتجَّ الْآخرُونَ من وَجْهَيْن
أَحدهمَا أنَّها بِمَعْنى كي وكي تعملُ بِنَفسِهَا فَكَذَلِك مَا هُوَ فِي مَعْنَاهَا
وَالثَّانِي أنَّ جَعْلَها جارَّةً يفسُدُ من جِهَة دُخُولهَا على الْفِعْل وَتَقْدِير أنْ لَا يصحح ذَلِك
أَلا ترى أَنه لَا يجوز أَن تَقول أمَرْتُكَ تُكْرمَ زَيْداً تريدُ بِأَن تكرمَ زيدا فيتعيَّن أنْ تكونَ هِيَ الناصبة
وَالْجَوَاب عَن الأول من وَجْهَيْن
أَحدهمَا أَن كي حرفُ جرٍّ أَيْضا وأنْ بعْدهَا مضمرةٌ فَلَا فَرْقَ بَينهمَا
وَالثَّانِي يُسْلِم إِلَى أنَّ كي تنصِبُ بِنَفسِهَا وَلَكِن لمَ تكون اللامُ كَذَلِك واتفاقهما فِي الْمَعْنى يُوجب اتحادهما فِي الْعَمَل أَلا ترى أنَّ أنَّ الناصبة للاسم مثل أَن الناصبة للْفِعْل الْمُسْتَقْبل فِي الْمَعْنى إِذْ كلّ واحدةٍ مِنْهُمَا مصدريّة يعْمل فِيهَا مَا قبلهَا وَلم يلزمْ من ذَلِك اتحادُهما فإنَّ تلكَ تختصُّ بالأسماء حَتَّى لَو وقعَ الْفِعْل

(2/39)


بعْدهَا مُخَفّفَة لم تعْمل بِخِلَاف أَن الْخَفِيفَة وَلذَلِك استُعْمِلت اللامُ معَ صَرِيح الْمصدر وَلم تُستعمل كي مَعَه وإنْ كَانَا سَوَاء فِي الْمَعْنى
وأمَّا الْفرق بَينهَا وَبَين الْبَاء فلأنَّ اللاَّمَ تدلُّ على غَرَض الْفَاعِل وَمَا من فَاعل إلاَّ وَله غرضٌ فِي الْفِعْل وليسَ كلُّ فعلٍ يكونُ لَهُ سببٌ تسْتَعْمل الْبَاء مَعَه فلمَّا كَثُرَ استعمالُ اللَّام جازَ أنْ تُحذفَ أنْ لظهورِ مَعْنَاهَا كَمَا كَثُرَ حذفُ رُبَّ مَعَ الْوَاو وَالْبَاء فِي الْقسم وحذفٌ لَا فِي جَوَابه
فصل

وتُضمَرْ أنْ بعد الْوَاو فِي قَوْلك لَا تأكلِ السَّمَكَ وتَشْرَبَ اللبنَ إِذا نهيتَه عَن الْجمع ونَصْبُه عِنْد الْكُوفِيّين على الصَّرْف وَهُوَ معنى الْخلاف
حُجَّةُ الأوَّلين أنَّ الْوَاو هُنَا ليستْ عاطفةً فِي اللَّفْظ لأنَّ ذَلِك يُوجبُ كونَ النَّهي عَن كلِّ واحدٍ مِنْهُمَا وَعَن الْجمع بَينهمَا وَذَلِكَ يُوجب جزم الثَّانِي فَإِذا لم تُرِدْ هَذَا الْمَعْنى عَدَلْتَ إِلَى تقديرٍ يصحُّ مَعَه هَذَا الْمَعْنى وَذَلِكَ بإضمارِ أنْ ليصير الْمَعْنى لَا تأكلِ السَّمَكَ مَعَ أنْ تَشْربَ اللَّبنَ لأنَّك تريدُ لَا يُجْمَع بَينهمَا وَالْوَاو ومعَ تفيدان الْجمع ولكنْ لَا يصحّ ذَلِك إلاَّ مَعَ أنْ لأنَّ الواوَ لَا تعْمل بِنَفسِهَا كَمَا أنَّ معَ لَا تُضاف إِلَى الْفِعْل ومذهبُ الْكُوفِيّين مبنيِّ على النصب على الْخلاف وَقد بَينا فَسَاده

(2/40)


مَسْأَلَة

لَو رفعتَ وتشربُ اللَّبن على أنْ تكونَ فِي موضعِ الْحَال استقامَ الْمَعْنى والإعرابُ فأمَّا قَول الشَّاعِر من // الْكَامِل // (لَا تَنْهَ عَنْ خُلُقٍ وتَأْتِيَ مِثْلَهُ ... عارٌ عَلَيكَ إِذا فَعَلْتَ عَظيمٌ)
فالنَّصبُ فِيهِ هُوَ الوجهُ والجزمُ خطأ لأنَّ الْمَعْنى يصير لَا تَنْهَ عَن قبيحٍ وَلَا تَفْعَلْ قبيحاً وَتَرْكُ النَّهيِ عَن القبيحِ قبيحٌ وإنَّما أرادَ الشاعرُ أنَّ مَنْ يَنْهي غيرَه عَن شيءٍ وَهُوَ يَرْتَكِبُه فقد غشَّ نفسَه ونصحَ غَيره والرفعُ فِي الْبَيْت جائزٌ فِي الْمَعْنى وَاللَّفْظ
مَسْأَلَة

تقولُ لَا يَسَعُني شيءٌ ويعجزَ عَنْك فتنصِبُ مَا بعدَ الْوَاو ب أَن مضمرة

(2/41)


وَالْمعْنَى لَا يجْتَمع فِي شيءٍ واحدٍ أنْ يسعني وَأَن يضيق عَنْك أَي أَنا وَأَنت مشتركان فِيمَا يحسن ويقبح ويضيق ويتسع فَكيف نفترق فِي ذَلِك وَلَو رفعت لصار الْمَعْنى نفيا وَآل الْمَعْنى إِلَى أنَّه لَا يَسَعُني شيءٌ وَلَا يضيقُ عَنْك وَهَذَا عكس الْمَعْنى
مَسْأَلَة

إِذا عطفتَ الفعلَ على مصدرٍ أضمرتَ مَعَه أنْ ونصبتَه ليصيرَ عطفَ اسمٍ على اسْم وبقّيت النصبَ لِيَدُلَّ على العاملِ المُرَاد وَمِنْه من // الوافر //
(وَلُبْسُ عَباءةٍ وتقرَّ عَيني ... أحبُّ إليَّ مِنْ لُبْسٍ الشَّفوفِ)
مَسْأَلَة

والواوُ الَّتي تُضمرُ بعدَها أنْ بِمَعْنى الْجمع يقالُ هِيَ بِمَعْنى الْجَواب لأنَّ

(2/42)


الْمَعْنى إِذا أكلتَ السَّمكَ فَلَا تشربِ اللَّبنَ وإنْ شربتَ اللَّبنَ فَلَا تأكلِ السمكَ وإنْ وسعني وسعَكَ
فصل

وتُضْمَرُ أنْ بعد أَو إِذا كانتْ بِمَعْنى حتَّى وإلاَّ كَقَوْلِك سَأزُورُكَ أوْ تَمْنَعَني لأنَّك أردتَ إلاَّ فَلَا بُدَّ من إِضْمَار أنْ ليصير التقديرُ على وفْق الْمَعْنى أَي سأزورك إلاَّ مَعَ مَنعك أَو إِلَّا عِنْد مَنعك وَلَو رفعتَ لَصَارَتْ لأحدِ الشَّيْئَيْنِ أَي سأزورُك أَو سَتَمْنَعُني
مَسْأَلَة

تَقول مَا تأْتينا فتحدّثُنا فيجوزُ الرفعُ على مَعْنَيين
أحدُهما نَفْيُ الْأَمريْنِ جَمِيعًا أيْ مَا تَأْتِينَا وَمَا تُحَدِّثُنا
والثَّاني أنْ تكونَ نفيتَ الإتيانَ وأثبتَّ الحديثَ أَي أنتَ تحدِّثُنا وَمَا تَأْتِينَا
والنَّصْب جائزٌ على مَعْنيين أَيْضا
أحدُهما أنْ تريدَ نفيَهما على سبيلِ الإنكارِ على مُدَّعي الْإِنْكَار أَي أَنْت مَا تَأْتِينَا فكيفَ تحدِّثنا

(2/43)


وَالثَّانِي أنَّ تنفيَ الحديثَ وثُثْبِتَ الإتيانَ أَي مَا تَأْتِينَا إِلَّا لم تحدّثنا وإنَّما أضمرت أنْ هَا هُنَا ليصيرَ المصدرُ مَعْطُوفًا على الْمَعْنى إذْ كَانَ معنى الثَّانِي مُخَالفا لِمَعْنى الأوَّل
فصل

وتُضْمَرُ أنْ بعد حتّى إِذا كَانَت غَايَة أَو كانَ مَا قبلهَا سَببا لِمَا بعدَها
فالأوَّلُ كَقَوْلِك لأنْتَظِرَنَّه حتَّى يقدمَ فالانتظار يتَّصل بالقدوم لأنَّ الْمَعْنى إِلَى أنْ فحتَّى هَا هُنَا جارّة فَلذَلِك أضمرت بعْدهَا أنْ
وأمَّا الثَّانِي فكقولك أطعِ الله حتَّى يُدْخِلَكَ الجنَّة أَي كي يُدْخِلَك فالطَّاعةُ سببٌ للدُّخول وَلَا يَلْزَم امتدادُ السببِ إِلَى وجود المسَبّب وكما أنَّ كي وَاللَّام تُضْمَرُ بعدَها أنْ كَذَلِك حتَّى
وَقَالَ الْكُوفِيُّونَ حتَّى هِيَ النَّاصبةُ لأنَّ أنْ لَا تظهر مَعهَا فِي غَالب الِاسْتِعْمَال فَصَارَت بَدَلا مِنْهَا
وَقَالَ الكسائيّ النصب ب إِلَى وكي بعد حَتَّى لِأَن الْمَعْنى عَلَيْهِمَا وحتّى غَيرُ عاملة وَلذَلِك تدخل على الْجُمْلَة فَلَا تعْمل فِيهَا

(2/44)


والمذهبُ الأوّلُ فاسدٌ لأنَّ حتَّى حرفُ جرّ بِمَعْنى إِلَى وَبِمَعْنى اللَّام وليستْ بَدَلاً من أنْ أمَّا عندنَا فلأنَّها جارّة بِنَفسِهَا
مَسْأَلَة

ينتصبُ الفعلُ بعد حتَّى على الْمَعْنيين الْمَذْكُورين ويرتفعُ على مَعْنَيين
أَحدهمَا أنْ يكونَ الفعلُ الَّذِي بعدَها وسببُه ماضيين كَقَوْلِك سرتُ حتَّى أدْخُلُها إِذا كُنتَ قد سِرتَ ودخلتَ فكأنَّك قلتَ سرتُ فدخلتها مَاضِيا
والثَّاني أَن يكونَ السببُ مَاضِيا وَمَا بعْدهَا حَالا كقولكَ سرتُ حتَّى أدخلُها إِذا قلتَ ذلكَ وأنتَ فِي حَال الدُّخُول وإنَّما رفعتَ فيهمَا لأنَّ النصبَ يكونُ بإضمارٍ أَن وأنْ تخلّصُ الفعلَ للاستقبال فَلذَلِك إِذا كانَ مَاضِيا أَو حَالا لم ينتصبْ لأنَّ أنْ لَا تصلحُ فِيهِ وَكَذَلِكَ لَا يرْتَفع بعدَ النفيِ والاستفهام لأنَّهما سَببين فِي الْحَال كَقَوْلِك مَا سرتُ حتَّى أدخلَها وأسرت حتَّى تدخلَها وكلّ مَا فِي معنى النَّفْي نفي فإنْ قلتَ مَنْ سارَ حتَّى يدخلَها جَازَ الرفعُ لأنَّ الاستفهامَ عَن السائر لَا عَن السّير فإنْ قلتَ كَانَ سيري حتَّى أدخلَها لم يجزِ الرفعُ لأنَّه خبر كَانَ وَالرَّفْع على معنى الْعَطف فيصيرُ دَاخِلا فِي الْمَعْطُوف عَلَيْهِ وَلَا يبْقى لَكَانَ خبر فإنْ قلت كانَ سيري أمسِ حَتَّى أدخلها جَازَ الْأَمْرَانِ

(2/45)


مَسْأَلَة

لَا يجوزُ إظهارُ أنْ بعد حتَّى لأنَّ ذَلِك لم يُنْقَلْ إِلَّا فِي شاذّ لَا يُعتدَّ بِهِ ووجهُهُ من الْقيَاس أنّ حتَّى لَمَّا كانتْ عاملةً فِي موضعٍ وغيرَ عاملةٍ فِي آخر كانَ مَعْنَاهَا الغايةَ فِي كُلِّ مَوضِع أشبهت بذلك وَاو القَسَم فلمْ يظهرِ الفعلُ مَعَه وَهُوَ العاملُ الَّذِي يتعلَّقُ بِهِ الْجَار وَكَذَلِكَ عاملُ الظَّرف وخبرُ الْمُبْتَدَأ فِي لَوْلَا وَفِي لعمرك
مَسْأَلَة

لَا يجوزُ إظهارُ أنْ مَعَ لَام كي فِي النَّفْي كَقَوْلِه تَعَالَى {مَا كانَ اللهُ لِيَذَرَ المؤمنينَ} وأكثَرُهم يخصُّ التَّمْثِيل بكان وَأَجَازَ الكوفيُّون إظهارَها
وحجّة الأوَّلين من وَجْهَيْن
أَحدهمَا أنَّ النفيَ هُنَا جوابٌ إثْبات فعلٍ لَا يَظْهَرُ مَعَه والجوابُ على وَفْق المُجاب عَنهُ فكأنَّ قَائِلا قَالَ سَيَذَرُ الْمُؤمنِينَ فَقَالَ مَا كَانَ لِيَذَرَ الْمُؤمنِينَ
والثَّاني أنَّ الكلامَ طالَ بِالنَّفْيِ فَلم يُزِدْ عَلَيْهِ شيءٌ آخر مَعَ ظُهُور الْمُراد كَمَا فِي خبر لَوْلَا وَخبر لَعَمْرُك ومنَ العجبِ إجازةُ الْكُوفِيّين إظهارٌ أنْ بعْدهَا فِي قَوْلهم اللامُ هِيَ العاملة

(2/46)


بَاب الجوازم

الجزمُ فِي اللُّغَة القطعُ فَلذَلِك كانَ فِي الْكَلَام حذفَ الحركةِ أَو مَا قامَ مقَامهَا
فصل

إنَّما أُعملت لم لأنَّها اختصَّت وَإِنَّمَا جَزَمتْ لثَلَاثَة أوجهٍ
أَحدهَا أنَّ الفعلَ فِي نَفسه ثقيلٌ وَلم تنقُله إِلَى زمنٍ غير زمن لَفظه فَيَزْدَاد ثِقَلاً فَناسبَ أنْ يكونَ عملُها الحذفَ
وَالثَّانِي أنَّها تشبه إنْ الشّرطِيَّة من حيثُ أنَّها تنقلُ الْفِعْل من زمَان إِلَى زمَان فجزمتُ كَمَا تجزمُ إنْ
وَالثَّالِث أنَّ لم تردُّ المضارعَ إِلَى معنى المضيِّ فالفعلُ باعتبارِ لَفظه يستحقُّ الحركةَ الإعرابية وَبِاعْتِبَار مَعْنَاهُ يستحقُّ البناءَ فَجُعل لَهُ حكمٌ متوسطٌ وَهُوَ السّكُون الَّذِي هُوَ فِي المبنيّ بناءٌ وَفِي المعرب حاصلٌ عَن عَامل

(2/47)


فصل

فإنْ دخلَ حرفُ الشَّرط على لم أقرَّ معنى الِاسْتِقْبَال فِيهِ لأنَّ الشرطَ لَا يكونُ إلاَّ بالمستقبل فَلذَلِك قدّم عَلَيْهَا وَبقيت لم للنَّفْي فَقَط فب إنْ بَطل أحد معنييها وَلَو بقيَ المضيُّ لم يبقَ ل إنْ معنى وكلُّ أَمر يُحافظ فِيهِ على معنى اللَّفْظَيْنِ وَلَو من وجهٍ أولى من أمرٍ يَلْزمُ مِنْهُ حذف أحد الْمَعْنيين بالكلِّيَّة
فصل

وأمَّا لَمَّا فَهِيَ لم زيدت عَلَيْهَا مَا وَصَارَ لَهَا معنى آخر فَإِذا وَقع المستقبلُ بعْدهَا جزمته وَجَاز أَن تقفَ عَلَيْهَا كَقَوْلِك تكلمتَ ثُمَّ قطعت ولَمَّا أَي وَلما تُنْهِ وَلَا يجوز ذَلِك فِي لم وإنْ وقعَ بعْدهَا الْمَاضِي صارتْ ظرفا واقتضت جَوَابا كَقَوْلِه تَعَالَى (وَلما تَوَجَّهَ تِلْقاءَ مَدْيَنَ) وَلَوْلَا مَا لم يجز ذَلِك

(2/48)


فصل

وأمَّا لامُ الْأَمر فَعمِلت لاختصاصها وإنَّما جَزَمتْ لأمرين
أَحدهمَا مَا تقدم من أنّها أحدثت فِي الْفِعْل معنى زَاد ثِقَلُه بِهِ
وَالثَّانِي أنَّ الْأَمر طلبٌ وَهُوَ غَرَض للْآمِر فَأَشْبَهت لامُه لَام الْمَفْعُول لَهُ وَتلك جارّة فيجبُ أنْ تكون هَذِه جازمةً لأنَّ الْجَزْم فِي الْأَفْعَال نظيرُ الجرِّ فِي الْأَسْمَاء ولشبهها بهَا كُسرِت
فصل

فإنْ دخلتْ عَلَيْهَا الواوُ والفاءُ سُكِّنت فِي اللُّغَة الجيِّدة لِئَلَّا تتوالى الحركاتُ فإنْ دخلت عَلَيْهَا ثمّ فالجيّد كسرهَا لأنَّ ثمَّ مُنْفَصِلَة وَقد سكَّنها قومٌ لشبهها بِالْوَاو

(2/49)


فصل

وأمَّا لَا فِي النهيِ فَعمِلت لاختصاصها وجَزمت لِمَا جزمتْ لَهُ الّلامُ وَقيل النّهي كالأمرِ من طَرِيق الْمَعْنى فصح حمله عَلَيْهِ فِي الْجَزْم
فصل
وأماَّا (إنْ) الشّرطِيَّة فَهِيَ أُمُّ أدواتِ الشرطِ لوَجْهَيْنِ
أَحدهمَا أَنَّهَا حرفٌ وَغَيرهَا من أدواته اسمٌ والأصلُ فِي إفادةِ الْمعَانِي الحروفُ
وَالثَّانِي أَنَّهَا تُستعمل فِي جَمِيع صُوَرِ الشَّرطِ وغَيْرُها يَخُصُّ بعضَ الْمَوَاضِع ف من لمن يعقل وَمَا لما لَا يعقل وَكَذَلِكَ بَاقِيهَا كلِّ مِنْهَا ينفردُ بِمَعْنى وإنْ مُفْردَة تصلحُ للْجَمِيع
مَسْأَلَة

فعلُ الشَّرطِ وَالْجَزَاء مُعْربان وحُكي عَن الْمَازِني أنَّهما مبنيّان وحجّة الأوّلين أنَّ الْمَعْنى الَّذِي أُعرب لَهُ الْفِعْل موجودٌ ودخولُ معنى التَّعْلِيق فِيهِ لَا يُبطِلُ ذَلِك كَمَا لَا تُبطله أَن وَلم وَلنْ

(2/50)


واحتجَّ الْآخرُونَ بأنَّ الفعلَ هُنَا لَا يقعُ موقعَ الِاسْم فَكَانَ مبنيّاً كالأمر
وَهَذَا لَا يصحُّ لوَجْهَيْنِ
أَحدهمَا أنَّه لم يُعربْ لوُقُوعه موقعَ الِاسْم حَتَّى يُبنى لزوَال ذَلِك وَإِنَّمَا رُفع لهَذَا الْموقع
وَالثَّانِي هُوَ بَاطِل ب لن يفعل فَإِنَّهُ لَا يَقع موقع الِاسْم وَهُوَ مُعرب
مَسْأَلَة

وَاخْتلف الأولونَ فِي الْجَازِم لفعلِ الشَّرْط وَجَوَابه فقالَ محققو الْبَصرِيين إنْ هِيَ الجازِمة لَهما وَقَالَ بعضُهم إنْ تجزم الأوَّل ثمَّ تجزمان الْجَواب وقالَ بعضُهم إنْ تَجْزِمُ الأوَّلَ ثمَّ يُجْزِمُ الأوَّلُ الجوابَ
وَقَالَ الْكُوفِيُّونَ إنْ تجزم الأوَّل وينجزمُ الجوابُ على الجوارِ
وَحجَّة الأوّلين أنَّ إنْ تَقْتَضِي الْفِعْلَيْنِ فَعمِلت فيهمَا كالابتداء وككان وإنَّ وظننتُ
وَاحْتج الْقَائِل الثَّانِي بأنَّ إنْ ضعيفةٌ فَلَا تعْمل فِي شَيْئَيْنِ فتقوّى بِالثَّانِي كَمَا ذكرْنا فِي عاملِ الْخَبَر
وَاحْتج الثَّالِث بأنّ الفعلَ الأولَ يَقْتَضِي الثَّانِي فعملَ فِيهِ
واحتجَّ الرَّابِع بأنَّ الحرفَ ليسَ فِي قوّتهِ العملُ فِي الْفِعْلَيْنِ والفعلُ لَا يعملُ فِي الْفِعْل فتعيَّن أنْ يكونَ على الجوارِ لما فِيهِ من مشاكلة للأوَّل وَقد جَاءَ الْإِعْرَاب على الْجوَار كثيرا

(2/51)


وَالْجَوَاب إنَّ عملَ الفعلِ فِي الْفِعْل غيرُ سائغٍ لأنَّ الفعلَ لَا يَقْتَضِي الفعلَ وَلَا عملَ بِدُونِ اقْتِضَاء العاملِ للمعمول وَهَذَا يمنعُ أَن يعْمل وحدَه أوْ مَعَ غَيره وأمَّا الْإِعْرَاب على الجوارِ فَلَا يُصار إِلَيْهِ إلاّ عِنْد الضَّرُورَة وَلَا ضرورةَ
مَسْأَلَة

إِذا دخلت إنْ على لم كَانَ الجزمُ ب لم لَا بهَا وإنْ دخلت على لَا كانَ بهَا لَا ب لَا وَالْفرق بَينهمَا أنَّ لم عاملٌ يلْزمه معمولُه وَلَا يفرّق بَينهمَا بِشَيْء وإنْ يجوزُ أَن يفرّق بَينهَا وَبَين معمولها بمعمولِ معمولِها نَحْو إنْ زيدا تضربْ أضْرِبْه وَتدْخل أَيْضا على الْمَاضِي فَلَا تعْمل فِي لَفظه وَلم لَا تفارقُ الْعَمَل وأمَّ لَا فَلَيْسَتْ عاملةٌ فِي النَّفْي فأضيف الْعَمَل إِلَى أنْ فالأوَّل كَقَوْلِه {وإنْ لَمْ يَنْتَهُوا} وَالثَّانِي كَقَوْلِه تَعَالَى {وإلاَّ تَغْفِرْ لِي}
مَسْأَلَة

لَا تكون إنْ بِمَعْنى إذْ وَأَجَازَهُ الكوفيّون
حجّة الأوَّلين من وَجْهَيْن
أَحدهمَا أنَّ إذْ اسمٌ وإنْ حرف وَوُقُوع الْحَرْف بِمَعْنى الِاسْم بعيدٌ فِي السماع وَالْقِيَاس
وَالثَّانِي أنَّ معنى إنْ مخالفٌ معنى إذْ

(2/52)


واحتجَّ الْآخرُونَ بقوله تَعَالَى {وإنْ كَنْتُمْ فِي رَيْبٍ} وَالْمعْنَى إذْ كُنْتُم لأنَّ إنْ للمتردِّد وَلم يكن فِي ريب الْيَهُود تردُّد
وَالْجَوَاب أنَّ الْعَرَب تَذْكُرُ مثلَ ذَلِك على جِهَة الِاحْتِجَاج والإلزام للخصم حتَّى يعْتَرف وَكَذَلِكَ يقولُ الرجل لِابْنِهِ إنْ كنتَ ابْني فأطعني ويدلُّ على أنَّها للشّرط مَجِيء الْفَاء فِي جوابها وأنَّه لَا يعْمل فِيهَا مَا قبلهَا
فصل

وَلما كَانَت مَنْ للْعُمُوم وَفِي الْعُمُوم إبهامٌ وَقعت شرطا لشبهها بإنْ فِي هَذَا الْمَعْنى وَكَذَلِكَ بقيَّةُ أدوات الشَّرْط إِلَّا أنَّ فِي مَنْ وَأَخَوَاتهَا مَا لَيْسَ فِي إنْ إذْ كَانَت اسْما يَقع مُبْتَدأ ومفعولاً ومجروراً
فصل

وأمَّا مَهْمَا فَفِيهَا قَولَانِ
أَحدهمَا هِيَ اسْم مفردٌ للْعُمُوم لأنَّ الأَصْل عدم التَّرْكِيب
وَالثَّانِي هِيَ مركبة وَفِي أَصْلهَا قَولَانِ
أَحدهمَا أَصْلهَا = ماما فَالْأولى شَرْطِيَّة وَالثَّانيَِة للتوكيد مثلهَا فِي إنْ مَا = إمَّا واينما إِلَّا أَن الْألف الأولى قلبت هَاء لِئَلَّا يستنكر تَكْرِير اللَّفْظ وَهُوَ قَول الْخَلِيل

(2/53)


وَالثَّانِي أَن اصلها مَه الَّتِي بِمَعْنى اكفف وَمَا شَرْطِيَّة وَالْمعْنَى اكفف عَن كل شَيْء مَا تفعل افْعَل
ويدلُّ على أنَّ مهما اسمٌ أَو فِيهَا اسمٌ عودُ الضَّمِير إِلَيْهَا فِي مثل قَوْله تَعَالَى {مهما تأتنا بِهِ من آيَة}
فصل

وأمَّا حيثُ فَلَا تَجْزِمُ إلاَّ إِذا كانتْ مَعهَا مَا لوَجْهَيْنِ
أَحدهمَا أنَّ حَيْثُ تلْزم إضافتها إِلَى الْجمل والمضاف يعْمل الْجَرّ وَهُوَ من خَصَائِص الْأَسْمَاء فَلَا يعملُ الجزمَ المختصَّ بالأفعال

(2/54)


وَالثَّانِي أنَّ حيثُ تقعُ بعْدهَا الأسماءُ والأفعالُ فَلم تختصّ فأدخلت عَلَيْهَا مَا لتقطعها عَن الْإِضَافَة فتهيء لَهَا الْعَمَل فِي الْفِعْل بِخِلَاف أَيْن وَمَتى فَإِنَّهُمَا يَجْزِمان من غير مَا لِأَنَّهُمَا لَا يضافان
فصل

أصلْ إذْما عِنْد سِيبَوَيْهٍ إذْ الزمانية رُكِّبت مَعهَا مَا فنقلِتها عَن الاسميّة فهما حرفٌ ولمّا نُقلت عَن ذَلِك جُعلتْ شرطيّة لأنَّها فِي الأصلِ ظَرْفُ زمانٍ ماضٍ فلمّا نُقلتْ استعملتْ فِيمَا مُقْتَضَاهُ الزَّمَان وَقَالَ غَيره لَيست مركبة
فصل

وَلَا يجازى ب إِذا فِي الِاخْتِيَار لأنَّها تُستعمل فِيمَا لَا بدَّ من وُقُوعه كَقَوْلِك

(2/55)


إِذا احمرَّ البُسْرُ تَأْتِينَا فاحمرارُه كائنٌ لَا محالةَ ووقتها معِين فِيمَا تُضَاف إِلَيْهِ وبابُ الشَّرْط مختصٌّ بِمَا هُوَ محتملُ للكونِ وَقد جَاءَ الجزمُ بهَا فِي الشّعْر
مَسْأَلَة

لَا يجوزُ أَن يعملَ فِي أدوات الشَّرْط شيءٌ قبلهَا إلاَّ حرفُ الجرِّ لأنَّ أداةَ الشَّرْط تُثبت فِيمَا بعْدهَا معنى فَكَانَ لَهَا صدر الْكَلَام كأداة الِاسْتِفْهَام وَالنَّفْي فأمَّا قولُ الشَّاعِر من // الْخَفِيف //
(إنَّ مَنْ لامَ فِي بني بنتِ حَسّانَ ... أَلُمه وأعْصِه فِي الْخُطُوبِ)

(2/56)


فَفِي إنَّ ضميرُ الشَّأْن ومَنْ مُبْتَدأ كَقَوْلِه تَعَالَى {إنَّه مَنْ يَأْتِ رَبَّهُ مُجْرِماً}
فصل

وَإِذا وَقع بعد أداةِ الشَّرط اسمٌ كانَ العاملُ فِيهِ فعلا إمَّا الَّذِي يَلِيهِ كَقَوْلِك إنْ زيدا تضربْ أضرِبْه أَو فعل مَحْذُوف يفسره الْمَذْكُور كَقَوْلِه تَعَالَى {وإنْ أحدٌ مِنَ المشركينَ استجارَكَ} ف أحدٌ فَاعل أَي إِن استجارَ أحدٌ وَقَالَ الْكُوفِيُّونَ يرْتَفع بالعائد وَقَالَ بَعضهم هُوَ مُبْتَدأ
ولدليلُ الأوَّل أنَّه لَا معنى ل إنْ إلاَّ فِي الْأَفْعَال وَلذَلِك لَا تقعُ بعْدهَا جملةٌ من اسْمَيْنِ فَإِذا لم يكن مَذْكُورا قُدِّر لتصحيح الْمَعْنى وَلذَلِك يبْقى الجزمُ فِي الفعلِ بعدَ الِاسْم كقولِ الشَّاعِر من // الرمل // (صَعْدَةٌ نابِتَةٌ فِي حائرٍ ... أيْنَما الريحُ تميّلْها تَمِلْ)

(2/57)


وَقَالَ عديّ من // الْخَفِيف // (وَمَتى واغِلٌ يَنُبْهُمْ يحيّوهُ ... وتُعْطَفُ عَلَيْهِ كأسُ السَّاقي)
فصل

والجزاءُ يكونُ بالفعلِ المجوزمِ وَلَا يحتاجُ إِلَى الْفَاء لأنَّ حكمَ الْفِعْل المعلَّق بِفعل الشَّرْط أَن يعقبه فاستُغْنِىَ عَن حرفٍ يدلّ على التعقيب فَإِذا لم تجزمْ أَو جِئْت باسم جِئْت بِالْفَاءِ فِي الْجَواب لتدلَّ على التعقيب الَّذِي هُوَ حكمُ الْجَزَاء وربّما حُذِفَتْ وَهُوَ قَلِيل وَأكْثر مَا يَأْتِي حَذْفُها إِذا كَانَ فعلُ الشَّرْط مَاضِيا كَقَوْلِه تَعَالَى {وَإنْ أطعْتُموهم إنَّكم لَمُشْرِكون} وَقد جَاءَ مَعَ الْمُسْتَقْبل كَقَوْل الشَّاعِر من // الْبَسِيط //

(2/58)


(مَنْ يَفْعلِ الحسناتِ الله يشكرها ... والشرُّ بالشرِّ عِنْدَ اللهِ مِثْلانِ)
وَلَا يُقَاس عَلَيْهِ
فصل

وتُقامُ إِذا الَّتِي للمفاجأة مقَام الْفَاء كَقَوْلِه تَعَالَى {وإنْ تُصِبْهُمْ سيئةٌ بِمَا قدَّمت أَيْديهم إِذا هُمْ يَقْنَطون} لأنَّ المفاجأة تعقيبٌ
فصل

فَأَما قَول الشَّاعِر من // الرجز // (يَا أقرعُ بنُ حابسٍ يَا أقرعُ ... إنَّك إنْ يُصرعْ أَخُوك تصرعُ)
فمذهبُ سِيبَوَيْهٍ أنَّ تصرعُ خبر إنَّ وَالشّرط معترض بَينهمَا وَجَوَابه محذوفٌ أغْنى عَنهُ مَا قبلَه ومذهبُ المبرِّد هُوَ خبر مُبْتَدأ مَحْذُوف أَي فأنتَ تصرعُ

(2/59)


فصل

وَيجوز أنْ يُحذفَ جوابُ الشرطِ تَارَة وفعلُ الشَّرْط أُخْرَى فمثالُ الأوَّل من // الطَّوِيل // (أقِيمُوا بَنِي النُّعْمانِ عنّا صدورَكم ... وإلاَّ تُقِيموا صاغرينَ الرؤوسا)
أيْ إنْ لَا تقيموها مختارين تُقِيمُوا الرؤوسَ صاغرين وَمن الثَّانِي قَول الآخر من الوافر
137 - (فطلِّقْها فلستَ لَهَا بكفءٍ ... وإلاَّ يَعْلُ مَفْرِقَكَ الحُسامُ)
أَي إلاَّ تطلَّق ويجوزُ فِي الْبَيْت الأول مثل هَذَا
فصل

ومَنْ وَمَا وَمَا أشبههما إِذا وَقعت مُبْتَدأ فِي الشَّرْط فَالْخَبَر فعلُ الشَّرْط وحدّه وَقَالَ بَعضهم الخبرُ الشرطُ والجزاءُ

(2/60)


وحجَّة الأوَّلين أنْ مَنْ اسمٌ تَامّ وَفعل الشَّرْط فِيهِ ضميرٌ يعود عَلَيْهِ لَا محالةَ وَلَا يلْزم فِي الْجَواب أَن يكون فِيهِ ضَمِيره وَهَذَا حكم الْخَبَر كَقَوْلِك مَنْ يقم يقم زيدٌ
وحُجَّةُ الآخرين أنَّ الكلامَ لَا يتمُّ إِلَّا بِالْجَوَابِ فَكَانَ دَاخِلا فِي الْخَبَر وَيصير كَقَوْلِك زيدٌ إنْ يَقُمْ أقمْ مَعَه فَالشَّرْط وَالْجَوَاب جَمِيعًا الْخَبَر
وَقد أُجيبَ عَن هَذَا بأنَّ الجوابَ هُنَا أجنبيٌّ عَن الْمُبْتَدَأ ومَنْ يعملُ الفعلُ فِيهَا بعدَها النصبَ كَقَوْلِك مَنْ تضربْ أضربْ فيكونُ هُوَ الخبرَ عَنْهَا كَقَوْلِك زيدٌ ضَربته لأنَّه لَو تجرَّد عَن ضميرِ المفعولِ كانَ ناصباً لزيدٍ وأمَّا افتقارُ الكلامِ إِلَى الْجَواب فشيءٌ أوجبَهُ التعليقُ أَلا ترى أنَّ قَوْلك لَوْلَا زيدٌ لأكرمتك لَا يتم فِيهِ

(2/61)


الْكَلَام إلاَّ بِالْجَوَابِ وليسَ الجوابُ دَاخِلا فِي الْخَبَر وَلذَلِك جعلت الْخَبَر فِي الِاسْتِفْهَام هُوَ الْفِعْل كَقَوْلِك مَنْ قَامَ لَمَّا لم يُحْتَجْ إِلَى التَّمام بِالْجَوَابِ
مَسْأَلَة

لَا يُجازَى ب كَيفَ وَقَالَ الْكُوفِيُّونَ يُجازى بهَا
حجَّة الْأَوَّلين أَن كَيفَ لَو جوزي بهَا إِمَّا أَن يعرف ذَلِك بِالسَّمَاعِ أَو بِالْقِيَاسِ على المسموع لَا وَجه إِلَى الأول فإنَّه لَا يَثْبتُ فِيهِ سماعٌ وَلَا وجهَ إِلَى الثَّانِي لثلاثةِ أوجه
أَحدهَا أنَّ معنى أدوات الشَّرْط تعليقُ فعلٍ بِفعل وَكَيف لَو عَلَّقت لعلّقت حالَ الْفَاعِل أَو الْمَفْعُول بحالٍ أُخْرَى وَالْفِعْل يُمكن الوقوفُ عَلَيْهِ لظهورِه والحالُ لَا يمكنُ ذَلِك فِيهَا لخفائها
والثَّاني أنَّ من الأحوالِ مَا لَا يدخلُ تحتَ الِاخْتِيَار فَلَا يصحُّ أَن يعلَّقَ عَلَيْهَا حَال أَلا ترى أنَّه لَو قالَ كيفَ تذهبْ أذهبْ فذهبَ مكْرها أَو مغموماً لم يصحّ

(2/62)


تكلُّفُ ذَلِك فِي جَوَاب الشَّرْط ومثلُ ذَلِك لَو كانَ فعلا لم يصحّ المجازاة بِهِ كَقَوْلِك إنْ متَّ متُّ
والثَّالث أنَّ تِلْكَ الأدواتِ الَّتِي هِيَ أسماءٌ يَرْجِعُ إِلَيْهَا ضميرٌ لَا محالةَ وكيفَ اسمٌ لَا يصحُّ أنْ يرجعَ إِلَيْهَا ضميرٌ فَلم يصحّ قياسها عَلَيْهَا وَلَا يصحّ قياسُها على الْحَرْف فِي عدم عود الضَّمِير كَمَا تقاس بَقِيَّة الْأَسْمَاء على أنْ فِي عدم الضَّمِير إِلَيْهَا
وَاحْتج الْآخرُونَ بِأَنَّهُ يصحّ أَن يُقَال كَيفَ تصنعُ أصنعُ بِالرَّفْع فَكَذَلِك فِي الْجَزْم والجوابْ عَنهُ من وَجْهَيْن
أحدُهما أنَّ استعمالَ مثلِ هَذَا بعيد وَلَو وردَ عَن ثقةٍ فوجهه أنَّه قصدَ حَالا مَعْلُومَة بقرينةٍ تُميّزها عندَه وَهَذَا يصحّ مَعَ الرّفْع لَا معَ الْجَزْم لأنَّ أسماءَ الْجَزْم حكمهَا الْعُمُوم إِذا جَزمتْ

(2/63)


فصل

فَإِذا حُذِفت الْفَاء جزمْتَ فِي جَمِيعهَا إلاَّ فِي النَّفْي لأنَّ النفيَ عدمٌ والعدمُ لَا يُجازَى بِهِ أَو لَا يصحّ التَّعْلِيق بِهِ وَلَا يكون سَببا لغيره وَالْفَاء تدلُّ على أنَّ الأول سببٌ للثَّانِي
مَسْأَلَة

تَقول لَا تدنُ من الأسدِ تَسْلَمْ مِنْهُ فتجزمُ وَالتَّقْدِير إنْ لَا تدنُ تسلمْ فالتباعد مِنْهُ سببُ السَّلامة فَإِن قلت لَا تدنُ من الأسدِ يأكلْك لم يجزْ لِأَن تَقْدِيره إلاَّ تدنُ مِنْهُ يأكُلْك والتباعدُ مِنْهُ ليسَ بسببٍ فِي أكله فإنْ قيلَ لِمَ لَمْ يُقدّر إنْ تدْنُ قيلَ يجبُ أنْ يكونَ المقدَّرُ من جنس الملفوظ بِهِ فَكَمَا لَا تقدِّر فِي الْأَمر النَّهْي كَذَلِك لَا تقدِّرُ فِي النَّهْي الإيجابَ أَلا تراك لَا تَقول ابعُدْ من الاسد يأكلْك تُرِيدُ إلاَّ تبعدْ يأكلْك

(2/64)


مَسْأَلَة

الأمرُ والنهيُ وَنَحْوهمَا لَا يُجزَمُ بأنفسِهما بل بِشَرْط مقدَّرٍ لأنَّ الكلامَ تمَّ عَلَيْهِمَا بدونِ الْجَواب كَقَوْلِك زرْني وَلَا تُهنّي جملَة تَامَّة بِخِلَاف إنْ ومَنْ

(2/65)


بَاب النُّونين

مَسْأَلَة

لَا تدْخلُ هاتانِ النونان على غيرِ الْأَفْعَال لأنَّ المُرادَ مِنْهُمَا توكيدُ مَا لم يقعْ ليكونَ حَامِلا على الْإِيقَاع ولذلكَ اختصَّا بالقَسم وَالْأَمر وَالنَّهْي والاستفهام وَهَذَا لَا يتحققُ فِي غيرِ الْفِعْل
مَسْأَلَة

الْفِعْل المضارعُ يُبنى مَعَ نونِ التوكيد لأنَّها تؤكِّد فعليته فَيَعُود إِلَى أَصله من الْبناء وَقد ذكرنَا ذَلِك قبل بأشبع من هَذَا

(2/66)


مَسْأَلَة

إنَّما فُتح مَا قبلَ هَذِه النُّون فِي الواحدِ لأمرين
أَحدهمَا أنَّ الضمة تدلُّ على الْجمع والكسرةَ تدلٌّ على التَّأْنِيث والسكونَ على جمع الْمُؤَنَّث فَبَقيت الفتحةُ للْوَاحِد
وَالثَّانِي أنَّ وُقُوع هَذِه النُّون فِي الْوَاحِد أَكثر فاختيرَ لَهُ الْفَتْح تَخْفِيفًا
مَسْأَلَة

الْحَرَكَة قبل النُّون بِنَاء وَقَالَ قوم هِيَ لالتقاء الساكنين وحجَّة الْأَوَّلين أنّها لَو كَانَت لالتقاءِ السَّاكنين لم يُرَدَّ الْمَحْذُوف قبلهَا نَحْو بيعَنّ وقُولنَّ لأنَّ حركةَ التقاء الساكنين غيرُ لازمةٍ فَيصير كَقَوْلِه {قمِ اللَّيلَ} وبعِ الْمَتَاع ولَمَّا قلت قومنَّ وبِيعنّ صحَّ مَا ذكرنَا
مَسْأَلَة

النُّون الْخَفِيفَة أصلٌ كَمَا أَن الثَّقِيلَة أصلٌ وَقَالَ الْكُوفِيُّونَ هِيَ مخففةٌ من الثَّقِيلَة

(2/67)


وحجّة القولِ الأوَّل أنَّ الثقيلةَ أشدُّ توكيداً من الْخَفِيفَة واصلُ التوكيدِ سابقٌ على زيادتِه والسابقُ أصلٌ للمسبوق وتخفيفُها من الْأُخْرَى يدلُّ على أنَّ الثقيلةَ أصلٌ فَهِيَ بأنْ تكونَ فرعا على الخفيفةِ أولى من الْعَكْس ولأنَّ التخفيفَ تصرّفٌ والحروف تبعد عَنهُ
مَسْأَلَة

لَا تدخلُ النونُ الخفيفةُ على فعلِ الِاثْنَيْنِ وجماعةِ النسْوَة وَقَالَ يُونُس والكوفيون يجوز
وحجَّة الأوَّلين من وَجْهَيْن أَحدهمَا أنَّ السماعَ لَا يشهدُ بِهِ والقياسُ على الثَّقِيلَة متعذِّرٌ لأنَّ كلاًّ مِنْهُمَا أصلٌ يُفِيد مَا يفِيدهُ الآخر وَلَا بدَّ فِي الأصلِ الْمَقِيس عَلَيْهِ من اتِّحاد العلَّة وتماثلِ الْحكمَيْنِ
وَالثَّانِي أَنه يلْزم من ذَلِك جمعُ بينَ ساكنين وَالثَّانِي غيرُ مدغم وَذَلِكَ لَا يجوز وَلَا يجوزُ تحريكُ الثَّاني لأنَّه يُخرج النُّون عَن حكمهَا وَهُوَ السّكُون فَلذَلِك لم تحرّك هَذِه النُّون لساكن بعْدهَا
واحتجَّ الْآخرُونَ بِأَنَّهَا نون توكيد فلحقت مَا تلْحقهُ الثَّقِيلَة واعترضوا على مَا ذكرنَا من وَجْهَيْن
أَحدهمَا أَن الْألف فِيهَا مدّ يشبه الْحَرَكَة فَيجوز وُقُوع السَّاكِن بعْدهَا

(2/68)


وَالثَّانِي أَن الْجمع بَين ساكنين قد ورد كَقَوْلِك التقتْ حلقتا البِطان وَغير ذَلِك
وَالْجَوَاب أنَّا قد بيَّنا الْفرق بَين الْخَفِيفَة والثقيلة وأمَّا مُدَّة الْألف فَلَا تجْرِي مجْرى الْحَرَكَة لِاسْتِحَالَة تحرّك الْألف وَلِأَنَّهَا لَو كَانَت كالحركة لجَاز أَن يَليهَا كلّ ساكنْ وَلَيْسَ كَذَلِك وأمَّا وُقُوع المدغم بعْدهَا نَحْو دابّة وأصيّم وتُمودّ الثوبُ فسبب ذَلِك أَن المدغم حرف وَاحِد متحرك فِي اللَّفْظ وَإِن كَانَ فِي التَّقْدِير حرفين وَلذَلِك حسُن فِيهِ وَلم يحسن فِي غير المدغم وَقد دَعَا توهّم الْجمع بَين ساكنين هُنَا بعضَهم إِلَى قلب الْألف همزَة مَفْتُوحَة فَقَالَ دَأَبَّةٌ وشَأَبَّةٌ وأمَّا حَلْقَتا البِطان فشاذٌّ لَا يُقَاس عَلَيْهِ
مَسْأَلَة

النونُ الثقيلةُ تفتحُ إلاَّ أنْ تقعَ قبلهَا ألفٌ نَحْو تضربانِّ واضربنانِّ وإنَّما حُرِّكت

(2/69)


لِئَلَّا يجتمعَ ساكنان وفُتحت طلبا للتَّخْفِيف خُصُوصا مَعَ المثلين وَإِنَّمَا كُسرت بعد الْألف تَشْبِيها بنُون تضربانِ وَهُوَ الأَصْل فِي التحريك لالتقاء الساكنين
مَسْأَلَة

إنَّما زيدت الألفُ قبلَ نونِ التوكيد فِي فعلِ جمَاعَة النسْوَة لئلاّ تتوالى ثلاثُ نُوناتٍ زَوَائِد على الْفِعْل ففُصل بِالْألف بَينهمَا فإنْ قيل فقد قَالُوا فِي الْمُضَارع تَحْنِنَّ من حنَّ يحِنُّ وَفِي الْمَاضِي حَنّنَّ وَهِي ثلاثُ نونات قيل ثِنْتان مِنْهَا من نفسِ الْفِعْل وواحدةٌ ضميرٌ بِخِلَاف التوكيد
فإنْ قيل كيفَ تؤكّد جمعَ الْمُؤَنَّث من هَذَا الْفِعْل هَل تَقول احننّانّ فمعك الْآن خمسُ نونات ثِنتان من نفس الْفِعْل وَوَاحِدَة ضمير وثنتان للتوكيد
فإنْ قيلَ فإنْ كَانَ هَذَا الْأَمر من أنَّ يئِنُّ كيفَ يُلفظُ بِهِ قيل يُقَال ايننان فتقلب الْهمزَة يَاء لسكونها وانكسار مَا قبلهَا فإنْ أردتَ ذَلِك من وَدَّ قلتَ ايدَدنان فتقلب الْوَاو يَاء لسكونها وانكسار مَا قبلهَا فإنْ أردتَ ذَلِك من سنَّ يسُنّ قلت اسنُنْنانّ وإنْ أردته من وَضُؤ يَوْضُؤ قلت اوْضؤنانِّ وَإِن أردته من أزّ يئزّ قلت أوْزُزْنانّ فَإِن أردتَ ذَلِك من وَقع قلت قَعْنَانّ وإنْ أردتَه من رأى قلت ريْنانّ ووزنه فينانّ فالمحذوف عين الْكَلِمَة ولامها فإنْ أردته من

(2/70)


خَافَ وَقَامَ قلتَ خافنّ يَا زيدُ وخافُنّ وخافِنّ وخَفْنَانِّ وَإِذا تفطَّنتَ لهَذِهِ الْمسَائِل وقفتَ على حَقِيقَة الْبَاب إِن شَاءَ الله تَعَالَى
مَسْأَلَة

إِذا وقفتَ على النُّون الْخَفِيفَة المفتوح مَا قبلهَا أبدلت مِنْهَا ألفا كَقَوْلِه تَعَالَى {لنسفعا} {وليكونن من الصاغرين} لأنَّ هَذِه النُّون أشبهتِ التنوينَ فِي نصب الْأَسْمَاء فإنْ وقفتَ على المضموم مَا قبلهَا والمكسور لم تبدل مِنْهَا شَيْئا بل تحذفها وتردُّ الكلمةَ إِلَى أَصْلهَا فَتَقول اضربوا واضربي وَهل تضربونَ لأنَّ التنوينَ لَا يُبْدَل مِنْهُ مَعَ غير الفتحة فالنونُ فِي الْأَفْعَال أولى

(2/71)


مَسْأَلَة

إِذا وقفت على بَدَل النُّون ثمَّ أجريت الوصلَ مُجرى الْوَقْف حذفتَ الألفَ من اللَّفْظ لالتقاء الساكنين وَلَا تُثبتُ النونَ الَّتِي هِيَ أصل لأنَّك لَو أثبتَّها لحرَّكتها وَذَلِكَ لَا يجوز بِخِلَاف التَّنْوِين فإنَّه يحرِّك لالتقاء الساكنين والفرْقُ بَينهمَا أنَّ التَّنْوِين أَكثر تصرّفاً من النُّون وَهُوَ وَاقع فِي الْأَسْمَاء الَّتِي هِيَ الأَصْل وللأموال من التَّصَرُّف مَا لَيْسَ للفروع
فصل

إِذا وقعتْ نونُ التوكيد بعدَ الْوَاو حركتَها بالضمّ وبعدَ الْيَاء حركتها بِالْكَسْرِ نَحْو اخشوُنَّ وَلَا تَرْضَيِنّ فالواو هَا هُنَا ضمير الْجَمَاعَة ولامُ الْكَلِمَة محذوفةٌ والفتحةُ تدلُّ على الْألف المنقلبة عَن اللامِ وَلم يَجُزْ حذفُ الضَّمِير لأنَّك قد حذفتَ اللَّام فَلَو حذفتَ الضَّمِير لضممت مَا قبلَ النُّون أَو كَسرته فَلَا يبْقى على الْألف دليلُ وَلَيْسَ كَذَلِك قَوْلك اِرْمُنّ واَرْمِنّ لِأَن ضمة الْمِيم تدلُّ على الْوَاو والكسرة تدلُّ على الْيَاء المحذوفة
مَسْأَلَة

إِذا أمرْتَ جماعةَ النِّسَاء وأكَّدته من قَوْلك وَأي قلت اينانّ أمّا الْوَاو الَّتِي هِيَ فَاء الْفِعْل فحذفت لوقوعها بَين ياءٍ وكسرةٍ فِي قولكءُئي وَبقيت الهمزةُ والياءُ والنونُ بعد الْيَاء ضمير والأخيرة للتوكيد فَإِن كانْ ذَلِك من أَوَى قلت

(2/72)


ايتونيانّ فَالْأولى همزَة وصل وَالْيَاء بدل من الْهمزَة الأصليّة فإنْ أكَّدت فعل الْوَاحِدَة قلت من وأى إنَّ يَا هندُ ففاء الْكَلِمَة مَحْذُوف فبقيَ اِيْ فحذفت الْيَاء لسكونها وسكونِ النُّون بعْدهَا وَتقول من أَوَى ايْوَنَّ

(2/73)


بابُ

الْإِعْرَاب وَالْبناء

قد ذكرنَا فِي أوَّل الْكتاب معنى الْإِعْرَاب وحدَّه ونحنُ نذْكر فِي هَذَا الْبَاب معنى البناءِ وحدَّه وعِلَله والحركاتِ الَّتِي تُبنى الْكَلِمَة عَلَيْهَا وامتناعَ الْجمع بَين الساكنين ولِمَ كَانَ الأَصْل فِي التحريك الكسرَ
أما معنى الْبناء فَهُوَ الثُّبُوت واللزوم كبناء الْحَائِط وحدُّه فِي النَّحْو لُزُوم آخر الْكَلِمَة سكوناً أَو حَرَكَة وَإِن شِئْت قلتَ هُوَ أنْ لَا يخْتَلف آخر الْكَلِمَة لاخْتِلَاف الْعَامِل فِيهَا
فصلُ

والحروفُ كلُّها مبنيَّة وكذلكَ الأصلُ فِي الْأَفْعَال وَلَا يفتقِرُ ذَلِك إِلَى علَّةٍ لأنَّ الكلمةَ موضوعةٌ عَلَيْهِ وإنَّما يُعلَّلُ الْإِعْرَاب لأنَّه زائدٌ على الْكَلِمَة ولَمَّا كَانَ الأصلُ فِي الْأَسْمَاء أنْ تُعربِ لِمَا بيَّنا فِي أول الْكتاب احْتِيجَ إِلَى تَعْلِيل مَا بُني مِنْهَا ولَمّا كانَ الأصلُ فِي كلّ مبنيّ السكونَ احْتِيجَ إِلَى تَعْلِيل مَا حُرِّكَ مِنْهُ وَإِلَى تعليلِ تعيينِ حركةٍ دونَ غيرِها وسأبيّنُ ذَلِك إنْ شَاءَ الله تَعَالَى

(2/74)


فصل

وإنَّما كانَ الأصلُ فِي الْبناء السكونَ لأمرين
أحدُهما أنَّهُ ضدُّ الْإِعْرَاب والإعرابُ يكون بالحركةِ فضدّه بضدّها
وَالثَّانِي أنَّ الْحَرَكَة زائدةٌ والأصلُ أنْ لَا يُزاد شيءٌ إِلَّا للْحَاجة إِلَيْهِ
فصل

وإنَّما يُحرّكُ المبنيّ لأمرين
أَحدهمَا التقاء الساكنين وَالْآخر شَبهَه بالمعرب
وإنَّ وَإِنَّمَا احْتِيجَ إِلَى تَحْرِيك الثَّانِي لالتقاء الساكنين لأنَّك إِذا نطقت بالسَّاكن الأوَّل صَار كالموقوف عَلَيْهِ فَإِذا أردتَ النطقَ بِالثَّانِي كنتَ كالمبتدئ بِهِ والابتداءُ بالساكن ممتنعٌ
فصل

والأصلُ فِي التحريك لالتقاء الساكنين الكسرُ لأربعة أوجهٍ
أَحدهَا أنَّ الكسرة علامةُ الْجَرّ والسكونَ علامةُ الْجَزْم والجرُّ والجزمُ نظيران إِذْ الجرُّ مختصٌّ بالأسماء والجزمُ بالأفعال فَعِنْدَ الْحَاجة إِلَى تَحْرِيك المجزوم حُرِّك بحركة نَظِيره ثمَّ حُمِل بقيّةُ السواكن عَلَيْهِ لاتِّفاقهما فِي السّكُون

(2/75)


وَالثَّانِي أنَّ الكسرةَ أقلُّ من الضمَّةِ والفتحة لأنَّهما يكونَانِ فِي الأٍسماءِ وَالْأَفْعَال إعراباً وَبِنَاء وَلَا كسر فِي الْأَفْعَال وَلَا فِيمَا لَا ينصرفُ من الأٍسماء والحملُ على الأقلّ عِنْد الْحَاجة أولى
والثالثُ أنَّ الضمةَ ثقيلةٌ جدا والفتحة قريبَة من السّكُون جدا والكسرُ وسطٌ بَينهمَا
وَالرَّابِع أنَّ الفعلَ يدْخلهُ الضمُّ والفتحُ مَعَ الِاخْتِيَار فكُسِر عِنْد الِاضْطِرَار لتكمّل لَهُ الحركات
فصل

وتحريكُ أحدِ السَّاكنين أوْلى من حذفِه لأنَّ الضرورةَ تندفعُ بِهِ مَعَ بقاءِ حروفِ الْكَلِمَة والحذف يُنقصها فَلَا يُصارُ إِلَيْهِ إِلَّا للضَّرُورَة
فصل

والأصلُ تحريكُ الساكنِ الأوَّل لأنَّه بِهِ يُتوصَّل إِلَى النطقِ بِالثَّانِي فَهُوَ كهمزة الْوَصْل وَقَالَ قوم الأصلُ تحريكُ مَا هُوَ طرفُ الْكَلِمَة أوَّلَ الساكنين كانَ أَو ثَانِيهمَا لأنَّ الأواخرَ مواضعُ التَّغْيِير وَلذَلِك كانَ الْإِعْرَاب آخرا

(2/76)


بَاب حيثُ

وَهِي ظرف مَكَان وَقَالَ الأخفشُ تكون زَمَانا أَيْضا كَقَوْل طَرَفة من // المديد // (للفتى عقلٌ يعيشُ بِهِ ... حيثُ تهدي ساقَه قدمُه)
أَي مدّةَ حياتِه وَهَذَا غيرُ لازمٍ إِذْ يُمكن أَن يكون الْمَعْنى فِي أيِّ مَكَان كَانَ

(2/77)


فصل

وَهِي مبهمةٌ يبيِّنُها مَا بعْدهَا وَلَا تكادُ الْعَرَب تُوقِعُ بعْدهَا المفردَ بل تبيِّنُها بِالْجُمْلَةِ وَذَلِكَ لشدَّة إبهامها وَإِرَادَة تعيّنها بإضافتها إِلَى المعيّن وَذَلِكَ لأنَّك لَو قلتَ جلستُ حيثُ الجلوسِ أَو حيثُ زيدٍ لم يكن فِي ذَلِك إيضاحٌ تامٌّ لاحتمالِه فَإِذا قلتَ حيثُ جلسَ زيدٌ لم يبقَ فِيهِ احتمالٌ وَقد جَاءَ المفردُ بعْدهَا فِي الشّعْر كَقَوْل الراجز
( ... أمَا ترى حيثُ سهيلٍ طَالِعَاً)
ويروى سُهيلٌ بِالرَّفْع على الِابْتِدَاء وَالْخَبَر مَحْذُوف دلَّت عَلَيْهِ الْحَال وَهِي قَوْله طالعاً ويُروى بِالْجَرِّ فَمنهمْ من يَقُول بإضافتها إِلَى الْمُفْرد وَهِي مبنيّةٌ كَقَوْلِه تَعَالَى {مِنْ لَدُنْ حكيمٍ خبيرٍ} وَمِنْهُم من ينصب حَيْثُ ويُعربها ويجرّ مَا بعْدهَا بِالْإِضَافَة
فصل

وأمَّا حالُها فِي الشَّرط فتُكفّ عَن الْإِضَافَة على مَا بيَّناه

(2/78)


فصل

وَهِي مبنيةٌ على الضمِّ فِي اللُّغَة الجيدة وَفِيه ثَلَاثَة أوجه
أحدُها أَنَّهَا ناقصةٌ لَا تتمّ إلاَّ بجملةٍ توضحها فَهِيَ كَالَّذي
وَالثَّانِي أنَّها خرجت عَن نظائرها من أَسمَاء الْأَمْكِنَة فإنَّ مُبْهَمها يتَّضح بِالْإِضَافَة إِلَى الْمُفْرد نَحْو خَلفك وقدامك
وَالثَّالِث أنَّها تضمَّنت معنى حرفِ الْإِضَافَة إذْ من حكم كل مضافٍ أَن يَظْهَر بعده حرفُ الْإِضَافَة نَحْو غلامُك وثوبُ خزٍ وقدّام لَك فَلَمّا لم يظْهر كانَ متضمناً لَهَا وَالِاسْم إِذا تضمَّن معنى الْحَرْف بني

(2/79)


فصل

وإنَّما حُرِّك آخرهَا لِئَلَّا يلتقي ساكنان فأمَّا من ضمّها فَلهُ فِي ذَلِك وَجْهَان
أَحدهمَا أنَّها أشبهت قبلُ وبعدُ فِي وُقُوعهَا على كلِّ الْجِهَات وأبعاضِها فأُلحقت بهما
وَالثَّانِي أنَّ معظمَ أسماءِ الأمكنةِ مُعْرَبٌ يتَّضح بالمفرد فًلَمَّا خَالَفت أخواتها قوّيتْ بأنْ بُنيت على الضمِّ تَنْبِيها على أنَّ حقَّها الْإِعْرَاب وَمن العربِ العربِ مَنْ يَبْنيها على الْفَتْح طلبا للخفة وَمِنْهُم من يبنيها على الْكسر وَهُوَ الأصلُ فِي التقاء الساكنين

(2/80)


بَاب قبلُ وبعدُ

وهما ظرفانِ على حسبِ مَا يضافان إِلَيْهِ إنْ أُضيفا إِلَى الْمَكَان كَانَا مكانين وإنْ أُضيفا إِلَى الزَّمَان كَانَا زمانين وَقد يُحذفُ الزمانُ بَينهمَا وبينَ مَا يضافانِ إِلَيْهِ كَقَوْلِك جِئْت قبلَ زيدٍ أَي قبل مَجِيء زيدٍ
فصل

وهما مبهمانِ إِذا كَانَا ظرفين فَلَا يَبْينُ مَعْنَاهُمَا إِلَّا بذكرِ مَا هما ظرفانِ لَهُ ومِنْ هُنَا لزمَتْهُما الْإِضَافَة لفظا أَو تَقْديرا
فصل

ويضافانِ إِلَى الْمُفْرد لأنَّ الْإِبْهَام يزولُ بِهِ إِذا كَانَا بعضَه أَو مضافين لَهُ مِنْ جنسه
فصل

ويعربانِ فِي الإضافةِ إِذا لم تُوجد فيهمَا علّةُ الْبناء فَخَرَجَا على الأَصْل

(2/81)


ويبنتيانِ إِذا قُطعا عَن الإضافةِ كَقَوْلِه تَعَالَى {للهِ الأمرُ مِنْ قبلُ ومِنْ بَعْدُ} وَفِي ذَلِك ثَلَاثَة أوجه
أَحدهَا أنَّهما تنزّلا منزلةَ بعضِ الْكَلِمَة إذْ كَانَا مبهمين لَا يتَّضحان إِلَّا بالمضافِ إِلَيْهِ فَإِذا قُطعا عَنهُ لم يَزُلِ الإبهامُ إلاَّ بالنَّظر فِي معنى الْكَلَام وَإِذا أضيفا فُهِمَ مَعْنَاهُمَا بِاللَّفْظِ المتَّصل بهما وليسا كالحروفِ الَّتِي مَعْنَاهَا فِي غيرِها وَلَا كَالَّذي المفتقرة إِلَى الجملةِ
والوجهُ الثَّانِي أنَّهما تضمّنا معنى لامِ الإضافةِ إذْ كَانَا مختصين مَعَ الْقطع كاختصاصهما مَعَ ذِكْرِ الْمُضَاف إِلَيْهِ والإضافةُ مقدَّرةٌ بالّلام وبتقديرها يتضمنانِ مَعْنَاهَا وَالِاسْم إِذا تضمَّن معنى الْحَرْف بُنيَ
والثالثُ أنَّه لَا يُخبر بهما وَلَا عَنْهما بعد قطعِهما عَن الإضافةِ وَلَا يتمُّ بهما الصِّلَة فَجَريا مجْرى الْحَرْف
فصل

وحُرِّكا تَنْبِيها على أنَّ بِناءهما عارضٌ فَلَهُمَا تمكّنُ وَلم يحرّكَا لِاجْتِمَاع الساكنينِ أَلا ترى أنَّ قَوْلك يَا حكمٌ فِي النداء محرّكٌ وَلَا سَاكن قبل الطَّرف لَكِن لِمَا ذكَرْنا

(2/82)


فصل

وحُرِّكا بالضمِّ لثَلَاثَة أوجهٍ
أَحدهَا أنَّ الضمَّ أقوى مِنْ غَيره فاختير زِيَادَة فِي التَّنْبِيه على تمكّنهما
وَالثَّانِي أنَّهما فِي حَال الْإِضَافَة يُحركانِ بِالْفَتْح والكسرِ دون الضمّ فضُمَّتا فِي الْبناء لتتكمّل لَهما الحركاتُ
والثالثُ أنَّهما لمّا اقتضيا المضافَ إِلَيْهِ وحُذف عَنْهُمَا عُوِّضا مِنْهُ أقوى الحركات
فصل

ويُسمّى قبلُ وبعدُ وفوقُ وتحتُ وَبَقِيَّة الْجِهَات السِّت غاياتٍ وَفِيه وَجْهَان
أَحدهمَا أنَّها حدودٌ ونهاياتٌ لما تحيط بِهِ وغايةُ الشَّيْء آخِره فسمّيت بمعناها
وَالثَّانِي أنَّ تَمام الْكَلَام يحصل بالمضاف إِلَيْهِ بعْدهَا فَإِذا قُطعا عَنهُ صارتْ هِيَ آخرا وغايةُ نائبةً عَن غَيرهَا

(2/83)


بَاب قطّ

أمَّا المخففةُ فبمعنى حَسْبُ وبُنيت لأنَّها وقعتْ موقعَ المبنيّ وَهُوَ فعلُ الْأَمر مثل صه ومه وسكِّنت على الأَصْل وَمثلهَا قدْ بِمَعْنى حسبُ وَلَا تنوّن فِي الْمعرفَة وتنوّن فِي النكرَة فَإِذا أدخلتهما على يَاء الْمُتَكَلّم قلت قَطِي وقَدِي فَلم تُلحق النُّون لأنَّهما اسمان وَمن الْعَرَب مَنْ يُلْحِقُ النونَ فَيَقُول قطْني وقدْني لتسلَم السكونُ

(2/84)


فصل

فأمَّا قطُ المشدَّدة فمعناها مَا مضى من الزَّمَان دون الْمُسْتَقْبل وبنيت لوَجْهَيْنِ
أَحدهمَا أنَّها أشبهتِ الفعلَ الْمَاضِي إِذْ كانتْ لَا تكون إلاَّ لَهُ
وَالثَّانِي أَنَّهَا تَضَمَّنت معنى فِي لأنَّ حكمَ الظّرْف أَن تحسن فِيهِ فِي ولمّا لم تحسن هَا هُنَا كانَ الظّرْف متضمناً لَهَا وَقيل تَضَمَّنت معنى منذُ الَّتِي تقدرُ بهَا الْمدَّة أَو ابْتِدَاء الْمدَّة لِأَن قَوْلك مَا رَأَيْته قطٌّ أَي مُنْذُ خلقتُ وَإِلَى الْآن
فصل

وحرِّكت لِئَلَّا يجْتَمع ساكنان وضُمَّت لأنَّها أشبهت منذُ وقيلَ قُوِّيت بالضمِّ إذْ كَانَت نائبة عَن مُنْذُ وَمَا بعْدهَا
فصل

وَإِذا حذفت الْمُضَاف إِلَيْهِ مَعَ فوقُ وتحتُ وعلُ بنيت الْبَاقِي على الضمِّ للعلَّة الَّتِي ذَكرنَاهَا فِي قبلُ

(2/85)


فصل

واين مبنيةٌ لتضمُّنِها معنى حرفِ الِاسْتِفْهَام والشَّرط وحُرِّك آخِرُها لِئَلَّا يلتقيَ ساكنانِ وفتحَ وَلم يكْسِرْ على الأصلِ فِراراً من اجْتِمَاع الياءِ والكسرةِ مَعَ كَثْرةٍ الِاسْتِعْمَال
فصل

وكيفَ مبنيةٌ مثل أينَ وَهِي اسمٌ وَالدَّلِيل على ذَلِك السّماعُ وَالْقِيَاس فالسماعُ قَول بعض الْعَرَب على كَيفَ تبيع الأحمرين
وَقَالَ الآخر انْظُر إِلَى كَيفَ تصنع وَهَذَا شاذُّ الِاسْتِعْمَال والحكاية الثَّانِيَة شاذّةٌ الْقيَاس أَيْضا لأنَّ كَيفَ استفهامٌ والاستفهام لَا يعملُ فِيهِ مَا قبله

(2/86)


إلاّ حرفُ الجرِّ إِذا تعلَّقَ بِمَا بعده وَهَا هُنَا قد تعلّق بِمَا قبله وأمَّا القياسُ فَمن ثَلَاثَة أوجه
أَحدهَا أنَّ الاسمَ يُبدلُ مِنْهَا كَقَوْلِك كيفَ زيدٌ أصحيحٌ أم مريضٌ والاسمُ لَا يُبدل إلاّ من الِاسْم
وَالثَّانِي أنَّ الِاسْم يُجاب بِهِ عَنْهَا كَقَوْلِك كيفَ زيد فَتَقول صحيحٌ وَلَو كَانَت حرفا لَما أُجِيب عَنْهَا إِلَّا بالحرف
وَالثَّالِث التَّقْسِيم وَهُوَ أنْ يقالَ لَو كَانَت حرفا لَما تمَّ الْكَلَام بهَا مَعَ اسمٍ واحدٍ مَعَ أَنَّهَا لَيست حرفَ نِداء وَلَو كَانَت فعلا لَمَا وَليهَا الفعلُ من غير حاجزٍ بَينهمَا وَقد وَليهَا كَقَوْلِك كَيفَ صنعتَ فتعيّن أَن تكونَ اسْما لأنَّه الأَصْل
فصل

وأمَّا أيّان فَهِيَ بِمَعْنى مَتى وبُنيت لتضمُّنها معنى حرفِ الِاسْتِفْهَام وَفتح آخرهَا لأنَّه أخفّ بعد الْيَاء وَالْألف الَّتِي بَينهمَا حاجزٌ غير حُصَيْن

(2/87)


فصل

وأمّا الْآن فاسمٌ لدُخُول الْجَار عَلَيْهَا كَقَوْلِك من الْآن وَإِلَى الْآن وَكَذَلِكَ الْألف وَاللَّام
وَقَالَ الفرّاء هِيَ فعلٌ وَهَذَا بعيدٌ لأنَّها لَو كَانَت فعلا لم تدخل عَلَيْهَا اللامُ وَلَا عبرةَ باليجدّعُ واليتقصّعُ لشذوذهما وَلِأَنَّهُ لَو كَانَ فعلا لَكَانَ فِيهِ ضمير الْفَاعِل وَلَا يَصح تَقْدِير ذَلِك فِيهِ وَهِي اسْم للْوَقْت الْحَاضِر وَقَالَ قوم الْآن حدّ مَا بَين الزمانين أَي طرف الْمَاضِي وطرف الْمُسْتَقْبل وَقد يتجوز بهَا عمّا قرب من الْمَاضِي وَيقرب من الْمُسْتَقْبل وألفها منقلبة عَن ياءٍ لأنَّها من آن يأْيَن إِذا قرب وَقيل أَصْلهَا أَوَان فقلبتِ الواوُ ألفا ثمَّ حُذفت لالتقاء الساكنين وَهَذَا بعيدٌ لأنَّ الْوَاو قبل الْألف لَا تُقلب كالجواد والسَّواد وَاتَّفَقُوا على بنائها فعلى قولِ الفرّاء هِيَ فعلٌ ماضٍ فَلَا ريبَ فِي بنائها واختلفَ الْبَاقُونَ فِي علّة الْبناء فَقَالَ

(2/88)


المبرّد وبن السرّاج خَالَفت نظائرها لأنَّها نكرَة فِي الأَصْل استُعملت من أوَّل وَضعهَا بِالْألف وَاللَّام وَبَاب اللَّام أَن تدخل على النكرَة وَقَالَ الزجَّاج بُنيت لتضمُّنها معنى حرف الْإِشَارَة لِأَن الْمَعْنى فِي قَوْلك فلانٌ يصلّي الْآن أَي فِي هَذَا الْوَقْت وَقَالَ أَبُو عليّ بنيت لتضمُّنِها معنى لَام التَّعْرِيف لأنَّها استُعملت معرفَة وَلَيْسَت عَلَماً وَالْألف وَاللَّام فِيهَا زائدتان
فصل

فِي هلمّ قَولَانِ
أَحدهمَا هِيَ اسْم للفعلِ فَلَا يظْهر فِيهِ علمُ التثنيةِ وَالْجمع والتأنيث وَبهَا جَاءَ القرآنُ قَالَ الله عزّ وجلّ {هلمَّ شُهداءَكم} وَفِي آيَة أُخْرَى (والقائلينَ لإخوانهم هَلُمَّ إِلَيْنَا)
وَالْقَوْل الثَّانِي هِيَ فعلٌ تظهر فِيهِ علامةُ التثنيةِ والجمعِ والتأنيث نَحْو هلما

(2/89)


وهلُّموا وهلّمي وأمَّا جمَاعَة النسْوَة فالجيد فِيهَا هَلْمُمْنَ وَقد قيلَ غيرُ ذَلِك وَلَا يُعرّج عَلَيْهِ
فَإِذا جُعلت اسْما للْفِعْل فمعناها احضُروا أَو أَقبلُوا وَهِي مركَّبة إِذا كَانَت فعلا من هَا ولمّ فأصلها هاالمم فحذفت ألفُها وهمزةُ الْوَصْل فلزِم الْإِدْغَام لمّا تحركت اللَّام وبُنيت إِذا كَانَت اسْما لوقوعها موقع المبنيّ وَفتحت لطول الْكَلِمَة وثَقُلَ الضمُّ للإدغام
فصل

وَمن أَسمَاء الْفِعْل هَا بِمَعْنى خُذْ وفيهَا لغاتٌ
إِحْدَاهَا هاءَ بهمزةٍ مفتوحةٍ للمذكر وَفِي الْمُؤَنَّث هاءِ وَفِي التَّثْنِيَة هاءا وَفِي الْجمع هاؤوا وَمِنْه قَوْله {هَاؤُمُ اقرَؤوا}
واللُّغةُ الثَّانيةُ هَا بِغَيْر همزٍ فِي كلّ حَال
واللُّغةُ الثَّانِيَة هَا بِغَيْر همز فِي كل حَال
والثَّالثة هاكَ فَيُجْعَلُ مكانَ الهمزةِ كافاً وبُنيت لوقوعِها موقعَ الْأَمر

(2/90)


فصل

وَأما هيت فاسمٌ للفعلِ وَمَعْنَاهُ هَيْتَ لكَ فبُني لوقوعِه موقعَ الْفِعْل الْمَاضِي وقيلَ لوقوعِه موقعَ الْجُمْلَة وقيلَ هُوَ مقدَّر بمبتدأ وَخبر أَي أَنا متهيّئةٌ لَك وقيلَ هُوَ واقعٌ موقعَ الأمرِ أَي ايتني
فصل

وَأما هاتِ ففعلٌ صريحٌ يقالُ هاتَا يُهَاتي مهاتاةٌ مثل رامى وحامى
فصل

وأمَّا هُنا فاسمٌ للمكان الْحَاضِر وَقد تُستعمل فِي الزَّمَان مجَازًا كَقَوْلِه تَعَالَى

(2/91)


{هنالِك دَعا زكريّا ربَّه} فَإِذا دخلت عَلَيْهَا الكافُ صارَ للمكان الْبعيد لِأَن الْحَاضِر يعرفهُ الْمُخَاطب وَإِذا لم يعرفهُ كَانَ بَعيدا وصارَ بِمَنْزِلَة هَذَا فَإِن زدتَ اللَّام فَقلت هُنَالك كَانَ أبعدَ كَمَا ذكر فِي ذَلِك وإنَّما بُنِيت هُنَا لتضمُّنها معنى حرفِ الْإِشَارَة
فصل

وأمَّا ثَمَّ فاسمٌ للمكانِ البعيدِ عَنْك وبُني لتضمّنه حرف الْإِشَارَة أَيْضا وَلَا يجوزُ ثَمّكَ كَمَا جازَ هُنَاكَ لِأَن ثَمَّ للبعيدِ فَلَا حاجةَ إِلَى إدخالِ الكافِ عَلَيْهِ لأنَّ من شأنِها أَن تنقل الْقَرِيب إِلَى الْبعيد
فصل

أسماءُ الْعدَد إِذا استُعملتْ فِي العدِّ مَبْنِيَّةً كَقَوْلِك وَاحِد اثْنَان ثَلَاثَة لِأَن الْغَرَض مِنْهَا العدُّ فَقَط فَهِيَ كالأصوات فإنْ وصلتَ بعضَها ببعضٍ أبقيتَ الهاءَ على لَفظهَا وَإِن اجْتمع ساكنان حركتَ الأوَّلَ كَقَوْلِك واحدٍ اثْنَان والجيِّدُ أَن تحرّك

(2/92)


الدَّال بالكسرِ على الأَصْل وريَّما يجوز أَن تلقيَ حركةَ الهمزةِ على الْهَاء فِي ثَلَاثَة أَرْبَعَة فتفتح الْهَاء فإنْ أخبرتَ عَن الْعدَد أَو وَصفته أعربته
فصل

وحروف التهجي إِذا أردْت بهَا الهجاء فَقَط مبنيَّةً لِأَنَّهَا كالعدد فِيمَا ذكرنَا من حَيْثُ الْغَرَض مِنْهَا العدّ فَهِيَ كالأصوات فَإِن أخْبرت بهَا أَو عَنْهَا أَو وصفتها أعربتَها وَمَا كَانَ آخِره ألفا نَحْو با تا ثا تزيدُ عَلَيْهِ ألفا أُخرى ليُكمّلَ اسْما ثمَّ تحرِّكُ الثَّانِيَة فتقلب همزَة
فصل

والأصوات المحكيّة مبنيّة ك غاق فِي حِكَايَة صَوت الْغُرَاب وعَدَسْ فِي زجْر البغال لأنَّ الغرضَ مِنْهَا نفسُ الْحِكَايَة والإعرابُ يُراد للْفرق بَين الْمعَانِي

(2/93)


وَمَا التقى فِيهِ ساكنان حُرِّكَ الثَّانِي بِالْكَسْرِ على الأَصْل إلاَّ أَن يعرِض فِيهِ ثِقَلٌ فيحرّك بِالْفَتْح نَحْو هَيْدَ فِي زجر الْإِبِل
فصل

وأمَّا جَيْرِ فَبمعنى نَعَمْ فِي أكثرِ الِاسْتِعْمَال فَهِيَ حرف ك نَعَمْ وحُرِّكَ بالكسرِ لالتقاء الساكنين وَلم يكثر استعمالُها فَفتح كَمَا فتحت أَيْن
فصل

وَمن اسماء الفعلِ إيهِ بِمَعْنى حدّثنا وتنوّن فِي التنكير على مَا هُوَ أصلُ الْبَاب فإنْ أردتَ أَن تكفَّه عَن الحَدِيث قلت إيهاً وفتحتَ هَذِه للفرْقِ بَين طلبِ الحَدِيث وَطلب السُّكُوت

(2/94)


فصل

والمضافُ إِلَى يَاء المتكلِّم مبنيّ عِنْد الْجُمْهُور لثَلَاثَة أوجه
أَحدهَا أنَّ الاسمَ المعرَبَ صَار تَابعا للياء إذْ لَا يكون مَا قبلَها إلاّ مكسوراً وَإِذا صارَ تَابعا فِي الْحَرَكَة صارَ تَابعا للمضمر فِي البناءِ
وَالثَّانِي أَنه خرج عَن نظائرِه من المضافات إذْ لَيْسَ فِيهَا مَا يتبَعُ غيرَه
وَالثَّالِث أنَّ الإعرابَ اختلافُ آخر الْكَلِمَة وَهَذَا مُمْتَنع هَا هُنَا لفظا وتقديراً فكانَ مبنيّاً بخلافِ الْمَقْصُور فإنَّ المانعَ من ظُهُور الحركةِ الألفُ فَلوْ خرجَ المقصورُ على أصلِه لأمكنتْ فِيهِ الحركةُ وحرفُ الْإِعْرَاب فِي صَاحِبي وَمَا أشبهه قابلٌ للحركاتِ بنفسِه وَإِنَّمَا امْتنع لغيره فَافْتَرقَا ن

(2/95)


بَاب

مَا يجوز فِي ضَرُورَة الشّعْر

اعْلَم أَن ضَرُورَة إِقَامَة الْوَزْن تَدْعُو إِلَى جوازِ مَا تمهّد فِي الْقَوَاعِد الْكُلية خلافُه وَلذَلِك جَازَ للشاعر زيادةُ كلماتٍ يُقوِّم بهَا الْوَزْن وَحذف شَيْء ليُصَحَّحَ كَمَا قَالَ لبيد من // الْكَامِل // ( ... درسَ الْمَنا بمتالعٍ فأبانِ)
يُرِيد الْمنَازل وَقَالَ العجاج من // الرجز // ( ... قواطنا مَكَّة من ورق الحمي)

(2/96)


يُرِيد الْحَمام وسنذكرُ فِي هَذَا الْبَاب مَا يجوزُ للشاعر عِنْد الضَّرُورَة مفصَّلاً إِن شَاءَ الله تَعَالَى وَاعْلَم أنَّ معظمَ مَا يجوزُ فِي ضرورةِ الشّعْر يَرْجعُ إِلَى أصلٍ قد رَجَحَ عَلَيْهِ أصلٌ آخر فالشَّاعر يحاولُ ذَلِك الأصلَ المتروكَ عِنْد الضرورةِ
فصل

فَمن ذَلِك صرفُ مَالا ينْصَرف وَقد ذَكرْنَاهُ فِي بَابه وَكَذَلِكَ تركُ صرفِ مَا ينْصَرف
فصل

وَيجوز للشاعر قصر الْمَمْدُود مُطلقًا وَقَالَ الفرّاء لَا يجوز إِلَّا إِذا كَانَ لَهُ بعد الْقصر نظيرٌ فِي الْأَبْنِيَة

(2/97)


وحجَّةُ الأوَّلين أنَّ القصرَ جازَ للضَّرورةِ وَهُوَ حَذْفُ الزائدِ وَالرُّجُوع إِلَى الأصلِ فسوّيَ فِيهِ بينَ مَا لَهُ نظيرٌ وَمَا لَا نظيرَ لَهُ
واحتجَّ الفرَّاء بِأَن الضرورةَ تردُّ إِلَى أصل وجوابُه من وَجْهَيْن
أحدُهما أَن هَذَا لَا يطّرد فِي كلَِّ موضعٍ وَلذَلِك جازَ تَأْنِيث الْمُذكر وَهُوَ رجوعُ من الأَصْل إِلَى الْفَرْع
والثَّاني أَن قَصْرَ الْمَمْدُود ردٌّ إِلَى الأَصْل من وجهٍ وَهُوَ حذفُ الزَّائِد وَلَا يُعْتَبرُ أَن يكون ردّاً إِلَى كلّ الْأُصُول إذْ ذَلِك محَال
فصل

وَأما مدّ الْمَقْصُور فَغير جائزٍ عِنْد الْبَصرِيين لأنَّه زِيَادَة فِي الْكَلِمَة وَلذَلِك لم يُسغ للشاعر أَن يزِيد أيّ حرفٍ شَاءَ بِخِلَاف قصْر الْمَمْدُود فَإِنَّهُ حذف الزَّائِد وَالْأَصْل عدم الزِّيَادَة

(2/98)


وَقَالَ الْكُوفِيُّونَ هُوَ جَائِز وَاحْتَجُّوا بقول الشَّاعِر من // الوافر //
(سَيُغْنيني الَّذِي أغْناك عنِّي ... فَلا فَقْرٌ يَدُومُ وَلَا غِناءُ)
فمدَّ الْغِنَا وَهُوَ مَقْصُور
وَالْجَوَاب أنَّه يُروى بِفَتْح الْعين على أَنه مصدر أغنيت عَنهُ غناء وإغناءً ومَنْ رَوَاهُ بِالْكَسْرِ جعلَه مصدَر غانيتُ وتَغَانيت مثل قَوْلك قاتلتُه قِتالاً وترامينا رِماءً أَي ترامياً
فصل

وَيجوز لَهُ إظهارُ المدْغَم لِأَنَّهُ الأصلُ كَمَا أنَّ الأصلَ التصحيحُ وَمِنْه قولُ الشَّاعر من // الرجز // ( ... الحمدُ لله العليِّ الأجْلَلِ) وَقَالَ الآخر من // الْبَسِيط //

(2/99)


(مهلا أعَاذِلَ قد جَرَّبْتِ من خُلُقِي ... أنِّي أجُودُ لأقْوامٍ وإنْ ضَنِنُوا)
أَي الأجلّ وَإِن منّوا وَهَذَا أحسنُ من الزِّيَادَة وَالنُّقْصَان
فصل

ويحذف التَّنْوِين فِي الشّعْر لالتقاء الساكنين قَالَ أَبُو الْأسود الدؤَلِي من // المتقارب // (فألفيُته غيرَ مُسْتَعْتَبٍ ... وَلَا ذاكرِ اللهَ إلاَّ قَلِيلا)
بِنصب اسْم الله وَقَرَأَ بعض القرّاء {وَلَا الليلُ سابقُ النهارَ} بِالنّصب أَي سابقٌ النَّهَار
فصل

وَمن ذَلِك حذف الْيَاء بعد الكسرة وَالْوَاو بعد الضمَّة فَمن الأوَّل قَول الشَّاعِر من // الوافر //

(2/100)


(فَطِرْتُ بِمُنْصُلي فِي يَعْمَلاتٍ ... دوامي الأيْدِ يَخْبَطْنَ السَّرِيحا)
أَي الْأَيْدِي وَمن الثَّانِي قولُ الشَّاعِر من // الطَّوِيل //
فبيناهُ يشْرِي رحْلَه قالَ قائلٌ ... لمن جمل رخو الملاط نجيب)
وَقَالَ آخر فِي حذف الْيَاء من // الرجز //
( ... دارٌ لسُعْدى إذْهِ مِنْ هَوَاكا)
وإنَّما سَاغَ ذَلِك لدلَالَة الكسرة والضمَّة على الْمَحْذُوف
فصل

وَيجوز حذفُ حَرَكَة الياءِ هيَ وهُوَ على إجْراءِ الوصلِ مجْرى الوقْفِ كَقَوْل الشَّاعِر من // الْبَسِيط //
( ... ثمَّ انصرفْتُ وهيْ منِّي على بَال)

(2/101)


فصل

وَمن ذَلِك تذكيرُ المؤنَّث لأنَّ الأصلَ هُوَ المذكَّر فروج فِيهِ الأَصْل وَلِأَن الْمُؤَنَّث والمذكّر يَشْتَرِكَانِ فِي اسمٍ آخر مُذَكّر كالمنزل وَالدَّار فإنَّ الدارَ منزلٌ فَمن ذَكَّرها حَمَله على معنى المنْزِل وَمِمَّا جَاءَ فِي ذَلِك من المؤنَّث الَّذِي ذكّر وَهُوَ لمن يعقِل قولُ الشَّاعِر من // السَّرِيع //
(قامتْ تُبَكّيه على قَبره ... مَنْ ليَ من بعْدِك يَا عامرُ)
(ترتكتني فِي الدَّار ذَا غُربةٍ ... قد ذلَّ مَنْ لَيْسَ لَهُ ناصرُ)
أرادات ذَات غربةٍ وَجَاز لمّا كَانَت المرأةُ إنْسَانا وَقَالَ آخر من الهزج
152 - (وممّن ولدُوا عامرُ ... ذُو الطول وَذُو العرضِ)
يُرِيد ذَات الطول لأنَّ عَامر قبيلةٌ وَلذَلِك لم يصرف وَقَالَ آخر من // المتقارب //
(فَلَا مزنةٌ وَدَقَتْ ودْقَها ... وَلَا أرضَ أبقل إبقالها)

(2/102)


فَإِن قيل كَانَ يُمكن أَن يَقُول أبقلتِ إبقالها فيلقي كسرة الْهمزَة على التَّاء قيل الْجَواب عَنهُ من أوجه
أَحدهَا أنَّ إلقاءَ حركةِ الهمزةِ يلزَمُ مِنْهُ حذفُ أصلٍ أَو كالأصل وحذفُ التَّاء حذفُ زائدٍ
وَالثَّانِي أَن الْإِلْقَاء أقلّ فِي الِاسْتِعْمَال من حذف التَّاء فِي مثل هَذَا
وَالثَّالِث أَن هَذَا طريقٌ وَالْإِلْقَاء طَرِيق فَلَا يُتخيَّر على اللّغَوِيّ أَحدهمَا وَقَالَ من // المتقارب //
(فإمَّا تَرَيْنِي وَلي لَمَّةٌ ... فإنَّ الحوادثَ أوْدَى بهَا)
أَي أودتْ فَجَاز ذَلِك لَمّا كَانَ الْحَوَادِث والحدثان بِمَعْنى وَالْجمع هُنَا للْجِنْس والمفرد جنسٌ فإنْ قيل لَو قَالَ أودت لاستقام الْوَزْن قيل نعم وَلَكِن يلْزم مِنْهُ حذف الرَّدْف والقافية مُرْدَفَة
فصل

فأمَّا تأنيثُ الْمُذكر فأضعفُ من عَكسه إذْ كَانَ ترْكَ الأَصْل إِلَى الْفَرْع مَعَ أنَّه قد

(2/103)


جَاءَ حمْلاً على الْمَعْنى فَمن ذَلِك قِرَاءَة بعض الْقُرَّاء {يلتقطه بعضُ السيّارةِ} فأنَّث والفاعلَ بعضُ لما كَانَ بعض السيارة سيارةً وَقَالُوا ذهبتْ بعضُ أصابعهِ وَقَالَ جرير من // الوافر //
155 - (إِذا بعضُ السنينَ تعرّقتنا ... كفى الأيتامَ فقْدَ أبي اليتيمِ)
وَقَالَ آخر من // الْكَامِل //
(لَمّا أَتَى خبرُ الزبيرِ تواضعتْ ... سُوُرُ المدينةِ والجِبالُ الخُشَّعُ)
وَفِي التَّأْنِيث هُنَا وَجْهَان
أَحدهمَا أَنه ذهب بالسُّور مَذْهَب الجدران
والثَّاني أنَّه لَمَّا أَضَافَهُ إِلَى المؤنَّث جعل لَهُ حكمه كَمَا قَالَ تَعَالَى (مَنْ جاءَ بالحسنةِ فلهُ عشرُ أَمْثَالهَا)

(2/104)


فأنَّث العشرَ والأمثالُ مذكّرة ولكنْ أضيفتْ إِلَى ضميرِ الحسنةِ وَرُوِيَ عَن بعض الفصحاء أنَّه قالَ ألم ترَ إِلَى مَا كَانَ من فلانٍ فَقيل لَهُ مَاذَا فَقَالَ جَاءَتْهُ كتابي فاحتقرها فأُنْكِرَ ذَلِك عَلَيْهِ فَقَالَ أليسَ صحيفَة
فصل
وَقد يشدِّد المخفف فِي نَحْو قَول الشَّاعِر من // الرجز //
( ... ببازلٍ وجْناءَ أَو عَيْهَلِّ)
وَقَول الآخر من // الرجز //
(تعرَّضتْ لي بمكانٍ حِلَّ ... تعرّضَ المُهْرة فِي الطِّوَلِّ)
وكقول الآخر من // الرجز //

(2/105)


( ... ضخم يحبُّ لخلق الأضخمّا)
وَالْأَصْل تَخْفيف هَذِه الْأَوَاخِر وَالْوَجْه فِي تشديدها أَنه أَرَادَ الْوَقْف وَمذهب كثير من الْعَرَب الوقفُ على المشدَّد على أَن تجْعَل التَّشْدِيد بدل الْحَرَكَة أَو التَّنْوِين إلاَّ أَن الشَّاعِر أجْرى الوصلَ مُجرى الْوَقْف
فصل

وَيجوز لَهُ تَخْفيف المشدَّد وَذَلِكَ فِي القوافي كَقَوْل امْرِئ الْقَيْس من // المتقارب //
( ... تحرَّقتِ الأرضُ واليومُ قَرْ)
وَمِنْهَا
( ... وَيْحَكَ ألْحَقْتَ شَرّاً بِشرْ)
وَهَذَا أسهل من الَّذِي قبله وَمِنْه قَول الفرزدق من الطَّوِيل

(2/106)


(تنظَّرتُ نَصْراً والسّماكينِ أيْهُما ... عليَّ معَ الغيثِ استهلَّتْ مواطرُه)
يُرِيد أيّهما
فصل

وَمن ذَلِك حذف الْهمزَة تَخْفِيفًا كَقَوْلِه من // الْبَسِيط //
(ويل أمِّها فِي هواءِ الجوِّ طالعةُ ... وَلَا كهذي الَّذِي فِي الأَرْض مطلوبُ) أَي ويلُ أمّها
فصل

وَمن ذَلِك قلب الْهمزَة ألفا إِذا انْفَتح مَا قبلهَا وياءً إِذا انْكَسَرَ وواواً إِذا انضمّ إِلَّا أَن هَذَا قريبٌ إِلَى الْقيَاس وَقُرِئَ بِهِ الْقُرْآن
فصل

وَمن ذَلِك قطع ألف الْوَصْل كَقَوْل الشَّاعِر من // الطَّوِيل //

(2/107)


فَمَا تربُ أثْرى لَو جمعتَ تُرابَها ... بأكثرِ من إبني نزارٍ على العدّ)
وكقول الآخر من // الطَّوِيل //
(إِذا جَاوز الْإِثْنَيْنِ سرٌّ فإنَّه ... بِنَشْرٍ وإفشاءِ الحديثِ قمينُ)
وَالْوَجْه فِيهِ أنَّه أجْرَى الوصلَ مَجْرَى الِابْتِدَاء كَمَا أُجْرِيَ مُجرى الْوَقْف وأمَّا وصلُ همزةِ القَطْع فيكونُ بالإلقاء ويُذكَر فِي مَوْضِعه
فصل

وأمَّا الترخيمُ فِي غيرِ النداءِ ونصبُ مَا بعد الفاءِ فِي غيرِ جوابِ الْأَشْيَاء السبعةِ وحذفُ الفاءِ فِي الجوابِ فقد ذُكِرَ فِي موضِعه
فصل

وأمَّا إبدالُ أحد الحرفين فِي التَّشْديد فيُذْكَرُ فِي التصريف إِن شَاءَ الله
فصل

وَيجوز إبْقَاء حُرُوف المدّ فِي الْفِعْل المجزوم كَقَوْل الشَّاعِر من // الْبَسِيط //

(2/108)


(هجوتَ زبّانَ ثمَّ جئتَ معتذرً ... من هجوِ زبّانَ لم تهجو وَلم تدعِ)
فَلم يحذف الْوَاو وَمن الْألف قَول الآخر من // الرجز //
(إِذا العجوزُ غضبتْ فطلّقِ ... وَلَا تَرَضّاها وَلَا تملّقِ)
وَقَالَ آخر من // الطَّوِيل //
(وتَضْحَكُ مني شيخةٌ عَبْشَميَّةٌ ... كأنْ لم تَرَى قبْلي أَسِيرًا يَمَانِيا)
وَمن الْيَاء من الوافر
(ألمْ يأتيكَ والأنباءُ تَنْمي ... بِمَا لاقت لَبونُ بني زيادِ)
ووجْهُ ذَلِك أنَّه أخرجَ الأفعالَ على الأَصْل وَجعل الْجَزْم فِي الحركات المستحقّة فِي الأَصْل وَقَالَ قوم لامات هَذِه الْأَفْعَال محذوفةٌ بِالْجَزْمِ والحروف الْمَوْجُودَة الْآن

(2/109)


فَاشِية عَن إشباع الحركات فأمَّا فَاعل يَأْتِيك فِي الْبَيْت الْأَخير فَقيل هُوَ مُضْمر دلَّ عَلَيْهِ مَا قبله وَقيل فَاعله بِمَا لاقت وَالْبَاء زَائِدَة
فصل

وَقد حذف الْإِعْرَاب فِي الشّعْر ورُويت فِي ذَلِك أبياتٌ مِنْهَا من // الرجز //
(لَما رأى أنْ لادَعَهْ وَلَا شِبَعْ ... مَال إِلَى أرطأةِ حِقْفٍ فأضطجعْ)
وَقَول الآخر من // الرجز //
( ... إِذا اعوججنَ قلنَ صاحِبْ قوّمِ)
فَأجرى الْوَصْل مجْرى الْوَقْف والمبرِّد والزجَّاج ينكران ذَلِك وَلَا يعتدان بالأبيات الْوَارِدَة فِيهِ لشذوذها وَضعف الرِّوَايَة فِيهَا وَقَالَ آخر من // السَّرِيع //
(فاليومَ أشْرَبْ غير مستحْقِب] ... إِثْمًا من الله وَلَا واغل)
فسكن وَقَالُوا الرِّوَايَة فاشربْ

(2/110)


فصل

وَمِمَّا جَاءَ فِي ذَلِك من الشّعْر ضَرُورَة حَذْفُ الضَّمِير من الْفِعْل لدلَالَة الضمّةِ عَلَيْهِ كَقَوْل الشَّاعر من // الوافر //
(فَلَو أنَّ الأطبّا كانُ حَوْلي ... وكانَ مَعَ الأطبّاء الأُساةُ)
أَي كَانُوا وَقد جَاءَ أشدُّ من هَذَا كَقَوْل الآخر من // الرجز //
(لَو أنَّ قومِي حِين أدعوهم حَمَلْ ... على الجِبالِ الصمِّ لَا رفضّ الجبلْ)
أَي حَمَلوا هَذَا مَعَ الإسكان
وَمِمَّا جَاءَ للضَّرُورَة حذف بعض الْكَلِمَة كَقَوْل لبيد من // الْكَامِل //
(درس المنا بمتالع فأبان ... )
أَي الْمنَازل وَقَالَ العجاج من // الرجز //
( ... قواطناً مكَّة من وُرْقِ الْحَمِي)
أَي الْحَمام فَحذف الْألف وَالْمِيم وَكسر الْمِيم الْأُخْرَى وَقيل حذف الْمِيم الْأَخِيرَة وَحدهَا وَكسر الأولى فَصَارَت الْألف يَاء وَقَالَ آخر من // الطَّوِيل //

(2/111)


(فلستُ بآتِيه وَلَا أسْتطيعُه ... ولاكِ اسقِني إنْ كَانَ ماؤك ذَا فَضْلِ)
أَي وَلَكِن وضرورةُ الشّعرِ أكثرُ من هَذَا وَقد نبَّهْنا على أَصْلهَا

(2/112)


بَاب

الْمَوْصُول والصِّلة

الموصولُ أسماءٌ وحروفٌ فالأسماءُ الَّذي والَّتي وفروعُهما ومَنْ ومَا وَأي وأمَّا الْحُرُوف ف مَا وأنَّ الثَّقِيلَة والخفيفة
فصل

وإنَّما سُمِّيت هَذِه موصولات لأنَّها نواقص تتمُّ بِمَا تُوصل بِهِ وَلذَلِك بُنيت لأنَّها كبعضِ الْكَلِمَة أَو كالحرفِ الَّذِي يفْتَقر إِلَى جملَة
فصل

والغرضُ من الإتيانِ بِالَّذِي وَالَّتِي وصفُ المعارف بالْجُمل إذْ كَانَت الْجُملُ تفسّرُ بالنكرات وَيَنْبَغِي أَن يُتوصَّل إِلَى وصف الْمعرفَة بِالْجُمْلَةِ لئلاّ يكون للنكرةِ مَا لَيْسَ للمعرفة وَهَذَا كجعلهم ذُو وصلَة إِلَى الوصفِ بالأجناس وَأي وُصلةً إِلَى نِدَاء مَا فِيهِ الْألف وَاللَّام فإنْ قيلَ ف مَن وَمَا وأيّ أَسمَاء مَوْصُولَة وَلَا يُوصف بِمَا قيل عَنهُ جوابان

(2/113)


114 -
أَحدهمَا أنَّ مَنْ وَمَا على حرفين وليسَ لَهما فِي الصِّفَات نظيرٌ بِخِلَاف الَّذِي وَلذَلِك ثُنّي الَّذِي وجُمع دونَ مَنْ وَمَا وأمَّا أيّ فلزمتها الْإِضَافَة وَحكم الصفةِ أَن تستقلّ وتعرّف بِالْألف وَاللَّام وَالْإِضَافَة تمنع من ذَلِك
وَالثَّانِي أنَّ مَنْ وَمَا تختصان ف مَنْ لمن يعقلُ وَمَا لِما لَا يعقل وَالَّذِي تصلحُ لَهما والأصلُ فِي الصّفة أَن تكونَ مشتقَّةً من الْفِعْل والفعلُ لَا يختصُّ فالمشتقُّ مِنْهُ كَذَلِك ف مَنْ ومَا لاختصاصهما أشبها الأعلامَ فَلم يوصفُ بهما
فصل

والياءُ واللاَّم فِي الَّذِي أصْلان وَقَالَ الْكُوفِيُّونَ الاسمُ الذالُ وحدَه وَمَا عداهُ زائدٌ
وحجَّةُ الأوَّلين أنَّ الَّذِي اسْم ظَاهر فَلم يكنْ على حرف واحدٍ كَسَائِر الْأَسْمَاء الظَّاهِرَة يدلُّ عَلَيْهِ أنَّ الذالَ لم تسْتَعْمل فِي هَذَا الِاسْم وحدَها فَلَو كانتِ الياءُ واللامُ زائدتين لجَاز حذفُهما فِي هَذَا الْجِنْس
واحتجَّ الْآخرُونَ من وَجْهَيْن
أَحدهمَا أنَّ الياءَ تسقطُ فِي التَّثْنِيَة فَلَو كَانَت أصلا لم تسْقط وأمَّا اللاّمُ فزيدت ليمكى النطقُ بِالذَّالِ سَاكِنة ولتدخل الْألف وَاللَّام على متحرك

(2/114)


والثَّاني مَا جاءَ فِي الشّعْر من حذف الْيَاء وتسكين الذَّال كَقَوْل الشَّاعِر من // الرجز //
( ... كاللّذْ تزبّى زُبْيةً فاصْطِيدا)
وَلَا نظيرَ لَهُ فِيمَا هُوَ على أكثَر من حرف
والجوابُ أمَّا حذفُ الْيَاء فِي التثنيةِ فقد أجبنا عَنهُ فِي بَاب التَّثْنِيَة وحَذْفُ الْيَاء فِي الشّعْر شاذٌّ لَا يدلّ على أنَّها زَائِدَة لأنَّه قد حُذف فِي الشّعْر كثيرٌ من الْأُصُول كَقَوْلِه
( ... دَرَسَ الْمَنَا)
و ( ... من وُرْقِ الْحَمِي)
وَقد تقدَّم ذكر ذَلِك
فصل

والألفُ والّلام فِي الَّذِي زائدتان لَا للتعريف لوَجْهَيْنِ

(2/115)


أَحدهمَا أنَّ تعريفَ الَّذِي بالصلة بِدَلِيل تعرّف مَنْ وَمَا بهَا إذْ لَا لَام فيهمَا وَمَا يُعرّفُ فِي موضعٍ بشيءٍ يُعرّف فِي مَوضِع آخر بذلك الشَّيْء
والثَّاني أنَّ الألفَ واللامَ لَو حَصّلا التعريفَ لَكَانَ الاسمُ مُسْتَعْملا بدونهما نكرَة إِذْ جميعُ مَا تدخلُ عَلَيْهِ لامُ التَّعْرِيف كَذَلِك فإنْ قيلَ لَو كَانَا زائدتين لجازَ حذْفُهما قيلَ من الزَّوَائِد مَا يلزمُ كالفاء فِي قَوْلك خرجتُ فَإِذا زيد وَنَحْوهَا
فصل

وإنَّما تعرفتْ هَذِه الأسماءُ بالصِّلاتِ لأنَّ الصّلاتِ تخصِّصُها لأنَّ الصلةَ جملةٌ من فعل وفاعلٍ أَو مُبْتَدأ وَخبر وَكِلَاهُمَا خاصّ فَجَرَيا مجْرى الصفةِ المخصصة نِهايةَ التَّخْصِيص
فإنْ قيلَ كيفَ تُعرِّفُ الجملةَ وَهِي نكرةٌ وَلذَلِك تفسّر بالنكرة فَفِيهِ جوابان
أَحدهمَا أنَّ الجلمةَ الَّتِي هِيَ صلةٌ لَا تَخْلُو من ضمير هُوَ الْمَوْصُول فِي الْمَعْنى وَالضَّمِير

(2/116)


معرفةٌ فتخصصت الجلمةُ بِهِ وكانَ الفعلُ من الْجُمْلَة يلْزمه الفاعلُ وَهُوَ معرفةٌ وَكَذَلِكَ الْمُبْتَدَأ وَصَارَت الْجُمْلَة مَعَ الَّذِي بمنزلةِ وصْفٍ معرَّف بِالْألف واللاَّم
وَالثَّانِي أنَّ الجلمة ليستْ نكرَة باعتبارِ نَفسهَا بل تقدَّر باسم نكرَة فَإِذا انضمَّ إِلَيْهَا الَّذِي صارَ فِي حكم المركَّب فالجلمة كالمفرد النكرَة وَالَّذِي نعتٌ لِما قبلهَا فحدثَ عِنْد التَّرْكِيب معنى لم يكن للمفرد على مَا هُوَ المألوف فِي المركَّبات
فصل

وإنَّما كَانَت الصلةُ جملَة خبريّةً لأربعةِ أوجه
أَحدهَا أنَّ الغرضَ مِنْهَا إيضاحُ الموصولِ وغيرُ الخبريّة من الْأَمر والاستفهام مبهمٌ فَلَا يحصل الْإِيضَاح
وَالثَّانِي أنَّ الَّذِي اسمٌ ظاهرٌ والأسماء الظاهرةُ للغيبةِ فَلَو وُصلت بِالْأَمر وَالنَّهْي لِلْمُواجه لتناقضا لأنَّ المواجهة خطابٌ وإنْ كَانَا للغائبِ لزمَ أنْ يكونَ فاعلُهما غير الَّذِي وَالضَّمِير الْعَائِد على الَّذِي هُوَ الَّذِي فِي الْمَعْنى فيتدافعان وَكَذَلِكَ الِاسْتِفْهَام
وَالثَّالِث أنَّ الَّذِي وصلته مقدّران باسمٍ واحدٍ والاسمُ الواحدُ لَا يدلُّ على الأمرِ وَالنَّهْي والاستفهام مَعَ دلَالَته على مسمَّى آخر
والرابعُ أنَّ الَّذِي وصلَته يُخْبَرُ عَنْهُمَا تَارَة وَبِهِمَا أُخْرَى والأمرُ والنهيُ والاستفهامُ لَا يصحُّ فِيهَا ذَلِك فَإِن قيلَ فَمَا تَقول فِي بَيت الفرزدق من // الطَّوِيل //

(2/117)


(وإنِّي لَرامٍ نَظْرةً قِبَلَ الَّتي ... لَعلِّي وإنْ شَطَّتْ نَواها أزُورُها)
فجعلَ الصِّلةَ لعلّ قيل هُوَ شادّ وتأويلُه أنَّه حذف القَوْل وَتَقْدِيره الَّتِي أَقُول لعلّي وَمَا جَاءَ من ذَلِك فَهَذَا سَبيله
فصل

وَفِي الَّذِي أربعُ لُغَات الجيدةُ الَّذِي بِسُكُون الْيَاء والثانيةُ حذفُها اجتزاءً بالكسرة عَنْهَا والثالثةُ تسكينُ الذَّال على إِجْرَاء الْوَصْل مجْرى الْوَقْف والرابعةُ تَشْدِيد الْيَاء على الْمُبَالغَة كَمَا زيدت فِي الصِّفَات كأحمريّ ودوّاريّ
فصل

واللغةُ الجيدةُ فِي تثنيتها حذفُ الْيَاء لأنَّ الْكَلِمَة طَالَتْ بالصِّلة وَزِيَادَة حُرُوف التثنيةَ فخُفِّتْ بالحذف وَقد حُذفت نونُها فِي الشّعْر تَخْفِيفًا وَأما الجمعُ

(2/118)


فالجَّيد الَّذين فِي كلِّ حَال وياء الأَصْل محذوفة من أجل ياءِ الْجمع وَمن الْعَرَب مَنْ يَجْعَلهَا فِي الرّفْع بِالْوَاو وَفِي الجرِّ والنصبِ بالياءِ وَلَيْسَ ذَلِك إعراباً بل تشبيهٌ لَهُ بالمعْرَب
فصل

والأصلُ فِي اللَّاتِي أنَّه اسمٌ وضع للْجمع ووزنه فَاعل مثل الجامل والباقر ويُجمع على اللّواتي على فواعل وأمَّا اللائي فعلى فَاعل أَيْضا وَمن الْعَرَب من يحذف مِنْهُ الْيَاء وَهِي لَام الْكَلِمَة
فصل

والأُلى بِمَعْنى الَّذين كَقَوْلِك هم الأُلى قَالُوا كَذَا أَي الَّذين وَذُو فِي لُغَة طَيء تكون بِمَعْنى الَّذِي وَتَكون فِي الْمُؤَنَّث والمذكر وَالْوَاحد وَمَا زَاد عَلَيْهِ بِلَفْظ واحدٍ وبالواو فِي كل حَال

(2/119)


مَسْأَلَة

اسْم الْإِشَارَة غيرُ مَوْصُول وَقَالَ الْكُوفِيُّونَ هُوَ موصولٌ
وحُجَّة الأوَّلين أنَّه اسمٌ تامّ بنفسِه يَحْسُن الْوَقْف عَلَيْهِ فَلم يكن مَوْصُولا كَسَائِر الْأَسْمَاء الظَّاهِرَة وَلذَلِك يَحْسُنُ أنْ يجمعَ بَينه وَبَين الَّذِي فَيُقَال إنَّ هَذَا الَّذِي عندنَا كريمٌ
واحتجَّ الْآخرُونَ بقوله تَعَالَى {ثمّ أَنْتُم هَؤُلَاءِ تقتلون أَنفسكُم} و {هَا أَنْتُم أُولاءِ تحبُّونهم} وَبقول الشَّاعِر من // الطَّوِيل //
(عَدَسٌ مَا لعبّادٍ عَلَيْك إمارةٌ ... نَجَوْتِ وَهذا تَحْمِلينَ طليق)

(2/120)


والجوابُ عَن الْآيَة أنْ {تقتلون} و (تحبُّونهم) حالٌ وليسَ بصلَة وَقد استوفيتُ القولَ على ذَلِك فِي إِعْرَاب الْقُرْآن وأمّا البيتُ فَفِيهِ ثَلَاثَة أوجه
أحدُها أنَّ طليقاً خبر هَذَا وتحملين حَال من الضَّمِير فِي طليق والعائد مَحْذُوف أَي تحملينه
والثَّاني هُوَ خبرٌ بعد خبرٍ
والثالثُ أَن يكونَ حَالا والعاملُ فِيهِ معنى الإِشارة
مَسْأَلَة

الاسمُ الظاهرُ إِذا دخلت عَلَيْهِ الألفُ وَاللَّام لم يكن مَوْصُولا لما ذكرنَا من قبل وَقَالَ الكوفيونَ يكون مَوْصُولا واحتجّوا بقول الشَّاعِر من // الطَّوِيل //
(لعَمْري لأنْتَ البيتُ أُكرِمُ أهلَه ... وأجْلِسُ فِي أفيائِه بالأصائلِ)
أَي أَنْت الَّذِي أُكرم وَجَوَابه من وَجْهَيْن
أَحدهمَا أنّ الْبَيْت مُبْتَدأ ثانٍ وَأكْرم أَهله الخبرُ
والثّاني أَنه أرادَ الْبَيْت الَّذِي أُكرم فحذفَ الَّذِي للضَّرُورَة

(2/121)


مَسْأَلَة

مَاذَا تكون على وَجْهَيْن
أَحدهمَا هما اسمان ف مَا اسْتِفْهَام وَذَا بِمَعْنى الَّذِي فعلى هَذَا يكون الْجَواب مَرْفُوعا كَقَوْلِه تَعَالَى {ويسألونك مَاذا يُنْفِقُونَ قُلِ العَفْوَ} فِي قراءةِ مَنْ رفع

(2/122)


وَالْوَجْه الثَّانِي أَن يكون مَا وَذَا اسْما وَاحِدًا للاستفهام بِمَعْنى أيُّ شيءٍ فعلى هَذَا انتصب العفوَ فِي الْآيَة وَيكون موضعُ مَاذَا نصبا ب يُنْفقُونَ فَإِن قيلَ كيفَ جَاءَت ذَا بِمَعْنى الَّذِي هُنَا قيلَ لَمّا رُكِّبا حدثَ لَهما معنى وحكمٌ لم يكن فِي الْإِفْرَاد على مَا عُرف فِي تركيبِ الحروفِ وَغَيرهَا وإنَّما كَانَت مَعَ مَا بِهَذَا الْمَعْنى لأنَّ مَا فِي الِاسْتِفْهَام فِي غايةِ الْإِبْهَام فأخرجت ذَا من التَّخْصِيص إِلَى الْإِبْهَام وجذبتْها إِلَى مَعْنَاهَا وأصارتها إِلَى إِبْهَام الَّذِي فإنْ قيل أفيجوزُ مثلُ ذَلِك فِي مَنْ ذَا قيلَ لَا لأنَّ مَنْ تخصّ مَنْ يعقلُ فَلَيْسَ فِيهَا إبهامُ مَا
مَسْأَلَة

أيُّهم يكون بِمَعْنى الَّذِي فإنْ وُصِلت بجملةٍ كانتْ معربةً اتِّفَاقًا كَقَوْلِهِم لأضربنّ أيَّهم هُوَ أفضل فإنْ وصلتِها بمفردٍ كَانَت مبنيَّةً عِنْد سِيبَوَيْهٍ وذهبَ بعضُ الْبَصرِيين والكوفيون إِلَى أنّها معربةٌ
وحُجَّة الأوّلين أنَّ الأصلَ فِي أيّ أنْ تكونَ مَبْنِيَّة فِي الشَّرْط والجزاءِ

(2/123)


والاستفهام لتضمُّنها معنى الْحَرْف وَإِذا كَانَت بِمَعْنى الَّذِي يجبُ أَن تُبنى لنقصانِها إلاَّ أنَّ ذَلِك خُولفَ لِما نذكرهُ فِي الِاسْتِفْهَام وَإِذا حُذِف من صِلتِها شيءٌ خالفتْ بقيّةَ أخواتها فازداد نقصانُها ومخالفتُها للْأَصْل فيجبُ أَن ترجعَ إِلَى حقّها من الْبناء واحتُجَّ بقوله تَعَالَى {ثُمَّ لَنَنْزِعنَّ من كلِّ شِيعةٍ أيُّهم أشدُّ على الرحمنِ عِتيّاً}
واحتجَّ الآخرونَ بِمَا قَالَ الْجَرْميّ خَرجتُ من الْبَصْرَة فَلم أسمعْ منذُ فارقتُ الخَنْدَق إِلَى مكَّة أحدا يَقُول لأضربنّ أيُّهم أفضل بِالضَّمِّ بل بنصبها ولأنَّ أيُّهم معربةٌ فِي غير هَذَا الْموضع فَتكون معربةٌ هَا هُنَا قَالُوا والآيةُ محمولةٌ على غير مَا ذكرْتُمْ وَفِي هَذِه الْمَسْأَلَة أقوالٌ قد ذَكرنَاهَا فِي إِعْرَاب الْقُرْآن

(2/124)


والجوابُ أمَّا حِكَايَة الجَرْمي فيجوزُ أَن يكونَ مَا سَمعه لُغَة لبَعض الْعَرَب فإنَّ سِيبَوَيْهٍ حكى خلافَها فَيُجمع بَين الحكايتين ويُحمل الأمْرُ فِيهَا على لُغتين إلاَّ أنَّ الأقيسَ البناءُ وأمَّا قياسُها عَلَيْهَا فِي الِاسْتِفْهَام وَالْجَزَاء فَلَا يصحُّ لأنَّها هناكَ تامَّةٌ وَهِي هَا هُنَا ناقصةٌ مخالفةٌ لأخواتها من الموصولات
مَسْأَلَة

لَا بدَّ فِي الصِّلَة من عائدٍ على الْمَوْصُول لأنَّ الَّذِي يصلح وَصله لكلّ جملَة والجملةُ فِي نَفسهَا تامّة فَلَا تصير الجملةُ تَمامًا ل الَّذِي وكالجزء مِنْهُ إلاَّ بالضمير الرابِطِ لأَحَدهمَا بِالْآخرِ كَمَا فِي الْجُمْلَة الَّتِي هِيَ خبر الْمُبْتَدَأ
فصل

ويجوزُ حذفُ العائِد الْمَنْصُوب كَقَوْلِه تَعَالَى {أَهَذا الَّذِي بعث الله}

(2/125)


رَسُولا لأنَّ الاسمَ طالَ لاجتماعِه من أَرْبَعَة أَشْيَاء الَّذِي وَالْفِعْل وَالْفَاعِل وَالْمَفْعُول وَلَا يجوزُ حذفُ الْمَرْفُوع لأنَّه فاعلٌ والفاعلُ لَا يُحذف وَلَا المجرورُ لأنَّه كجزءٍ من الجارّ وَلذَلِك لم يكن إلاَّ متَّصلاً وَقد جَاءَ حذفُ الْمَجْرُور أَيْضا قَلِيلا إِذا كانَ الفعلُ مَوْجُودا وطريقُه أنَّه يعدِّي الفعلَ بِنَفسِهِ بعد حذفِ الحرفِ ثمَّ يَحْذِفُ الضميرَ وَذَلِكَ كَقَوْلِه تَعَالَى {فاصْدَعْ بِما تُؤمَرُ} أَي بِهِ ثمّ حُذفتِ الْبَاء فَبَقيَ بِمَا تُؤْمَرُه ثمَّ حذفتِ الْهَاء هَذَا إنْ جعلتَ مَا بِمَعْنى الَّذِي أَو مَوْصُوفَة وإنْ جعلتَها مصدريَّةً لم تحتجْ إِلَى تَقْدِير ضمير وَمِنْهُم مَنْ يحذفُ الجارَّ والمجرورَ دفْعَة وَاحِدَة
فصل

وأمَّا أنَّ الثقيلةُ المفتوحةُ وأنْ الناصبةُ للْفِعْل فهما موصولتان وهما حرفانِ بِلَا خِلاف فأمَّا مَا المصدريّة فموصولةٌ أَيْضا وَهِي حرفٌ وَقَالَ الأخفشُ هِيَ اسمٌ
وحجّةُ الأوَّلين أَنه لَا يعود إِلَيْهَا ضمير وَلَو كَانَت اسْما لاحتاجت إِلَيْهِ
واحتجّ الْآخرُونَ بأنَّها مَوْصُولَة غيرُ عاملةٍ فَكَانَت اسْما كأمثالها من الموصولات
والجوابُ أنَّ الاسميَّةَ لَا تثبتُ من حيثُ كَانَت مَوْصُولَة غيرَ عاملة فإنَّ ذَلِك

(2/126)


لَيْسَ من حدَّ الْأَسْمَاء وَلَا علاماتها لأنَّ كونَها مَوْصُولَة يخرِجُها عَن حكمِ الْأَسْمَاء إذْ من حكم الأسْماء التَّمام وَكَونهَا لَا تعم حكمُ أَكثر الْحُرُوف فعُلمَ أنَّ الاسمية تثبت بدليلٍ غير هَذَا وَقد ذكرنَا مَا يصلح أَن يكون دَلِيلا على حرفيتها
مَسْأَلَة

الألفُ واللاّمُ بِمَعْنى الَّذي اسمٌ وحُكِيَ عَن الْأَخْفَش أَنَّهَا حرفٌ
وحجّةُ الْأَوَّلين احتياجُها إِلَى عَوْدِ الضَّمِير إِلَيْهَا على مَا سبق
وَاحْتج الْآخرُونَ بأنَّها تفيدُ التعريفَ فَكَانَت حرفا كحالها إِذا دخلت على الأسماءِ المحضةِ وسببُ ذَلِك أنَّ الاسمَ الموصولَ تعرِّفه صلتُه والألفُ واللاّمُ يُعرِّفان مَا يدخلَانِ عَلَيْهِ
والجوابُ أنَّ الألفَ والّلامَ ليستْ للتعريفِ هُنَا بل هِيَ ك الَّذي والفرقُ بَينهمَا وبينَ اللاّم المعرَّفة أنَّ حرفَ الجرِّ إِذا وقعَ قبل الْمَوْصُول لم يتعلَّق بالصِّلةِ كَقَوْلِه تَعَالَى {وكَانُوا فيهِ من الزَّاهدينَ} وإنْ جعلتَ الألفَ واللامَ للتعريفِ جازَ أَن يتعلَّق الجارَ بِمَا دخلت عَلَيْهِ إِذا صلح للْعَمَل

(2/127)


فصل

وَلَا يتقدَّمُ شيءٌ من الصِّلةِ على الْمَوْصُول لأنَّ الصلةَ كَجُزْء من الِاسْم وتقديمُ بعض أَجزَاء الِاسْم على بعضٍ مُمْتَنع وَذَلِكَ قَوْلك سرّني مَا صنعتَ اليومَ إنْ نصبتَ اليومَ سرّني جازَ تقديمُه وتأخيره وإنْ جعلْتَه ظرفا ل صنعت لم يجزْ تقديمُه بِحَال وللعلّة الَّتِي ذكرنَا لم يجز إِيقَاع الأجنبيّ بَين الْمَوْصُول والصلة وَلَا إِيقَاع الصّفة وَالْبدل والعطف قبل تَمام الصِّلَة كَقَوْلِك عجبت من الضاربين إخْوَتك الظريفين وزيدٍ وَنَحْو ذَلِك فَلَو قدمتَ هَذِه الاشياءَ على إخوتِك لم يجزْ فَإِن قلتَ من الضاربين أَجْمَعُونَ إخْوَتك فَجعلت أَجْمَعِينَ تَأْكِيدًا للضميرِ فِي الضاربين جازَ لِأَنَّهُ لَا فصلَ فِيهِ إذْ كَانَ تَابعا لمعمول الْمَوْصُول

(2/128)


بَاب الِاسْتِفْهَام

الاستفهامُ طلبُ الإفهام والإفهام تحصيلُ الفَهْم والاستفهام والاستعلام والاستخبار بِمَعْنى واحدٍ وَقد يكونُ الاستفهامُ لفظا وَهُوَ فِي الْمَعْنى توبيخٌ أَو تقريرٌ فالتوبيخُ كَقَوْلِه تَعَالَى {كَيْفَ تَكْفُرونَ باللهِ} والتقريرُ كَقَوْلِه {وَمَا تِلْكَ بيمينكَ يَا مُوسَى} فقرَّره ليقول {هيَ عَصَايَ} فَإِذا رَآهَا صارَتْ حَيَّةً لم يَخَفْ لِعِلمه أنَّ الله تَعَالَى جعلَ ذَلِك آيَة لَهُ
فصل

وحروفُ الِاسْتِفْهَام ثلاثةٌ الهمزةُ وَأم وَقد ذُكِرا فِي الْعَطف وَهل

(2/129)


إلاَّ أنَّ هَل قد تكونُ بِمَعْنى قَدْ وَمِنْه قَوْله تَعَالَى {هَلْ أَتَى على الإنْسَانِ حِينٌ من الدَّهْرِ} فِي أحدِ الْقَوْلَيْنِ
فصل

وَقد شُبِّهتْ بِهَذِهِ الحروفِ أسماءٌ وظروف فالأسماءُ مَنْ ويُسْتَفْهَمُ بهَا عمّن يَعْقِل وتستعملُ فِي غيرِه مجَازًا وَمَا لِما لَا يعقل وَقد جاءتْ لمن يعقل وأيْ تصلح لَهما وأينَ فِي الْمَكَان ومَتَى فِي الزَّمَان وكَمْ فِي الْعدَد وكيفَ فِي الْحَال وأنَّى تكون بِمَعْنى مَتى وكيفَ ومِنْ أينَ فَمن الأوَّل قَوْله تَعَالَى {أنَّى يُحْيي هَذِه اللهُ بَعْدَ مَوْتِها}

(2/130)


وَمن الثَّانِي قولُه تَعَالَى {فَأْتُوا حَرْثَكُم أنَّى شِئْتُم} وَمن الثَّالِث قولُه (أنَّى لكِ هَذَا) وَمِنْه قَول الراجز
(مِنْ أينَ عِشْرونَ لَهَا مِنْ أنَّى)
فصل

والغرضُ من الاستفهامِ بِهَذِهِ الأسماءِ عمومُ السُّؤَال الْمُقْتَضِي للجواب بالمسؤول عَنهُ وَهَذَا لَا يحصلُ من الاستفهامِ بالحرف لأنَّ المُسْتَفْهَمَ عَنهُ يختصُّ ببعضِ الْجِنْس كَقَوْلِك أزيدُ فِي الدَّار فيمكنُ الْمُجيب أَن يَقُول لَا وَلَا يلْزمه شيءٌ آخر بِمُقْتَضى هَذَا السُّؤَال فَيحْتَاج أَن يحددَ سؤالاً آخر وربَّما تسلسل وفإذا قلتَ مَنْ فِي الدَّار ألزمت المسؤول الجوابَ بالمطلوب بأوَّل مرّة
فصل

وأسماءُ الِاسْتِفْهَام تامَّةٌ لأنَّ الْجُمْلَة تتمّ بهَا وبجزءٍ آخر بِخِلَاف الموصولة وَكَذَلِكَ هِيَ فِي الْجَزَاء تامّه

(2/131)


فصل

وإعرابُ الجوابِ مثلُ إِعْرَاب السّؤال كَقَوْلِك مَنْ عندَك فَهَذَا مُبْتَدأ وَخبر فَإِذا قلتَ زيدٌ عِنْدِي كَانَ زيدٌ مُبْتَدأ كَمَا كَانَت مَنْ لأنَّها سؤالٌ عَنهُ وَهُوَ جوابٌ لَهَا وَإِذا قلتَ مَنْ رأيتَ قلتَ زيدا أَي رأيتُ زيدا فتقدّرَ العاملُ المذكورَ فِي السُّؤَال فَإِذا قلتَ بِمن مررتَ قالَ بزيدٍ فيلزمُ إعادةُ الجارّ لأنَّه لَا يعْمل مضمراً لضعفِه لاحتياجه إِلَى مَا يتعلّقُ بِهِ فَلَو حذفتَه حذفتَ شَيْئَيْنِ
فصل

فإنْ كانَ الجارُ اسْما بقيَ الاستفهامُ فِي اللَّفْظ على حَاله كَقَوْلِك لأضربنّ غلامَ أيّهم فِي الدَّار وَقَالَ كثيرٌ من النَّحْوِيين هُوَ ضعيفٌ لِأَن الْجَار لَا يعلّق عَن الْعَمَل بِخِلَاف الناصب والرافع
فصل

وَلَا يَعْملُ فِي الاستفهامِ مَا قبلَه لأنَّ أداةَ الاستفهامِ لَهَا صدرُ الْكَلَام إذْ كَانَت تفيدُ فِي الْجُمْلَة معنى لم يكُنْ فَلَو أعملتَ فِيهَا مَا قبلَها لَصَارَتْ وسطا وَذَلِكَ ممتنعٌ كَمَا يمتنعُ قَوْلك لأضربنّ أزيداً فِي الدَّار

(2/132)


فإنْ قيلَ فقد جاءَ فِي الحَدِيث صنعتَ مَاذَا قيل هُوَ محمولٌ على أنَّه قدَّرَ حذفَ الْفِعْل وَتَركه ثمَّ ابْتَدَأَ وَقَالَ مَاذَا وَلم يذكر بعدَه فِعْلاً لدلَالَة الْمَذْكُور المقدَّر الحذفِ عَلَيْهِ وَقيل أَرَادَ مَاذَا صنعتَ فحذفَ مَاذَا ثمَّ جاءَ بِمَاذَا بعْدهَا دَلِيلا على الْمَحْذُوف
وَقيل التَّقْدِير أصنعتَ ثمَّ اسْتَأْنف استفهاماً آخر وَقد حذفت أَدَاة الِاسْتِفْهَام لدلَالَة الْكَلَام عَلَيْهَا كَقَوْل الشَّاعِر من // الْكَامِل //
(كَذَبتْكَ عَيْنُك أمْ رأيتَ بواسطٍ ... غَلَسَ الظَّلامِ من الرَّبابِ خَيالا)
أَي أكذبتك عينُك وعَلى هَذَا حُملت قِرَاءَة مَن قَرَأَ {اتَّخذْناهُم سِخْرِيّاً} بِكَسْر الْهمزَة

(2/133)


فصل

وجميعُ أَسمَاء الِاسْتِفْهَام مبنيَّةٌ لتضمُّنها معنى الْهمزَة إِلَّا (أيّا) فَإِنَّهَا معربةٌ قَالُوا لِأَنَّهَا حملت على نظيرها وَهُوَ بعضٌ ونقيضِها وَهُوَ كلّ لأنَّها لَا تنفكُّ عَن الإضافةِ كَمَا لَا ينفكَّان عَنْهَا والإضافةُ من أَحْكَام الْأَسْمَاء فَإِذا لَزِمت عارضتْ مَا فِيهِ من معنى الْحَرْف فَلم يُقوَ على بنائها

(2/134)


بابُ الْحِكَايَة

معنى الْحِكَايَة أَن يأتيَ الاسمُ أَو مَا قامَ مقامَه على الْوَصْف الَّذِي كَانَ قبلَ ذَلِك والحكايةُ تكون فِي المعارفِ والنكرات
فالمعارف المحكيَّةُ مختصَّةٌ بالأعلام والكُنى عِنْد أَكثر الْعَرَب نَحْو زيد وَأبي محمَّد وعلَّةُ ذَلِك من وَجْهَيْن
أَحدهمَا أنَّها أكثرُ دوراً فِي الْكَلَام إِذا كَانَت التعريفاتُ على الاختصارِ لَا تحصلُ إلاَّ بهَا وَمَا كثر استعمالُه يخصًّ بأحكامٍ لَا توجدُ فِيمَا قل لِأَنَّهُ لَا يلتبس
والثَّاني أَن الاعلامَ قد غيَّرت كثيرا نَحْو محْبب ومَكْوَزَة وموْهب وتَهْلل والحكايةُ تَغْيِير فَهُوَ من جنس مَا لحقها من التَّغْيِير
فصل

فَإِذا قالَ القائلُ جَاءَنِي زيدٌ قلتَ من زيدٌ رفعت فِي السُّؤَال الْبَتَّةَ وَفِي رفْعَة وَجْهَان
أَحدهمَا هُوَ خبرٌ من
وَالثَّانِي هُوَ فاعلُ فعلٍ محذوفٍ كأنَّك قلتَ أجاءَك زيدٌ من الَّذِي من صفته كَذَا ليكونَ محكياً لِأَن الأوَّل فاعلٌ فيكونُ فِي الْحِكَايَة فَاعِلا كَمَا فِي النصب وَإِذا قَالَ

(2/135)


رأيتُ زيدا قلتَ من زيدا ف (من) مُبْتَدأ و (زيدا) مفعول سدَّ مسدَّ الْخَبَر وَكَذَلِكَ فِي الجرَّ
فصل

وإنِّما حكى الإعرابَ أهلُ الْحجاز لِأَن السامِعَ لهَذَا السُّؤَال قد لَا يكون سمِع الكلامَ الأوَّل فَأَرَادَ المتكلِّمُ أَن ينبِّهه أنَّ يُنَبه على أَن هُنَاكَ كلَاما متقدِّما هَذَا جوابُه وإعرابُه فأمَّا بَنو تميمٍ فَلَا يحكمون بل يرفعون بل يرفعون بكلِّ حَال
فصل

فإنْ عطفتَ أَو وصفتَ لم يُحْكَ كَقَوْلِك وَمن زيدٌ أَو من زيدٌ الظريف وعلَّته أنَّ الْوَاو تعلق مَا بعْدهَا بِمَا قبلهَا فَلَا يُحتاج فِي ذَلِك إِلَى حِكَايَة الْإِعْرَاب وَالْوَصْف يخصِّص فينبّه على كَلَام قبله
فصل

وَلَا تُحكى النكرةُ لأنَّ النكرةَ إِذا أعيدتْ أُعِيدَت بِالْألف وَاللَّام لِئَلَّا يُتوهم أنَّها غيرُ الأوَّل وَمِنْه قولُه تَعَالَى {كَمَا أرسلْنا إِلَى فِرْعونَ رسُولا فعَصى فِرعونُ}

(2/136)


الرَّسُول وَمن هُنَا قَالَ ابْن عبَّاس لن يغلبَ عسر يسرين وَالْمعْنَى أَن قَوْله تَعَالَى {فَإِن مَعَ العُسْرِ يُسْراً إنَّ مَعَ الْعسر يسْرا} فاليُسْر نكرَة فِي الْمَوْضِعَيْنِ وَالثَّانِي غيرُ الأوَّل والعسْر بِالْألف وَاللَّام فيهمَا فهما واحدٌ
وَمن العربِ من يَحْكِي النكرَة وَمِنْه قولُ بَعضهم تكفيني تمرتان فَقَالَ لَهُ الآخرُ دَعْنا من تمرتان وَقَالَ آخرُ مَا أَنْت قرشيا فَقَالَ لست بفرشيا
فصل

وَإِذا أردتَ أَن تحكيَ النكرةَ حكيتَها ب (من) و (أَي) ف (من) تزيدُ عَلَيْهَا فِي الرّفْع واواً وَفِي النصب ألفا وَفِي الجرِّ يَاء وتثنَّى وتجمعُ جمعَ التَّصْحِيح مذكراً كَانَ أَو مؤنثاً وكلُّ ذَلِك فِي الوقفِ فَإِذا قَالَ جَاءَنِي رجلٌ قلت منو

(2/137)


ورأيتُ رجلا قلت مَنا ومررتُ برجلٍ مَنِي وَجَاءَنِي رجلَانِ فَتَقول مَنَان وَفِي الجرِّ وَالنَّص منين وَجَاءَنِي رجالٌ فَتَقول منون وَفِي الجرِّ وَالنّصب مَنين وتزيدُ الهاءَ للمؤنث فَتَقول مِنْهُ ومنتان ومنْتين بِسُكُون النونين ومنات
فصل

و (مَنْ) فِي جَمِيع ذَلِك مبنيّة وحروفُ المدِّ علاماتٌ على الْإِعْرَاب وَلَيْسَت إعرابا وَلَا حروفَ إِعْرَاب والدَّليلُ على ذَلِك من ثَلَاثَة أوجهٍ
أَحدهَا أَن (مَنْ) تضمَّنت معنى الحرفِ وَذَلِكَ مستمرٌّ فِيهَا فيستمرّ الْبناء
وَالثَّانِي أَن هَذِه العلاماتِ لَا تثبتُ إلاَّ فِي الوقفِ وَالْإِعْرَاب يزولُ فِي الْوَقْف وَأما قَول الشَّاعِر من الوافر
أتوْا نَارِي فَقلت منون أَنْتُم
فَمن إجراءٍ الوصْلِ مجْرى الْوَقْف اضطراراً
وَالثَّالِث أنَّ هَذِه الحروفَ لَو كانتْ إعراباً لَكَانَ الكلامُ تَاما لَيْسَ كَذَلِك فَإِن

(2/138)


قيل فقد قالَ بعض الْعَرَب ضَربَ منٌ منا قيل هَذَا شاذٌّ لَا يعّول عَلَيْهِ
فصل

إِذا حكيتَ ب (أيّ) أعربْتَها فَتَقول إِذا قَالَ جَاءَنِي رجلٌ ايُّ وَكَذَلِكَ فِي النصب والجرِّ وتُثنّى وَتجمع فَتَقول أيّان وأيِّيْن وأيُّون وأيِّيْن وأيّهَ وأيَّتان وأيّتين وأيّات
فصل

فَإِذا وصلت (مَنْ) و (أيّا) بشيءٍ بعْدهَا بطلتِ الحكايةُ وَكَانَ الكلامُ مستأنفاً
فصل

وأمَّا الجملُ فتحْكَى بلفظها سمّيتَ بهَا أَو لم تُسمِّ فمما سمِّي بِهِ تأبَّطَ شرا وذرّى حبّا وَمَا لم يُسمَّ بِهِ كقولِكَ جاءَني زيدٌ وَنَحْوه وممّا يُحكى مَا يُرى مَكْتُوبًا على خاتمٍ وَنَحْوه فإنَّه يُنطقُ بِهِ بصورتِه فممَّا جَاءَ من ذَلِك من المتقارب

(2/139)


(وأصفر من ضرب دَار الْمُلُوك ... يلوح على وَجهه جعفرا)
قيل كَانَ على الدِّينَار مَكْتُوب (جعفرا) اي اقصدوا جعفرا
وَقيل جعفرا مَنْصُوب بِفعل مَحْذُوف دلّ عَلَيْهِ يلوح وَالتَّقْدِير يلوح المكتوبُ فيبيِّنُ جعفراً وَقيل هُوَ منصوبٌ بِالْمَصْدَرِ أَي من أَن ضرب صَاحب دَار الْمُلُوك جعفرا وَهَذَا بعيد لِأَن يلوح يفصل بَين الْمصدر ومعموله

(2/140)


بَاب الْخطاب

حرفُ الْخطاب الكافُ فِي ذَاك وَقد دَلَلْنا على أنَّها حرفٌ فِي بَاب الْمعرفَة فإنْ قيلَ فَكيف تثنَّى وتُجْمَع وَهِي حرفٌ قيل فِيهِ جوابان
أحدُهما أنَّ ذَلِك لَيْسَ بتثنيةٍ وَلَا جمعٍ بل صيغةٌ وضعتْ لَهما كَمَا ذكرنَا فِي أَنْتُمَا وَأَنْتُم
وَالثَّانِي أنَّ الكافَ فِي الأصلِ اسمٌ مضمرٌ ثُمَّ خُلِعَتْ دلالةُ الاسميةِ عَنْهَا وبقيتْ لمجرَّدِ الخِطاب فبقيَ عَلَيْهَا اللفظُ الَّذِي كانَ لَهَا وَهِي اسمٌ وَهَذَا يرجعُ إِلَى معنى الأوّل لأنَّ الِاسْم المضْمَر لَا يُثنّى وَلَا يُجمع على التَّحْقِيق
فصل

ومقصودُ هَذَا الْبَاب أنَّك إِذا سألتَ عَن شيءٍ جعلتَ أوَّلَ كلامِك للمسؤولِ عَنهُ اهتماماً بِهِ وجعلتَ آخرَه للمسؤول المخاطِب فتفرد وتثنّى وَتجمع وتؤنَّث على حسب ذَلِك كَقَوْلِك كيفَ ذَلِك الرجلُ يَا رجلُ ف ذَا للْغَائِب المسؤول عَنهُ وَالْكَاف للمسؤولِ الْمُخَاطب فتفتحُه فِي الْمُذكر وتكسرُه فِي الْمُؤَنَّث وجميعُ مَا يُتَصوَّرُ من الْمسَائِل

(2/141)


ستٌّ وَثَلَاثُونَ مَسْأَلَة وَهَذَا المقدارُ أدَّت إليهِ القِسْمةُ الضروريّة لأنَّك إِذا سألتَ عَن رجلٍ كانَ فِي الْمُخَاطب سِتُّ مسائلَ وَهِي أنْ يكون المخاطبُ رجلا وَرجلَيْنِ ورجالاً وَامْرَأَة وَامْرَأَتَيْنِ وَنسَاء فَتَقول كَيفَ ذاكَ وذاكُما وذاكُمْ وذاكِ وذاكُما وذاكُنَّ وإنْ كانَ المسؤولُ عَنهُ رجلَيْنِ فَكَذَلِك تقولُ كيفَ ذانِكَ الرجلانِ يَا رجلُ وَكَيف ذانِكما وذانكم وذانكِ وذانكما وذانكنّ وإنْ كَانُوا رجَالًا قلت أُولَئِكَ وأولئكما وأولئكم وَأُولَئِكَ وأولئكما وأولئكن وَإِن كَانَ المسؤولُ عَنهُ امْرَأَة قلتَ كيفَ تِلك وتلكما وتلْكم وتلكِ بِكَسْر الْكَاف وتِلكُما وتِلْكُنّ وَكَذَلِكَ كيفَ تانِكَ وتانِكما وتانِكم وتانكِ وتانِكما وتانكنّ وَإِن كَانُوا نسَاء كَانَت الْإِشَارَة بأولاء كالرجال فَتَقول أولئكَ وأولائِكما وأولئكم وأولئكِ وأولئكما وأولئكنّ والرجلُ وصفٌ لذا أَو بَيَان

(2/142)


بابُ النَّسَب

ويُسمَّى إِضَافَة وَمَعْنَاهَا أَن يضيف شَيْئا إِلَى بلدٍ أَو قبيلةٍ أَو صناعَة إِضَافَة معنويّةً كَقَوْلِك مكيّ وتميميّ وإنَّما سمِّي نَسَباً لأنَّك عرَّفته بذلك كَمَا تعرَّفُ الإنسانَ بآبائه
فصل

وإنَّما زيد على الِاسْم فِي النَّسَب حرفان لنقْلِه إِلَى الْمَعْنى الْحَادِث كتاءِ التَّأْنِيث وعلامةِ التثنيةِ وَالْجمع وإنَّما زيدت الْيَاء دون غيرِها من حُرُوف المدّ لأوجه
أَحدهَا أنَّ الْوَاو والألفَ لَو زيد أحدُهما لم يبقلفظُه من أجل الْإِعْرَاب وَالْيَاء يبْقى لفظُها مَعَه
وَالثَّانِي أنَّ علامةَ النَّسب تشبه علامةَ التأنيثِ لِمَا نبيِّنه من بعدُ والياءُ أشبهُ بتاء التَّأْنِيث

(2/143)


والثالثُ أنَّ الياءَ أخفُّ من الْوَاو والألفُ لَو زيدت لصار كالمقصور
فصل

وإنَّما كَانَت مُشَدّدَة لأمرين
أَحدهمَا أنَّها إِذا شُدِّدت احتملتِ الإعرابَ وَإِذا كَانَت وَاحِدَة لم تحتملْه إِذا تحرَّك مَا قبلَها
والثَّاني أنَّ النسبَ إضافةُ شيءٍ إِلَى شَيْء فِي الْمَعْنى فاشبه التَّثْنِيَة والجمعَ وكما زيد عَلَيْهِمَا حرفانِ كذلكَ زيدَ هَا هُنا
فصل

وإنَّما كُسِرَ مَا قبلَ الْيَاء لأمرين
أَحدهمَا أنَّ الكسرةَ من جنْسِ الْيَاء فَهِيَ مَعهَا أخفُّ من غَيرهَا

(2/144)


وَالثَّانِي أَنه لَو ضُمَّ لوجبَ تحويلُها إِلَى الكسرِ لأنَّ الياءَ الساكنةَ لَا تثبتُ بعد الضمّة وَلَو فُتح لالتبسَ بالمثنى والمضاف فَلم يبقَ سوى الْكسر
فصل

ويشْبه النَّسَبُ التثنيةَ من ثلاثةِ أوجه
أَحدهَا أنَّ فِي آخر كُلِّ واحدٍ مِنْهُمَا زائدين
وَالثَّانِي أنَّ كلَّ واحدٍ مِنْهُمَا منقولٌ فالتثنية نقلتِ المعرفةَ إِلَى النكرَة والنسبُ نقلْ من الجمود إِلَى الْوَصْف
وَالثَّالِث أنّ حرف الْإِعْرَاب فِي كل واحدٍ مِنْهُمَا هُوَ الزَّائِد دون مَا كَانَ قبل ذَلِك حرف إِعْرَاب
فصل

وتشبه ياءُ النَّسبِ تاءَ التَّأْنِيث من ثَلَاثَة أوجهٍ
أَحدهَا أنَّه ينقلُ الجنسَ إِلَى الْوَاحِد مثل زَنْج وزَنْجيّ ورُوم ورُوميّ كَمَا تَقول تَمْرٌ وتَمْرةٌ ونَخْل ونخلة

(2/145)


والثَّاني أنَّها تنقل الاسمَ من الأصلِ إِلَى الْفَرْع فالأصلُ الِاسْم والفرعُ الصّفةُ كَمَا تنقل التاءَ من التَّذْكِير إِلَى التَّأْنِيث
والثالثُ أَنَّهَا تصير حرفَ الْإِعْرَاب كَمَا أنَّ التَّاء كَذَلِك
فصل

وَإِذا نسبتَ إِلَى اسمٍ أقررتَه على حَاله إلاَّ مَا أستثنيه والمُسْتثنى من ذَلِك ضَرْبَان مقيسٌ ومسموعٌ لَا يُقَاس عَلَيْهِ
فَمن الْمَقِيسِ الثلاثيُّ المكسورُ الْعين مثل نَمِر وَشَقِرة فإنَّ عينَه تُفتحُ فِي النَّسب فِراراً من تَوالي الكسرتين والياءين
فصل

فَإِن كانَ المكسورُ الْعين أربعةَ أحْرُفٍ مثل المغْرِب وتغْلِب فأكثرهم يقرّ الكسرةَ فِي النَّسب لوَجْهَيْنِ

(2/146)


أَحدهمَا أنَّه لما سكّن مَا قبل الْعين صارَ المتحرك بِمَنْزِلَة أوَّل كلمةٍ وَالَّذِي قبله كآخر كلمة موقوفٍ عَلَيْهَا فيقرّ الكسرة كالنسبِ إِلَى عِدة عِدِيّ
وَالثَّانِي أنَّ كَثْرَة الْحُرُوف والفصل بالسَّاكن غلبا على الكسرة وَصَارَت كالمنسيّ مَعَهُمَا وَمن العربِ مَنْ يفتحُها قِياساً على الثّلاثيّ
فصل

إِذا نسيتَ إِلَى مقصورٍ ثلاثيّ قلبتَ ألفَه واواً لأنَّ يَاء النّسَب لَا يسكّن مَا قبلهَا والألفُ لَا تكونُ إلاَّ ساكِنةً وقُلبت واواً لَا غير سَوَاء كَانَ أصلُها الواوَ أَو غَيرهَا لأنَّها مَعَ ياءِ النَّسب أخفُّ من الْيَاء وَلم تُحذفِ الالفُ لالتقاء الساكنين لِأَن الِاسْم الثلاثيّ أقلَ الْأُصُول فالحذفُ مِنْهُ إجحافٌ بِهِ ومؤدٍّ إِلَى اللّبْس
فصل

فإنْ كانَ المقصورُ أربعةَ أحرفٍ فَفِيهِ القلبُ لأنَّ الاسمَ لم يبلغْ غايةَ الْأُصُول فخرجَ على الأَصْل وَجَاز الحذفُ لأنَّه يبْقى على زنة أقل الْأُصُول وَيصير بِالزِّيَادَةِ

(2/147)


على زِنة أكثرِها وَمِنْهُم مَنْ يزيدُ الواوَ فَيَقُول دُنياويّ وَهُوَ شاذّ ضَعِيف فِي الْقيَاس وَهُوَ يشبه مدّ الْمَقْصُور
فصل

فَإِن كانَ خَمْسَة أحرفٍ حذفت لَا غير نَحْو قَوْلك فِي مرتجى مُرْتجيٌّ لِأَن الِاسْم بلغ أَكثر الْأُصُول وبالزيادة يصير سَبْعَة أحرف

(2/148)


فصل

فإنْ نسبتَ إِلَى منقوصٍ ثلاثيّ نَحْو عَمٍ وشَجٍ أبدلتَ من الكسرة فَتْحة كَمَا فعلتَ فِي نِمر فتقلبُ الياءَ ألفا فَيصير كالمقصور
فصل

فَإِن كانَ أربعةَ أحرفٍ نَحْو قاضٍ جازَ إبدالُ الكسرة فَتْحة فتقلب الْيَاء الْفَا ثمَّ واواً لأنَّه أوسطُ الْأُصُول وجازَ حذفُ الْيَاء وَتبقى الكسرةُ كَمَا ذكرنَا فِي المقصورِ الرُّباعيّ فإنْ كَانَ خمسةَ أحرفٍ فالحذف للطّول لَا غير
فصل

فإنْ كَانَ قبلَ الطَّرف ياءٌ مشدَّدة نَحْو أُسِيّد وحُميّر حذفت الثانيةَ المتحركةَ لئلاّ تتوالى الكسرتانِ والياءان وَالَّتِي تبقى الساكنة فإنْ كانَ بعدَ المشدَّدةِ ياءٌ

(2/149)


سَاكِنة لم تحذِفْ شَيْئا كَقَوْلِك فِي تَصْغِير مُهوَّم مهيَّم مهيّميّ لأنَّ الطَّرَف لَا كسرةَ تليه
فصل

فإنْ كانَ فِي آخر الِاسْم ياءٌ مشدَّدةٌ قبلهَا حرفٌ واحدٌ نَحْو حيّ فككتَ الإدغامَ وقلبتَ الياءَ الثانيةَ ألف ثمَّ واواً فَتَقول حَيَوِيّ وإنَّما فعلت ذَلِك لئلاّ يتوالى أربعُ ياءات وَتقول فِي لَيَّ وطيّ لوويّ وطوويّ فأظهرتَ الْوَاو الَّتِي هِيَ عينٌ لزوالِ الموجبِ لِتَغَييرِها وقُلبتِ الياءُ على مَا ذكرنَا
فصل

فإنْ كانَ قبلَ الياءِ المشدَّدةِ حرفان مثل عَدِيّ وقُصَيّ فَمن الْعَرَب مَنْ يقره

(2/150)


على حالِه ويجمعُ بَين أَربع ياءات وَهُوَ مستثقلٌ وَالْأَكْثَر الأقيسُ أنْ تحذِفَ الياءَ الساكنةَ وَهِي يَاء فعيل وتُبدل من الكسرة فَتْحة فتقلب الْيَاء المتحركة ألفا ثمَّ واواً فَتَصِير إِلَى عَدَويّ فِراراً من الثّقل
فصل

فإنْ سُكِّن مَا قبلَ الْيَاء نَحْو ظَبْيٌ أقررتَ الياءَ فقلتَ ظَبِيِيٌّ لَا خلاف فِي هَذَا فإنْ نسبتَ إِلَى ظَبْيَة فَكَذَلِك إِلَّا عِنْد يُونُس فَإِنَّهُ يَقُول ظَبَوِيّ وَوَجهه على ضعفه أنَّه قدَّره فَعِلة بِالْكَسْرِ فأبدل من الكسرةِ فَتْحة فَانْقَلَبت الياءُ ألفا ثمَّ واواً احتيالاً على الأخفّ وخصَّ ذَلِك بالمؤنث لأنَّه موضعُ التَّغْيِير وقالَ فِي عُرْوَة عُرَوِيّ بِفَتْح الرَّاء وَهُوَ بعيدٌ لأنَّه لَا يَسْتَفِيد بذلك خفَّةً فإنَّه إِذا كسر الرَّاءَ ثمَّ فَتَحها فالواو باقيةٌ بِحَالِهَا فالسكون أخفّ
فصل

فإنْ نسبتَ إِلَى ممدودٍ لم تحذِفْ مِنْهُ شَيْئا لأنَّ الهمزةَ حرفٌ صحيحٌ ولذلكَ تثبتُ فِي الْجَزْم وَتدْخلهَا الحركاتُ الثلاثُ مَعَ تحرّك مَا قبلهَا وهمزةُ الْمَمْدُود على أربعةِ أضْرب

(2/151)


أحدُها أصلٌ نَحْو قُرّاء فَهَذِهِ تُقرُّ فِي النَّسب وَقد أُبدِلت واواً شاذّاً شُبِّهت فِي ذلكَ بالزائدة
والثَّاني أَن تكونَ بَدَلاً من أصلٍ نَحْو كِساء ورِداء فالوجْهُ إقرارُها لأنَّ بدلَ الأَصْل أصلٌ وَمِنْهُم مِنْ يقلبها واواً لِضعْفِهَا بالإبدال فقد أشبهت الزَّائِدَة
وَالثَّالِث أَن تكونَ بَدَلا من مُلحق نَحْو عِلْباء وحِرْباء فَفِيهَا الإقرارُ لِأَن الملحق كالأصليّ فِي جَرَيَان أَحْكَامه عَلَيْهِ وَفِيه الْإِبْدَال لأنَّه بَدَلٌ من زائدٍ فَضَعُف
والرابعُ أَن تكون زَائِدَة للتأنيث نَحْو حَمْراء وصَحْراء فالوجهُ القلبُ لِأَنَّهَا كالمقصورةِ فِي دلالتها على التَّأْنِيث وَذَلِكَ نَحْو حمراويّ وصحراويّ
فصل

فَإِن نسبتَ إِلَى اسمٍ على حرفين قد حُذفتْ فاؤه نَحْو عِدة لم يُردَّ المحذوفُ لأنَّه

(2/152)


بعيدٌ من مَوضِع الْيَاء وَإِن كَانَ المحذوفُ لامه نَحْو شفة رددت الْمَحْذُوف فَقلت شفهيّ وَتقول فِي شاةٍ شاهيّ وَتقول فِي شِية على قَول سِيبَوَيْهٍ وشويّ فتردّ الواوَ وتقلبُ الياءَ ألفا ثمّ واواً لأنَّ مَا قبلَها لَزِمته الحركةُ بعدَ الْحَذف وردُّ الْمَحْذُوف عارضٍ فَلَا تُعيده إِلَى السكونِ الَّذِي هُوَ الأَصْل وَكَذَلِكَ مذهَبُه فِي يدٍ يَدَوِيّ وقالَ أَبُو الْحسن يُردّ الْمَحْذُوف والسكون فَتَقول وشْييّ ويَدْييّ لأنَّ الحركةَ عرضتْ بعد الْحَذف فردُّ الْمَحْذُوف يردُّ الأصلَ
فصل

إِذا نسيتَ إِلَى فَعيلة كَحنِيفة أَو فُعيلة كَجُهينة حذفتَ الياءَ والتاءَ وأبدلتَ من الكسرة فَتْحة فِراراً من توالي الكسراتِ والياءات ولَمَّا حُذفت الياءُ بَقِي مثل شَقِرة فأبدلتها فَتْحة واختصَّ ذَلِك بالمؤنَّث لأنَّ ياءه يلزمُ حذفُها فِي النّسَب 154 والتغييرُ يؤنسُ بالتغيير أوْ لأنَّ المؤنَّث يُخفّفُ لئلاّ يجتمعَ ثِقَلُ اللَّفْظ وَالْمعْنَى فإنْ كَانَت العينُ واواً نَحْو حَويزة لم يُحذَف لِئَلَّا تنْقَلب الْوَاو ألفا لتحركها وانفتاح مَا قبلهَا وإنْ كانَ مضاعفاً نَحْو مُديدة لم يُحذف كَيْلا يلزمَ الْإِدْغَام وَقد خرجَ مِنْهُ شيءٌ على الأَصْل فَقَالُوا فِي السَّلفية سَلِيقيّ فأمَّا فَعُولة نَحْو شَنُوءة فمذهب سِيبَوَيْهٍ الحذفُ والفتحُ فَتَقول شَنَئيّ فِراراً من ثِقَل الضمِّ وَالْوَاو وَالْكَسْر وَالْيَاء وَقَالَ المبرِّج لَا يُغيَّر لأنَّ الْوَاو لَا تَثْقُل فِي النّسَب
فصل

وأمَّا مَا لَا تاءَ فِيهِ نَحْو وقُريش فالجيِّد أنْ لَا يُغيّر لِمَا ذكرنَا من أَن التنقل مَعَ التَّأْنِيث أَكثر وَأَن التَّغْيِير يؤنس بالتغيير وَقد جَاءَ شَيْء مِنْهُ محذوفاً قَالُوا ثقفيّ وسُلّميّ تَشْبِيها لَهُ بفَعِيلة
فصل

فإنْ نسبتَ إِلَى جمع مثل رجال وفرائض رَددته إِلَى الْوَاحِد لوَجْهَيْنِ 155
أَحدهمَا أنَّ النسبَ يُنقل إِلَى الْوَصْف والوصفُ هُنَا يصير وَاحِدًا لأنَّ الموصوفَ واحدٌ فَيَنْبَغِي أَن يكونَ اللفظُ مُفردا ليطابقَ الْمَعْنى
والثَّاني أنَّ الْجمع والنسبَ مَعْنيانِ زائدان فَلم يُجمعْ بَينهمَا فِراراً من الثِّقل وَلَا لَبْس لأنَّ الواحدَ المنسوبَ إِلَيْهِ يشتملُ على الْجمع وليسَ المرادُ فِي النسيِ الدَّلالةَ على الْجمع بل النّسَب إِلَى الْجِنْس فَيصير فِي ذَلِك كالتمييز فإنَّ الْوَاحِد فِيهِ يُغْنى عَن الْجمع فأمَّا مدائنيّ وأنباريّ فجازَ لَمَّا سُمِّي الواحدُ بِالْجمعِ
فصل

وَمَا شَذَّ فِي النَّسب يُحفَظُ وَلَا يُقاسُ عَلَيْهِ فَمن ذَلِك قولُهم طَائيّ وأصلُه طَيْئِيّ لأنَّ المنسوبَ إِلَيْهِ طيّء فحذفت الْيَاء الثَّانِيَة وأُبدِلت الساكنةُ ألفا وكأنَّهم هربوا من الأصلِ لما فِيهِ من الثِّقل بكثرةِ الياءات وأنَّ فِي الْهمزَة ثقلاً

(2/153)


والتغييرُ يؤنسُ بالتغيير أوْ لأنَّ المؤنَّث يُخفّفُ لئلاّ يجتمعَ ثِقَلُ اللَّفْظ وَالْمعْنَى فإنْ كَانَت العينُ واواً نَحْو حَويزة لم يُحذَف لِئَلَّا تنْقَلب الْوَاو ألفا لتحركها وانفتاح مَا قبلهَا وإنْ كانَ مضاعفاً نَحْو مُديدة لم يُحذف كَيْلا يلزمَ الْإِدْغَام وَقد خرجَ مِنْهُ شيءٌ على الأَصْل فَقَالُوا فِي السَّليقة سَلِيقيّ فأمَّا فَعُولة نَحْو شَنُوءة فمذهب سِيبَوَيْهٍ الحذفُ والفتحُ فَتَقول شَنَئيّ فِراراً من ثِقَل الضمِّ وَالْوَاو وَالْكَسْر وَالْيَاء وَقَالَ المبرِّد لَا يُغيَّر لأنَّ الْوَاو لَا تَثْقُل فِي النّسَب
فصل

وأمَّا مَا لَا تاءَ فِيهِ نَحْو ثَقِيف وقُريش فالجيِّد أنْ لَا يُغيّر لِمَا ذكرنَا من أَن النَّقْل مَعَ التَّأْنِيث أَكثر وَأَن التَّغْيِير يؤنس بالتغيير وَقد جَاءَ شَيْء مِنْهُ محذوفاً قَالُوا ثقفيّ وسُلّميّ تَشْبِيها لَهُ بفَعِيلة
فصل

فَإِن نسبت إِلَى جمع مثل رجال وفرائضَ رَددته إِلَى الْوَاحِد لوَجْهَيْنِ 155
أَحدهمَا أنَّ النسبَ يُنقل إِلَى الْوَصْف والوصفُ هُنَا يصير وَاحِدًا لأنَّ الموصوفَ واحدٌ فَيَنْبَغِي أَن يكونَ اللفظُ مُفردا ليطابقَ الْمَعْنى
والثَّاني أنَّ الْجمع والنسبَ مَعْنيانِ زائدان فَلم يُجمعْ بَينهمَا فِراراً من الثِّقل وَلَا لَبْس لأنَّ الواحدَ المنسوبَ إِلَيْهِ يشتملُ على الْجمع وليسَ المرادُ فِي النسيِ الدَّلالةَ على الْجمع بل النّسَب إِلَى الْجِنْس فَيصير فِي ذَلِك كالتمييز فإنَّ الْوَاحِد فِيهِ يُغْنى عَن الْجمع فأمَّا مدائنيّ وأنباريّ فجازَ لَمَّا سُمِّي الواحدُ بِالْجمعِ
فصل

وَمَا شَذَّ فِي النَّسب يُحفَظُ وَلَا يُقاسُ عَلَيْهِ فَمن ذَلِك قولُهم طَائيّ وأصلُه طَيْئِيّ لأنَّ المنسوبَ إِلَيْهِ طيّء فحذفت الْيَاء الثَّانِيَة وأُبدِلت الساكنةُ ألفا وكأنَّهم هربوا من الأصلِ لما فِيهِ من الثِّقل بكثرةِ الياءات وأنَّ فِي الْهمزَة ثقلا

(2/154)


أَحدهمَا أنَّ النسبَ يُنقل إِلَى الْوَصْف والوصفُ هُنَا يصير وَاحِدًا لأنَّ الموصوفَ واحدٌ فَيَنْبَغِي أَن يكونَ اللفظُ مُفردا ليطابقَ الْمَعْنى
والثَّاني أنَّ الْجمع والنسبَ مَعْنيانِ زائدان فَلم يُجمعْ بَينهمَا فِراراً من الثِّقل وَلَا لَبْس لأنَّ الواحدَ المنسوبَ إِلَيْهِ يشتملُ على الْجمع وليسَ المرادُ فِي النسبِ الدَّلالةَ على الْجمع بل النّسَب إِلَى الْجِنْس فَيصير فِي ذَلِك كالتمييز فإنَّ الْوَاحِد فِيهِ يُغْنى عَن الْجمع فأمَّا مدائنيّ وأنباريّ فجازَ لَمَّا سُمِّي الواحدُ بِالْجمعِ
فصل

وَمَا شَذَّ فِي النَّسب يُحفَظُ وَلَا يُقاسُ عَلَيْهِ فَمن ذَلِك قولُهم طَائيّ وأصلُه طَيْئِيّ لأنَّ المنسوبَ إِلَيْهِ طيّء فحذفت الْيَاء الثَّانِيَة وأُبدِلت الساكنةُ ألفا وكأنَّهم هربوا من الأصلِ لما فِيهِ من الثِّقل بكثرةِ الياءات وأنَّ فِي الْهمزَة ثقلاً

(2/155)


وَمن ذَلِك قولُهم فِي النِّسْبَة إِلَى الدَّهر دُهْرِيّ بضمّ الدّال وَفِي السهل سُهليّ بضمّ السِّين وَمِنْه إمْسِيّ بِكَسْر الْهمزَة وَالْأَصْل فَتْحُها وَلَكِن أتْبعوا وَمِنْه حِرْميّ بِكَسْر الْحَاء وَسُكُون الرَّاء والأصلُ فتحُهما لأنَّه منسوبٌ إِلَى حَرَمِ مكَّة وَمِنْه مَرْوَزيّ فزادوا الزَّاي والأصلُ مَرْوِيّ مَنْسُوب إِلَى مَرْو
فصل

فَإِذا نسبتَ إِلَى مُسمّىً بجملةٍ مثل تأبَّط شرّاً نسبتَ إِلَى صدرِها فَقلت تأبطيّ فتنقلُ الْفِعْل إِلَى الصّفة وَذَلِكَ يَكْفِي فِي تَعْرِيف الْمَنْسُوب فإنْ نسبتَ إِلَى مضافٍ ومضافٍ إِلَيْهِ مثل ابْن الزُّبير وَعبد الْقَيْس نسبت إِلَى مَا حصلَ بِهِ الشُّهْرَة فَتَقول زُبيريّ وقَيسيّ وَقَالُوا فِي عبدِ الدَّار عبْديّ وعبدريّ وَفِي

(2/156)


عبد الشَّمْس عَبْشميّ وَقَالُوا أَيْضا فِي عبد الْقَيْس عبقسيّ فنحتوه من أصلين وَذَلِكَ يُسْمَعُ وَلَا يُقاس عَلَيْهِ

(2/157)


بَاب التصغير

التَّصغير التحقيرُ ويقعُ فِي الْكَلَام على ثلاثةِ أضْرُبٍ
1 - تحقيرُ مَا يُتوهَّم عَظيماً كَقَوْلِك رُجَيل
2 - وتقليلُ مَا يُتوهَّم كثيرا ك دريهمات
3 - وتقريبُ مَا يُتوهَّم بَعيدا كقولكَ قُبيل الْعَصْر وبُعيدَ الْفجْر
وَقَالَ الْكُوفِيُّونَ فِي كلامِهم تحقيرُ التَّعْظِيم كَقَوْل الشَّاعِر من // الطَّوِيل //
(وكلُّ أُناسٍ سَوْفَ تدخلُ بَينهم ... دُوَيْهيَةٌ تصفرُّ مِنها الأنامِلُ)
وَهُوَ عندنَا على التحقير أيْ أنَّ أَصْغَر الدَّواهي تُفْسِد الأحوالَ العِظام وَكَذَلِكَ قَول الآخر من // الطَّوِيل //

(2/158)


فُويقَ جُبيلٍ سامقِ الرَّأْس لم تكنْ ... لِتَبْلُغَه حتَّى تَكِلَّ وتَعْمَلا)
أَي إنَّه جبلٌ صَغِير العَرْض دقيقٌ طويلٌ فِي السَّمَاء شاقّ المصعدِ لطوله
وأمَّا قَوْلهم فلانٌ أُخيّ وصُديقيّ فَهُوَ من لطف الْمنزلَة وصِغر الْأَمر الَّذِي أحكم الوصلةَ بَينهمَا
فصل

والتَّصغير كالوصفِ لأنَّ قَوْلك رُجيل فِي معنى رجلٌ حقير وَلذَلِك إِذا صغّرت الْمصدر واسمَ الْفَاعِل لم يعْمل كَمَا لَا يعْمل مَعَ ظُهُور الْوَصْف

(2/159)


فصل

وعلامةُ التَّصغير ياءٌ تقعُ ثَالِثَة وتضمّ أوَّلَ الِاسْم وتَفْتَح ثانيهِ وتكسِرُ مَا قبلَ آخرِه فِيمَا زَاد على الثَّلاثة وإنَّما حرّك بِهَذِهِ الحركات لوَجْهَيْنِ
أَحدهمَا أنَّه قصد بذلك صيغةٌ تَخْلُص للتّصَغير من غيرِ مشاركةٍ وَلم يُوجد سوى هَذِه الصِّيغَة
وَالثَّانِي أنَّ المصغَّر لَمَّا جمع الْوَصْف والموصوف فِي الْمَعْنى بلفظٍ واحدٍ جُمعت لَهُ الحركات وأمَّا زيادةُ الْيَاء دون غَيرهَا فلأنَّها أخفُّ من الْوَاو هُنَا لأنَّ الواوَ لَو كَانَت هُنَا لم يخلصِ المثالُ للتصغير لأنَّه كَانَ يصيرُ فُعولا وَنَحْوه وأمّا الْألف فَلَا يخلص بهَا المثالُ للتَّصغير بل كَانَ يصيرُ فُعالاً وَنَحْوه ولأنَّ الْألف خصَّ بهَا التكسير

(2/160)


فصل

وَإِذا كانَ المصغّرُ ثُلاثياً مؤنَّثاً بالألفِ الْمَقْصُورَة أَو الممدودة أَو بِالتَّاءِ أقررته كَقَوْلِك فِي حُبلى حُبيلى وَفِي حَمْرَاء حُميراء وَفِي طَلْحَة طُليحة وإنَّما كَانَ كَذَلِك لأنَّ عَلامَة التَّأْنِيث دخلت لِمَعْنى فَلَا يَنْبَغِي أَن تُحذفَ لِئَلَّا يبطل مَعْنَاهَا وَلم يُكسر مَا قبلَها لأنَّ الألفَ تنقلبُ يَاء بعد الكسرة فيبطلُ لفظُ العلامةِ لأنَّ علامةَ التَّأْنِيث مفتوحٌ مَا قبلهَا أبدا فَهِيَ كاسمٍ ضمّ إِلَى اسْم] فَيبقى الصدرُ بِحَالهِ
فصل

فَإِن كَانَ الاسمُ على فعلان عَلماً أَو نكرَة مؤنَّثة فَعلى أقرَّ مَا بعد ياءِ التَّصغير كَقَوْلِك فِي عُثمان عُثيمان وَلَا يجوز عُثيمين وَفِي سَكرَان سُكَيران لَا سُكَيرين لأنَّ الألفَ وَالنُّون هُنَا ضارعتا ألفي التَّأْنِيث لما ذكرنَا فِيمَا لَا ينْصَرف

(2/161)


فأمَّا سِرْحان فَتَقول فِيهِ سُرَيْحِين فتقلبُ الألفَ يَاء لانكسار مَا قبلهَا لِأَنَّهَا لم تشبه ألف التَّأْنِيث لتفتح مَا قبلهَا فأمَّا عُريان فَتَقول فِيهِ عُريّان لِأَنَّك لَا تَقول فِي تكسيره عرايين بل عُرَاة
فصل

فإنْ كانَ المؤنَّثُ بالألفُ رُباعياً مثل قَرْقَرا حَذَفْتَ ألفَ التأْنيثِ فقلتَ قُرَيْقِر لئلاّ يصيرَ بناءُ التصغير ستةَ أحرفٍ وَيكون عَجزُ الكلمةِ مُساوياً لصدرِها وَمن شأنِ الصدرِ أَن يكونَ أكثَر من العَجُز وجازَ حذفُ علامةِ التَّأْنِيث للثِّقل وأنَّ التصغير عارضٌ بعد مَعْرِفة المكبّر فَلَا لَبْسَ إِذن
فصل

فإنْ كانَ المؤنِّثُ خَمْسَة مثل حُبَارَى كنتَ مخيَّراً إنْ شئتَ حذفتَ الألفَ الأولى فَقلت حُبَيْرى لِأَن فِي ذَلِك تَخْفيف الْكَلِمَة والمحافظة على علامةِ التَّأْنِيث وإنْ شئتَ حذفت ألف التأنيثِ لِتَطرّفِها كَمَا حذفت ألفَ قرقرا وَفِي ذَلِك

(2/162)


محافظةٌ على ألفِ المدّ وأجازَ بعضُهم حذفَ الفِ التَّأْنِيث وقَلْبَ ألف المدّ يَاء وزيادةَ تَاء التَّأْنِيث فَيَقُول حُبَيْرَة لأنّه ألحقَه بعد حذفِ الْألف بِعِمامة
فصل

فإنْ صغِّرتَ لُغَّيْزَى حذفتَ ألفَ التأنيثِ وفككتَ الْإِدْغَام فَقلت لُغَيْغِيزٌ فصارَ كسُفَيْرِج وإنْ صغَّرتَ قَبَعْثَرى قلتَ قُبيعِث فحذفتَ الألفَ والراءَ لأنَّ خَمْسَة مِنْهَا أصُول والألفُ زَائِدَة والخماسيّ يُحذفُ مِنْهُ آخِره وَهُوَ أصل فَأولى أَن يُحذفَ مِنْهُ الزائدُ
فصل

والخماسيُّ الَّذِي كلّه أُصول نَحْو سَفَرْجَل يُحذف مِنْهُ الحرفُ الخامسُ لأنَّ الخمسةَ أكثرُ الْأُصُول وياءُ التَّصْغير صَارَت كالأصليّ لأنَّها دلَّتْ مَعَ الصيغةِ على معنى

(2/163)


غيرِ التَّكْبِير فَلَو أقرَّ بِحَالهِ لصارتْ ستةَ أحرفٍ فِي حكم الأصولِ وليسَ لنا أصلٌ على هَذِه العدّة ولأنَّ ياءَ التصغير تقعُ ثالثةَ فيصيرُ مَا قَبلها صَدْراً وَمَا بعدَها عَجزُاً فَلَو لم يُحذف من الْأَخير لزادَ العَجُز على الصَّدْر وَهُوَ إِلَى أنْ يَنْقُصَ عَنهُ أقْرَبُ فإنْ قيل فكيفَ جَازَ أَن يكون على ستةِ أحرف فِي مثل صُنَيْدِيق ودُنَيْنير قيل لَمَّا كَانَت الْيَاء الأخيرةُ حرفَ مدٍّ سَاكِنا بعد كسرةٍ خَفَّ النطقُ بِهِ
فصل
فإنْ صغَّرتَ مَا هُوَ على حَرْفين رددتَه إِلَى أَصله نَحْو يدٍ ودَمٍ تَقول فيهمَا يُديّه ودُميّ لأنَّ ياءَ التصغير تكونُ ثَالِثَة سَاكِنة فَلَا بُدَّ من رَدِّ المحذوفِ لِئَلَّا تقع ثَانِيَة أَو أخيرةً وَذَلِكَ يُوجب قلْبَها أَو حذْفَها وتقولُ فِي عِدة وُعَيْدة فتردّ الْوَاو لأنّك لَو أوقعتَ الياءَ بعد الدَّال لحرَّكتها لوُقُوع تَاء التَّأْنِيث بعْدهَا
وَتقول فِي شَاة شُويْهة تقلب الألفَ واواً وَهُوَ أصلُها وتردُّ الهاءَ المحذوفة
وتقولُ فِي فَم فُوَيْهٌ لأنَّه فِي الأَصْل فُوْهٌ
وتقولُ فس شفة شُفَيهةٌ وعَلى هَذَا فَقِسْ

(2/164)


فصل

فإنْ كانَ الاسمُ على ثلاثةِ أحرف أوسَطُه ألِفٌ وعرفتَ أصلَها رَددتهَا إِلَيْهِ فَتَقول فِي بَاب بُوَيْب وَفِي حَال حُويلة وحُويلٌ فِيمَن ذكّره وَفِي مالٍ مُوَيل وَفِي نَاب نُيَيْب لِقَوْلِك نِبتَ فِيهِ وَفِي الْجمع أَنْيَاب وَفِي عَابَ عُييب لأنَّ العَابَ والعيبَ بِمَعْنى
فصل

فإنْ كَانَت الألفُ مَجْهُولَة حملتَها على الواوِ لأنَّه الأكثرُ فِي هَذَا الأَصْل فَتَقول فِي آءة وَهِي شَجَرة أُوَيأة وَفِي صَابٍ وَهُوَ شجر مرّ صُوَيب

(2/165)


فصل

فَإِن كَانَت الألفُ ثَالِثَة نَحْو حِمار قلبتَها يَاء لأنَّها صَارَت فِي موضعِ حرفٍ مكسور لوقوعِه بعد يَاء التصغير قبل الطَّرف وأدغمتَ فِيهَا ياءَ التَّصغير
فصل

فإنْ كَانَت الياءُ وسَطاً رَدَدْتَها إِلَى اصلِها تقولُ فِي رِيح رُوَيْحة كَمَا تَقول فِي الْجمع أرْوَاح
فأمَّا عِيد فتقولُ فِيهِ عُيَيْد كَمَا تقولُ فِي جَمْعه أعْيَاد وَأَصلهَا واوٌ ولكنَّها أُبْدِلت بَدلاً لازِماً لِيُفْرَقَ بِهِ بَين جمعه وتصغيره فِي الْمَوْضِعَيْنِ وَبَين جمع عُودٍ وتصغيره فَتَقول فِي عَوْد أَعْوَاد وعُويد وَفِي عِيد أعْياد وعُييد
فصل

فَإِن كَانَت الياءُ أصلا لم تُغيّرها نَحْو عَيْن وشَيْخ وَفِي تصغيرِه ثلاثَةُ مَذَاهِب
أحدُها شُيَيْخ بضمّ الأوّل على الأَصْل مثل فُليس
وَالثَّانِي كَسْرُ الأوّل إتباعاً للياء

(2/166)


والثالثُ ضَمُّ الأوّل وإبدالُ الْيَاء واواً من أجل الضمّة قبلهَا وَهُوَ ضعيفٌ جدا
فصل

فَإِن كَانَت الواوُ ثالثةُ قُلبت يَاء وأُدغمتْ نَحْو قَسْوَر وأسْوَد تَقول قُسَيِّرٌ وأُسَيِّدٌ وَيجوز أنْ تُقرّ الواوَ فَتَقول قُسَيْوِرٌ حَمْلاً على قَسَاور فأمّا عُرْوة وغَزْوة فتصغيرهما عُريّة وغُزيَة بالإبدال والإدغام لَا غير لِأَن الْوَاو لم تصحّ فِي الْجمع
فصل

فإنْ كانَ فِي الخماسيّ حرفٌ زائدٌ لَيْسَ بِحرف مدّ حذفتَه أينَ كانَ لأنَّ الحرفَ الخامسَ الأصليَّ يُحذف البتةَ فَإِذا وُجد الزائدُ لم يُحذفُ سِواه سَوَاء كانَ لِمَعْنى أَو لغيرِ معنى فَالَّذِي لِمَعْنى كَمُدَحْرِج وَالَّذِي لغير معنى جَحَنْفَل تَقول دحيريج وجحيفيل

(2/167)


فصل

فإنْ كانَ فِيهِ زائدان أحدُهما لِمَعْنى والآخرُ لغيرِ معنى حذفتَ الَّذِي ليسَ لِمَعْنى لأنَّ الَّذِي لِمَعْنى أشْبَهُ بِالْأَصْلِ فَكَانَ إقرارُه أولى وَذَلِكَ نَحْو مُقْتَطِع تقولُ فِي تصغيره مُقَيْطِع فتحذف التَّاء وتقولُ فِي مقدِّم ومؤخِّر ومسخِّر مقيدم ومؤيخر ومسيخر فتحذفُ أحدَ المشدّدين كَمَا تَقول فِي الْجمع مقادِم ومآخِر فأمَّا مُقْعَنْسِس فالميم وَالنُّون فِيهِ زائدتان وَالسِّين مكررة للإلحاق فَفِيهِ مذهبان
أَحدهمَا مُقَيْعِس بِحَذْف النُّون والسِّين وَتبقى الميمُ لِأَنَّهَا لِمَعْنى
وَالثَّانِي بحذفِ الميمِ وَالنُّون فَنَقُول قُعَيْسِس لأنَّ السينَ أشبهت الأصليّ إِذْ كَانَت للإلحاق

(2/168)


فصل

فَإِن كَانَ الإسم على مستفعِل نَحْو مُسْتَخْرَج حذفت السِّين وَالتَّاء وأبقيت الْمِيم لِأَن الْمِيم لِمَعْنى وَالسِّين وَالتَّاء زيدا مَعًا فَحُذِفا مَعًا
فصل

فَإِن حقَّرتَ المصادرَ الَّتِي فِي أوائلها همزةُ وصل حذفتَ همزَة الوصلِ لِلُزومِ تحرُّكِ مَا بعْدهَا لأنَّ ثَانِي المصغَّر محرّك أبدا تَقول فِي انطلاق نُطيليق فتقلبُ الألفَ يَاء لأنَّها رابعةٌ فِي مفردٍ كَسِرْداح وَتقول فِي افتقار فُتَيْقِير وَفِي اضْطِرَاب ضُتَيْريب فتردّ التَّاء إِلَى أَصْلهَا وَهِي تاءُ افتعال لأنَّك قلبتَها لَمّا سكّنَ مَا قبلَها وَقد تحرَّك فِي التصغير وَمن شَأْن التصغيرِ ردُّ الأشياءِ إِلَى أصولِها وَكَذَلِكَ تقولُ فِي ميزَان مُويزين فتردُّ الواوَ لزوالِ علَّة الْقلب

(2/169)


فصل

فإنْ كانَ الاسمُ مُشَدَّداً ثلاثيّاً نَحْو خلّ وسلّ فككتَ الإدغامَ لحجز الْيَاء بَينهمَا وإنْ كانَ رُباعياً والمشدّدُ أخيراً لم تفكّه كَقَوْلِك أُصَيّم ومُدَيْقّ لأنّ فِي الْيَاء مدّة تجْرِي مجْرى الفصلِ بَين الساكنين كَمَا جازَ فِي دَابّة والْحَاقّة
فصل

فإنْ كانَ المؤنَّثُ ثلاثياً بغيرِ علامةٍ رُدّت التاءُ فِي تصغيره نَحْو قُدَيْرة وشُمَيْسَة لأنَّه وضع على التأنيثِ وَلم يكنْ فِي المكبّر علامةٌ لَهُ فَلَو لم تُردَّ فِي التصغير لم يبقَ من أَحْكَام التَّأْنِيث فِي اللفظِ شيءٌ وَقد شذَّ من ذَلِك شيءٌ فَلم تلحقْ بِهِ التَّاءُ فِي التصغيرِ من ذَلِك فَرَس ذَهَبوا بِهِ إِلَى معنى المَرْكُوب وحُرَيْب تَصْغِير حَرْب الْقِتَال ذَهَبُوا بهَا إِلَى معنى الْقِتَال أَو إِلَى الْحَرْب وَهُوَ الغَضَب لأنَّه يلازمها وَقد قَالُوا قَوُيس حَمَلُوه على معنى العُود

(2/170)


فصل

فأنْ كانَ أَرْبَعَة أحرفٍ لم يردّوا إِلَيْهِ التَّاء نَحْو زُيَيْنَب وعُقَيْرِب وعُنيِّق لأنَّ الحرفَ الرابعَ طالتْ الكلمةُ بِهِ حَتَّى صارَ عِوضاً من تاءِ التَّأْنِيث وَقد خرجَ عَن هَذَا الأصلِ ثلاثةُ ألفاظٍ ظَرْفان وهما وَرَاء وقُدّام تقولُ فيهمَا وريّئةٌ وقُدَيْدِيمة وعِلّة ذَلِك أنَّ الظروفَ كلَّها مذكَّرةٌ إلاَّ هذينِ فإنَّهما مؤنثان فَلَو لم تُردَّ التاءُ عَلَيْهِمَا للتَّصغير لأُلْحِقا ببقيةِ الظُّروف واللَّفْظَةُ الثَّالِثَة السَّمَاء ذَا الْكَوَاكِب فإنَّ تصغيرَها سُمَيَّة وإنَّما قصدُوا بذلك الفرقَ بَينهَا وَبَين سماءِ الْمَطَر فإنَّه مذكَّر
فصل

فِي تَصْغِير الأسماءِ المُبْهَمة

(2/171)


إِذا صغّرتَ الاسمَ المبهمَ تركتَ أوَّلَه على مَا كانَ عَلَيْهِ من فتحٍ أَو ضمٍّ بخلافِ المعربةِ لأنَّها لَمّا خالَفَتْها فِي الْإِعْرَاب وَالْبَيَان خالفتها فِي التصغيرِ لأنَّ التصغيرَ كالوصفِ لَهَا ووصفُها لَا يغيّرها فَمن ذَلِك ذَا تَقول فِي تصغيره ذَيّا بِالْفَتْح فالألف فِي آخرِه عِوَضٌ عَن الضمّة المستحقّة فِي أوَّل المصغّر فَهِيَ زَائِدَة ولَمَّا كانَ ذَا على حرفين لم يُمكن تصغيرُه مَعَ بقاءِ أَلفه لأنَّ الْألف لَا يكونُ قبلَها ساكنٌ وياءُ التصغير سَاكِنة وَلَا يمكنُ أَن تُقْلَبَ الألفُ يَاء وتدغمَ فِيهَا ياءُ التصغير لأنَّ ذَلِك مخالفٌ لِمَا عَلَيْهِ بابُ التصغير إذْ من حكم التصغير أَن تكون ياؤه ثَالِثَة وَبعدهَا حرف فَوَجَبَ أَن تُكمّل هَذِه الكلمةُ ثلاثةَ أحرف كَمَا تكمّل سَائِر الْكَلِمَات الَّتِي على حرفين بحرفٍ آخرَ فِي التصغير فزادوا يَاء تقع بعد يَاء التصغير وصارتِ الألفُ يَاء قبل يَاء التصغير فصارَ مَعَك ثلاثُ ياءاتٍ وذلكَ مرفوضٌ على مَا ذكرنَا فِي تَصْغِير عَطَاء وبابه فحذفوا إِحْدَاهَا والقياسُ يَقْتَضِي أَن تكونَ المحذوفةُ الأولى لأنَّ

(2/172)


الثالثةَ بعدَها الألفُ وَلَا تكونُ إِلَّا متحركةً وياءُ التصغير لَا تُحرّك وَلَا تُحذف لِئَلَّا يَبطُلَ مَعْنَاهَا وَلَا شيءَ يَخْلُفُها فَحُذِفت الأولى ووقعتْ ياءُ التصغير ثَانِيَة وَعِنْدِي أنَّ ياءَ التصغير لَو جُعِلت ثَانِيَة من الِابْتِدَاء أَو جُعِل بدلَ الْألف يَاء متحركةً لتقع الألفُ المعوّضةُ من الضمّة بعدَها وَكَانَ أقربَ إِلَى الْقيَاس من الزِّيَادَة والحذف والرجوعُ أخيراً إِلَى هَذَا الْمَذْهَب وَلَو أمكنَ فِي الاسمِ المعربِ أنْ تقع ياءُ التصغير ثَانِيَة لأُوقعت وإنَّما منع مِنْهُ انضمامُ مَا قبلهَا وَتقول فِي هَذَا هَاذَيّا فتأتي بِحرف التنبيهِ وتَدَعُ الاسمَ فِي التصغير على مَا كانَ عَلَيْهِ وَفِي ذَاك ذيّاك وَالْكَاف للخطاب
فأمّا فِي المؤنَّثِ فَقَدْ قَالوا هذِه وهاذي وتَا وتِي إلاّ أنَّه فِي التَّصغير لَا يُقَال إلاّ تيّا لِئلا يلتبسَ المؤنَّثُ بالمذكَّر وتقولُ فِي ذَلِك ذيَّالِك فتأتي باللاَّمِ والكافِ وَفِي تِلكَ تَيّالك فأمّا أولاءِ الَّذِي هُوَ جَمع ذَا فَيُقْصَرُ ويُمدّ فإنْ صغّرتَ المقصورَ قلتَ أُوليّا فالضمّةُ باقِيةٌ وأُبدلتَ الألفَ يَاء وأدغمت وَالْألف الَّتِي بعْدهَا عوضٌ من ضمّةِ التَّصْغِير فأمّا الممدودُ فَهُوَ على مِثَال فُعَال فَإِذا صُغّر وَقعت

(2/173)


ياءُ التصغيرِ بعد اللاّمِ وَبعدهَا ألفٌ فتقلب الْألف يَاء فأمّا الألفُ الَّتِي تُزاد عِوضاً من ضمّة التصغير فَاخْتَلَفُوا فِي موضعِ زيادتِها هُنَا فَقَالَ المبرّد الوجْهُ أَن يُزادَ قبل الْهمزَة ثمَّ يُعمل بِالْقِيَاسِ فِي ذَلِك وإنّما قالَ ذَلِك لثَلَاثَة أوجه
أَحدهَا أنّه لَو زادَ الألفَ بعد الهمزةِ لَلَزِمَ حذفُها لأنّها تقلبُ ياءٌ مثلَ الهمزةِ فِي عَطاء إِذا صغّرت وَإِذا قُلبت يَاء وجبَ حذفُها لاجتماعِ ثلاثِ يَاءات كَمَا حُذفتْ فِي عُطيّ فتقعُ الألفُ بعد الْيَاء المشدّدَة فتصيرُ أوليّا كتصغير المقْصُور فَلَا يَبْقَى على المدِّ فِي المكبّر دليلٌ
الْوَجْه الثَّانِي أنَّ الألفَ إِذا وقعتْ بعد الهمزةِ كَانَت خَامِسَة زَائِدَة وحكمُ مثل ذَلِك الحذفُ فِي التصغير كَحُبَارَى فإنّك تحذف الألفَ الأخيرةَ وَإِذا حُذفت قلبتْ الهمزةُ يَاء وحُذفت وَصَارَت إِلَى مثل أوليّ مثل عطّيّ فيزولُ عِوَصُ الضمّة وَيبقى لفظُ أقلُّ من لفظ المقصورِ
والثالثُ أنَّ الألفَ المزيدةَ عِوَضاً من ضمّةِ التَّصغير تصيَّرُ الكلمةَ إِلَى مثلِ حُميراء فِي عدّة الْحُرُوف فَيَنْبَغِي أَن تكون الألفُ قبلَ الهمزةِ وتكونَ الألفُ الَّتِي كَانَت فِي المكبّرِ بمنزلةِ الرَّاء فِي حمراءَ فِي أنّها ثالثةٌ فَإِذا صُغّرت قلبت الألفُ الأولى يَاء فَيَنْبَغِي أنْ تبقى الألفُ والهمزةُ بعْدهَا كَمَا بقيت فِي حُمَيْراء
وَقَالَ الزَّجّاجُ الألفُ المعوَّضَةُ من الضمّةِ زيدت أخيراً على مَا عَلَيْهِ البابُ والهمزةُ بدلٌ من ألفٍ وقَبلها الألفُ الزائدةُ فِي المكبّر فأُبدلت الأولى يَاء ورُدَّت الهمزةُ إِلَى أَصْلهَا فَاجْتمع أَلفَانِ فَهُمزت الثانيةُ كَمَا هُمزت ألفُ التَّأْنِيث فِي حَمْرَاء

(2/174)


وتقولُ فِي تَصْغِير الَّذي اللَّذيا وَفِي اللَّتيّا فَتُبقي الفتحةَ وتزيدُ الألفَ فإنْ ثنيتَ قلتَ اللَّذيَّان واللَّذيُّون فحذفتَ الألفَ الزائدةَ دونَ الفِ التثمية لالتقاء الساكنين وكانَ حذفُ الأولى أوْلى لأنَّ الثانيةَ تمحضّت للتَّثْنِية ودلَّتْ على الإعرابِ فَهِيَ أقْوى واختُلِفَ فِي تَقْدِير حذفِها فَقَالَ سيوبيه هِيَ محذوفةٌ غيرُ مُقَدَّرة
وَيظْهر أثرُ الخلافِ فِي الْجمع فعندَ سِيبَوَيْهٍ اللَّذيُّون بضمّ الياءِ واللَّذِين بِكَسْرِهَا كأنْ لم يكن فِيهِ ألف وَلَو كَانَ مُقَدرا كَمَا أنّ التنوينَ فِي قَوْلك واغلام زيداه حُذِفَ كأنْ لم يكن وَلَو كَانَ مقدّراً لكَانَتْ الألفُ يَاء لكسرةِ الدَّال
وعندَ الأخفشِ والمبرّد بِفَتْح الْيَاء فِي الْحَالين لتَكون الفتحةُ دالّةً على الألفِ المحذوفة كالمطَفَيْن والأعْلَيْن
176 - وأمَّا تصغيرُ اللاَّئي واللاَّتي فَقَالَ سِيبَوَيْهٍ استغنوا عَنهُ بتصغير واحده الْمَتْرُوك فِي جمعه وَهُوَ قَوْلهم اللَّتيات وَهَذَا يَدُلُّ على أنَّ العربَ امْتنعت مِنْهُ وأمّا الأخفشس فيقيسُه فيقولُ فِي اللائي اللّويئا فيقلبُ الألفَ واواً لأنّها مثلُ ألف فَاعل ويُوقع ياءَ التصغير بعدَها ويقرّ الهمزةَ وَيزِيد ألفا أخيراً ويحذفُ الياءَ الَّتِي بعد الهمزةِ لِئَلَّا تصيرَ الكلمةُ على ستةِ أحرف وَكَأَنَّهُ حذفَ الْيَاء لالتقاء الساكنين وَكَانَت أولى بالحذفِ لأنَّ الألفَ لِمَعْنى ويقولُ فِي اللَّاتِي اللّويئا على قَاس ملا تقدّم وَقَالَ المازنيّ لَمّا لم يكن بدٌّ من حذفٍ حُذِفت الألفُ الَّتِي بعد اللاّم لأنّها زَائِدَة فَتَقَع ياءُ التصغير بعد الْهمزَة وَالتَّاء وتدغم فَتَصِير الليّا واللّتيا كَلَفْظِ الْوَاحِد وحُكي عَن بعضِهم من العربِ ضمُّ اللَّام فِي اللُّذيا واللُّتيّا
وأمّا مَنْ وأيّ فقد تقدّمَ الكلامُ فِي تصغيرِهما

(2/175)


وأمَّا تصغيرُ اللاَّئي واللاَّتي فَقَالَ سِيبَوَيْهٍ استَغْنوا عَنهُ بتصغير واحده الْمَتْرُوك فِي جمعه وَهُوَ قَوْلهم اللَّتيات وَهَذَا يَدُلُّ على أنَّ العربَ امْتنعت مِنْهُ وأمّا الأخفشس فيقيسُه فيقولُ فِي اللائي اللّويئا فيقلبُ الألفَ واواً لأنّها مثلُ ألف فَاعل ويُوقع ياءَ التصغير بعدَها ويقرّ الهمزةَ وَيزِيد ألفا أخيراً ويحذفُ الياءَ الَّتِي بعد الهمزةِ لِئَلَّا تصيرَ الكلمةُ على ستةِ أحرف وَكَأَنَّهُ حذفَ الْيَاء لالتقاء الساكنين وَكَانَت أولى بالحذفِ لأنَّ الألفَ لِمَعْنى ويقولُ فِي اللَّاتِي اللّويئا على قياسِ مَا تقدّم وَقَالَ المازنيّ لَمّا لم يكن بدٌّ من حذفٍ حُذِفت الألفُ الَّتِي بعد اللاّم لأنّها زَائِدَة فَتَقَع ياءُ التصغير بعد الْهمزَة وَالتَّاء وتدغم فَتَصِير الليّا واللّتيا كَلَفْظِ الْوَاحِد وحُكي عَن بعضِهم من العربِ ضمُّ اللَّام فِي اللُّذيا واللُّتيّا
وأمّا مَنْ وأيّ فقد تقدّمَ الكلامُ فِي تصغيرهما

(2/176)


فصل

فإنْ صَغَّرتَ جمعَ التكسير الكثرةِ رددتَه إِلَى جمع القلّة إنْ كانَ لَهُ جمعُ قِلّة نَحْو جمال تَقول فِي تصغيره أُجَيْمَال فتردّه إِلَى أجْمَال ثمَّ تصغّره وإنّما كانَ كَذَلِك لأنَّ التصغير تقليلُ فَلم يجتمعْ مَعَ مَا يَدُلُّ على الكثرةِ فإنْ لم يكنْ لَهُ جمعُ قلّةٍ جمعتَه بِالْألف وَالتَّاء نَحْو دُرَيْهِمات وَرْجَيْلات لأنّ هَذَا الجمعَ جمعُ قلّةٍ فإنْ لم يَجُزْ فِي مكبّره الألفُ وَالتَّاء وجازَ فِيهِ الْوَاو وَالنُّون رَدَدْتَه إِلَى الْوَاو وَالنُّون كَقَوْلِك فِي تَصْغِير حَمْقى إِن اردت بِهِ جمع أحْمَق أُحَيْمَقُون وإنْ كانَ جمع حَمْقاء قلت حُمَيْقاوات لأنَّ الواوَ والنونَ من جموع الْقلَّة

(2/177)


بابُ جمعُ التكسير

وحدُّه كلُّ اسمِ جمعٍ تغيَّرَ فِيهِ لفظُ واحدِه وَمن هُنَا يسمّى تكَسِيراً لتغيّرِ هيئةِ واحدِه كَمَا تتغيّرُ هيئةُ الْإِنَاء بالتكسير والتغييرُ تَارَة يكون باختلافِ الحركةِ وزيادةِ الْحَرْف نَحْو أفْلُس ورِجَال وَتارَة بتغيّر الحركةِ فَقَط نَحْو جَوالق فالمفردُ مضمومٌ الأوّل فإذَا جُمِعَ فَتَحْتَ وَتارَة يكونُ بالنُّقْصان نَحْو حِمار وحُمُر وَتارَة يكونُ على لفظِ الواحدِ وَهُوَ فِي التقديرِ مختلفٌ نَحْو فُلْك فإنَّ الفاءَ فِيهِ مضمومةٌ فِي الواحدِ وَالْجمع ولكنْ يجبُ أَن يُعتقدَ أنّ الضمّة فِي الجمعِ غَيْرُها فِي الواحدِ لأنّا وجدنَا الضمّة تكونُ لما الواحدُ فِيهِ مفتوحٌ أَو مكسورٌ نَحْو فَدّان وفُدُن وحِمار وحُمُر فَدُلّ على أنّ حُدوثَ الضمَّةِ فِي هَذَا الْجمع مُعَلَّلٌ بِالْجمعِ وَهَذَا مِثْلُ ضَمِّ الْعين فِي عُرَيْب فِي التصغير لأنّها غيرُ الضمّة فِي المكبّر لأنّ أوّل المصغّرِ يُضَمّ بكلِّ حالٍ وَكَذَلِكَ ضمّةُ الصّاد فِي قَوْلك يَا منصُ على قَوْلهم يَا حارُ غير الضمّة فِي مَنْصور وعَلى هَذَا تقولُ فِي هِجان ودِلاَص الكسرة والالف فِي الْجمع غَيْرُهما فِي الْوَاحِد

(2/178)


فصل

وَالْجمع على ضَرْبَيْنِ قلّة وَكَثْرَة فجمعُ القِلّة جمعُ السَّلامةِ وأربعةٌ من التكسير أفْعُل وأفْعَال وأفْعِلة وفِعْلة نَحْو أفْلُس وأجْمَال وأحْمِرة وغِلْمَة وَمَا عدا ذَلِك جمعُ كَثْرةٍ وإنّما كانَ كَذَلِك لأنّك تميّز بهَا العددَ القليلَ وَهُوَ من الثَّلَاثَة إِلَى العَشَرة
فصل

وإنَّما اسْتُعْمِل كلُّ واحدٍ مِنْهُمَا مَوْضِعَ الآخرِ فِي بعضِ المواضعِ لاشتراكِ الجميعِ فِي كَونه جَمْعاً وأنّ اللفظَ لَا يَدُلّ على الكميّة المخصوصةِ
فصل

والألفاظ المقيّدة للجمعِ أربعةٌ

(2/179)


جمعُ السَّلامَة نَحْو الزَّيْدُون والهَنْدَات
وجمعُ التكسير نَحْو مَا ذكرنَا
واسمُ الجنسِ وَهُوَ مَا كَانَ بَين واحدِه وجمعهِ الهاءُ نَحْو نخلةٌ ونَخْل وتَمْرةٌ وتَمْر وَهَذَا ليسَ بجمعٍ فِي اللَّفْظ لانّه مفردٌ يذكّر وَلَا يؤنّث فَتَقول هَذَا تمرٌ وَلَا تَقول هَذِه تمرٌ بِخِلَاف جمعِ التكسير فإنّك تؤنّثه تَقول هَذِه رجالٌ وَهَؤُلَاء رجالٌ
وَالرَّابِع اسمٌ مفردٌ فِي اللّفظِ مَوْضُوع للجمعِ نَحْو الرّهط والنَّفر والجامِل والباقِر
فصل

وابنيةُ الثُّلاثيّ عَشَرةٌ أخفُّها وأكثرها دوراً فِي الْكَلَام فَعْلٌ بِفَتْح الْفَاء وسُكون الْعين نَحْو فَلْس وكَعْب وَجمعه الْقَلِيل على أَفْعُل نَحْو أفلُس دونَ أَفعَال وإنّما كانَ كَذَلِك لِأَن أفْعُلا أقلُّ حروفاً من أَفعَال فاختِير لما يكثر اسْتِعْمَاله تَخْفِيفًا وقَدْ شذَّ مِنْهُ شيءٌ فجَاء على أفْعَال وَذَلِكَ نَحْو فَرْخ وأفْرَاخ وساغَ فِيهِ ذَلِك لأمرين
أَحدهمَا أنّ الرّاءَ تُشْبِه حُرُوف المدِّ لِمَا فِيهَا من التَّكْرِير
وَالثَّانِي أَنه حُمِل على طَيْر لأنّه بِمَعْنَاهُ وَمن ذَلِك أنْفٌ وآناف لأنّ النُّونَ تُشْبِه الواوَ بغنَّتها وَكَذَلِكَ زنْدٌ وأزناد وَفِيه وَجْهَان
أَحدهمَا مَا تقدم من شَبَهِ النُّون بِالْوَاو
وَالثَّانِي أنَّ الزّند عُودٌ فَحُمِل على جمعه

(2/180)


فصل

وأمّا المعتلُّ الْعين نَحْو ثَوْب فَيُجْمَع فِي القلّة على أَثوَاب لَا على أثْوُب لأنَّ الضمَّة على الْوَاو تُسْتَثْقَل وَكَذَلِكَ الْيَاء فِي بَيْتٍ وأبْيَات فأمّا فِي الكَثْرة

(2/181)


فتجيءُ الواوُ فِعال نَحْو ثِيَاب دونَ فُعُول لِئلاّ يثقل بضمّه الأوّل وَالثَّانِي واجتماع الواوين وجاءَ ذلكَ فِي الْيَاء نَحْو بُيُوت لأنّ الياءَ أخفُّ من الْوَاو
فصل
وإنَّما جُمِعَ فُعَل نَحْو صُرَد ونُغَر على فِعْلان بِالْكَسْرِ لأمرين
أَحدهمَا أنَّ هَذَا البناءَ اختصَّ بضربٍ من الْمُسمّيات وَهُوَ الْحَيَوان وَلَا يكَادُ يُوجد فِي غيرِه فَخَصُّوه فِي الجمعِ ببناءٍ لَا يكون لغيره من الثلاثي
والثَّاني أنَّ فُعَلاً قَدْ يَكونُ مَقْصُوراً من فَعال وفُعال يجمع على فِعلان نَحْو غُراب وغِربان فَلَمَّا قرب مِنْهُ جُمع جمعه فأمّا رُبَع فَشذّ جمعُه على أرْبَاع حَمْلاً على غَيره من الثلاثي

(2/182)


فصل

وَقد شَذَّ من أبنيةِ الثُّلاثي غيرِ السَّاكن الْعين زمَنٌ فَجَاء على أزْمن إذْ كانَ زَمنٌ بِمَعْنى دَهْر فَحُمل جمعُه على أدْهُر
فصل

فإنْ كانَ الاسمُ مذكَّراً على أربعةِ أحْرف ثالثُه حرفُ مدّ نَحْو حِمار وسَحَاب وغُراب وقَضِيب ورَسُول جُمِع فِي القلّة على أفْعِلَة وفِعْلَة دونَ أفعالٍ وأفْعُل لأنّه لَمَّا زادَت حروفُه على الثلاثةِ زِيدَ فِي حُروف جمعِه فأمَّا فِي الكَثْرة فقد جاءَ على فُعُل بضمِّ العينِ وإسْكَانِها نَحْو حُمُر وحُمْر فِي جمعِ حِمَار لِأَنَّهُ اكْتُفي بِمَعْنى الكثرةِ عَن تَكْثِير الحروفِ فأمّا أَحْمَر وحمراء فَلَا يجوزُ فِيهِ إِلَّا حُمْر بإسكانِ الميمِ فرقا بَين

(2/183)


الِاسْم وَالصّفة وَقد جاءَ هَذَا البناءُ على فُعلان نَحْو جُرْبان وفِعلان نَحْو غِزْلان فأمَّا فِي الْمُؤَنَّث فالأكثرُ فِيهِ فِي القِلَّة أفعُل نَحْو عَنَاق وأعْنُق وعُقاب وأعقُب لئلاّ يجمعُوا بَين التَّأْنِيث وكثرةِ الْحُرُوف
فصل

وإنَّما قُلبت الفُ فَاعل فِي الجمعِ واواً لأنّ الفَ التكسير تَقَعُ بعْدهَا والجمعُ بَينهمَا مُتَعذِّر لسكونِهما وحَذْفُ أحدِهما يُخلّ بالدَّلالة على الْجمع فقلبوها واواً لَا يَاء لخمسةِ أوجه
أَحدهَا الفرقُ بينَ ألفِ فَاعل وياء فَيْعل نَحْو صَيْرَف وبَيْئِس فَلَو قلت ضَارب لجازَ أنْ يُقالَ الواحدُ ضيرب
والثَّاني أَن الألفَ لَمَّا قُلبت فِي التصغيرِ واواً نَحْو ضُويرب قلبتْ إِلَيْهَا فِي الْجمع لقوّةِ اشتباهِ الْبَابَيْنِ

(2/184)


وَالثَّالِث أنَّ بعد الْألف كسرةً فَلَو قُلبت يَاء لوقعتْ الْألف بَين كسرة وبينَ مَا هُوَ فِي تقديرِ الْكسر وقوعاً لَازِما
والرابعُ أنّ ألفَ فَاعل حرفُ معنى والواوُ كثرتْ زيادتُها للمعنى أكثرَ من زِيَادَة الْيَاء لَهُ
وَالْخَامِس أنَّ الواوَ هُنَا لَمّا اختصَّت بالجمعِ أشبهتواوَ الضَّمِير فِي قامُوا والزَّيْدُون
فصل

وإنَّما جَاءَ فِي جمع فَاعل من المنقوصِ فُعَلَةٌ نَحْو قَاضٍ وقُضَاة فرقا بينَ الصحيحِ والمعتلّ واختارُوا لَهُ هَذِه الزِّنةَ لأنّها أخفُّ وأنّها لَا مثلَ لَهَا فِي الآحادِ المعتلّة
فصل

وجَميعُ الرُّباعي لَهُ جمْعٌ واحدٌ وَهُوَ فَعَالِل سواءٌ كَانَت حروفُه كلّها أصولاً أَو كَانَت بعضُها للإلحاق لأنَّ الأربعةَ لَا بدّ فِيهَا من زيادةِ ألفِ التكسير لِتَدُلَّ على

(2/185)


الْجمع فَلَوْ زَادوا حَرْفاً آخرَ لطالتْ الكلمةُ وهُم قد حَذَفوا من الخماسيَّ فِراراً من الطّول ولمْ يأتِ على شيءٍ من صِيغ الثلاثيّ لأنّه لَا بُدَّ فِيهِ من تكريرِ لامِه كَمَا كانتْ مكررةً فِي الْوَاحِد فَلَو جاءَ على شيءٍ من تِلْكَ الصّيغ لم تتكررْ اللامُ بلْ كانَ يعودُ إِلَى الثلاثي
فصل

إِذا كانَ الرابعُ وَاواً أَو ألفا زَائِدا فِي الرُّباعي نَحْو جُرْمُوق وحِمْلاق قُلبت يَاء لِسُكونها وانكسارِ مَا قبلهَا
فصل

وأمّا الخُمَاسيّ فتحذفُ مِنْهُ الحرفَ الأخيرَ لِمَا ذكَرْنا فِي التَّصغير وكذلكَ إِذا كانَ فِي الكلمةِ زَائدان أَحدهمَا لغيرِ مَعْنىً حُذِفَ دونَ الآخرَ وإنْ كانَ فِيهِ زائدٌ واحدٌ واحْتِيج إِلَى الْحَذف حُذِفَ لِمَا ذُكر فِي التَّصْغِير أيْضاً

(2/186)


فصل

وإنْ كانَ فِيهِ زَائدان إذَا حذفتَ أحَدَهما لَزِمَكَ حذفُ الآخر وإنْ حَذَفْتَ الآخرَ لم يَلْزَمْكَ حذفُ صَاحبه حذفت الَّذِي تأمنُ مَعَه حذفَ الآخر نَحْو عيضموز تحذِفُ مِنْهُ الياءَ ليبقى يَعْقُوب فتنقلبُ واوه يَاء وَلَو حذفتَ الواوَ وأبقيت الْيَاء لَقلت عياضمز وَذَلِكَ لَا يجوزُ لِأَنَّهُ مثل سَفَارجل فتحذفُ الياءَ ليبقى اربعة أحرف مثل جَعْفَر وجَعَافِر فَإِذا حذفت الْيَاء بقيَ مثل يَعْقُوب كَمَا تقدّم
فصل

وإنَّما حُرِّكت العينُ من فَعْلة إِذا كَانَت اسْما فِي الْجمع نَحْو جَفْنة وجَفَنات وَلم تحرّك فِي الصِّفة نَحْو صَعْبات ليفرّق بَين الاسمِ والصّفة وكانَ إبقاءُ الصِّفَةِ على السُّكون أولى لأنّ الصِّفةَ أثقلُ من الاسمِ لاحتياجها إِلَى الْمَوْصُوف وَإِلَى الفاعلِ الْمُضمر والمظهر ولكونِها مشتقّةً من الْفِعْل الَّذِي هُوَ ثَقيلٌ

(2/187)


فصل

فإنْ كانتِ العينُ وَاواً أَو يَاء لم تُحَرِّكا لِئَلَّا تَنْقَلبا أَلفَيْنِ وَقد جاءَ التحريكُ فِي الشِّعر شاذاً كَمَا جاءَ التسكينُ فِي الاسمِ الصحيحِ الْعين شاذّاً أَيْضا وَهَكَذَا أَيْضا إنْ كانَ مضاعفاً نَحْو سَلّة وسَلاّت لانَّك لَو حرّكت اللاّمَ الأولى لالتقى مِثلان ومنْ شأْنِهم أَن يُدْغِموا الأوّل فِي الثَّاني فِيمَا هُوَ أصلٌ فكيفَ فِيمَا حَرَكَتُه عارضةٌ
فصل

فإنْ كانتِ الفاءُ مَضْمُومَة والعينُ سَاكِنة صَحِيحَة جازَ ضمُّها إتباعاً وفتحُها فِراراً من الضَّمتين وتسكينُها على الأصلِ نَحْو حُجُرات فَإِن كَانَت الْعين واواً نَحْو سُورة لم تحرّك لِئَلَّا تنْقَلب الواوُ بالضمّ أَو تقلبَ ألفا إِن فتحت وَقد جَاءَ فِي

(2/188)


الشاذ سُورَات بِالْفَتْح فإنْ كانتِ اللاّمُ واواً نَحْو خُطْوَة فالجيِّد تسكين الْعين لِئَلَّا تجتمعَ الضمّتان والواُو وزيادةُ الجمعِ وَقد جاءَ تحريكُها على الأَصْل فَإِن كانتْ يَاء نَحْو كُلْيَة فالتَّسْكين هُوَ الوجهُ لِمَا تقدّمَ فِي الْوَاو وَلَو فُتحتِ العينُ لأدّى القياسُ إِلَى قلبِ اللاّم ألفا أَو حذفهَا لالتقاءِ الساكنين وَقد جَاءَ ذَلِك شاذّاً أَيْضا
فصل

فإنْ كَانَت فِعْلة مكسورةَ الْفَاء مثل سِدْرة فَفِيهَا الأوجهُ الثَّلَاثَة الَّتِي فِي المضمومة
الكسرُ على الإتباعِ
والفتحُ للتَّخْفِيف
والإسْكَانُ على الأَصْل
فصل

فِي جمع أفْعَل
إِذا كَانَ أفْعَل اسْما نَحْو أفْكَل جُمعَ على أفاعِل لأنّه بالحرفِ الزائدِ لحق بِجَعْفَر فَجُمع جمعَه وَهُوَ اسمٌ مثله فإنْ كانَ صفةٌ غالبةٌ وَهِي الَّتِي لَا يكَاد يذكر

(2/189)


الموصوفُ مَعهَا نَحْو الأبرق والأبْطح جمعتَه هَذَا الجمعَ لأنّه اشْبَهَ الاسمَ من حيثُ لم يذكر الموصوفُ مَعَه فَتَقول أبَارِق وأبَاطح وإنْ كَانَ صفة يذكرُ مَعهَا الْمَوْصُوف نَحْو أَحْمَر جمعتَه على فُعْل بِإِسْكَان الْعين وضمُّها شاذٌّ وَلم يُجمعْ على أفاعِل لأنَّ الصفةَ مشتقّةٌ من الْفِعْل واشتقاقُها وكونُها فرعا على الْمَوْصُوف يُلحِقها بالثلاثيّ الَّذِي هُوَ أصلُها
فصل

وتكسيرُ الصّفة ليسَ بقياسِ لما ذكرنَا فِي فَعْلة من مشابهةِ الصفةِ للْفِعْل فأمّا جمعهَا بِالْوَاو وَالنُّون فليسَ بقياسِ لأنَّ الفعلَ تتصل بِهِ هَذِه العلامةُ فضاربون مثل يضْربُونَ
فصل

وَقد شذَّتْ من الجموعِ ألفاظٌ فَجَاءَت على خِلاف نظائِر آحادِها فَمن ذَلِك لَيْلَة جُمعتْ على ليالٍ وَكَانَ قياسها لِيال مثل جِفان أَو لَيْلًا مثل تَمْرَة وتمر وقياسُ وَاحِدهَا ليلاة مثل سَعْلاَة وسعالٍ وَقد جَاءَ فِي الشّعْر ليلاهُ شاذاً وَمن ذَلِك حوائج جمع حاجَة وَقِيَاس وَاحِدهَا حائجة مثل ضاربة وضوارب وقياسُ حاجةٍ حاجٌ وحَاجَات وهما مستعملان وَمن ذَلِك ذَكَر ومذاكير وَكَأَنَّهُ جمع مِذْكَار وكأنّهم توهّموا فِي جمعِه مَا يدلّ على التكثير

(2/190)


بَاب ألفات الْقطع وألفات الْوَصْل

أَلِفُ الوصلِ مَزيدةٌ تَوصُّلاً بِها إِلَى النُّطْقِ بالسَّاكن بعْدهَا وَلذَلِك إِذا وَصَلْتَ بِالْكَلِمَةِ شَيْئا قبلهَا سَقَطت الهمزةُ لأنّ الساكنَ قد نُطِق بِهِ بواسطةِ مَا قبله فَلَا تثبتُ همزةُ الوصلِ إلاّ فِي الابتداءِ وأمّا همزةُ القطْعِ فتثبتُ وَصْلاً وَابْتِدَاء
فصل

وإنّما اختيِرت الهمزةُ لذَلِك لِوَجْهَيْن
أَحدهمَا أنَّ القياسَ كانَ أنْ تُزادَ الألفُ لخفَّتها وَلَكِن تعذّر ذَلِك لاستحالةِ تحريكِها واستحالةِ الابتداءِ بالساكن فَعُدِل إِلَى الْهمزَة إذْ كَانَت أختَها فِي المخْرج وشبيهتَها فِي أحكامٍ كَثِيرَة وقيلَ حُرِّكت الألفُ فَانْقَلَبت همزَة
وَالثَّانِي أنّ الهمزةَ أوّلُ حروفِ الحلْقِ فَخُصّت بالابتداءِ لتناسبِ الْمَعْنيين

(2/191)


فصل

وأصْلُ حركتها الكسرُ لأنّ الأصلَ الإسكان وَلَكِن دعتِ الضرورةُ إِلَى التحريكِ فصارَ التحريكُ لالتقاءِ الساكنين أَو كالتحريك لَهُ وإنَّما يُضَمّ إِذا انضمَّ الثالثُ لِثِقَل الْخُرُوج من كَسْرٍ إِلَى ضمٍّ لَازم وضُمّت اتبَاعا للثَّالِث
فإنْ قيلَ فَكيف كسرت همزَة ابنو وَارْمُوا وضمّت همزةُ أَدعِي واغزي قيلَ لأنّ الضمّةَ فِي النونِ والميمِ عارضتان والأصلُ كَسْرُهما والاصلُ فِي العينِ والزَّاي ضمُّهما والكسرةُ عارضةٌ وَذهب قومٌ إِلَى أنّها حُرِّكت اتبَاعا للثَّالِث المضمومِ والمكسورِ فأمّا المفتوحُ فَلم نُتْبِعْه لِئَلَّا يلتبسَ بهمزةِ الْمُتَكَلّم

(2/192)


فصل

فأمّا الهمزةُ مَعَ لامِ التعريفِ فمفتوحةٌ وذلكَ لكثرةِ استعمالِ أداةِ التَّعريفِ فاختِيرَ لَهَا أخفُّ الحركاتِ فِراراً من الثِّقل
فصل

فأمّا همزةُ آيْمُنُ فقد ذُكرت فِي القَسَم وقيلَ هِيَ همزةُ الجمعِ حُذِفت واجتُلِبت همزةُ الوصلِ وفُتحت إِيذَانًا بالتغيير اللاّحقِ الكلمةَ وَقد دخلَ هَذِه الكلمةَ ضروبٌ من التَّغيير على مَا ذُكَرَ فِي القَسم
فصل

فأمّا مَا يدخُلُ عَلَيْهِ همزةُ الْوَصْل من الْأَسْمَاء فعشَرةٌ تُذْكَر أحكامَها فِي التَّصريف إنْ شَاءَ الله وَهِي

(2/193)


اسمٌ واسْتٌ وابنٌ وابنةٌ وابنم وَاثْنَانِ وَاثْنَتَانِ وامرؤ وَامْرَأَة وايمن
وأمّا الأفْعَالُ فتدخلُ فِيهِ همزةُ الوصلِ إِذا كانَ الفعلُ أربعةَ أحْرفٍ فصاعِداً غيرَ الْهمزَة ويُسَكّن الحرفُ الَّذِي يَلِي الهمزةَ نَحْو انطلقَ واستخرجَ واقترفَ وَنَحْو ذَلِك ومصدرُه كَذَلِك نَحْو الانطلاقُ والاستخراجُ ولسكون الحرفِ الثَّانِي علّةٌ نذكرها فِي التصريف إِن شَاءَ الله تَعَالَى وأمّا دُخُولها فِي الْأَمر فَفِي كلّ فعلٍ سكّن فِيهَا مَا بعدَ حرف المضارعة فإنّ همزةَ الوصلَِ تدخلُ عَلَيْهِ ليبقى الحرفُ على سكونِه نَحْو اضْرِب واركَب واقرب فأمّا نَحْو قُمْ وعِدْ فَلم يُحتج إِلَى الْهمزَة لأنّه لَمّا تحرّك فِي الْمُضَارع نَحْو يقومُ ويَعِدُ بَقِي متحرِّكاً فِي الْأَمر
فصل

إذَا دخلت همزةُ الاستفهامِ على همزةِ الوصْل حُذفت همزةُ الوْصلِ لأنّ السَّاكنَ

(2/194)


يُمكن النّطقُ بِهِ بعد الِاسْتِفْهَام فَلَا حَاجَة إِلَى الهمزةِ الأُخرى وَكَانَت همزةُ الِاسْتِفْهَام أوْلَى لأنّها دَخَلت لِمَعْنى فأمّا همزةُ لَام التَّعريف فَلَا تَحْذِفُها همزةُ الِاسْتِفْهَام لأنّها لَو حُذِفت لصارَ لَفظه لفظَ الْخَبَر وَلم يقرَّ الهمزةَ على لَفظهَا لأنَّها سَاكِنة ولامُ التَّعْرِيف سَاكِنة فَلم تجتَمِعا ولكنّها تُبْدَل ألفا لأنّ الألفَ فِيهَا مدٌّ يُصَحِّح وقوعَ السَّاكِن بعدَها وَمِنْه قَوْله تَعَالَى {آللَّهُ خيرٌ أمّا يُشرِكونَ}

(2/195)


بَاب الوَقْف

الوقفُ ضِدُّ الِابْتِدَاء لأنّه يكون عِنْد انتهاءِ الْكَلِمَة ولَمّا استحالَ الابتداءُ بالساكن استحسنوا فِي ضدّه وَهُوَ الْوَقْف ضدّ الْحَرَكَة وَهُوَ السكونُ وَجُمْلَة مَذَاهِب الْعَرَب فِي الْوَقْف سَبْعَة
الإسْكان
والإشْمام
والرَّوْمُ
والنَّقْل
والتَّشْدِيد
والإبدال من التَّنْوِين وَمن حرف العلّة
والحذف
فصل

وأجودُها الإسكانُ فِي الرّفْع والجرِّ والنصبِ فِي غيرِ المنوّن لوَجْهَيْنِ
أَحدهمَا مَا تقدّمَ من مضادّةِ الْوَقْف للابتداء

(2/196)


وَالثَّانِي أنَّ الوقفَ يكونُ للاستراحة فيناسب الإسكانُ لخفّتهِ
فصل

وَأما الإشْمامُ فَهُوَ أنْ يُشِير بشفتيهِ إِلَى الضمِّ دونَ الْكسر والفتحِ وَهَذَا يُدرَكُ بالبصر دون السّمع ويُسمَّى رَوْماً عِنْد قومٍ وإنّما فعلوا ذَلِك تَنْبيهاً على استخفافِ الْحَرَكَة وَلم يَجُزْ فِي الكسرِ لما يُفضي إليهِ منْ تَشْوِيه الْخلقَة وَلَا فِي الْفَتْح لتعذر ذَلِك

(2/197)


فصل

وأمَّا الرَّوْمُ فَهُوَ أنْ يضمَّ شَفَتَيْه فِي الرفعِ بعضَ الضمِّ وَيكسر فِي الجرِّ بعضَ الْكسر فيضعفُ الصَّوتُ بهما وَهَذَا يدرِكه السّمع ويُسمَّى رَوْماً لِأَن الرّوم الْإِرَادَة فكأنَّه اراد الْحَرَكَة التامّة وَلم يأتِ بهَا وَبَقِي على إرادتها دَلِيل
فصل

وأمَّا النَّقْلُ فَهُوَ أنْ تنقلَ الضمَّةَ فِي الرّفْع والكسرةَ فِي الجرِّ إِلَى الساكنِ قبلهَا بِشَرْط أنْ لَا يَخْرُجَ بالنقلِ عَن النَّظَائِر وَأَن يكونَ المنقولُ إِلَيْهِ صَحِيحا مِثَاله هَذَا بكُرْ بضمِّ الْكَاف ومررتُ ببكِر بِكَسْرِهَا وَمِنْه من // الرّجز //
( ... أَنا ابنُ ماويّةَ إذْ جَدَّ النَّقْرْ)
وَقَرَأَ بَعضهم {وتَوَاصَوْا بالصَّبْرِ} وإنَّما فعلوا ذلكَ اهتماماً بالإعراب فَجمعُوا بَين الوقفِ على السّكُون والإتيان بالحركة وَتقول مررتُ بِرَجِلٍ فتكسر

(2/198)


الْجِيم وَلَا تقولُ هَذِه رَجِلٌ لِئَلَّا تخرجَ من كسرٍ إِلَى ضَمٍّ فِي حشوٍ وَتقول هَذَا بُسُر فتضمّ وَلَا تقولُ أكلتْ من بُسِرْ فتكسر لِئَلَّا تخرجَ من ضمٍّ إِلَى كسر لازمٍ فِي حَشْو وَلَا تَقول هَذَا زَيُدْ فتنقل لِئَلَّا يَتَحَرَّك حرفُ العلّة
فصل

وأمَّا التشديدُ فَهُوَ أنْ يُشدّد حرفُ الإعرابِ إِذا كَانَ صَحِيحا قبلَه متحرِّكٌ فِي الرّفْع والجرّ وَفِي النَّصب إِذا لم يكُنْ مُنوّناً كَقَوْلِك هَذَا خالدٌ وَهُوَ محمدٌ ورأيتُ الرجلّ وإنَّما فعلوا ذَلِك اهتماماً بالإعرابِ أَيْضا وَجعلُوا الْحَرْف السَّاكنَ عِوضاً من الْحَرَكَة كَمَا جعلُوا حروفَ المدِّ فِي مَوضِع كالحركات
فصل

وأمَّا الإبدالُ من التنوينِ فأكْثَرُ الْعَرَب تُبْدِلُ مِنْهُ فِي النصبِ ألفا وَلَا تُبدلُ مِنْهُ فِي الرّفْع والجرِّ وَفِي ذَلِك وَجْهَان
أَحدهمَا أنَّ القياسَ يَقْتَضِي تَرْكَ البدلِ فِي الْجَمِيع لأنَّ البدلَ كالأصلِ وكما لَا تُثبتُ الاصلَ فَكَذَا يَنْبَغِي فِي الْبَدَل وَلَكِن أُبْدِل فِي النصب لخفّة الفتحة والألفَ

(2/199)


وَالثَّانِي أنَّ القياسَ هُوَ الإبدالُ فِي الْجَمِيع ليتبيَّن أنَّ التَّنْوِين هُوَ مستحقّ فخرجَ فِي النصب على الأَصْل وَامْتنع فِي الرّفْع والجرِّ لأمرين
أَحدهمَا ثقلُ الضمَّةِ وَالْوَاو والكسرة وَالْيَاء
وَالثَّانِي اللَّبْس فالواو تَلْتَبِسُ بواوِ الجمعِ أَو واوِ الاستذكار والياءُ فِي الجرِّ تلتبسُ بياءِ الجمعِ أَو ضمير المتكلِّم وَمن العربِ مَنْ لَا يُبدل فِي النصب كَمَا قَالَ الْأَعْشَى من // المتقارب //

(2/200)


(وآخُذُ من كلِّ حيٍّ عُصُمْ ... )
أَي عصما وقاسوه على الرّفْع والجر
وَمِنْهُم مَنْ يُبْدِل فِي الرّفْع واواً وَفِي الجرِّ يَاء كَمَا يُبْدل فِي النصب ألفا وهم أزْدُ السراة وَلَا يحتفلون بالثّقل واللّبْس
فصل

وأمَّا الإبدالُ فِي غير التنوينَ فَمن التّاء وَالْألف والهمزة وَالْيَاء أما التَّاء فَإِن كَانَت للتّأنيثِ أُبْدلت فِي الوقفِ هَاء فِي الْأَحْوَال الثَّلَاث لأنَّهم أرادُوا أنْ يَفْصِلوها من غيرِ تَاء التَّأْنِيث وإنَّما اخْتَارُوا الْهَاء لما نذكرهُ فِي حُرُوف الْبَدَل إِن شَاءَ الله نَحْو ضَارِبه ولَمّا كَانَت التّاءُ تثْبُتُ فِي الكلمةِ إمَّا أصْلاً أَو كالأصليّ وصْلاً

(2/201)


ووقفاً نَحْو الرّفات والفرات أُبدل مِنْهَا إِذا كَانَت تاءُ تَأْنِيث للْفرق وَمن الْعَرَب مَنْ يثبتُها فِي الْوَقْف وَمِنْه قَول يَا أهلَ سُورَة الْبَقَرَة ت فَقَالَ مُجيبٌ مَا أحفظ مِنْهَا وَلَا آيتْ وَلَا يبدِلُ هُنَا من التَّنْوِين ألفا
فصل

وأمَّا الإبدالُ من الألفِ فقد جَاءَ ذَلِك فِي نَحْو حُبْلَى وأفْعَى فَمنهمْ مَنْ يقفُ على الألفِ وَهُوَ الأكثَرُ وَمِنْهُم مَنْ يبدِلُها واواً قبلَها الفتحةُ وَمِنْهُم من يبدلها يَاء قبلهَا الفتحة وَمِنْهُم مَنْ يُبدِلُ ألفَ فُعلى همزَة فَتَقول حبلاً
فصل

وأمَّا الهمزةُ فإنْ كَانَت قبلَها ألفُ مدٍّ نَحْو كِساء فَالْحكم فِيهَا كسائرِ الحروفِ الصِّحَاح فتُحَققُ الهمزةُ فِي الوقْفِ على مَا يُمكن فِيهَا من المذاهبِ الْمَذْكُورَة وإنْ لم تكن قبلَها ألفٌ بل كانَ متحركاً نَحْو الْخَطَأ والكلأ فالجيِّد همزُها وفيهَا من الْمذَاهب مَا ذكرنَا

(2/202)


وَمِنْهُم مَنْ يُبدِلُها واواً فِي الرّفْع وألفاً فِي النصب وياءً فِي الجرّ ويُتْبِعها مَا قبلَها وإنْ كَانَ مَا قبلَها سَاكِنا صَحِيحا نَحْو الْخَبْء والوَثْء فالمشهورُ إقرارُها فِي الوقفِ سَاكِنة وفيهَا من الْمذَاهب مَا تقدَّمَ وَمِنْهُم مَنْ يُلْقي حركةَ الهمزةِ على مَا قبلهَا ويحْذِفُها فَيَقُول هَذَا الوثُ بغيرِ همزٍ فِي الْأَحْوَال الثَّلَاث لَكِن يضمّ الثَّاء فِي الرّفْع وَبِفَتْحِهَا فِي النصبِ وبكسرِها فِي الجرِّ كَمَا كَانَت الْهمزَة كَذَلِك وَمِنْهُم مَنْ يُبْدِلها واواً فِي الرَّفعِ ويضمُّ مَا قبلهَا وياءً فِي الجرِّ ويكسِرُ مَا قبلهَا وألفاً فِي النصب
فصل

وَأما الياءُ إِذا سُكّن مَا قبلهَا نَحْو ظَبْي ورَمْي وعَدِيّ فالجيِّد إقْرارُ الْيَاء وَمِنْهُم مَنْ يبدلها جيماً

(2/203)


فصل

وأمَّا الحذفُ فَفِي المنقوصِ نَحْو قاضٍ وعَمٍ إِذا نوّن وَوُقِفَ عَلَيْهِ رفعا أَو جرّاً فَفِيهِ مذهبان
أَحدهمَا حذفُ الياءِ وإسكانُ مَا قبلَها كَالصَّحِيحِ فإنَّه يُحذف مِنْهُ التَّنْوِين والكسرةُ الَّتِي قبله
وَالثَّانِي إثباتُ الْيَاء لأنَّها حُذفت فِي الْوَصْل بسببِ التَّنْوِين وَلَا تنوينَ فِي الوقْفِ فَلَا علّة للحذف فَإِن قيلَ هَذَا يوجبُ أَن يكونَ إثباتُها أوْلى قيل لَا لأنَّ الوقفَ عارضٌ والعارضُ كَغَيْر المعتدّ بِهِ فأمَّا فِي النصبِ فيوقَفُ بِالْألف المبدَلةِ لأنَّ الْيَاء تَثْبُتُ فِيهِ وَصْلاً
فصل

فَإِذا لم يكنِ المنقوص منوَّناً للألفِ وَاللَّام فالجيّدُ الْوَقْف عَلَيْهِ فِي الرّفْع والجر

(2/204)


بِالْيَاءِ لأنَّها تثبتُ فِي الوصْلِ لعدم موجبِ الْحَذف فَلم تتغيّر فِي الْوَقْف وَيجوز حذفُها وَفِيه وَجْهَان
أحدُهما الفَرْقُ بَين الْوَصْل والوقفِ وَلَا فارقَ إلاّ الْيَاء
وَالثَّانِي أنَّهم قدَّروا الاسمَ نكرَة مَوْقُوفا عَلَيْهِ ثمَّ أدخلُوا عَلَيْهِ الألفَ واللاّم وَهُوَ كَذَلِك فبقيَ على حَاله
فأمَّا فِي النصب فالياءُ لَا غير لأنَّها تتحرَّكُ فِي الْوَصْل وحذفت حركَتُها وَكفى بِهِ فَرْقاً
فصل

فَإِن ناديت الاسمَ المنقوص فمذهب سِيبَوَيْهٍ إِثْبَات الياءِ لأنَّه مَوضِع لَا ينوّن وَمذهب يُونُس حذفهَا للْفرق وَاتَّفَقُوا على إِثْبَاتهَا فِي قَوْلك يَا مُري وَهُوَ اسْم الْفَاعِل من أرى لأنَّهم لَو حذفوها لبقي الِاسْم على حرفين

(2/205)


فصل

وأمَّا الوقفُ على المقصورِ المنوّن فَفِيهِ ثلاثةُ مذاهِبَ
أحدُها الوقفُ على الألفِ الَّتِي هِيَ من نفس الْكَلِمَة فِي الرّفْع والجرّ وعَلى بدلِ التَّنوينِ فِي النصبِ وَحذف حرفِ الْإِعْرَاب لالتقاء الساكنين وَهُوَ قولُ سِيبَوَيْهٍ
والمذهبُ الثَّاني الوقفُ على حرفِ الإعرابِ فِي الأحوالِ الثَّلَاث
والمذهبُ الثَّالِث الوقفُ على ألف التَّنْوِين فيهنّ
وحجَّة الأوَّلين أنَّ المعتلّ مقيسٌ على الصحيحِ والمختارُ فِي الصَّحِيح أنْ لَا يبدلَ من تنوينهِ فِي الرّفْع والجرّ ويبدل مِنْهُ فِي النصب
فإنْ قيل يلْزم عَلَيْهِ أَمْرَانِ
أَحدهمَا أنَّ الصَّحِيح فُعِل بِهِ ذَلِك لأنَّ الفرقَ فِيهِ يظْهر وَهنا لَا يظْهر
وَالثَّانِي مَا يُذكر فِي حجَّةِ المخالفِ قيل عَنهُ جوابان

(2/206)


أحدُهما أنَّ الفرقَ ثابتٌ وَذَلِكَ أنَّك إِذا وقفتَ على الْألف المبدلة من ياءٍ فِي الرّفْع والجرّ كتبتها يَاء وأملْتها وجعلتها رَوْماً وَفِي النصب لَا يثبتُ شيءٌ من ذَلِك
وَالثَّانِي أنَّ الحكمَ إِذا كَانَت لَهُ علّة ووجدتْ أثبتَ حكمهَا سَوَاء ظهر الفَرْقُ أَو لم يظْهر
واحتجَّ للمذهبِ الثَّانِي بثلاثةِ أَشْيَاء
أَحدهَا عدم الْفرق
وَالثَّانِي الألفُ فِي النصب قد أُميلت وكتبت يَاء فِي قَوْله {أَوْ أَجِدُ عَلى النَّارِ هُدَى}
والثالثُ أنَّها وقعتْ رويّاً كَقَوْل الشَّاعِر من // الرجز //
( ... إنَّكَ يَا بنَ جَعْفَرٍ خيرُ فَتى)
إِلَى أَن قَالَ
(وربّ ضَيْفٍ طَرَقَ الحيَّ سُرى ... صادفَ زاداً وحديثاً مَا اشْتَهى)
(إنَّ الحديثَ طرفٌ من الْقرى ... )

(2/207)


فالألفُ فِي سُرَى رَويّ كَمَا أنَّ الألفَ فِي بَاقِي الأبيات كَذَلِك إِذا كَانَ مَا قبل الألفِ مُخَالفا والرويّ لَا يخْتَلف وَلَو كَانَت بَدَلا من التَّنْوِين لم يكنْ رَويّاً كَمَا لَا يصحّ أَن تَجْمَعَ فِي قصيدةٍ بَين قولِك رايت زيدا وَبَين الْعَصَا والعلا
واحتجَّ أربابُ المذهبِ الثالثِ بأنَّ الموجِبَ لإبدال التنوينِ ألفا فِي الِاسْم الصَّحِيح فتحةُ مَا قبلَه والتنوينُ فِي الْمَقْصُور كَذَلِك فِي الأحوالِ الثَّلَاث
والجوابُ أمَّا الفرقُ فقد ذَكرْنَاهُ وأمَّا إمالتُها وكتْبُها بِالْيَاءِ فِي الْآيَة فجوابُه من وَجْهَيْن
أحدُهما أنَّ ذَلِك جاءَ على لُغَة مَنْ لم يُبْدِلْ من التنوينِ ألفا فِي الصَّحِيح
والثَّاني أنَّها أشْبَهت لامَ الكلمةِ فِي اللَّفْظ فَقَط فأُجري عَلَيْهَا شيءٌ من أحكامِها وَقد أُميلت فِي نَحْو كتبت كتابا
وأمَّا وُقُوعهَا رويّاً فجوابُه هَذَانِ الْوَجْهَانِ وأمَّا شُبْهَةُ الْمَذْهَب الثَّالِث فضعيفةٌ لأنَّ التنوينَ فِي الِاسْم الصَّحِيح أُبْدِلَ بعد فتحةِ الْإِعْرَاب والفتحةُ قبلَ التَّنْوِين فِي الْمَقْصُور فتحةُ بناءٍ لأنَّها عينُ الْكَلِمَة أَو مَا يجْرِي مَجْراها فَلَا تكونُ تَابِعَة لَهَا
فصل

وَقد زيدت الهاءُ فِي مواضعَ قُصِدَ بهَا بيانُ الحركةِ فَمن ذَلِك قولُهم لِمَهْ وعَلامَهْ لأنَّ الألفَ هُنَا محذوفةٌ من مَا فَلَو سَكّنتَ لم يبقَ على المحذوفِ دَلِيل وَلَو وُقِفَ عَلَيْهَا متحركةً لخُفِّفت الحركةُ ولكان مناقضاً لحكمِ الوقفِ فزيدت الهاءُ لتبقى الحركةُ ويكونَ الوقفُ على الهاءِ سَاكِنة وَمن ذَلِك اغزه وارمه واخشه

(2/208)


وَالْعلَّة مَا ذكرنَا وَمن ذَلِك كِتَابيَهْ وحِسَابيَهْ وَمن ذَلِك قراءةُ بَعضهم / لعلّكم تتفكّرونَهْ / والمتّقينَهْ وَكَأَنَّهُ كره اجْتِمَاع الساكنين

(2/209)


= كتاب التصريف =
ويَنبغي أنْ يقدّم الشُّروع فِيهِ أبنيةُ الأسماءِ والأفعالِ لتعلم الْحُرُوف الأصليةُ والزائدةُ فأمَّا الحروفُ فَلَا يُعرفُ لَهَا اشتقاق حتَّى تقضيَ على بعضِ حروفِها بالزِّيادةِ والانقلابِ أَلا تَرى أنَّ الألفَ فِي مَا لَو كَانَت منقلبةً لكانتْ عَن واوٍ أَو ياءٍ وَلَو كانَ كَذَلِك لخرجَتَا على الأصلِ لأنَّهما فِي مثلِ ذلكَ ساكِنان فَكَانَت تكونُ مَوْ أوْ مَي مثل لَو وكي
فصل

والأسماءُ الَّتي كلُّ حروفِها أصلٌ على ثلاثةِ أضْرُبٍ ثلاثية ورباعية

(2/210)


وخماسيّة وليسَ فِيهَا سُداسِيَّة وإنَّما اجتُنِبَ ذلكَ لِطُوله وأقلُّ الأُصولِ ثلاثةُ أحرفٍ لأنَّ الحاجةَ تَدْعو إِلَى حَرْفٍ يُبدأ بِهِ وحرفٍ يُوقَفُ عَلَيْهِ وحرفٍ يُفْصَلُ بِهِ بينَهما لئلاّ يَلِي الابتداءَ الوقفُ لأنَّ المُتَجاوِرَين كالشَّيءِ الواحدِ والابتداءُ والوقفُ مُتَضادّان فَلذَلِك فُصِل بينَهما
فصل

وإنَّما لم يكنِ السُّداسيّ أصلا لأنَّه ضِعْفُ الأصلِ الأوَّلِ فَيصير كالمركَّب مثل حَضْرَمَوْت فَنَقَصُوه عَن ذَلِك
فصل

وَقد يَبلغُ الاسمُ الثلاثيُّ بالزيادةِ إِلَى سَبْعة أحرف كَقَوْلِك اشهَابّ الشيءُ اِشْهيْبَاباً واحْمَارّ اِحْمِيراراً وَلم يَزْد على ذَلِك
فأمَّا قَرَعْبُلانة فالحرفُ الثامنُ تَاء التَّأْنِيث وهُوَ فِي حُكْم المنْفَصِل
فصل
وأمَّا أُصولِ الأفْعَال فأصلان ثُلاثِيةٌ ورُباعِية وَلم يأتِ مِنْهَا خُماسيّ لوَجْهَيْنِ
أَحدهمَا كثرةُ تصرّفِها والزيادةُ عَلَيْهَا فَلَو كَانَت خَمْسَة لثقلت

(2/211)


وَالثَّانِي أنَّ الفعلَ فَرْعٌ على الِاسْم فنقصَ عَنهُ لمَكَان الفَرْعِيّة
فصل

وأكثرُ مَا يصير الفعلُ بالزيادةِ سِتَّة أحْرف وَذَلِكَ أنَّهم زادوا على أَكثر أصولِ الأسْماء حرفين فَفَعلوا مثلَ ذَلِك فِي الْفِعْل فَلَو زادوا ثَلَاثَة لكانَ الفعلُ أوسعَ من الِاسْم وهم قد مَنَعوا الفعلَ من أنْ يُساويَ الاسمَ فِي الأصولِ فَكَذَا فِي الزِّيَادَة
فصل

وَقد يُزادُ على الفعلِ الثُّلاثيّ حرفٌ مثل أجرم وحرفان مثل انْطلق وَثَلَاثَة مثل استخرجَ وعَلى الرباعي حرفان مثل احرَنْجَم
فصل

فِي أبنيةِ الأسماءِ الأُصول
أمَّا الثلاثيّةُ فجميعُ مَا يُتصوّر مِنْهَا اثْنَا عشر وسببُ ذَلِك أنَّ الأوَّلَ والأخيرَ متحركان لَا محالةَ فيبْقَى الوسطُ فيمكنُ أَن يكون سَاكِنا وَله أنْ يكون متحركاً بثلاثِ حركات فيصيرَ مَعَ السكونِ أَرْبَعَة فيضربُ ذَلِك فِي عدّة الحروفِ فيكونُ اثنى عشر إلاَّ أنَّ بناءين مِنْهَا سَقَطا للثِّقل أَحدهمَا فِعُلَ بِكَسْر الْفَاء وضمِّ الْعين لثقل الْخُرُوج من كسرٍ إِلَى ضمٍّ لَازم
وَالثَّانِي عكسُه وَهُوَ ضمُّ الْفَاء وكسرُ الْعين وَقد حُكِيَ الدُّئِل اسْم دُوَيبة ورُئِم اسْم آخر وَمِنْهُم مَنْ قالَ هما فعلان فِي الأَصْل سمّيَ بهما

(2/212)


فأمَّا العشَرةُ المستعملةُ فَفَعْلٌ كفَلْس وفَعَل كَجَبَل وفَعُل مثلُ عَضُد وفَعِل مثلُ كَتِف وفِعْل كجِذْع وفِعَل مثل ضِلَع وفِعِل مثل إبِل وَالَّذِي جَاءَ مِنْهُ قليلٌ وَهُوَ إِبل وإِبد وامرأةٌ بِلِزٌ وإِطِل وفُعْل مثل قُفْل وفُعُل مثل طُنُب وفُعَل مثل جُرَذ
فصل

وأمَّا الرباعيةُ فجَاء مِنْهَا خمسةٌ بغيرِ خلافٍ
فَعْلَل مثل جَعْفَر وفُعْلُل مثل بُرْثُن وفِعْلِل مثل زِبْرِج وفِعْلَل مثل دِرْهَم وفِعَلٌ مثل سِبَطْر
والمختلف فِيهِ فُعْلَل مثل جُخْدَب فسيبويه لَا يُثبتهُ وأثبته الْأَخْفَش
فصل

وأمَّا الخماسيّةُ فجاءَ مِنْهَا أربعةٌ بِلَا خلافٍ وواحدٌ مختلَفٌ فِيهِ

(2/213)


فالأربعةُ فَعَلّلٌ مثل سَفَرْجَل فَعْلَلِلٌ جَحْمَرِشٌ فِعْلَلٌ جِرْدَحْل فُعَلّل قُذَعْمِل
والمختلف فِيهِ فُعْلَلِل هُنْدَلِع فَلم يُثبتهُ سِيبَوَيْهٍ وَحَكَاهُ ابنُ السراج
فصل

وأمَّا الفعلُ فأصلان ثلاثيّ ورباعيّ ونَقَصُوه عَن أكثرِ الأٍسماء لحاجتهم إِلَى كثرةِ تصريفِ الفعلِ وإلحاقِ الزوائدِ بِهِ للمعنى
فصل

وأبينةُ الثُّلاثيّ ثلاثةٌ مفتوحُ الْعين ومكسورُها ومضمومُها فأمَّا الفاءُ فَمَفْتوحةٌ أبدا إلاّّ أَن تُنْقَلَ إِلَيْهَا حركةُ العينِ أَو تتبع الْعين
وَذَلِكَ نَحْو ضَرَبَ وعَلِمَ وظَرُفَ وَالْمَنْقُول نَحْو قِيلَ وبِيعَ وَقد حُسْنَ وَجْهُه والمُتْبَع نَحْو لِعِبَ وشِهِدَ ونِعِمَ تُرِيدُ لَعِبَ وشَهِدَ ونَعِمَ

(2/214)


وَبِنَاء الرباعيّ واحدٌ وَهُوَ فَعْلَلَ نَحْو دَحْرَجَ وسَرْهَف وكلّ ذَلِك يُبْنى لِمَا لَمْ يُسَمَّ فاعلُه فيضمّ أوَّله إلاَّ أَن يَعْرِض لَهُ مَا يوجبُ الْكسر
فصل

وابنيةُ الأفعالِ أصليّها وزائدها تسعةَ عشرَ ثلاثةٌ فِي الثلاثي وواحدٌ فِي الرباعيّ هَذَا بِغَيْر زيادةٍ فأمَّا مَعَ الزيادةِ فالثُّلاثي يجيءُ بالزيادةِ على ثلاثةَ عشرَ بِنَاء
أَحدهَا أفعلَ مثل أكْرَمَ
وَالثَّانِي فعَّل مثل كرَّم
وَالثَّالِث فاعَل نَحْو قاتَل
وَالرَّابِع انفعل مثل انْطلق

(2/215)


وَالْخَامِس استفعَل مثل استخرَجَ
وَالسَّادِس افْتَعَل مثل اقتَطَعَ
وَالسَّابِع افعنْلَى مثل احرنْبَى واسْلَنْقَى
وَالثَّامِن تفعَّل مثل تكَسَّر وتقَطَّع
وَالتَّاسِع تفاعَل مثل تحامل وتقادم

(2/216)


والعاشرُ افعلَّ مثل احمَرَّ واصفَرَّ
وَالْحَادِي عشر افعالّ مثل احَمارَّ واشهَابَّ
وَالثَّانِي عشر افْعَوعَل مثل اخْشَوْشَن واحْلَوْلَى من الحلو
وَالثَّالِث عشر افعوّلَ من اخروّطَ من الخَرْط
وأمَّا زَوَائِد الرباعيّ فلهَا بناءان
أَحدهمَا تَفَعْلَلَ نَحْو تَدَحْرَج وتقرطس

(2/217)


وَالثَّانِي افعنلَلَ نَحْو احرنْجم واعلنكس
فأمَّا اقشعرّ واطمأنّ فَهُوَ رُباعي لِقَوْلِك القُشَعْرِيرة والطُّمَأْنينة إلاّ أنّهم ألحقوه باحرنجم فزادوا فِي أوّله همزةَ الوصلِ وأدغموا الْأَخير فوزنُه الآنَ افعَلَلّ وَلَا يممتنعُ أَن تجعلَ هَذَا بِنَاء ثَالِثا فِي زَوَائِد الرباعيّ فتكمل بِهِ العدّة عشْرين وَفِي هَذِه الزوائدِ مَا هُوَ لإلحاقِ أصلٍ بأصلٍ آخر وسنبيّن معنى الملحَق وحكمَه

(2/218)


بابُ حدِّ التصريف وَفَائِدَته

أمَّا حدُّه فَهُوَ تغييرُ حروفِ الْكَلِمَة الأصولِ بزيادةٍ أَو نُقٌصانٍ أَو إبدالٍ للمعاني الْمَطْلُوبَة مِنْهَا وَهَذَا يتعلَّقُ بحدِّ الِاشْتِقَاق وَقد قالَ الرّماني الاشتقاقُ اقتطاعُ فَرْعٍ من أصْلٍ يدورُ فِي تصاريفه الأصلُ وَهَذَا يحصلُ مِنْهُ معنى الِاشْتِقَاق وَلَيْسَ بحدّ حقيقيّ
فصل

وأمَّا فائدةُ التصريفِ فحصولُ الْمعَانِي الْمُخْتَلفَة المتشعبة عَن معنى وَاحِد والعلمُ بِهِ أهمّ من معرفةِ النَّحْو فِي تعرّف اللُّغَة لأنَّ التصريف نظرٌ فِي ذَات الْكَلِمَة والنحو نظر فِي عوارض الْكَلِمَة
فصل

واشتقاقُ التَّصريف من صرفت الشَّيْء إِذا قلبته فِي الجهاتِ فتصرف أَي قبل التصرّف وصرفته بِالتَّخْفِيفِ فَانْصَرف أَي قبل هَذَا الْأَثر
فصل

وحروفُ الكلمةِ الأُصول هِيَ الَّتِي تلزمُ الكلمةَ فِي جَمِيع تصاريفها إلاَّ لعارضٍ

(2/219)


ويُقابل أوَّلها بِالْفَاءِ وَثَانِيها بِالْعينِ وَثَالِثهَا بِاللَّامِ فَإِن كَانَت ربَاعِية أَو خماسية كررت فِيهَا اللَّام إِلَّا أَن يكون الأصليّ مكرراً فإنَّكَ تكررُ مَا يُقَابله فِي المثالِ الْمَوْضُوع
وأمَّا الزائدُ فُيؤتى بِعْ بعينِه فِي المثالِ المصُوغِ للاعتبار مِثَاله ضَرْبٌ فَهَذَا مصدرٌ هُوَ مادَّةٌ للأفعالِ المأخوذةِ مِنْهُ وأسماءِ الفاعلين والمفعولين وَأَسْمَاء الزَّمَان وَالْمَكَان فالفعلُ ضرب يضْرِب اِضرِبْ وَقد يُزاد عَلَيْهِ للمعاني السّين والتاءُ وهمزةُ الْوَصْل ونونُ الانفعال وَالتَّاء وَالْألف لوقوعِه من اثْنَيْنِ نَحْو استضربَ واضطرب وانضرب وتضاربا وَمَا يتشعب عَن ذَلِك
وتزاد الْمِيم فِي الْفَاعِل وَالْمَفْعُول وَالزَّمَان وَالْمَكَان نَحْو مضَارب ومضروب ومضرب ومضرب وَمَا أشبه ذَلِك وَالضَّاد وَالرَّاء وَالْبَاء أصُول كلّها لوجودها فِي جَمِيع الْأَمْثِلَة وأمَّا الميمُ وَالنُّون والتاءُ والهمزةُ فزوائد لأنَّها تُوجد فِي بَعْضهَا دون بعضٍ
فصل

وإنَّما قابلوا الحروفَ الْأُصُول بِالْفَاءِ وَالْعين وَاللَّام دون غَيرهَا من الْحُرُوف لوَجْهَيْنِ

(2/220)


أَحدهمَا أنَّ التصريف فِي الأصْلِ مِن أَحْكَام الْأَفْعَال فلَمَّا أَرَادوا اعتبارَها جعلُوا المعيارَ لذَلِك حُروفَ الْفِعْل تَنْبِيها على هَذَا الأَصْل
وَالثَّانِي أنَّهم بَنَوا هَذَا المِعْيارَ من مخارج الْحُرُوف الثَّلَاثَة وَهِي الشفتان ووسط الْفَم وَالْحلق فالفاءُ شفهية وَالْعين حلقية واللامُ من وسط الْفَم
فصل

وَإِذا كَانَ التصريفُ عبارَة عَن تَغْيِير الْكَلِمَة فالتغييرُ إمَّا أَن يكونَ بِزِيَادَة أَو نقصانٍ أَو إبدالٍ وَالزِّيَادَة إمَّا بحرفٍ أَو بحركة وَكَذَلِكَ النُّقْصَان وَالْبدل
فأمَّا زيادةُ الحروفِ فعلى ضَرْبَيْنِ زيادةٌ من جِنْسِ الأصلِ وزيادةٌ من غير

(2/221)


جِنْسه فالَّتي من جِنْسِ الأَصْل تضعيفُ العينِ واللاّم فأمَّا الْفَاء فَلم تَتَكَرَّر وَحدهَا إلاَّ فِي كَوْكَب وأوَّل على رَأْي الْبَصرِيين وَلَيْسَ معنى تكريره أنَّ الْفَاء تكرّر فِي الْمِثَال فَيُقَال فوفل وَلَا أفّل لأنَّ مِثَال الأَصْل هُنَا ثَلَاثَة وَلم تَتَكَرَّر الْفَاء بعد اسْتِيفَاء الأَصْل وَقد كُرّرت الْفَاء وَالْعين فِي مَرْمَريس ومَرمَريت ووزنه فعفعيل وأمَّا تَكْرِير الْعين فكقولك علَّم وضّرَّب ووزنه فَعّل بتَشْديد الْعين
وأمَّا تَكْرِير اللاّم وَحدهَا فَمثل جلبب وشملل ووزنه فَعْلل وَلم يُدغم لِأَن

(2/222)


الزِّيَادَة للإلحاق وَقد تكَرر اللَّام مرَّتَيْنِ نَحْو سفرجل ووزنه فَعلّل وَهَذَا من غير جنس الأَصْل وَإِنَّمَا تكرّر فِي الْمِثَال وَقد تَكَرَّرت الْعين وَاللَّام مثل صمحمح مِثَاله فعلعل فأمَّا قلقل وزلزل فوزنه فعلل وَقَالَ قومٌ فعفل وَهُوَ ضَعِيف لِأَن تَكْرِير اللَّام هُوَ الْكثير وتكرير الْفَاء شَاذ وَكَون الْحَرْف الثَّالِث من جنس الأوَّل لَا يُوجب مُقَابلَته بِالْفَاءِ أَلا ترى أنَّ أَصله قلق ووزنه فَعل مثل سَلس
وأمَّا الزِّيَادَة من غير الْجِنْس فعشرة أحرف وَهِي الْوَاو وَالْيَاء وَالْألف والهمزة وَالْمِيم والتّاء وَالنُّون وَالسِّين وَالْهَاء واللاّم وَقد جمعتُها فِي لم يأتنا سهوٌ وَقد جمعت فِي الْيَوْم تنساه وَفِي سألتمونيها وَفِي اسلتمونيها وَفِي يَا أوسُ هَلْ نمتَ وَفِي هويتُ السّمان وَمعنى كَونهَا زائدةٌ أنَّها تكون فِي بعضِ الْمَوَاضِع زائدةٌ لَا فِي كلِّ موضعٍ بل قد تكون كلّها أصولاً أَلا ترى أنَّ أَوَى وَيَوْم وسل كلّها أصُول
فصل

ويُعرّفُ الزائِدُ من الأصليّ بثلاثةِ أشياءَ

(2/223)


الِاشْتِقَاق وَهُوَ أثبتُها
وعدمُ النظير فِي الْأُصُول
وكثرةُ زيادةِ ذَلِك الْحَرْف
فمثالُ الْمَعْرُوف بالاشتقاق مَضْرُوب ومستضرب فالميم وَالْوَاو وَالسِّين وَالتَّاء زَوَائِد لأنَّها غيرُ مَوْجُودَة فِي ضَرْب وضَرَبَ
وَمِثَال عدمِ النظيرِ كَنَهْبَل فالنونُ زَائِدَة لَا من طَرِيق الِاشْتِقَاق بل من جِهَة أنَّها لَو جُعلت أصْلاً لكانَ وزنُ الْكَلِمَة فعلّلٌ وَلَا نظيرَ لَهُ فِي الْأُصُول فيُقْضى عِنْد ذَلِك بِزِيَادَة النُّون
ومثالُ الْكَثْرَة زيادةُ الْهمزَة أفْكَل فإنَّ الهمزةَ فِيهِ زَائِدَة لَا من طريقِ الِاشْتِقَاق إذّ لَا يُعرف من الفاءِ والكافِ واللاَّم بِناءٌ غيرُ هَذَا وَلَا مِنْ عدم النظير لأنَّ الهمزةَ لَو كَانَت أصلا لكانَ وزنُ الْكَلِمَة فَعْلَلاً ونظائِرُه كثيرةٌ
وَقد يجْتَمع فِي الكلمةِ دليلان من هَذِه الثلاثةِ يقضيانِ زيادةَ الْحَرْف مثل أحْمر فإنَّ الاشتقاقَ والكثرةَ يدلاَّن على زيادةِ الْهمزَة
وتنْضُب يدلُّ الِاشْتِقَاق وعدمُ النظير على أنَّ التَّاء زائدةٌ واجتماعُ الثَّلَاثَة قَلِيل وسنبيّن ذَلِك فِي كلِّ حرفٍ نمرُّ بِهِ إِن شَاءَ الله تَعَالَى
فصل

وَإِذا اعتبرتَ الكلمةَ قابِلتَ الأُصولَ بِالْفَاءِ وَالْعين واللاّم وأتيت بِالزَّائِدِ بِعَيْنِه

(2/224)


فتقولُ فِي ضارِب فَاعل وَفِي مَضْرُوب مَفْعول وَفِي ضَريب فَعِيل وَفِي مُسْتَضْرب مستفعِل وكذلكَ مَا أشْبَهه فإنْ كانْ قد نُقِصَ من أصلِه شيءٌ نقصتَه فِي الْمِثَال نَحْو أقمتُ فوزنه أفَلْتُ وَإِن قُدّم أصلٌ من مَوْضعِه قدّمتَه فِي الْمِثَال نَحْو أيْنُق وَزنه أَعْفُل
فصل

وحروفُ الزِّيادة تُزادُ لسبعةِ أَشْيَاء وهيَ فِي الْمَعْنى مثلٌ ألفِ ضَارب وَمِيم مُكْرم والإلحاقُ مثل الْبَاء فِي جَلْبب والمدُّ فِي الْألف وَالْيَاء وَالْوَاو فِي كتاب وقَضيب وَرَسُول والتَّعويض وذلكَ فِي التكسير والتَّصْغير نَحْو سَفَارج وسُفَيْرِج والتكثير مثل ألف قَبَعْثَرَى والتوصُّل وَهِي همزةُ الْوَصْل لأنَّها تُوصِّل بهَا إِلَى النُّطْقِ بالسَّاكن وَالْبَيَان مثل هَاء السكت فِي كِتابِيَهْ وحِسَابِيَهْ
فصل

والأصْلُ فِي هَذِه الحروفِ فِي الزِّيَادَة حروفُ المدِّ لِسُكونِها واستطالتِها ولين الصَّوت بهَا وعُذوبةِ النُّطْق بهَا وَالْبَاقِي مشبَّهٌ بهَا أَو بِمَا يُشْبهه فالهمزةُ تُشْبِهُ الألفَ إِذْ هِيَ مِنْ مَخْرجها وتحوّلُ إِلَيْهَا وتُصوّرُ بصورتها والنونُ تشبهُ الْوَاو أَيْضا فِي مَخْرجها وغُنَّتها وَتغَير طبيعتها بالحركة وَالْمِيم تشبه الْوَاو فِي مخرجها وغنتها وَالتَّاء تشبه

(2/225)


الْوَاو لقربِ مخرجها مِنْهَا وهمسها وانتشارها والنفخ المصاحبِ لَهَا والسّينُ تشبه التَّاء فِي الهمس والهاءُ تشبه الْألف لخفائِها وقُرْبها مِنْهَا فِي المخرَج وتشبهُ الهمزةَ أَيْضا واللاّمُ تُشْبه النونَ فِي انبساطها وتقرب من مخْرَجِها لأنَّ اللاّمَ تخرجُ من أسَلَةٍ اللسانِ وحافته الْيُمْنَى والنونُ من أَسَلة اللِّسَان
فصل

وتكثرُ زيادةُ هَذِه الحروفِ وتقلُّ على قَدْر نِسْبتها من حروفِ المدِّ لأنَّ حروفَ المدِّ أكثُرها زِيَادَة
فصل

وأصلُ التَّصريفِ الزيادةُ لأنَّ الأغْراضَ الَّتِي ذَكَرْناها لَا تتعلَّقُ إلاَّ بهَا فأمَّا البدلُ فلأمرٍ لَفْظِي

(2/226)


بابُ زِيَادَة حُرُوف المدّ

وَهِي الواوُ والياءُ والألفُ
اعْلَم أنَّ الألفَ لَا تكونُ أصلا فِي الأفعالِ والأسماءِ المعْرَبة وإنَّما تكونُ إمَّا بَدَلاً وإمَّا زَائِدَة فَكونُها بَدَلا يُذكَر فِي بَابه وأمَّا كونُها زَائِدَة فَلَا تقعُ أوّلاً بحالٍ لأنَّها ساكنةٌ والابتداءُ بالسَّاكن مُحال بل تقَع ثَانِيَة كالألفِ فِي فَاعل مثل ضارِب وكابِر وثالثةٌ كألفِ التكسير نَحْو دَراهِم ودَنانير وكألفِ المدِّ المحْضِ مثل كتاب وحِسَاب ورابعةٌ نَحْو شِمْلال وحِمْلاق وخامسةً نَحْو حَبَرْكى وسادسةً للتكثير نَحْو قَبَعْثَرى وضَبَغْطرى وَلم يجيءْ على غيرِ هَذَا
فأمَّا ألفاتُ الحروفِ مثل ألف مَا وَلَا وبَلى فأَصْلٌ لأنَّه لَا اشتقاق للحروف يُعْرَف بِهِ الأصلُ من الزّائد وَكَذَلِكَ الْأَسْمَاء الموغِلةُ فِي شبه الْحُرُوف نَحْو الفِ إِذا ومَتى وَمَا يُعْرَف بِهِ زيادةُ الْألف فِيمَا ذكرنَا قد تقدّم ذِكْرُه

(2/227)


فصل

وأمَّا الياءُ فقد زيدَت أوّلاً للمضارعة نَحْو يضْرِب وثانيةً فِي فَيْعل نَحْو صَيْرَف وخَيْفَق وثالثة فِي فَعِيل نَحْو قَضيب وظريف وَفِي فِعْيل بِكَسْر الْفَاء نَحْو عِثْير وحِذْيم فأمَّا فَعْيَل بِفَتْح الْفَاء فليسَ فِي الْكَلَام ورابعةً كالياء فِي قِنْديل وخامِسةً كياءِ قناديل والسلحفية

(2/228)


وأمَّا الواوُ فَلَا تُزادُ أوّلاً لِوَجْهَيْن
أَحدهمَا ثِقَلُها فِي نفْسِها ولزومِ تحرّكها بِالِابْتِدَاءِ وَإِذا زيدتْ حَشْواً أمكنَ أنْ تكونَ سَاكِنة
وَالثَّانِي أنَّها لَو زيدتْ أوّلاً لجازَ أنْ يكونَ أوّلُ الكلمةِ واواً وتدخلُ عَلَيْهَا واوُ العطفِ فتشبه صَوْتاً مُنْكرا وَقيل لَو زيدت أوّلاً لجازَ أَن تكون مَضْمُومَة فكانَ يجوزُ قَلْبُها همزَة فكانَ يؤدّي إِلَى اللَّبْس وَقد زيدت ثَانِيَة كَجَوْهَر وشَوْذَر وثالثةً مثل جَدْوَل وقَسْوَر ورابعةً مثل زُنْبَور وعُصْفُور وخامسةً مثل قَلَنْسُوة وقمحدوة

(2/229)


فصل

والضَّابطُ فِي زِيَادَة الْوَاو وَالْيَاء مِنْ غيرِ جهةِ الِاشْتِقَاق أنَّك إِذا وجدتَ وَاحِدَة مِنْهُمَا مَعَ ثلاثةِ أحْرفٍ أصولٍ من غير تَكْرِير قضيتَ بزيادتِها لأنَّها فِي الِاشْتِقَاق كَذَلِك فَحُمِلَت على الْأَكْثَر
فصل

أمَّا المكررُ مثل وسْوَسه وصِصية فالواوُ والياءُ فيهمَا أصْلانِ لأنَّك لَو قَضَيْتَ بزيادتِها فِي كلا موضعيهما لبقي الأصلُ مَعَك حَرْفَيْن وَلَا تكونُ الأصولُ على ذَلِك وإنْ قضيتَ بزيادتِها فِي أحدِ الْمَوْضِعَيْنِ عَيْناً كنتَ متحكّماً وَإِن تخيّرت كانَ تحكّماً أَيْضا فَلم يبقَ إلاَّ القضاءُ بأصالتها فِي الْمَوْضِعَيْنِ
فصل

فِي زيادةِ الهمزةِ
إِذا وَقعت الهمزةُ أوّلاً وبعدَها ثلاثةُ أحرفٍ أصولٍ حُكِمَ بزيادتها وأكثرُ مَا يُقْضَى بذلك بالاشتقاق مثل أحْمَر وأفْضَل وغيرِهما من الصِّفاتِ لأنَّ ذلكَ من الحُمْرة والفَضْل فأمَّا الأسماءُ الَّتِي فِي أوَّلها همزةٌ وَلَا يُعرفُ لَهَا اشتقاقٌ فيُحكُم بزيادةِ الْهمزَة فِيهَا

(2/230)


حملا على الأكثرِ وَذَلِكَ نَحْو أفْكَل وَهُوَ الرِّعْدة وَلَا اشتقاق لَهُ وجمعُه أَفاكل وَلَو سميتَ بِهِ رجلا لم تَصْرِفه للوزنِ والتعريف
وأمّا أيْدَع فَقيل هُوَ طَائِر وَقيل هُوَ الزَّعْفَران وهمزته زَائِدَة حملا على الْأَكْثَر وَذَلِكَ أكثَرُ من زيادةِ الْيَاء هُنَا إِذا كَانَ أفعل أكثرَ من فيعل وَحكى بعضُهم عَن بعض الْعَرَب يدّعت الثوبَ إِذا صبغته بالزَّعْفَران فأسْقَط الْهمزَة فَهَذَا الدَّليلُ من جِهَة الِاشْتِقَاق
وأمَّا الأَوْتَكى فَهِيَ أفْعَلى لأنَّ زِيَادَة الهمزةِ أوّلاً أكثرُ من زِيَادَة الْوَاو ثَانِيَة وَهُوَ ضَرْبٌ من التَّمْر
وإمّا إصْليت فإفعيل للكثرةِ والاشتقاق لأنَّه من صَلَتَ وانْصَلَت أَي أسْرع
وأمّا إدْرَوْن فإفْعَوْل لأنَّه مُشْتَقٌّ من الدّرْن لِأَنَّهُ دُرْديّ الزَّيْت وَذَلِكَ كالدَّرن

(2/231)


وإعْصار أفْعال من الْعَصْر
وأمَّا أرَوْنان فَيحْتَمل ثلاثةَ أوجه
أظهرُها أنّها أفْعَلان من الرَّون وَهُوَ الشِّدَّة يقالُ يومٌ أرَوْنان أَي شَدِيد قَالَ الشَّاعِر من // الوافر //
(فَظَلّ لنسوةِ النّعْمان منّا ... على سَفَوان يومٌ أرْوَناني)
والقوافي مجرورة وأرادَ أرَوْنانيّ فسكّنَ
والوجهُ الثَّاني أَن يكون أفْوَعالاً فالرّاء فاؤه والنونان عينُه ولامُه وَالْبَاقِي زَوَائِد من الرنّة
والثَّالث فوعلاناً من أرن يأرَنُ أرَناً وَهُوَ النشاط فعلى هَذَا الْهمزَة وَالرَّاء وَالنُّون أصُول فوزنه فَوْعلان

(2/232)


وأمّا إمّعة فالهمزةُ فِيهِ أصلٌ لوَجْهَيْنِ
أَحدهمَا أنَّه صفةٌ وليسَ فِي الصِّفَات إِفْعَلة وَلَا إفعل بِكَسْر الْهمزَة
والثَّاني أنَّا لَو قَضَيْنا بزيادتِها لكَانَتْ الميمُ فاءها وعينَها وَهُوَ شاذٌّ لم يأتِ مِنْهُ إلاَّ دَدَن وكَوْكَب وَيجب أَن يُحملَ على الْأَكْثَر لَا على الشاذّ وأمَّا إمَّرٌ وإمّرةٌ فأصلٌ أيْضاً لِمَا ذكرنَا
فَإِن قيلَ فإمَّعة من مَعَ لأنَّه الَّذِي يكونُ مَعَ كلَِّ أحدٍ
قيل لَهُ إمَّعة ليسَ مُشْتَقّاً من مَعَ لأنَّ مَعَ اسمٌ جامِدٌ لَا يُشتقَّ مِنْهُ وإنَّما اللفظُ قريبٌ من الفظِ وَالْمعْنَى قريبٌ من الْمَعْنى وَهَذَا لَا يُوجب الاشتقاقَ أَلا تَرى أنَّ سَبِطاً وسِبَطْراً ودَمِثاً ودِمَثْراً بِمَعْنى وَاحِد وَلَا يُحكم بِزِيَادَة الرَّاء ويدلُّ على أَن إمّراً همزتُه أصلٌ أنَّه من الْأَمر لأنَّه المؤتمر لكلِّ أحد

(2/233)


وأمَّا أوْلَق فَفِيهِ قَولَانِ
أَحدهمَا أنَّه أفْعَل من الوَلَق وَهُوَ السُّرْعة وَمِنْه قَوْله تَعَالَى {إذْ تَلِقُونه بِأَلْسِنَتِكُمْ} على قِرَاءَة مَنْ قَرَأَ بكسرِ اللَّام وَتَخْفِيف الْقَاف وضمِّها وَمِنْه قيلَ للأحمقِ أوْلَق لسرعته فعلى هَذَا لَو سمَّيتَ بِهِ لم تَصْرِفْه
والقولُ الثَّاني هُوَ فَوْعَل وَالْوَاو زَائِدَة والدليلُ عَلَيْهِ قَوْله للمجنون مَأْلوقٌ ومُؤوْلق على مَفْعُول ومُفَوْعَل ويجوزُ أنْ تكونَ من الوَلَق أَيْضا وتكونَ الهمزةُ مبدلةً من واوٍ كَمَا أُبدلت واوُ أوَاصل همزَة

(2/234)


وأمَّا أرنب وإصبع وأُبْلم وإثْمِد وإثْلَب فالهمزةُ فيهنّ زائدةٌ وَهِي أسماءٌ حُملتْ على الْأَكْثَر وَبَعضهَا مشتقٌّ وَهُوَ إثمد فَإِنَّهُ من الثَّمد وَهُوَ الماءُ الْقَلِيل
مَسْأَلَة

أوّل أفْعَل الهمزةُ فِيهِ زائدةٌ والكلمةُ من بَاب دَدَن فاؤها وعينها من

(2/235)


مَوْضع وَاحِد والدَّليلُ على ذَلِك أنَّها أفْعَل الَّتِي للتَّفضيل لأنَّها تَصْحَبُها من نَحْو قَوْلك هَذَا أوَّل من هَذَا وَلَا يجوزُ أَن تكونَ فَوْعَلاً وَلَا فعّلاً لأنَّ هذَيْن البناءَين ليسَا للتفضيل
وذهبَ قومٌ إِلَى أنَّ أصل أوَّل من آل يؤول واصله أَأْوَل فقلبت الهمزةُ الثانيةُ واواً ثمَّ أُدْغِمت
وَقَالَ آخَرُونَ هُوَ من وأَل يَئِل فاصله أَوْأل ثمَّ أُبْدِلت الهمزةُ الَّتِي بعد الواوِ واواً ثمَّ أُدْغِم وكلا الْقَوْلَيْنِ خَطأ لأنَّ حُكْمَ الهمزةِ السَّاكنةِ الواقعةِ بعد هَمْزَةٍ مفتوحةٍ أنْ تُقْلَبَ ألفا مثل آدم وحكَم الهمزةِ المفتوحةِ إِذا أريدَ تخفيفُها أنْ تُنقَل حركتُها إِلَى مَا قبلَها فأمَّا أنْ تُبْدَلَ واواً فَلَا
فَإِن قيلَ الإبدالُ هُنَا شاذّ كَمَا أنَّ دَعْوى كونِ الْفَاء وَالْعين وَاوِين شاذٌّ قيلَ عَنهُ جوابان
أَحدهمَا أنَّ كونَ الْفَاء وَالْعين هُنَا من مَوْضعٍ وَاحِد ليسَ من الشاذِّ لأنَّ الهمزةَ هُنَا قبلهمَا وبسببِ ذَلِك لزمَ الإدغامُ فَلم يلْزم الثّقل المحذورُ
وَالثَّانِي أنَّ شذوذَ التكرير أقربُ من شذوذ الْإِبْدَال فِيمَا ادَّعوا

(2/236)


مَسْأَلَة

الهمزةُ فِي إوزّة زائدةٌ وأصلُها إفْعَلة لأنَّ الهمزةَ بعدَها ثلاثةُ أحرف أصُول وَهُوَ اسمٌ غيرُ صفةٍ فَلَا يمْنَع مَجِيئه على هَذَا الْبناء كَمَا امتَنَع فِي إمَّعة وَلَا يجوز أَن تكونَ الهمزةُ وَالْوَاو أصلَيْن إِذْ لَيْسَ فِي الْأُصُول وزّ وَلَا أنْ تكونَ الْوَاو زَائِدَة لأنَّ ذَلِك يصيرُ إِلَى فَوْعَل وَلَا نظيرَ لَهُ
مَسْأَلَة

الهمزةُ فِي إشْفَى زائدةٌ وَهُوَ اسمٌ من شَفَى يَشْفي وَالْجمع أشافي وليسَ ذَلِك بشاذّ إنَّما الشذوذُ فِيهِ إِذا كَانَ صفة

(2/237)


مَسْأَلَة

أرْوَى فَعْلى وَالْجمع أرَاويّ وَلم تَنْصرف لِأَلف التَّأْنِيث
مَسْأَلَة إدْرَوْن إفْعول من الدَّرن لأنَّ مَعْنَاهُ دُرديّ الزَّيْت وَيُقَال أَيْضا فلَان على إدرونه أَي على أَصله
مَسْأَلَة

أُفْعُوان أُفْعُلان وأصلُ الْكَلِمَة من الفَعْو وَهُوَ السُّمّ وَقيل هُوَ مقلوب من فَوْعة الطيِّب أَي حِدّته فالفاء وَالْعين وَالْوَاو أصُول وَوزن أفْعَى أفعل
مَسْأَلَة

فِي وزن أرْطَى قَولَانِ

(2/238)


أَحدهمَا هُوَ فَعْلى وألفُه للإلحاق بِجَعفر والدليلُ على ذَلِك قَوْلهم أديمٌ مأروط أَي مدبوغٌ بالأرطى ومأْروط مَفْعُول الْبَتَّةَ
وَالثَّانِي هُوَ أفْعَل فهمزتُه زَائِدَة وَالدَّلِيل على ذَلِك قَوْلهم أديمٌ مَرْطيّ فِي لغةٍ صَحِيحَة وَقد قَالُوا أديمٌ مُؤرْطِي فيحتملُ أَن يكونَ مُفَعْلِى فَتكون الهمزةُ أصلا وَهُوَ مثل مُسَلْفِى ومُجَعْبِى وَأَن يكونَ وزنُه مُفَعْلاً على القَوْل الثَّانِي والأوّل أقيسُ فإنْ سمَّيتَ بِهِ رجلا مَعَ الحكم بزيادةِ الهمزةِ لم تصْرِفه للوزنِ والتعريف
مَسْأَلَة

أثفيّة فُعليّة عِنْد قومٍ لأنَّهم أَخَذُوهُ من تَأثَّف القومُ حولَه إِذا أحاطوا بِهِ وأُفْعُولَة عِنْد آخَرين ودلَّ على ذَلِك قولُ الشَّاعِر ( ... وصَالِياتٍ ككما يؤثفين)

(2/239)


ووزنه يُؤفْعَلن وَقيل يُفَعْلَين فيخرّجُ القولانِ على المذهبين فِي الْهمزَة
مَسْأَلَة

يُقَال عَجينٌ أنْبَجان وَشَيْء أَخْطَبَان ووزنهما أفْعلان فالهمزةُ زائدةٌ ويدلُّ على ذَلِك وجود الشَّرْط الَّذِي ذَكرْنَاهُ من وُقُوعهَا مَعَ ثلاثةِ أصُول ولأنَّ أنبجان من معنى النَّبْج وَهُوَ مَا يخرج بِالْيَدِ من نفخٍ فَكَذَلِك الْعَجِين وأخْطبان من الْخُطْبة وَهِي لونٌ
مَسْأَلَة إصْلِيت إفْعِيل من صَلَت وَأَصله السرعة
وإجْفِيل إفْعيل من جفَل وإخْرِيط من خَرط وشَرطُ زِياتها مذكورٌ موجودٌ على مَا ذكرنَا

(2/240)


فصل

وأمَّا زيادةُ الهمزةِ حَشْواً فقليلٌ لَا يُقدّم عَلَيْهِ إلاَّ بدليلٍ ظَاهر وَمهما أمكَنَ أَن يكونَ أصْلاً لم يُحكَم بزيادتها وعلّةُ ذَلِك انَّ الهمزةَ ثقيلةٌ والزيادةُ فِي الحشْوِ والطَّرفِ تكون لِمَعْنى نَحْو التَّصْغير والتكسير والمدِّ والتأنيث وَلَيْسَت الهمزةُ من حروفِ هَذِه الْمعَانِي بخلافِ زيادتها أوّلاً فإنَّها تَأتي لِمَعْنى وَهُوَ المبالغةُ والتعديةُ وَمَا أشْبَههما فإنْ وجدتَها حَشْواً أوْ طرفا فاحكم بأصالتِها إلاَّ أنْ يصحَّ دليلٌ على زيادتِها فَمن الْأُصُول زِئْبق وضِئْبِل
فصل

وَمِمَّا جَاءَت فِيهِ زائدةٌ وسطا حُطَائِط وإنَّما عُلم ذَلِك بالاشتقاق ولأنَّ الحُطائط الصغيرُ فكأنَّه مَحْطُوط
وَمن ذَلِك جَمَلٌ جُرائِض همزتُه زائدةٌ لوَجْهَيْنِ
أَحدهمَا قولُهم فِي مَعْنَاهُ جِرْواض

(2/241)


والثَّاني أنَّه الجملُ الكثيرُ اللحمِ الْعَظِيم فَهُوَ من الجَرَض وَهُوَ الغَصَص فِي الصدْرِ لأنَّ ذَلِك تطابقٌ وازدحام
وَمِنْهَا النِئِدِلان هَمْزَتُه زائدةٌ وَهُوَ الكابوس لوَجْهَيْنِ
أَحدهمَا قَوْلهم فِي مَعْنَاهُ النَيْدُلان بِالْيَاءِ فقد ذهبت الْهمزَة
والثَّاني أنَّه من معنى النَدْل وَهُوَ أحْذُ الشَّيْء بعدَ الشَّيْء
وَمِنْهَا شَمْأَل بزيادةِ الْهمزَة ثَانِيَة وثالثةً لأنَّها من شملت الرّيح وَالرِّيح شَمْلٌ وشمول وشَمال بستِّ لُغَات
فصل

وَمن زيادتِها أخيراً امرأةٌ ضَهْياء وضَهْيَاء بالمدِّ وَالْقصر وَهِي الَّتِي لَا تحيض

(2/242)


وقيلَ الَّتِي لَا ثَدْيَ لَهَا وَقَالَ الزّجاجُ همزتُها فِي القصرِ أصلٌ وحجَّةُ الْأَوَّلين من ثَلَاثَة أوجه
أَحدهمَا أنَّ اشتقاقَها من المضاهاة وَهِي من الْيَاء والمرأةُ الَّتِي هَذِه صِفتُها تضاهي الرِّجَال
والثَّاني أَنَّهَا لَو كَانَت أصلا لكَانَتْ الياءُ زائدةٌ فكانَ البناءُ لَا نظيرَ لَهُ إذْ ليسَ فِي الْكَلَام فَعْيَل بِفَتْح الْفَاء فَإِن قيل لِمَ لَا تكونُ الياءُ أصلا أَيْضا
قيل لأنَّ الياءَ لَا تكونُ أصلا مَعَ ثلاثةِ أحرفٍ أصُول
والثَّالثُ قَوْلهم فِي مَعْنَاهَا ضَهْيَاء بالمدّ وَهَذَا قاطعٌ بِزِيَادَة الْهمزَة لأنَّ الهمزةَ هُنَا للتأنيث
فإنْ قيل لِمَ لَا تكونُ أصلا على وزنِ فَعْلال كناقة خَزْعال قيل لثلاثةِ أوجه

(2/243)


أَحدهَا أنَّ الياءَ لَا تكونُ أصلا مَعَ ثلاثةِ أحرفٍ أصولٍ كَمَا تقدَّم
والثَّاني أنَّها غيرُ مصروفةٍ وَلَا سببَ إِلَّا همزةُ التَّأْنِيث
وَالثَّالِث أنَّ فَعْلالاً لَيْسَ فِي كَلَامهم وخَزْعال لَا يثبتُه البصريون وَإِذا ثبتَ كانَ شاذاً
مَسْأَلَة

الهمزةُ فِي الغِرْقئ وَهُوَ قِشْر البيضةِ الْأَسْفَل أصلٌ وَقَالَ الزجّاجُ هِيَ زائدةٌ قالَ لأنَّه من معنى الغَرَق لأنَّ تِلْكَ القِشْرةَ تغتَرِقُ مَا تحوي عَلَيْهِ أَي تُخْفِيه أَو يغْتَرِقُها مَا فَوْقهَا وَقَالَ ابْن جنّي وغيرُه لَا يُحكم بزيادةِ الهمزةِ غيرَ أوَّلٍ إِلَّا بثَبَتٍ وَمَا ذُكر من الِاشْتِقَاق فليسَ بقاطع لبُعْدِه من الْمَعْنى وَلَو قرب لم يكن حجّةً أَيْضا إِذْ يجوزُ أَن يكونَ مَعْنَاهُمَا وَاحِدًا والأصولُ مُخْتَلفَة مثل دَمِث ودِمثر وسَبِط وسِبَطْر وأشْبَهُ شيءٍ مِمَّا نَحن فِيهِ قولُهم كَرَفَ الحِمارُ إِذا تشمَّم البولَ ورفَع رَأسه والكِرْفئ السَّحابُ الْمُرْتَفع وهمزتُه أصلٌ وَلَا يقالُ هُوَ من كَرَف الْحمار وإنْ تقارَب مَعْنَاهُمَا

(2/244)


مَسْأَلَة

أُرْجُوان أُفْعُلان من معنى الرجا وَهُوَ صِبْغٌ أَحْمَر لأنَّه يُرْجَى أَي يُطلبُ لِحُسْنِه أَو يُرجى بَقَاؤُهُ لِشدَّتِه فالهمزةُ وَالنُّون زائدتان وَقيل وَزْنُه أُفْعُوال من رَجَن إِذا أَقَامَ فكأنَّ هَذَا الصِّبْغَ يدومُ وَقيل فُعْلُوان من الأرَج وَهُوَ الرِّيحُ لأنَّ لَهُ ريحًا
مَسْأَلَة

الهمزةُ فِي إصْطَبل وإرْدخل أصْلٌ لِوجهين
أَحدهمَا أنَّ مَعهَا أربعةَ أحْرُفٍ أُصول ومثلُ هَذَا يحكمُ على حروفها كلّها بالأصالةِ لأنَّ الهمزةَ ثقيلةٌ والأرْبَعةَ مُسْتَثْقَلةٌ وَلَيْسَت زيادةُ الهمزةِ فِيهَا لِمَعْنى فَلَا وجْهَ إِذا للزِّيادة
والثَّاني أنَّ الكلمةَ أعجميةٌ والأعجميُّ لَا يُعرف لَهُ أصولٌ حَتَّى يُحكم على بعض حُرُوفه بالزِّيادة إِلَّا فِي الْألف فإنَّها لخفتها وَكَثْرَتهَا يحكُم عَلَيْهَا بِالزِّيَادَةِ فِي

(2/245)


الأعْجمية وعَلى هَذَا قَالُوا همزَة إِبْرَاهِيم وَإِسْمَاعِيل وأبْريسم أصل
مَسْأَلَة

الألفُ على أربعةِ أضْرب
أصْلٌ وَذَلِكَ فِي الحروفِ والأسماءِ المُوغلةِ فِي شَبَهها
وبَدَلٌ من أصلٍ نَحْو الف مَاء وَقَالَ وَبَاعَ
وبدلٌ من زَائِد كألف مِعْزى وحَبَنْطَى فإنَّها بَدَلٌ من الْيَاء الَّتِي للإلحاق
وزائدة للتأنيث كألفِ حُبْلى وزائدةٌ للتكثير كألفِ قَبَعْثَرى وَلَيْسَت للإلحاق إذْ ليسَ فِي الْأَسْمَاء سداسيٌّ فتحلق بِهِ

(2/246)


مَسْأَلَة

الألفُ فِي مُوسى الْحَدِيد لامُ الْكَلِمَة فِي أحدِ الْقَوْلَيْنِ والميمُ زائدةٌ واشتقاقُه من أَوْسَيْتَ رأسَه إِذا حلقته فَمُوسى مُفْعَل مثل مُعْطى فالحديدةُ مُفْعَل بهَا والرأسُ مَفْعَل بِهِ
والقولُ الثَّاني هِيَ للتأنيث واشتقاقُه من ماسَ يَمِيسُ فكأنَّ الحديدةَ لكثرةِ تحرّكها فِي الحِلاق تَميسُ أَي تضطرِبُ فوزنها فُعْلى
وأمَّا مُوسى وعِيسى عَلَمين فالألف فيهمَا لغير التَّأْنِيث وَلذَلِك قَالَ سِيبَوَيْهٍ إِذا نكّرْتَهما صَرَفْتَهما لأنَّهما أعْجَميان فَلَا يُقْضى على ألفهما بالتأنيث
مَسْأَلَة

الألفُ فِي قَطُوْطَى بدلٌ من الْوَاو وأصلُ الكلمةِ من القَطَوان وَقد

(2/247)


كُرِّرت فِيهَا العينُ وَاللَّام فأصلها من قَطَوطو فقلبت الْوَاو الْأَخِيرَة الْفَا لتحركها وانفتاح مَا قبلهَا وقيلَ هِيَ للتأنيثِ ووزنُها فَعَلاً فلامُها طاءٌ مكرَّرةٌ ولامُها الأولى واوٌ فَهِيَ مثل حَبَرْكى
وقيلَ الواوُ زائدةٌ والألفُ مُبْدَلةٌ من واوٍ ووزنُها فَعَوْلَلَ مثل فَدَوْكَس وسَرَوْمَط
وقيلَ وزنُها فَعَولا فألفُها للتأنيث وعَلى هذَيْن الْوَجْهَيْنِ تكونُ الْكَلِمَة من القطّ

(2/248)


مَسْأَلَة

الْيَاء فِي يَرْبُوع ويَرْمَع ويَعْمَلة زائدةٌ لوَجْهَيْنِ
أَحدهمَا الاشتقاقُ فإنَّه من رَبَع ورَمَع وعَمِل
والثَّاني أنَّ بعدَها ثلاثةَ أحجرفٍ أصولٍ وَذَلِكَ قاطعٌ بزيادتِها وَمن هُنَا حُكمَ على ياءِ ضَيْغَم وخَفَيْدَد بالزِّيادة

(2/249)


مَسْأَلَة

الياءُ فِي يَسْتَعُور اصلٌ عُرف ذَلِك بالسبر وَذَلِكَ أنَّ الواوَ فِيهَا زائدةٌ بِلَا خلاف فبقيَ فِيهَا من حُروف الزِّيَادَة الياءُ والسينُ والتَّاء ويمتنعُ أَن تكونَ كلّها زَائِدَة لأنَّ الكلمةَ تبقى على حرفين والحَكم على أحدِ الثَّلاثةِ بالزِّيادة تحكّمٌ فإنْ قلتَ لِمَ لَا تكونُ السِّينُ أصْلاً والآخرانِ زائدان من معنى سعر قيلَ لوَجْهَيْنِ
أَحدهمَا أنَّ جَعْلَ السينِ أصلا دون الْيَاء وَالتَّاء مَعَ إِمْكَان كونِه من يَعَر تَحكّمٌ
والثَّاني أنَّ مثالُ يَفْتَعُول معدومٌ فَلَا يُحْمَلُ عَلَيْهِ
مَسْأَلَة

الْوَاو فِي تَرْقُوة زادئةٌ لأمرين
أَحدهمَا أنَّها مَعَ ثلاثةِ أحرفٍ أصُول
والثَّاني أنَّها لَو كَانَت أصلا لكَانَتْ على فَعْلُل وَلَا نظيرَ لَهُ فإنْ قيلَ لِمَ لَا تكونُ التَّاء زَائِدَة وَالْوَاو اصلاً قيلَ لوَجْهَيْنِ
أَحدهمَا أنَّ هَذَا تحكّم إذْ لَا مُرَجّحَ

(2/250)


251 -
والثَّاني أنَّ الحكمَ بزيادةِ الْوَاو أوْلى لِكَثْرَة زيادَتِها ومثلُه عَرْقُوة وأمَّا قَلَنْسُوَة فواوها زائدةٌ أَيْضا لأنَّ النونَ فِيهَا زائدةٌ فَتبقى الواوُ مَعَ ثلاثةِ أحرفٍ أصولٍ
مَسْأَلَة

الياءُ فِي يَأْجَج أصلٌ والكلمةُ من المُلْحق وإنَّما كَانَ كَذَلِك لأنَّها لَو كَانَت زَائِدَة لأدغم الجيمُ فِي الْجِيم ولَمَّا لم تدغَم عُلِمَ أنَّه مُلْحَقٌ بِجَعْفَر ونظيرُه قَرْدَد

(2/251)


بَاب زياة الْمِيم

حكُم الميمِ إِذا وقعتْ أوّلاً حكُم الهمزةِ إِذا كانَ بعدَها ثلاثةُ أحْرُفٍ أصولٍ حكَم بزيادتها وإنْ كانَ مَعَ أربعةِ أصولٍ فَهِيَ أصلٌ
فمنَ الأوَّل زيادتُها فِي اسمِ الفاعلِ والمفعولِ نَحْو مُكْرِم ومَضْرُوب ومِضْراب ومِنْحَار للْمُبَالَغَة وتُزَادُ فِي أوَّل المصدرِ نَحْو مَضْرَب ومَدْخَل وَفِي أوَّل المكانِ نَحْو مَجْلِس وَفِي أوَّل الزَّمَان نَحْو أتتِ الناقَةُ على مَنْتِجها أَي وَقت نِتاجها وَهَذَا كلّه ظاهرٌ فإنَّ الِاشْتِقَاق يدلُّ عَلَيْهِ
وَمن الثَّاني ميمُ مَرْزَجُوش الميمُ فِيهِ أصلٌ لأنَّ أربعةَ أحرفٍ أصُول والكلمةُ أَعْجَمِيَّة أَيْضا

(2/252)


فصل

فأمَّا زيادتُها وسَطاً وآخراً فَلَا يُحكمُ بِهِ إلاَّ بدليلٍ ظاهرٍ كَمَا ذكرنَا فِي الهمزةِ
فَمِمَّا زيدت فِيهِ وسَطاً لبنٌ قُمارِص أَي قارص لأنَّه بِمَعْنَاهُ من غير فَرْقٍ والفعلُ المأخوذُ مِنْهُ قَرَص اللَّبن فذهابُ الميمِ من الْفِعْل واسمِ الْفَاعِل الَّذِي هُوَ الأصلُ دليلٌ زيادتِها هُنَالك
وَمن ذَلِك أسدٌ هِرْماس لأنَّه من الهَرْس وَهُوَ الدقُّ وكأنَّ الكلمةَ قُوِّيت بالميمِ لتدلَّ على كثرةِ هَرْسِه
وَمن ذَلِك دُلامِص لأنَّه مأخوذٌ من الدِّلاص وَهُوَ البرّاق ويُقال دَلْمَص بغيرِ الف ودَمْلص بِتَقْدِيم الْمِيم على الألفِ وحذفِها والتقديمُ والتأخيرُ دليلٌ على زيادَتِها لأنَّ الاصلَ لَا يُتلاعبُ بِهِ
وَقَالَ المازنيّ الميمُ اصل كَدَمِث ودِمَثْر

(2/253)


فصل

وممَّا زيدت الميمُ فِي آخرِه زُرْقُم وحُلْكُم بِمَعْنى الأزْرق والحالك وفُسْحُم أَي مُنْفَسح وناقة دِلْقَم من الاندلاق لأنَّها الَّتِي أسنّت حَتَّى اندلقت أسنانُها ورجلٌ سُتْهُم لأنَّه العظيمُ الاست
مَسْأَلَة

الميمُ فِي مَنْجَنِيق أصلٌ والنُّون الأولى زائدةٌ وَالدَّلِيل على ذَلِك أنَّهم جَمَعُوهُ على مَجانيق فحذفوا النونَ وَلَا يجوزُ أنْ تكونَ المحذوفة أصلا لأنَّ الأصليّ لَا يُحذف وَهُوَ ثانٍ وَلَا يجوزُ أنْ تكونَ الميمُ زَائِدَة مَعَ أصالةِ النُّون إذْ لَو كَانَ كَذَلِك لحذفت

(2/254)


وبقيَ النُّون وَلَا يجوزُ أنْ يَكُونَا زائدين إِذْ ليسَ فِي الْأَسْمَاء مَا هُوَ كَذَلِك إِلَّا مَا انبنى على الْفِعْل نَحْو مُنْطَلق ومستخْرِج
فأمَّا إنْقَحْل فَقيل حروفُه كلّها أصُول مثل جِرْدَحْل وَلَا يَمْنَعُ ذَلِك كونُه من معنى القُحُولة لِما ذكرنَا من نَحْو سَبِط وسِبَطْر والصحيحُ أنَّ الهمزةَ والنونَ زائدتان وَهُوَ شَاذ وَلم يأتِ مِنْهُ إلاّ هَذِه الصفةُ
وقولُهم رَجُلٌ إنْزَهْوٌ وامرأةٌ إنْزهوَة وَقَوْلهمْ جَنَقُوهم شَاذ على انَّه مشتقُّ بحذفِ بعضِ الْأُصُول كَمَا تقولُ حَوْلَق إِذا قَالَ لَا حولَ وَلَا قوّةَ إلاّ بِاللَّه
مَسْأَلَة

الميمُ فِي مَنْجَنُون وَهُوَ الدُّولاب أصلٌ وَكَذَلِكَ النّون الأولى وَالنُّون الْأَخِيرَة

(2/255)


مكررةٌ ووزنُه فَعْلَلُول مثل عَضْرفُوط ودليلُ ذَلِك قَوْلهم مَناجين فأثبتوا النونَ الأولى وحذفوا الْأَخِيرَة كَمَا حُذفت الطَّاء من عَضَافير
مَسْأَلَة

الميمُ فِي مِعْزى أصلٌ لقَولهم ماعِز ومعيز ومَعْز وأمْعُز وَالْألف للإلحاق
مَسْأَلَة

الميمُ فِي مَأْجَج ومَهْدَد أصلٌ لأنَّها لَو كَانَت زَائِدَة لأُدغم المِثْل فِي المِثْل كَمَا فِي مِكَرٌ ومِفَرٌ فلَمَّا أظهرُوا دلَّ على أنَّهم قصدُوا الإلحاقَ بِجَعْفَر فإنْ قلتَ مَحْبَب كَذَلِك وميمه زَائِدَة قُلْنَا الأصلُ محبّ إلاّ أنَّه غُيِّر كَمَا تُغيّرُ الأعلامُ وَلَا يلزمُ مثلُه فِي مأجَج ومَهْدَد لأمرين
أَحدهمَا الأصلُ عدم التَّغْيِير وَالزِّيَادَة

(2/256)


والثَّاني أنَّ مَحْبباً ظاهرٌ فِي معنى الحُبّ وليسَ مأجَج ومَهْدَد ظَاهِرين فِي معنى أجّ وهدّ
مَسْأَلَة

الميمُ فِي مَعدّ أصلٌ لقَولهم تَمَعْدَدوا ووزنه تَفَعْلَلوا أَي كُونوا على أخلاقِ معدّ فإنْ قلتَ قد جاءَ تَمَفْعَل نَحْو تمدرَع وتمندَل وتَمَسْكَن قيل هَذَا شاذٌّ لَا يُقاسُ عَلَيْهِ على أنَّ الجيِّدَ فِيهِ تندلّ وتدرّع وتسكّن
مَسْأَلَة

الميمُ فِي مِرْعِزاء بكسرِ الْمِيم وَالْعين وإسكانِ الرّاء والمدّ وَالتَّخْفِيف زائدةٌ

(2/257)


ودليلُ ذَلِك قولُهم فِيهِ مَرْعِزّى بِفَتْح الميمِ وإسكانِ الرَّاء وَكسر الْعين وَالتَّشْدِيد والقَصْر لأنَّ الألفَ فِيهِ زائدةٌ والزَّايَ مكررةٌ فَيبقى مِرْعِز وَلَا نظيرَ لَهُ إذْ لَيْسَ فِي الْكَلَام مثلُ جِعْفِر وَإِذا ثبتتْ زيادتُها فِي أحد البِناءين ثبتتْ فِي الآخر كَمَا قَالُوا فِي تُرْتَب وَلَوْلَا ذَلِك لكَانَتْ الميمُ أصلا إذْ لَهُ فِي الْكَلَام نَظِير وَهُوَ طِرْمِساء
مَسْأَلَة

الميمُ فِي بُلْعُوم وحُلْقُوم زائدةٌ لأنَّهما من البَلْع وَالْحلق ويخرجُ على قَول المازنيّ أَن يكون أصلا كَمَا قَالُوا فِي دُلامِص
مَسْأَلَة

اخْتلفُوا فِي مِيم مَلك فَذهب الجمهورُ إِلَى أنَّها زَائِدَة ثمّ اختلفَ هَؤُلَاءِ فِي الأصلِ فَقَالَ أكثُرهم أصلُها مَلأَكٌ وَهُوَ مَفْعَل واستَدلّوا على ذَلِك بقول الشّاعر من // الطَّوِيل //
(فَلَسْتُ لإنسيٍّ ولكنْ لِمَلأَكٍ ... تنزَّلَ من جوِّ السماءِ يصوب)

(2/258)


وبقولهم ألكني إِلَيْهَا وَهُوَ أفِلْني وأصلُه ألئكني إلاّ أنَّهم ألْقَوا حركةَ الهمزةِ على اللاّم وحَذَفوها ويدلُّ عَلَيْهِ قولُهم فِي الْجمع ملائك وملائِكة على وزن مَفَاعِلة وَلَو كَانَت غيرَ زائدةٍ لكَانَتْ فَعايلة الْوَاحِد فَعيلة وَلَيْسَ كَذَلِك
وَمِنْهُم من قالَ هُوَ من الألوكة وهيَ الرسَالَة ووزنُها فَعُولة وأصل مَلك على هَذَا مألك ثمَّ حُذفت الْهمزَة
وَقيل أَصله من لاك يلوك إِذا ردّد الشيءَ فِي فِيهِ والرسالة كَذَلِك إلاّ أنَّ عينَ الْكَلِمَة حُذفت تَخْفِيفًا
وَقَالَ قومٌ الميمُ أصلٌ مأخوذٌ من الْمَلَكَة وَهِي القوّةُ وَهَذَا بعيدٌ لأنَّ الجمعَ يُبْطِلُه إذْ لَو إذْ كَانَ جمع فعل لَا يكون مَفَاعل فَإِن قيل فقد جاءَ فِيهِ أَمْلَاك قيل هُوَ شاذٌّ على أنَّه يحْتَمل أَن يكون جُمع على اللَّفْظ لَا على الأَصْل

(2/259)


بابُ زِيَادَة النُّون

قد ذكرنَا أنَّ النونَ من حروفِ الزيادةِ لِشَبهها بِالْوَاو وَقد زيدت أَولا للمضارعةِ نَحْو نذهبُ وتدلُّ على المتكلِّمِ ومَنْ مَعَه اثْنَيْنِ كَانُوا أَو جمَاعَة وتكونُ للواحدِ الْعَظِيم لأنَّ الآمرَ إِذا كَانَ مُطَاعًا تُوبع على الْفِعْل وتُزاد ثَانِيَة نَحْو انْطلق وبابُها أَن تَجِيء للمطاوعة كقَطَعْتُه فَانْقَطع وأطلقته فانْطَلق وَمعنى المطاوعة قَبُول المحلّ لأثرِ فِعْلِ الْفَاعِل فِيهِ فالانفعالُ اسمٌ لذَلِك الْأَثر وممَّا زيدت فِيهِ ثَانِيَة عَنْسل للنَّاقة السريعة لأنَّه من العَسَلان وَهُوَ مشيُ الذِّئْب لأنَّه سريعٌ وَمن ذَلِك عَنْبَسٌ للأسد وَهُوَ من العُبوس والاسُد كَرِيهُ الْوَجْه وَمن ذَلِك خَنْفَقِيق لأنَّه من الخفق

(2/260)


وَهُوَ الِاضْطِرَاب والقافُ لَام الْكَلِمَة مكررةً فأمَّا سُنْبُك فَقيل النونُ فِيهِ زائدةٌ وَهُوَ من السَّبْك وَقيل لطرفِ الحافرِ ذَلِك لصلابته كَأَنَّهُ سُبك وأمَّا النونُ فِي سُنْبُل فقالَ ابْن دُرَيْد هِيَ زائدةٌ وَهُوَ من السَّبَل والإسْبال وَهُوَ من الاستطالةُ فكأنَّ السُّنْبُلَة لسبوغِها وانتشار أعْلاها مسبلةٌ كالإزار
فصل

وَقد زيدتْ ثَانِيَة فِي كَنَهْبَل لأنَّها لَو جُعِلتْ أصلا لم يكنْ لَهَا نظيرٌ فِي الْأُصُول إذْ ليسَ فِي الْأُصُول مثل سَفَرْجُل وَلذَلِك تحذفُها فِي الْجمع نَحْو

(2/261)


كَهَابل وَكَذَلِكَ النونُ فِي قَرَنْفُل وَالنُّون فِي شَرَنْبث زائدةٌ لوَجْهَيْنِ
أَحدهمَا أنَّها ثَالِثَة وَقبلهَا حرفان وبعدَها حرفان وَمَا كَانَ كَذَلِك حُكم بزيادتِها فِيهِ لأنَّه موضعٌ تكْثر فِيهِ الزِّيَادَات كألفِ التكسير وياء التحقير والياءِ فِي سَمَيْدَع وَالْوَاو فِي فَدَوْكَس
وَالثَّانِي قولُهم فِي مَعْنَاهُ شَرَابِث وَمثل ذَلِك جحافِل ويؤكد زيادتَها فِيهِ أنَّه من معنى الجَحْفَلة والجحفل وأمَّا النّونُ إِذا كَانَت زَائِدَة سَاكِنة وَلم تخرج الكلمةُ بهَا عَن الأصولِ فَهِيَ اصلٌ إلاَّ أنْ يَدُلَّ الاشتقاقُ على زيادتِها وَذَلِكَ نَحْو حِنْزَقْر النُّون فِيهِ أصلٌ لِمَا ذكرنَا وعلّةُ ذَلِك أنَّ الثَّانِي لم تكْثر زيادتُه ككثرةِ زِيَادَة الثَّالِث وِممَّا دلَّ الاشتقاقُ على زِيَادَته من هَذَا عَنْسل وعَنْبَس وَقد ذُكرا وَمِنْه

(2/262)


قِنْفَخْرٌ النونُ فِيهِ زائدةٌ لقَولهم فِي مَعْنَاهُ قُفَاخِريّة والنّونُ فِي عَرَنْتُن زائدةٌ لقَولهم فِي مَعْنَاهُ عَرَتُنٌ وَمثله دودم ودوادم فالألف فِيهِ كالنون فِي عَرَنْتُن لأنَّها سَقَطت كَمَا سَقَطت والنُّونُ فِي العَفَرْنى زائدةٌ لأنَّها من العِفْر والعِفْريت والنُّون فِي العِرْضِنَة زائدةٌ لأنَّه من معنى الِاعْتِرَاض والنونُ فِي بُلَهْنِية زائدةٌ لقَولهم عَيْشٌ أبله وَذَلِكَ أنَّ البَلَه قريبٌ من الغَفْلة والعيش الْوَاسِع يُغْفَل فِيهِ والياءُ فِيهِ أَيْضا زائدةٌ لأنَّها لَا تكونُ أصْلاً فِي بناتِ الْأَرْبَعَة والنُّونُ فِي نَرْجِس زائدةٌ إذْ

(2/263)


لَيْسَ فِي الْكَلَام فَعْلِل بِفَتْح الأول وَكسر الثَّالِث وَقد يُسُمِعَ فِيهِ كَسْرُ الأوَّل وَهَذَا لَهُ نظيرٌ وَهُوَ زِبْرِج إلاَّ أنَّ النونَ فِيهِ أَيْضا زائدةٌ قد ثَبَتت زيادتُها فِي اللُّغَة الأولى فَلَا يجوزُ أَن يُحكَم بأصالتها وزيادتها فإنْ قيلَ أَلا حكمتَ بأصالتِها لمجيئِها مَعَ الْكسر على مِثَال الأصولِ قيلَ لَا يصحُّ إذْ يلزمُ مِنْهُ على اللغةِ الأُخْرى مخالفةُ الْأُصُول وَلَيْسَ إِذا حكمنَا بزيادتِها مَعَ الكسرِ ممّا يُخَالف الأصولَ والنونُ فِي سَكرَان وعطشان وبابه زائدةٌ بِدَلِيل الِاشْتِقَاق وَالْأُصُول
أمَّا الاشتقاقُ فظاهرٌ وأمَّ الأصولُ فإنَّه ليسَ فِي الْكَلَام فَعْلال بِالْفَتْح فأمَّا عُثْمان وعِمران فتعرف زيادتُها فيهمَا بالاشتقاق وَكَذَلِكَ كلُّ هَذَا الْبَاب وَكَذَلِكَ المصادر نَحْو الغَلَيان والشَّنآن وَالنُّون فِي جُنْدُب زائدةٌ على قَول سِيبَوَيْهٍ لوَجْهَيْنِ
أَحدهمَا الِاشْتِقَاق لأنَّه من الجَدبِ لِصَوْلة الجُنْدب
والثَّاني عَدَمُ النَّظير
وعَلى قولِ الأخْفش هِيَ زائدةٌ للاشتقاق وَحده

(2/264)


وأمَّا قُنْبَر فَكَذَلِك لأنَّهم قَالُوا قُبّرة بِغَيْر نون وَلعدم النظير أَيْضا
وأمَّا عُرُنْد بضمِّ الْعين والرّاء وسكونِ النُّون فنونه زَائِدَة لعدم النظير ولقولهم عُردٌّ جَاءَ ذَلِك فِي الرجز والنّونُ فِي كِنْثَأْو وسِنْدَأو وقِنْدَأْو زائدةٌ أَيْضا والأُصول الْكَاف والثاء والهمزة وَالسِّين وَالدَّال والهمزة وَالْقَاف وَالدَّال والهمزة والدليلُ على ذَلِك كثرةُ مَا جاءَ من النّون فِي نظائرِه زَائِدَة وَالْوَاو لَا تكونُ مَعَ ثَلَاثَة أصولٍ أصلا ويُحقّقُ ذَلِك عِنْدي أنّا لَو جَعَلنا النونَ أصلا لكَانَتْ الهمزةُ إمَّا

(2/265)


أصْلاً فَيكون الْوَزْن فِعْلَلَوْ وَلَا نَظِير لَهُ وإمَّا أَن تكونَ زَائِدَة وَهُوَ بعيدٌ لأنَّ زيادةَ النُّون أسهلُ من زيادةِ الهمزةِ حَشْواً وَلَا يصحُّ أَن يُجعلَ الجميعُ أصلا لعدم النظير
والنونُ فِي عُنْصَر وعُنْصَل زائدةٌ لعدم النظيرِ ولأنَّه من العَصْر والعَصَل وَهُوَ الاعوجاج ومَنْ ضمّ الضادَ حكَم بِالزِّيَادَةِ أَيْضا لثبوتِ الزيادةِ فِي الْمِثَال الآخر والاشتقاق
والنّونُ فِي رِعْشَن وضَيْفَن وخِلْبَن وخِلَفْنَة زائدةٌ للاشتقاق وَقد زيدت النونُ عَلامَة للرفعِ فِي الْأَمْثِلَة الخمسةِ لعلَّةٍ ذَكرنَاهَا فِي بَاب الْأَفْعَال من هَذَا الْكتاب فإنْ قيلَ فقد ذكرْتُمْ أشياءَ من الألفاظِ الأعجميةِ وحكمتم على بعض حروفِها بِالزِّيَادَةِ مثل نَرْجِس وَمن أَيْن يُعلم ذَلِك وَهِي كالحروفِ فِي جمودها
قيلَ لَمّا تَكَلَّمت بهَا العربُ وصرّفوها فِي الجمعِ والتصغيرِ وغيرِهما أجْرَوْها مجْرى العربيّ وَمن هُنَا حكمنَا على ألفِ لِجام وواوِ نَيْروز وياءِ إِبْرَاهِيم بالزِّيادة لقَولهم لُجُم ونواريز وأبارِهة أَو بَراهمة
وأمَّا النونُ فِي جُنَعْدل فزائدةٌ لعدمِ النظير فِي قولِ مَنْ ضمَّ الجيمَ وَفتح الدَّال

(2/266)


وَالْأَكْثَرُونَ على فتحهما وَجعل النُّون أصلا وأمّا جَنَدِل بِفَتْح الْجِيم وَالنُّون وَكسر الدَّال فالنون فِيهِ زَائِدَة لعدم النظير
وأمَّ النونُ فِي نَهشل فاصلٌ لِأَنَّهُ من نَهْشَلت المرأةُ إِذا أسنَّت
وأمَّا نَهْصَر فقيلَ هِيَ أصل كَجَعْفَر وقيلَ هِيَ زائدةٌ لأنَّه من معنى الهصر
وأمَّا النُّون فِي عَنْتَر فأصلٌ عِنْد الْبَصرِيين لأنَّ لَهُ نظيراً وَهُوَ جَعْفَر وَلم يقم دليلٌ على الزِّيادة من طريقِ الِاشْتِقَاق وَقَالَ غَيرهم هِيَ زائدةٌ لأنَّه مشتقٌّ من العَتْر وَهِي الشِّدة يُقَال عتر الرمحُ إِذا اشتدَّ وعَتَر أَيْضا اضطربَ ويجوزُ أَن يكونَ من عتر إِذا ذَبح وَمِنْه العَتِيرة

(2/267)


بابُ زِيَادَة التَّاء

وَقد زيدت التاءُ أوّلاً فِي المضارِع للخِطاب نَحْو أنتَ تقومُ وأنتِ تقومينَ وأنْتُما تقومانِ فِي خِطاب مذكَّر ومؤنَّثٍ تَغْليباً وللتأنيث هِيَ تَقومُ وهما تقومان وأنتما تقومان للمؤنثين فأمَّا هنَّ يقمن فاستغْنيَ عَن علامةِ التَّأْنِيث فِي الأوَّل لدَلالةِ الضميرِ عَلَيْهِ وأمَّا هُما يقومانِ لمذكَّر ومؤنَّث فبالياء تَغُليباً فأمَّا أنتنَّ تَقُمْنَ فللخطابِ لَا غير
وَقد زيدتِ التَّاءُ أوّلاً فِي الْأَسْمَاء نَحْو تُرْتب وَفِيه ثلاثُ لغاتٍ فتحُ التَّاءِ الأولى وضَمُّ الثَّانية وضَمُّ التاءِ الأولى وفتحُ الثَّانية وضمُّهما فيلزمُ مثلُ ذَلِك فِي الثَّالِثَة والثَّاني أنَّه الشيءُ الرَّاتِبُ فاشْتِقاقُه من رتَب أَي ثَبَتَ واطَّرد
والتَّاء فِي تَنْضُب زَائِدَة لأمرين

(2/268)


أَحدهمَا عدم النَّظير إذْ ليسَ فِي الكلامِ فَعْلُلٌ بِفَتْح الْفَاء وضمِّ اللاَّم
والثَّاني أنَّ تَنْضُباً شجرٌ طويلٌ دقيقُ الأغصانِ فَهُوَ من معنى نُضُوبِ الماءِ كأنَّ الماءَ بَعُدَ عَنهُ ومثلُه الشوط وَهُوَ شَجَرٌ يُشْبِهه كأنَّ الماءَ شُحِطَ عَنهُ
وأمَّا تَتْفُل فَفِيهِ ثلاثُ لُغاتٍ ضمُّ التَّاءِ وَالْفَاء وفَتْحُ التّاء وضمُّ الْفَاء وعكسُ ذَلِك والتَّاء الأولى زائدةٌ لأمرين
أَحدهمَا زيادَتُها واجبةٌ فِي اللُّغة الوُسْطَى لعدمِ النَّظير وَكَذَلِكَ على اللغةِ الْأَخِيرَة فِي قَول سِيبَوَيْهٍ وتلزمُ زيادَتُها على اللُّغَة الأولى وَهَكَذَا إنْ دخلت عَلَيْهِ تاءُ التَّأْنيث لوجوبِ زيادتِها قبلهَا
والثَّاني أنَّه قريبٌ من معنى التَّفْل وَهُوَ البَصْقُ لأنَّ ولدَ الثَّعْلَب وَهُوَ التَّتْفُل يَجْري فِي مَشْيه بسهولةٍ كَرِقَّة البُصَاق أَو كأنَّه يَقْذِفُ جَرْيَه كقَذْفِه البُصاق
وأمَّا التَّاءُ فِي تِنبال فَفِيهَا وَجْهَان

(2/269)


أَحدهمَا هِيَ أصلٌ والنونُ زائدةٌ لأنَّه القصيرُ وَهُوَ من التّبْل الَّذِي هُوَ القَطعُ إِذْ القصيرُ قِطْعَةٌ من الطَّويل
والثَّاني عَكْسُ ذَلِك واشتقاقُه من النَّبْلِ لأنَّه قصيرٌ مثله
وأمَّا التصدير فَتاؤه زائدةٌ لأنَّه من الصَّدر
فأمَّا التَّاء الأولى من تَرَبُوت فأصلٌ لأمرين
أَحدهمَا أنَّ الأخيرةَ زائدةٌ فَلَو زيدَت الأُخْرى لم يبقَ ثلاثةُ أحرفٍ أصُول
والثَّاني أنَّه من معنى التُّرَاب فكأنَّ الناقةَ المُذَلَّلَةَ كالتراب فِي السُّهولة وَقد أُبدلتِ التَّاءُ وَإِلَّا فَقَالُوا نَاقَة دربوت أَي مُدَرَّبةٌ ويجوزُ أَن يكونَ ذَلِك أصلا آخر
وأمَّا التّاء فِي تَوْلَج فبدلٌ من الْوَاو
وأمَّا التَّاء فِي الرَّهَبُوت وبابِه فَزائدةٌ بِدَلِيل الِاشْتِقَاق وعدمِ النَّظير
وَكَذَلِكَ التَّاء فِي عنكبوت لقَولهم عَناكِب

(2/270)


وأمَّا التَّاء فِي تَدْرَأ فزائدةٌ لعدم النظيرِ والاشتقاق لأنَّه من الدَّرْء
وأمَّا التاءُ فِي سَنْبَتة وَهِي الْقطعَة من الدَّهر فزائدة لقَولهم فِي مَعْنَاهَا سَنْبَةً
وَقد اطَّردت زيادةُ التَّاء فِي الفعلِ للمعاني نَحْو تَفَعَّل وتَفَاعَل وافتعل وَفِي مصادرها وَفِي مصدر فَعّل نَحْو قطّع تَقْطيعاً فزيادةُ التّاء وَالْيَاء عوضٌ من تَشْديد العينِ فِي الْفِعْل ليدلَّ على التكثير والتوكيد وأمَّا التَّاء فِي الطَّاغوت فَهِيَ زائدةٌ وأمَّا الكلامُ على ألفها ووزنها فَيَأْتِي فِي البَدَل إنْ شَاءَ الله تَعَالَى
فصل

فِي تَاء التَّأْنِيث

(2/271)


قد زيدت تاءُ التأنيثِ آخرِاً فِي الْفِعْل نَحْو ذَهَبَتْ وَهِي ساكنةٌ أبدا والغرضُ مِنْهَا الدَّلالةُ على تأنيثِ الْفَاعِل على مَا نبيِّنه فِي بَابه وَفِي الِاسْم نَحْو قائمةٌ وشَجَرةٌ وَفِي بعض الحروفِ نَحْو رُبَّت وثُمَّت أَرَادوا تأنيثَ الْكَلِمَة ويوقفَ عَلَيْهَا هاءٌ وَمِنْهُم مَنْ يقفُ على التَّاء حَمْلاً على الفِعْل إِذْ لم يُدلّ على تأنيثٍ فِي الْمَعْنى
وأمَّا لاتَ كَقَوْلِه تَعَالَى {وَلاَتَ حِينَ مَناصٍ} فَهِيَ لَا زيدتْ عَلَيْهَا التَّاءُ وعَمِلتْ عملَ ليسَ وَقد استوفيتُ ذَلِك فِي إعرابِ الْقُرْآن
وَقد زيدت مَعَ الْألف فِي جمعِ المؤنَّثِ نَحْو مُسْلِمات وَقد ذُكرَ فِي صَدْر الْكتاب وأمَّا إبدالُ التَّاء هَاء فيذكرُ فِي حرفِ الْهَاء

(2/272)


بَاب زِيَادَة الْهَاء

قَدْ ذَكَرْنَا شَبَه الهاءِ بِالْألف فِي خَفَائها وقُرْبِها من مَخْرجها إلاّ أنّها فِي الْجُملة تقلُّ زيادتُها بِحَسب بُعْدِها من حُروفِ اللِّين وَقد زيدت أوّلاً وحَشْواً وآخِراً
فَمن الأوَّل هِرْكَوْلَة على قَول الْخَلِيل لأنَّه أخَذَه من الرَكْل لأنَّه رأى أنَّ الهِرْكَوْلةَ المرأةُ العظيمةُ الأوْرَاك فَهِيَ تَرْكُل فِي مَشْيها أَي تَرفَعْ وتضعُ بشدةٍ وَقَالَ غيرُه هُوَ أصلٌ واحَتجَّ بأنَّ الأصلَ عدمُ زيادتها وَهَذَا البناءُ يمكنُ أَن تكونَ فِيهِ أصْلاً وإنْ كَانَ فِي معنى الثُّلاثي كَمَا أنّ سَبِطاً وسِبَطْراً بِمَعْنى
وَمن ذَلِك هِبْلَع أُخِذَ من البَلْع لأنّه الرجلُ الكَثير البَلْعِ وهِجْرَع

(2/273)


الكثيرُ الْجَرْع فَزِيادةُ الهاءِ تُنبّه على المبالغةِ فِي هذَيْن الْمَعْنَيين وَقَالَ قومٌ هُمَا أصْلان
وَقد زيدت ثَانِيَة فِي أهْراقَ لأنَّ أصلَ الكلمةِ من رَاق يريق وَالدَّلِيل عَلَيْهِ قَوْلهم تريُّقُ الماءِ تَرَدُّدُه على وَجه الأَرْض وَهُوَ من الْيَاء إذْ لَو كانَ من الْوَاو لَقالوا تَروّقُ الماءِ تردّده وَقَالَ قومٌ هُوَ منَ الْوَاو من راقَ يَرُوق إِذا ضفا وَهُوَ لازِمٌ فَإِذا أردتَ تعديَته زِدْتَ عَلَيْهِ الْهمزَة فَقلت أرَقْتُه مثل باتَ وأَبَتُّه فَإِذا قَالُوا أهْرَقته فقد زَادُوا الهاءَ وَمِنْهُم مَنْ يَقُول هَرَقْتُ الماءَ فالهاءُ هُنَا بَدَلٌ من الهمزةِ فَإِذا بنيتَ مِنْهُ اسمَ فاعلٍ قلتَ على الأوّل فَهُوَ مُهَرِيق وَالْمَفْعُول مُهَراق فالهمزةُ محذوفةٌ والهاءُ تحرّكت كَمَا كَانَت فِي الْفِعْل ونظيرُه من الصَّحِيح أكرمَ إِذا زدتَ عَلَيْهِ الهاءَ قلت أُهَكْرِم فَهُوَ مُهَكْرِم والأصلُ مؤهكرم فأمّا مَنْ أبدلَ الْهمزَة هَاء فقالَ هراق فاسم الفاِعل مُهَرِيق واصله مثل مُؤرِيق ثمَّ نُقلتْ حَركةُ الْيَاء إِلَى الرّاء وسكّنت الْهَاء فَهُوَ مثل مُقيم فِي الأَصْل من أَقَامَ إِذْ لَو جعلتَ مكانَ الهَمزةِ هَاء فَقلت مهقيم فأثبتَ الهاءَ وَلم تَحْذِفْها كَمَا حذفت الْهمزَة لأنّ العلّةَ فِي حذفِ الهمزةِ مَا نَذْكُره فِي الحذفِ وَذَلِكَ مخصوصٌ بهَا دون بدلهَا

(2/274)


وَقد زِيدت الهاءُ فِي أمّهات وَالْأَصْل أمّ على فُعْل وَلذَلِك قلتَ أمٍّ بَيّنةُ الأُمُومة وأمّ كلٍّ شيئ أصلُه وَمِنْه قيل لمكّة أمُّ الْقرى ورئيسُ الْقَوْم أمُّهم وَزِيَادَة الْهَاء فِي أمّهات النَّاس للفرْق بَينهَا وَبَين أمّات الْبَهَائِم وَقد جاءَ بِغَيْر هَاء فِي النَّاس فَقَالَ من // المتقارب // ( ... فَرَجْتَ الظَّلامَ بأمّاتكا)
وَمِنْهُم مَنْ يقولُ أمَّهات البَهائم وَهُوَ قليلٌ كقلّةِ أمّات النَّاس وَقَالَ قومٌ الهاءُ فِي أُمَّهَات أصل وَهُوَ بعيد لوَجْهَيْنِ
أَحدهمَا أنّ الواحدَ لَا هاءَ فِيهِ وَهُوَ الأَصْل
والثَّاني أنَّ الأصلَ الَّذِي يوجدُ مِنْهُ على القولِ بِأصالةِ الْهَاء هُوَ الأمَهُ وَهُوَ النِّسْيَان وَلَا معنى لَهُ هَهُنَا
وَقد زيدت الْهَاء آخرا للسكت وَمعنى ذَلِك أَن يكون الْحَرْف الْأَخير خفيّاً فيبين

(2/275)


بِالْوَقْفِ بِالْهَاءِ نَحْو كِتابيَهُ وحِسَابيَهُ أَو تكون حَرَكَة الحرفِ دالّةً على حرف محذوفٍ نَحْو لِمَ وبمَ فإنَّ فتحةَ الْمِيم تدلُّ على الألفِ المحذوفة فَلَو وقفت عَلَيْهَا وسكّنتَ لم يبقَ على المحذوفِ دليلٌ وإنْ حرّكتَ لتدلَّ وقفتَ على الحركةِ فزادوا الهاءَ لتبقى الحركةُ ويكونَ الوقفُ على السَّاكِن وإنَّما اخْتَارُوا الهاءَ لِضَعْفِها وخَفَائها وَبِذَلِك أشْبَهت حروفَ المدِّ
وَمن ذَلِك اغْزُ وارْمَ واسْعَ واخْشَ إِذا وقفتَ عَلَيْهَا ألحقتَها الْهَاء ويجوزُ أنْ تقفَ بِغَيْر هاءٍ فِي ذَلِك وَهُوَ الأصْلُ فأمَّا مَا حُذِفتْ فاؤه ولامُه فِي الْأَمر من وقَى ووَفَى فأكثرهم يقفُ عَلَيْهِ بِالْهَاءِ نَحْو قِهْ وفِهْ وعِهْ تَقْوِيَة للكلمةِ إذْ بقيتْ على حرفٍ واحدٍ ولاستحالة تَسْكِينها إذْ كانتْ مَبْدُوءاً بهَا مَوْقُوفا عَلَيْهَا وَمِنْهُم مَنْ يُجوّز تركَ الزِّيادةِ ويقفُ على الحركةِ فأمَّا إنْ كَانَت الحركةُ حركةَ إِعْرَاب لم يُوقفْ عَلَيْهَا بِالْهَاءِ كَضربَ وَيَرْمِي وإنْ كانَ السكونُ إعراباً فَكَذَلِك نَحْو لَمْ يضربْ وَلم يرْمِ وَلم يغزُ
وأجازَ قَوْمٌ فِي المجزومِ المعتلِّ الوقْفِ على الهاءِ نَحْو إنْ تَفِ أَفِهْ وإنْ ترمِ أرْمِهْ تَشْبِيها لَهُ بالمبنيّ
ومِمَّا يُوقَفُ عَلَيْهِ بِالْهَاءِ وَالنُّون بعد الواوِ وَالْيَاء نَحْو مُسْلِمُونَهْ ومُسْلِمينَهْ وتتفكَّرونَهْ لأنَّ حركتَها حركةُ بناءٍ بعد حَرْفٍ ساكنٍ فَكَرِهُوا أنْ يَقِفُوا على السَّاكن بعد السَّاكن وَلذَلِك أَجَازُوا كَيْفَهْ لأنَّ حركةَ هَذِه الحروفِ كلِّها حركةُ بناءٍ بعدَ حَرْفٍ سَاكن

(2/276)


بَاب زِيَادَة السِّين

وَقد زيدت فِي الاسْتِفْعال وَمَا تصرّفَ مِنْهُ بِمَعْنى الطَّلب نَحْو اسْتَسقَى الماءَ أَي طلبَ أنْ يُسْقاه وَقد جاءَ استفعلَ بِمَعْنى فَعَلَ نَحْو استقرَّ بِمَعْنى قرَّ وَقد زيدت عِوَضاً فِي اسطاعَ وَفِي هَذِه الكلمةِ أربعُ لُغات أطاعَ وأسْطَاع بقطْع الهمزةِ واسْطَاعَ بوصلها واسْتَطَاعَ بالتَّاء ولغةٌ خَامِسَة اسْتَاعَ
فَأَما (أَطَاعَ) فَمثل (أقَام) فالألفُ بدلٌ من الواوِ لِمَا نذكُرُه فِي البَدل
وأمَّا اسْطَاع بوصلِ الهمزةِ فأصلُه استَطَاع فحذفت التَّاء لمجانستها الطَّاءَ كَمَا يُحذف أحدُ المِثْلَيْن

(2/277)


وأمَّا أسْطاعَ بِقطع الهمْزَةِ وَفتحهَا فالسِّينُ فِيهِ بَدَلٌ من حركةِ لفظِ حركةِ الْوَاو وذلكَ أنَّ أصلَه أطْوَعَ فنقلت حركةُ الْوَاو إِلَى الطّاءِ على مَا يُوجِبهُ القياسُ ثمَّ أُبْدِلت السّينُ ممَّا ذكَرْنا والدليلُ على ذَلِك من وَجْهَيْن
أَحدهمَا أنَّ همزةَ أسْطاع مفتوحةٌ مقطوعةٌ مثلُ همزةِ أطَاع
والثَّاني أنَّ حرفَ المضارعةِ فِيهِ مضمومٌ مثلُ يُطيع وَلَو كَانَت سينُ استفعلَ لم يكن كَذَلِك وَقَالَ المبرّد هَذَا غلطٌ لأنَّ حَرَكَة الْوَاو قد نقلت إِلَى الطَّاء فَهِيَ موجودةٌ فكيفَ تصحُّ دَعْوَى البَدل مِنْهَا مِنْ موجودٍ
فَالْجَوَاب عمَّا قَالَ من وجْهين
أَحدهمَا أنَّ الواوَ لَمَّا سُكِّنت قُلبتْ ألِفاً وتعرَّضت للحذفِ فِي الجزْم وَلَو كَانَت الحركةُ بَاقِيَة فِي حكم الموجودِ لم يكنْ كَذَلِك
وَالثَّانِي أنَّ السينَ بدلٌ من الحركةِ الكائنة فِي الواوِ ونقلُها إِلَى غَيرهَا لَا يُخْرِجُها عَن استحقاقِ الحركةِ وأنَّها لَيست مَوْجُودَة فِيهَا وَقد زيدت السِّينُ فِي بعض اللُّغاتِ بعد كافِ الْمُؤَنَّث نَحْو رأيتكس ومررت بِكَس وبعضُهم يزيدُ الشين وَهُوَ شاذّ

(2/278)


بابُ زِيَادَة اللاّم

اعلمْ أنَّ زيادَتها بعيدةٌ فِي الْقيَاس لبُعْدِها من حروفِ المدِّ وإنَّما زيدت فِي حروفِ قليلةٍ قَالُوا فِي زيدٍ زَيْدَل وَفِي عَبْدٍ عَبْدل وَقَالُوا فِي الأفْحَج فَحْجَل وَقَالُوا فِي أُولَئِكَ أولالك وَهَذَا شَاذ فأمَّا اللاَّم فِي ذَلِك فزائدةٌ لبُعْدِ المُشار إِلَيْهِ وقيلَ هِيَ بَدَلٌ من هَا الَّتِي للتَّنْبيه وَكَذَلِكَ هِيَ زائدةٌ فِي تِلك وَقد زيدتْ للتَّعريف على مَا ذكرنَا فِي بَاب المعرفةِ والنَّكرةِ
فصل

كلُّ حرفٍ مُشدَّدٍ فِي أصلٍ ثلاثيّ فالثّاني مِنْهُمَا زائدٌ وَقد تكرَّر حرفانِ الفاءُ وَالْعين نَحْو مَرْمَريس ومَرْمَريت وَلَا نَظِير لَهما ووزنُه فَعْفَعيل
فأمَّا دَرْدَبيس فَلَا تكريرَ فِيهِ لأنَّ الدَّال الثَّانِيَة لم تَتَكَرَّر مَعهَا الراُْءُ فوزنه فَعْلَلِيْل

(2/279)


وأمَّا دَدن ودَدَى وَدَدٌ فَلَا يُقالُ الفاءُ مكررةٌ بل فاؤه وعينُه من موضعٍ وَاحِد وَقد يُفْصَل بَين المثلين فِي مثلِ ذَلِك نَحْو كَوْكَب
فأمَّا أوَّل ففاؤه وعينه واوان وَله موضعٌ يذكر
فصل

الأصلُ أنْ تكونَ الزيادةُ أخيراً لأنَّه موضعُ الْحَاجة إِلَيْهَا إذْ البَدْأَةُ بالاصول ممكنةٌ وإنَّما يقترض بعد إِنْفَاق الْحَاصِل إلاَّ أنَّه قد زيد أوَّلاً وحَشْواً على حسب الْمَعْنى
فصل

فِي الْإِلْحَاق
اعْلَم أنَّ القصدَ من الإلحاقِ أنْ تزيد على بناءٍ حتَّى يصيرَ مُساوياً لبناءِ أصْلِ أكثَر مِنْهُ وَهَذَا يُوجِبُ أنْ يُزَادَ على الِاسْم الثُّلاثيّ حتَّى يصيرَ رُباعياً وخُماسياً فقد تَلْحَقُه زيادتان لأنَّ أكثرَ أصولِ الأسماءِ خمسةٌ فأمَّا الفِعْلُ فَيُزادُ على الثُّلاثي واحدٌ فَيَلْحَقُ بالرُّباعي لأنَّ الفعلَ لَا خماسيَّ فِيهِ
واعلمْ أنَّ حرفَ الإلحاقِ لَا يكونُ أوَّلاً لأنَّ الزيادةَ أوَّلاً تكونُ لِمَعْنى إِذْ حقُّ الْمَعْنى أنْ يُدلّ عَلَيْهِ من أوَّلِ الْكَلِمَة ليستقرَّ الْمَعْنى فِي النَّفس من أوَّلها فقد يكونُ حرفُ الإلحاقِ حَشْواً وآخراً

(2/280)


وَاعْلَم أنَّ الإلحاقَ إِذا كانَ آخِراً جازَ أَن يكونَ بالحروفِ كلّها إِذا كانَ الملحقُ من جنس اللاّم
وأمَّا الإلحاقُ إِذا كانَ حَشْواً فَيكون بِالْيَاءِ وَالْوَاو والنّون فمثال الْوَاو ثَانِيَة جَوْهَر مُلْحق بِجَعْفَر فالواو بِإِزَاءِ الْعين والياءُ ثَانِيَة مثل خَيْفَق ومثالُهما ثَالِثَة جَدْوَل فالواوُ بمنزلةِ الْفَاء من جَعْفَر وعِثْيَر فالياءُ بِإِزَاءِ الْهَاء من دِرْهَم
وأمَّا الألفُ فَلَا تكونُ للإلحاقِ حَشْواً لأنَّ مَا فِيهَا من المدِّ يُخْرِجُها عَن مُساواة حروفِ الأصلٍ من غَيره ويؤيِّدُ ذَلِك أنَّها لَا تكونُ أصْلاً فِي الأسْماء المتمكِّنةِ والأفعالِ فَلَا يُقابَل بهَا أصْلٌ وأمَّا زيادتُها أخيراً للإلحاق فَجَائِز
فصل

ويُسْتَدلُّ على الْألف إِذا كَانَت أخيراً أنَّها للإلحاقِ بثلاثةِ أَشْيَاء
أَحدهَا أنْ لَا تكونَ منقلبةً عَن أصلٍ وأنْ تنوّنَ فالشرَّطُ الأوَّلُ يدلّ على أنَّها إنْ كَانَت منقلبةً عَن أصْل لم تكن زَائِدَة وَمن شَرْط حَرْفِ الْإِلْحَاق أَن يكونَ زَائِدا وأمَّا التنوينُ فَيدُلّ على أنَّها لَيست للتأنيث
والثَّاني أنْ تكونَ على بناءٍ غيرِ مُخْتَصّ بالتأنيث فَحُبْلى وَنَحْوه من فعلى

(2/281)


لَا يكونُ إلاّ للتأنيث وَمن هُنا كَانَت ألفُ بُهْمى للتأنيث وَالْألف فِي بُهْماة زَائِدَة للتكثيرِ وعَلى قولِ الْأَخْفَش تكونُ للإلحاق بِجُخْدَب
والثَّالث أَن تنقلبَ الألفُ فِي التصغير يَاء كَمَا تنقلبُ المنقلبةُ إِلَى الْيَاء نَحْو مِعْزى وتصغيرها مُعَيْز وأمَّا الهمزةُ فِي عِلْباء فَمُبْدَلةٌ من ألفٍ مُبْدَلةٍ من يَاء زائدةٍ للإلحاق بسِرْداح وَلذَلِك تقولُ فِي تصغيرها عُلَيْبيّ فتقلبُ ألفَ المدِّ يَاء لانكسارِ مَا قبلَها وتعيدُ اللاّم إِلَى أَصْلهَا وَقد جَاءَت ألفاظٌ تكونُ الألفُ فِي آخرهَا للإلحاقِ فِي لغةٍ وللتأنيثِ فِي أُخرى نَحْو ذِفْرى وتَتْرَى فمما جاءَ على الْإِلْحَاق

(2/282)


مَهْدَد ووزنه فَعْلَل مُلْحَق بِجَعْفَر إذْ لَو كَانَت الميمُ زَائِدَة لقَالَ مهدّ فأدغم وَكَذَلِكَ يأججّ ومأْججٌ وزْنُهما فَعْلَل إذْ لَو لم يكن كَذَلِك لأدغم

(2/283)


بابُ البَدل

معنى الْبَدَل إقامةُ حرفٍ مَقامَ حرفٍ آخر والغرضُ مِنْهُ التخفيفُ وموضعُ البَدَل موضعُ المبدَلِ مِنْهُ بِخِلافِ العِوض فإنَّه فِي غيرِ مَوضعِ المعوَّض مِنْهُ كتعويضهم تَاء التَّأْنِيث فِي عِدّةٍ وزِنَةٍ من فَاء الْكَلِمَة الَّتِي هِيَ واوٌ وكالهمزة فِي اسمٍ فإنَّها عُوِّضت من لامِ الكلمةِ الَّتِي هِيَ واوٌ فإنْ قيلَ لِمَ فَرَّقوا بينَ العِوَضِ والبدلِ فِيمَا ذكرت البدلُ فِي اللغةِ من جِنْسِ المُبْدَلِ مِنْهُ يُقام مقامَه والعوضُ جزاءُ الشَّيء وَقد يكونُ من غَيْرِ جِنْسه أَلا تَرى أنَّ الثَّوابَ والعِقَابَ على الفِعل تُسمَّى عِوَضاً ويُقال عَوَّضَه اللهُ من وَلَدِه مَالا أوْ عِلْماً
فصل

والبَدَلُ على ضَرْبين مَقِيس وغيرُ مَقِيس
فَغَيرُ المقِيس كإبدالهم الياءَ من الْبَاء فِي الأرانب فقد قَالُوا الأراني وإبدال

(2/284)


الْيَاء من السِّين فِي سادس فَإِنَّهُم قَالُوا سادي
وأمَّا المقيسُ فَضَرْبان أيضاًُ لازِمٌ مطَّرد ولازمٌ غير مطَّرد
فالأوَّل مَا أُبْدِلَ لعلَّةِ فإنَّه لازمٌ حيثُ وُجدت العلّةُ مَا لمْ يمْنَع مِنْهُ مانعٌ كإبدالِ الْوَاو وَالْيَاء ألفا لتحركهما وانفتاح مَا قبلهمَا
واللازمُ غيرُ المطَّرِد نَحْو إبْدَالِ الْيَاء من الْوَاو فِي أعْياد
وأمَّا مَا ليسَ بلازمٍ وَلَا مطَّرِد فَهُوَ الجائزُ كإبدالهم الواوَ همزَة فِي وِشاح ووِعاء فإنَّه جائزٌ غيرُ مطّرد أَلا ترى أَنهم إِذا علَّلُوا الإبدالَ بِكَسْر الْوَاو بطلَ عَلَيْهِم ب وِرْد وِقْر وغيرِ ذَلِك ممّا لَا يجوزُ فِيهِ الْإِبْدَال مَعَ وجود العلَّة وعدمِ الْمَانِع

(2/285)


فصل

فِي حروفِ الْبَدَل

وَهِي أحدَ عشرَ مِنْهَا ثَمَانيةً من حروفِ الزِّيادة تُسقط مِنْهَا السِّين وَاللَّام ويُزادُ عَلَيْهَا ثَلَاثَة من غَيرهَا وَهِي الدَّال والطاءُ والجيمُ وسيَأْتي ذَلِك حَرْفاً فحرفاً إِن شَاءَ الله تَعَالَى
فصل

فِي إِبْدَال الهمزةِ

وَقد أُبْدِلت الهمزةُ من خَمْسةِ أحْرُفٍ من الألفِ والواوِ وَالْيَاء وَالْهَاء وَالْعين

إبدالُها من الْألف

مَسْأَلَة

إِذا وقَعتْ ألفٌ التأنيثِ بعدَ ألفِ المدِّ قُلبتْ همزَة الْبَتَّةَ كَقَوْلِك صحراء

(2/286)


وحمْراء لأنَّ الألِفين التقتا ومُحالٌ اجتماعُهما وحذفُ الأولى وتحريكُها يُخِلّ انقلبت المدّ وحذفُ ألفِ التَّأْنِيث يُخِلُّ بالتأنيث فَتعين تحريكُها وَإِذا حُرِّكت انقلبت همزَة لِقُرْبِ مَخْرج الهمزةِ مِنْهَا وَلَا يُقال إنَّ الهمزةَ علامةٌ للتأنيثِ فِي الأَصْل لأنَّها لَو كَانَت كَذَلِك لجاءت للتأنيثِ من غيرِ عِلّة توجِبُ التغييرَ كَمَا جَاءَت الألفُ وَالْيَاء
مَسْأَلَة

إِذا وقعتِ الألفُ قبلَ الْحَرْف المشدَّد نَحْو دابّة وابياضّ فَمن الْعَرَب من يبدلها همزَة وَقد قاسَ ذَلِك النحويون وَمِنْهُم من لم يقسه وَقَالَ المبرّد للمازنيّ أتقيسُه قَالَ لَا وَلَا أقبله وَمعنى ذَلِك أنَّه يستعِفُه لَا أنَّه يردُّ الرِّوَايَة بِهِ لأنَّها صحيحةٌ فَاشِية وعلّة القلبِ لأنَّ الألفَ ساكنةٌ وَبعدهَا حرفٌ ساكنٌ فَحُرِّكتِ الألفُ كَرَاهِيَة لِاجْتِمَاع الساكنين وانقلبت همزَة لِمَا تقدَّم وإنَّما ضَعُفَ هَذَا فِي الْقيَاس وقلَّ فِي السَّماع أنَّ الألفَ لامتداد صوتِها كأنَّها متحرِّكةٌ فَلَا جَمْعَ إِذن بَين ساكنين

(2/287)


مَسْأَلَة

حكى سِيبَوَيْهٍ عَن بعضِ العربِ أنَّه يَقْلبُ ألفَ التَّأْنِيث فِي الوقْف هَمْزةً فَيَقُول هَذِه حُبْلاً فكأنّه أرادَ أنْ يقفَ على السَّاكن المتحركٍ فِي الوَصْل فَعَدَل إِلَى مَا يُتصوّر فِيهِ ذَلِك وَهِي الهمزةُ لِقُربِها مِنْهَا وحَصَل بذلك الفَرْقُ بَين الوقفِ والوصل وَكَذَلِكَ أبدلَ من ألفِ التَّنْوِين همزَة كَقَوْلِك رأيتُ رَجُلاً وَكَذَلِكَ فِي قولِك هُوَ يَضرِبُها فَإِذا وصَل أعادَه إِلَى الأَصْل
مَسْأَلَة

فِي قَول // الراجز //
(مِنْ أيِّ يَوْمَيكَ مِنَ الموتِ تَفِرْ ... أيومَ لم يقدرَ أمْ يومَ قُدِرْ)
بِفَتْح الرَّاء فَفِيهِ لِلنَّحويين ثلاثةُ أوْجُهٍ
أَحدهَا أنَّه حرَّكَ السَّاكنَ للضَّرورة

(2/288)


والثَّاني أنَّه أرادَ النونَ الخفيفةَ فأبدلَ مِنْهَا ألفا ثمَّ حذَفَها للوصلِ وَهَذَا ضعيفٌ لأنَّ ذَلِك يكونُ لأجْلِ السَّاكِن بعدَها
وَالثَّالِث وَقَالَ أَبُو الْفَتْح قدَّرَ الراءَ متحركةً بحركةِ الهمزةِ المجاورةِ لَهَا كَمَا هَمَزُا الواوَ السَّاكنة لانضِمام مَا قبلهَا نَحْو لمؤقدان ومؤسى ثمَّ همزَة الألفَ لسكونها وسكونِ الْمِيم بعْدهَا قلت وَلَو قيل إِنَّه ألقَى حركةَ الهمزةِ على الرَّاء وأبدلَها ألفا ثمَّ عمِل مَا ذكر كَانَ أوْجَهَ لأنَّه أقلُّ عملا

(2/289)


والسُّؤق ثمَّ أبدلَ من الهمزةِ ألفا كَمَا قَالَ فِي الْمَرْأَة مَرَاة وَفِي الكَمْأة كَمَاة
مَسْأَلَة

الهمزةُ فِي قَول الشَّاعر من // الرجز //
بالخيرِ خَيْراتٍ وإنْ شَرّاً فأا ... وَلَا أريدُ الشرَّ إلاَّ أَن تأا)
وَأَصلهَا ألفٌ ويريدُ فشرّ فلمَّا ذكر الفاءَ وحدَها أشبعَها فنَشَأتِ الألفُ فأضافَ إِلَيْهَا ألفا أُخْرى وحرِّكَها كالأولى لالتقاء السَّاكنين وَمِنْهُم مَنْ يرويهِ فا بألفٍ واحدةٍ
فصل

فِي إبدالِ الهمزةِ من الْوَاو
وَذَلِكَ على ضربَيْن جائزٌ ولازِمٌ فالجائزُ أنْ تنضمَّ الواوُ ضَمّاً لازِماً أوَّلاً كانتْ أوْ وسطا فإنَّه يجوزُ قلبُها همزَة كَقَوْلِك فِي وُعِد أُعِد وَفِي وُجوه أُجوه وَفِي

(2/290)


أثْوُب أثؤب إنَّما كانَ كَذَلِك لأنَّ الواوَ مقدَّرةٌ بضمّتين فَإِذا انضمّت ضمّاً لازِماً فكأنَّه اجتمعَ ثلاثُ ضمّات وكلُّ واحدٍ مِنْهَا مُسْتَثْقَلٌ فَهُرِبَ مِنْهَا إِلَى مَالا يقدَّر بِضَمَّتَيْنِ وَهُوَ الهمزةُ وَكَانَت أوْلى من الْيَاء لأنَّها مقدَّرةٌ بكسرتين فضمّها مستثقلٌ ولأنَّ الْهمزَة نظيرةُ الْوَاو فِي الْمخْرج لأنَّ الهمزةَ من أقْصى الحلقِ وَالْوَاو من آخر الْفَم فَهِيَ محاذَّتُها فَإِن قيلَ فهلاّ كانَ قَلبهَا لَازِما قيل لوَجْهَيْنِ
أَحدهمَا أنَّ الضمّة فِي الْوَاو مجانسةٌ لطبيعتها وإنْ كَانَ مستثقلاً
وَالثَّانِي أنَّ الأَصْل فِي الْإِبْدَال اللَّازِم أنْ يكونَ لعلَّةِ مُلَازمَة وَلم يُوجد
فصل

فَإِن كَانَت الواوُ مَكْسُورَة نَحْو وِعَاء وِسادَة فقد هَمَزَها قومٌ وَوَجْهُهُ

(2/291)


أنَّ طبيعةَ الْوَاو الضمّ فكَسْرُها مخالفٌ لطبيعتها فكأنَّ الواوَ خالَطَتْها الياءُ وذلكَ شاقّ على اللسانِ فعُدِل عَنْهَا إِلَى الهمزةِ لِمَا ذَكَرْنا فِي المضمومةِ
فصل

فإنْ كَانَت مَفْتُوحةً لم تُقْلَب هَمْزَةً إلاَّ أَن يُنْقَلَ ذَلِك لخفَّةِ الفتحةِ وأنَّ الواوَ المفتوحةَ أخفُّ من الهَمْزَةِ وَقد جاءَ قلبُها همزَة فِي ثَلَاثَة مواضعَ وَهِي أحَد فِي وَحَد كَقَوْلِه تَعَالَى {قُلْ هُوَ اللهُ أحَد} لأنَّه من الوَحْدة فأمَّا أحدٌ المستعملُ للْعُمُوم كَقَوْلِك مَا جَاءَنِي مِنْ أحدٍ فَهِيَ اصلٌ إذْ لَيْسَ مَعْنَاهَا وَاحِدًا وَمن ذَلِك امرأةٌ أناةٌ وأصلُها وَنَاةٌ لأنَّها المتثنيَّة فِي مشْيَتِها فَهِيَ مُشتَقّة من الوُنْية

(2/292)


والتَّواني وَمن ذَلِك قَوْلهم أسْماء اسمُ امْرَأَة واصلها وسْمَاء من الوَسَامة وَهُوَ الحُسْن وَهَذَا لَا يُقَاس عَلَيْهِ
فصل

إِذا وقَعت الواوُ عَيْناً فِي فاعِل نَحْو قَائِل وجائِر قُلِبَت همزَة وَفِيه أسْوِلَةً
أحدُها لِمَ قُلبت والجَوابُ أنَّها لَمَّا اعتلّت فِي قَالَ وجَارَ اعتَلَّت فِي قَائِل لأنَّه من فروع فَعل والقلبُ هُنَا يُعرَفُ من عِلّة القَلْب فِي الفِعْل لأنَّ الواوَ هَنا متحرّكةً وَقبلهَا فتحةُ الْقَاف والحاجز بَينهمَا غَيرُ حُصَيْن ولأنَّ الألفَ لاستطالتِها كالحرفِ المفتوح وَكَانَ قياسُ ذَلِك أَن تُقْلَب ألفا إلاَّ أنَّ قبلهَا ألفا فَلم يُجمع بَين ساكنين
وَالسُّؤَال الثَّانِي لِمَ قُلِبتْ همزَة فَفِيهِ وَجْهَان
أَحدهمَا أَن الْقيَاس أَن تقلب ألفا فلَمَّا تعذَّرَ ذَلِك قُلبت إِلَى أختِ الْألف
والثَّاني أنَّها لَو قُلبت يَاء لكانَ حُكْمُها حكمَ الواوِ فِي وُجوبِ إعلالها فقلبوها حَرْفاً لَا يجبُ إعلالُه مَعَ مشابهتِه حروفَ الْعلَّة

(2/293)


فصل

إِذا وَقعت الواوُ طَرَفاً بعد ألفٍ زائدةٍ اصلاً كَانَت أَو زَائِدَة قلبت ألفا ثمَّ قُلبت الألفُ هَمْزَةً نَحْو كِسَاء فإنْ قيلَ لِمَ أُبْدِلت قيلَ لأنَّها تطرَّفت وتحرَّكت والواُوُ المتحرِّكةُ مُسْتَثْقَلة والطرفُ ضعيفٌ فَلذَلِك قُلِبت وقَبْلَها سَاكن أَلا ترى أنّها صّحت فِي (شقاوة) و (عَبَايَه) لَمَّا لم يتطرَّفاَ فإنْ قيل فقدْ أبدَلَها هَهُنَا بعضُ الْعَرَب هَمْزَةً فَقَالُوا عَبَاءة وصَلاءة قيلَ هِيَ لغةٌ ضعيفةٌ

(2/294)


والوجْهُ فِيهَا أنَّه أَدخل الْهَاء بعد الْقلب فَلم يُعِدها إِلَى أصْلها إذْ كانَ حرفُ التانيث زَائِدا والتأنيث فرعٌ فَلم يتغيَّرْ بهما الاصل فإنْ قيلَ فلِمَ أُبْدِلت ألفا ثمَّ همزَة قيل هُوَ اشْبَهُ بِالْقِيَاسِ لأنَّ حكْمَ الْوَاو إِذا تحرَّكت وانفتَح مَا قبلهَا قُلبت ألِفاً وَقد بَيَّنّا أنْ قبلَها فَتْحة أَو كالفتحة فَلَمَّا صَارَت ألفا حُرِّكت فَانْقَلَبت هَمْزَةً لِئَلَّا يُحذفَ أحدُ السَّاكنين وكلٌّ مِنْهُمَا يجبُ أنْ يُراعى
فصل

إِذا اجتمعَ واوان فِي أوَّلِ الكلمةِ أُبْدِلت الأولى مِنْهُمَا هَمْزَةً نَحْو الأولى وَجمع واصِل وتصغيرُه أواصل وأُوَيْصل وإنَّما كانَ كَذَلِك لأنَّ الواوَ مُسْتَثْقَلة لكونِها خارجةٌ من عُضوين وَهِي مقدَّرةٌ بضمَّتين فالواوان فِي تقديرِ أربعِ ضمّاتٍ ثمَّ هُما من جنسٍ واحدٍ والنّطْق بالحرفِ بعدَ حرفٍ مثله شاقٌّ على اللِّسَان حَتَّى أوجبَ

(2/295)


ذَلِك الإدغامَ إِذا أمكن وهُنا لَا يُمْكنُ لأنَّ المدغمَ الأوَّل يجبُ أَن يكونَ سَاكِنا والأوَّل لَا يُمكن إسْكانُه فَعِنْدَ ذَلِك هُرِبَ إِلَى حرفٍ آخرَ وَهُوَ الهمزةُ لِمَا ذكرْنا من قبل
فصل

وأمَّا إبدالُها من الْيَاء فقد جاءَ شَاذّاً فِي أيْدٍ قَالُوا قَطَعَ اللهُ أدَه وأدَيه وأُبدلت من الياءِ إِذا وَقعت عين فاعِل نَحْو بَائِع وَسَائِر وَمن الياءِ لاماً نَحْو قَضَاء ورِدَاء والعِلَّةُ فِي ذَلِك كلِّه مَا تقدَّم قبلُ

(2/296)


وَقد أُبدلت من الْيَاء الزَّائِدَة للإلحاقِ فِي نَحْو عِلْباء وحِرْباء فإنْ قيل مِنْ أينَ أعْلَمُ أنَّ أَصْلهَا ياءٌ لَا وَاو قيل لوَجْهَيْنِ
أَحدهمَا أنَّهم لَمَّا ألْحقُوا الهاءَ هَذَا الحرفَ أظهرُوا الياءَ فَقَالُوا دِرْحَاية ودِعْكاية وَلم يَأْتِ فِيهِ الْوَاو
والثَّاني أنَّهم لَمَّا ارادوا الْإِلْحَاق زادُوا أخفَّ الحرفينِ وَهُوَ الْيَاء فإنَّها أخفُّ من الْوَاو

(2/297)


مَسْأَلَة

فإنْ سمَّيتَ رجلا ب صحراء ونسبتَ إِلَيْهِ قلت صَحْراويّ فأبدلت الهمزةَ واواً فإنْ رخَّمته بعد النَّسب على مَنْ قَالَ يَا حارُ قلت يَا صحراءُ فأبدلت الْوَاو همزَة فَهَذِهِ الهمزةُ مُبْدَلةٌ من واوٍ مبْدَلةٍ من هَمْزَةٍ مُبْدَلةٍ من ألفٍ
فصل

وأمَّا إبدالُ الهمزةِ من الْهَاء فقد جاءَ ذَلِك فِي حروفٍ ليستْ بالكثيرة والوَجْهُ فِي إبْدالها أنَّ مَخْرَجَيْهما مُتقاربان إلاَّ أنَّ الهاءَ خفيّةٌ والهمزةَ أبْيَنُ مِنْهَا فأُبْدِلَ الخَفيُّ من البَيِّن فَمن ذَلِك مَاء والأصلُ فِيهِ مَوَهٌ لِقَوْلِك فِي جمعِه أمْوَاه ومِياه وماهتِ الركيّةُ تَمُوهُ فقد رأيتَ لامَ الكلمةِ كيفَ ظهرتْ هَاء فِي التَّصريف فأبْدَلوها همزَة وَالْوَاو ألفا وَقد جَاءَت فِي الْجمع أمْوَاء على الشّذوذ

(2/298)


وَمن ذَلِك آل والأصلُ أهْل فأُبدلت الهاءُ همزَة ثمَّ أبدلت الهمزةُ ألفا لِاجْتِمَاع الهمزتين وسكونِ الثَّانِيَة وانفِتاح الأولى مثل آدم وَآخر فإنْ قيلَ لِمَ قلتَ إنَّها أُبدلتْ همزَة ثمَّ ألفا دون أَن تقولَ أُبدلت ألفا من الِابْتِدَاء قيلَ لوَجْهَيْنِ
أَحدهمَا أنّهَا لم نجدهم أبدلوا الهاءَ ألفا فِي غير هَذَا
والثَّاني أنَّها لَو كَانَت بَدَلاً من الْهَاء كانَ استعمالُ الاصلِ والبدلِ بِمَعْنى وَاحِد كَمَا فِي وُجوه وأجوه وَلَيْسَ كَذَلِك وإنَّما خصُّوا البدلَ ببعضِ الْمَوَاضِع فَيُقَال آلُ الْملك يُرِيدُونَ أشرافَ قومه وَلم يَقُولُوا آل الْخياط وَآل الإسْكاف وَهَذَا حكُم فَرْع الفَرْع أَلا ترى أنَّ التَّاءَ فِي القَسَم لَمَّا كَانَت بَدَلاً عَن بَدَلٍ خَصُّوها بأفضلِ الْأَسْمَاء فَقَالُوا تالله وَلم يَقُولُوا تربِّك وَلَا غيرَ ذَلِك

(2/299)


فصل

فِي إبدالِ الهمزةِ من الْعين قد جاءَ ذلكَ فِي بعضِ الِاسْتِعْمَال فالوجهُ فِيهِ أنَّ الهمزةَ والعينَ متجاورتان فِي المنخْرَج فَمن ذَلِك قَوْلهم فِي عُباب أُباب ويجوزُ أنْ تكونَ الهمزةُ أصلا من قَوْلهم أبَّ للشَّيْء إِذا تهيّأ لَهُ وعُبَاب الْبَحْر مُعْظَمه وَمعنى التهيؤ موجودٌ فِيهِ وَقَالُوا عُفُرَّة الْحَرِّ وأُفُرَّتُه والهمزةُ بدلٌ من الْعين ويجوزُ أنْ تكون أصلا من قَوْلهم أفِر يأفِر أفْراً إِذا إدا وأصلُ الْكَلِمَة من الشدِّة والمعنيان يَجْتَمِعَانِ فِيهَا ويُؤْنِّس بإبدال العينِ همزَة إبدالُ الهمزةِ عَيْناً فِي مثلِ قولِ الشَّاعر من // الطَّوِيل //
(أَعَنْ ترسَّمْت مِنْ خَرْقاءَ مَنْزِلةً ... ماءُ الصِّبابَةِ من عَيْنَيْكَ مَسْجُومُ)

(2/300)


والوجْهُ فِيهِ أنَّ العينَ تَقْرُب من مخرج الهمزةِ وَهِي أبْيَنُ من الْهمزَة ففرّوا إِلَيْهَا خُصوصاً عِنْد اجتماعِ الهمزتين

(2/301)


ذِكْرُ إِبْدَال الْألف

وَقد أُبْدِلت من حُروفٍ عِدّةٍ فَمن ذَلِك الوَاوُ واليَاءُ إِذا تحركتَا وانفتحَ مَا قبلَهما قُلِبا أَلفَيْنِ عينين كَانَتَا أوْ لامَيْن وَقد خرجَ عَن هَذَا الأَصْل أشياءُ لم تُقْلَب فِيهَا لعللٍ نذكرها إنْ شاءَ اللهُ تَعَالَى وإنَّما كانَ الأصلُ القلبَ لأنَّ كلَّ واحدةٍ من الواوِ والياءِ مُقَدَّرَةٌ بحركَتين لِمَا ذُكِر فِي غير هَذَا الْموضع فَإِذا انضمَّ إِلَى ذَلِك حَرَكَتُها وحركةُ مَا قبلَها اجتمعَ فِي التقديرِ أربعُ حركاتٍ متوالياتٍ فِي كلمةٍ وذلكَ مُسْتَثْقَلٌ وَقد تجنَّبوا مَا هُوَ دونَه فِي الثِّقل كاجتماعِ المِثْلين نَحْو مَدَّ وشدَّ واصله مَدَد وشَدَد فأدْغَموا فِراراً من ثِقَل التَّضْعيف وقيلَ إنَّ الياءَ وَالْوَاو إِذا تحركتا صَارَت كلُّ واحدةٍ مِنْهُمَا بِمَنْزِلَة حرفِ مدٍّ وَبَعض حرف مدٍّ آخر أَو بِمَنْزِلَة حرفي مدٍّ قَالُوا والمفتوحةُ كواوٍ وَألف والمكسورةُ كواوٍ وياء والمضمومةُ كواوين وَهَكَذَا حكم الْيَاء واجتماعُ حُرُوف المدِّ يُسْتَثْقَل النّطقَ بِهِ فَلذَلِك قلبوهما إِلَى الألفِ
فإنْ قيل لِمَ شَرَطوا انفِتاحَ مَا قبلَهما ولِمَ قلبُوهما ألِفاً دونَ غيرِه
قيل إنَّما كانَ كَذَلِك لأنَّ الغرضَ قلْبُهما إِلَى حرفٍ يمتنعُ تحريكُه وليسَ إِلَّا الْألف إذْ لَو كَانَ القلبُ إِلَى حرفٍ متحرِّك لكانَ القلبُ عَبَثا والألفُ لَا يكونُ مَا قبلهَا إلاَّ مَفْتُوحًا ويترتَّب على هَذَا مسَائِل
مَسْأَلَة

لَا فَرْقَ فِيمَا ذكرنَا بَين أَن يكونَ الحرفان عينين أَو لامين مثل بابٍ ودارٍ

(2/302)


ونابٍ وعابٍ والعَصَا والرَّحى
فإنْ قيلَ إِذا كانتِ الواوُ والياءُ لاماً كَانَت حركتُها عارضةً فلِمَ قلبتا
قيل حركةُ الإعرابِ لازمةٌ وإنَّما تُحذَفُ فِي الوقْف وَهُوَ عارضٌ والأصلُ الوَصْلُ فأمَّا الحركةُ العارضةُ على التَّحْقِيق فَلَا يُقْلَب الْحَرْف لَهَا كَقَوْلِك {وَلَو انَّهم} فِي لَوْ أَنهم {وَلَا تنسوا الْفضل بَيْنكُم} و {لَتَرَوُنَّها} {فَإِمَّا تَرَيِنَّ}
مَسْأَلَة

إِذا تحرَّكتِ الواوُ والياءُ وانكسرَ مَا قبلَهما أَو انضمّ نَحْو عِوَض وسُوَر لم تنقلبا لأنَّ شرطَ انقلابِها قد فُقِدَ وَهُوَ انفتاحُ مَا قبلَهما لينقلبا ألفا غذ لَا فائدةَ فِي انقِلابهما إِلَى الْيَاء والواوِ الْمُجَانِسَيْن لحركةِ مَا قبلهمَا ولأنَّ القلبَ يُفْضي بهما إِلَى مثلهمَا

(2/303)


مَسْأَلَة

إنَّما صحَّت الواوُ والياءُ فِي الغَلَيان والنَّزَوان لوَجْهَيْنِ
أَحدهمَا أنَّ ذَلِك يُفْضي إِلَى حَذْف إِحْدَى الْأَلفَيْنِ لاجتماعهما فَيبقى اللفظُ النَزان والغَلان فيلتَبِسُ بِمَا نونُه أصلٌ كالأمان والضَّمان وَكَذَلِكَ الصَّمَيَان
والثَّاني أنَّ هَذَا البناءَ لَا يُشْبِه أبنية الْفِعْل والتَّغييرُ بابُه الأفعالُ فَمَا لَا يُشْبِهُه يَخْرُج على الأَصْل وأمَّا الطَّوَفَان والْجَوَلان ممَّا عينُه معتلَّةٌ فصحَّت لوَجْهَيْنِ
أَحدهمَا أنَّ هَذَا البناءَ قريبٌ من بابِ الغَلَيان والنَّزَوان فَحملت الصِّحَةُ عَلَيْهِ للوجْهَيْنِ الْمَذْكُورين
والثَّاني أنَّ الواوَ لَو قُلِبت ألفا لاشتَبه فَعَلان بفاعال فاجْتُنب لذَلِك
مسالة

إنَّما صحَّت الواوُ والياءُ فِي غَزَوا ورَمْيَا لِئَلَّا تَنْقَلب ألفا فتُحذَف إِحْدَى الألِفَيْن فيصيرَ كَلَفْظِ فِعْل الواحدِ

(2/304)


مَسْأَلَة

إنَّما صحَّت الْوَاو فِي اجْتَوَرُوا وبابه لأنَّه فِي حْكم تجاوروا إِذْ لَا فَرْق بَينهمَا فِي الْمَعْنى وَلَا مُوجب للقلب فِي تجاوروا فَحُمل اجتوروا عَلَيْهِ وَهَكَذَا حَوِل وعَوِر لأنَّ الاصلَ احولّ واعورّ وَهَذَا لم توجَد فِيهِ علّةُ الْقلب فكانَ التصحيحُ دَلِيلا على هَذَا الأَصْل
مَسْأَلَة

إنَّما صحَّت الواوُ فِي خَوَنه وحَوَكة لوَجْهَيْنِ
أَحدهمَا أنَّ تاءَ التَّأْنِيث بعدَّتْه من شبه الْفِعْل فخرجَ على الأَصْل
والثَّاني أنَّ ذَلِك أُخْرِجَ على الأَصْل تَنْبِيها على أنَّ أصلَ البابِ كلّه التصحيحُ وعَلى ذَلِك جَاءَ استحوذَ وَوَجهه وَقد قَالُوا حاكَه وخانَه فأجروه على الْقيَاس
مَسْأَلَة

إنَّما صحَّتِ الواوُ فِي الهَوَى والنَّوَى لِئَلَّا تُحذَفَ أحدُ الْأَلفَيْنِ فأمَّا صِحَّتهَا فِي

(2/305)


نَوَوِيّ فلئلاّ يتوالى إعلالان وَذَلِكَ أنَّ أصل الْوَاو الثَّانِيَة ياءٌ أُبْدِلت ألفا ثمَّ أُبْدِلت واواً لأجل النَّسب ولأنَّها لَو أُبْدِلت ألفا لصارَ لفظُها فاعيلا فيلتبس ولأنَّها لَو صحَّت قبل النَّسَبِ بقيت على صِحَّتها
مَسْأَلَة

إِذا سُكِّنت الواوُ والياءُ وانفتحَ مَا قبلَهما لم تُقْلَبا لزوالِ الْمُوجِب للقلبِ وَهُوَ الحركةُ وَقد جَاءَ ذَلِك شاذاً قَالُوا فِي طيّء طائيّ وَفِي الْحيرَة حارِيّ وَفِي زِبْنِيَة زَبَانيّ لأنَّ الألفَ على كل حالٍ أخفُّ مِنْهُمَا وَقد وقَعَ فِي زِبْنِية تغييران فتحُ الْبَاء وقلبُ الْيَاء فأمَّا دويَّة فقد قَالُوا فِيهَا داويّة فَقَالَ قومٌ هِيَ لغةٌ وَقيل أُبْدِلت الواوُ الأولى ألفا وَقيل الألفُ زائدةٌ ووزنُها فاعيلة وَفِيه بُعْدٌ لأنَّ ذَلِك من أبنيةِ الأعجمي وممَّا صحَّت فِيهِ الواوُ القَوَد والأوَد نُبّه بذلك على أصلِ الْبَاب

(2/306)


إبدالُ الْألف من الْهمزَة
إِذا اجْتمعت همزتان وسُكِّنت الثانيةُ وانفتحتِ الأولى أُبْدِلت الثانيةُ ألفا أَلْبَتَّة نَحْو آدم وَآخر وَفِي الْفِعْل نَحْو آمن وآزر وَإِنَّمَا كانَ كَذَلِك لأنَّ الهمزةَ إِذا انْفَرَدت ثَقُل النُّطْقُ بهَا فَإِذا انضمَّ إِلَيْهَا أُخْرَى تضاعَف الثِّقَلُ وَإِذا تَصَاقَبا وسُكِّنت الثانيةُ ازدادت الكُلْفة بالنّطق بهما لَا سيّما إِذا أَرَادَ النطقَ بواحدةٍ بعدَ أُخْرَى وَمن هُنَا وَجَب الإدغامُ فِي المثلين والإدغامُ هُنَا مستحيلٌ والحذفُ يُخلُّ بِالْكَلِمَةِ فتعيّن المصيرُ إِلَى إبدالِ الثَّانِيَة ألفا لانفتاحِ مَا قبلهَا وَلَا يصحّ تَلْيينها لأنَّ الهمزةَ المليَّنةَ فِي حكمِ الهمزةِ المحقَّقة وَلَا يصحّ إبدالُ الأولى وَلَا تَلْيينها لتعذُّرِ الابتداءِ بالألفِ وَمَا يقْرُب مِنْهَا وَإِذا صغّرتَ آدمَ أَو جمعته أبدلت الألفَ واواً فَقلت أُوَيْدم وأوادِم كَمَا تَقول

(2/307)


فِي ضَارب ضُويرب وضَوارب وَلَا يجوزُ تحقيقُ الثَّانية فِي التصغير وَالْجمع لما ذكرنَا من الثّقل وأنَّ حركتها عارضةٌ
مَسْأَلَة

إِذا سُكِّنت الهمزةُ وانفتحَ مَا قبلَها وانفردت جازَ تحقيقُها نَحْو رَأس وكأس ومأتَم وَجَاز إبْدالها ألفا تَخْفِيفًا إلاَّ أنْ يقعَ ذلكَ فِي الشّعر مُقَابلا لرِدْفٍ فإنَّه يلزمُ إبدالُها ألفا لتستقيمَ الأرداف مثلُ أنْ يقعَ فِي آخر الْبَيْت نَاس وَفِي آخِرِ آخَرَ راس فالإبدال فِي رَأس لازمٌ لما ذكرنَا وإنْ وقعَ فِي آخرِ بَيت دِرْهَم فِي آخِر آخَر مأتم فالجيّدُ تَحْقِيق الهمزةِ وَقَالَ بعضُهم يجوزُ إبدالُها فيكونُ بَيت مؤسَّساً وبيتٌ غيرَ مؤسس فِي قصيدة وَاحِدَة

(2/308)


مَسْأَلَة

الألفُ فِي قَوْلهم أإدني من فُلانٍ بِمَعْنى أنْصِفْني بدلٌ من الهمزةِ وَفِي الْهمزَة المبْدَلِ مِنْهَا وَجْهَان
أَحدهمَا بدلٌ من عَيْنٍ والأصلُ أعدني لأنَّهم قَالُوا ذَلِك وَقَالُوا أَيْضا استَأْدَيْت أَي استَعْدَيت من العَدْوَى
وَالثَّانِي هِيَ بَدَلٌ من الهمزةِ ثُمَّ فِيهَا وَجْهَان
أَحدهمَا هِيَ أصلٌ من الأداة وَهُوَ مَا يُسْتَعان بِهِ على الْعَمَل
وَالْآخر هِيَ بَدَلٌ من الْيَاء فِي يدٍ لأنَّهم يَقُولُونَ يَدَي وأدْيٌ وَهَذِه الْهمزَة بدلٌ من الْيَاء وَالْمعْنَى كن أيداً عَلَيْهِ
وَقَالَ المبرِّد هِيَ من الأيد والأد وَهُوَ القوّة وَهَذَا لَا يصحُّ إلاَّ أنْ يُدَّعى فِيهِ الْقلب وَهُوَ تَحْويل الياءِ إِلَى مَا بعد الدَّال فأمَّا من غير قَلْبٍ فَلَا يجوزُ لوَجْهَيْنِ
أَحدهمَا أنَّه لَو ارادَ ذَلِك لقالَ أاْيدني كَمَا يَقُول أطْيبني فتصَحَّحُ الياءُ
وَالثَّانِي أنَّ الدَّال مَكْسُورَة فدلَّ على أنَّ لامَها معتلَّةٌ ولامُ الأيْد صَحِيحَة
إبدالُ الْألف من التَّنْوين والنُّون

(2/309)


قد أُبْدلتِ الألفُ من التَّنْوِين فِي النَّصْبِ نَحْو رأيتُ زَيْداً والوجهُ فِي ذَلِك أنَّ التَّنْوين والنونَ غنّةٌ تُشْبه الواوَ فكأنَّ الواوَ وَقعت بعدَ فتحةٍ فأُبْدِلت ألفا وقًصِدَ بذلك الفَرْقُ بَين النَّصْب وبينَ أخَويه وخَفَّ ذلكَ على ألسِنَتِهِم ودَلُّوا بِهِ على الْعِنَايَة بالتَّنْوين والإعْراب وَقد أُبْدلت من النونِ الخفيفةِ فِي التوكيد نَحْو اضربَا فِي الْوَقْف لأنَّها أَشْبَهت التنوينَ فس سُكُونِها وزِيادتِها وانفِتاح مَا قبلَها واختصاصِها بالأفعال كَمَا أنَّ تِلْكَ مختصّةٌ بالأٍسماء
وأُبْدِلت أَيْضا من نون إذَن الناصبةِ للْفِعْل تَشْبِيها بِالتَّنْوِينِ والنُّون الْخَفِيفَة وجوازِ الوقْفِ عَلَيْهَا وسواءٌ عَمِلت أَو ألغيت وَقَالَ الفرّاء إِذا أُعملت لم تُبْدَلُ لِئَلَّا نلتبسَ بإذا الزَّمانية وإنْ أُلغين جازَ إبدالُها لأنَّها فِي ذَلِك الموضعِ لَا تلتبسُ بالزَّمانية
إِبْدَال الْيَاء

قد أُبْدِلت من حروفٍ كَثِيرَة مِنْهَا مَقيسٌ وَمِنْهَا شاذٌّ وَنحن نذكرها مُرَتَّبةً
فصل

فِي إبدالها من الْهمزَة

(2/310)


إِذا سُكِّنتِ الهمزةُ وانكَسَرَ مَا قبلَها جازَ إبْدالُها يَاء وَلم يلزمْ نَحْو ذِيب ووَجْهُ ذَلِك أنَّ الهمزةَ مستثقَلَةٌ ويَزْدادُ ثِقَلُها بانكسارِ مَا قبلَها وَهِي من حروفِ البَدَل فأُبْدِل مِنْهَا مَا هُوَ مُجانِسٌ لِمَا قبلَها وَهُوَ الْيَاء وتَخْفيفُها كإبْدالها هَهُنَا وَهُوَ جعلُها يَاء خَالِصَة كَمَا كانّ ذَلِك فِي آدم وَمن ذَلِك جاءٍ الأصلُ فِيهِ جايئ فأبدلت

(2/311)


الهمزةُ لِما ذكرنَا وَاخْتلفُوا فِي كَيْفيَّة ذَلِك فَقَالَ الْخَلِيل تُقدَّمُ الهمزةُ الَّتِي هِيَ لامٌ على المُبْدَل من الْعين فتصيرُ على وزن فَالع ثمَّ تصير الأخيرةُ يَاء وإنَّما قالَ ذَلِك لأنَّها ياءٌ فِي الأَصْل وقعتْ بعدَ الْألف فَصُيِّرتْ همزَة فَإِذا وقعتْ طَرَفاً لم تُغَيَّر لعدمِ المُغيِّر وَلَو لم تُغيَّر لاجتمعَ همزتان وَإِذا أُخِّرَت لم تَجْتَمِعا ثمَّ يلزمُ من عدم النَّقْلِ توالي إعْلاَلَيْن وَهُوَ إبْدال العينِ هَمْزَةً وإبدالُ اللامِ يَاء وَإِذا نُقِلَ لم يَلْزَم ذَلِك
وَقَالَ غيرُه تُبْدَلُ اللاَّمُ يَاء من غيرِ نَقْلٍ لأنَّه يلزمُ من النَّقْلِ تأخيرُ حَرْفٍ عَن موضعِه وردِّه إِلَى أَصله وَذَلِكَ إعلالان أَيْضا وإقرارُ الْكَلِمَة على نَظْمِها أوْلى وعَلى هَذَا الخلافِ يترتبُ جمع جائي وجائية وَقد أُبْدِلت الياءُ من الهمزةِ فِي إِيمَان وإيلاف لسكونها وانكِسار مَا قبلهَا
إبدالُ الْيَاء من الْألف
إِذا وقعتِ الألفُ فِي مَوْضعٍ ينكسرُ مَا قبلهَا قُلبتْ يَاء لِاسْتِحَالَة بقائِها بعدَ

(2/312)


الكسرةِ فقلبتْ إِلَى مَا يُجانِسُ الكسرةَ نَحْو قِرْطاس وقَرَاطِيس فإنْ وَقعت قبلهَا الياءُ السَّاكنةُ قُلبتْ أَيْضا نَحْو تَصْغِير حِمار تَقول فِيهِ حُمَيِّر وَهَهُنَا قد أُبْدِلت الألفُ يَاء وحُرِّكت الياءُ لسُكُونِها وسكونِ ياءِ التصغير قبلهَا
فصل

وَقد أُبْدِلت الباءُ يَاء إِذا تَكَرَّرت نَحْو لبَّبَ تَقول لبيتُ فالياء بَدَلُ الْبَاء الثَّالثة وإنَّما فَعَلوا ذَلِك كَرَاهِيَة لاجتماعِ الأمثالِ
فأمّا لبيْك فَفِيهِ قَولَانِ أَحدهمَا هوَ من هَذَا البابِ وأصلُه من ألبّ بالمكانِ إِذا أَقَامَ بِهِ
وَالثَّانِي تثنيةُ لبّ

(2/313)


والأوّلُ أقْوى والدليلُ على ذَلِك قولُهم فِي الْفِعْل من لبّى تَلْبيةً وَقد تُبْدَلُ الباءُ وإنْ لم تتكَرَّر ثَلَاثًا نَحْو تَلْبِيةً وأصلُها تَلْبِيَةً وَكَذَلِكَ جميعُ حُروفِ المعجم إِذا تكرَّرت فِي نَحْو مَا ذكرنَا نَحْو شدّدت وشدّيت وتقضض الْبَازِي وتقضّيالبازِي وتظنّنت وتظنّيت فأمّا قَصّيت أظْفَاري فَفِيهِ وَجْهان
أَحدهمَا الياءُ بَدَلٌ من الصَّاد على مَا ذكرنَا
والثَّاني أصلُها وَاو وَالْمعْنَى تتَّبعتُ أقصاها وَهَذَا كَمَا تَقول تقصَّيت الكلامَ إِذا استقصيتَ أقسامَه وأمَّا قَوْلهم تسرّيتُ فِي النِّكاحِ فَفِيهِ وَجْهَان
أَحدهمَا هُوَ مِنْ هَذَا الْبَاب وَهُوَ مأخوذٌ من الشِّرِّ وَهُوَ النِّكاحَ يُقَال للذّكِر سرّ

(2/314)


والثَّاني هِيَ تفعَّلتُ من سراة الشَّيْء أَي خِيَاره وكلّ هَذِه الْأَشْيَاء لَا يلزمْ فِيهَا البدَلْ بل هُوَ جائزٌ
فصل

وَقد أُبْدِلت الباءُ يَاء وإنْ لم تَتَكَرَّر البتةَ فِي الشِّعْر شاذاًّ كَقَوْل الشَّاعر من // الْبَسِيط //
(لَهَا أشاريرُ مِنْ لَحْمٍ تُتَمِّرُه ... مِنَ الثَّعالي وَوَخْزٌ من أرانيها)

(2/315)


يريدُ الثعالب والأرانب وَقَالُوا ديباجٌ والاصل دِبّاج فِي قَول مَنْ جَمْعَهُ على دَبابِيج وَقد قَالُوا دَيَابِيج أَيْضا فعلى هَذَا لَا إبْدالَ وَكَذَلِكَ أبدلُوا السينَ يَاء فِي خَامِس وسَادِس فَقَالُوا خَامي وسَادِي وَهُوَ شاذٌ وموضعه الشّعْر
فصل

فِي إبدالِ الياءِ من الرّاء قَالُوا قِيراط والأصلُ قِرّاط لقَولهم قَرارِيط وقُرَيْرِيط والوجْهُ فِيهِ مَا تقدَّمَ من تَجَافي التَّكْرير ويزيدُه هُنَا حُسْناً أنَّ فِي الرَّاء

(2/316)


فِي نفسِها ضَرْباً من التكرير فَإِذا كَانَت مُشَدَّدةٌ صارتْ فِي حكم أربعِ ياءات فازدَادَتْ ثِقَلاً ففرْ مِنْهُ إِلَى مَا هُوَ أخفُّ
فصل

فِي إبدالِ الياءِ من النُّون قَالُوا دِينَار وَالْأَصْل دِنَّار لقَولهم دَنَانِير ودُنَيْنِير وَشَيْء مُدَنّرٌ مَنْقُوشٌ على شَكْل الدّينار والوجهُ فِيهِ مَا تقدَّم ويؤكّدُه أنَّ النُّونَ تشبه الواوَ فِي غُنَّتها وتُثقّل بالتَّشْدِيد فيزدادُ ثِقَلُها فَإِذا انكسَر مَا قبلَها حُوِّلت إِلَى الْيَاء
مَسْأَلَة

قد أُبْدِلت الياءُ من الْوَاو إِذا سُكِّنت وانكَسَر مَا قبلهَا نَحْو مِيزان ومِيعاد والعلّةُ فِي ذَلِك أنَّ الواوَ من جنْسِ الضمَّةِ فَإِذا سُكِّنت ضَعُفَتْ قَلِيلا والكسرةُ قبلهَا من جِنْسِ الياءِ وتخليصُ الواوِ السَّاكنةِ بعد الكسرة ثقيلٌ جدا فجذبَتْها الكسرةُ إِلَى جِنْسها وكانَ ذَلِك أخفَّ على اللِّسان وَهَكَذَا إنْ وقعتْ عَيْناً نَحْو رِيح وَقِيل وَعِيد لأنَّ الأصلَ فِي الرِّيح الْوَاو لأنَّها من الرَّوْح وَهُوَ السِّعَة وَمِنْه رَاح يَرُوح رَوَاحاً إِذا ذَهَب وجَمْعُها أرْوَاح وَقد حُكي فِيهَا شاذاً أرْيَاح وَهُوَ كالغلط فأمَّا رِياح فعلى

(2/317)


الْقيَاس وَهُوَ من بابِ حَوْض وحِياض وَذَلِكَ مِمَّا أُبْدِلت الياءُ فِيهِ من الواوِ بِخمْس شَرَائِط
أَحدهَا أَن تكونَ الواوَ سَاكِنة فِي الْوَاحِد
والثَّاني أنْ تقعَ بعدَها الألفَ
والثَّالثُ أَن تقعَ بعدَها الألفَ
والرَّابعُ أنْ يكونَ لامُ الْكَلِمَة صَحِيحا
والخامسُ أنْ يَنْكَسِرَ فاءُ الْكَلِمَة
وإنّما شرطُوا ذَلِك لمعانٍ تَقْتَضيه أمَّا الكَسْرَةُ فَلِبُعْدِها من الْوَاو وقُرْبِها من الْيَاء وأمَّا سكونُ الواوِ فِي الأصلِ فَلِبَيان ضَعْفِها وأمَّا اشتراطُ الجَمْعِ فلئلا يجتمعَ ثِقَلُ الْوَاو مَعَ ثِقَلِ الجَمْع وأمَّا اشتراطُ تعقّبِ الْألف إيَّاها فَلأنَّ الألفَ أقربُ إِلَى الْيَاء مِنْهَا إِلَى الْوَاو وأمَّا صِحَّةُ اللاَّمِ فَلِئلاّ يكثرَ الإعلالُ وعَلى هَذَا صحّت فِي عَوَان لأنَّه واحدٌ وَلم تَنْكَسِر الفاءُ وَكَذَلِكَ صَوْغ وصحّت فِي الجمعِ المعتلِّ اللامِ نَحْو رِواء جمع راوٍ من المَاء
مَسْأَلَة

الأصلُ فِي عِيد الْوَاو لأنَّه من عَاد يعودُ عَوْداً فأُبدلت الواوُ يَاء لِمَا

(2/318)


ذكَرْنا من قبلُ فإنْ قيلَ فقدْ قَالُوا فِي الْجمع أعْيَاد لَا غير فأعلّوا على خلاف أرْواح قيل جَعَلوا الْبَدَل لازِماً نفيا للّبْس لأنَّهم لَو قَالُوا أعْوَاد لالتبسَ بِجمع عُود وَكَذَلِكَ قَالُوا فِي التصغير عُيَيْد وَفِي تَصْغِير عُود عُويد للفَرْقِ وَلم يُوجد مثلُ ذَلِك فِي رِيح
مَسْأَلَة

إِذا اجتمعتِ الواوُ والياءُ وسُبِقت الأولى بالسّكون أُبْدِلت يَاء وأُدغم الأول فِي الثَّانِي نَحْو شَوَيتُ شَيّاً وطويتْ طيّاً والعلّة فِي ذَلِك أنَّ الياءَ أخفُّ من الْوَاو وتخليصُ الْوَاو سَاكِنة عَن الْيَاء مُسْتَثْقَلٌ فأُبدلت الواوُ يَاء طلبا للتَّخْفِيف ولَمَّا اجْتمعَا وتماثَلا أُدْغِم الأوَّلُ فِي الثَّاني فحصَّلَ بذلك ضربٌ من التَّخفيف أَيْضا
مَسْأَلَة

قد أُبْدِلتِ الواوُ يَاء فِي أفْعِل مِمَّا لامُه واوٌ نَحْو دَلْوٌ وأدْلٍ وحَرْ وأجْرٍ

(2/319)


والعلّةُ فِيهِ أنْ خروجَه على الأَصْل مُسْتَثْقَل لاجتماعِ الضمّةِ وَالْوَاو وكونِها طرفا وطريقُ الْإِبْدَال أنْ أبدلوا من الضمّةِ كسرةً فَوَقَعت الواوُ بعدَ الكَسْرَة فجذبتَها إِلَى جِنْسِها وَهُوَ الْيَاء وَمِمَّا جاءَ من المصادرِ من ذَلِك عُتَيّ والاصل عُتوّ فأبدلوا من الضمَّةِ كسرةً فانقلبتِ الواوُ يَاء لسُكُونِها وانكسارِ مَا قبلَها ثمَّ وقعتِ الواوُ الثانيةُ بعدَ ياءٍ وكسرةٍ فأُبْدِلت يَاء وأدْغمت الأولى فِيهَا وَمن العربِ من يَكْسِر العينَ إتْباعاً وَأما بُكيّ فجمعُ باكٍ والأصلُ بكُوْي فأبدلَ من الضمّة كسرةً وَمن الْوَاو يَاء ثمَّ عمل فِي ذَلِك مَا تقدَّم
مَسْأَلَة

الأصلُ فِي ياءِ غَازٍ وغَازيَةٍ ومَحْنِيةٍ الواوُ وإنَّما أُبْدِلت وإنْ كَانَت متحركةً لثَلَاثَة أوجه

(2/320)


321 -
أَحدهَا أنَّ حركتَها حركةُ إعرابٍ فَهِيَ كالحركةِ العَارضةِ وَلذَلِك يُسَكّنُ أمثالُها فِي الوقْفِ والعارضُ غيرُ معتدّ بِهِ ولَمَّا تقررَ إبدالُها قبلَ دُخُول الهاءِ بقيت على حالِها لأنَّ تاءَ التَّأنيث فِي حكم المنفَصِل
الْوَجْه الثَّانِي أنَّ لامَ الْكَلِمَة موضعُ التَّغْيِير وَفِي الْوَاو بعد الكسرة وإنْ تحرَّكت نوعُ ثِقَلٍ وَذَلِكَ كافٍ لقلَبِها
والثَّالث أنَّ حركاتِ الإعْراب تَعْتَوِرُ على لامِ الْكَلِمَة فَلَو تُركت الواوُ لضُمَّت وكُسِرت وهما مُسْتَثْقلان بعدَ الكسرة وَلذَلِك سُكِّنت ياءُ المنْقُوص فيهمَا وثِقَل الْوَاو بذلك أَكثر ثمَّ حُمل الْفَتْح عَلَيْهِمَا
مَسْأَلَة

قد أُبْدِلت الواوُ يَاء فِي عِصيّ وَأَصله عُصُوّ فأُبدلت من ضمّة الصَّاد كسرةً لتنقلبَ الواوُ يَاء ثمَّ عُمِل فِي ذَلِك مَا ذَكرْنَاهُ فِي عُتوّ وَمِنْهُم مَنْ يكسر العينَ إتْبَاعاً
مَسْأَلَة

الأصلُ فِي قيل ضمّ الْقَاف وكسرُ الْوَاو مثل ضُرِب فاسْتُثْقِلت الكسرةُ على

(2/321)


الْوَاو بعد الضمَّة كَمَا تُسْتَثْقَل ضمّةُ الْيَاء بعد الكسرة فنقلت كسرةُ الْوَاو إِلَى القافِ فسكِّنت الواوُ وانكسرَ مَا قبلهَا فأُبْدِلت يَاء لما ذَكرْنَاهُ فِي ريح وَمِنْهُم مَنْ قَالَ كُسِرت القافُ مِنْ غير نقلٍ إِلَيْهَا وسكِّنت الْوَاو ومِنَ العربِ مَنْ يُشِمُّ القافَ شَيْئا منَ الضمّ مَعَ بقاءِ الْيَاء تَنْبِيها على الأَصْل وَمِنْهُم مَنْ يُبْقي الضمّةَ ويسكّن الواوَ فَيَقُول قُوْل وَهَذَا القائلُ يقلبُ الياءَ واواً فَيَقُول بُوعَ لسكونِها وانضمامِ مَا قبلهَا
مَسْأَلَة

الأصلُ فِي دِيمة الْوَاو يُقَال دوّمت السحابةُ إِذا دَامَ مطَرُها ثمَّ عُمِل فِيهَا مَا عُمل فِي ريح

(2/322)


مَسْأَلَة

إِذا كَانَت الواوُ مشدَّدةُ وانكسرَ مَا قبلَها فالأصلُ صحّتُها لتَحَصُّنِها بِالْإِدْغَامِ وَقد شذَّتْ أَشْيَاء فَجَاءَت على الْإِبْدَال قَالُوا ديوَان فأبْدَلُوا الواوَ الساكنةَ يَاء والأصلُ دِوَّان لقَولهم دُوَيْوِين ودَوَاوين ودُوّن الشّعْر
مَسْأَلَة

الياءُ فِي شيراز فِيهَا اختلافٌ فقالَ قومٌ هِيَ زائدةٌ عَن بدل وأصل

(2/323)


الْكَلِمَة من شرز وَلِهَذَا قَالُوا فِي الجمعِ شَياريز وَفِي التصغير شييريز وَقَالَ آخَرُونَ أَصْلهَا شرّاز فابدل من الرَّاء الأولى يَاء كَمَا فُعل ذَلِك فِي قِيرَاط وَقَالَ آخَرُونَ أصلُها واوٌ ولأنَّهم قَالُوا شواريز وشُويريز وَمن هَؤُلَاءِ الْقَائِلين مَنْ قَالَ الواوُ بدلٌ من الرّاء وليسَ بِشَيْء إذْ لَو كَانَت كَذَلِك لرجعت فِي الجمعِ والتصغير وإنَّما الْوَاو فِيهِ زائدةٌ للإلحاق بِشِمْلال وَلَيْسَ لفظُ شيراز مُصَرحًا بهَا فِي كُتب اللُّغَة وَلَكِن يُمكن أَن يكونَ لَهَا أصلٌ وَذَلِكَ أَن الشَّرْزَ والشَّراسة غِلظُ الْخلق والشيرازُ لبنٌ فِيهِ غِلَظ
مَسْأَلَة
الْيَاء فِي ذُرِّيّة فِيهَا ثلاثةُ أوجه
أَحدهَا هِيَ زائدةٌ من غيرِ بَدَل وَهِي فُعْليّة من الذرّ

(2/324)


والثَّاني هِيَ بدلٌ وَفِيمَا أُبدلت مِنْهُ ثلاثةُ أوجه
أَحدهَا من الرّاء وَأَصلهَا ذرّوة فأبُدلت الرّاءُ واواً ثمَّ أُبدلت من الضمَّةِ كسرةً فَانْقَلَبت الْوَاو الأولى يَاء والثانيةُ كَذَلِك ثمَّ أدغمَ الأوَّل فِي الثَّانِي وَيجوز أَن يكون وَزنهَا فُعْليلة ثمَّ عِمل بِمُقْتَضى الْقيَاس
والثَّاني أنْ تكونَ من ذَرَا يذرو فيكونُ وزنُها فعّولة أَو فعّيلة ثمَّ عمل فِيهِ بِمُقْتَضى الْقيَاس
والثَّالث أَن يكونَ من ذَرَأ يَذْرَأ فيكونَ وزنُها فُعَّوْلة أَو فُعَيْلة على مَا تقدم ثمَّ

(2/325)


أبدلتِ الْهمزَة واواً أَو يَاء وَعمل فِيهَا بِمُقْتَضى الْقيَاس
مَسْأَلَة

الياءُ فِي أَيْنَق وأيانِق بَدَلْ من الْوَاو لأنَّ ألفَ نَاقَة مُبْدَلةً من وَاو لقَولهم اسْتَنْوَقَ الجَمَلُ وَخرجت فِي نِياقٍ مُبْدَلَةً من مَوْضِعها فأمَّا أيْنُق فأصلها أوْنق مَقْلُوبَة عَن أنْوُق ووزنها أعْفُل وأُبْدِلت الواوُ السَّاكنةُ يَاء لاطِّرادِ البَدَل فِيهَا وايانق جمع أيْنُق
فصل

فِي إبْدالِ الْوَاو وَقد أُبْدِلت منَ الْيَاء والألفِ والهمزة
أمَّا الْيَاء فَإِذا سُكِّنت وانضمَّ مَا قبلَها أُبْدِلت واواً نَحْو مُوقِن ومُوسِر والأصلُ

(2/326)


فِيهِ الياءُ لأنَّه من اليَقين واليُسْر فإنْ تحرَّكت لم تُبْدل نَحْو مُيَيْقِن ومَيَاسر وإنَّما أُبْدِلت إِذا سُكِّنت لأنَّها ضعفت بالسّكونِ ووُقُوعِها بعدَ الضمّةِ فتخليصُها عَنْهَا يشقّ على اللِّسَان جدا فأُبْدِلت واواً لمجانستها الضمّة وَمن ذَلِك الطُّوبى والكُوسى لأنَّهما من الطَّيب والكَيَس وهُما نظيرُ الرِّيح والقِيل
وأمَّا إبدالُ الواوِ من الألفِ فنحوُ قولِكَ فِي ضَارب ضُوَيْرِب وَفِي ضاربة ضَوَارب وإنَّما أُبْدِلت فِي التَّصغير لانْضِمام مَا قبلهَا وَالْألف لَا تقعُ بعدَ الضمَّةِ كَمَا لَا تقعُ بعد الكَسْرة وأُبْدِلت واواً لتُجانسَ الضمّةَ قبلهَا ثمَّ حُمِل حَالُها فِي الجمعِ على التَّصْغِير لأنَّ التكسيرِ والتصغير من وادٍ واحدٍ ولأنك لَو أبْدَلْتَها يَاء فَقلت ضَيارب لالتبسَ بجمعِ ضَيْرَب وبابه فإنْ قُلتَ فلِمَ ابدلْتَها قيلَ لَمَّا زيد فِي الْجمع ألفٌ لم يمكنْ إقرارُ ألفِ فاعلِ لسكونهما وحذفُ إِحْدَاهمَا يُخلُّ بِمَعْنَاهُ فأُبْدِلت لهَذَا الْمَعْنى
وَمن ذَلِك ألفٌ فاعلَ إِذا بُني لَمَّا لَمْ يُسمَّ فاعِلُه نَحْو ضُوْرِب فِي ضَارَبَ وتُمودَّ الثوبُ فِي تَمَادّوا وَمِنْه قَوْله تَعَالَى {مَا وُورِيَ عَنْهُما}
وأمَّا إبْدالُها من الهمزةِ فَإِذا سُكِّنت الهمزةُ وانضمَّ مَا قبلَها كقولِك فِي بُؤسٍ وَلُؤم بُوْسٌ ولُومٌ

(2/327)


فصل

فِي إِبْدَال الْمِيم
قد أُبْدِلت من النّونِ الساكنةِ إِذا وَقَعَتْ قبل الْبَاء نَحْو عَنْبر وشَنْباء هِيَ فِي اللَّفْظ ميمٌ وَفِي الخطّ نُونٌ والعلّةُ فِي ذَلِك أنَّ الميمَ فِيهَا غُنّةٌ تَتَّصل بالْخَيْشُوم إِذا سُكِّنت كالنون إِذا سُكِّنت فَإِذا وَقَعَتِ النونُ قبلَ الباءِ اتَّصلتْ غُنَّتُها لمخرجِ الْبَاء فَيَشُقُّ إخراجُها سَاكِنة بلفظِها فَجُعلت الميمُ بَدَلا عَنْهَا لِشَبَهها بهَا ومُشاركَتِها الْبَاء فِي المخرجِ فَإِذا تحرّكت النُّون صحَّت نَحْو الشَّنَب لأنَّها بِحركتِها تَزُول غُنَّتُها وتصيرُ من حُرُوف اللّسان
وَقد أُبْدِلت الميمُ مِنَ الواوِ فِي قَوْلهم فمّ واصله فَوْهٌ مثل فَوْز فَحُذِفت

(2/328)


الهاءُ اعتباطاً فَبَقيَ فُو واستحقَّت الْحَرَكَة الإعرابية فَلَو قُلبت ألفا لَحُذِفت بِالتَّنْوِينِ وبَقِيَ الاسمُ المعْرَب على حرفٍ واحدٍ فأبْدَلوا مِنْهَا حرفا من جِنْسِها يشبه الواوَ ويتصوّر تحريكه والدليلُ على أنَّ أصلَه فَوْهٌ مَا نذكرهُ فِي بَاب الْحَذف وَالْمِيم والواُو من مَخْرجٍ واحدٍ فأمَّا قولُ الفرزدق من // الطَّوِيل //
(هُمَا نَفَثَا فِي فِيَّ مِنْ فَمَوَيْهما ... على النَّابحِ العَاوِي أشَدَّ رَجَام)
فقد جمعَ بَين الميمِ والواوِ وَفِيه قَولَانِ
أَحدهمَا أنَّه جمعَ بَين البَدل والمبدلَ ومثلُ ذَلِك جائزٌ فِي البدَل دونَ العِوَض فوزنه الآنَ فَمَعَ

(2/329)


والقولُ الثَّاني أنَّ الميمَ بَدَلٌ من الْيَاء الَّتِي هِيَ لامُ الكلمةِ ثمَّ قدَّمتها على الْعين فوزنه الْآن فَلْع وَفِيه بُعْدٌ لأنّ الميمَ لَا تُشْبه الْهَاء إلاَّ أنَّها فِي الجُمْلةِ من حروفِ الزِّيَادَة وفيهَا خَفَاءٌ فساغَ لَهُ أَن يُبْدِل مِنْهَا حرفا أبينَ مِنْهَا يُشْبه مَا يشبهها وَهُوَ الْوَاو فإنَّ الميمَ تشبه الواوَ والواوُ تشبه الهاءَ وَلِهَذَا أُبْدِلت مِنْهَا فِي مَوَاضِع
فأمَّا قَول العجَّاج من // الرجز //
(خالَطَ مِنْ سَلْمَى خَيَاشِيمَ وَفَا ... )
فَفِيهِ وَجْهَان
أَحدهمَا أنَّه أقَرَّ ألفَ النَّصب مَعَ غيرِ الْإِضَافَة لأنَّ آخرِ الأبيات قد أُمِنَ فِيهِ التَّنوين الحاذف للألف
والثَّاني أنَّه نَوَى الْإِضَافَة لِوُجُوبِ تَقْدِيرها فَأَرَادَ فِي الْحَذف مَا ثَبت مَعَ الْإِظْهَار
وَقد أُبْدِلت الميمُ من لامِ الْمَعْرِفة قَالُوا فِي السَّفَر اِمْسَفَر وَهُوَ شاذّ وإنَّما جوَّزَه قربُ مخرج الميمِ منَ اللَّام

(2/330)


فصل

فِي إبْدال النُّونِ
النُّون فِي صَنْعَاويّ بدل وَفِيمَا أبدلت عَنهُ وَجْهَان
أَحدهمَا الْوَاو فِي صنعاويّ لِشَبَه النُّون بِالْوَاو فِي الغُنَّة وَلذَلِك أدغمت فِيهَا نَحْو

(2/331)


من وَّاقِد ومَنْ وّعد ورَعْد وّبَرْق وَفِي أنّ كلِّ واحدةٍ منْهما ضميرُ الْجمع نَحْو قَاموا وَقُمْنَ وعلامةُ الْجمع نَحْو قَامُوا إخْوَتُك وقُمْنَ جَوَاريك وَهِي علامةُ الْإِعْرَاب كَنُونِ الْأَمْثِلَة الخمسةِ نَحْو يَضْرِبان وَأَخَوَاتهَا وَالْوَاو فِي أَبوهُ والزيدون فالنّون إِذن بدلٌ من الْوَاو والواُو بدلٌ من الهمزةِ والهمزةُ بدلٌ من ألفِ التَّأنيث
والقولُ الثَّاني النُّونُ بدلٌ من الْهمزَة لأنَّها أشْبهت ألف التَّأنيثِ فِي حَمْرَاء لأنَّ ألفَ المدِّ وألفَ التَّأنيث فِي صَنْعاء كالألفِ والنُّون فِي غَضْبان وسَكْران لاشْتِراكهما فِي مَنْع الصَّرْف واختصاص أَحدهمَا بالتأنيث واختصاص الآخر بالتذكير وَفِيه بعدٌ وَهَذَا القياسُ بعيدٌ لأنَّ النونَ لَا تُشْبه الهمزةَ وَلم تُبْدَل مِنْهَا فِي موضعٍ آخر وَهَذَا الأصلُ يُشير إِلَى مسألةٍ مختلفٍ فِيهَا وَهِي نونُ سَكرَان وبابه فَعِنْدَ قومٍ لَيست بَدَلا من شيءٍ بل زيدت ابْتِدَاء كالألفِ الَّتِي قبلهَا وَهَذَا هُوَ الصحيحِ لِمَا تقدَّم
وَقَالَ آخَرُونَ هِيَ بَدَلٌ من همزَة التَّأْنِيث كحمراء وبابها لِمَا تقدّمَ من مشابهتِها لَهَا فِي بَاب مَالا ينْصَرف وَهَذَا بعيدٌ لوَجْهَيْنِ
أَحدهمَا أنَّ إبْدال الحرفِ مِن الْحَرْف إنَّما يكونُ مَعَ بقاءِ معنى الأَصْل والهمزة للتأنيثِ وَنون غَضْبان تختصّ بالمذكَّر وهما ضدَّان وَمنع الصّرْف حكّم يُعلَّل بالشَّبَه لَا بالإبدال

(2/332)


والثَّاني أنَّ النُّونَ فِي حَمْدان وعِمْران تؤثِّر فِي مَنْع الصَّرْف وَلَيْسَت بَدَلاً بل زيدت ابْتِدَاء كَذَلِك هَهُنَا
مَسْأَلَة

قَدْ أُبْدلت النُّون من اللاّم فِي لعلَّ فِي لُغَة بني تَمِيم فَقَالُوا لعنّ وإنّما جَازَ ذَلِك لوَجْهَيْنِ
أَحدهمَا قربُ مَا بَين النونِ واللاّم
والثَّاني كثرةُ اللاّمات فِي لَعلَّ ففرّوا مِنْهَا إِلَى النونِ وَكَانَت النونُ ألينَ مِنْهَا إذْ كَانَت تشبه حَرْفَ المدِّ

(2/333)


مَسْأَلَة

ذهبَ قومٌ فِي تُلُنَّة إِلَى أنَّ النُّونَ بدلٌ من اللاّم وَالْأَصْل تُلَلَّة من قَوْلهم تلّة إِذا دَفَعه وَهَذَا بعيدٌ لأنَّ التُّلُنَّة التمكّث والبقيةُ وَذَلِكَ بعيدٌ من معنى الدّفع والصحيحُ أَنَّهَا أصلُ
وَذهب قومٌ إِلَى أَن النُّون فِي اللّغْنُون بدل من الدَّال فِي اللّغْدُود وَهُوَ بعيد والصحيحُ أنَّها لغةٌ
فصل

فِي إِبْدَال التَّاء
قد أُبدلت منَ الواوِ إِذا كانتْ فَاء ووقعتْ بعدَها تاءُ افتعل نَحْو اتَّعد واتَّزن والعلّةُ فِي ذَلِك أنَّ الواوَ هُنا ساكنةٌ بَعدَ كسرةٍ وَبعدهَا تَاء وبينَ التَّاءِ والواوِ

(2/334)


مقاربةً لأنَّ التَّاء من طَرَفِ اللِّسان وأصولِ الثنايا وفيهَا نَفْخٌ يكَاد يخرج من بَين الثَّنايا إِلَى باطنِ الشِّفة وَالْوَاو تخرجُ من بينِ الشفتين بحيثُ تكادُ تقربُ من باطنِ الشِّفة وَإِذا كَانَ كَذَلِك شقَّ إخْراجُ الواوِ سَاكِنة قبْلَ التَّاء فحوّلت إِلَيْهَا وأُدْغمت
وهما أُبدل الْوَاو مِنْهُ تَاء أسْنَتُوا والأصلُ أسْنوُوا لأنَّه من سَنَة الجدب وَالْأَصْل فِيهَا سنوة وَهَذَا البدلُ غيرُ مطَّرد أَلا ترى أنَّك لَا تَقول من أعْطُوا أعْطيوا
وقالَ بعضُهم أبدلتِ الواوُ يَاء ثمَّ أُبدلت الياءُ تَاء على مَا نذكرهُ فأمَّا التَّاءُ فِي تُراث فَبَدَلٌ من الواوِ للعلّةِ التِّي ذكرنَا من مقاربةِ التَّاء للواو ويدلُّ على ذَلِك

(2/335)


أنَّه من ورثتُ والوراثة والموروث وَالْوَارِث وَكَذَلِكَ تُخْمَة وَهُوَ من الوَخَامة وتُكَأة من توكأت وتُكلة من توكّلت ووَكَله ووكيل وتُهمة من الوَهْم لأنَّ المتَّهِم يَبْنِي الأمرَ على مجرَّد الوَهْم وَقَالُوا تَوْلَج والأصلُ وَوْلَج فَوْعل من الولوج وَقَالُوا تَيْقُور وَهُوَ فَيْعول من الوَقار

(2/336)


وَقَالُوا تالله التَّاء بدلٌ من الْوَاو وَقد ذكرنَا ذَلِك فِي بَاب الْقسم وَقَالُوا هَنْتُ وَهِي من الْوَاو لقَولهم هَنَوات وَفِي التصغير هنيّة فالياء الثَّانِيَة بدلٌ من الْوَاو وَقَالُوا بنْت وَهِي من البنوّة وَالْأَصْل بِنْوَة فأبدلوا مِنْهَا التاءَ وجعلوها على مِثَال جِذْع وعِدْل وخصّوا الإبدالَ بالتأنيث وَلَيْسَت التاءُ للتأنيث لأنَّها تَثْبُتُ فِي الوَقْفِ وَقبلهَا سَاكن وَلَيْسَت كَذَلِك تاءُ التَّأْنِيث والتاءُ فِي

(2/337)


أخْت بدلٌ من الواوِ لأنَّها من الأخوّة وتقولُ فِي الْجمع إخْوة وإخوان فَفَعَلُوا فِيهَا مَا فعلوا فِي بنت ووزنها فُعْل مثل قُفْل فإنْ جمعتَ بِنْتا قلت بَناتِ فحذفت لَام الْكَلِمَة الَّتِي أبدلت فِي الواحدِ تَاء فوزنُها الْآن فَعَات وإنْ جمعتَ أُخْتا قلتَ أخَوات فَلم تَحْذفِ اللاَّمَ والفرقَ بَينهمَا أنَّ كلَّ واحدٍ مِنْهُمَا بُنِي على مُذَكّره فمذكَّر بَنَات فِي الْجمع بنُون فلامُه محذوفة كَذَلِك مؤنَّثِه وَالْجمع فِي أَخ إخْوَة من غير حذف كَذَلِك مؤنَّثه
وتُبْدَل التاءُ من الْوَاو فِي كِلْتا وَأَصلهَا كِلْوَى ووزنها فِعْلَى وَقَالَ الْجَرْميّ التَّاء زَائِدَة ووزنها فِعْتَل
وحجَّةُ الأوّلين أنَّ الكلمةَ مؤنثةٌ لاختصاصها بتوكيد المؤنَّثِ والأصلُ أَن يكون

(2/338)


للتأنيث علامةٌ والألفُ هُنَا تصلح لذَلِك وَالتَّاء قبلَها لَا تصلُح للتأنيث لِأَنَّهَا تكونَ حَشْوًا وزيادتُها فِي هَذَا الْمِثَال لَا نظيرَ لَهُ وَقد احتجَّ الجرْميّ بأنَّ الألفَ لَو كَانَت للتأنيثِ لم تقلبْ فِي الجرِّ وَالنّصب يَاء وَهَذَا لَيْسَ بِشَيْء لوَجْهَيْنِ
أَحدهمَا أنَّ القلبَ هَهُنَا استحسانٌ وحَمْلٌ على ألفِ على وَإِلَى كَمَا أُبدلت فِي المذكّر وَهِي لَام الْكَلِمَة والمنقلبة فِي الجرَِّ وَالنّصب لَا تكون لاماً
والثَّاني أنَّهم قد قَلبوا ألفَ التَّأْنِيث يَاء فَقَالُوا فِي سُعْدى سُعْدَيات لأجل الدَّليلِ الْمُقْتَضى للقلبِ فَكَذَلِك هُنَا وَقد ذهبَ قومٌ إِلَى أنَّ التَّاء فِيهَا بدلٌ من الْيَاء لأنَّ الإمالةِ فِي كلا جائزةٌ وَالْأَصْل فِي مثل ذَلِك للياء
إِبْدَال التَّاء من الْيَاء
وَهُوَ قليلٌ لبُعْدِ مَخْرجِ الْيَاء مِنْهَا إلاَّ أنَّ بَينهمَا مُشابهةً من وَجْهَيْن
أَحدهمَا أنَّ فِي التَّاء هَمْساً وَفِي الْيَاء خَفَاءً والمعنيانِ متقاربان
والثَّاني أنَّ التَّاءَ تُشْبِهُ الواوَ من الْوَجْه الَّذِي ذكرْنا قبلُ وَبَين الياءِ والواوِ مُشابهةٌ فِي المدِّ والاعتلال وقلبِ كلِّ واحدةٍ مِنْهُمَا إِلَى الأُخرى ومرادَفَتِها إيَّاها فِي أرْداف الأبيات نَحْو سرحوت وتكريت وَبَين أُخْتَيهما وهما الضمَّةُ والكَسْرة تقاربُ بِحَيْثُ جازَ وقوعُهما فِي الإقْواء فِي القصيدةِ الْوَاحِدَة
فَمن ذَلِك ثِنْتان والأصلُ ثِنْيان لِأَنَّهُ من ثَنَيْتُ وَلَيْسَ لَهُ واحدٌ من

(2/339)


لَفظه وَتقول هَذَا ثِنْيُ هَذَا
وَمن هَذَا ذَيت وكَيْت والأصلُ ذيّة وكيّة بتشديدِ الْيَاء وَالْهَاء المبدلة من التَّاء فِي الْوَقْف فأبدَلوا من الياءِ الثانيةِ تَاء ثَانِيَة وصلا ووقفاً والكلمتانِ مبنيّتانِ على الفتحِ لأنَّهما كنايتان عَن الحَدِيث المتَّصل بعضه بِبَعْض تَقول كانَ من الأمرِ كَيْتَ وكيتَ كَمَا تَقول كَانَ من الْأَمر كَذا وَكَذَا إِبْدَال التّاء من السِّين
وَهُوَ ضعيفٌ وَقد جاءَ مِنْهُ شيءٌ قليلٌ وَوَجهه أنَّ التَّاءَ تشاركُ السينَ فِي الهمسِ وقُرْب الْمخْرج فَمن ذَلِك طست والاصل طَسّ لقَولهم فِي تصغيره طُسَيْس وَفِي الْجمع طِسَاس وَقَالُوا أطسة

(2/340)


وَقد أُبْدِلت مِنْهَا فِي ستٍّ والاصلُ سِدْس لقَولهم سُدَيْسَةٌ وسُدَيْسٌ وأسْداس ثمَّ أُبدلت الدَّالُ تَاء لقربها مِنْهَا فِي المخرجِ وأنَّها هُنَا سَاكِنة يَعْسُر النُّطْقُ بهَا قَبْل التَّاء فَإِذا فصلت بَينهمَا عُدْتَ إِلَى الأَصْل
وَقَالُوا ناتٌ فِي نَاس وأكياتٌ فِي أكْياس قَالَ الشَّاعِر من // الرجز //
(يَا قَاتَلَ اللهُ بني السِّعْلاةِ ... عَمْرو بنَ يَرْبُوعٍ شِرَارَ النَّاتِ)
(غيرَ أعِفّاءَ وَلَا أكْياتِ)
يُرِيد النَّاس وَلَا أكياس وَحكى الأصمعيّ عَن بعض الْعَرَب أنَّه قَرَأَ / قل أعوذ بربِّ النَّات / فِي جَمِيعهَا بالتَّاء

(2/341)


وَقد أُبدلت التَّاء من الصَّاد قَالُوا فِي لصّ لصْتٌ وَالْأَصْل الصّاد لقَولهم تَلصّص عَلَيْهِم وَهُوَ من اللصوصية وَقد تجَاوز بعضُهم الحدِّ فَأتى بهَا فِي الجمعِ قَالَ الشَّاعرُ من // الْكَامِل //
(فتركْنَ نَهْداً عُيّلاً أبْناؤها ... وبَني كِنانةَ كاللُّصُوتِ المرَّدِ)
وَقد أبدلوها من الطَّاء فَقَالُوا فُسْتَاط وأقرّوها فِي الْجمع

(2/342)


وأبدلوها بَين الدَّال فَقَالُوا نَاقَة تربوت وَالْأَصْل الدَّال لأنَّها من الدُّرْبة
إبدالُ الهاءِ من الياءِ
قَالُوا هَذِه والأصلُ هذي لأنَّ الألفَ فِي ذَا من الْيَاء فَمنهمْ مَنْ يُبْدِلُها فِي الوقْفِ وَمِنْهُم مَنْ يُبْدِلُها فِي الْحَالين وَمِنْهُم مَنْ يَصِلُها بياءٍ فِي الوصْل والوجهُ فِي إبْدالها مِنْهَا اجتِماعُهما فِي الخفاءِ وقربِ الهاءِ من الألفِ الَّتي هِيَ من حروفِ المدِّ وَهِي أختُ الْيَاء فِي ذَلِك
وَقَالُوا فِي دُهْدِيّة الْجُعَل دُهْدُوهة وَالْأَصْل الياءُ لقَولهم دهديت الْحجر

(2/343)


إِبْدَال الْهَاء من الْهمزَة
قَالُوا فِي إيّاك هِيّاك وَفِي إنّك هِنّك
وَفِي أردْت هَرَدْتُ وَفِي اراق هَرَاق وَالْوَجْه فِي ذَلِك أنَّ الهمزةَ ثقيلةٌ والهاءَ خفيفةٌ وَهِي مصاقِبُتها فِي الْمخْرج وَمِمَّا يترتبُ على هَذَا مسألةٌ وَهِي قولُ امْرِئ الْقَيْس من // المتقارب //
(وقَدْ رَابَنِي قولُها يَا هَنَاهُ ... ويحَك ألحقت شرّاً بِشَرّ)

(2/344)


وَفِي هَذِه الْهَاء أَقْوَال
أَحدهَا هِيَ بدلٌ من الْوَاو الَّتِي هِيَ لامُ الْكَلِمَة ووزنُها فَعال وَقَالُوا فِي الْجمع هَنَوات كأنّه قَالَ يَا هَناو فأُبْدِلتْ ألفا الْوَاو هَاء لما تقدَّم فِي الْيَاء ويُقوّي ذلكَ أَن الْوَاو حذفت قبلَ الْإِضَافَة وأبدِلت ألفا فِي النَّصبِ وياءٌ فِي الجرِّ وَذَلِكَ تصرّفٌ فِيهَا وجعلُها هَاء تصرّفٌ
وَقَالَ آخَرُونَ أُبدلت الواوُ ألفا لوقوعِها طَرَفاً بعد الفٍ زَائِدَة ثمَّ أُبدلت الألفُ هَاء لمشابهتها إيّاها فِي الْخَفَاء وقُربها مِنْهَا فِي الْمَخْرج
وَقَالَ آخَرُونَ أُبدلتِ الألفُ همزَة لما ذكرنَا فِي كسَاء ثمَّ الهمزةُ هَاء وَقَالَ أَبُو زيد الهاءُ لمدِّ الصَّوْت كَمَا ألحقت فِي النّدبة أَو للْوَقْف والألفُ قبلهَا لَام الْكَلِمَة وَهَذَا المذهبُ ضعيفٌ لأنَّ ألفها تثبتُ فِي النَّصْبِ مَعَ الْإِضَافَة وَلَا إِضَافَة هُنَا إلاّ أنْ يُدْعى أنَّها أُتمّت كَمَا جَاءَ فِي أبٍ وَهُوَ قِيَاس لَو ساعدَه سَماع وَعِنْدِي فِيهَا قولٌ حَسَنٌ وَهُوَ أَن يكون هنّ أُضيفَ إِلَى ياءِ المتكلِّم فَصَارَت هني مثل أبي ثمَّ نَادَى فأبدلَ من الكسرةِ فَتْحة وأبدلَ الْيَاء ألفا إمَّا لالتقاء السَّاكنين وإمَّا لتحركها وانفتاحِ مَا قبلهَا كَمَا ذكرنَا فِي قَوْلك يَا غُلاماه وَهَذَا شيءٌ لم أجِدْه عَنْهُم وَهُوَ قياسُ قَوْلهم فِي نَظَائِره

(2/345)


إِبْدَال الْهَاء من الْألف
قَالُوا فِي أَنا أنهُ لقرب مَا بَين الْهَاء وَالْألف فِي الخفاء والمخرج حَتَّى قَالَ الأخفشُ إنَّهما من مَخْرَجٍ واحدٍ وَقَالُوا هُنَهْ وَالْأَصْل هُنا
وَقَالُوا الأصلُ فِي مَهْما مَامَا فأبْدَلوا من الْألف الأولى هَاء فِي أحدِ القَوْلين وَقد ذُكر فِي حُرُوف الشَّرطِ وَقد جاءَ فِي الشرطِ بعد مَهْ نريدُ بعدَ مَا
وَقد أبدلوا الهاءَ من تَاء التَّأْنِيث فِي الاسماءِ نَحْو شَجَرة وقائمة ليفرقوا بَين الوَصْل والوقْف
فصل

فِي إبدالِ الطّاء من التّاء
إِذا كَانَت فاءُ افتعلَ حرفَ إطباقٍ وحروفُ الإطباق أربعةٌ الصَّادُ والضَّادُ والطَّاءُ

(2/346)


والظَّاء قُلبت التاءُ طاءً فَمِنْهَا مَا لَيْسَ فِيهِ إلاَّ لغةٌ واحدةٌ وَهِي الطّاء نَحْو اطَّلع وَمِنْهَا مَا فِيهِ لُغَتَانِ وَهِي الصَّاد نَحْو اصطلَح واصَّلح وَمِنْهَا مَا فِيهِ ثلاثُ لُغات وَهِي الظَّاء نقُول اظطلم اظلم واطّلم
وأمَّا الضَّادُ فَفِيهَا لُغَتَانِ تقولُ فِي افتعلَ من الضَّرْبِ اضْطَرَبَ واضَّربَ والعلّةُ فِي قلبِ التّاء طاءً أنَّ حروفَ الإطباقِ مستعليةٌ مَجْهورةٌ والتَّاء مُتَسفِّلةٌ مهموسةٌ وَالْجمع بَينهمَا شاقٌّ على اللسانِ فحوَّلوا التاءَ طاءٌ لأنَّها من مَخْرجها والطّاءُ مجانسةٌ لبقيّة حروفِ الإطباقِ
فأمَّا مَنْ قالَ اصّلح فأبدلَ من الطَّاء صاداً وأدغم ليكونَ العملُ من وجهٍ واحدٍ وَلم يمكنْ قلبُ الصّادِ تَاء لِئَلَّا تبطُلَ قُوّةُ المستعليةِ وجهرُها وَلَا طاءً لأمرين
أَحدهمَا أنَّ الطَّاء أختُ التَّاءِ فِي الْمَخْرَج وَقد تَجنَّبوا قلْبَها إِلَيْهَا فَكَذَلِك مَا يقربُ مِنْهَا
وَالثَّانِي أنَّه كَانَ يلتبِسُ بِمَا فاؤه طاءٌ
وأمَّا اضْطَرب فالوجْهُ فِي قَلبهَا طاءً أنَّها أقربُ إِلَى بقيّةِ حُرُوف الإطباق لأنَّ الضَّادَ تَلِيهَا والطاءَ بعيدةٌ مِنْهَا فكانَ تحويلُ الطَّاءِ لقربها مِنْهَا ومجانستِها لَهَا وَكَذَلِكَ مَنْ قَلَبَها طاءً وأدغم وأمَّا ببيتُ زُهَيْر من // الْبَسِيط //
( ... ويَظْلِمُ أحْيَاناً فَيظَّلِمُ)
فَيَرُوىء الأوْجُه الثلاثةِ وبالنُّون أَيْضا

(2/347)


فصل

فِي إِبْدَال الدّال
قد أبدلت من تَاء افتَعَلَ إِذا كانتِ الفاءُ دَالا أَو زاياً وعلّةُ ذَلِك أنَّ هَذِه الْحُرُوف فِيهَا صَفِيرٌ وجَهْرٌ وشِدَّة والتاءُ مهموسةٌ رِخْوةٌ فَإِذا سُكِّن الحرفُ القويّ وبعدَه ضعيفٌ كانَ فِي إخراجِ القويّ بصفتِه وسكونِه وإتباعِ الضعيفِ إيّاه بِلَا فصلٍ كُلفةٌ شديدةٌ فأُبدل من التَّاء حرفٌ يَقْرُب مِنْهَا فِي الْمخْرج ويقربُ من الْحَرْف الآخر فِي الصِّفة وَذَلِكَ هُوَ الدَّالُ فإنَّها من مَخْرج التّاء فالدَّالُ فِي قَوْلك دَرَأ ادَّرأ وَأَصله ادْتَرأ فقلبتَ التاءَ دَالا وأدْغمتَ الأولى فِيهَا وأتيتَ بهمزةِ الوصْلِ لسكونِ الدَّال الأولى بسببِ الْإِدْغَام وَلَا يجوزُ قلبُ الدَّالِ هَنا تَاء وتركُ تَاء الافتعال لِئَلَّا تبطلَ القوّةُ الَّتِي فِي الدَّال
وأمَّا الذالُ فكقولِك مِنْ ذَرَأَ اذَّرأ والأصلُ اذْتَرَأَ فقلبت التّاءُ دَالا والذَال دَالا لأنَّها قَرُبتْ مِنْهَا وفُعل فيهمَا مَا تقدَّم
وإنْ شئتَ قلبتَ التَّاءَ ذالاً لتجانس الذالَ تَقول اذّرَأ وأمَّا افتعل من

(2/348)


الذِّكرُ فأصله اذْتَكَر فَحَوَّلتَ التَّاءَ إِلَى الدَّالِ والذالَ إِلَى الدَّال وأتيتَ بهمزةِ الوَصْلِ لِمَا تقدَّم وإنْ شئتَ حوَّلتَ الثَّاني إِلَى الأَوْلِ فجعلْتَهما ذالاً مشدَّدةً والأوّلُ أقوى
وأمَّا الزَّايُ فكقولِك من زَجَر وزَانَ ازْدَجَر وازْدَان وَالْأَصْل التَّاء فحوَّلت إِلَى الدَّالِ لِمَا تقدَّم وَلَو قلبتَ التاءَ زاياً وأدْغَمْتَ جازَ فَقلت ازّجر وَمثله ازّان والأوَّلُ أقوى وَلَا يجوزُ قلبُ الزَّاي تَاء لِئَلَّا يبطلَ مَا فِي الزَّاي من زيادةِ الصِّفَات على التَّاء
مَسْأَلَة

قَالُوا فِي تَوْلَح دَوْلَج فأبْدَلوا من التَّاء دَالا لَمَّا كَثُرَ إبْدَالُها مِنْهَا فِي المواضعِ الَّتِي ذكَرْنا ويضْعُف أَن يَكُونُوا أبْدَلوا الواوَ ابْتِدَاء دَالا لبعدها مِنْهَا
مَسْأَلَة

يُقَال وتِد بِكَسْر التَّاء ثمَّ تُسكّن على مِثَال كتِف وكتْف وَمِنْهُم مَنْ يُبْدِل التاءَ دَالا ويُدْغِمها لِمَا تقدَّم
فصل

فِي إبْدالِ الْجِيم

(2/349)


قد أُبدلت من الْيَاء السَّاكنةِ فِي الشِّعر وَهُوَ كالضرورة وعلّةُ ذَلِك أنَّها من مَخْرجها والجيمُ أبْيَنُ مِنْهَا وَذَلِكَ كَقَوْل الشَّاعِر من // الرجز //
(يَا ربِّ إنْ كنت قبلتَ حِجّتجْ ... فَلَا يزالُ شَاحجٌ يَأْتِيك بجْ ... أقْمَرُ نهّاتٌ يُنَزِّي وَفْرَتِج ... )
وأمَّا قولُ الآخر
(خَالي عَوَيْفٌ وَأَبُو عَلجٍ ... المُطْعِمان اللحمَ بالعَشِجْ)
210 - (وبالغداةِ فِلَقَ البَرْنجْ ... يقْلع بالودّ وبالصيصج)
فإنَّه قدَّرَ الوقْفَ على الياءِ فسُكّنت ثمَّ أبدلَها جيماً مشدَّدةً ثمَّ كسرَ بعد ذَلِك والقياسُ أنْ لَا تبدَل المتحركةُ لأنَّها قويت وبانتْ بحركتها وأمَّا الصِّيصيّ فأصلها التخفيفُ لأنَّ الْوَاحِد صيصة خَفِيفَة الْيَاء وإنَّما شدَّد على لُغَة من يشدّد فِي الْوَقْف نَحْو هَذَا خالدٌ ثمَّ كسَرها لما تقدَّم وأمَّا قَول العجاج
(حتَّى إِذا مَا أمْسَجَتْ وأمْسَجا)

(2/350)


فالأصلُ أمستْ وَأمسى فحذفت الألفُ من اللفظِ الأوَّلِ لسكونها وسكونِ التّاء بعْدهَا فَلمَّا اضطُرّ عادَ إِلَى الأصلِ وَهُوَ الياءُ وَلم يتركُها متحركةً لأنَّ حكمَها عندَ ذَلِك القلبُ فأبدلَها جيماً ليمْكِنه النطقُ بهَا فجمعَ بينَ أَمريْن
أَحدهمَا ترك النطقِ بالياءِ المتحركةِ مَعَ مَا يَقْتَضِي قلبَها
وَثَانِيهمَا الإتيانُ بحرفٍ من جنْسِ رويّ القصيدة وَلَا يلْزم تغييرُه
فصل

فِي إِبْدَال اللاّم
قد أُبْدِلت فِي أُصيلال والأصلُ أصيلان وإنَّما جازَ ذَلِك لقربِ مَخْرجها والمكبّرُ مِنْهُ أصْلان والواحدُ أصيل ل مثل رَغِيف ورُغْفان وَفِيه أقوالٌ قد ذُكرت فِي بَاب التصغير فأمَّا إبدالُ لامِ التَّعْرِيف إِلَى جِنْسِ الْحَرْف بسببِ الْإِدْغَام فيُذْكَر فِي بَاب الْإِدْغَام
فصل

إِذا أردتَ أنْ تزِنَ الكلمةَ بعد الْإِبْدَال فَفِيهِ قَولَانِ
أَحدهمَا أنَّكَ تُعيدُها إِلَى الاصلِ ثمَّ تزنُها على ذَلِك

(2/351)


والثَّاني أَنَّهَا أَنَّك تَزِنُها على لفظِها بعد الإبْدال ومثالُ ذَلِك إِذا قيلَ مَا وزنُ ازْدَجَر فتقولُ على المذهبِ الأوّل افْتَعَلَ وعَلى الْمَذْهَب الثَّانِي افْعَلَ وتقولُ فِي ادّرأ افْتَعل وعَلى الثَّانِي افَّعَل وتقولُ فِي ازْدَان افْتَعَل وعَلى الثاَّاني افْعَل وتقولُ فِي وِدّ فِعل مثل كِتْف وعَلى الثَّانِي فِلّ بتَشْديد اللاّم لأنَّكَ قلبتَ الْعين إِلَى لفظ اللاّم

(2/352)


بَاب الْحَذف

وَهُوَ على ضَرْبَيْنِ حَذْفٌ لعلّةٍ فيطّردُ أينَ وُجِدت وحذفُ لَا لعلّةٍ فَيُقْتَصر فِيهِ على المسموع
فالأوّل يكون فِي أحرف أحدُها الواوُ إِذا وقعتْ بَين ياءٍ مفتوحةٍ وكسرةٍ حُذفت كَقَوْلِك فِي وَعد ووَزَن يَعِدُ ويَزِنُ وعلّة ذَلِك أنَّ الواوَ من جِنْسِ الضمّةِ وَهِي مقدَّرةٌ بضمَّتين والكسرة الَّتِي بعْدهَا من جِنْس الْيَاء الَّتِي قبلَها ووقوعُ الشَّيْء بَين شَيْئَيْنِ يخالفانِه مُسْتَثْقَلٌ يُفَرّ مِنْهُ لَا سيّما إِذا غلبَ الشيئانِ على الشَّيْء الواحدِ وَقد وُجِد ذَلِك هَهُنَا لأنَّ الياءَ متحرِّكةٌ فَهِيَ كثلاثةِ حَركاتٍ والكسرةُ رابعةٌ وَالْوَاو كحركتين والمُتَجانِسات أكثرُ فَغَلبتْ يدلُّ عَلَيْهِ أنَّهم استَثْقَلوا الخروجَ من كَسْرٍ إِلَى ضمٍّ لازمٍ وَهَذَا فِي حُكْمِهِ وَلَا بدَّ فِي الحكم الَّذِي ذَكرْنَاهُ من تَقْيِيد الْيَاء وبالفتحةِ لأنَّ الْيَاء إِذا ضُمّت تثبت الْوَاو ك يُوعِد ويُولدُ إِذا سمّيت الفاعلَ

(2/353)


وعلّةُ ذَلِك أنَّ الواوَ جانَسَها مَا قبلَها وَهُوَ ضمٌُّ الْيَاء فَقَوِيتْ لمجانستِها وَلم يبقَ إلاّ الكسرةُ وحدَها فإنْ قيلَ فقد قَالَ بعضُ الْعَرَب وَجَد يَجِدُ بِضَم الْجِيم وَقد حذف قيلَ الأصْلُ الكَسْرُ وإنَّما ضُمّت الْجِيم على الشُذوذِ بعدَ أَن استقرَّ الحذفُ فإنْ قيل فقد قَالُوا وهَبَ يَهَبْ ووسِعَ يَسَع فحذفوا مَعَ انفتاح مَا بعدَها قيلَ الفتحةُ عارضةٌ والأصلُ الكسرُ وإنَّما فَتَحوا من أجلِ حَرْفِ الحلْقِ والعارضُ يُعتدّ بِهِ فإنْ قيلَ فقدْ قَالُوا يُولَد فأثبَتُوها مَعَ اجتماعِ الضمّةِ والواوِ إِذا انفتحَ مَا بعدَها فهلاّ استثقلوا الضمّاتِ قيل لَا تَنَافُر بَين المُتَجانِسات بلْ بينَ المتضادّات ولذلكَ لم يحْذِفوا الياءَ إِذا وقعتْ بَين ياءٍ وكسرة نَحْو يَسَرَ يَيْسِرُ ويَمَن يَيْمِنُ ويَئِسَ يَيْئَسُ وَقد قَالَ بَعضهم يَئِسُ بياءٍ واحدةٍ بعْدهَا همزةٌ وَذَلِكَ شاذٌّ شَبَّهوا الياءَ فِيهِ بالواوِ بِسَبَب الْهمزَة

(2/354)


فأمَّا ورِث يَرِثُ فَلَا يَنْقُضُ مَا أصّلناه لأنَّ الواوَ قد وقعتْ بينَ ياءِ مفتوحةٍ وكسرةٍ وإنَّما الشُّذوذُ فِي مَجِيء فَعِل يَفْعِل بِكَسْر الْعين فيهمَا ليسَ مِمَّا نحنُ فِيهِ فَإِن قيلَ كَيفَ حذفت الْوَاو فِي أعد وتعد ونعد وَلَا عِلّة إِذْ لَيْسَ قبل الْوَاو يَاء قيل إِنَّمَا فَعلوا ذَلِك ليطَّرد حكم الْفِعْل المضارِع لاشتراكِ أَنْوَاعه وَله نَظَائِر فَمِنْهَا أَنهم حملُوا نُكْرِمُ وتكرم ويُكْرِمُ على أُكْرِم فإنْ قيلَ الْوَاو فِي يوعِد قد وقعتْ قبل الكسرةِ وَلم تُحذف قيلَ عَنهُ جوابان
أحدُهما مَا تقدَّم من أنَّ قبلَها ضمةً
وَالثَّانِي أَن الأصلَ يُؤوْعِدُ بهمزةٍ وَقد حُذفت فَلَو حذفت الواوُ لأجحف

(2/355)


بِالْكَلِمَةِ فإنْ قيل فلمَ حذفت فِي يَذَرُ قيل كَانَ القياسُ كَسْرُ الذالِ إِلَّا أَنَّهَا فُتحت حملا على يَدَع وَقد ذكرتُ العلّةَ فِيهِ
فصل

فإنْ انفتحَ مَا بعدَ الْوَاو نَحْو وَجَل يَوْجَل لم تسقطْ لعدمِ العلّة وَمن العربِ مَنْ يقلبُ هَذِه الواوَ ألفا فَيَقُول ياجَلُ وَهُوَ شاذّ والوجهُ فِيهِ الفرارُ من ثِقَلِ الواوِ بعدَ الْيَاء فقلبتْ حرفا من جِنْسِ الفتحةِ قبلهَا وَمِنْهُم مَنْ يقلبُها يَاء سَاكِنة لتُجانسَ مَا قبلَها وَمِنْهُم من يكسر حرف المضارعة إتباعاً
فصل

كلُّ فعلٍ حُذفت واوه لوقوعِها بينَ ياءٍ وكسرةٍ حُذِفتْ فِي مَصْدره وعُوِّض مِنْهَا تاءُ التأنيثِ نَحْو عِدَة وزِنة وَالْأَصْل وِعْدَة فَحُذفت الواوُ هُنَا كَمَا حُذفت فِي الْفِعْل والوجْهُ فِي ذَلِك أَن الْوَاو هُنَا مَكْسُورَة وَقد أُعلّت فِي الْفِعْل فأعلّتْ فِي الْمصدر ليلازِمَها وَكَانَت الكسرةٌ فِيهَا كالياء قبلَها فِي الفعلِ إلاَّ أنَّه عُوّض مِنْهَا تاءُ التأنيثِ لِئَلَّا يدخلَ الوهنُ بالكلِّيَّةِ على الأسماءِ الَّتِي هِيَ الأصولُ وَلَيْسَت موضِعاً للتصريف فإنْ حذفتَ التاءَ أعدتَ الواوَ مَفْتُوحَة فَقلت وَعْدٌ ووَزْنٌ لزوَال عِلّة الْحَذف

(2/356)


فإنْ قيل فقد قَالُوا وِجْهةٌ فَجمعُوا بَين العِوض والمعوّضِ فَفِيهِ وَجْهَان
أَحدهمَا لَيست مصدرا بل هِيَ اسمٌ للجهة المتوجَّه إِلَيْهَا
وَالثَّانِي يقدّر أنَّها مصدرٌ ولكنْ خرجت على الأَصْل تَنْبِيها على أنَّ القياسَ الْإِتْمَام فِي الْجَمِيع وَهَذَا كَمَا قَالُوا القَوَد والأوَد واسْتَحْوَذَ فَلم يعلّوا لِمَا ذكرنَا
فصل

فِي حَذْفِ الهمزةِ

(2/357)


فَمن ذَلِك همزةُ أفْعَل إِذا وقعتْ بعد همزةِ المضارَعةِ فإنَّها تُحذَفُ لئلاّ يُجْمَع بَين همزتين خُصوصاً متحركتين فَإِذا كَانُوا لم يجمَعُوا بينَهما مَعَ سُكُون الثَّانية فالحذفُ مَعَ الحركةِ أوْلى وَذَلِكَ نَحْو أَكْرَمْتُ أُكْرِمُ والأصْلُ أؤكرِمُ مثل دَحْرَجْتُ أُدَحْرِجُ فحُذِفت الثَّانيةُ لِمَا ذَكَرْنا وَلم تُحْذَف الأولى لِدَلالتها على الِاسْتِقْبَال والمتكلّم فأمَّا اسمُ الْفَاعِل وَالْمَفْعُول نَحْو مُكرِم ومُكْرَم فالهمزةُ فِيهِ محذوفةٌ لبنائِه على الْفِعْل واشتقاقِه مِنْهُ وَلَيْسَ كَذَلِك مصدرُه فإنَّها لَا تُحذَف فِيهِ نَحْو الإكْرام فَأمَّا بقيةُ الافعال المضارعة فتحذَفُ فِيهَا الهمزةُ طَرْداً للباب وَكَذَلِكَ اسمُ الْفَاعِل وَالْمَفْعُول نَحْو ونُكْرِمُ ويُكْرِمُ ومصدرها خارجٌ عَن الأَصْل وَهُوَ أحدُ مَا يدلُّ على أنَّ الفعلَ مشتقٌّ من الْمصدر إذْ لَو كانَ بالعكسِ لَحُذفت همزتُه كَمَا حُذفت فِي اسْم الْفَاعِل وَالْمَفْعُول وَقد خرجَ ذَلِك على الأَصْل فِي ضرورةِ الشّعْر نَحْو يُؤكْرِمُ ويقوّى ذَلِك أنَّ العلّةَ فِي

(2/358)


الأصلِ لم تُوجَد هَهُنَا وَهِي اجتماعُ الهزتين وَلذَلِك لم يأتِ فِي الضَّرورة أؤكرم
فصل

فإنْ كانتِ الهمزةُ أصلا وضُوعِفتِ العينُ بعدَها أوْ أوْ لم تضعَّف نَحْو أسس وأخَذَ وأكَلَ أُبْدِلت مَعَ همزةِ المتكلِّم واواً إِذا انضمَّت وألفاً إِذا انفتحت نَحْو أؤسِسُ وأاْخُذُ وأاْكُل أمَّا إبدالها واواً فللضمَّةِ قبلَها وإبدالُها ألِفاً للفتحةِ قبلهَا وَلَا يجوزُ جَعْلُها بينَ بينَ لأنَّ ذَلِك تقريبُ لَهَا من الألفِ وَلَا يكونُ مَا قبلَ الألفِ إلاَّ مَفْتُوحًا وإنْ كَانَت بعدَ غيرَ الْهمزَة فَتَحْقِيقُها هُوَ الوجهُ نَحْو نَأْكُل وتَأْكُل ويَأْكُل ويُؤسِّسُ وتخفيفُها جائزٌ بإبدالِها واواً خَالِصَة
فصل

وأمَّا مَا يُحْذَف لِلْجَزْمِ فقد ذُكر فِي بابِ الْجَوازم مُسْتَوفى وَكَذَلِكَ ياءُ الْمنْقوص الساَّقطة لالتقاء السَّاكنين وألفِ الْمَقْصُور
فصل

واختَلَفوا فِي واوِ مَفْعول ممّا عينُه معتلّة نَحْو مَقُول ومَبِيع وَأَصله مَقْوُول ومَبْيُوع وَقد جاءَ مِنْهُ على الأصلِ قَالُوا مِسْكٌ مَدْوُوفٌ وثوبٌ مَصْوُونٌ وَهُوَ

(2/359)


فِي الْيَاء أَكثر وَقد قَالُوا طَعَامٌ مَكْيُول ومَزْيُوت وتُفَّاحةٌ مَطْيُوبة فَقَالَ الْخَلِيل وسيبويه المَحْذُوفُ مِنْهُ الواوُ الزائدةُ
وقا أَبُو الْحسن الْأَخْفَش المحذُوفُ عينُ الكلمةِ وحُجَّة الأوَّلين من وجْهين
أَحدهمَا أنَّ حَذْفَ الزائدِ أوْلى إِذا لم يُخِلَّ حذفُه بِمَعْنى وَهنا لَا يُخلّ بِمَعْنى إذْ لَيْسَ فِي اللفظِ فَرْقٌ بينَ الحذفين وإنَّما ذَلِك أمرٌ تقديري حُكْميّ وَالْمعْنَى مَفْهُوم على التَّقْدِيرَيْنِ جَميعاً فإبْقاء الاصليّ على هَذَا أوْلى
وَالْوَجْه الثَّاني أنَّ الأصْل فِي هَذَا الْمِثَال أنْ تَدلَّ الميمُ وحدَها مَعَ حَرَكَة العينِ على معنى الْمَفْعُول كَمَا فِي اسْم الفاعِل نَحْو مُقيم ومُكْرِم فَكَذَلِك يَجِبُ أَن يكونَ فِي مفعول وإنَّما قصدُوا بِالْوَاو الفرقَ بَين الثلاثي والرباعي نَحْو مُكْرَم ومضروب والفرقُ حاصلٌ بَينهمَا سَوَاء حذفت الأصليّ أَو الزَّائِد ويُقوّى ذَلِك أَن المحذوفَ لَو كانَ الأصليَّ لقُلْتَ مَبُوع إذْ لَا حاجَة إِلَى قلبِ الواوِ يَاء إذْ كانَ فِي قلب الْوَاو يَاء حَذْفُ أصْلٍ وقلبُ زَائِد وَفِي حَذْفِ الزائدِ إقرارُ الاصليّ فكانَ أولى وَإِذا تقررت هَذِه القاعدةُ فإنَّ الحذفَ على مَذْهَب سِيبَوَيْهٍ أَن تحذِفَ الزائدَ وتنقلَ حركةَ الْوَاو إِلَى القافِ فوزنُه مَفْعَل بِضَم الْفَاء وإسكانِ الْعين وعَلى قَول الْأَخْفَش نُقِلت ضمةُ الواوِ الأولى

(2/360)


إِلَى القافِ فاجتمعَ ساكنان فَحُذِفت الأُولى وأمَّا فِي مَبِيع فإنَّ ضمّةَ الياءِ تَقْلِبُ العينَ فاجتمعتِ الواوُ والياءُ ساكنين فَحُذِفت الواوُ وكُسِرت العينُ لئلاّ تنقلبَ الياءُ واواً لسكونِها وانضمام مَا قبلهَا وحُجّةُ الْأَخْفَش أنَّ الزَّائدَ دخلَ لِمَعْنى فكانَ مَا قبلَه المحذوفَ كياء المنقوصِ وألفِ المقصورِ إِذا نوِّنا وَمَا ذَكَرْناه فِي حُجَّة الأوَّلين جوابٌ عَن هَذِه الشُّبْهَة
فصل

ومثلُ هَذِه الْمَسْأَلَة الاستعانةُ والإرادة لأنَّ الأصلَ فيهمَا اسْتِعْوَانة وإرْوَادَة لأنَّهما مصدرُ استفعل وأفِعَل ونظيرُه من الصَّحِيح استقبالة وإقْبالة إلاّ أنَّ الواوَ تحركت وانفتَح مَا قبلهَا فِي الأَصْل فَقُلبت ألفا فاجتمعت أَلفَانِ فَحُذِفت الثَّانيةِ عِنْد سِيبَوَيْهٍ وَالْأولَى عِنْد أبي الحسَن وَعَلَيْهِمَا مَا تقدم وَجعلت الهاءُ عوضا من الْمَحْذُوف وَقد جَاءَت مَعَ الْإِضَافَة بِغَيْر هاءٍ كَقَوْلِه تَعَالَى {وَأقَام الصَّلَاة} فكانَ المضافَ إِلَيْهِ عِوضاً من الْهَاء أَو من الْمَحْذُوف

(2/361)


بَاب مَا حُذِفَ على خلاف الْقيَاس

اعلمْ أنَّ هَذَا البابَ يُقْتَصَر فِيهِ على المسموع وَلَا يُقاس إذْ لَا علّة تَقْتَضِي الحذفَ فيطّرد وَهَذَا الحذفُ يكونُ فِي الحروفِ والحركاتِ فالحروفِ عشرَة أوّلُها الهمزةُ وَقد حُذِفَتْ فَاء وعَيْناً ولاماً
فالفاء قد حُذِفت فِي مواضعَ
الأوَّلُ قولُهم من أكَلَ وأخَذَ وأمَرَ كلْ وخُذْ ومُرْ وَالْأَصْل اأْكلْ فالهمزةُ الأولى وصلٌ والثانيةُ فاءُ الْكَلِمَة إلاَّ أنَّهم حذفوا الثانيةَ تخفيفاَ لِثِقَل الجمعِ بينَ الهمزتين وكانَ القياسُ قلبُ الثانيةِ واواً لِسُكُونِها وانْضِمامِ مَا قَبْلَها وَقد جَاءَ أومر

(2/362)


من غيرِ حَذْفِ على الأَصْل فأمَّا مَعَ واوِ العطْفِ فَلم يأتِ إِلَّا على الأَصْل كَقَوْلِه تَعَالَى {وأمُرْ أهلَك بالصَّلاةِ} وأمَّا أُخْتَاها فبالحذف على كلِّ حَال فأمَّا أجر يأجِرُ وأسسَ يؤسس فَلَا يُحْذَفُ فِيهِ وَفِي أمْثاله البتَة بل تَقول أؤجره وأُوْسس لأنَّ السَّماعَ لم يَرِدْ إلاَّ فِي الامثلةِ الثَّلاثةِ وَلَا علَّةً تجوّزُ ذَلِك
الموضعُ الثَّاني نَاس والأصلُ عِنْد سِيبَوَيْهٍ أُناس فُعال من الإنْسِ فَحُذِفت الهمزةُ تَخْفيفاً فَوَزْنُ نَاس على هَذَا عَالْ وَلَا تكَاد تُسْتَعمل إلاّ بالألفِ واللاّم كأنَّهما عِوَضٌ من الْمَحْذُوف
وقالَ آخَرُونَ لَا حَذْفَ فِي نَاس بل هُوَ فَعَلَ من نَاسَ يَنُوس نَوْساً إِذا تحرَّك فالنَّاسُ يتحركون فِي مُراداتِهم وَلَا يكَاد أُناس يُسْتعمل بِالْألف وَاللَّام وَقد جَاءَ ذَلِك قَلِيلا قَالَ الشَّاعِر // مجزوء الْكَامِل //
(إنَّ المَنَايا يطَّلِعْنَ ... عَلى الأُناسِ الآمِنِيْنَا)

(2/363)


الموضعُ الثَّالِث قَوْلهم فِي إيتِ من أَتَى إِذا جَاءَ تِ قَالَ الشَّاعِر من // الطَّوِيل //
(تِ لي آلَ زيدٍ وانْدُهُمْ لي جَمَاعةٌ ... وَسَلْ آلَ زَيْدٍ أيُّ شَيءٍ يضيرُها)
والوجهُ فِي ذَلِك أنَّه شبَّه الهمزةَ الَّتِي هِيَ فاءُ الْكَلِمَة بِالْوَاو فِي وَفَى إذْ كانتِ الهمزةُ تُقْلَب إِلَى الْوَاو نَحْو صَحْرَاوَات وَالْوَاو إِلَى الهمزةِ نَحْو أجوه فَكَمَا تُحذَف الفاءُ واللامُ هُنَاكَ فِي الأمرِ كَذَلِك تُحْذَفُ الهمزةُ وَالْيَاء هُنَا وَقيل شَبَّههُ ب كُلّ وَفِيه بُعْدٌ
الموضعُ الرَّابعُ اسمُ الله تبَارك وَتَعَالَى وَفِي أَصله قَوْلان

(2/364)


أحدُهما لاه ثمَّ أُدْخِلت عَلَيْهِ الألفُ واللاّمُ وفُخّمت اللاّمُ إلاَّ أنْ ينكسرَ مَا قبلهَا وَلَا حذفَ فِيهِ على هَذَا
والقولُ الثَّاني أصلُه إلاه وَهُوَ فِعَال من أَله يَأْله إِذا عبد فإلاه فِعَال بِمَعْنى مَفعول أَي مَعْبُود ثمَّ أُلقيت حركةُ الهمزةِ على لَام التَّعْرِيف فالتقت اللاّمان فسُكّنتِ الأُولى وأُدْغِمت فِي الثّانية وفخمّت وَقَالَ أَبُو عليّ حُذِفت الهمزةُ من غيرِ نَقْلٍ وعَلى هَذَا يكونُ العملُ أقلَّ لأنَّ لامَ التَّعْرِيف تبقى على سُكونها ثمَّ تُدْغَم فوزنُه الْآن العال وَصَارَ لُزُوم الألفِ وَاللَّام عِوَضاً من الْمَحْذُوف وَلذَلِك جازَ قطعُ الهمزةِ فِي النداء والألفُ على القَوْل الأوَّلِ بَدَلٌ من أصلٍ وَهُوَ يَاء لأنَّهم قَالُوا فِي مَقْلُوبِه لهي أبُوك وعَلى القَوْل الثَّانِي هِيَ زَائِدَة
فصل

وأمّا حذفُ الهمزةِ عَيْناً فقولُهم فِي مضارع رأى وَأَخَوَاتهَا يَرَى والأصلُ يَرْأى فنُقِلت حركةُ الهمزةِ إِلَى الراءِ وحُذِفت فوزنُه الآنَ يَفَل وَكَذَلِكَ مَا تصرّف مِنْهُ

(2/365)


نَحْو أرَى زيدٌ عَمْراً بكرا فَهُوَ مُرٍ وَالْمَفْعُول مُرَىً فأمَّا رائي اسمُ فاعلٍ من رأى يَرَى فَهُوَ خارجٌ على الأصْلِ مثل راعي وَقد جاءَ فِي الشِّعر تَاما للضَّرُورَة فَقَالَ الشَّاعر وَهُوَ سُراقة البارقيّ من // الوافر // د
(أُرِي عَيْنَيّ مَا لم تَرْأياهُ ... كِلانا عَالِمٌ بالتُّرُهَاتِ)
فصل

وممَّا حُذِفتِ الهمزةُ مِنْهُ وَهِي لامٌ قولُهم سُؤته سوايةً وَالْأَصْل سوائية مثل كراهيةٍ ورفاهية فحذفت الهمزةُ وَهِي لامٌ لأنَّه من ساءَ مثل ساع وَالْيَاء زائدةٌ كَمَا زيدت فِي كَرَاهِيَة

(2/366)


مَسْأَلَة

اخْتلف الناسُ فِي أَشْيَاء هَل هِيَ جمعُ شيءٍ أم لَا على قَوْلَيْنِ
فَقَالَ بعضُهم هِيَ جمعُ شَيْء مثل بَيْتٍ وأبيات وتُركَ صرفه لكثرةِ الِاسْتِعْمَال وَهَذَا بعيدٌ جدّا لأنَّ كثرةَ الِاسْتِعْمَال لَا تُوجِيُ منعَ الصَّرفِ عِنْد الْجَمِيع
وَقَالَ آخَرُونَ جُمع على أشْياء شاذاً كَمَا قَالُوا سَمْح وسُمَحاء فجاؤوا بِهِ على الشذوذ ثمَّ حُذِفت الهمزةُ الأولى لاجتماعِ همزتين بَينهمَا ألفٌ والألفُ تُشْبِه الْهمزَة كأنَّها ثلاثُ ألفات أَو ثلاثُ همزات فوزنُه الْآن أفعاء

(2/367)


وَقَالَ الفرّاء أَصله شيّئ مثل هيّن ثمَّ جُمع على أشْيِيَاء وعُمِل بِهِ بعد تَخْفيف الواحدِ على مَا ذكرنَا على مَذْهَب أبي الْحسن
وَقَالَ الخليلُ وسيبويه أصلُها شَيْئَاء اسْم الجنْس مثل حَلْفاء وقَصْبَاء فقُدِّمت الهمزةُ الأُولى لِمَا تقدَّم فوزنُه الْآن لَفْعَاء
فصل

وَاعْلَم أنَّ شَيئاً على التَّحقيق مصدر شَاء يَشَاءُ شَيْئا ثمَّ جُعِلَ اسْما عامّاً لكلِّ موجودٍ ولكلِّ معدومٍ عِنْد مَنْ قَالَ المعدومُ شَيْء
فأمَّا على قولِ الآخرِين فَلَيْسَتْ مصدرا وَهِي على ثلاثةِ أَقْوَال
أَحدهَا أَصْلهَا شيئاء ثمَّ قُدّمت الهمزةُ الأولى على مَا ذُكر
وَالثَّانِي أصلُها شيّئ مثلُ هيّن ثمّ جُمع على أشْيِئاء مثل أهْوِناء ثمَّ حُذفت الهمزةُ الأولى لما تقدَّم
وَالثَّالِث شيّئ مثل صَديق واصْدِقاء ثمَّ حُذفت الْهمزَة أَيْضا
وفيهَا قولٌ رابعٌ أنَّ الواحدَ شَيْء ثمَّ جمع على أشْيَاء شاذّاَ كَمَا قَالُوا سمْح وسُمَحاء فأجْرَوا فُعَلاء مجْرى فعيل فِي الْجمع ك عليم وعُلماء
فإنْ قيلَ فقد قَالُوا فِي جمعِ أَشْيَاء أشَاوَى وَلَو كَانَ واحِدُه على شيئاء لَمَا جُمع على ذَلِك قيلَ لَمَّا قُدِّمت الهمزةُ أَو حُذِفت على القَوْل الآخَر صارَ لفظُها على لفظ

(2/368)


صَحْراء فالهمزةُ بِإِزَاءِ الصَّاد والشِّينُ بِإِزَاءِ الحاءِ والياءُ بإزاءِ الرّاء والألفُ فيهمَا زائدةٌ للمدِّ والهمزةُ الأخيرةُ مُبْدَلَةٌ من ألفٍ التَّأْنِيث وكما جُمعت صحراء على صَحَارى جُمِعَتْ أشْياء على أَشَاوى فالألِف الثَّالِثَة حادثةٌ للْجمع والواوُ بدلٌ من الياءِ والالفُ الأخيرةُ بدل من يَاء وَكَانَ القياسُ أَشَاوِي كَمَا كانَ فِي صَحَارِي فالياءُ فيهمَا بدلٌ من ألفِ المدِّ والمبدَلةُ من ألف التأنيثِ محذوفةٌ وَهَذَا مثلُ شِمْلال فِي أنَّ الألفَ تُقْلَبُ يَاء ثمَّ أُبْدِلَ من كسرةِ الْوَاو فَتْحة فَصَارَت الياءُ ألفا فإنْ قيلَ لَو كَانَت جَمْعاً لَمَا صَحَّت إِضَافَة الثَّلَاثَة إِلَى الْعشْرَة إِلَيْهَا وَقد صحَّتْ فدلَّ أنَّها أفْعَال كَمَا يُقال ثلاثةُ أثْوَاب قيلَ لَمّا أصارَها التغيّرُ إِلَى مِثال أفْعَال جازَ ذَلِك فِيهَا
فصل

فِي حذف الْألف
القياسُ أَن لَا تُحذفَ لأنَّها فِي غايةِ الخِفَّة وَهِي جاريةٌ مَجْرى النَّفَس لَا تَنْقَطِعُ على مَخْرج وَقد حُذِفت فِي الشِّعر لإقامةِ الوزنِ والوَجْهُ فِي ذَلِك قِلَّةُ الاحتفال بهَا لِفَرْطِ خفّتها وأنَّ الفتحةَ تُغْني عَنْهَا وكأنَّها ليستْ حَرْفاً فَمن ذَلِك قَوْلهم المعل فِي

(2/369)


الشعرِ يريدُ المعلّى ولهفَ فِي لهفى وقالَ قومٌ أمَ وَالله يريدونَ أمَا وَالله لأنَّها يُفْتَتَحُ بهَا الْكَلَام مثل أَلا وقيلَ مَعْنَاهَا حَقّاً وَفِيه بُعْدٌ وَقَالُوا يَا أبتَ يريدونَ الألفَ المصرَّحَ بِهِ فِي قَول الراجز

(2/370)


(يَا أبَتَا علّكَ أَو عَسَاكا ... )
وَقَالُوا يَا بنَ أمِّ وَالْأَصْل يَا بُنَ أمّا محوّلٌ عَن يَا بْنَ أمّي وَكَذَلِكَ يَا بن عمَّ وقيلَ لَا حذفَ هُنَا بل ابْن مركب مَعَ أمّ مثل خَمسةَ عَشَر وَقَالُوا لِمَ وبِمَ فحذفوا الألفَ من مَا الاستفهاميةِ معَ حرفِ الجرِّ فَرْقاً بَينهَا وَبَين الخبريّة
فصل

فِي حَذْفِ الْوَاو
قد حُذفت فَاء نَحْو يعِدُ وعدْ وعدة وَقد ذُكر وحُذِفت عَيْناً فَقَالُوا لوسَط الحوضِ ثُبة وَأَصلهَا ثُوْبة من ثاب يَثُوب لأنَّ الماءَ يَثُوب إِلَى ذَلِك

(2/371)


الْموضع أَي يرجع وَمِنْه الثَّواب والإِثابة والمثابةُ فأمَّا الثُّبَة بِمَعْنى الْجَمَاعَة فالمحذوفُ مِنْهَا لامُها وَهِي واوٌ لقَولهم تَثَبَّيْنا أَي اجْتَمَعنَا وليسَ دَلِيلا على كونِها يَاء لأنَّها قد وَقعت رَابِعَة ويدلُّ على أنَّها واوٌ أنَّ الأكثرَ فِي هَذَا الْبَاب حذفُ الْوَاو وَقد حُذفت حذفا صَالحا قَالُوا أبٌ وَالْأَصْل أبوٌ لرجوعِ الْوَاو فِي التثنيةِ والجمعِ وَالْفِعْل قَالُوا مَاله أبٌ يأبُوه وَقَالُوا أبَوان وآباء وَالْأَصْل فِي ابْن بِنْوٌ لقَولهم البنوّة وَلم يُسْمع فِي شَيْء من اشتقاقه الياءُ وَلَيْسَ كَذَلِك الْفَتى لأنَّهم قد قَالُوا الفِتْيان فَلذَلِك لم تدلَّ الفُتُوَّة على الْوَاو

(2/372)


وقيلَ أصلُه بنيّ لأنَّه من بَنى يبْني فكأنّ الابنَ من بِنَاء الْأَب لكَونه متولّداً عَنهُ
وَقَالُوا أخٌ فحذفوا الواوَ لقَولهم أخَوان وَالإِخْوَة والإخوان
وَالْأَصْل فِي هنٍ هَنَوٌ لقَولهم هَنَوات
فأمَّا ذُو فأصلُها ذَوَيٌ لأنَّ بَاب طويتُ وشَويت أَكثر من بَاب قُوّة وحوّة فالمحذوفُ مِنْهَا الْيَاء

(2/373)


فأمَّا حَمْءٌ فالأكثرُ أنَّه من الواوِ لقَولهم حَمَوان وَفِيه لُغة أُخْرَى حَمٌ مثل غدٌ والأصلُ غدوٌّ لقَولهم غَدا يَغْدُو وَقد جَاءَ تامّاً
وَقَالُوا قُلَةٌ والأصلُ الواوُ لقَولهم قَلوتُ بالقُلَةِ وَهِي عُصَيّةٌ يَلْعَبُ بهَا الصّبيان
وَقَالُوا ظُبَةٌ والأصلُ الواوُ
فأمّا كُرةٌ فَفِيهَا قَولَانِ

(2/374)


أحدُهما المحذوفُ مِنْهَا اللامُ وَهِي واوٌ لقَولهم كَرَوتُ بالكُرَةِ وَفِي شعرِ المْسُيَّبِ بنِ عَلَس من // الْكَامِل //
(كأنَّما تَكْرُو بِكَفِّيْ لاعِبٍ فِي صَاعِ
والقولُ الثَّاني المحذوفُ مِنْهَا الْعين لأنَّها من كَارَ العِمَامةِ يكُورها كَوْرا إِذا دَوَّرها والكرةُ كَذَلِك
فصل

فِي حذفِ الْيَاء
قد حُذِفت لاماً فِي يَدٍ ويدلُّ على أنَّ الأصلَ الياءُ قَوْلك يَدِيتُ إِلَيْهِ يَدَاً إِذا أسْدَيْتَ إِلَيْهِ نِعْمةً وسُمِّيت النعمةُ يدا لأنَّ الإنْعامَ بهَا يكون أوْ لأنَّها نِعْمةٌ إِذا كَانَت آلَة البطشِ وَقد جاءَ فِي الشِّعر من // الْكَامِل //

(2/375)


(يديان بيضاوان عِنْد محلم ... قد تَمْنَعانِكَ أنْ تذِلّ وتُضْهَدا)
وَقد قَالُوا فِي الجمْعِ أيدٍ وَهُوَ أفعُل وَذَلِكَ يدلُّ على سكونِ عَيْن الكلمةِ فِي الأَصْل لأنَّه مثلُ فلْس وأَفْلُس فأمَّا أيادٍ فأكْثرُ مَا يَأتي فِي جَمْع يَدِ النعمةِ وَقد جاءَ فِي الجَارِحة وَإِذا رجَعَ المحذوفُ فَعِنْدَ سِيبَوَيْهٍ بفتحِ الدَّال لأنَّ الحذفَ فِيهَا كالأصل والتَّمامُ عارضٌ فأبقيت حركتها وَعند أبي الْحسن يردّ إِلَى السّكون الَّذِي هُوَ الأصلُ
وَقد حُذِفت الياءُ من دمٍ واصله دَمْيٌ لقَولهم فِي التَّثْنِيَة دَمَيان وَقَالَ بَعضهم دَمَوان وَقَالُوا فِي الْفِعْل دَمِيت مَدْمي وَهُوَ محتملٌ الْأَمريْنِ والأكثرُ

(2/376)


الْيَاء وَقد جاءَ فِي الشَّعر دَمًا مثلُ عَصَا مَقْصُورا متمماً وَهُوَ أحدُ الْقَوْلَيْنِ فِي قَوْله من // الرَّمَل //
(فَإذا هِيْ بِعِظامٍ وَدَمَا ... )
وَفِي قَول الآخر من // الطَّوِيل //
(ولكنْ على أقْدامِنا يَقْطُر الدَّما ... )
وَقَالُوا فِي مِئْيَة مِئةَ فَحَذَفوا الْيَاء وَهُوَ الأَصْل وَقَالُوا فِي الْفِعْل مِنْهُ أمْأيتُ الدراهمَ وَهُوَ أفْعَلتُ من هَذَا الأَصْل وَحكى الْأَخْفَش أخذت مِنْهُ مِيئْيَة على التَّمام وَحذف الْيَاء أقل من حذف الْوَاو لأنَّ الواوَ أثقلُ مِنْهَا وحذفُ الأثْقَلِ أقربُ إِلَى الْقيَاس وحذفُ الْيَاء أَكثر من حذف الْألف لِأَنَّهَا أثقل مِنْهَا وَإِذا أشكل أمرُ اللامِ المحذوفةِ فاحكم على كونِها واواً عِنْد أبي الْحسن أخذا بِالْأَكْثَرِ وعَلى كونِها يَاء عِنْد سِيبَوَيْهٍ لِخَفائها وَجعلهَا تبعا للحركة فِي هَاء الضميرِ ونحوِها

(2/377)


فصل

فِي حذف الْهَاء
قد حُذفتْ لاما فِي مواضعَ وعلّةُ ذَلِك شَبَهُها بحروفِ العلّة وربّما كَانَت أضعفَ مِنْهَا لأنَّها تقعُ وصلا فِي الشّعْر متحركةً وَلَيْسَ كَذَلِك حُرُوف العلّة
فَمن ذَلِك شَاة وَالْأَصْل شَوْهة بِسُكُون الواوِ وَهُوَ أقْيَس فحذفت الهاءُ وتحرَّكت الواوُ لتطرُّفها فَانْقَلَبت ألفا وقيلَ الواوُ متحركةٌ فِي الأصلِ فَانْقَلَبت لتِلْك الحركةِ ويدلُّ على أنَّ الأصلَ الهاءُ قَوْلهم تَشَوَّهْتُ شَاة أَي صِدْتُها وَقَالُوا فِي الْجمع شِيَاه وأمَّا قولُهم فِي الجمعِ شَاءَ فقيلَ قُلبت الواوُ ألفا والهاءُ همزَة مثل مَاء وَقيل هُوَ أصلُ آخر وَالْمعْنَى مُتَّحدٌ وَقد قَالُوا أشاويّ وَهُوَ أصلٌ ثالثٌ وَلَا واحدَ لَهُ من لَفظه
وَمن ذَلِك شَفَةٌ حذفت مِنْهَا الهاءُ يدلُّ على أنَّ أصلَها ذَلِك قَوْلهم فِي التصغير شُفَيْهَة وَفِي الْجمع شِفَاه وَفِي الْفِعْل شافهته مشافهة

(2/378)


وَمن ذَلِك فَمٌ وَالْأَصْل فُوْةٌ لِقَوْلِك فُوَيه وأفْوَاه ورجلٌ أفوهٌ ومفوّه وتفوهت فَحُذفت الْهَاء وأُبدِلَ من الْوَاو ميمٌ وَقد ذُكر فِي الْبَدَل
وَمن ذَلِك سَنَة وَفِي المحذوفِ قَولَانِ
أحدُهما الهاءُ لِقَوْلِك عامَلْتُه مُسَانَهة وَلَيْسَت بِسَهْناء
والثَّاني الْوَاو لقَولهم سَنَوات ومُسَاناة وابدلوا مِنْهَا التَّاء فَقَالُوا أسْنَتُوا فعلى هَذَا تُصغَّر على سُنَيْهة وسُنَيَّة
وَمن ذَلِك أستٌ وَالْأَصْل سَتَهةٌ لقَولهم سُتَيْهَة واسْتَاه وَرجل ستاهى عَظِيم الاست
وَمِنْهُم مَنْ يحذف التَّاء فَيَقُول سَهْ وَمِنْه الحَدِيث عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم العينان وِكاءُ السَّهْ

(2/379)


وَمن ذَلِك عِضّةٌ وَهِي وَاحِدَة العِضَاه من الشّجر والمحذوف مِنْهَا الهاءُ لقَولهم فِي الْجمع عِضَاه وعَضِهَتِ الإبلُ إِذا أكلتِ العِضَاه وبعيرٌ عِضَهيّ وعِضَاهي وَقيل المحذوفُ مِنْهَا الواوُ لقَولهم فِي الْجمع عَضَوات وَقد جَاءَ فِي الشّعْر وَمن هَذَا الأصلِ قولُه تَعَالَى {الذينَ جعلُوا القرآنَ عِضِين} أَي فرَّقوه كَمَا تُفَرَّقُ شُعَبُ الشَّجرة
فصل

فِي حذف الْبَاء

(2/380)


قَالُوا فِي رُبَّ رُبَ بالتخفيفِ كراهيةَ التَّضْعِيف وَقد قرئَ بِهِ
فصل

فِي حَذفِ النُّون
قَالُوا فِي إنّ الثقيلةِ المفتوحةِ والمكسورةِ إنْ وأنْ بِسُكُون النُّون وَقد ذَكَرْنا عملهما فِي بابهما
وَقَالُوا فِي مُنْذُ مُذْ وَقد ذكرنَا فِي بَابهَا

(2/381)


فصل

فِي حذْفِ الْحَاء
قَالُوا فِي الحرح حِرّ وَالْأَصْل حِرْحٌ لقَولهم حُرَيْحٌ وأحْراح وَقد جَاءَ فِي الشّعْر
فصل

وَقد حُذِفت الخَاءُ من بَخّ فَقَالُوا بَخْ بِسُكُون الْخَاء وَهِي كلمةٌ تقالُ عِنْد استعْظام الشَّيْء يُقال بخٍ بخ وبخ بخ

(2/382)


فصل

وَقد حُذِفت الفاءُ من سوفَ فَقَالُوا سَوَاْفعلُ حَكَاهَا ثَعْلَب وحذفوها من أفٍّ فَقَالُوا أُفْ بالإسكان وَهِي كلمةٌ تقالُ عِنْد التضجُّر بالشَّيْء وفيهَا تسعُ لُغَات أُفٍّ بِضَم الْفَاء وتشديدِها وحُرِّكت بالضمِّ إتباعاً وتفتحُ مَيْلاً إِلَى الخفّة فِي الْحَرْف المضاعف وتُكْسَر على اصل التقاء الساكنين وَإِذا كَانَت معرفَة لم تنوّن وكانَ التقديرُ أتضجَّرُ التضجُّرَ وإنْ كَانَت نكِرةً نوِّنت على اللغاتِ المذكورةِ ويُقال أُفّي على الإمالة ويقالُ تفُّ بِالتَّاءِ

(2/383)


بابُ أبنيةِ الأفعَال

الأفعالُ على ضَرْبين ثلاثية ورباعيّة فالثلاثيّةُ صحيحةٌ ومعتلّةٌ فالصحيحةُ على ثلاثةِ أمثلةٍ ضمُّ العينِ وفتحُها وكسرُها فأمَّا الْفَاء فَلَا تكونُ إِلَّا مَفْتُوحَة إلاَّ أنْ تُنْقلَ إِلَيْهَا حركةُ العينِ فتضمّ أَو تكسر فالضمُّ كَقَوْلِك فِي حَسُن حُسْنَ بضمِّ الْحَاء وَإِسْكَان السّين ويجوزُ فَتْحُ الحاءِ وإسكانُ السّين على التَّخْفِيف
والكسرةُ لعب وَشهد يجوز كسرُ الْفَاء وإسكانُ الْعين وكسرهُما على الإِتباع وفتحُ الأوّل وَإِسْكَان الثَّانِي وَهَذَا يكثُرُ فِي حُرُوف الحَلْق
وأمَّا فِعْل مَا لم يُسمّ فَاعله فقد ذكر فِي بَابه
وأمَّا الرباعيّةُ فلهَا مثالٌ واحدٌ وَهُوَ فَعْلَل وَقد ذُكِرَ فِي أوّل التصريف

(2/384)


فصل

وأمّاَ الثلاثيُّ المعتلُّ فعلى ثلاثةِ أضْرُبٍ معتلّ الْفَاء ومعتلَّ الْعين ومعتلّ اللَّام
الأوَّلُ نَحْو وَعَد ووَرَدَ ومستقبلُه يَعِد بِحَذْف الْوَاو وَقد ذَكَرْنا علّتَه وَمَا يَرِد عَلَيْهِ من الإشكالاتِ فِي بَاب الحَذْف
وَمن المكسور الْعين وَجِلَ يَوْجَل وَفِيه أربعُ لغاتٍ أجودُها إثباتُ الواوِ لعدمِ علَّة التَّغْيِير والثانيةُ إبْدالها ألفا إيثاراً للتَّخْفِيف لأنَّها لم تُخَفف بالحَذْفِ فَخُففت بالإبدال وَالثَّالِثَة إبدالها يَاء فَقَالُوا يَيْجَلُ إيثاراً للتَّجانُس وَالرَّابِعَة كَسْرُ ياءِ المضارعة مَعَ الْيَاء الثَّانِيَة إتباعاً
وأمَّا فَعَلَ يَفْعَلُ من هَذَا البابِ فَلَا يجيءُ مِنْ هَذَا أصْلاً وإنَّما تفتح عينه فِي

(2/385)


الْمُسْتَقْبل لأجل حَرْفِ الحلقِ وَيبقى حُكْم كسرِها وَهُوَ حذفُ الْوَاو نَحْو وَقَع يَقَعُ
فصل

وأمَّا المعتلُّ الْعين بِالْوَاو نَحْو عادَ يعودُ وجابَ الأرضَ يجوبُها فأصلُه فَعَلَ بفَتْح الْعين يفعُل بضمِّها وَلم يأتِ إِلَّا كَذَلِك وكانَ الأصلُ يَعْوُدُ بِسُكُون العينِ وضمِّ الْوَاو مثل قَتَل يَقْتُل فاسْتُثْقِلت الضمّةُ على الواوِ فَنُقِلت إِلَى مَا قبلهَا وَبقيت ساكِنةً وَمن أجلِ ذَلِك تقولُ فِي الْأَمر عُدْ وقُل لأنَّ مَا بعدَ حَرْفِ المُضارعة فقد تَحرَّكَ فاسْتُغْني عَن همزَة الوَصْل وَهَذَا إسكانُ متحركٍ وتحريكُ ساكنٍ وَهُوَ المسمَّى تغييراً فإنْ اتصلَ بِهَذَا الْفِعْل تاءُ الضَّمِير نَحْو قُلْتُ وعُدْتُ نقلتَه من فَعَل بِفَتْح الْعين إِلَى فَعُل بضمِّها فصارَ التَّقْدِير قَوُلتُ مثل ظَرُفْتُ ثمَّ نقلتَ ضمةَ الواوِ إِلَى القافِ فَسُكّنتِ الْوَاو وبعدَها سَاكن فَحُذِفت الْوَاو لالتقاء الساكنين وَبقيت الضمّةُ تدلّ عَلَيْهَا وإنَّما فعلوا ذَلِك تَوصُّلاً إِلَى حَذْف الْوَاو فإنْ قيلَ فَهَلا أقرّوها ألفا وحذفُوها مَعَ التَّاء لالتقاء الساكنين وَتركُوا القافَ بِحَالِهَا مَفْتُوحَة قيلَ لَو فعلوا ذَلِك لم يُفَرَّقْ بَين ذَوَاتِ الْيَاء وَالْوَاو والفَرْقُ بَينهمَا مطلوبٌ فإنْ قيلَ فَهَلا زعمتَ أنَّ أصلَ هَذَا الْفِعْل فَعُل بضمِّ الْعين وكنتَ تَسْتَغْنِي عَن كلفة التَّغْيِير

(2/386)


قيلَ لَا يصحُّ ذلكَ لأنَّ فَعُل لَا يجيءُ مُتَعَدِّيا وَهَذَا البابُ جنسُه يتعدَّى نَحْو عُدْتُ المريضَ وجُبْتُ الأرَض أَلا ترى أنَّ مَا كانَ مِنْهُ على فَعُل لَازِما نَحْو طالَ الشَّيءُ ضدّ قصُرَ حكمُه على مَا ذكرتُ مِنْ أنَّ ضمّةَ الْوَاو تُقْلَبُ إِلَى مَا قبلَها وحُذِفت وَلم يَقُل إنَّها غيَّرتْ من فَعَل إِلَى فَعُل وأمَّا طاله يَطُوله إِذا فَضُلَ عَلَيْهِ فِي الطُّول وَهُوَ الفَضْلُ فَمثل جابَ الأَرْض يجوبُها
فصل

وَقد جَاءَت من هَذَا البابِ لفظتان مخالفتانِ لَهُ وهما ماتَ ودامَ وَفِيهِمَا ثلاثٌ لُغَات

(2/387)


1 - الجيّدةُ ماتَ يَمُوتُ ودام يَدُوم كأخواتها فعلى هَذَا تَقول مُتُّ ودُمت - بِضَم الأول -
2 - واللغةُ الثَّانيةُ ماتَ يَمَاتُ ودَامَ يَدَام على فَعِل بكسرِ الْعين فِي الْمَاضِي وفتحِها فِي الْمُسْتَقْبل فعلى هَذَا تَقول مِتَّ تَمَاتُ ودِمتَ تَدَامُ مثل خِفْتَ تخافُ
3 - واللُّغة الثَّالثة مركَّبةٌ من اللُّغتين وَهِي مِتُّ ودِمْتُ بِكَسْر الْمِيم وَالدَّال أموتُ وأدومُ على اللُّغَة الأولى
فصل

وَقد جاءَ من الواوِ فعِل يفْعَل نَحْو خَاف يَخَاف فتحرَّكتِ الْوَاو فِي الْمَاضِي وَانْفَتح مَا قبلَها فَقُلبت ألفا فأمَّا المستقبلُ فَفِي عِلَّة الانقلاب وَجْهَان
أحدُهما أنَّ الواوَ تحرَّكت فِي الأصْلِ وَسُكُون مَا قبلهَا عارضٌ بسببِ حرفِ المضارِعَة فأُعلّت نَظراً إِلَى الأَصْل
والثَّاني أنَّ الواوَ نُقلت حركتُها إِلَى مَا قبلَها فسُكّنت وانفتَحَ مَا قبلَها فقلَبُوها ألفا حَمْلاً للمستقبلِ على الْمَاضِي فَإِذا رَدَدْتَه إِلَى نفسِك قلتَ خِفْتُ فَنَقَلْتَ كسرَة

(2/388)


الْوَاو إِلَى الْحَاء كَمَا فعلت فِي قُلْت وَتقول فِي الْأَمر خَفْ من غير همزةِ الوصلِ للعلّةِ المتقدِّمة
فصل

فإنْ كَانَت العينُ يَاء جاءَ على ضَرْبَيْنِ فَعَل يفعِل مثل ضَرَب يَضْرِبُ ك باعَ يَبِيعُ فتحركتِ الياءُ وانفتحَ مَا قبلَها فِي الْمَاضِي فقُلبت ألفا فأمَّا فِي الْمُسْتَقْبل فَنُقِلتْ كسرةُ الْيَاء إِلَى الْبَاء لِثقَل الكسرةِ عَلَيْهَا وَبقيت سَاكِنة فإنْ رَدَدْته إِلَى نفسِك نَقَلْتَه من فَعَل إِلَى فعِل توصُّلاً إِلَى حذف الْيَاء وإبقاء الكسرة دَلِيلا عَلَيْهَا كَمَا فعلت فِي قُلْتُ فَإِن أمرتَ قلتَ بِعْ بِغَيْر همزةٍ لما تقدَّم
والضَّرب الثَّانِي جَاءَ على فعِل يفْعَل مثل علم يعلم نَحْو هاب يهاب والألفُ أصلُها يَاء لِقَوْلِك تهيّبْتُ والهَيْبَة فَفُعِل فِيهَا مَا فُعل فِي خَافَ وَتقول هِبْتُ فتنقلُ كسرةَ الْيَاء إِلَى الهاءِ كَمَا ذكرنَا وتقولُ فِي الْأَمر هَبْ فتفْتَحُ الهاءَ كَمَا فُتحت الْخَاء فِي خَفْ لأنَّها مفتوحةٌ فِي يَخَافُ ويهاب وأمَّا كادَه يكيدُه من المكْر فَمثل باعَه يبيعُه وأمَّا كَاد يكَاد الَّتِي للمقاربة فَمثل هابَ يهابُ وَهِي من الْيَاء وَقد جَاءَ فيهمَا لغةٌ أُخْرَى كُدْتُ بضمِّ الكافِ أُكاد بضمِّ الْألف فالمستقبلُ على الأصلِ والماضي مغيَّرٌ من فعِل إِلَى فعُل كَمَا جَاءَ فضِل يفضُل على الشّذوذ وَهَذَا نقيض متّ أموتُ

(2/389)


فصل

فِي الْفِعْل المُضاعف
وَهِي تَجِيء على ثَلَاثَة أضْرُبٍ فَعَل يَفْعُل نَحْو ردّ يرُدّ وفَعِلَ يَفْعَل نَحْو عَضَّ يَعَضُّ وفَعَل يَفْعِل نَحْو فرَّ يفِرُّ والأصلُ فِي ذَلِك كلِّه حركةُ الحرفِ الثَّاني إلاَّ أنَّهم استَثْقَلوا الجمعَ بَين المِثْلين وَسبب ذَلِك أنَّه إِذا نُطِقَ بالحرف ثمَّ نُطِق بِمثلِهِ عادَ إِلَى الموضعِ الَّذِي رَفَع لسانَه عَنهُ من غيرِ فصْلٍ وَفِي ذَلِك كُلْفَةً وَقد شَبَّهوا ذَلِك بِمَشْي المقيَّد كَالَّذي يتحركُ للمشي وَلَا يُفارقُ مَوْضِعه فَعِنْدَ ذَلِك سُكِّن الحرفُ الأوَّلُ وَلم تُنْقَل حركتُه إِلَى مَا قَبْلَه فِي الْمَاضِي لأنَّ أوَّلَ الْمَاضِي مُتَحركٌ فَلم يَحْتَمِلْ حركةَ غَيْرِه

(2/390)


فأمَّا فِي الْمُسْتَقْبل فكلُّهم ينقلُ حركتَه إِلَى مَا قبلَه لأنَّ مَا بَعْدَ حرفِ المضارعة ساكنٌ يقبلُ الْحَرَكَة ثمَّ أدْغَموا الْعين فِي اللاّم فصارَ يردُّ ويعضُّ ويفِرُّ هَذَا إِذا كانَ الفعلُ معْرباً بالحركة فإنْ كانَ مَجْزُومًا أَو مبنيّاً على السّكُون نَحْو لم يَرُدَّ وردَّ فَفِيهِ مذهبان
أَحدهمَا الإدغامُ استثقالاً للنّطق بالمِثْلَيْن إلاَّ أنَّ المثلين إِذا كانَ مضمومَ الأوَّل جازَ تحريكُ الطَّرَف بالضمِّ إتْباعاً وبالفتحِ إيثاراً للأخفِّ وبالكسرِ على أصْلِ التقاء السَّاكنين وَلَا بدَّ من التحريك لئلاّ يُجْمَعَ بَين ساكنين والأجودُ فِي المجْزومِ أنْ لَا يُحرَّكَ بالضمِّ لِئَلَّا يشبه الرّفْع وإنْ كانَ أوَّلُه مَفْتُوحًا أَو مكسوراً نَحْو عَضَّ وفَرَّ جازَ فِيهِ الكسرُ على الأصلِ والاتباعُ والفتحُ تَخْفيفاً أَو إتباعاً وإنَّما سُكِّنَ الأوَّلُ ليصحَّ إغامُه لأنَّ المتحركَ قويٌّ بحركته فَلَا يصحُّ رفعُ اللِّسانِ عَن الحَرْفين رفْعَة وَاحِدَة مَعَ تحرّكِ الأوّل لأنَّها تصيرُ كالحاجزِ بَينهمَا وَلَا يصحّ الْإِدْغَام فَإِن

(2/391)


بُني الْمَاضِي لِمَا لَمْ يُسَمَّ فاعلُه فالوجهُ ضمٌّ أوَّله على الأصلِ وَيجوز كَسره بِأَن ينقُلَ حَرَكَة المدغم إِلَيْهِ
وأمَّا قالَ وباعَ فالجيّدُ كَسْرُ الأوّل وقلبُ الْوَاو يَاء ويجوزُ أنْ يُشَمَّ الضمّ وَأَن يُضَمَّ ضمّاً خَالِصا فَتَصِير العينُ واواً بكلِّ حَال
فَإِن جعلت هَذَا الفعلَ لِمَا لَمْ يُسمَّ فاعِلُه واتَّصلت تاءُ الفاعِل كانَ لفظُه كَلَفْظِ مَا سُمّي فَاعله كَقَوْلِك بعتَ يَا عَبْدُ وخِفْتَ يَا سُلْطَان بِمَعْنى باعِك غيرُك وخافَك سواك والإشمامُ جائزٌ
ومِنْ مَسائلِ المعتلّ الْعين صِيدَ البَعيرُ وعَوِرَتْ عَيْنُه وَقد ذَكرنا أنَّه صحَّ لأنَّه فِي معنى مَا يَلْزمُ تَصحيحهُ
وَمِنْهَا سٌوط الألفِ والواوِ وَالْيَاء فِي الأمرِ نَحْو خَفْ وقُمْ وبِعْ لالتقاء الساكنين فإنْ حرِّكت الطَّرَف حَرَكَة لازِمةً ردَدْتَ الْمَحْذُوف نَحْو بِيعَتْ وخِيفت

(2/392)


وَإِن كَانَت الحركةُ عارضةً لم تَرْدُدْهُ لأنَّه غيرُ لازمٍ نَحْو خَفِ الله وقُمِ الليلَ وسِرِ اليومَ
وَمِنْهَا انقلابُ الواوِ وَالْيَاء ألفا فِي المضارعِ نَحْو يَخاف ويَهاب والأصلُ يَخْوَف ويَهْيَبُ فنُقِلت حركةُ العينِ إِلَى الْفَاء وأُبْدِلت الواوُ وَالْيَاء ألفا فإنْ قيلَ ولِمَ كَانَ كَذَلِك وهُما ساكنان فَفِيهِ وَجْهَان
أَحدهمَا أنَّ سكونَ الفاءِ هُنا عارِضٌ لحرفِ المضارعة فَلم يُعتدَّ بِهِ وكأنَّها تحرَّكت وَانْفَتح مَا قبلَها وَهِي معنى قَوْلهم قُلبت لتحرِّكها الْآن وتحرّكِ مَا قبلهَا فِي الأصلِ
والثَّاني أنَّ الواوَ والياءَ هُنَا يَثْقُلُ النطقُ بهما وإنْ سُكِّنا فأُبدلا ألفا لأنَّه أخفُّ مِنْهُمَا وَمثله أَقَامَ واستبانَ وَأما يُقيم فَنُقِلَتْ فِيهِ كسرةُ الواوِ إِلَى القافِ وابدلتْ يَاء لِسُكونها وانكسارِ مَا قبلهَا وَكَذَلِكَ مُقيم
وَأما لَيْسَ فَلَا تكونُ فِي الأصْل مضمومةَ العَين لأنَّ ذواتِ الياءِ لَا يجيءُ فِيهَا ذلكَ وَلَا مَفْتُوحَة إذْ لَو كَانَت كَذَلِك لأُبْدِلت ألفا أَو لَمَا سُكِّنت فيلزمُ أنْ تكونَ فِي

(2/393)


الأصلِ مكسورةُ سُكِّنت للتَّخْفِيف وَقد ذكرنَا علّة جمودِها فِي بَابهَا
وَمن مسَائِل المعتلّ اللاّم أنَّ فَعَل من ذَواتِ الْوَاو لم يأتِ مستقبلُه إلاّ يَفْعُل بضمِّ الْعين نَحْو غَزَا يَغْزُو وعَلا يَعْلُو
وأمّاَ فَعِل فعلى يَفْعَلُ نَحْو رَضِيَ يَرْضَى الأصلُ رضِوَ لأنَّه من الرِّضْوان فأُبدلت الواوُ يَاء لانكسار مَا قبلهَا
وأمَّا فَعُلَ مثل ظَرُف فتصيرُ الياءُ فِيهِ واواً نَحْو قَضُوَ الرجلُ ورَضُو الثوبُ لِئَلَّا تقعَ الياءُ بعد ضمَّةٍ فَلَو سكّنت العينُ لم يُرْدَدِ الأصلُ بل تقولُ قَضْو الرجُلُ ورَضْيَ زَيدُ بِسُكُون الضَّاد لأنَّ السّكُون فِي الضَّاد عَارض

(2/394)


وفيهَا أنَّك إِذا بَنَيْتَ من ذواتِ الْوَاو أفْعَل نَحْو غزا قلبتَها فِي الْمُضَارع يَاء فَقلت يُغْزِي لوقوعِها بعد كسرةٍ وَكَذَلِكَ اسْتُغْزِي فأمَّا إبْدالُها فِي تَغَازَيْت مَعَ انفتاحِ مَا قبلهَا فمحمولٌ على أُغزي لِئَلَّا يخْتَلف الْبَاب

(2/395)


بَاب يجمع مسَائِل تنعطف على الْأُصُول المتقدِّمة

مَسْأَلَة

قد يتَّفق لفظُ اسْم الْفَاعِل وَالْمَفْعُول ويختلفان فِي التَّقْدِير نَحْو مُخْتَار ومجتاز وَهُوَ مُحْتَمل لَهما وَسبب ذَلِك أَن عين الْكَلِمَة يَاء متحرك مَا قبلهَا فَإِن كَانَ للْفَاعِل فَهِيَ مَكْسُورَة فتقديره مخْتَيِر مثل مختَرِع وَإِن كَانَ للْمَفْعُول فتقديره مخْتَيَر مثل مُخْتَرع وعَلى كلا التَّقْدِيرَيْنِ تنْقَلب الْيَاء ألفا وَلَفْظهمَا واحدٌ وَلَكِن تقدّر على الْألف كسرةٌ للْفَاعِل وفتحةٌ للْمَفْعُول وَكَذَلِكَ مُحمّر إِن جعلته للْفَاعِل كَانَت الرَّاء الأولى مَكْسُورَة وَإِن جعلته للْمَفْعُول كَانَت مَفْتُوحَة فتسكّن الراءُ الأولى وتُدغَم فِي الثَّانِيَة وَيكون اللفظُ وَاحِدًا وَالتَّقْدِير مُخْتَلفا وَكَذَلِكَ مقشعرّ
مَسْأَلَة

الأَصْل فِي مَقَام ومَعَاش مقْوَم ومَعْيَش فتحرَّكت الواوُ وَانْفَتح مَا قبلَها فِي

(2/396)


الأصلِ فقُلِبت ألفا وَقد ذكرنَا تتمَّةَ هَذَا التَّعْلِيل فِي يُقال ويُباع
مَسْأَلَة

الأصلُ فِي مَعيشَة مَعْيشَة بِكَسْر الْيَاء على قَول سِيبَوَيْهٍ وَقد أَجَازُوا أَن يكونَ أصلُها الضمّ فعلى تقديرِ الكَسْر قد نُقِلت كسرةُ الْيَاء إِلَى العينِ إيثاراً للتَّخفيفِ وأمَّا على تقديرِ الضمِّ فإنْ حركةَ الْيَاء نُقِلت إِلَى الْعين وأُبْدِلت مِنْ ضمةِ العينِ كسرةً فَانْقَلَبت الواوُ يَاء لمجاورتها الطَّرَفَ وأنَّ التَّاء غيرُ معتدٍّ بهَا فصارتْ مثل أدلٍ وأحْقٍ وَقَالَ الْأَخْفَش لَو كانَ الأصلُ الضمَّ لبقيت الواوُ مثل مَعُونة ومَصُوفَة وَإِن كانَ هَذَا الاسمُ جمعا مثل مَعَايش جمع مَعِيشة فَالْحكم كَذَلِك
وَقَالَ الأخفشُ يجوزُ فِي الجمعِ أَن يكونَ الأصلُ الضمَّ فحوِّل إِلَى الْكسر وَالْيَاء لِثقل الْجمع ومثلُ ذَلِك مَحِيص فِي أنَّ الأَصْل مَحْيِص بِالْكَسْرِ مثل مَنْزِل وأمَّا بيض فأصلُها بُوض مثل سُود وحُمْر إلاَّ أنَّ الياءَ فِي الْقيَاس نُقِلت واواً لِسُكونها وانْضِمام مَا قبلهَا ولكنّهم خالفوا القياسَ فكسروا ليحصَل الفرقُ بَين بيضٍ جمع أبْيَض وبيضاء وبينَ قَوْلهم دَجَاجٌ بُيُضٌ جَمْعُ بَيُوض إِذا سكّنوا الْيَاء قلبوها واواً

(2/397)


مَسْأَلَة

إِذا وقعتِ الواوُ رَابِعَة قُلبتْ يَاء ثمَّ قُلبتْ الياءُ ألِفاً لتحرُّكها وانفتاحِ مَا قبلَها وأصلُ ذَلِك أنْ الفعلَ المعتلَّ اللَّام إِذا كَانَت لامُه واواً وانكسرَ مَا قبلَها قُلبت يَاء للكسرة قبلهَا ثمَّ يُحملُ البابُ كلُّه على ذَلِك نَحْو أغْزَى يُغْزِي وادَّعى تدَّعي والمصدر مَغْزَىً ومَدْعَىً فالألف منقلبةٌ عَن ياءٍ مُنْقلبةٍ عَن وَاو وتقولُ فِي تَراجى وتَغَازَى أصلُ الألفِ ياءٌ مُبْدَلَةٌ من واوٍ وإنْ لم يكَسِر مَا قبل الطَّرف لأنَّ الأَصْل رَجَّى يُرجّي ثمَّ دخلت الزيادةُ عَلَيْهِ بعد استمرارِ الْإِبْدَال وَكَذَلِكَ تغازى وتعاطى

(2/398)


مَسْأَلَة

قد ذكرنَا حكْمَ الفعلِ المشدّد نَحْو مَدَّ وشدَّ ورَدَّ وعَلى قياسِه يجبُ أَن يكونَ استردَّ واقشعرَّ لأنَّ الأصلَ اسْتردَد واقشعْرَر فَنُقِلت حركةُ الْمثل الأوّلِ إِلَى السّاكن وأدغم فِي الَّذِي بعده فَإِن وجبَ تسكينُ الثَّانِي انفكَّ الإدغامُ وعادت حركةُ الأوَّل إِلَيْهِ نَحْو استرْدَدْتُ واقْشَعْرَرْتُ فإنْ كانَ المثلان للإلحاق لم يُدْغَم لِئَلَّا يَبْطُل حكم الْإِلْحَاق وَذَلِكَ نَحْو قَرْدَد وَهُوَ مُلْحَق بِجَعْفَر فَلَو أدغمتَ لسكّنتَ الأوَّلَ وبطلتْ مماثلةً هَذَا الْبناء لجَعْفَر وَكَذَلِكَ اسْحَنْلَك واقَعْنسَسَ هُوَ مُلْحق باحْرَنْجَم
مَسْأَلَة

قد تنقل الحركةُ إِلَى مَا بعدَها لضرب من التَّخْفِيف أَو المجانسةِ فَمن ذَلِك قَوْله تَعَالَى {ويَخش الله ويتقه} تقْرَأ بِكَسْر الْقَاف وَإِسْكَان الْهَاء وَالْأَصْل كسر

(2/399)


الْهَاء لأنَّها هاءُ الضَّمِير إلاّ أنَّهم سكَّنوا القافَ والهاءَ أمَّا الهاءُ فوقَفُوا عَلَيْهَا فسكّنت وأمَّا القافُ فخفَّفوها كَمَا سكَّنوا التاءَ فِي كَتِف وشَبَّهوا المُنْفَصِلَ بالمتَّصل فالتَّاءُ والقافُ وَالْهَاء مثل كَتِف فلَمَّا اجتَمَعَ ساكنان حرَّكوا القافَ بِالْكَسْرِ وَقد جَاءَ فِي الشّعر والنثر فمنَ الشّعر قولُ الراجز
(قَالَت سُلَيْمى اشْتَرْ لَنَا سَوِيقاً)
بِسُكُون الرَّاء كأنّه كَانَ تَرِل مثل كَتِف ففُعل مَا ذكرنَا وَقيل نَوى الْوَقْف على اشتَرْ ثمَّ جَعَلَه فِي الوصلِ كَذَلِك وَقَالَ آخر من // الطَّوِيل //
(أَلا رُبَّ مَوْلودٍ وَليسَ لَهُ أبٌ وذِي وَلَد لم يَلْدَاهُ أَبَوان)

(2/400)


وإنْ كَانَ الاسمُ على أَكثر من أربعةِ أحرفٍ لزم الحذفُ نَحْو كَيْنُونة ودَيْمُومة من كانَ ودامَ وَذَلِكَ لطولِ الِاسْم وَقد جَاءَ تَاما فِي الشّعْر قَالَ الراجز
(يَا لَيْت أنّا ضَمَّنا سَفِنهْ ... حَتَّى يَعُودَ الوَصْلُ كَيْنُونَة) .
والأصلُ سكونُ الدّالِ للجزم إلاَّ أنَّه حَذَف حَرَكَة اللاّم فسكنت فانفتحت الدَّال لالتقاء الساكنين فَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى {وأرْنا مَنَاسِكَنا} على قِرَاءَة من سكَّن الرَّاء وَمن النثرِ قولُهم مُنْتَفْخٌ ومنْتَصْبٌ بِسُكُون الْفَاء وَالصَّاد
مَسْأَلَة

إِذا اجتمعتِ الواوُ وسكِّنتِ الأولى قُلبت الواوُ يَاء وأدغمت فِي الْيَاء

(2/401)


الْأُخْرَى وَقد ذكرنَا عِلّة ذَلِك فِي الْبَدَل إلاّ أنَّ الاسمَ إِذا كانَ على أربعةِ أحرف نَحْو سَيِّد ومَيِّت جازَ فِيهِ التَّشديدُ وَهُوَ الأصلُ والتَّخفيفُ بحذفِ الْيَاء المنقلبةِ عَن الْوَاو لأنَّها قد غُيِّرت أَولا بالإبدال فَكَانَت أوْلى بالحذفِ لأنَّ التَّغْيِير يُؤنس بالتغيير

(2/402)


وَهَذَا يكْثُر فِيما عَيْنُه واوٌ لِثِقَلها وَقد جاءَ مِنْهُ شيءٌ فِي الْيَاء فأمَّا رَيْحَان فَفِيهِ وَجْهَان
أَحدهمَا أصلُه رَوْحان فقُلبت الواوُ الساكنةُ يَاء تَخْفِيفًا لانفتاحِ مَا قبلهَا وشبهوها بالمتحركة فِي الْقلب كَمَا فَعَلوا ذَلِك فِي آيةٍ وطائيّ
والثَّاني أصلُه رَيِّحان فَيْعَلان من الرَّوْح ففُعِل فِيهِ مَا ذكرنَا وأمَّا شَيْبَان فَفِيهِ الْوَجْهَانِ
وَقد جَاءَت الواوُ وَالْيَاء غير مغيّرة قَالُوا ضَيْون فِي السَّنَّوْر فتركوا القياسَ فِيهِ تَنْبِيها على الأَصْل ولقلّة استعمالِهم إيَّاه وَقَالُوا فِي الْأَعْلَام حَيْوَة

(2/403)


والقياسُ حيّة والأعلامُ يكْثُر فِيهَا التغييرُ على مَا بُيّن فِي مَوْضِعه من النّداء والحكايةِ وَغَيرهمَا
مَسْأَلَة

إِذا وَقعت الواوُ ثَانِيَة بَين ألفٍ وكسرةٍ فِي جمع أَو مصدَرٍ قلبتْ يَاء فالجمعُ مثل حَوْض وحِيَاض وقدذكَرْنا علّتَه فِي البَدَل وأمَّا المصدرُ فأُبْدِلت مِنْهُ الواوُ مثل حِيال لأنَّه قد أعلَّ فِي الْفِعْل نَحْو حَالَ فَسَرى الإعْلالُ إِلَى المصدرِ فإنْ تحرّكتِ الواوُ فِي الْوَاحِد نَحْو طَوِيل لم تُقْلَب فِي الْجمع لقوّتِها بحركتها فِي الأَصْل وَقد جَاءَ إبدالُها فِي الشِّعر فَقَالُوا طِيال
مَسْأَلَة

إِذا وَقعت ألفُ التكسير بينَ وَاوين وجاورت الواوُ الطرفَ أُبْدِلت همزَة كَقَوْلِك فِي جمع أوّل أَوَائِل وَفِي ذَلِك وَجْهان
أَحدهمَا أنَّه لَمَّا اجْتمعت ثلاثةُ أحْرُفٍ معتلّةٍ غيَّروا أحدَها فِراراً من الثِّقل واجتماعِ

(2/404)


ذزاتِ العِلل فَكَانَت الأخيرةُ أوْلى بالتغيير لقربها من الطَّرف ووقوعِ الثِّقل بهَا لتكررها
والثَّاني أنَّ الواوَ لوْ وَقَعَتْ طَرَفاً لغُّيّرت فَكَذَلِك إِذا جاورته لأنَّ الجارَ يُحكَم عَلَيْهِ بِحكم المجاور فإنْ اضطرّ شاعرٌ إِلَى زِيَادَة ياءٍ بعد هَذِه الهمزةِ أقرّها لأنَّ الزِّيادةَ عارِضةٌ فحكمُ المجاورةِ باقٍ

(2/405)


وإنْ كَانَت الياءُ بعد الواوِ الثانيةِ غيرَ زائدةٍ لم تُهْمَز الواوُ لبُعْدها من الطَّرَف نَحْو طَوَاويس فإنْ حَذَفْتَ هَذِه الياءَ لضرورةِ الشِّعر لم تُهْمَزِ الواوَ لأنَّ الحذْفَ عارضٌ فَحُكْمُ البُعْدِ عَن الطَّرَفِ باقٍ
وَاخْتلفُوا فِيمَا اذا وَقعت ألفُ التكسير بَين ياءين أَو ياءٍ وواوٍ نَحْو عيلة وعيائِل وسيّقة وسيائِق فمذهب سيوبية همزُ الْأَخير كَمَا ذكرنَا فِي الْوَاو وَقَالَ الْأَخْفَش لَا تهمز هُنَا لأنَّ الياءَ أخفُّ من الهمزةِ وَمَعَهَا من جِنْسِها والياءُ لم تُبْدَل همزَة بخلافِ الْوَاو فإنَّها قد أُبْدِلت فِي وُجوه وصَحْرَاوات وحُجَّةُ سِيبَوَيْهٍ السَّماعُ والقياسُ فالسَّماعُ مَا رَوَاهُ المازِني أنَّه سَأَلَ الْأَصْمَعِي عَن جمع عُيّل فجمعَ وهمزَ والظَّاهر أنَّه سَمِعَه وأمَّا القياسُ فإنَّ العلّةَ الَّتِي أوجبتِ الهمزَ فِي الواوين موجودةٌ هَهُنَا
مَسْأَلَة

إِذا جمعتَ صحيفَة ورسالةً وعَجُوزاً على صَحائف ورَسائِل وعَجَائِز همزتَ حرف المدَّ لأنَّه جاورَ الطَّرفَ وَقَبله ألفٌ والإعلال لازِمٌ فَكَأَن همزَها جعلَها حرفا صَحِيحا وَكَانَ ذَلِك تَغْييراً لحرفِ العلّةِ وأشْبَه فِي ذَلِك العينَ فِي قَائِل وبائع

(2/406)


مَسْأَلَة

نقولْ فِي جمع خَطيئة خَطَايا وَفِي كيفيّة التَّغْيِير أَقْوَال

(2/407)


أَحدهَا أنَّك ليَّنْتَ همزةَ خَطيئة فَبَقيَ مثل عَطِيَّة فلَمَّا جمعتَ زِدْتَ الفَ التكسير وهمزتَ الياءَ الأولى وَوَقعت الياءُ بعْدهَا فصارَ اللفظُ خطاْأي مثل عذراء وعذاري ثمَّ أبدلْتَ من الكسرةِ فَتْحة فانقلبتِ الياءُ ألِفاً ثمَّ أُبْدِلت الهمزةُ يَاء وإنَّما فعلوا ذَلِك فِراراً من وُقوعِ الْهمزَة بينَ أَلفَيْنِ لأنَّ ذَلِك يُصيِّرها فِي تَقْدِير ثَلَاث الفات أَو ثَلَاث هَمْزات وَذَلِكَ مَهْرُوبٌ مِنْهُ وَكَانَت الياءُ أوْلَى مِنَ الواوِ لأنَّها أخفُّ مِنْهَا أوْ لأنَّ أصلَها الكسرُ وَهُوَ أشْبَه بِالْيَاءِ
وقالَ الخليلُ تُجْمَعُ خَطيئة على خَطَاأِئى أَي بهمزتين مثل سفائن فالهمزةُ الأولى مُبْدَلةٌ من الْيَاء الزَّائِدَة وَالثَّانيَِة لَام الْكَلِمَة ثمَّ قُدِّمت لامُ الكلمةِ على الهَمْزةِ الزَّائِدَة لتعودَ إِلَى اصلها وَهِي الْيَاء ثمَّ أُبْدِلَ من الفتحة كسرةً وَمن الْيَاء الْفَا لتحركها وانفتاحِ مَا قبلهَا وَمن الهمزةِ يَاء لِمَا تقدَّم ووزنه فَعَالى وَفِيه نَقْلٌ وإبْدالُ الْهمزَة المنقولَة يَاء وفتحُ المكسور وقلبُ الياءِ المتطرِّفةِ ألفا وقلبُ الهمزةِ يَاء وقالَ سِيبَوَيْهٍ كَذَلِك إِلَّا أنَّه لم يقدّم شَيْئا على شَيْء

(2/408)


مَسْأَلَة

نقُول فِي عطيّة ومَطِيّة عَطَايا ومطايا وَقد أَشَرنَا إِلَى كَيْفيَّة تَغْيِيره وعلّة ذَلِك
مَسْأَلَة

تقولُ فِي جمع شَاوية ورَاوية شَوَايا وروايا وكيفيّةُ ذَلِك أنَّك جمعتَه على مِثَال فَعَائِل مثل قَائِمة وقَوائم فابْدَلتَ من الألفِ واواً وزِدْتَ بعدَها ألفَ التَّكسير وقلبت الْوَاو الَّتِي هِيَ عينٌ همزَة كَمَا فعلتَ فِي عَين قَائِمَة فَوَقَعت اللامُ وَهِي ياءٌ هُنَا بعد الْهمزَة فَصَارَ شَوَاأِي ثمَّ أبْدلتَ الكسرةَ فَتْحة ثمَّ أتممتَ العملَ كَمَا ذكَرْنا فِي خَطِيئَة فَصَارَت شَوَايا على فَوَاعِل وهُنَا اتّفقَ الخليلُ وسِيبويه لأنّ اللامَ لَا زائدَ قَبْلَها
مَسْأَلَة

تَقول فِي معيشة معايش بِغَيْر همز ووزنه مفاعل وَإِنَّمَا لم يهمزوا لِأَن

(2/409)


الياءَ أصلٌ وإنّما يُهْمَزُ الزّائدُ للفَرْق وَقد هَمَزَها بعضُ القُرّاء شبَّهها بالزائدةِ وَقد خَطَّؤُوه
مَسْأَلَة

فأمّا مَدِينَة فإنْ أخذتَها من دَان يَدين إذَا أطاعَ فَكأنَّ أهلَ المدينةِ أطاعوا رئيسَها فههنا لَا تُهْمَزُ لأنّها مثلُ مَعِيشة وإنْ أخذتَها من مَدَن بالمكانِ إِذا أقامَ هَمَزْتَ لأنّ ياءها زائدةٌ وَمثلهَا مَعِين إنْ أخذتَه من عايَنْتُ الشيءَ لم تَهْمِزْ بل تَقول مَعَاين وإنْ أخذتَه من مَعَن إذَا أقامَ هَمَزْتَه لِمَا تَقدّم

(2/410)


مَسْأَلَة

الياءُ فِي مُصيبة عينٌ مُبْدَلةٌ من واوٍ لأنَّه من صاب يَصُوب فجمعُها يجبُ أَن يكونَ على مَصَاوِب بغيرِ هَمْزٍ مثل مَقَام ومقاوِم إلاَّ أنَّ العربَ همزَتها على خِلافِ القِياس وَهَذَا خلافُ تَرْكهم الهمزَ فِي بَرِيَّة وخَابية والنَّبيّ فإنَّ الأصلَ فِي ذَلِك كلَّه الهمزُ وَقد تَركوه فكذلكَ هَمَزَوا فِي مَصَائِب مَا لَيْسَ أصلُه الهمزُ
مَسْأَلَة

إِذا اعتلّت عينُ فِعْل نَحْو قَالَ وبَاعَ وخَافَ ثمَّ بَنَيْتَ مِنْهُ اسمَ فاعلٍ زِدْتَ عَلَيْهِ ألفا

(2/411)


لتفرّقَ بَين الاسمِ وَالْفِعْل فَتَقَع الْألف المبْدَلة بعدَها وهما ساكنتان وحذْفُ إِحْدَاهمَا يُخلّ بِمَعْنى وتحريكُ الاولى يخرجُها عَن المدِّ ولأنَّه لَا حظَّ لَهَا فِي الْحَرَكَة فحرّكتَ الثانيةَ لأنَّها تَسْتَحِقُّ الحَرَكةَ فِي الأَصْل وكُسِرتْ على اصلِ التقاء السَّاكنين وَإِذا حُرِّكتِ الألفِ انقلبت هَمْزَةً لِمَا ذكرنَا فِي غير مَوْضع فصارَ اللفظُ بِهِ بَائِعا وقَائلاً وخَائِفاً ويجوزُ تليينُ هَذِه الهمزةِ لتحرّكها وَلَا يجوزُ أَن تُجْعَل يَاء خَالِصَة وَلَا واواً لأنَّ ذَلِك من حُكْمِ الْحُرُوف الَّتِي لَمْ تُعَلّ نَحْو قَوْلك فِي صِيدَ البعيرُ وعَوِرَت عينُه لأنَّها صَحَّت فِي الْمَاضِي فتَصِحُّ فِي اسْم الْفَاعِل
مَسْأَلَة

إِذا أُدْغِمت الواوُ والياءُ فِيمَا بَعْدَهما وَلم تكُنْ مجاورةً للطَّرف تحصّنت من القلْبِ نَحْو اخروَّطَ اخرِوَّطاً واجلَوّذَ اجلوَّذاً وَكَذَلِكَ فلانٌ من صُيَّابَة قومِه أَي مِنْ خِيارهم وَلَو بَنَيْتَ من صَادَ يصيدُ فُعّالاً لَقلت صُيّادُ وَلم تغيّر لأنّها تحصّنت لدخولها فِي حِمى حرفٍ متحرِّكٍ ممتنعٍ عَن التَّغْيير وقَدْ أُبْدِل فِي بعضِ الْمَوَاضِع نَحْو دِيوان وَقد ذَكَرْناه فِي البَدَل فَإِن جاورَ الطَّرفَ فقد جاءَ فِيهِ الوَجْهانِ قَالُوا صُيِّم وقُيِّم وصُوِّم وقُوِّم والإبْدّال أقوى لمجاورةِ الطَّرف وَهُوَ محلّ التَّغْيِير والتصحيح

(2/412)


على الأصلِ فقد قَالُوا فِيمَا بَعُدَ عَن الطَّرف نُيَّام والجيّدُ نوّام وطريقُ القلْب أنّهم أبدلوا الْوَاو الثانيةَ يَاء لقُرْبها من الطَّرف ولأنَّها قد أُبْدِلت فِي الْفِعْل نَحْو صَام فاجتمعت الياءُ وَالْوَاو وسَبَقت الأولى بِالسُّكُونِ فأُبدلت يَاء لِمَا ذكرنَا فِي مَوْضِعه وَهَذَا البدلُ إنَّما يَجيءُ فِي الجمْعِ لِثِقَله وليسَ كَذَلِك الواحدُ نَحْو اخروّاط
مَسْأَلَة

إِذا كَانَت عَيْنُ الكلمةِ ولامُها وَاوين نَحْو جَوِيَ وَدَوِي وَالْأَصْل جَوِوَ ودَوِوَ لأنَّه من الجوِّ والدوِّ قُلبت الثانيةُ يَاء لِئَلَّا يجتمعَ المِثْلان وَلم تُدْغَم لِثِقَل الْوَاو والتَّضْعيف وَلم تُقلبِ الياءُ ألفا لأنَّ مَا قبلَها مكسورٌ فصارَ هَذَا الحكمِ مثلَ شَقِيَ ورَضِيَ وهما من الوَاو لقولِكَ فِي الْمصدر الشقوة والرِّضْوان وتقولُ فِي التَّثْنية جَوِيا وَفِي الْجمع جَوُوا فَتَحْذِفُ اللامَ هُنَا لأنَّ أصلَه جَوِيوا فاسْتُثْقِلت الضمّةُ على الْيَاء فسكّنت وَبعدهَا واوُ الجمعِ سَاكِنة فَحُذِفت الياءُ لالتقاءِ السكاكين وبقيتِ الواوُ لتدلّ على الجَمْع ثمَّ ضمّت الواوُ الَّتِي هِيَ عَيْنٌ تَبَعاً لواوِ الضَّمِير ولأنَّها حُرِّكت بحركةِ الْيَاء المحْذُوفةِ ونَطيرُها من الصَّحيح العينِ عَمُوا ونَسُوا ورَضُوا

(2/413)


مَسْأَلَة

فإنْ كانتِ العينُ واللاّم ياءين نَحْو حَيِيْ وعَيِيْ فَفِيهِ وَجْهَان التَّصحيحَ

(2/414)


الأصلُ والإدغام نَحْو حَيّ وعَيّ فِراراً من اجتماعِ الأمثالِ وطريقُه أنَّه سُكّن الأوَّلُ ليصحَّ إدْغامُه وحُمِلَ على الصَّحيح نَحْو ضَنَّ بالشَّيْء وأصلُه ضَنِنَ مثل بَخِل فعلى هَذَا إنْ لحقتَه ألفُ التَّثنيةِ أَو واوُ الْجمع قلتَ على الْوَجْه الأوّل حَيِيا فجمعتَ بَينهمَا لأنَّه موضعٌ يجبُ فِيهِ تحريكُ الحرْفين وَمَعَ الْوَاو حَيُّوا وعَيُّوا فتحذِفُ الثانيةَ لِثِقَل الضمَّةِ عَلَيْهَا كَمَا ذكرنَا فِي جووا وعَلى اللُّغَة الثانيةِ وَهُوَ الْإِدْغَام حَيَّا وعَيَّا وحيُّوا وعَيُّوا بالتَّشديد فيهمَا مثل شَدّا وشَدُّوا فإنْ بَنَيْتَ هَذَا الفعلَ لِمَا لَمْ يُسمَّ فاعلُه انبنى ذَلِك على اللُّغَات الثَّلَاث فِي قيل فَتَقول على اللُّغَة الْمَشْهُورَة حِيّ وعِيّ فتنقل كسرة الْيَاء الأولى إِلَى الْحَرْف الأوَّل وتُدغم وإنْ أَشرت هُنَاكَ أَشرت هَهُنَا وإنْ جعلَته مثل قُوْل قلتَ حُيَّ وعُيَّ فالأوَّل مضموم والياءُ الأولى سُكِّنت وأُدْغمت فِي الثَّانِيَة فإنْ عُدّي هَذَا الفعلُ بالهمزةِ وَهُوَ لِمَا لَمْ يُسمَّ فَاعلُه قلتَ على لُغَة التَّصْحِيح أُحْيِيَ وأُعْيِيَ وَفِي الْجمع أُحيّوا وأُعَيّوا فحذفت الياءُ الثانيةُ لِمَا تقدَّم وعَلى لغةِ مَن أدغم أحِيّ مثل أُقِرّ وَمَعَ وَاو الْجمع أُحِيّوا مثل أُقِرّوا فإنْ سمّيتَ الفاعلَ قلت أحيى فأبدلتِ الياءُ الثانيةُ ألفا لتحركها وانفتاحَِ الْيَاء الأولى وتقولُ مَعَ واوِ الْجمع أحْيَوا فتحذفُ الألفَ لسكونِها وسكونِ واوِ الجمعِ وتَبقى فتحةُ الْيَاء تدلُّ عَلَيْهَا
ومثلُ ذَلِك استَحْيَى وتَحيّى وَتقول فِي مستقبله يَسْتَحيي بياءين من غَيْرِ حذفٍ وَلَا إدْغام أمَّا الْحَذف فَلَا حاجةَ إِلَيْهِ لأنَّ الياءَ الثَّانِيَة سَاكِنة مثل يَاء

(2/415)


يَرْمِي وأمَّا الاولى فَقَبْلها ساكنٌ فَلم تَثْقُل وأمَّا الإدغامُ فممتنعٌ أَيْضا لأنَّه لَو أدغمتَ لضممت فكنتَ تَقول تَسْتَحِيّ مثل تَسْتَعِدّ وَهَذَا مُسْتَثْقَلٌ جدّاً فتحرّزوا مِنْهُ بفكِّ الْإِدْغَام وَقد قَالَ بعضُهم استحيت مِنْك بياءٍ واحدةٍ ساكنةٍ وَفتح الْحَاء وَهُوَ ضَعِيف وَوَجهه من طَرِيقين
أَحدهمَا أنَّه نَقَلَ فتحةَ الياءِ الأولى إِلَى الْحَاء فانفتحت الحاءُ وسُكِّنت الْيَاء وقَلْبَها ألفا وَبعدهَا ياءٌ ساكنةٌ فَحُذفتِ الألفُ لالتقاءِ السَّاكنين وَمِنْهُم مَنْ قَالَ اجْتمعت الياءان ساكنتين فحذفت الأولى ونظيرُه قَوْلهم مِسْت وظِلتُ وحِسْتُ فِي مَسِسْتُ وظَلِلْتُ وحَسِسْتُ فسكّن السينَ الأولى واللامَ الأولى ثمَّ حذفَها

(2/416)


لالتقاء الساكنين وبقيّ الأوّل مَفْتُوحًا وَمِنْهُم مَنْ ينقلُ هَذِه الكسرةِ إِلَى الأوّل فيكسِره فَيَقُول مِسْتُ
والطريقُ الثَّاني أنْ تكونَ الياءُ الأولى قُلبت الْفَا لتحرِّكها الآنَ وانفتاح مَا قبلَها فِي الأَصْل كَمَا ذكرنَا فِي استقامَ فَإِذا سكّنتِ الياءُ الثانيةُ من أجل الضَّمير حُذِفت الألفُ لالتقاء السَّاكنين فَقَالَ اسْتَحْيتُ مثل اسْتَقَمْتُ وَهَذَا أَضْعَف الْوَجْهَيْنِ
مَسْأَلَة

قد جاءَ من الأفْعالِ مَا عينُه ولامُه ياءان نَحْو حَيِيّ وعَيِيّ لَا خلاف فِي ذَلِك وَهَذَا عُلَم بالسَّبْر والتقسيم
فأمَّا السَّبْرُ فإنَّا سَبَرْنا جَمِيع أبنية الفعلِ فَلم نجدْ فِيهَا مَا عينُه ولامُه واوٌ بل وجدنَا عكسَ ذَلِك وَهُوَ مَا عينُه واوٌ ولامُه ياءٌ نَحْو طَوَيْت وشَويتُ وَلَو كَانَ حَيِيَ مِنْهُ لَقلت حَوَيت وَوجدنَا مَا عينُه ولامُه واوان وَلَو كَانَت حييتُ مِنْهُ لَقلت حَوِيت أَيْضا كَمَا قَالُوا قَوِيت من القُوَّة فثبتَ بِهَذَا أنَّ الياءَين أصلان

(2/417)


فأمّا الحَيَوانُ فَقَالَ المازنيّ الْوَاو أصلٌ غذ لَا مُوجبَ لانقلابِها عَن شيءٍ وزَعَم أنَّ هَذَا الأصلَ لم يُشتقّ مِنْهُ فِعْلٌ بل هُوَ كَقَوْلِهِم فَاضَ الميتُ فَيْضاً وفوضاً فالياء توحّد فِي التصريف وَالْوَاو لم يَجِيء مِنْهَا فعِل وَقَالَ الْبَاقُونَ اصل الْوَاو ياءٌ

(2/418)


قُلبت واواً لِئَلَّا تلتبسَ بالمثنّى وَهُوَ مثل جبيت الخراجَ وجَبَوته لُغَتَانِ وَالْيَاء هِيَ المتصرّفة وأمّا حَيْوَة فَفِيهِ شذوذٌ من وَجْهَيْن
أَحدهمَا قلبُ الْيَاء واواً والثَّاني تركُ الْإِدْغَام وَقد ذكرنَا وَجه ذَلِك فِي مَوْضِعه
مَسْأَلَة

وممّا جاءَ عينُه ولامُه واوان الحُوَّة والقُوَّة فَلَوْ بنيتَ من هَذَا فِعْلاً ثُلاثياً قلتَ حوِيَ وقَوِيَ فأبدلت الواوَ الثانيةَ يَاء لانكسارِ مَا قبلَها فإنْ بنيتَ مِنْهُ افعلّ مثل احمرّ قُلْتَ حوّى بواوٍ مشدّدةٍ مثل قوّى وسوّى وأصلُه احوَوْوَ مثل أصل احمرّ فنقلتَ فتحةَ الواوِ الأولى إِلَى الْحَاء واسْتُغْني بذلك عَن همزةِ الْوَصْل وأدْغمتَ الواوَ المسكّنةَ فِي الثَّانِيَة وأبْدَلتَ الثالثةَ ألِفاً لتحركها وانفتاحِ مَا قبلهَا فَصَارَت حوَّى وَإِنَّمَا فَعَلوا ذَلِك لأنّهم لَو بَقَّوا الْكَلِمَة على أَصْلهَا لقالوا يَحوَوٌّ فِي الْمُضَارع فضمّوا الْوَاو وَهَذَا لَا يجوزُ فِي الأفعالِ فأصاروه بالتغييرِ إِلَى مَا يجوزُ
فأمّا مصدر هَذَا الْفِعْل فقياسُهُ أنْ يُفَكَّ فِيهِ الإدغامُ وتُقلبَ الألفُ همزَة لأنَّ الواوَ وقعتْ طَرَفاً بعد ألفٍ زائدةٍ وَهِي الحادثةُ فِي الْمصدر فَصَارَ احْوِوَاء فنُقِلت كسرةُ الواوِ الأولى إِلَى الحاءِ واسْتُغْني عَن همزةِ الْوَصْل فَفِيهِ بعد هَذَا مذهبان

(2/419)


أَحدهمَا حِيواء قُلبتِ الواوُ السَّاكنةُ يَاء لوقوعها بعد كسرةٍ وَلم تُدْغَمْ فِيمَا بعْدهَا لانَّ سكونَها عارضٌ
والمذهبُ الثَّانِي حِوّاء لأنّ الواوَ لما سُكّنت أُدْغِمت فِي الْأُخْرَى فإنْ بنيتَ مِنْهُ أفعالَ مثل احْمَارٌ قلت احْواوى لأنَّكَ لَو أخرجتَه على الأَصْل لضممتَ الواوَ فِي الْمُسْتَقْبل وَذَلِكَ مرفوضٌ فقلبتَ الواوَ الأخيرةَ ألفا لتحرّكها وانفتاحِ مَا قبلَها وَلم يُحتَجْ إِلَى تغييرٍ آخر فالواو الأولى عينُ الكلمةِ والألفُ بعدَها الزائدةُ والواوُ الثانيةُ لامُ الْكَلِمَة والألفُ الأخيرةُ منقلبةٌ عَن الواوِ المكرَّرةِ فأمّا مصدرُ هَذَا الْفِعْل فَفِيهِ وَجْهان
أَحدهمَا احْوِيْوَاء فالواوُ الأولى عينٌ والياءُ منقلبةٌ عَن الألفِ الزائدةِ وَلم تُدْغَم فِيمَا بعدَها لأنّها غيرُ لازمةٍ والواوُ الثانيةُ لامٌ والأالفُ الَّتِي بعدَها الزائدةُ فِي المصدرِ قبل الطَّرفِ والهمزةُ بدلٌ من الواوِ المتطرِّفةِ
والوَجْهُ الثَّاني احْويّاء لأنَّ الواوَ والياءَ اجتَمعا وسبقت الأولى بالسّكونِ فَفُعِل فِيهَا مَا هُوَ القياسُ فِي نظائرها

(2/420)


مَسْأَلَة

إِذا كانتِ العينُ واللاّمُ معتلّتين ودعتِ الحاجةُ إِلَى التَّغْييرِ فالقياسُ تصحيحُ الأوّل لِبُعْدِه عَن الطَّرف وإعلالُ الثَّاني لِتَطرّفه وَذَلِكَ مثل حَوَى يَحْوى وطَوَى يَطْوِي وَقد جَاءَ عكسُ ذَلِك قَالُوا غايةٌ وَالْأَصْل غيبَة فأعلّوا الْعين وصَحّحوا اللامَ وكذلكَ ثَايةٌ ورايةٌ وكأنَّهم راعوا الطَّرَفَ من أجلِ الْإِعْرَاب

(2/421)


مَسْأَلَة

فِي أصلِ آيَة أربعةُ أقوالٍ
أَحدهَا قولُ سِيبَوَيْهٍ هِيَ فَعْلَةٌ بِسُكُون الْعين فَلَو خرجَ على الأصلِ لكانَ أيّة فَقُلبت ألفا لِثِقَل التَّضعيف وَلِئَلَّا تَلْتَبِس ب أيّة الَّتِي للاستفهام عَن الْمُؤَنَّث
وَالْقَوْل الثَّاني أَصْلهَا فَعَلَةٌ بفتحِ العينِ فقُلبت ألفا لوجودِ علّة ذَلِك

(2/422)


والقولُ الثَّالِث أصلُها آييَة مثْلُ ضَارِبَة فكانَ القياسُ أنْ تقولَ آيَّة مثل دَابّة فَحُذِفت الياءُ الأخيرةُ تَخْفيفاً وَهُوَ قَول الكسائيّ ووزنُها على هَذَا فَاعَة
والقولُ الرّابع أصلُها أيِيِة مثل كلمة فَقُلِبت ألفا لتحرّكها وانفتاحِ مَا قبلَها
مَسْأَلَة

إِذا كَانَت عينُ الثُّلاثي يَاء سَاكِنة وجعلْتَها صفة أقْرَرْتَها نَحْو طَيْبَى وكَيْسَى وإنْ جعلْتَها اسْما ضممتَ الأوّل فَصَارَت الياءُ واواً مثل طُوبى وكُوسى ليفرقَ بَين الِاسْم وَالصّفة وَكَانَ التغييرُ بِالِاسْمِ أولى لأنّه أخفُّ من الصّفة فإنْ كَانَت اللامُ يَاء وَكَانَ ذَلِك صفة على فَعْل بِفَتْح الأول أقررتَها نَحْو الخَزْيا والصَّدْيا وَإِن كَانَت اسْما مثل التَّقْوى والشَّرْوَى قلبت الياءَ واواً للفَرْقِ أَيْضا فَإِن

(2/423)


كَانَت الكلمةُ على فُعْلَى بضمِّ الأوّل واللامُ واوٌ أقررتَها فِي الِاسْم مثل حُزْوَى وأبدلتَها فِي الصِّفةِ نَحْو الدُّنيا والعُلْيَا للفَرْق أَيْضا فإنْ قيل قلم غيَّرتَ هُنَا فِي الصفةِ وهُناكَ فِي الاسمِ قيل فُعِلَ ذلكَ إيثاراً للتخفيفِ وبيانُه من وَجْهَيْن

(2/424)


أَحدهمَا أنْ فُعْلى مَضْمُومَة الأوّل
والثَّاني أنَّ الواوَ أثْقَلُ من الْيَاء فَجُعِل فِي الِاسْم لأنّه أخفُّ
وأمّا الصّفةُ فثقيلةٌ حوّلت فِيهَا الواوُ إِلَى الْيَاء لأنّها أخفُّ بِخِلَاف فُعْلى فأمّا قُصوى فَهِيَ صفةٌ وَقد خَرَجَتْ على الأصلِ وَهُوَ شاذٌّ مُنبِهٌ على الأصلِ فِي الجميعِ وَمثله فِي المفتوح ريّا وَكَانَ الْقيَاس فِي الِاسْم روّى وَفِي الصّفة ريا وَلكنه جاءَ بالعكسِ على الشّذوذِ
وكذلكَ العوّى وهيَ من عَوى يَدَه يعويها إِذا لَوَاها فالعوّى نُجُوم مجتمعة

(2/425)


فهيَ مِنْ هَذَا الأصلِ وكانَ القياسُ عَيَّاً فِي الصّفة فسوى بَينهمَا هَذَا على لُغَة من قصر وَمِنْهُم مَنْ يمدّها وَكَانَ قِيَاس ذَلِك أَن يَقُول عياء لأنَّ الاسمَ هُنا تُقْلبُ فِيهِ الواوُ يَاء وأجْوَدُ مَا قيلَ فِيهِ أنْ تكونَ الألفُ نائةً عَن إشباعِ فتحةِ الْوَاو فَوَقَعت ألفُ التَّأْنِيث بعْدهَا فقلبت همزَة
مَسْأَلَة

إِذا كَانَت لامُ فَعْلاء الممدودةِ واواً صحَّت فِي الصّفةِ نَحْو القَنْوَاء والعَشْوَاء وإنْ كَانَت اسْما قُلبتْ يَاء نَحْو العَلْياء اسْم مَوضِع وفعلوا ذلكَ لِلفَرْق أَيْضا فأخْرَجوا الصّفة على الأَصْل مثل خَزْيَا وغيَّروا فِي الِاسْم مثل تَقْوَى وَلَيْسَت العلياء تأنيثَ الْأَعْلَى لتكونَ صفة لأنَّ تأنيثَه عُلْيَا بالضمّ والقصْر الفُضلى والوُسْطَى وَلَو كَانَ صفة لَكَانَ عَلْوَاء مثل قَنْوَاء
مَسْأَلَة

ليسَ فِي الكلامِ مَا فاؤه ولامَه واوان إلاَّ قولُهم وَاوٌ وَهَذَا الحرفُ اخْتُلِفَ فِي

(2/426)


الألفِ الَّتِي بينَهما فَقَالَ قومٌ أَصْلهَا وَوَو فَتكون الكلمةُ كلُّها من مكرّرِ الْوَاو كَمَا جَاءَ فِي بيّة وَفِي قَوْلهم هَذَا الشَّيْء بَبّانٌ فإنَّ الكلمةَ مركَّبةٌ من تكريرِ الْبَاء وحجَّةُ هَذَا القائلِ أنَّه وجدَ الألفَ فِي قولِكَ كَاف ودال وَنَحْوهمَا منقلبةٌ عَن وَاو لقَولهم كَوّفت كافاً ودوّلت دَالا وَهَذَا القياسُ فِي مِيم وجِيم إلاّ أنّ الواوَ قُلبت يَاء لسكونِها وانكسار مَا قبلهَا
وَقَالَ آخَرُونَ أصلُ الْألف فِي الْوَاو ياءٌ فِرَارًا من تَجانس الثَّلاثة وَلَيْسَ كذلكَ فِي بَقِيَّة الْحُرُوف فإنّه لَا يَلْزَمُ مَنْ جَعل الْألف عَن واوٍ اتّحادُ الحَرْف وَقد جاءتِ الفاءُ واللامُ ياءين مثل يَدَيْتُ وَقد تقدّم ذِكْرُه وَقد جَاءَت الْعين

(2/427)


واللاّم ياءين على مَا ذَكَرْنا فِي حَيِيَ وَقد جاءتا واوين نَحْو قُوّة وحُوّة وَقد جَاءَت العينُ واواً واللامُ يَاء نَحْو طويت وشَوَيْتَ وَهُوَ الْأَكْثَر وَقد جَاءَت الفاءُ واواً واللامُ يَاء نَحْو وَقَيتُ وَوَفَيْتُ وَلم يأتِ مَا عينُه يَاء ولامُه واوٌ البتةَ إلاّ مَا قَالَه أَبُو عُثْمَان فِي الحَيَوان وَقد ذكرناهُ قبلُ
مَسْأَلَة

إِذا وَقعتِ الواوُ والياءُ طَرَفاً بعدَ ألفٍ زَائِدَة قُلبتا همزَة وَقد ذكرنَا علّة ذَلِك وكيفيَّتَه فِي بَاب الْإِبْدَال فإنْ وَقعت تاءُ التَّأنيثِ بعدَها فَمِنَ العربَ مَنْ يُبْقي الهمزةَ لِوَجْهَيْنِ
أَحدهمَا أنَّه شبَّه ذَلِك بقائل وبائع لِمجاوَرَتِه الطّرَف
والثَّاني أنّه أبْدَل قبلَ دُخول تَاء التَّأْنِيث ثُمَّ أدخلَ تَاء التَّأْنِيث بعد ذَلِك فَلم يُغيِّر وَمِنْهُم مَنْ يَجْعَلُها واواً أَو يَاء عَبَاية وشَقَاوَة لأنَّها لَيست الْآن طَرَفاً
مَسْأَلَة

الأصلُ فِي طاغوت طغيوت لأنّه من طَغى يطغى طُغْياناً ثمّ قُدِّمت الياءُ قبل الْعين وقُلبت ألفا لوجودِ شَرط الْقلب فوزنه الْآن فَلَعُوت مُحوّلٌ عَن

(2/428)


فَعَلوت مثل ملكوت وقيلَ أصلُ الْألف واوٌ وهيَ لغةٌ فِي طغا وَلذَلِك تقولُ فِي الْجمع طَوَاغيت وعَلى القولِ الأوّل تكون الواوُ مبدلةً من الْألف لأنَّها فِي اللَّفْظ تشبه ألف فَاعل
وأمّا طَالوت فوزنُه إِذا جُعِل عَرَبيا فَعَلوت من طَال يطول فَلَا قَلْبَ فِيهِ
وأمّا جَالوت فَيَحْتَمِلُ وَجْهَيْن
أَحدهمَا أنْ يكونَ من جالَ يَجُولُ فيكونُ وزنُه فَعَلُتاً فَعَلُوتا
والثَّاني أنْ يكونَ من جَلا يَجْلُو فيكونُ مقلوباً ووزنُه فَلَعُوت مثل طاغُوت

(2/429)


بابُ مَا يُمْتَحَنُ فِيهِ من الْأَبْنِيَة

اعْلَم أنّ التصريفيين ذَكَروا من هَذَا الفنِّ أَمْثِلَة كَثِيرَة قَصَدوا بهَا إثباتَ عِلمِ التَّصريف فِي الأذهان بالرِّياضة والعملِ وَذَلِكَ أدْعَى إِلَى ترسِّخ هَذَا الْعلم فِي الْقلب كَمَا أنّ الحاسبَ لَا يُحْكِمُ علمَ الْحساب إلاّ عَمِل وتَدَرَّب على الْعَمَل والأصلُ فِي ذَلِك أنَّك إِذا قلت ابْن مِنْ كَذَا مثلَ كَذَا مَعْنَاهُ أنْ تأخذَ الْحُرُوف الْأُصُول من الكلمةِ الْمَطْلُوب بِناؤها فتقابلَ بهَا الفاءَ والعينَ واللامَ ثمَّ تُغَيّرَ الكلمةَ الْمَذْكُورَة بالحركةِ أَو السّكون أَو الزيادةِ مَا تُماثِلُ بِهِ الكلمةَ المطلوبَ مماثَلَتُها وَمَا كَانَ فِيهَا من زِيادةٍ تَأتي بِهِ فِي المثالِ بِعَينهَا
فصل

وَلَا يُبْنى من الشّيء مِثْلُه من كلِّ وجْهٍ فَلَو قالَ ابنِ مِنْ غَزَا مثل ضَرَب لم يَجُزْ لأنَّ مثالَ غزا ضربَ فَهُوَ مبنيٌّ على مِثَاله قبل سُؤَاله ويجوزُ أَن يُبْنى من الثلاثيّ ثلاثياً يُخالِفُه فِي شيءٍ مَا ومِنَ الثُّلاثي رُباعياً وخُماسياً وتكرّر فِيهِ مَا تكرّر فِي الْمَطْلُوب مِثَاله وَلَا يُبْنى من رباعيّ وَلَا خماسيّ أقلُّ مِنْهُ لأنَّ ذَلِك نَقْضٌ لَا بِناء وَسَنذكر على ذَلِك أَمْثِلَة تكْشِفُ المقصودَ إنْ شَاءَ الله تَعَالَى

(2/430)


مَسْأَلَة

إِذا قيلَ ابنِ من ضَرَب مثل علِم أَو ظَرُف أَو كلَّم قلت ضَرِب وضَرُب وضَرّب فإنْ قَالَ ابنِ مِنْهُ مثل دَحْرَج قلت ضَرْبَبَ فكررت الباءَ لأنّها لامُ الْكَلِمَة كَمَا أنَّ دحرجَ مكرَّر اللاّم فإنْ بنيتَ مِنْهُ مثل دِرْهَم قلت ضِرْبَب فجعلتَ حركاتِ الْبناء وسَكَناته مثل حَركاتِ دِرْهَم وسكناته وإنْ بنيتَ مِنْهُ مثل سِبَطْر قلت ضِرَبّ وَمثل زبْرِج ضِرْبِ وَمثل جُخْدُب ضُرْبُب فأمّا جُخدَب بِفَتْح الدَّال فعلى الْخلاف يجوزُ عِنْد الْأَخْفَش أَن تَقول ضُرْبَبَ وَلَا وجودَ لهَذَا المثالِ عِنْد سِيبَوَيْهٍ وإنْ بنيتَ مِنْهُ مثل سَفَرْجَل قلت ضُرْبَبَ هَذَا تسوقُ بَقِيَّة الْأَمْثِلَة
وَتقول فِي مِثَال جَوْهَر وصَيْرَف وحَاتم ضَرْوَب وضَيْرَب وضَارب وَهَكَذَا فِي جميعِ الزِّيادات تَأتي بهَا بعيِنها إلاّ أنْ يمنَع من ذَلِك مَانع مِثَاله إِذا قيل ابنِ من ضَرَبَ مثل عَنْسَل، لم تَقُلْ ضَنْرَب لأنَّ النُّونَ الساكنةَ تُدغم فِي الرَّاءِ لقربها مِنْهَا فِي الْمخْرج وَإِذا أدْغَمتَها لم يكن فصلٌ بَين مَا تُزاد فِيهِ النونُ وَبَين مَا تكررتْ فِيهِ الْعين وكذلكَ إنْ قَالَ ابنِ من عَلِم مثل عَنْسَل لأنّك لَو فعلتَ ذَلِك لَقلت عَلّم وإنْ أظهرتَ النُّونَ خالفتَ بَاب الْإِدْغَام وَكَذَلِكَ إنْ بنيت مِنْهُ مثل عمل لأنَّ النُّون الساكنة تُدْغَم فِي الْمِيم وَهَذَا يَتَّضِح كل الاتضاح فِي بَاب الْإِدْغَام وسنذكره إِن شَاءَ الله تَعَالَى وإنِّما تقع الصّناعة فِيمَا بُنيَ من المعتلّ وَمَا يُشْبِهه وَعَلِيهِ أكثرُ الْمسَائِل
مَسْأَلَة

فِي الْهَمْز

(2/431)


إِذا قيلَ ابنِ من قَرَأ مثل دَحْرَجَ أَو جَعْفَرَ قلت قَرْأا فقلبتَ الهمزةَ الثانيةَ ألفا لِثِقَل الْجمع بَين الهمزتين وَكَانَت الْألف أَوْلى لسكونِها وانفتاح مَا قبلهَا فَإِن بنيت مثل دِرْهَم أبدلت الْهمزَة أَيْضا إلاّ أَنَّك تكسر أَوله فإنْ بنيت مِنْهُ مثل زِبْرِج قلبتَ الثانيةَ ياءٌ لانكسار مَا قبلهَا فتصيرُ فِي الإعرابِ مثل قاضٍ
وإنْ بنيتَ مثلَ بُرْثُن فقلبتَ الثانيةَ ياءٌ وَكسرت الْهمزَة الأولى لِتَصيرَ إِلَى مثل أدْلٍ وَلَو قيلَ تُبْدَلُ الثانيةُ واواً ثمّ تغيّرُ تَغْييرَ أدْلٍ لكانَ وَجها من أجلِ الضمّة الأولى فإنْ بنيتَ مِنْهُ مثلَ جِرْدَحْل صارَ معكَ ثلاثُ هَمْزات الأولى مفتوحةٌ والثانيةُ ساكنةٌ والثالثةُ طرفٌ فَتُدْغَمُ الساكِنةُ فِي الَّتِي بعدَها ثمَّ تغّيرُ ذلكَ لِاجْتِمَاع الهمزات بأنْ تقلِبَ الهمزةَ السَّاكنةَ ياءٌ لتحجُزَ بَين الهمزتين وتكسرَ الأولى تبعا للياءِ وَلَا تغيّر الأولى وَلَا الثَّانِيَة لأنّك أيُّهما غيَّرتَ بقيت همزتان لَا فاصلَ بَينهمَا
وإنْ بنيتَ مثلَ سَفَرْجَل قلت قَرَأْيَأ فأبدلتَ الْوُسْطَى الْمَفْتُوحَة يَاء وَبقيت قبلَها همزةٌ سَاكِنة وَلم يغيّر غيرُها لِما تقدَّم فإنْ بنيتَ مِنْهُ مثل جَحْمَرِش قلت قَرْأَإء فأبدلتَ الثَّانيةَ يَاء ثمَّ قلبتَها ألفا لتحرّكها وانفتاحِ مَا قبلَها فإنْ بنيتَ مِنْهُ مثلَ جَحَنْفَل قلت قَرَأْيَأ فقلبتَ الثانيةَ يَاء ثمَّ ألِفاً لِمَا تقدَّمَ
مَسْأَلَة

إِذا بِنيتَ من قالَ وباعَ مثل كَتِف قلت قَالَ وبَاعَ فقلبتَهما ألفا لتحركهما وانفتاحِ مَا قبلَهما وإنْ جعلْتَهما على قولِ مَنْ سكّن التّاءَ من كَتْف قلبتَهما أَيْضا لأنَّ التَّغييرَ عارضٌ

(2/432)


وإنْ بنيتَ مِنْهُمَا مثلَ جَعْفَر قلتَ قَوْلَل وبَيْعَع فَلم تغيّر
وإنْ بنيتَ من غَزا ورَمَى مثلَ كتِف قلتَ غَزٍ ورَمٍ فقلبتَ الواوَ يَاء لانكسارِ مَا قبلَهما فصارَ مثل شَجٍ وعمٍ
وَإِن بنيتَ مِنْهُمَا مثلَ دِرْهَم قلت غِزْوَا ورِمْيَا فقلبتَ الثَّانِيَة ألفا لتحركها وانفتاحِ مَا قبلَها وَلم تغيّر الأولى لسكونِ مَا قبلهمَا ومثلُه إنْ بنيت مِنْهُمَا مثلَ جَعْفَر
فإنْ بنيتَ مِنْهُمَا مثلَ سَفَرْجَل قلبتَ الْأَخِيرَة ألفا لتحركها وانفتاح مَا قبلهَا وَلم تغيّر الأولى وَلَا الثَّانية للتحصُّنِ بِالْإِدْغَامِ فَتَقول غزوّا فإنْ بنيتَ مثل جَحْمَرِش فَفِيهِ وَجْهَان
أَحدهمَا: غَزْوَو فقلبتَ الثَّالِثَة يَاء لكونِها طَرَفاً بعد كسرةٍ
وَالثَّانِي غَزْوَاوٌ فتقلبُ الوُسْطى ألفا لتحركها وانفتاح مَا قبلهَا وَلم تغير الأولى لسكونِ مَا قبلَها وَمَا بعدَها وإلاّ تجمعُ بينَ إعلالين وكلٌّ من هَذِه علّةٌ مُسْتَقِلّة فَكيف إِذا اجْتمعت وَلم تُغيّر الاخيرةُ لِأَن قبلَها ألفا أَصْلِيَّة فَلَيْسَتْ مثلَ كِسَاء ورِدَاء
مَسْأَلَة

إِذا بنيتَ من غَزَا وعَفَا مثل صَمَحْمَح قلت غَزَوْزَى وعَفَوْفَى فكرّرت الْعين وَاللَّام وقلبتَ الواوَ الأخيرةَ الْفَا لتحرّكها وانفتاح مَا قبلهَا
فإنْ بنيتَ من غزا مثل عَنْكَبُوت قلت غَزْوَوُوت على الأَصْل ثمَّ تقلبُ الواوَ الْوُسْطَى المضمومةَ يَاء وتحذفُها لِئَلَّا تَجْتَمِع ثلاثُ واوات ومثلُ ذلكَ لَو بنيتَ مثلَه من رميت لَقلت رَمَيُوت فحذفت الْيَاء الثَّانِيَة لِئَلَّا تجتمعَ ياءان بعدهمَا وَاو وَإِن شئتَ حذفتَ واوَ غزْوَوُوت من غير قلبٍ وَهُوَ أوْجَهُ

(2/433)


مَسْأَلَة

فإنْ بنيتَ من أَوَى مثل عَنْكَبوت كَانَ فِي الأَصْل أَوْيَيُوت فتكرّر الياءُ وَقد اجتمعتِ الواوُ والياءُ وسبقتِ الاولى بالسّكون فتقْلبُها يَاء وتُدْغِمُها فِي الْيَاء الْأُخْرَى فَتَصِير أَيَّيُوت ثمَّ تحذفُ الياءَ الأخيرةَ لِئَلَّا تجتمعَ ثلاثُ ياءات فبقيَ أيّوت فإنْ بنيتَ مثلَه من وأى كَانَ الأَصْل وأْيَيُوت فتحذفُ الْيَاء الثانيةَ فَيبقى وأيُوتا فَإِن بنيتَ مثلَه من آءة وَهِي شجرةٌ فالأصلُ أَن تقولَ أوءؤوت بهمزتين بعدَ الواوِ الأولى فتقلِبُ الهمزةَ الآخرةَ يَاء ثمّ تحذفها فيبقَى أوْءَوْت
مَسْأَلَة

فإنْ بنيتَ من حَيِيَ مثلَ عُصْفُور قلت حُيويّ على لفظ النّسَب والاصل حُيَّوي بثلاثِ ياءات فأدْغَمْت الأولى فِي الثانيةِ لسُكونها واجتمعتِ الواوُ والياءُ الأخيرةُ وشرطُ القلْبٍ فِيهَا موجودٌ فصارَ اللَّفْظ بهَا حُيّيّا بياءين مشدّدتين فقلبتَ الثانيةَ واواً فَصَارَ حُيُوِيّاً مثل أمُوِيّ فإنْ بنيتَ مثلَها من وأى فالأصلُ أنْ تقولَ وُيْؤوي فلامُ الْكَلِمَة ياءٌ فتجتمع الْوَاو والياءُ وَالْأولَى ساكنةٌ فتصيرُ إِلَى الْيَاء الْمُشَدّدَة والياءُ الأولى خفيفةٌ مَضْمُومَة فَيصير وُيْؤيٌّ فَإِن بنيتَ مثلَها من أوَى قلتَ أُيَّيّ ثمَّ تصيرُ إِلَى لَفْظِ النسبِ فَتَقول أُيويٌّ

(2/434)


435 -
بَاب مَا يُعرف بِهِ المَقْصور من الْمَمْدُود

قد ذكرنَا فِي أوّلِ الْكتاب أنَّ المقصورَ لَا يكونُ إِلَّا فِي المعرب فإنْ سُمِّي شَيْء من المبنياتِ مَقْصُورا أَو ممدوداً فعلى التجوّز لوُجُود مدِّ الصَّوْت فِيهِ أَو قصره وَاعْلَم أنّ كثيرا من الْمَمْدُود والمقصور لَا يُعرف إلاّ سَمَاعاً والمرجعُ فِي ذَلِك إِلَى كُتب اللُّغَة وَإِنَّمَا يذكر فِي هَذَا الْبَاب مَا يعرف بِهِ الْمَقْصُور والممدود من المقاييس وَالْأَصْل فِي ذَلِك أَن تُحْمَلَ الْكَلِمَة الَّتِي تشكّ فِي قصرهَا أَو مدِّها على نظيرها من الصَّحِيح فَإِن كَانَ قبل الْحَرْف الصَّحِيح الْمُقَابل لِأَلف الْكَلِمَة الَّتِي يشكّ فِيهَا ألفٌ فَهِيَ ممدودة وَإِلَّا فَهِيَ مَقْصُورَة إلاّ أَن يردّ السّماع بذلك وَإِن لم يجز أَن تكون قبله ألف فَهُوَ مَقْصُور الْبَتَّةَ

(2/435)


أمثلةُ مَا يعرف بِهِ الْمَقْصُور وَهِي أَرْبَعَة
الأوّل الْمصدر وَشَرطه أَن يكون فِعْلُه على فَعِل يفْعَل فَهُوَ أفعل أَو فَعِل أَو فعلان فالأوّل الْعشي والعمى لأنَّ فعلَهما عَشِيَ وعَمِي يعشى ويعمى فَهُوَ أعشى وأعمى
وَالثَّانِي الصَّدَى والطَّوى لأنَّ فعلهمَا صَدِي وطَوِي يصْدَى ويَطْوى فَهُوَ صديان وطيّان
وَالثَّالِث الهَوَى والرَّدَى لأنَّ فعلَهما هَوِيَ ورَدِيَ يهوى ويَرْدَى فَهُوَ هَوٍ ورَدٍ ونظيرُ ذَلِك كلّه من الصَّحِيح قَرِع يَقْرَعُ قَرَعاً فَهُوَ أَقرع وعطش يعْطَش عطشاً فَهُوَ عطشان ونصِب ينصَب نصبا فَهُوَ نصب
وَمن شُروط المصدرِ المقصورِ أَيْضا أنْ يكونَ على مَفْعَل بِفَتْح الْمِيم ثُلاثياً كَانَ أَو أَكثر نَحْو المَسْرى والمَدْعى لأنَّ نظيرَهُ من الصَّحيح المضرب والمقتل وَمن الزَّائِد أعْطى مُعطى واستدعى مُسْتَدْعَى وَنَظِيره من الصَّحِيح أخرج

(2/436)


مُخْرَجاً واستكرمَ مُستكْرَماً ولفظُ هَذَا الْمصدر على لَفْظِ اسمِ الْمَفْعُول وَمن شُرُوطه أنَّ كلَّ مصدرٍ كانَ على فِعّيْلى فَهُوَ مَقْصور نَحْو الخِلِّيفى والخِطِّيبى وَأما أَي الْخلَافَة والخَطابة وأمَّا الخِصّيصى فمقصورة وَحكى الْكسَائي فِيهَا المدّ وَهُوَ بعيدٌ وَالله أعلم
فصل

وَالْقسم الثَّانِي من أَقسَام المقصورِ اسمُ الْمَفْعُول وَهُوَ كلُّ معتلِّ اللَّام زَائِد على ثَلَاثَة أحرف فاسم الْمَفْعُول مِنْهُ مَقْصُور نَحْو أُعْطي فَهُوَ مُعطىً وحُلّي هُوَ مُحلّىً وعُوفي فَهُوَ معافىً واستُدعي فَهُوَ مُستدعىً واشتُري فَهُوَ مُشترىً لأنّ نَظَائِر هَذِه المصادر من الصَّحِيح لَيْسَ قبل آخِره ألف

(2/437)


فصل

وأمّا القسمُ الثّالثُ فمما جاءَ من الجموع مَقْصُورا
أمّا مَا كَانَ من الْمُفْردَات على فُعْلَة مثل عُرْوة أَو على فِعْلَة مثل لِحْيَة وكِسْوَة فجمعُه مقصورٌ نَحْو عُرَىً ولِحىً وكُسَىً وَمن الجموع المقصورةِ مَا كانَ واحدُه على فَعِيل أَو فَاعل أَو فَعِل أَو أفْعَل مَا كَانَ آفَة أَو علّة نَحْو جريح وجرحى ومريض ومرضى وأسير وَأسرى وهالِك وهَلْكى ومائق ومَوْقَى وزَمِنٌ وزَمْنى ووجِع ووَجْعَى وأحمق وحَمْقى وأنْوَك ونَوْكَى نَعُوذ بِاللَّه مِنْهَا
فصل

وأمّا الْقسم الرَّابِع فمما جَاءَ من نَحْو القَهْقَرى والْجَمزي والبَشَكى والْخَوْزَلى وَهَذَا أَكثر مَا يكون فِيمَا كَانَت حروفُه الصحيحةُ كلّها متحركةً لأنّه جاءَ فِي المصادرِ على نَحْو مَجِيء النَّزَوَان والغَلَيان

(2/438)


فصل

وأمّا الممدودُ المعروفُ من جِهَةِ الْقيَاس
اعْلَم أنَّ الممدودَ كلُّ اسمٍ آخرُه همزةٌ قَبْلَها ألفٌ وَهَذِه الهمزةُ على أربعةِ أوْجه
أَحدهَا أنْ تكونَ أصلا نَحْو قُرّاء ووُضّاء لأنّه من قَرَأ ووَضُؤ
والثّاني أَن تكونَ مُبْدَلةً من أصل نَحْو كسَاء ورداء لأنّه من الكِسوة والرَّدية
والثّالثُ أنْ تكونَ بَدَلاً من مُلْحَق نَحْو حِرْباء وعِلْباء هُوَ مُلْحق بِسِرْداح وسِرْبال
والرّابع أنْ تكونَ للتأنيثِ نَحْو حَمْرَاء وصحراء
والممدود من هَذَا الْبَاب على أَرْبَعَة أَقسَام

(2/439)


أَحدهَا فِي المصادرِ وَهُوَ كلُّ مصدرٍ ماضيه أربعةُ أحرفٍ على أفعل معتلّ اللَّام فَهُوَ ممدودٌ نَحْو أعْطى إِعْطَاء وأغنى إغناءً لأنَّ نَظِيره من الصَّحِيح أحسن إحساناً وَأكْرم إِكْرَاما فقبْل آخرِه ألفٌ زائدةٌ
وَمن المصادر الممدودةِ مَا كَانَ فِعْلُه على أكثرَ من أربعةِ أحرفٍ وَفِي أوّله همزةُ وصْلٍ وَمن معتلِّ اللاّم نَحْو اعتلَى اعْتِلاءً وارعوى ارْعِواءً وانْشَوى اللحمُ انشواءً واستدعَى استدعاءً واحْرَنْبى الديكُ احرنباءً واقلولي اقْلِيلاءٌ وَكَذَلِكَ الْبَاقِي لأنَّ نظيرَها من الصَّحِيح قبل آخِره ألفٌ نَحْو الانطلاق والاحمرار وَمَا أشبههَا
وَمن المصادر الممدودة مَا كانَ فِعْلُه المعتلُّ اللَّام على فَاعل نَحْو رامى رِماءً وَوالى وِلاءً لأنّ نظيرَهما من الصَّحِيح قاتَلِ قِتالاً ومِنَ المصادرِ الممدودةِ مَا كانَ صَوْتاً مُعْتَلًّا على فُعال نَحْو الدُّعاء والثُّغاء والعُواء لأنَّ نظيرَها من الصحيحِ الصُّراخ والنُّباح وعَلى فِعال النِّداء والنِّزَاء فأمَّا البُكَاءُ فَهُوَ صوتٌ وَقد جاءَ فِيهِ المدُّ والقَصْرُ
ومِنَ المصادرِ الممدودةِ مَا كانَ على تَفْعَال نَحْو التَّقضاء والتَّشْراء لأنّه نظيرُ التّكْرَار والتِّسْيار
فصل

والقسمُ الثَّانِي من الْمَمْدُود مَا يستدلُّ عَلَيْهِ بِالْجمعِ

(2/440)


كلّ جمع على أفعلة من المعتلّ اللَّام فواحده مَمْدُود نَحْو هَوَاء وأهوية وخِبَاء وأخْبِيَة لأنّ نظيرَهما من الصَّحِيح قبل آخِره ألف نَحْو حمَار وأحْمِرَة وقَذال وأقْذِلة فَأَما أندية فِي جمع ندىً فَالْوَجْه فِيهِ أَنه جمع ندىً على نِدَاء مثل جَبَل وجبال ثمَّ جُمع الْجمع على أفْعِلة
وَمن الجموعِ الممدودةِ مَا كانَ على فِعال وأفْعَال نَحْو ظَبْي وظِبَاء واسمٍ وَأَسْمَاء وحيٍّ وأحْياء لأنّ نظيرَها من الصَّحِيح أجْمَال وأكْبَاد وأحْمَال
وَمن الجموعِ الممدودةِ كلُّ مَا كانَ واحدُه على فَعِيل مضاعفاً أَو مُعْتَلًّا فَجَمعه على أفْعِلاء وهمزتُه للتأنيثِ نَحْو شَديد وأشدّاء وغنيّ وأغنياء وصفيّ واصْفياء ونبيّ وأنبياء
وَمن الجموعِ الممدودةِ مَا كانَ على فُعَلاء نَحْو عُلَماء وظُرَفاء فَهَذَا مختصّ بِمَا كَانَ واحدُه مذكراً نَحْو فعيل غير مضاعف وَلَا معتلّ نَحْو عليم وظريف وَقد جَاءَ مِنْهُ فِي الْمُؤَنَّث حرفان قَالُوا امْرَأَة سَفِيهَة وسُفهاء وفقيرة وفُقراء فأمّا خَليفَة فقد يجمع على خُلفاء وَهُوَ للمذكر وَفِيه وَجْهَان
أَحدهمَا أنّه لما اختصّ بالمذكَّر كَانَ بِمَنْزِلَة مَا لَا تَاء فِيهِ
والثّاني أنّه يجمع على خليف ثمَّ يُقَال خُلفاء فعلى هَذَا هُوَ من الْبَاب وأمّا خَلائف فَجمع خَليفَة أَيْضا وَهُوَ الْقيَاس نَحْو كَرِيمَة وكرائم

(2/441)


فصل

والقسمُ الثّالثُ من الصّفات كلّ مؤنث مذكّره أفعل لَا تلْزمهُ الألفُ واللامُ وَلَا تدخل عَلَيْهَا تَاء التَّأْنِيث وَلَا هُوَ بِمَعْنى أفعل من كَذَا فَهُوَ مَمْدُود نَحْو أَحْمَر وحمراء وأصفر وصفراء
فصل

والقسمُ الرّابعُ من الْأَسْمَاء الْخَارِجَة عمّا ذكرنَا نَحْو صحراء وخُنفساء وَمَا أشبه ذَلِك كلّها ممدودة
وأمّا مَا يدْرك بالسّماع فَمَا عدا مَا ذكرنَا وَالله أعلم

(2/442)


بَاب الْهَمْز

اعْلَم أنَّ الهمزةَ نبرةٌ تخرجُ من أقْصَى الحلقِ يشبه صوتُها التهوّعَ وَمن هُنَا شَقَّ النطقُ بهَا والنطقُ بحروف الحلْقِ أخفّ من النُّطْقِ بهَا واشقُّ من النُّطْق بحروف الْفَم والشفتين وَلِهَذَا السَّبَب جوّزت العربُ فِي الْهمزَة ضُروباً من التخفيفِ وَهُوَ التخفيفُ القياسيّ والإبدالُ على غير قِيَاس والحذفُ وَاعْلَم أنَّ الهمزةَ حرفٌ صحيحٌ يَثْبُتُ فِي الْجَزْم نَحْو لم يُخطئ وَلم يقْرَأ
فصل

وَلَا تَخْلُو الهمزةُ من أَن تكونَ مُفْردَة أَو تلقاها همزةٌ أُخْرَى فَإِن كَانَت مُفْردَة أَولا جازَ تخفيفُها وَقد أُبدلت فِي مَوَاضِع ذَكرنَاهَا فِي بَاب الْإِبْدَال فأمّا جعلُها وَهِي أوّل بينَ بينَ فَلَا يجوز لِأَن ذَلِك تقريبٌ لَهَا من الْألف وَالْألف لَا يُبْتَدأ بهَا
فصل

فإنْ وقعتْ حَشْواً سَاكِنة جازَ تخفيفُها على الأصلِ وتخفيفُها بِأَن تُبْدَل حرفا مجانساً لحركة مَا قبلهَا فتبدل بعد الفتحة ألفا نَحْو راسٍ وباس وَبعد الكسرة ياءٌ نَحْو الذِّيب والبير وَبعد الضمّة واواً نَحْو بُوس وموس

(2/443)


فصل

فِي الْهمزَة المتحركة وَهُوَ على ضَرْبَيْنِ
أَحدهمَا أَن يسكّن مَا قبلَها
والثَّاني أنْ يتحركَ
وَالْأول على ضَرْبَيْنِ
أَحدهمَا أَن يكونَ الساكنُ قبلَها حرفَ مدٍّ وَمَا جرى مجْرَاه
والثَّاني غير حرف مدّ
فحرف المدّ الواوُ الزَّائِدَة المضموم مَا قبلهَا وَالْيَاء الزائدةُ المكسورُ مَا قبلهَا والهمزة بعدهمَا يجوزُ تخفيفها وتخفيفهما وبأنْ تبدلَ واواً بعد الواوِ لِأَنَّهَا تجانس مَا قبلهَا وَمَا قبل قبلهَا وَهُوَ الضمّة نَحْو مقروءةٍ وقُروء وتقولُ فيهمَا مقروّة وقروٍّ وَإِن وقعتِ بعد الْيَاء قلبْتَها ياءٌ للعلّة المتقدِّمة تَقول فِي نَحْو خَطِيئَة خطيّة وَفِي النسيء نسيّ وَمَا جرى مَجرى حرفِ المدِّ يَاء التصغير لأنّها زائدةٌ لَا تتحرك وَهِي نظيرُ ألف التكسير تَقول فِي تَصْغِير أفْؤس جمع فاس أُفَيِّسْ
فصل

فإنْ وقعتِ الهمزةُ المتحرّكةُ بعد الْألف جازَ تخفيفُهاوتخفيفها هُوَ أَن تجْعَل بَين

(2/444)


بَين وَمعنى ذَلِك أنَّها تُليّن فَتُجْعَل بَين الهمزةِ والحرف الَّذِي مِنْهُ حركتُها فتُجعلُ المكسورةُ بَين الْيَاء والهمزة والمفتوحةُ بَين الْألف والهمزةِ والمضمومةِ بَين الواوِ والهمزة وَهِي فِي كلِّ ذَلِك متحرِّكة تؤذنِ بالمتحرك ومثالُ أَن تقولَ فِي مسَائِل مسايل وَفِي هَبَاءة هَبَايَة وَفِي جَزَاؤُهُ جزاوه وَقَالَ سِيبَوَيْهٍ لَا تجْعَل الهمزةَ بينَ بينَ إِلَّا فِي مَوضِع يقعُ موقِعَها السَّاكِن لِئَلَّا يُفضى إِلَى الْجمع بَين الساكنين والألفُ يصحّ أَن يَقع السَّاكِن بعْدهَا نَحْو شابّة ودابّة
فصل

فإنْ كَانَ قبلَ الهمزةِ المتحركةِ حرفٌ سَاكن ليسَ من حُرُوف المدّ فتخفيفها أَن تُنقلَ حركتُها إِلَى السَّاكِن ويُحذف كَقَوْلِك فِي الْمُتَّصِل مَرَة فِي مرأة وسل فِي اسْأَل وَفِي الْمُنْفَصِل كم بِلُك وَمن مّك ومنَ بُوك فتحذف الْهمزَة فِي هَذَا كلّه وتحرّك السَّاكِن بحركتها وَكَذَلِكَ تفعلُ فِي لامِ الْمعرفَة نَحْو النُّثى والحَمر والايْمان وَمن العربِ مَنْ إِذا حذفَ الهمزةَ وحرِّك لامَ الْمعرفَة حذفَ همزةَ الوصلِ قبلهَا لاستغنائه عَنْهَا بحركتها فَيَقُول لَحْمَرٌ ولنثى ولْيمان يَجْعَل العارضَ كاللازم لأنَّه مَنْقُول عَن لَازم وَتقول فِي قَوْله تَعَالَى {يخرج الخبء فِي السَّماواتِ} يخرج الخَبَ

(2/445)


فتحذف الْهمزَة وَمن الْعَرَب مَنْ قالَ فِي تَخْفيف امْرَأة وكمأة مراة وكماة مثل قَنَاة وَالْوَجْه فِيهِ أنّه خفَّف الهمزةَ بِنَقْلِ حركتها إِلَى مَا قبلهَا فَصَارَ مَا قبلهَا مَفْتُوحًا وَبعده همزَة سَاكِنة فقلبها ألفا كَمَا يفعل فِي راس وَهُوَ قَلِيل فِي اللُّغَة
فصل

وَمِمَّا خفَّفوه بالحذف وَالْإِلْقَاء مضارع رأى فَقَالُوا يرى وَالْأَصْل يرأى فَفَعَلُوا بِهِ مَا ذكرنَا فعلى هَذَا تَقول فِي الْأَمر رَ يَا زيدٌ فَلَا تُدخلُ همزةٌ الوصْل لتحرّك الأوّل وَفِي المؤنَّث ريْ وَفِي التَّثْنِيَة رَيَا وَفِي الْجمع رَوْا
فصل

فإنْ كانَ قبلَ الهمزةِ المتحركة حرفٌ متحركٌ فتخفيفُها يختلفُ بحسبِ اخْتِلَاف حركَتِها وحركة مَا قبلهَا فإنْ كَانَت مَفْتُوحَة قبلهَا فتحةٌ فتخفيفها أنْ تُجْعَل بينَ بينَ كَقَوْلِك فِي سألَ سالَ وَإِن كانَ قبلَ الْمَفْتُوحَة ضمةً أَو كسرةً لم تُجْعَل بينَ بينَ لأنَّ جَعْلَها كَذَلِك مُقَرِّبٍ لَهَا من الْألف والألفُ لَا تقعُ بعد ضمّةٍ وَلَا كسرةٍ ولكنْ تُبْدِلها واواً بعد الضمّ وياءً بعد الكسرة كَقَوْلِك فِي تَؤدَة تُوَدَة وَفِي مئر مير

(2/446)


فصل

فَإِن انضمَّتْ وقبلَها ضمّةً أَو فَتْحة جُعلت بَين الهمزةِ وَالْوَاو نَحْو قَامَ غلامُ أختك وَرَأَيْت غلامَ أختك وَإِن كَانَ قبل المضمومة كسرةٌ جُعلت بَين الْيَاء والهمزة كَقَوْلِك من عندِ أختك وَمِنْه يستهزئون ويسهزيون وَإِن وَقعت مَكْسُورَة بعد ضمّة نَحْو سُيل وَمن عِنْد إبلك جعلت بَين بَين أَيْضا وَهَذَا مَذْهَب الْخَلِيل وسيبويه وَقَالَ الْأَخْفَش لَا يجوزُ تخفيفُها فِي الْمَوْضِعَيْنِ لأنَّ وقوعَ الْوَاو الساكنة بعد كسرةٍ وَالْيَاء الساكنة بعد ضمّةٍ متعذِّر فَهُوَ كتخفيفِ المفتوحةِ بعد الضمّةِ والكسرةِ وَذَلِكَ مُحال وَوقوعُ الواوِ بعد الكسرة وَالْيَاء بعد الضمّة مُمكِنٌ ولكنّه شاقّ والحاصِلُ أنَّ الهمزةَ المتحركةَ المتحركُ مَا قبلَها إمّا أنْ تتَّفقَ حركتاهما فيقعَ مِنْهُمَا ثَلَاثَة أضْرب ضمتان وفتحتان وكَسْرتان وإمّا أنْ يختلفا فيقعَ مِنْهُمَا سِتّةُ أضْرب ضمّة بعد فَتْحة وكسرة وكسرة بعد فَتْحة وفَتْحة بعد ضمّة وكسرة وكسرة بعد ضَمة وفتحة والمختَلفُ فِيهَا ضمّةً بعد كَسْرة وكسرةٌ بعد ضمّة فالأخفش يُبْدِلُ الهمزةَ فيهمَا يَاء بعد الكسرة واواً بعد الضمّة

(2/447)


فصل

فِي اجْتِمَاع الهمزتين فِي كلمةٍ وَاحِدَة
قد ذكرنَا فِي بَاب البَدَل أنّ الهمزتين إِذا اجتمعتا وسُكّنت الثانيةُ أُبدلت من جِنْس مَا قبلهَا فتبدل بعد الفتحة ألفا نَحْو آدم وآمن وَبعد الكسرة يَاء نَحْو إِيمَان وإيلاف وإيذَن لي وإيتني وَبعد الضمّة واواً نَحْو اوتمن اومرني
فأمّا الهمزةُ فِي جَائي فاعِل من جاءَ فهما هَمْزَتان الأولى مبدلةٌ من عين الكلمةِ وَهِي ياءٌ فِي الأصْلِ هُمزت لمّا وقعتْ فِي فاعِل والثانيةُ لامُها أُبْدِلت يَاء للكسرة قبلَها فَصَارَ من المنقوص وَلَو بَنَيْتَ من جَاءَ مثل جَعْفَر قلت جَيْأَاْ فأبدلت الثَّانِيَة ألفا وَقد ذكر
فصل

فَإِن التقتْ الهمزتانِ من كَلِمَتَيْنِ مُنْفَصِلتين فهما تجيئانِ مُتَّفقتين أَو مختلفتين فالمتفقتان ثلاثٌ مَضْمومتان كَقَوْلِه تَعَالَى {أَوْلِيَاء أُولَئِكَ} فبعض الْعَرَب

(2/448)


يحققها وَهُوَ قليلٌ وَمِنْهُم مَنْ يحذفُ الأولى ويُحقِّقُ الثَّانِيَة وَمِنْهُم مَنْ يعْكِسُ ذَلِك وَمِنْهُم مَنْ يحقِّقُ الأولى وَيجْعَل الثانيةَ واواً والمفتوحتان كَقَوْلِه تَعَالَى {جاءَ أشراطُها} وَفِيه الْمذَاهب المذكورةُ إِلَّا أنّ مَنْ خفّفَ الثَّانِيَة وحقّق الأولى جعل الثَّانِيَة الْفَا والمكسورتان كَقَوْلِه تَعَالَى {هَؤلاءِ إنْ كُنْتُم صَادِقين} وَفِيه المذاهبُ الْمَذْكُورَة إلاّ أنّ الثَّانيةَ تصيرُ يَاء من أجلِ الكسرةِ قبلَها وَمِنْهُم مَنْ يجعلُها يَاء سَاكِنة وأمّا المختلفتان فعلى سِتَّة أضْرب
1 - مَضْمُومَة بعد مفتوحةٍ كَقَوْلِه {جاءَ أُمّةً رسُولها} فَمنهمْ مَنْ يحقّقُ الأولى وَيجْعَل الثانيةَ واواً لانضمامها وَمِنْهُم من يَجْعَل الأولى بينَ بينَ والثانيةَ واواً وَمِنْهُم مَنْ يحقِّقُهما
2 - وَبعد مَكْسُورَة كَقَوْلِك من خباءٍ أُختك
3 - ومفتوحة بعد مَضْمُومَة كَقَوْلِه تَعَالَى {السفهاءُ أَلا} ففيهما التحقيقُ وقلبُ الثَّانِيَة واواً

(2/449)


4 - ومفتوحة بعد مَكْسُورَة كَقَوْلِه {النِّسَاء أوْ أكْنَنْتُمْ} ففيهما التَّحْقِيق وقلب الثَّانِيَة يَاء.
5 - ومكسورة بعد مَضْمُومَة كَقَوْلِه {يشاءُ إِلَى} فيهمَا التَّحْقِيق وَجعل الثَّانِيَة واواً
6 - ومكسورة بعد مَفْتُوحَة كَقَوْلِه {شُهَدَاء إِذْ} ففيهما التحقيقُ، وَتجْعَل الثَّانِيَة يَاء. وَالله أعلم.
مَسْأَلَة

فِي قَوْله تَعَالَى {قَالُوا الْآن} فَفِيهَا أَرْبَعَة أوجه
أَحدهَا حذفُ الواوِ والوقفُ على اللاّم وَقْفَة يسيرَة

(2/450)


والثّاني: كَذَلِك إلاّ أنّه من غَيْر وقْف
والثّال كَذَلِك إلاّ أنّه من غير هَمْزٍ مَعَ فتحِ لَام الْمعرفَة
وَالرَّابِع كَذَلِك إلاّ أنّه بإثباتِ الْوَاو فِي اللَّفْظ
مَسْأَلَة

قَوْله تَعَالَى {عاداً الأولى} فِيهَا أوجه
أَحدهَا إثباتُ التَّنْوِين وَكسرهَا
وَسُكُون لَام الْمعرفَة وهمز مَا بعْدهَا من غير وقف
وبِوَقْف بإلقاء حَرَكَة الْهمزَة على اللَّام وضمّ اللَّام
وبإدغام التَّنْوِين مَعَ ضمِّ اللَّام

(2/451)


بَاب الإمالة

الإمالة إِلَى الشَّيْء التقريبُ مِنْهُ وَهِي فِي هَذَا الْبَاب تقريب الْألف من الْيَاء والفتحة قبلهَا من الكسرة وَالْغَرَض من ذَلِك تجانس الصوتين لسَبَب وللإمالة أَسبَاب وموانع فأسبابها سِتَّة
الْيَاء والكسرة والانقلاب وَمَا فِي حكمه وَكَون الْحَرْف ينكسر فِي حَال والإمالة للإمالة
السَّبب الأول الْيَاء الكائنة قبل الْألف بحرفٍ أَو حرفين نَحْو شَيبَان وغيلان وشيال فَأهل الْحجاز لَا يميلون وَتَمِيم تُميل الْألف فِي هَذَا كلّه ليقرب من صَوت الْيَاء
السَّبب الثَّانِي الكسرةُ وَقد تكون بعد الْألف نَحْو عَائِد وَقد تكون قبلهَا

(2/452)


وَبَينهمَا حاجز نَحْو جبال وحبال وَقد يكون بَينهمَا حرفان وَمن شَرطه أَن يكون مَا بعد الكسرة سَاكِنا نَحْو سِرْبال وجِلْباب فَإِن كَانَ ذَلِك مَفْتُوحًا أَو مضموماً فَلَا إمالة وَقد يشبّه الْمُنْفَصِل بالمتَّصل كَقَوْلِك للرجل من مالهِ
السَّببُ الثَّالث كونُ الألفِ منقلبةٌ عَن ياءٍ وَذَلِكَ قولُك فِي رمي رَمِي وَفِي بَاعَ بِاع فإنْ كَانَت الْألف رَابِعَة فَصَاعِدا أُمِليت من أيّ أصلٍ كَانَت كَقَوْلِك فِي مَرْمَى مَرْمِى وَفِي مغزى مَغْزِى وَفِي تُدعى وتدعى وَهَذَا حُكْمٌ ألفِ التَّأنيث نَحْو حُبْلَى وبُشْرى السَّببُ الرّابع مَا شُبِّه بالمنْقَلب عَن الْيَاء وَذَلِكَ نَحْو غزا ودَعا فإنَّه يُمالُ لأنَّ الياءَ تقع هُنَا كثيرا ولأنَّ هَذِه الألفَ تصيرُ إِلَى الْيَاء إِذا جاوزتْ ثلاثةَ أحرف نَحْو يُدْعى ومُستدعى
السَّببُ الخامسُ كَسْرُ مَا قبل الْألف فِي بعض الْأَحْوَال وَذَلِكَ فِي الْفِعْل خاصّةً نَحْو خافَ وطابَ وَجَاء لأنَّك تقولُ خِفْت وَمَا أشبههَا فأمَّا فِي الْأَسْمَاء

(2/453)


فَلَا يجوزُ نَحْو بَاب وَدَار وَقد أمال بَعضهم فلانٌ مِاش فِي الوقفِ وَهُوَ قَلِيل
السَّببُ السَّادس الإِمالةُ كَقَوْلِك رأيتُ عماداً وكتبتُ كِتاباً فتُميلُ ألفَ التَّنوين من أجلِ الإمالة الأولى فإنْ قلتَ زيدٌ يَضْرِبها لم تُمِل الألفَ لأنَّ بَينهَا وَبَين كسرة الرَّاء حاجزين قويين وهما الضمَّةُ والهاءُ فإنْ كَانَت الباءُ مَفْتُوحَة نَحْو يريدُ أنْ يضرِبها فأكثَرُهم لَا يُميلُ وَمِنْهُم مَنْ أمالَ لضعْفِ الحاجز لأنَّ الفتحةَ خفيفةٌ والياءَ خفيّة وَمِنْهُم مَنْ يَقُول على هَذَا رَأَيْت يدِها وَهُوَ بَيْننَا وَفينَا وعلينِا فيُميل من أجل الْيَاء
فصل

فِي موانعِ الإمالة
وَهِي حروفُ الاستعلاء والرّاء فحروف الاستعلاء سبعةٌ وَهِي الخَاء والغَين والقَافُ والصَّاد والضَّاد والطَّاء والظَّاء وَهَذِه إِذا وَقعت قبل الْألف سَوَاء أَو بعدَها بحرفٍ أَو أَكثر منعت الإمالة والعلّةُ فِي ذَلِك أنَّ الحرفَ المستعلي يُنحَى بِهِ إِلَى أعْلى الْفَم والإمالةُ تَحْرِفُ الحرفَ إِلَى مَخْرَجِ الْيَاء وَهِي من اسفل الْفَم والصّعود بعد التسفُّل شاقّ فَلذَلِك مُنِع وَهَذَا نَحْو قَاعِد وغَالِب وَنَحْو نَافِخ ونَاشِط

(2/454)


وَهَذَا مذهبُ كلّ الْعَرَب إلاّ مَا حُكي عَن بَعضهم إمالة مَنَاشيط وَذَلِكَ لِبُعْد الطَّاء من الْألف وَكَون الْيَاء مَعهَا
فصل

فَإِن كَانَ حرفُ الاستعلاء قبلَ الْحَرْف الَّذِي يَلِيهِ الألفُ مكسوراً جَازَت الإمالةُ نَحْو خِفاف وقِباب وضِراب وَنَحْو ذَلِك لأنَّ الصوتَ أخذَ فِي التسفُّل والتحدّرِ فاستمرَّ فس المُسْتَعْلي إِلَى أَن بلغ الْألف على التسفُّل وَذَلِكَ سَهْلٌ وَكَذَا إِن كَانَ بَينهمَا حرفان نَحْو مِصْبَاح ومِقْلات وَمِنْهُم مَنْ لَا يُميل هُنَا لأنَّ حرف الاستعلاء سَاكن والكسرةُ فِي غَيره فإنْ كانَ حرفُ الاستعلاء هُنَا مَفْتُوحًا أَو مضموماً لم تجِز الإمالةُ لأنَّ الصوتَ لم يكنْ متسفِّلاً حَتَّى يجانسَ مَا بعده
فصل

فإنْ كانَ حرفُ الاستعلاء مَعَ الْألف المبدَلة الَّتِي يجوزُ إمالتها مَعَ غير المستعلي جازَت مَعَ المُسْتعلي نَحْو سقَى وأعطَى ومعطَى وَخَافَ ويشفى وَمَا أشبه ذَلِك لأنَّ سَبَب الإمالة قويّ فغلب المستعلي

(2/455)


فصل

وَإِذا كَانَ الحرفُ بعد الْألف مشدّداً لم يُمَلْ نَحْو مادّ وجادّ إِذْ لَا كسرةَ تليه والحرفُ الأوَّل من المشدَّدِ سكّن فِرَارًا من الْحَرَكَة مَعَ المثلين فأوْلَى أنْ يُهربَ من الإمالةِ مَعَه وَقد أماله قومٌ فِي الجرِّ وَهُوَ قَلِيل
فصل

فأمَّا الرَّاء فتمنع الإمالةَ إِذا كَانَت مَفْتُوحَة أَو مَضْمُومَة وانفردت نَحْو هَذَا سِراجٌ وفِرَاشٌ وَرَأَيْت حمارا فَإِن كَانَت مَكْسُورَة جَازَت الإمالة وَإِنَّمَا منعت الرَّاء الإمالة لأنَّها بمنزلةِ الراءينِ إذْ كَانَ فِيهَا تكريرٌ وَإِذا كُسرت قَرُبت من الْيَاء وَلذَلِك لم تمنع مَعَ الْحَرْف المستعلي نَحْو ضَارب وقَادِر وَمِنْهُم مَنْ يُجيز الإمالة إِذا كَانَت الكسرةُ والرّاء قبل الْألف نَحْو هَذَا فِرَاش فإنْ كَانَ بعد الرّاءِ راءٌ مَكْسُورَة جَازَت الإمالة وغلبت الْمَكْسُورَة الْمَفْتُوحَة نَحْو {الْقَرار} و {الْأَبْرَار}

(2/456)


وأمَّا {الْكَافِر} فإمالته جَائِزَة فِي الْجَرّ فَأَما فِي الرّفْع وَالنّصب فأكثرهم لَا يميله من أجل الرّاء وَكَذَلِكَ {الْكَافرين} و {الْكَافِرُونَ}
فصل

والهاءُ المبدَلة من تَاء التَّأْنِيث فِي الْوَقْف تجوز إمالتُها لأنَّها تشبه ألفَ التَّأْنِيث فِي حُصُول التَّأْنِيث بهَا وخفائها وانقلابها وَذَلِكَ نَحْو {الْحِكْمَة} و {مبثوثة} ويمنعُها مَا يمنعُ الإمالةَ.
فصل

وَقد شذَّت أشياءُ فِي بابِ الإمالة وَلها وُجَيْه من القِياس فَمن ذَلِك ذَا وَهُوَ

(2/457)


اسْم إِشَارَة والجيِّد تفخيمه والأوائل يسمُّون التفخيم نَصْباً لأنَّه فتحٌ وَقد أمالَه قومٌ لأنَّه يشبه الأسماءَ المعربَة فِي الْوَصْف بِهِ وَفِي وَصفه وَجمعه وتصغيره وَلِأَن ألفَه منقلبة عَن يَاء
وَمن ذَلِك أنَّى وَوجه إمالتها أنَّها اسمٌ تامّ وألفُها تشبه ألفَ التَّأْنِيث والنونُ فِيهَا تشبه حروفَ العلّة
وَمن ذَلِك أسماءُ حُرُوف التهجّي بِي تي ثي لأنَّها أسماءٌ يكثُرُ اسْتِعْمَالهَا
وَمن ذَلِك الحجّاج والعجّاج والنَّاس والوجْهُ تفخيمُها لأنَّ الألفَ زائدةٌ أَو منقلبةٌ عَن وَاو ومَنْ أمالها حَمَلَها على تصرّف الأسماءِ وإمالَتُها فِي الجرِّ أقربُ لِمكان الكسرة

(2/458)


والأسماءُ المبنيّةُ الأصلُ أنْ لَا تُمال لعدمِ تصرّفها واشتقاقِها وإنَّما أُميلَ مِنْهَا مَا أشْبَه المتصرّف كَمَا ذكرنَا فِي ذَا
وَهَكَذَا حُكْم الحروفِ بل أبعدُ إلاَّ أنَّهم أمالوا مِنْهَا لَا لأنَّها تقومُ بِنَفسِهَا فِي الْجَواب وبلى كَذَلِك وحرفُ النداء لأنَّه قامَ مقامَ الْفِعْل وَقد ذُكر فِي بَابه وَلم يُميلوا حتّى لأنَّها لَا تقوم بِنَفسِهَا وأمّا كَذَلِك
فصل

قد أمال بعضُ العربِ الفتحةَ نَحْو الكسرةِ نَحْو ضَرَر وبقر وَأقرب ذَلِك

(2/459)


مَا كَانَت فِيهِ رَاء وَإِذا قربت هَذِه الفتحة من الكسرة قرّبت مَا بعْدهَا من الْحُرُوف من الكسرة أَيْضا

(2/460)


بَاب مخارج الْحُرُوف وعددها وصفاتها

اعْلَم أنَّ مخرجَ كلّ حرف مَا ينقطعُ الْحَرْف عِنْده من الْحلق والفم والشفتين وَإِذا أردتَ أَن تختبر ذَلِك فزدْ على الْحَرْف الَّذِي تريدُ معرفَة مخرجه همزَة الْوَصْل مَكْسُورَة ثمَّ انطقْ بِهِ سَاكِنا فعندَ ذَلِك تَجِد جَرْسَ الحرفِ مُنْقَطِعًا هُنَاكَ فَثَمَّ مخرجه نَحْو اِعْ اِقْ اِصْ اِمْ وَمن هَهُنَا لم يكنِ للألف مخرج لأنَّ صَوتهَا لَا ينقطعُ عِنْد جُزْءٍ مِمَّا ذكرنَا بل هِيَ نَفَسٌ مستطيلٌ بحيثُ يُمكِنُ مدّه من غيرِ حَصْر
فصل

والحروف الْأُصُول تِسْعَة وَعِشْرُونَ وَهِي الْهمزَة وَالْألف وَالْهَاء وَالْعين والحاء والغين وَالْخَاء وَالْقَاف وَالْكَاف وَالضَّاد وَالْجِيم والشين وَالْيَاء والرّاء وَاللَّام وَالنُّون وَالصَّاد وَالسِّين وَالزَّاي والطاء وَالتَّاء وَالدَّال والظاء والثاء والذال وَالْفَاء وَالْمِيم وَالْبَاء وَالْوَاو
وَلَهُم ستةُ أحْرُفٍ فروعٌ مُسْتَحْسَنةٌ وَإِنَّمَا كَانَت فُروعاً لقربها من الأصولِ وامتزاجها بهَا وَهِي النونُ الساكنة والألفُ الممالة وهمزة بَين بَين وَألف التفخيم وَالصَّاد المشمّة صَوت الزَّاي والشين المشمّة صَوت الْجِيم

(2/461)


وَلَهُم سَبْعَة أحرف أُخر مستقبحة وَهِي
1 - الْكَاف الَّتِي تقرب من الْجِيم
2 - وَالْجِيم الَّتِي تقرب من الْكَاف وَالْجِيم الَّتِي تقرب من الشين
3 - وَالضَّاد الضعيفة الَّتِي تقرب من الذَّال
4 - وَالصَّاد الَّتِي تقرب من السِّين
5 - والطاء الَّتِي تقرب من التَّاء
6 - والظاء الَّتِي تقرب من الثَّاء
7 - وَالْبَاء الَّتِي تقرب من الْفَاء
ومخرج كلّ حرفٍ مِنْهَا بَين مخرج أَصْلهَا الصَّحِيح وَبَين الْحَرْف الَّذِي يُقَارِبه وَلَا يقْرَأ بهَا البتةَ إِلَّا مضطرٌ
فصل

فِي عددالمخارج
وَهِي ستةَ عشرَ ثلاثةٌ فِي الْحلق
1 - فأقصاها وأقربُها من الصَّدْر مَخْرَجُ الْهمزَة وَالْألف وَالْهَاء

(2/462)


2 - وأوسطُها من الْحلق مخرج الْعين والحاء
3 - وَأَدْنَاهَا إِلَى الْفَم مخرج الْغَيْن وَالْخَاء
وَالرَّابِع أقْصَى اللِّسَان وَمَا فوقَه من الحنك مخرج الْقَاف
وَالْخَامِس دون مخرج الْقَاف وَمَا يَلِيهِ من الحنك مخرج الْكَاف
وَالسَّادِس من وسط اللِّسَان بَينه وَبَين وسط الحنك مخرجُ الْجِيم والشين وَالْيَاء
وَالسَّابِع مَا بَين أوّل حافّة اللِّسَان وَمَا يَليهَا من الأضراس الضَّاد فَإِن شِئْت أخرجتها من الْجَانِب الْأَيْسَر وَإِن شِئْت من الْأَيْمن
وَالثَّامِن مَا بَين أوّل حافّة اللِّسَان وَمن أدناها إِلَى مُنْتَهى طَرفَ اللِّسَان مَا بَينهَا وَبَين مَا يَليهَا من الحنك الْأَعْلَى وَمِمَّا فويق الضاحك والناب والرباعية والثنية مُخرج اللَّام
والتَّاسع النونُ وَهِي من طرف اللِّسَان بَينه وَمَا بَين مَا فَوق الثنايا مخرج
والعاشر وَمن مُخرج النونِ غيرَ أنَّه أدْخل فِي ظَهْر اللِّسَان قَلِيلا لانحرافه إِلَى اللامِ مخرج الرَّاء
وَالْحَادِي عشر مِمَّا بَين طَرَفِ اللِّسان وأصول الثنايا مُخرج الطَّاء والدَّال والتَّاء
والثَّاني عشر مِمَّا بَين طَرَفِ اللِّسان وفُويق الثَّنايا مَخْرج الزَّاي وَالسِّين وَالصَّاد
والثالثَ عَشر مِمَّا بينَ طرفِ اللِّسان وأطراف الثَّنايا مخرجُ الظَّاء والثَّاء والذَّال

(2/463)


الرابعَ عشرَ من باطِنِ الشِّفة السُّفلى وأطراف الثنايا الْعليا مخرج الْفَاء
الخامسَ عشرَ مِمَّا بَين الشفتين الْبَاء وَالْمِيم وَالْوَاو
والسادسَ عشرَ من الْخَياشِيم مخرج النُّون الْخَفِيفَة
فصل

فِي صفاتِ الْحُرُوف وأجناسِها وَهِي أحدُ عشرَ جِنْساً وَهِي
المجهورة والمهموسة والشَّديدة والرَّخوة والمنحرفة والشَّديدة الَّتِي يخرج مَعهَا الصَّوْت والمكررة والليِّنة والهاوية والمطبَقَة والمنفتحة
فالمجهورةُ تسعةَ عشرَ حرفا الهمزةُ وَالْألف وَالْعين والغين وَالْقَاف وَالْجِيم وَالْيَاء وَالضَّاد وَاللَّام وَالزَّاي وَالرَّاء والطاء والدَّال وَالنُّون والظاء والذال وَالْبَاء وَالْمِيم وَالْوَاو وسمّيت مجهورة لأنَّها أُشْبِع الِاعْتِمَاد فِي موضعهَا ومُنِع النَّفَسُ أنْ يجريَ مَعهَا حَتَّى يَنْقَضِي الِاعْتِمَاد عَلَيْهِ ويجريَ الصوتُ إلاَّ أنَّ النونَ وَالْمِيم قد يعْتَرض لَهما فِي الْفَم والخياشيم فَيصير فيهمَا غنّةً ودليلُ ذَلِك أنَّك لَو أَمْسَكت طرفَ أَنْفك اختلَّ صوتهما حِين سددت الخيشوم
الثَّاني المهموسة وَهِي بقيةُ الحروفِ التِّسْعَة وَالْعِشْرين وسُمِّيت بذلك لأنَّ الهمسَ صوتٌ خفيّ وَهَذِه كَذَلِك لأنَّ اعتمادها ضعف حتّى جرى مَعَه النَّفَس

(2/464)


وَالثَّالِث الشَّدِيدَة سُمِّيت بذلك لقوَّتها وَامْتِنَاع مدِّ الصَّوْت مَعهَا وَهِي ثَمَانِيَة الْهمزَة وَالْقَاف وَالْكَاف وَالْجِيم والطّاء والتّاء وَالْبَاء والدّال ويجمعها أَجدت طَبَقَك الرابعُ الرَّخْوَة وَهِي تسعةٌ الْهَاء والحاء والغين وَالْخَاء والشِّين والظَّاء والثَّاء والذَّال وَالْفَاء وسُمِّيت بذلك لأنَّها خلافُ الشَّدِيدَة فأمَّا العينُ فَبين الرَّخوة والشديدة تصل إِلَى الترديد فِيهَا لشبهها بِالْحَاء
والخامسُ المنحرفةُ وَهِي اللاّم وَحدهَا سمي بذلك لانحرافِ اللِّسَان مَعَ صَوته من ناحيتي مُستَدَقِّ اللِّسَان فُوَيْق ذَلِك وَبِهَذَا خالَف الشَّدِيدَة والرخوة
وَالسَّادِس الشديدةُ الَّتِي يخرجُ مَعهَا الصوتُ وَهِي النُّون وَالْمِيم وسُمِّيت بذلك لغُنَّتها الْخَارِجَة من الْألف

(2/465)


وَالسَّابِع المكرَّر وَهُوَ الرَّاء سُمِّيت بذلك لتكرير صَوتهَا وانحرافها إِلَى مخرج اللاّم
الثَّامن اللينةُ وَهِي الْوَاو وَالْيَاء سُمِّيت بذلك لأنَّ مخرجهما يتَّسع لهواء الصَّوت أشدَّ من اتِّساع غَيرهمَا
التَّاسع الهاوِي وَهُوَ الْألف سُمِّيت بذلك لزِيَادَة اتِّساع هَوَاء صَوته على الْوَاو وَالْيَاء
الْعَاشِر المطْبَقة وَهِي أربعةٌ الصَّاد والضَّاد والطَّاء والظَّاء سُمِّيت بذلك لشدَّةِ التصاق ظَهْرِ اللِّسان بِمَا يُلاقيه من أَعلَى الحَنَك
الْحَادِي عشر المنفتحة وَهِي مَا عدا المطبقة سُمِّيت بذلك لأنَّ موضعهَا لَا ينطبق مَعَ غَيره وَلَا ينْحَصر الصَّوْت مَعهَا كانحصاره مَعَ المطبقة
فصل

فِيمَا يجْتَمع لكل حرفٍ من الصِّفات
الهمزةُ حرفٌ مَجْهورٌ شديدٌ مُسْتَعْل منفتح
الْألف حرفٌ هوائي مجهور شَدِيد

(2/466)


الْهَاء حرف مهموس رخو خفيّ ضَعِيف
الْعين حرفٌ مجهور شَدِيد متسفل رخو منفتح
الْحَاء حرف مهموس مستفل رخو منفتح
الْغَيْن حرف مجهور مستعل رخو منفتح
الْخَاء حرف مستعلٍ شَدِيد منفتح
الْقَاف حرف مستعل شَدِيد منفتح
الْكَاف حرفٌ مهموس شَدِيد متسفِّل منفتح الْجِيم حرف مجهور شَدِيد متسفِّل منفتح
الشِّين حرف مهموس رخو متسفِّل متفشٍّ
الْيَاء حرف مجهور شَدِيد متسفّل منفتح ثقيل خفيّ
الضَّاد حرف مستطيل مجهور مستعلٍ منطبق رخو
الصَّاد حرف مهموس رخو مستعلٍ مطبق
السِّين حرف مهموس متسفّل رخوٌ منفتح
الزَّاي حرف مجهور متسفّل رخو منفتح وَهَذِه الثَّلَاثَة الْأَخِيرَة فِيهَا صفير
الظَّاء حرفٌ رِخوٌ مجهور مستعل مطبق
الذَّال حرف مجهور مستفل رخو منفتح
الطّاء حرف مهموس متسفّل رخو منفتح
الثَّاء: حرف مهموس متستفّل رخو مطبق
الدّال حرف مجهور شَدِيد متسفّل منفتح
التّاء حرفٌ مهموس شديدٌ متسفّل منفتح

(2/467)


الرّاء حرف مُكَرر مجهور شَدِيد متسفّل منفتح
اللَّام حرف مجهور منحرفٌ شَدِيد متسفّل منفتحٌ مرقق
النُّون حرف مجهور شَدِيد متسفِّل منفتح ذُو غُنّة
الْفَاء حرف مهموس رخو متسفّل متفشٍّ
الْبَاء حرف مجهور شَدِيد متسفِّل
الْمِيم حرف مجهور شَدِيد متسفِّل منطبق
الْوَاو حرف مجهور شَدِيد ممتد منطبق ليّنٌ

(2/468)


بَاب الْإِدْغَام

الإدغامُ وصْلُك حرفا سَاكِنا بحرفٍ مثله من مَوْضِعه من غير فاصلٍ بَينهمَا بحركةٍ وَلَا وَقْفٍ فتصيِّرهما بالتداخل كحرفٍ واحدٍ تَرفعُ لسانَك بهما رفْعَة وَاحِدَة وتشددِّه وَهُوَ مقدَّرٌ بحرفين الأوَّل مِنْهُمَا سَاكن
وأصلُ الْإِدْغَام فِي اللُّغَة الإخْفاءُ والإحكَام
والعلّةُ فِي الإِدغام أنَّ الحرفين إِذا كَانَا مثلين كَانَ مخرجُهما وَاحِدًا فيثقل على اللِّسَان أَن يرفَعه ثمَّ يعيدَه فِي الْحَال إِلَى مَوْضِعه وَهَذَا شبّه بمشْي المقيَّد لأنَّه كانَ لَا يُزايِل موضِعَه وَيَقَع فِي الْكَلَام على ضَرْبَيْنِ
أَحدهمَا إدغام حرفٍ فِي مثله قبل الْإِدْغَام
والثَّاني أنْ يكونَ الأوَّلُ مقارباً للثَّانِي فَيُبْدلَ حرفا مثله ليمكن إدغامه
فالضَّرب الأوَّل على ضَرْبَيْنِ
أَحدهمَا أَن يكون فِي كلمة وَاحِدَة فَإِن كَانَت فعلا ثلاثياً لزم الْإِدْغَام نَحْو شدَّ ومدَّ وفرَّ وقصَّ وعضَّ وَقد سبق ذكره وَإِن كَانَت اسْما على وزن الْفِعْل فَكَذَلِك نَحْو رجل ضفّ الْحَال أَي ضفِف بِكَسْر الْفَاء الأولى وَلَا يُسْتَثْنى من ذَلِك إلاَّ الاسمُ المفتوحُ الْعين نَحْو طَلَل وشَرَر

(2/469)


فأمَّا المضمومُ نَحْو سُرُر جمع سَرير وسُرَر جمع سُرّة فَلَا يدغم إِذْ ليسَ فِي الْأَفْعَال لَهُ نَظِير وَقد يَجِيء فِي الشذوذ فكُّ الْإِدْغَام بِالْقِيَاسِ نَحْو لَحِحَتْ عينُه وَقوم ضَفِفُوا الْحَال وَالْقِيَاس إدغامه
فأمَّا قصُّ الشَّاة وقَصَصُها فَلَيْسَ من فكِّ الْإِدْغَام بل هما لُغَتَانِ سكونُ الْعين وَفتحهَا وَقد يفكُّ الشَّاعِر الْإِدْغَام للضَّرُورَة وَقد ذُكر فِي مَوْضِعه
مَسْأَلَة

فَإِن بنيتَ من المضاعَف بِنَاء فِي آخِره ألفٌ وَنون فَقَالَ الْخَلِيل وسيبويه إنْ كَانَ مصدرا فككتَ الْإِدْغَام نَحْو الردَدَان وَإِن كانَ مكسورَ الْعين أَو مضمومَها لم يفكّ يُحْمَل كل واحدٍ مِنْهُمَا على بَابه فالمصدرُ هُنَا مثل الغَلَيان والنَّزَوَان وَقَالَ الْأَخْفَش يفكّ الإدْغام فِي الجميعِ فأمَّا الملْحَقُ فَلَا يُدْغم لأنَّ ذَلِك يُبْطِل معنى الْإِلْحَاق وَقد سبق ذكرُه فأمَّا اقْتَتَلُوا فالأكثرون لَا يُدغمون لِأَن التَّاء زيدت لِمَعْنى فَلَا تُذْهبُ بِالْإِدْغَامِ وليسَ هُنَا حرف علّة وَمِنْهُم مَنْ يدغم فَيَقُول قِتَّلوا بِكَسْر الْقَاف وَفتح التَّاء وَمِنْهُم مَنْ يكسرُ التّاء وَيَقُول فِي الْمُسْتَقْبل يُقِتِّلون وَفِي اسْم الْفَاعِل مُقِتّلين وَمِنْهُم مَنْ يضمّ فَيَقُول مُرُدُّفين فيُتْبع وَمِنْهُم مَنْ يكْسرُ الميمَ إتباعاً لكسرة الرَّاء

(2/470)


وَالضَّرْب الثّاني أَن يَكُونَا من كَلِمَتَيْنِ وَهُوَ على ضَرْبين أَيْضا جائزٍ ولازم
فالجائزُ أَن يكونَ الأوّلُ متحرِّكاً والإظهارُ أجْود لِئَلَّا يلزمَ الإسكان والتغيير فِيمَا ليسَ بِلَازِم لأنَّ الْكَلِمَتَيْنِ قد تفترقان والإدغامُ جائزٌ للتَّخْفِيف وأحسنُ ذَلِك أنْ يتوالى فِيهِ اربعُ متحركات فَصَاعِدا نَحْو {جعلْ لكم} وضربْ بكر
فصل

فإنْ كانَ قبل الْحَرْف الأوَّل ساكنٌ لم يجز الإدغامُ لِئَلَّا يُجْمَعَ بَين ساكنين إلاَّ أنْ يكونَ ذَلِك الساكنَ حرف مدّ كَقَوْلِك اسْم مُوسَى وَبكر رَافع هَذَا لَا يُدغم وَمِثَال حرف الْحَد {الرَّحِيم مَالك} وَالْمَال لَك والغفور ربّنا وَمثله فِي المتَّصل تمودّ الثَّوْب
فصل

فَإِن كَانَ قبل الْيَاء وَالْوَاو فَتْحة نَحْو جيب بكر وَالْقَوْل لَك جَازَ الْإِدْغَام أَيْضا لأنَّ المدَّ الْجَارِي مجْرى الْحَرَكَة مَوْجُود فأمّا مثل {آمنُوا وَهَاجرُوا} فَلَا يُدغم لأنَّ الْوَاو الأولى تامّةُ المدِّ فَهُوَ فِيهَا كالفاصل بالحركة وَلَا يَصح زَوَال مدّها كَمَا لَا يصحّ تسكين المتحرك فأمّا مثل قَوْله تَعَالَى {وَلَا تَيَمَّمُوا الخَبِيثَ}

(2/471)


فأصله تتيمموا فَيجوز إدغام التَّاء فِي التَّاء لأنَّ قبلهَا ألف لَا وَمِنْهُم من يحذف التَّاء فَأَما قَوْله تَعَالَى {فَلَا تتناجوا} فَيجوز الْإِدْغَام وَترك الْإِدْغَام
فصل

وأمّا الْإِدْغَام اللَّازِم فَأن يكون الأوّل سَاكِنا وَالثَّانِي مماثلٌ لَهُ كَقَوْلِك {وَقد دخلُوا} و {هَل لكم}
فصل

فإنْ أُدغم فِي حرف المدّ لم يجز إدغامه فِي مثله نَحْو وليّ يزِيد وعدوّ وليد لأنَّ المدَّ قد بَطل بِالْإِدْغَامِ فِيهِ وَصَارَ كالحروف الصَّحِيحَة الَّتِي قبلهَا ساكنٌ نَحْو خَبرْ رجل ولكنْ إنْ شِئْتَ أخفيت وَهُوَ فِي حكم الْمظهر
فصل

فِي إدغام الحروفِ المتقاربة
وَنحن نذكرها حرفا فحرفاً
أوّلها الهمزةُ وليسَ يدغم فِيهَا شيءٌ وَلَا تُدغم فِي شيءٍ إلاّ أَن تكون همزَة مثلَها

(2/472)


نَحْو اقرأإنا أنزلنَا وَقد قيل ليسَ هَذَا إدغاماً بل هُوَ حذفٌ وإنَّما تُدْغَم حَقِيقَة فِي كلمة وَاحِدَة وَهُوَ فعّال نَحْو رأاس وسأال ولأّال
وأمَّا الألفُ فَلَا يُدْغَم فِيهَا
وأمَّا الهاءُ فتدغم فِي مثلهَا نَحْو وجّهْ هِبةً وتدغم فِي الْحَاء نَحْو اجْبَهْ حَمَلاً والإظهارُ أحسن وَلَا تُدْغَم الحاءُ فِي الْهَاء لِأَن الحاءَ أقوى وأظهرُ من الْهَاء فَلَا تحوّل إِلَيْهَا
العينُ تُدْغَم فِي مثلهَا نَحْو اسمعْ عمرا وتدغَم فِي الْحَاء نَحْو اقْطَعْ حبلاً والإظهارُ أحسن وتدغَمُ فِي الْخَاء بِأَن تجعلا حاءين نَحْو اقْطَعْ خلالاً لِأَن الْخَاء أقرب إِلَى الْعين فِي مخرجها وصفتها فتحوّلان جَمِيعًا إِلَيْهَا وَقد قَالَ بَنو تَمِيم كنت محم يُرِيدُونَ مَعَهم وكلَّ مَا قرب من حُرُوف الْحلق إِلَى الْفَم لَا يدغم فِيمَا قبله فَإِن أردْت إدغام الْحَاء فِي الْعين جَازَ بِأَن تجْعَل الْحَاء عينا نَحْو امدعّ رفة تُرِيدُ عَرَفَة

(2/473)


الْغَيْن تُدْغَم فِي الْخَاء وَالْخَاء فِيهَا نَحْو ادمغ خلفا واسلخ غنمك تحوّل الأول إِلَى مثل الثَّانِي
الْقَاف تُدْغَم فِي الْكَاف وَالْكَاف فِيهَا نَحْو الْحَقْ كَلَدة وانْهَكْ قَطَناً
الْجِيم تُدْغَم فِي الشين والشين فِيهَا نَحْو اخرجْ شطرك واعطش جحدراً
النُّون تُدْغَم فِي مثلهَا وَفِي الرّاء نَحْو مَنْ راشدٌ بغنّة وَلَا غنة
فأمّا إدغام الرَّاء فنذكره فِيمَا بعد
وتدغم النُّون فِي اللاّم نَحْو مَنْ لَك بغنّةٍ وَلَا غنّة وَلَا تُدْغَم اللَّام فِيهَا نَحْو هَل نَحن
وتدغم النُّون فِي الْمِيم بغنّة نَحْو من مّعك وَلَا تُدْغَم الْمِيم فِيهَا نَحْو اسْلَمْ نَافِعًا فَإِن وَقعت الْبَاء بعْدهَا أُبدلت ميماً نَحْو عنبر و {فُسوقٌ بكُم} وَقد ذكر فِي الْبَدَل فَإِن وَقعت الْفَاء بعْدهَا كَانَت غنة لَا مظهرة وَلَا مدغمة نَحْو من فِيهَا وَإِن وقعتِ الواوُ بعْدهَا أُدغمت فِيهَا بغنّة وبغيرها نَحْو من وَعدك وتدغم فِي الْيَاء بغنّة وَغير غنّةٍ نَحْو مَنْ يَقُول وَلَا تُدْغَم الْيَاء فِيهَا نَحْو فِي نَفسِي

(2/474)


وَلَا تدغمُ فِي حُرُوف الحلْق لبُعدِ مَخْرجِها مِنْهَا وتبيّن بَيَانا تَاما وَبَعض الْعَرَب يُخْفيها عِنْد الْخَاء والغين كَمَا يفعل ذَلِك عِنْد الْقَاف وَالْكَاف نَحْو {من خلق} ومَنْ غَيْرك وَلَا تُدْغَم فيهمَا بِحَال
مَسْأَلَة

إِذا كَانَت النونُ سَاكِنة قبل الْمِيم وَالْيَاء وَالْوَاو فِي كلمة وَاحِدَة لَزِم تبيينها كَقَوْلِك شَاة زَنْماء وشِياه زُنم وَكَذَلِكَ قُنية وقَنواء وكُنية ومُنية لَا تدْغِم شَيْئا من ذَلِك وَلَا تُخفيه لِئَلَّا يلتبس بمضاعف الْمِيم وَالْيَاء وَالْوَاو لِأَن فِي الْكَلَام مثلَه أَلا ترى أنَّك لَو قلت زَنْماء فأدغمت لجازَ أَن تكون من الزمّ وَلَو قلت قِيّة وقوّة لجَاز أَن يكون من الأَرْض القيّ فأمّا قَوْلهم امْحى الشَّيْء فَجَاز إدغامه لأنّ اللّبْس مَأْمُون إِذا كَانَت الْمِيم هُنَا فَاء الْكَلِمَة وَالْفَاء لَا تكون مضاعفة وَلذَلِك لَو بنيت من وَجل وَرَأى انفعل جَازَ الْإِدْغَام اوَّجل وارَّأى
مَسْأَلَة

لَا تُعْرَفُ فِي اللُّغَة كلمةٌ فِيهَا نونٌ ساكنةٌ بعْدهَا راءٌ وَلَا لامٌ فَلم يَقُولُوا مثل قنر

(2/475)


وَلَا عِنْل وسببُ ذَلِك أنَّ النونَ الساكنة فِيهَا غُنّة وَهِي تقاربُ الحرفين جدا فلَمّا تقاربت فِي الْمخْرج وَاخْتلفت فِي الصّفة ثقل الْجمع بَينهمَا
مَسْأَلَة

يجوزُ إدغامُ اللاّم فِي النُّون نَحْو هَل نرى لتقاربهما وأنَّ النُّون أبينُ من اللاّم ويُقوَي ذَلِك إدغامُ النُّون فِيهَا إلاَّ أنَّ إظهارَ اللاَّمِ عِنْد النونِ أحسنُ وإدغام النُّون فِي اللَّام أحسن وَالْفرق بَينهمَا أنّك إِذا أدغمت اللاّم فِي النُّون أبطلت قّوة اللاّم وَإِذا أدغمت النّون فِي اللاّم راعيت قوّة اللاّم
مَسْأَلَة

لَا تُدغم الْمِيم فِي النُّون نَحْو لم نَكُنْ لأنَّها لمَّا لم تُدغم فِي الْبَاء وَهِي من مخرجها فإدغامها فِي النُّون مَعَ بعْدهَا مِنْهَا أبعد
مَسْأَلَة

وتدغم لَام الْمعرفَة فِي حُرُوف الْفَم وَهِي ثَلَاثَة عشر حرفا وَهِي التّاء والثّاء والدّال والذّال والرّاء والزّاي والسّين والشّين والصّاد والضّاد والطّاء والظّاء والنّون وعلّة ذَلِك كَونهَا مقاربة لهَذِهِ الْحُرُوف فإنَّ جَمِيعهَا من حُرُوف طرف اللِّسَان إِلَّا الضّاد والشّين فإنَّهما يبعدان عَن طرفه إلاّ أنّ الشين فِيهَا تفشٍّ وانتشارٌ يقربّها من اللاّم والصّاد من حافة اللِّسَان فِيهَا انبساط يكَاد يقرب من اللاّم واختصّ ذَلِك بلام الْمعرفَة لِكَثْرَة الِاسْتِعْمَال

(2/476)


فأمّا لَام هَل وبل فَيجوز إظهارها وَهُوَ الْأَقْوَى وَقد أدغموها فِي التّاء والثّاء والرّاء والزّاي والشّين والصّاد والضّاد والطّاء والظّاء والنّون إلاّ أنّ إدغامها فِي الرّاء حسنٌ وَفِيمَا عَداهَا ضَعِيف وَذَلِكَ نَحْو {هَل ترى} {هَل ثوِّب} وَهل رَأَيْت وَكَذَلِكَ الْبَاقِي
مَسْأَلَة

تُدْغَم الطّاء فِي الدّال ويَبْقى إطباقُ الطّاء نَحْو اضبط دُلامة وَبَعض الْعَرَب يُذْهِب الإطباق وَهُوَ ضَعِيف
وتُدغم الدالُ فِيهَا قيّد طرفَة وَيبقى الإطباق أَيْضا
وتدغم الطّاءُ فِي التّاء مَعَ بَقَاء الإطباق نَحْو انقُط توأماً والتّاء فِيهَا تُدْغَم نَحْو أفلت طرفَة
مَسْأَلَة

تُدْغَم التّاء فِي الدّال والدّال فِيهَا نَحْو انعت دُلامةَ وَقيد تِلْكَ والإظهار فِي هَذَا كلّه مستثقل

(2/477)


مَسْأَلَة

الصّاد والسّين والزّاي يُدغم بعضُها فِي بعضٍ لتقاربها كَقَوْلِك لم تفحص سالما وَيبقى إطباقُ الصّاد وَتقول خلّص زيدا واحبسْ صَابِرًا واحفزْ صَابِرًا واحفز سالما والإدغام فِي هَذَا كلّه قويّ
مَسْأَلَة

الظّاء والذّال والثّاء يُدغَم بعضُها فِي بعض كَقَوْلِك احفظْ ذَلِك واحفظ ثَابتا وابعثْ ظَالِما وَابعث ذَلِك
مَسْأَلَة

إدغامُ مَخْرجٍ فِي مَخْرجٍ يُقَارِبه جائزٌ كإدغام الظّاء والثّاء والصّاد والسّين والزّاي وَكَذَلِكَ إدغامُ الطّاء والتّاء والدّال فيهنّ وَلَا تُدْغَم الصّاد والسّين والزّاي فِي الْحُرُوف السِّتَّة لِئَلَّا يذهب الصفيرُ الَّذِي فيهنّ وتدغم الطّاء والثّاء والذّال والظّاء والدّال والتّاء فِي الضّاد نَحْو احفظ ضابطاً وَكَذَلِكَ الْبَاقِي وتُدغَم الضّادُ فيهنّ وَلَا تُدْغَم الضّاد فِي الصّاد وأختيها لاستطالتها
مَسْأَلَة

من حكْمِ الحرفِ النّاقص أنْ يدغم فِي الزّائد وَلَا يُدغم الزّائد فِي النَّاقِص كالسّين

(2/478)


لَا تُدْغَم فِي الْجِيم وتدغم الْجِيم فِيهَا كَقَوْلِك احْبِسْ جَامعا هَذَا لَا يدغم واخرج سالما هَذَا يُدغم
مَسْأَلَة

إِذا سُكّنت الصّادُ وَبعدهَا دالٌ فَمن الْعَرَب من يُخْرِجها على أَصْلهَا وَهُوَ أوْلى وَمِنْهُم مَنْ يقرّبها من الزّاي لأنّه لمّا لم يكن إدغامُ الصّادِ فِي الدّال قرَّبَها مِنْهَا ليحصلَ التشاكل وَمِنْهُم مَنْ يَجْعَلهَا زاياً خَالِصَة وَهُوَ قَلِيل وَذَلِكَ نَحْو يصدر والمصدر وَالْقَصْد فإنْ تحرّكت الصّاد لم يغيّرها لأنَّ الحركةَ كالحاجز
وأمّا الصّراط فالأصلُ فِيهِ السّينُ لِأَنَّهُ من سَرَطْت الشَّيْء وإنّما أُبدلت صاداً لِتُجانِسَ الطَّاء وَمِنْهُم مَنْ يجعلُها زاياً وَمِنْهُم مَنْ يَجْعَلهَا بَينهمَا والسّين مَعَ الدّال كالصّاد مَعهَا نَحْو يُرْذل ثَوْبَهُ
وأمّا الشّين قبل الدَّال فتضارع بهَا الزّاي نَحْو رجل أشْدق وَلَا تُجعل زاياً خَالِصَة وَقد قَالُوا اجدّمعوا واجدرؤوا فِي اجْتَمعُوا واجترؤوا
مَسْأَلَة

من العربِ من يقولُ فِي بني العنبر بِلْعَنْبر وَفِي بني الْحَارِث بلْحَارث فيحذف النونَ وَالْيَاء وَوجه ذَلِك أنَّ النُّون تُدْغَم فِي اللَّام وَلَكِن لمّا حَالَتْ الْيَاء بَينهمَا لم يُمكن الْإِدْغَام فخففوا بالحذف

(2/479)


وَقد قَالُوا: (عَلْماءِ) يُرِيدُونَ: على المَاء، وَلَا يجوز ذَلِك فِي غير اللَّام فَلَا تَقول فِي (بني النجار) : بنجار لأنَّ النُّون مُشَدّدَة بِسَبَب إدغام لَام الْمعرفَة فِيهَا فَلم تحذف النُّون لِئَلَّا يجْتَمع إعلالان بِخِلَاف بلعنبر فَإِنَّهُ لَيْسَ فِيهِ إِلَّا إعلال وَاحِد.

(2/480)


بَاب الخطّ
اعْلَم أنَّ الْحَاجة الى ذكر هَذَا الْبَاب أنّ الكتّاب اصْطَلحُوا على كِتَابَة حُرُوف لَيست فِي اللَّفْظ وَحذف مَا هُوَ فِي اللَّفْظ وعَلى قطع مَا يُمكن وَصله وَوصل مَا يُمكن قطعه فَهَذِهِ أَرْبَعَة أَقسَام ينشعب مِنْهَا أَكثر من ذَلِك وَقد ذهب جمَاعَة من أهل اللُّغَة الى كتاب الْكَلِمَة على لَفظهَا إلاّ فِي خطّ الْمُصحف فإنّهم اتّبعوا فِي ذَلِك مَا وجدوه فِي الإِمَام والعملُ على الأوّل
فصل

فِي الْقسم الأول وَهُوَ على ضَرْبَيْنِ إبدالٌ وَزِيَادَة
فالإبدالُ كجعل الألفِ يَاء فِي الْخط وَهَذَا لَهُ شَرْطَانِ
أَحدهمَا أَن تكون الكلمةُ ثلاثيةً آخرُها ألف فَلَا تَخْلُو تِلْكَ الكلمةُ من أَن تكونَ مُبْهمَة أَو معربة فالمبهم مثل هَذَا وَإِذا والمعربة مثل العَصَا والرحى هَذَا فِي الأسٍماء فأمّا الْأَفْعَال الثلاثية نَحْو رمى وغزا

(2/481)


وَالثَّانِي: أَن تكون الْألف مبدلةً والضّابطُ فِيهِ أنّ الْألف إِذا انقلبت عَن واوٍ كُتبت ألفا وإنْ كَانَت منقلبةً عَن ياءٍ كُتبت يَاء وَإِنَّمَا فرقوا بَينهمَا لينبّهوا على أصلِ الْحَرْف وجملةُ مَا يُستدلّ بِهِ هَهُنَا على أصلِ الْألف عشرَة أَشْيَاء
أَحدهَا التثنيةُ فَإِن انقلبت الْألف فِيهَا واواً كتبت بِالْألف وَإِن انقلبت يَاء كتبت بِالْيَاءِ فَالْأول نَحْو الْعَصَا تكْتب بِالْألف لأنّها عَن وَاو لِقَوْلِك عَصَوان وَالثَّانِي نَحْو الْفَتى والهُدى تكْتب يَاء كَقَوْلِك فَتَيان وهُدَيَان وأمّا الرَّحَى فالاكثر فِي اللُّغَة رحَيَان بِالْيَاءِ فعلى هَذَا تكْتب الرَّحَى بِالْيَاءِ وَمِنْهُم من يَقُول رَحَوان فيكتبها بِالْألف
وَالثَّانِي من الأدلّة الجمعُ بِالْألف وَالتَّاء نَحْو القنا والحصى فالقنا من الْوَاو لقَولهم قَنَوات فتكتب بِالْألف والحصى جَمْعُه حَصَيَات فتكتب بِالْيَاءِ
والدليلُ الثَّالِث مَا كَانَت عينُه واواً وآخرُه ألفٌ نَحْو الطّوى والشّوى يكتبُ بِالْيَاءِ لِكَثْرَة مَا جاءَ من ذَلِك ولامُه ياءٌ وَمن هَهُنَا كتب الهَوى الْمَقْصُور بِالْيَاءِ وَكَذَلِكَ هُوَ فِي الْفِعْل نَحْو طوِي وشوِي وهوِي
وَالدَّلِيل الرابعُ ظهورُ الْيَاء وَالْوَاو فِي الْمُسْتَقْبل نَحْو يَرْمِي ويغزو ف رمى تكْتب بِالْيَاءِ لكَون الْألف منقلبة عَنْهَا وغزا بِالْألف لأنَّها من الْوَاو والدَّليل الخامسُ الْمصدر كَقَوْلِك الغَزْوُ والرّميُ فَمن هَهُنَا تكْتب غزا بِالْألف وَرمى بِالْيَاءِ

(2/482)


والدليلُ السَّادسُ أَن تكون فاءُ الْكَلِمَة واواً ولامُها معتلّة فَلَا تكون ألفها إلاّ عَن يَاء فعلى هَذَا تكْتب وفَى وَوعى بِالْيَاءِ
والجليلُ السّابعُ الفَعْلَةُ نَحْو الغزوةُ والرَّميةُ
والدَّليلُ الثَّامنُ أَن تعودَ اللاّمُ إِذا أضفتَ الفعلَ إِلَى نَفسك يَاء أَو واواً وَقبلهَا فَتْحة نَحْو غزوتُ ورميتُ فأمّا شقِيت ورضِيت فَلَا يدلّ ذَلِك على أنّ الأَصْل الياءُ لأجل الكسرة
والدليلُ التَّاسعُ إمالةُ الْألف مَتى حَسُنَت فِيهَا كتبت يَاء نَحْو الْهدى والتقى ة من هَهُنَا كتبت مَتى وبلى بِالْيَاءِ
وَالدَّلِيل الْعَاشِر أَن تنقلبَ مَعَ المضمرِ يَاء نَحْو إِلَى وعَلى وَلَدي كَقَوْلِك عَلَيْهِ وَإِلَيْهِ ولديه فأمّا كلا إِذا أُضيفت إِلَى المُظْهَرِ كُتبت ألفا عِنْد الْأَكْثَرين لأنّه يَقُول هِيَ بدلٌ من الْوَاو وَمِنْهُم مَنْ يَكْتُبهَا يَاء وَيَقُول هِيَ من الياءِ فإنْ أضفتَ إِلَى مُضْمَر كَانَت فِي الرفعِ بِالْألف لأنَّها دليلُ الرّفْع وأمَّا كلتا فتكتب بِالْيَاءِ إِذا أضيفت إِلَى مظْهَر لكَون الْألف رَابِعَة
فصل

فإنْ كَانَت الكلمةُ أربعةَ أحرفٍ فَصَاعِدا وَآخِرهَا ألفٌ كتبتَ جَمِيع ذَلِك بِالْبَاء

(2/483)


لأنّه إِذا رُدَّ فعلُه إِلَى نفسِك كَانَ بِالْيَاءِ نَحْو تغازى وتعاطى لِقَوْلِك تَغَازَيْتُ وتَعَاطَيْتُ وَكَذَلِكَ فِي التَّثْنِيَة نَحْو المَوْلى والأعْلى لِقَوْلِك مَوْلَيان وأعْلَيان وَقد استُثْنى من ذَلِك مَا قبل أَلفه ياءٌ نَحْو العُليا والدُّنيا فإنَّه كُتب بِالْألف لِئَلَّا تتوالى ياءان إِلَّا أنَّهم كتبُوا يحيى اسْم رجل وريّى اسْم امْرَأَة بياءين فأمّا يحيا ويَعْيَا فعلين فيكتبان بِالْألف على قِيَاس الْبَاب
فصل

فَإِن أُضيفَ الْمَقْصُور إِلَى مضمرٍ يكْتب بِالْألف ثلاثياً كَانَ أَو زَائِدا عَلَيْهِ نَحْو عَصَاهُ وهداك وإحداها وأُخراهنّ وَمِنْهُم مَنْ يَكْتُبهَا بِالْيَاءِ على مَا كَانَت عَلَيْهِ قبل الضَّمِير
فصل

فِي الْهمزَة
إِذا كَانَت الْهمزَة أَولا كتبت على الْقيَاس إِلَّا أَنهم كتبُوا يَا أوخيّ بِالْوَاو لانضمامها وليفرِّقوا بَين المصغّر والمكبّر فِي قَوْلك يَا أَخِي

(2/484)


وإنْ كانتْ وسطا سَاكِنة كتبت ألفا نَحْو رَأس وبأس وَإِن كَانَت قبلهَا ضمّةٌ كُتبتْ واواً نَحْو الْبُؤْس واللؤم وإنْ كانَ قبلهَا كسرةٌ كتبت يَاء نَحْو الْبِئْر وَالذِّئْب
وَإِن كَانَت طرفا سَاكِنة دبّرها مَا قبلهَا أَيْضا فتكتب بعد الكسرة يَاء نَحْو لم يُخطئ وَبعد الفتحة ألفا نَحْو اقْرَأ وَبعد الضمّة واواً نَحْو لم يَوْضُؤ
فصل

فَإِن كَانَت الهمزةُ متحركةٌ قبلهَا ساكنٌ نَحْو الخبء والجُزء فالأكثرون يحذفون الْهمزَة لأنَّ تخفيفَها أَن تُلْقى حركتها على مَا قبلهَا وتحذف والخط على التَّخْفِيف وَمِنْهُم مَنْ يَكْتُبهَا ألفا إِذا انفتحت وياءً إِذا انْكَسَرت وواواً إِذا انضمّت فإنْ أضيفت إِلَى المضْمَر فَفِيهِ هَذَانِ الْوَجْهَانِ نَحْو هَذَا خَبؤك وقرأت جُزْأَك فتكتب المضمومة واواً والمفتوحة ألفا والمكسورة يَاء وَمِنْهُم مَنْ يحذفُها فإنْ كَانَت وسطا مَضْمُومَة وَقبلهَا فَتْحة أَو ضمّة كتبت واواً نَحْو جُؤن وياء إِن كَانَت قبلهَا كسرة نَحْو مير وَفِيمَا عدا ذَلِك تدبّرها حركتها فتكتب المكسورةُ يَاء نَحْو سَئِم والمفتوحةُ ألفا نَحْو سَأل وَفِي هَذَا الْبَاب مَوَاضِع قد ذَكرنَاهَا فِي تَخْفيف الْهَمْز فتكتب على مَذْهَب التَّخْفِيف

(2/485)


فصل

فِي الْمَمْدُود
الْمَمْدُود إِذا لم يُضَفْ كُتب فِي الْخط بألفٍ وَاحِدَة نَحْو الكساء والدُّعاء وتُجعل للهمزة عَلامَة للخطّ وَمِنْهُم مَنْ يَكْتُبهُ أَلفَيْنِ فَإِن أضيف إِلَى مضمرٍ كتبت الْمَفْتُوحَة ألفا والمضمومة واواً والمكسورة يَاء نَحْو هَذَا كساؤه وَرَأَيْت كساءه ومررت بكسائه
فصل

إِذا كَانَ قبلَ الْهمزَة واوٌ زائدةٌ نَحْو مَقروءة كتبتَها بواوٍ وَاحِدَة لأنَّ تخفيفها كَذَلِك وإنْ كَانَ قبلهَا ياءٌ زَائِدَة كتبتها يَاء وَاحِدَة نَحْو خَطِيئَة فإنْ كَانَت الواوُ بعْدهَا نَحْو مَسْؤول فَفِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا تكتبه بواو وَاحِدَة وَالثَّانِي بواوين
فصل

فَإِن كَانَت الْوَاو ضميراً نَحْو يَسْتَهْزِئون أَو عَلامَة رفع نَحْو مستهزؤون كُتبت بواوٍ واحدةٍ وَمِنْهُم مَنْ يكْتب الْمَكْسُورَة يَاء وَتَقَع الْوَاو بعْدهَا وَهُوَ ضَعِيف
فصل

فَإِن كانَ المدودُ مَنْصُوبًا منوّناً نَحْو قَوْله تَعَالَى {إِلَّا دُعَاء ونداء} فالاختيار أَن يكتبَ بِأَلفَيْنِ لأنَّ الثانيةَ بدلُ التَّنْوِين يُوقف عَلَيْهَا بِالْألف كَذَلِك الْخط

(2/486)


وَكَذَلِكَ تكْتب برآءات بِأَلفَيْنِ الأولى قبل الْهمزَة للمدّ وَالَّتِي بعد الْهمزَة للْجمع وَلَا تكْتَب الهمزةُ ألفا لِئَلَّا تجتمعَ ثلاثُ ألفات وتكتب وجدت ملحاء بِأَلف وَاحِدَة
فصل

فِي الضَّرب الثَّاني وَهُوَ الزِّيادة
اعْلَم أنّهم يزيدونَ فِي الخطِّ حروفاً للفَرْق وَكَانَ ذَلِك يحْتَاج إِلَيْهِ قبل حدوثِ الشَّكل والنقط ثمَّ استمرّ أكثُرهم عَلَيْهِ وَمِنْهُم مَنْ يَقُول يُزاد للتوكيد
فَمما زيد للفَرْق كتابتهم عمرا بِالْوَاو فِي الرّفْع والجرّ إِذا لم يُضفْ ليفرّق بَينه وَبَين عُمر
وَمن ذَلِك كتابتهم كفرُوا وَرَدُوا بِالْألف لِئَلَّا تشتبه وَاو الْجمع بواو الْعَطف ثمَّ طَردوا ذَلِك فِي جَمِيع واوات الْجمع وَمِنْهُم مَنْ لَا يَكْتُبهَا الْبَتَّةَ
وَمن ذَلِك زيادتُهم الْألف فِي مائَة لِئَلَّا تَلْتَبِس ب مِنْهُ

(2/487)


وَمن ذَلِك الربوا تكْتب بِالْوَاو لِئَلَّا تشتبه ب الزِّنَا
وَمن ذَلِك الصلوة والزكوة والحيوة تكْتب بِالْوَاو إِذا لم تُضف وَلَا يُقَاس عَلَيْهِ اتبَاعا للمصحف
فصل

فِي الْقسم الثَّانِي وَهُوَ الحذْف
وَهُوَ كثير من ذَلِك بِسم الله تكْتب بِغَيْر ألفٍ لِكَثْرَة الِاسْتِعْمَال فَإِن قلت لاسم الله بركَة أَو باسم ربّك أثبتَ الْألف
وَمن ذَلِك الرَّحْمَن تكتبُ بِلَا ألف تَخْفِيفًا مَعَ أَمن اللَّبس
وَمن ذَلِك الحرثُ وَالْقسم علمين يُكتبان بِغَيْر ألف لِكَثْرَة الِاسْتِعْمَال فإنْ لم يكنْ فيهمَا ألفٌ ولامٌ أَو كَانَا صِفَتَيْن كُتبا بِالْألف وَكَذَا صالحٌ ومالكٌ وخالدٌ تكتبُ أعلاماً بغيرِ ألف وإنْ لم يكن فيهمَا ألف وَلَام وتكتب بِالْألف صِفَات

(2/488)


وَمن ذَلِك ابرهيم وإسمعيل وهرون وسليمن ومُعوية وسُفْين ومرون فتكتب ذَلِك كلّه بِغَيْر الْألف لاشتهارها وربّما كتبُوا بعض ذَلِك بِالْألف فأمّا إسْرَافيل وَمِيكَائِيل والياس فتكتب بِالْألف لأنَّها لم تشتهر وَأما السَّمَوَات والصالحات فتكتب بِأَلف وَبِغير ألف
فصل

وأمّا ألف ابْن فَتثبت فِي الخطّ فِي كل مَوضِع إِلَّا إِذا كَانَ ابْن صفة مُفردا وَاقعا بَين علمين أَو كنيتين على مَا هُوَ شَرط فتح مَا قبله فِي النداء فإنَّه يُكتب بِغَيْر ألفٍ فعلى هَذَا تكتبه بِالْألف إِذا كَانَ مثنّى أَو كَانَ خَبرا لمبتدأ
وتكتب ابْنة تَأْنِيث ابْن بِالْألف فِي كلِّ حَال

(2/489)


فصل

وتكتب فيمَ جئْتَ وعلامَ فعلت وحتّام تَقول ذَاك ومِمَّ خُلِقَ كلُّ ذَلِك بِغَيْر ألفٍ على اللَّفْظ
فصل

فِي اللاّم
إِذا دخلت لامُ التَّعْرِيف على لامٍ أُخْرَى نَحْو اللَّيل واللَّحم كتبت بلامين إِلَّا الَّتِي وَالَّذِي وَالَّذين فِي الْجمع فَإِنَّهَا تكْتب بلامٍ وَاحِدَة وَكَذَلِكَ اللَّتان واللاّتي وَمِنْهُم من يكْتب هَذِه التَّثْنِيَة وَالْجمع بلامين وَأما اللَّذَان فِي التَّثْنِيَة فبلامين وَإِذا أدخلت لَام الْخَبَر على لَام الأَصْل نَحْو للّوم ولَلّيلُ كتبت بلامين وَإِن دخلت اللَّام الْمَفْتُوحَة أَو الْمَكْسُورَة على لَام الْمعرفَة وَبعدهَا لَام نَحْو لله وللّحم كتبتْ بلامين لِئَلَّا تَجْتَمِع ثَلَاث لامات وَإِن أدخلت اللَّام الْمَفْتُوحَة أَو الْمَكْسُورَة على لَام الْمعرفَة لم تثبت ألفها فِي الْخط كَقَوْلِك لَلْرجل خيرٌ من الْمَرْأَة وللرجل أفضل وللهُ أفرح بتوبة عَبده بِغَيْر ألف بَين اللامين

(2/490)


بَاب الْمَوْصُول والمقطوع

وَفِيه فُصُول

أَحدهَا فِي النُّون اعْلَم أنّ النونَ الساكنةَ إِذا لقيها ميمٌ من كلمةٍ أُخْرَى حُذفت النّون فِي الخطّ من أجل الْإِدْغَام فِي اللَّفْظ كَقَوْلِك سلْ عمّ شِئْت و {عمّ يَتَساءلون} و {عمّا قَلِيل لَيُصْبِحُنَّ نادمين} وَمن ذَلِك {مَمَّ خلق} {وَمِمَّنْ حولَكُم} سواءٌ أَكَانَت استفهاماً أَو خبَراً وَقد فعل بعض ذَلِك فِي الْمُصحف وَهُوَ شَيْء بليغ
فصل

فِي إنْ وأنْ
إِذا لقيتها لَا كتبتها بِغَيْر نونٍ إِذا كَانَت عاملةً فِي الْفِعْل الَّذِي بعْدهَا كَقَوْلِك أريدُ أَلا تذهبُ وَفِي الشَّرْط إلاّ تذهبْ أذهبْ وَإِن لم تكن عاملة كتبته بالنُّون كَقَوْلِه تَعَالَى {لِئَلَّا يعلم أهل الْكتاب أَلا يقدرُونَ} لِأَن التَّقْدِير أنَّهم لَا يقدرُونَ لأنَّ بَينهمَا فاصلاً مقدّراً وَمثله علمت أنْ لَا خير فِيهِ

(2/491)


فأمّا لِئَلَّا فتكتب بِغَيْر نونٍ إِذا لم يكن هُنَاكَ اسْم مقدّر وبالنون إِذا كَانَ
فصل

فِي الْمِيم
إِذا لقِيت ميمٌ أمْ ميماً من كلمةٍ أُخْرَى كتبت ذَلِك بميمٍ وَاحِدَة كَقَوْلِه تَعَالَى {أم من هُوَ قَانِت} {أهم أَشد خلقا أم من خَلَقنا}
فصل

إِذا كَانَت فِيمَن استفهاماً وصلتها وإنْ كَانَت خَبرا قطعَتها كَقَوْلِك فِيمَن رغبت ورغبتُ فِي مَنْ رغبت وَمثله مَا فِي الْمَوْضِعَيْنِ
وتكتب كي لَا ولكي لَا مَقْطُوعَة

(2/492)


وتكتب هلا بلام وَاحِدَة مَوْصُولا
وتكتب بل لَا بلامين مَقْطُوعًا
وتكتبْ أيْنَما إِذا كَانَت مَا فِيهِ كَافَّة أَو زَائِدَة مَوْصُولا كَقَوْلِه تَعَالَى {فَأَيْنَما تُوَلُّوا فَثَمًّ وجهُ اللهِ} وَإِن كَانَت مَا بِمَعْنى الَّذِي كتبت مَقْطُوعَة كَقَوْلِه تَعَالَى {إنَّ مَا تُوعَدُون} وتكتب كلّما أتيتُك أكرمتني مَوْصُولا
فَإِن كَانَت مَا بِمَعْنى الَّذِي فَصَلْتَ كَقَوْلِك كلّ مَا تَأتيه حسنٌ
وَهَذَا حكم إنّما وأيّما
وتكتب حَيْثُمَا مَوْصُولَة وَهُوَ الْمُخْتَار وَقد فصلها بَعضهم وَفِي نعمّا وبئسما الْوَجْهَانِ

(2/493)