اللمحة في شرح الملحة [بَابُ الكَلاَمِ] 1
حَدُّ الْكَلاَمِ مَا أَفَادَ اَلْمُسْتَمِعْ ... نَحْوُ: سَعَى زَيْدٌ
وَعَمْروٌ مُتَّبِع
قد تقدّم الكلام في أنّه عِبَارةٌ عمّا يحسُن [السُّكوت] 2 عليه، ولا
يأتلف من أقلّ من كلمتين3؛ أحدُ رُكني الإسناد [فيهما الاسم] 4 عدا
الحرف إلاّ في النِّداء؛ لتضمُّنه معنى الفعل5.
وهو كما مَثَّل من قوله: [قام زيد، و] 6 زيدٌ قائم؛ فالجملة الأولى
تُسَمَّى الفعليّة، والثّانية تُسَمّى [الاسميّة؛ فإذا] 7 انفصل [3/أ]
تركيب
____________________
1 العنوان زيادة من المحقِّق؛ يقتضيه صنيعُه في بقيّة الأبواب.
2 ما بين المعقوفين غيرُ واضحٍ في أ.
3 لا يحصل التّركيب الّذي ينعقد به الكلام وتحصل منه الفائدة إلاَّ من
اسمين أُسْنِدَ أحدهما إلى الآخر؛ كإسناد (ذاهب) إلى (زيد) في قولنا:
(زيدٌ ذاهب) ؛ أو من اسم وفعل مُسند إلى الاسم، كإسناد (فاز) إلى
(التّائب) في قولنا: (فاز التّائب) .
فـ (زيد ذاهب) وشِبْهه جُملةٌ اسميّة لتصديرها باسم.
و (فاز التّائب) وشبهه جملةٌ فعليّة لتصديرها بفعل.
يُنظر: شرح الكافية الشّافية 1/159، وشرح المفصّل 1/20، وشرح ألفيّة
ابن معط 1/192، وأوضح المسالك 1/11.
4 ما بين المعقوفين غيرُ واضحٍ في أ؛ من أثر الرطوبة.
5 لأنّ حرف النّداء ناب عن الفعل: (دعوت) أو (ناديت) .
يُنظر: شرح ألفيّة ابن معطٍ 1/193.
6 ما بين المعقوفين غير واضحٍ في أ؛ من أثر الرطوبة.
7 ما بين المعقوفين غير واضحٍ في أ؛ من أثر الرطوبة.
(1/103)
الجملة عادَ كلّ واحدٍ منهما مُفْردًا،
ويُسَمَّى كلمةً1.
والكلمةُ هي: اللّفظة الدّالّة على معنىً مفردٍ بالوضع عند
النّحويّين2. وعند اللّغويّين هي: كلامٌ مستقلّ بنفسه؛ ومن ذلك قولهم
إذا أنشدوا بيتًا من قصيدة فيقولون: "من3كلمة له"؛فتصدُق الكلمة على
القصيدة4، ومن ذلك قوله صلّى الله عليه وسلّم: " أَصْدَقُ كَلِمَةٍ
قَالَهَا شَّاعِرٌ5؛ كَلِمَةُ لَبِيْدٍ6:
أَلاَ كُلُّ شَيْءٍ مَا خَلاَ اللهَ بَاطِلُ" 7 ... وَكُلُّ نَعِيمٍ
لاَ مَحَالَةَ زَائِلُ8
____________________
1 الكلمة فيها ثلاثُ لغاتٍ: كَلِمَةٌ، كِلْمَةٌ، كَلْمَةٌ.
يُنظر اللّسان (كلم) 12/523.
2 يُنظر: المفصّل 6.
3 في أ: ومن.
4 قال صاحب اللّسان: "الكلمة: تقع على الحرف الواحد من حروف الهجاء،
وتقع على لفظة مُؤلَّفة من جماعةِ حروفٍ ذاتِ معنىً، وتقعُ على قصيدة
بكمالها وخطبة بأسرِها". اللّسان (كلم) 12/524.
5 في: ب: الشاعر.
6 هو: لبيد بن ربيعة العامريّ، كان من شعراء الجاهليّة وفرسانها، أدرك
الإسلام فأسلم ثم قدِم الكوفة وأقام بها إلى أنْ مات وهو ابن مائة وسبع
وخمسين سنة في أوّل خلافة معاوية.
يُنظر: الاستيعاب 3/324، وأسد الغابة 4/ 514، والإصابة 3/326.
7 ورد هذا الحديث - من غير ذكر الشّطر الثّاني من البيت - في صحيح
البخاريّ، كتاب الأدب، باب ما يجوز من الشّعر والرّجز والحداء وما
يُكره منه، 8/64، وصحيح مسلم، كتاب الشِّعر، 4/1768، وسنن التّرمذيّ،
كتاب الأدب، باب ما جاء في إنشاد الشّعر، 5/140، وسنن ابن ماجه، كتاب
الأدب، باب الشِّعر، 2/1236.
8 هذا بيتٌ من الطّويل.
يُنظر: أسرار العربيّة 21، وشرح المفصّل 2/78، وشرح الكافية الشّافية
2/722، وابن الناظم 22، وأوضح المسالك 2/74، والتّصريح 1/29، والهمع
1/4، 3/261، والخزانة 2/255، والدّيوان 132.
(1/104)
وقيل: هي اللّفظُ الدّالُّ بالوضع على
معنىً مفرد1.
وقيل: اَلْجُزْءُ المفرد2.
وقيل: اللّفظة الموضوعة بإزاء معنىً، فهي أحد أنواع اسْم جِنْسٍ3 وهو
الكلم، لقبوله4: أن يصير5 نوعًا بدخول حرف الهاء عليه.
والكلم: يطلق6 على المفيد وغيره.
ولا ينعقد الكلام المفيد من فعلين، ولا من حرفين، ولا من فعل وحرف، ولا
من اسم وحرف؛ إلاّ في باب النِّداء7.
____________________
1 يُنظر: الكافية 59، وشرح ألفيّة ابن معطٍ /195، والفصول الخمسون 149.
2 يُنظر: المرتجل 5.
3 الكلم: اسم جنس جمعيّ، واحده: كلمة.
يُنظر: التّصريح 1/25، 26، والأشمونيّ 1/25، 26.
4 في كلتا النسختين لقوله، والأقرب الذي يستقيم عليه الكلام هو ما
أثبته
5 في أ: إن يصر، وهو تحريف.
6 في كلتا النسختين: ينطلق، والصواب ما هو مثبت.
7 لا ينعقد الكلام المفيد من فعلين؛ لأنّ الفعل نفسه خبر ولا يفيد حتّى
تُسنده إلى محدث عنه؛ ولا من حرفين لعدمهما جميعًا، ولا من فعل وحرف،
ولا حرف واسم؛ لأنّ الحرف جاء لمعنىً في الاسم والفعل فهو كالجزء
منهما، وجزء الشّيء لا ينعقد مع غيره كلامًا، ولم يفد الحرف مع الاسم
إلاّ في موطنٍ واحدٍ وهو النِّداء خاًصّة؛ وذلك لنيابة الحرف فيه عن
الفعل، ولذلك ساغت فيه الإمالة.
يُنظر: شرح المفصّل 1/20، والإيضاح في شرح المفصّل 1/62.
(1/105)
وَنَوْعُهُ الَّذِي عَلَيْهِ يُبْنَى ...
اسْمٌ وَفِعْلٌ ثُمَّ حَرْفُ مَعْنَى
أَنْواع الكلم ثلاثة؛ وهي: الاسم، والفعل، والحرف1.
لا يمكن أن تكون [3/ب] أربعةً؛ لوصول النّفوس إلى أغراضها من العبارة
بها؛ فوجب الاستغناء عن القسم الرّابع؛ وكذلك لا يمكن كونُها كلمتين؛
لاحتياجهم إلى القسم الثّالث.
فالاسم: بمنزلة الذّات؛ لأنّه لا يكون كلامًا إلاّ بوجوده2؛ فلذلك
تقدّم وَضْعًا، ومنه قولُ الشّاعر:
جَعَلَتْنِي3 كَالْحَرْفِ [جَاءَ] 4 لِمَعْنىً ... غَلَطًا مِنْ
ضَلاَلِهَا وَشَقَاهَا
وَأَنَا5 الاسْمُ لاَ يُتَمَّمُ6 شَيءٌ ... بِسِوَى وَضْعِهِ وَلاَ
يَتَنَاهى7
____________________
1 هذه الأقسام مُجْمَعٌ عليها؛ وشذّ في هذا من لا يُعتدّ بخلافه؛ وهو
أبو جعفر بن صابر، حيث ذهب إلى أنّ هناك قسمًا رابعًا؛ وهو اسم الفعل،
وسمّاه (الخالفة) ؛ والحقّ أنّ ذلك من أفراد الاسم وليس قسمًا من أقسام
الكلمة.
يُنظر: الهمع 1/7، 5/121، والأشمونيّ 1/23، والصّبّان 1/23.
2 في كلتا النسختين: لوجوده، والصواب ما هو مثبت.
3 في ب: جلعتني، وهو تحريف.
(جاء) ساقطة من ب.
5 في ب: وإنّما.
6 في ب: لا يتمّ، وهو تحريف.
7 هذان بيتان من الخفيف، ولم أقف على قائلهما. ومعناهما: أن الاسم لا
تتم جملة إلاّ بوجوده. ولم أجد من ذكر هذين البيتين.
(1/106)
وهو يُخبر به وعنه1.
والفعل: بمنزلة الحَدَث فهو مفتقرٌ إلى الإسناد إلى الاسم؛ لأنّه يخبر
به لا عنه.
والحرف: واسطة بين الذّات والحدث؛ والمراد به معنىً2 في غيره لا في
ذاته؛ فهو لا يخبر به ولا عنه؛ فلذلك تأخّر وَلَزِمَ توسُّط الفعل.
__________
1 في ب: يخبر عنه.
2 في كلتا النسختين: لمعنى، والصّواب ما هو مثبت.
(1/107)
بَابُ الاسْمِ:
فَالاسْمُ مَا يَدْخُلُهُ مِنْ وَإِلَى ... أَوْ كَانَ مَجْرُورًا
بِحَتَّى وَعَلَى
مِثَالُهُ: زَيْدٌ وَخَيْلٌ وَغَنَمْ ... وَذَا وَتِلْكَ1 وَالَّذِيْ
وَمَنْ وَكَمْ
اقتصر الشّيخ [رحمه الله تعالى] 2 من علامات الاسم على حروف الجرّ؛
لكونها أعمّ [4/أ] علاماته؛ لدخولها على المضمرات، كقولك: (أخذت منه) و
(أقبلتُ عليه) ؛ وعلى أسماء الإشارة، كقولك:
(عجبتُ من هذا الأمر) و (سِرْتُ إلى تلك المدينة) ؛ وعلى الموصول،
كقولك: (استعنتُ بالّذي لم يَخِبِ المستعينُ به) ؛ وعلى أسماء
الاستفهام، كقولك: (إلى متى؟) و (من أين؟) و (إلى كم؟) و (على كيف؟) .
ومن علائم الاسم3: أن يكون مُنوَّنًا، كقولك: (زيدٌ) ؛ مجرورًا، كقولك:
(قمتُ مِنَ الدّار) ؛ مُعَرَّفًا بالألف واللاّم، كقولك: (الرَّجل) ؛
مُصَغَّرًا، كقولك في رَاجِل: (رُويجل) ؛ مُخْبِرًا عنه، كقولك:
(اليوم4 مبارك) ؛ مثنّى، كقولك: (الزّيدان) ؛ مجموعًا، كقولك:
(الزّيدون) ؛ مضافًا، كـ (غلام زيد) ؛ منادًى، كقولك: (يا رجلاً) ؛
____________________
1 في متن الملحة 5، وشرح الملحة 43: وَذَا وَأَنْتَ.
2 ما بين المعقوفين زيادة من ب.
3 أوصل بعضُ النُّحاة علامات الاسم إلى ثلاثين علامة.
يُنظر: كشف المشكل 1/173، والأشباه والنّظائر 1/8.
4 تمثيله باليوم غير دقيق؛ لأنه يقترن بعلامة أخرى؛ فالأولى أن يمثّل
باسم لا تعرف اسميته إلاّ بواسطة الإخبار عنه؛ مثل الضمائر كأن يقول:
أنت مبارك.
(1/109)
منعوتًا، كقولك: (زيدٌ الكريمُ) .
فالاسم1: ما أبان عن مُسَمًّى؛ شخصًا كان أو غير شخصٍ.
وَحَدُّه2: كلمةٌ دَلّت على معنىً في نفسها3، غير مقترنةٍ بزمن4
مُحَصَّلٍ5.
فَمُحَصَّلٌ6: احترازٌ من7 الصَّبُوح والغَبُوق؛ لوقوع كلّ واحدٍ منهما
في وقتٍ لكنَّهُ غير مُحَصَّلٍ8.
____________________
1 الاسم: اللّفظ الموضوع على الجوهر أو العرَض لتفصل به بعضه من بعض،
كقولك مبتدئا اسم هذا كذا، وإنْ شئتَ قلتَ: اسْمُ هذا كذا.
وفي الاسم خمسُ لغات: اِسْم بكسر الهمزة، واُسم بضمّها، وسِمٌ بكسر
السّين، وسُمٌ بضمّها - ويروى سُمُهْ بضمّ السّين -، وسُمًى على وزن
عُلىً.
يُنظر: الإنصاف، المسألة الأولى، 1/16، وأسرار العربيّة 8، واللّسان
(سما) 14/401.
2 ذكر أبو البركات الأنباريّ أنّ النحويّين ذكروا في الاسم حدودًا
كثيرة تنيف على سبعين حدّاً. أسرار العربيّة 9، 10.
3 تحرُّزًا من الحرف؛ لأنّ الحرف يدلّ على معنىً في غيره. أمالي ابن
الشّجريّ 2/15.
4 تحرُّزًا من الفعل؛ لأنّ الفعل وُضِع ليدلّ على الزّمان. أمالي ابن
الشّجريّ 2/15.
5 أي: مميّز ومعيّن ومبيّن. اللّسان (حصل) 11/153.
6 وُصِفَ الزّمن بمُحَصَّل ليدخل في الحدِّ أسماءُ الفاعلين وأسماء
المفعولين والمصادر من حيث كانت هذه الأشياء دالّة على الزّمان لاشتقاق
بعضها من الفعل، وهو اسم الفاعل واسم المفعول، واشتقاقُ الفعل من بعضها
وهو المصدر إلاّ أنّها تدلّ على زمانٍ مجهول. أمالي ابن الشّجريّ 2/15.
7 في ب: فمحصّل يخرج الصّبوح والغبوق احترازًا من لوقوع كلّ واحد منهما
8 مراد الشّارح: أنّ الصّبوح: الشّرب وقت الغداة، والغبوق: الشّرب (من
اللبن فيهما) آخر النهار، فهو يدل على حدثٍٍ: الشرب في وقتٍ: أول
النهار، أو آخره؛ لكنّه غير محصَّل؛ لصلاحه للأزمان الثّلاثة: الماضي،
والحال، والمستقبل، ففارق: (اصطبَحَ) الدال على ذلك في زمن محصَّل هو
الماضي، و (يصطبحُ) الدال على الحدث في زمن محصّل هو الحال، أو
المستقبل، و (اصطَبحْ) الدال على حدث في زمن محصّل هو المستقبل.
(1/110)
واشتقاقه عند البصريّين من السُّمُوّ1؛
لأنّه عَالٍ على مُسَمَّاهُ، ولأنَّه2 سمَا على الفعل والحرف
لاستغنائِه عنهما؛ وعند الكوفيّين [4/ب] من السِّمَة3.
والاعتمادُ على القول الأوَّل؛ لدلالة الجمع والتّصغير على أُصول4
الأشياء، كقولهم في التّصغير: (سُمَيّ) ، وفي الجمع: (أسماء) 5.
____________________
1 السُّمُوُّ: الارتفاع والعُلُوُّ. اللّسان (سما) 14/397.
2 في ب: ولا، وهو تحريف.
3 السِّمة: العلاَمة. اللّسان (علم) 12/419.
4 في ب: أهول، وهو تحريف.
5 اختلف العلماء في أصل اشتقاق الاسم على قولين:
القول الأوّل: أنّه مشتقّ من السُّمُوِّ - وهو العُلُوّ -؛ لأنّه سما
على الفعل والحرف بكونه قد يستغني بنفسه عنهما؛ ولأنّه من (سما - يسمو)
ك (علا يعلو) ؛ ومنه (السّماءُ) لكلّ مرتفع؛ ولأنّ الاسم رَفَعَ
المُسمّى، وأخرجه إلى الوجود؛ فلولا الاسم لَمَا عُرف المُسمَّى،
فتبيَّنَ أَنّه من السُّموّ.
والأصل فيه: (سِمْوٌ) إلاَّ أنّهم حذفوا الواو من آخره، وعوّضوا الهمزة
في أوّله؛ فصار اسما وزنه (اِفْعٌ) لأنّه قد حذف منه لامه الّتي هي
الواو في (سِمْو) وهذا قول البصريين.
القول الثّاني: أنّه مشتقّ من السِّمة - وهي العلامة -؛ وذلك لكونِهِ
علامة يُعرف بها المسمّى. =
(1/111)
....................................................................
__________
= والأصل فيها: (وَسْم) إلاَّ أنّهم حذفوا الواو من أوّله وعوّضوا
مكانها الهمزة، فصار اسما وزنه (اِعْلٌ) لأنّه قد حذف منه فاؤه التّي
هي الواو في (وَسْم) ؛ وهذا قول الكوفيين.
يُنظر تفصيل المسألة في: شرح عيوان الإعراب 51، والإنصاف، المسألة
الأولى، 1/6، وأسرار العربيّة 5، والتّبيين، المسألة الرّابعة، 132،
وشرح المفصّل 1/23، وائتلاف النّصرة، فصل الاسم، المسألة الأولى، 27.
(1/112)
بَابُ الْفِعْلِ:
وَالْفِعْلُ مَا يَدْخُلُ قَدْ وَالسِّينُ ... عَلَيْهِ مِثْلُ: بَانَ
أَوْ يَبِينُ
(قد) حَرْفٌ يدخل على الماضي والمضارِع؛ فإذا دخل على الماضي قيل فيه:
حرفُ تَقْرِيْبٍ، وإنْ دخل على المضارِع1؛ فلا يخلو من الوجوب
والإمكان، فإنْ كان مُمْكِنًا2، قيل3: حرف تقليل، كقولك: (قد يقع
المطر) ، وإن كان واجبًا، كقولك: (قد تغرب الشَّمسُ) ، فهو4 حرف
تحقيقٍ5.
(والسِّين وسَوْفَ) حرفا تنفيسٍ، يختصّان بالمضارِع المستقبل6،
____________________
1 في أ: مضارع.
2 في ب: متمكّنًا.
3 في كلتا النّسختين: فقيل، وما أثبته هو الأولى.
4 في كلتا النسختين: وهو؛ وما أثبته هو الأولى.
5 جملة ما ذكره النّحويّون لـ (قد) خمسة معانٍ:
الأوّل: التّوقُّع. و (قد) تَرِد للدّلالة على التّوقّع مع الماضي
والمضارِع.
الثّاني: التّقريب. ولا ترد للدّلالة عليه إلاّ مع الماضي.
الثّالث: التّقليل. وترد للدّلالة عليه مع المضارع.
الرّابع: التّكثير.
الخامس: التّحقيق. وترد للدّلالة عليه مع الفعلين: الماضي والمضارِع.
والحاصل: أنّها تُفيد مع الماضي أحد ثلاثة معانٍ: التّوقّع، والتّقريب،
والتّحقيق؛ ومع المضارِع أحد أربعة معانٍ: التّوقّع، والتّقليل،
والتّحقيق، والتّكثير.
يُنظر: الجنى الدّاني 256، والمغني 227.
(سوف) أشدّ تراخيًا في الاستقبال من السّين وأبلغ تنفيسًا.
يُنظر: شرح المفصّل 8/148، والجنى الدّاني 59، 458، والمغني 184.
(1/113)
وقد يستعملان في الوعد والوعيد 1.
أَوْ لَحِقَتْهُ تَاءُ مَنْ يُحَدِّثُ ... كَقَوْلِهِمْ فِي لَيْسَ:
لَسْتُ أَنْفُثُ
من علائم الفعل: دخول الضّمائر على آخره؛ كتاء المتكلّم، وهي إذا كانت
لمتكلّم مبنيّة على الضّمّ، ويستوي2 فيها المذكّر والمؤنّث؛ فإن كانت
لمخاطبٍ فُتِحَتْ مع المذكّر وكُسِرَتْ مع المؤنَّث؛ فإن كان المؤنَّث
غائبًا كانت ساكنة3، [5/أ] كقولك: (بئست الفاجرة) ، وكذلك المشار
إليه4.
____________________
1 الأكثر في السّين الوعد؛ نحو قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا
وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدّاً}
[مريم: 96] ، وتأتي للوعيد؛ نحو قوله تعالى: {وَسَيَعْلَمُ الَّذِيْنَ
ظَلَمُواْ أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ} [الشّعراء: 227] .
أمّا سوف فتُستعمل كثيرًا في الوعيد والتّهديد، وقد تُستعمل في الوعد؛
مثال الوعيد: {وَسَوْفَ يَعْلَمُونَ حِينَ يَرَوْنَ العَذَابَ مَنْ
أَضَلُّ سَبِيْلاً} [الفرقان: 42] ، ومثال الوعد: {وَلَسَوْفَ
يُعْطِيْكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى} [الضّحى: 5] .
يُنظر: البُرهان في علوم القرآن 4/282، 283، والإتقان 1/212، ودراسات
لأسلوب القرآن الكريم 2/168.
2 في ب: تستوي فيه.
3 يُفهم من كلام الشّارح - رحمه الله تعالى - أنّه يرى أنّ تاء
التّأنيث السّاكنة ضمير؛ وهذا خلاف ما عليه الجمهور الّذين يرون أنّها
علامة تأنيث تلحق بالفعل إذا كان الفاعل مؤنّثًا.
4 يقصد الشّارح أن كاف الخطاب في نحو: (ذلكَ) تفتح مع المشار إليه
المذكّر، وتكسر مع المؤنث: (ذلكِ) .
(1/114)
ومنها: دخول ضمير الاثنين وهو الألف،
كقولك: (الرجلان قاما) ، وكذلك ضمير الجمع، كقولك: (النّاس قاموا) .
ومنها: دخول حرف الجزْم على أوّله ونون التّوكيد على آخره، كقولك: (لم
يقم زيدٌ) و (لا تُخْدَعنَّ بالباطل) وكقولك: (لم يَضْرِبَنْ) .
أَوْ كَانَ أَمْراً ذَا اشْتِقَاقٍ نَحْوَ: قُلْ ... وَمِثْلُهُ:
ادْخُلْ وَانْبَسِطْ وَاشْرَبْ وَكُلْ
من أنواع الفعل: الأمر، وشرطه: أن يكون مُشتقًّا من مصدر1، كقوله:
(ادخل وانبسط) فهما مشتقّان من الدّخول والانبساط؛ احترازًا من أسماء
الأفعال الّتي هي: (صَهْ) و (مَهْ) لدلالتهما على اهتمام السَّامع
بالسّكوت والكفّ مع خُلوّهما من الاشتقاق.
واشتقاق الفعل عند البصريّين من المصدر؛ ومذهب الكوفيّين أنّ المصدر
مشتقّ منه. والاعتماد على القول الأوّل؛ لدلالة الفرع على ما في أصله
مع الزّيادة عليه2.
____________________
1 الأمر: يشترط كونه مشتقًّا مأخوذًا من مضارع؛ لأنّه بهذه القيود طلب
إيجاد ما ليس بموجود؛ والأسماء أعيان ثابتة؛ فالأمر بإيجادها أمرٌ
بتحصيل الحاصل، وهو محال.
فإن قيل: المصادر أسماء وليس بأعيان. قلنا: الأمر من المصدر لا يمكن
إلاَّ بصيغة الفعل المشتقّ منه؛ وهو المطلوب. شرح ألفيّة ابن معطٍ
1/212.
2 اختلف العلماء في أصل الاشتقاق الفعل هل هو الفعل أو المصدر؟.
فذهب البصريّون إلى أنَّ الفعل مشتقّ من المصدر وفرع عليه؛ لأنّ المصدر
لا يدلّ على زمان مختصّ، والفعل في الأصل يدلّ على زمان مختصّ، فصار
كالمطلَق؛ فكما أنَّ المُطْلق أصل المُقَيَّد فكذلك المصدر أصل الفعل؛
ولأنّ المصدر اسمٌ، والاسم يقوم بنفسه، ويستغني عن الفعل، وأمّا الفعل
فإنّه لا يقوم بنفسه أصلاً، وما يقوم بنفسه أولى من الّذي لا يقوم إلاّ
مع غيره؛ ولأنّ الفعل يدلّ بصيغته على شيئين: الحدَث والزّمان المحْض،
والمصدر إنّما يدلّ بصيغته على شيء واحد وهو الحدث فقط، فصار كالواحد
مع الاثنين؛ فكما أنّ الواحد أصلُ الاثنين والاثنان ليسا أصلاً للواحد،
وكذلك المصدر الّذي هو يدلّ على شيء واحد أصلٌ للفعل الّذي هو يدلّ على
شيئين؛ ولأنّ المصدر له مثال واحد نحو: الضّرب والقتل، والفعل له أمثلة
مختلفة.
وذهب الكوفيّون إلى أنّ المصدر مشتقّ من الفعل وفرع عليه؛ لأنّ المصدر
يصحّ بصحّته ويعتلّ باعتلاله؛ ولأنّه ينطلق على المصدر عاملاً له من
غير واسطة، مثل: ضرب ضربًا؛ ولأنّ المصدر قد يُذكر تأكيدًا له، مثل:
ضربته ضربًا؛ ولأنّه قد توجَد أفعال لا مصادر لها، وذلك دليل على
أصالتها.
تُنظر هذه المسألة في: شرح عيون الإعراب 169، وأسرار العربيّة 171،
والإنصاف، المسألة الثّامنة والعشرون، 1/235، والتّبيين، المسألة
السّادسة، 143، وشرح المفصّل 1/110، وائتلاف النّصرة، فصل الفعل،
المسألة الأولى، 111.
(1/115)
وحَدُّهُ: كَلِمَةٌ دلّت على معنىً في
نفسها مقترنةٌ بزمنٍ مُحَصَّل1.
__________
1 مقترنة بزمنٍ محصّل: للفرق بينه وبين المصدر؛ وذلك أنَّ المصدر يدلّ
على زمان؛ إذِ الحدث لا يكون إلاَّ في زمان، لكن زمانه غير متعيّن كما
كان في الفعل؛ والحق: أنّه لا يحتاج إلى هذا القيْد، وذلك من قبل أنّ
الفعل وُضع للدّلالة على الحدَث وزمان وجوده ولولا ذلك لكان المصدر
كافيًا، فدلالته عليهما من جهة اللّفظ وهي دلالة مطابَقة. شرح المفصّل
7/2.
(1/116)
|