اللمحة في شرح الملحة

باب الأمر:
وَالأَمْرُ مَبْنِيٌّ عَلَى السُّكُونِ ... مِثَالُهُ: احْذَرْ صَفْقَةَ الْمَغْبُونِ
وَإِنْ تَلاَهُ أَلِفٌ وَلاَمُ ... فَاكْسِرْ وَقُلْ: لِيَقُمِ الْغُلاَمُ
أفعال الأمر مَبْنيّاتُ1 الأواخر على السّكونِ2 ما لم يلها3 حرف ساكنٌ، فإن وليها كُسِرت، كقولك: (اتَّقِ الله) .
ويجرى على هذا الحكم كُلُّ كَلمةٍ ساكنةٍ الآخِر؛ لامتناع الجمع بين ساكنين؛ فمِن ذلك الفِعْلُ المضارع المجزوم، كقولك: (لِيَقُمِ الغُلاَمُ) ؛
____________________
1 في ب: مبنيّ على السُّكون.
2 فعلُ الأمر مبنيٌّ عند البصريّين، ومعربٌ عند الكوفيّين والأخفش.
وعند الكوفيّين والأخفش أنّ نحو: (قم) و (اقعد) مجزوم بلام الأمر، وأنها حُذفت حذفًا مستمرًّا، والأصل: (لتقم) و (لتقعد) فحُذفت اللام تخفيفًا وتبعها حرف المضارعة.
ويبنى فعلُ الأمر على ما يجزم به مضارعه؛ فيُبْنى على السّكون إذا لم يتّصل به شيء، نحو: (اضرب) ؛ ويُبنى على حذف النّون إذا اتّصل به ألف الاثنين أو واو الجماعة أو ياء المخاطَبة نحو: (اضربا) و (اضربوا) و (اضربي) ، ويبنى على حذف حرف العلّة إنْ كان آخره معتلاًّ نحو (اغز) و (اخش) و (ارم) ؛ ويُبنى على الفتح إذا اتّصلت به نون التّوكيد نحو: (اجتهدنَّ) .
يُنظر: الإنصاف، المسألة الثّانية والسّبعون، 2/524، والتّبيين، المسألة الخامسة عشرة، 176، واللّباب 2/17، وشرح الرّضيّ 2/268، وأوضح المسالِك 1/27، وابن عقيل 1/41، وائتلاف النّصرة، فصل الفعل، المسألة الحادية عشرة، 125، والتّصريح 1/55.
3 في ب: يليها.

(1/135)


أو كانت اسمًا، كقولك: (كَمِ المالُ؟) ؛ أو كانت حرف معنىً، كقولك: (رميتُ عنِ القوس) .
وفَتْحُ (مِنْ) شاذّ1؛ ومنه قوله تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ} 2، وقد تُكْسَرُ3.
____________________
1 فتحُ (مِنْ) ليس شاذًّا؛ وإنما الغالب في نون (مِنْ) أنها تُفتح مع حرف التّعريف وتُكسر مع غيره، ولم تُكسر على الأصل استثقالاً لتوالي الكسرتين فيما يكثر استعماله وهو وُقوع (أل) بعد (مِنْ) والشارح متابعٌ للحريري في القول بشذوذ فتح النون في (من) .
قال سيبويه - رحمه الله -: "ونظير ذلك (أي: نظير فتح الميم من "ألم") قولهم: (مِن الله) و (مِنَ الرّسول) و (مِنَ الْمُؤْمنِين) ؛ لَمّا كثُرت في كلامهم ولم تكن فعلاً وكان الفتحُ أخفّ عليهم فتحوا، وشبّهوها بـ (أَيْنَ) و (كَيْفَ) ". الكتاب 4/153، 154.
ويُنظر: المساعِد 3/341، والهمع 6/180.
فالّذي رجّح الفتح عند سيبويه كثرة الاستعمال.
وأضاف السّيرافيّ إلى كثرة الاستعمال كسر الميم؛ فكرهوا توالي كسرتين لو كسروا النّون. قال: "وكان الكسائي يقول: إنّ (مِنْ) فتحت النّون فيها لأنّ أصلها منا" ولم يأت في ذلك بحجّة مقنعة".
يُنظر: شرح كتاب سيبويه للسّيرافيّ جـ2/ق 233/أ.
2 من الآية: 204 من سورة البقرة.
3 بعض العرب يكسر نون (مِن) مع (أل) على الأصل في التّخلُّص من السّاكنَيْن، ولم يبال بالكسرتين لعروض الثّانية. شرح الشّافية 2/247.
قال سيبويه: "وزعموا أنّ ناسًا من العرب يقولون: (مِنِ الله) فيكسرونه ويُجْرُونَهُ على القياس". الكتاب 4/154.
أمّا إذا ولي نون (مِن) ساكنٌ أخَر غير (لام التّعريف) فالمشهور كسر النّون على الأصل، نحو: (مِنِ ابنك) ، ولم يبال بالكسرتين لقلّة الاستعمال. شرح الشّافية 2/246.
وقال سيبويه: "وقد اختلفت العرب في (مِنْ) إذا كان بعدها ألف وصل غير ألف اللاّم؛ فكسره قومٌ على القياس، وهي أكثر في كلامهم، وهي الجيّدة. ولم يكسروا في ألف اللاّم لأنّها مع ألف اللاّم أكثر، لأنّ الألف واللاّم كثيرةٌ في الكلام في كلّ اسم، ففتحوا استخفافًا؛ فصار مَنِ الله - بكسر النّون - بمنزلة الشّاذّ. وذلك قولك: (منِ ابنكَ) و (منِ امْرِئٍ) . وقد فتح قومٌ فصحاءُ فقالوا: (منَ ابنك) فأجروها مجرى (منَ المسلمين) ". الكتاب 4/154، 155.

(1/136)


فَصْلٌ:
ودخول الهمزة على بعض أفعال الأَمر تَوصُّلٌ إلى النّطق بالسَّاكن إذْ1 هو غيرُ مُمْكِن 2؛ ويُعلم ذلك بدخول حرف المضارعة على الفعل وتنْظَر3، فإنْ كان ما بعدَه4 متحرِّكًا كقولك: (هو يَسِيْرُ) فتقول منه: (سِرْ) ، وإِنْ كان ما بعده ساكنًا كقولك: (يَذْهَبُ) فتقول منه: (اِذْهَبْ) .
وهذه الهمزة تُعْتَبَرُ حركتها من حركة ثالث الفعل المضارع؛ فإنْ كان مضمومًا كانت الهمزة مضمومة، فَتَأمُرُ مَنْ يَسْكُنُ فتقول: (اُسْكُنْ) بالضّمّ.
[9/أ] وإِنْ كان ثالثة مكسورًا نحو: (يَضْرِب) أو مفتوحًا كـ (يَذْهَبْ) فتكسر الهمزة، كقولك: (اِضْرِبْ) و (اِذْهَبْ) .
____________________
1 في ب: إذا.
2 في ب: غير متمكّن، وهو تحريف.
3 في ب: ويُنظر، وهو تصحيف.
4 في ب: ما بعد.

(1/137)


وكذلك الخُماسيُّ والسُّداسيّ نحو: (انْطَلَقَ) و (اسْتَخْرَجَ) ، تقول منه: (اِنْطَلِق) و (اِسْتَخْرِجْ) .
وأمّا الموضع الّذي تفتح فيه فهو إذا كان الفعل الماضي رُباعيًّا فتقول مِن أَكْرَم: (يُكْرِم) ، (أَكْرِم) ، قال تعالى: {وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللهُ إِلَيْكَ} 1.
فَصْلٌ:
وإنْ أمرت من فِعْلٍ مُضاعَفٍ لمذكّر كـ (شُدَّ) و (غُضّ) فلك فيه وجهان:
فَكُّ التّضعيف2؛ تقول: (اشْدُدْ) و (اغْضُضْ) بسكون آخره.
وإبقاؤه على3تشديده؛ فتقول: (غُضَّ البصر) .
وفي آخره وُجوهٌ:
الأَوّل: كسره لالتقاء السّاكنين كما تقدّم.
الثّاني: إتباع حركة ما قَبْلَهُ - وهي الضّمّ -، فتقول: (غُضُّ البَصَر) .
الثّالث: الفتحة طلبًا للخِفّة؛ فتقول: (غُضَّ) ؛ وعلى [9/ب] هذا4 يُنْشَد بيتُ جرير5:
____________________
1 من الآية: 77 من سورة القصص.
2 الفَكُّ: لغة أهل الحجاز، وبها جاء القرآن غالبًا.
يُنظر: التَّتِمَّة في التّصريف 204، وشرح الكافية الشّافية 4/2190، وأوضح المسالك 3/350، والأشمونيّ 4/352.
3 الإدغام لغة تميم. يُنظر: المصادر السّابقة.
4 أي: على الأوجه الثلاثة.
5 هو: أبو حزرة، جرير بن عطيّة اليربوعيّ، من فُحول شعراء الدّولة الأمويّة، كان مُجيدًا في النّسيب والمدح؛ وكان من أشدّ النّاس هجاءً؛ ونقائضه مع الفرزدق والأخطل مشهورة؛ وُلد ومات في اليمامة؛ وكانت وفاته سنة (110هـ) .
يُنظر: طبقات فحول الشّعراء 2/374، والشّعر والشّعراء 304، والأغاني 8/5 - 94، والخزانة 1/75.

(1/138)


فَغُضَّ الطّرْفَ إِنَّكَ مِنْ نُمَيْرٍ ... فَلاَ كَعْبًا بَلَغْتَ وَلاَ كِلاَبَا1
وهذا الفعلُ يُضمُّ أوّله إذا كان من مُتَعَدٍّ2، ويُكْسَرُ إذا كان من لازمٍ؛ فتقول: (فِرَّ من الفِتْنَة) ، قال الله تعالى: {فَفِرُّوا إِلَى اللهِ} 3؛ وهذا إذا كان لِمُفْرَدٍ مُذكّرٍ يُكْسَر آخِرُهُ ويُفتح ولا يُضمُّ4.
____________________
1 هذا بيتٌ من الوافر.
والشّاهد فيه: (فَغُضَّ الطّرْف) فإنه يروى بضمّ الضّاد وفتحها وكسرها؛ فأمّا ضمّها فعلى الإتباع لضمّة الغين قبلها، وأمّا فتحها فلقصد التّخفيف؛ لأنّ الفتحة أخفّ الحركات الثّلاث، وأمّا كسرها فعلى الأصل في التّخلّص من التقاء السّاكنين.
يُنظر هذا البيت في: الكتاب 3/533، والمقتضب 1/185، وشرح المفصّل 9/128، وشرح الشّافية 2/244، وأوضح المسالك 3/350، والتّصريح 2/401، والهمع 6/288، والأشمونيّ 4/352، والدّيوان 2/821.
2 الفعل المتعدّى نحو: (رُدَّ) و (غُضَّ) .
3 من الآية:50 من سورة الذّاريات.
4 يجوز في أمر المضاعف المدغم إذا كان مضموم العين في المضارع ثلاثة أوجه:
فتح اللاّم؛ لأنّ الفتح أخفّ الحركات، وكسرها؛ لأنّ الكسر هو الأصل في التّخلّص من السّاكنين، وضمّها (بإتباع اللاّم للعين في حركتها) ، تقول في: (عَدَّ) : (عُدُّ) و (عُدَّ) و (عُدِّ) ؛ وهذه لغة تميم؛ وأهل الحجاز يُظهرون التّضعيف في الأمر يقولون: (امْرُرْ بنا) و (اعدُدْ كذا) .
وإذا كان المضارع مفتوح العين أو مكسورها يجور فيه وجهان:
فتح اللاّم، وكسرها؛ وكذا الأمر منها: تقول في (عَضَّ) : (عضَّ) - بفتح الضّاد -، و (عَضِّ) - بكسرها على أصل الحركة عند التقاء السّاكنين -؛ وتقول في (فَرَّ) : (فِرِّ) و (فِرَّ) .
يُنظر: الكتاب 3/530 - 533، والمقتضب 1/184، 185، والتّتمّة في التّصريف 204، وشرح المفصّل 9/127، 128، والممتع 2/656 ـ 659.

(1/139)


وَإِنْ أَمَرْتَ مِنْ سَعَى وَمِنْ غَدَا ... فَأَسْقِطِ الْحَرْفَ الأَخِيرَ أَبَدَا
تَقُولُ: يَا زَيْدُ اْغْدُ فِي يَوْمِ الأَحَدْ ... وَاسْعَ إِلَى الْخَيْرَاتِ لُقِّيْتَ الرَّشَدْ
وَهَكَذَا قَوْلُكَ: إرْمِ1مِنْ رَمَى ... فَاحْذُ عَلَى ذَلِكَ فِيمَا اسْتَبْهَمَا
[فَصْلٌ2] :
[10/أ] الأمر من المعتلّ إذا كان آخر الفعل المضارِع حرف عِلَّةٍ حذفته في الأمر؛ فإنْ كان ألِفًا أبقيتَ بعد حذفها فتحةً لطيفةً تدلّ عليها، كقولك في الأمر من يسعى3: (اسعَ يا زيدُ) بِرَوْمِ4 الفتحة، قال الله تعالى: {فَتَوَلَّ عَنْهُمْ} 5.
____________________
1 في متن الملحة 8، وشرح الملحة 68: فِي ارْمِ مِنْ رَمَى.
2 ما بين المعقوفين ساقط من ب.
3 في ب: سعى.
4 الرَّوْمُ: هو الإتيان بالحركة خفيّة حرصًا على بيان الحركة الّتي تحرّك بها آخر الكلمة في الوصل؛ وذلك: إمّا حركات الإعراب، وهم بشأنها أَعْنَى لدلالتها على المعاني في الأصل، وإمّا حركات البناء كـ (أين) و (أمْسِ) و (قبل) .
وعلامة الرَّوْم: خطّ بين يدي الحرف هكذا: (زيد) .
وسمّى رومًا لأنّك تروم الحركة وتريدها حين لم تسقطها بالكليّة.
ويُدرك الرَّوْمُ الأعمى الصّحيح السّمع إذا استمع، لأنّ في آخر الكلمة صُوَيْتًا خفيفًا. شرح الشّافية 2/275.
5 من الآية: 174 من سورة الصّافّات.

(1/140)


وإنْ كان واوًا فتقول مِنْ يغدو: (اغْدُ) بِرَوْمِ الضّمّة، كقوله تعالى: {وَاتْلُ عَلَيْهِمْ} 1.
وإنْ كان ياءً أبقيت بعدها كسرة، كقوله تعالى: {فَاقْضِ مَا أَنْتَ قَاضٍ} 2 بِرَوْم الكسرة.
فإنْ وقفت على شيءٍ من ذلك فلك أن تقف عليه بالسّكون: (اخشْ) و (اغدْ) و (ارمْ) ؛ ولك أن تزيد عليه هاءً لبيان الحركة فتقول: (اخشه) ، (اغده) ، [ارمه3] ، كقوله تعالى: {فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ} 4.
وَالأَمْرُ5 مِنْ خَافَ خَفِ الْعِقاَبَا ... وَمِنْ أَجَادَ أَجِدِ الْجَوَابَا
إذا كان الفعل معتلّ6 العين فهو يسقط في حال الأمر لوجوب سكون آخره؛ لئلاّ يجتمع ساكنان؛ وذلك إذا أمرت به المفرد7 المذكّر، كقولك:
____________________
1 من الآية 27 من سورة المائدة.
2 من الآية: 72 من سورة طه.
3 ما بين المعقوفين ساقط من ب.
4 من الآية: 90 من سورة الأنعام.
5 في ب: فالأمر.
6 الفعل المعتلّ العين يُسمَّى أجوف تشبيهًا بالشّيء الّذي أُخذ ما في داخله فبقي أجوف؛ وذلك لأنّه تذهب عينُه كثيرًا، نحو: (قُلْتُ) و (بِعْتُ) و (لم يَقُلْ) و (لَمْ يَبِعْ) و (قُلْ) و (بِعْ) .
ويسمّى ذا الثّلاثة - أيضًا - اعتبارًا بأوّل ألفاظ الماضي، نحو: (قُلْتُ) ؛ لأنّهم يبتدئون بحكاية النّفس وهي على ثلاثة أحرف.
يُنظر: شرح الشّافية 1/34.
7 من كلمة (المفرد) يبدأ السّقط من (ب) إلى منتصف باب التّثنية بمقدار إحدى عشرة لوحة ينظر ص191 من النّصّ المحقق.

(1/141)


(خَف) و (بِعْ) و (قُلْ) 1؛ وكذلك إذا أمرت به جمع المؤنّث فتقول: (خَفْنَ) و (بِعْنَ) و (قُلْنَ) .
والمقرَّرُ من ذلك: أنّه متى التقى ساكنان أحدهما حَرفُ علّةٍ كان هو المحذوف2.
وَإِنْ يَكُنْ أَمْرُكَ لِلْمُؤَنَّثِ ... َقُلْ لَهَا: خَافِي رِجَالَ الْعَبَثِ
فإنْ كان الأمر لمؤَنَّثٍ مفردٍ، أو لمثنّى، أو لجماعة مذكّرٍ، أو اتّصل بالفعل [10/ب] نونا التّوكيد
الخفيفة أو الثّقيلة فتثبت حروف العلّة؛ لوجود المتحرّكات بعدها، فتقول: (خافي ياهذه) و (قولا) و (بيعا) و (خافوا يا هؤلاء) و (خافَنَّ الله يا زيد) و (خافَنَّ يا عمرو) .
فإنْ أمرت مِن (وَعَدَ) ومِنْ (وَزَنَ) فمضارِع هذين: (يَوْعِدُ) و (يَوْزِنُ) ؛ ولكنّهم لم يجمعوا بين الياء والواو فحذفوا فاء الفعل، فقالوا: (يَعِدُ) و (يَزِنُ) ؛ فالأمرُ من ذلك بسقوط حرف المضارعة، فتقول للمفرد المذكّر من (يَعِد) : (عِدْ) ، وللمؤنَّثِ المفرد: (عِدي يا هِنْدُ) ، وللمثنّى: (عِداني) ، والجمع: (عِدُوني يا رجال) و (عدنني يا نِسَاء) .
__________
1 الأصل في (خف) : (خاف) ، حذفت الألف لالتقائها ساكنة مع لام الكلمة.
وفي (قل) و (بِع) : (أقوُل) و (أبيِع) ؛ نقلت حركة العين إلى السّاكن قبلها فاستغني عن همزة الوصل، وحُذفت العين لسكونها مع سكون اللاّم.
2 يسقط حرف العلّة في الأمر في موضعين؛ وهما: إذا أمرت به المفرد المذكّر، أو أمرت به جمع المؤنّث؛ وقد وضّح الشّارح العلّة في ذلك.

(1/142)


باب الفعل المضارع:
وَإِنْ وَجَدْتَ هَمْزَةً أَوْ تَاءَ ... أَوْ نُونَ جَمْعٍ مُخْبِرٍ أَوْ يَاءَ
قَدْ أُلْحِقَتْ أَوَّلَ كُلِّ فِعْلِ ... فَإِنَّهُ المُضَارِعُ المُسْتَعْلِى
حروف المضارعة هي: الهمزة، والنّون، والتّاء، والياء.
فإذا اتَّصل أَحَدُهَا بأَوّل فعلٍ ماضٍ سُمّيَ مُضارِعا وَعَادَ مَعَهَا. [مُعْرَباً1] .
فالهمزة تختصّ بالمتكلّم، ويستوي فيه المذكّر والمؤنَّث، كـ (أَنَا أَفْعَلُ) .
والنّون إذا كان معه [11/أ] غيره، كـ (نَحْنُ نَفْعَلُ) ، أو يكون معظّماً نَفْسَهُ.
والتّاء للمذكّر الحاضر، كـ (أَنْتَ تَفْعَلُ) .
والياء للمذكّر الغائب، كـ (هُوَ يَفْعَلُ) .
ونون العظمة تختصّ باسم الله تعالى.
وأمّا قولُ الملوك: (نَحْنُ نَفْعَلُ) ؛ قيل: لَمّا كانت تصاريف أقضية الله تعالى تجري على أيدي خَلْقِهِ نُزِّلَتْ أفعالهم منزلة فِعْلِه مجازًا؛ وعلى هذا الحكم يجوز أن يَنطق بالنّون مَن لا يباشِر الأمر بنفسه.
وأمّا قولُ العَالِم: (نَحْنُ نبيِّنُ) ؛ فهو مُخْبِرٌ عن نفسه وأَهْلِ مقالته.
وَلَيْسَ فِي الأَفْعَالِ فِعْلٌ يُعْرَبُ ... سِوَاهُ والتِّمْثَالُ فِيهِ: يَضْرِبُ2
هذا الفعل شابه الاسم.
____________________
1 ما بين المعقوفين زيادة يقتضيها السّياق..
2 في متن الملحة 9، وشرح الملحة 75: والتَّمْثِيلُ فِيهِ: يَضْرِبُ.

(1/143)


والمضارعة هي: المشابَهة؛ فلذلك أُعْرِبَ1.
وتوجيه ذلك: أنّه يكون مُبْهما زمني الحال والاستقبال، كما يكون الاسم مُبْهما في حال تنكيره.
ويكون مُخْتَصا بدخول حرف التَّنفيس عليه، كما يختصّ الاسم بدخول حرف التّعريف عليه.
وتدخلُه لام الابتداء، كقولك: (لزيدٌ قائم) 2.
وهو جَارٍ على حركات الاسم وسَكَنَاته وعدد حروفه في قولك: (هو يَضْرِبُ) ، (زَيْدٌ ضَارِبٌ) ، فلمَّا شابه المُعْرَبَ أُعْرِبَ.
____________________
1 أُعرب الفعل المضارِع لمشابهته الاسم من عِدّة أوجه - ذكر الشّارح منها ثلاثة أوجه - ومنها:
1- أنّ هذا الفعل يشترك فيه الحال والاستقبال فأشبه الأسماء المشتركة؛ كالعين ينطلق على العين الباصرة وعلى عين الماء، وعلى غير ذلك.
2- أن يكون صفة كما يكون الاسم كذلك، تقول: (مررت برجل يضرب) ، كما تقول: (مررت برجل ضارب) ، فقد قام (يضرب) مقام (ضارب) .
أسرار العربيّة 27.
ويُنظر: التّبصرة 1/76، 77، واللّباب 2/20، وشرح المفصّل 7/6، وشرح ألفيّة ابن معطٍ 1/241.
2 لام الابتداء تدخل على الفعل المضارِع في خبر (إنّ) ، كما تدخل على الاسم، تقول: (إنّ زيدًا ليقوم) ، كما تقول: (إنّ زيدًا لقائم) .
ولا تدخل هذه اللاّم على الفعل الماضي والأمر؛ لبُعد ما بينهما وبين الاسم، فلا تقول: (إنّ زيدًا لقام) و (وَلأَكرِمْ زيدًا يا عمرو) .
يُنظر: التّبصرة 1/76، 77، وأسرار العربيّة 26، واللّباب 2/20، وشرح المفصّل 7/6.

(1/144)


[11/ب]
وَالأَحْرُفُ الأَرْبَعَةُ المُتَابَعَهْ ... مُسَمَّيَاتٌ أَحْرُفَ المُضَارَعَهْ
وَسِمْطُهَا الْحَاوِي لَهَا نَأَيْتُ ... فَاسْمَعْ وَعِ الْقَوْلَ كَمَا وَعَيْتُ
السِّمْطُ1: الشّيءُ المنظوم كالقلادة والعِقْد.
قال: هذه يَجْمَعُهَا كلمةُ: (نَأَيْتُ) ؛ ويجمعها - أيضا -: (أنيت) و (أَتَيْنَ) و (تَنْأَي) .
وَضَمُّهَا مِنْ أَصْلِهَا الرُّبَاعِي ... مِثْلُ: يُجِيْبُ مِنْ أَجَابَ الدَّاعِي
يقول: إنّ هذه الحروف تكون مضمومةً إذا كان ماضي2ما اتّصلت به رُباعيا، كـ (يُجِيْبُ) مْن (أَجَابَ) ، و (يُصِيْبُ) مِن (أَصَابَ) .
وَمَا سِوَاهُ فَهْيَ مِنْهُ تُفْتَتَحْ ... وَلاَ تُبَلْ أَخَفَّ وَزْنٌ أَمْ رَجَحْ
يقول: إِنَّ المضارِع إن نقص ماضيه عن هذه الأربعة أحرف، كقولك: (ذَهَبَ) فلا يُضمّ أوّله بل يكون مفتوحا، كقولك: (يَذْهَبُ) ؛ وكذلك إذا زاد عليه؛ كالخُماسيّ والسُّداسيّ.
[12/ أ]
مِثَالُهُ: يَذْهَبُ زَيْدٌ وَيَجِي ... وَيَسْتَجِيْشُ تَارَةً وَيَلْتَجِيِ
____________________
1 السِّمْطُ: هو الخيط الّذي تُنْظَمُ فيه الخَرَزُ.
يُنظر: اللّسان (سمط) 7/322.
فهنا شبَّه النّاظم -رحمه الله- اجتماعَ الحروف المتفرّقة في كلمة واحدة باجتماع الخرز المُنْتَظِم فِي خيطٍ واحدٍ.
2 في أ: ما مضى، وهو تحريف.

(1/145)


قد مَثَّل ما نَقَصَ من الرُّباعيّ بفعلين:
أحدهما: سالم1؛ وهو: (يذهب) .
والآخرُ: مهموز2؛ وهو: (يجيء) .
وممّا زاد عليه بفعلين:
أحدهما: سُداسيّ،
والآخَر: خُماسيّ؛ فتقول: (يستجيش زيدٌ) ، مِن (استجاش) ، و (يلتجيء) مِن (التجأ) .
__________
1 السّالم: من أقسام الفعل الصّحيح؛ وهو: ما سلِمت حروفه الأصليّة من حروف العلّة، والهمزة، والتّضعيف.
يُنظر: شرح مختصر التّصريف العزّيّ 30.
2 المهموز: من أقسام الفعل الصّحيح؛ وهو: ما أحدُ حروفه الأصليّة همزة، كـ (أمر) و (سأل) و (قرأ) .
يُنظر: شرح الشّافية 1/33، 34، وشرح مختصر التّصريف العزّيّ 169.

(1/146)


باب الإعراب
وَإِنْ تُرِدْ أَنْ تَعْرِفَ الإِعْرَابَا ... لِتَقْتَفِي فِي نُطْقِكَ الصَّوَابَا
الإعراب في اللّغة1: هو البيانُ؛ يُقال: (أَعْرَبَ الرّجلُ عمَّا في نفسه) أي: أَبَانَ عَنْهُ.
وقيل: هو التّحسين، من قوله تعالى: {عُرُبًا أَتْرَابًا} 2؛ لأنّ العَرُوْبَ المُتحسِّنة3.
وقيل فيه: التّغييرُ، من قولهم: (عَرِبَتْ مَعِدَةُ الفَصِيْلِ) إِذا تَغَيَّرت؛ وأعْرَبْتُها4: إذا أَزَلْتُ فَسَادَهَا5.
____________________
1 يُطْلَق الإعراب في اللّغة على عدّة معان، غير ما ذكر الشّارح- رحمه الله-.
يُنظر: مقاييس اللّغة (عرب) 4/299- 301، واللّسان (عرب) 1/586- 593، والأشمونيّ 1/47، وحاشية ياسين على التّصريح 1/59.
2 الآية: 37 من سورة الواقعة.
3 العَرُوْبُ: المتحبِّبَةُ إلى زوجها؛ وقيل: المحسِنَةُ للكلام؛ وقيل: العاشقة لزوجها.
يُنظر: الصِّحاح (عرب) 2/180، والجامع لأحكام القرآن 17/137، والبحر المحيط 10/82.
4 في أ: عربتها، والصّواب ما هو مثبَت.
5 يقال: (أعربت الكلام) أي: أزلت عَرَبه- وهو فساده-؛ وصار هذا كقولك: (أعجمتُ الكتاب) إذا أزلت عُجمته؛ (واشكيت الرجل) إذا أزلت شكايته؛ وهذه الهمزة تسمّى (همزة السّلب) .
يُنظر: أسرار العربيّة 19، واللّباب 1/53، وشرح الشّافية 1/83، 91.

(1/147)


فالمُعْرَبُ: يتغيّر بتغيّر العوامِل الدّاخلة عليه لاختلاف المعاني من حَالٍ إلى حَال؛ وهو أحسنُ في اللّفظ من العاري من الحركات الموجِبَةِ له. وذلك التّغييرُ يكون لفظًا في السّالم، وتقديرًا في المعتلّ1.
فَإِنَّهُ بِالرَّفْعِ ثُمَّ الْجَرِّ ... وَالنَّصْبِ وَالْجَزْمِ جَمِيْعًا يَجْرِي
[12/ ب] وألقَابُه أَرْبَعَةٌ؛ وهي: رَفْعٌ، وَنَصْبٌ، وَجَرٌّ، وَجَزْمٌ.
والبِنَاءُ2: ضِدُّ الإعرابِ، وهو مثله في اللّفظ3.
وألقابُه أَرْبَعَةٌ؛ وهي: ضَمٌّ، وَفَتْحٌ، وَكَسْرٌ، وَوَقْفٌ.
وَذُكِرَ البِنَاءُ هاهُنا وإنْ لم يكن في بابه؛ للاحتياج4إلى ذكره في سائر الأبواب.
والمُعْرَبُ من الكلام كلمتان؛ وهما: الاسم المتمكّنُ5، والفعل المضارع.
____________________
1 أراد بالسّالم: الصّحيح، نحو زيدٌ؛ ممّا تظهر عليه الحركات.
وبالمعتلّ: ما خُتم بحرف علّة ولم تظهر عليه الحركات، نحو: (موسى) .
2 البناء هو: لُزُوم آخر الكلمة سكونًا أو حركة، نحو (كَمْ) و (حَيْثُ) و (هؤلاء) و (الّذين) ، وما أشبه ذلك ممّا لا تغيّره العوامِل.
وسُمّي بناءً لأنّه لا يزول، ولا يتغيّر بدخول العوامِل المختلفة.
يُنظر: التّبصرة 1/76، وأسرار العربيّة 19، وكشف المشكِل 1/238.
3 أي: إنّ المبنيّ لا تختلف الحركة في آخره عن المعرب؛ فهو يسكن، ويُفتح، ويُكسر، ويُضمّ؛ كما إنّ المعرب كذلك.
4 في أ: الاحتياج، ولا يستقيم الكلام بها؛ فلعلّ الكلمة كما أثبتّها.
5 الاسم ضربان: متمكّن- وهو المعرب-، وغير متمكّن- وهو المبني-.
والمتمكّن ضربان: متمكّن أمكن؛ وهو المنصرف، كـ (زيدٍ) و (عمرو) .
ومتمكّن غير أمكن؛ وهو غير المنصرف، كـ (أحمدَ) و (مساجد) .
يُنظر: التّبصرة 1/81، وشرح التّسهيل 1/39، والمساعِد 1/22، وابن عقيل 1/38.

(1/148)


فالرَّفْعُ هُوَ أَتمُّ ألقاب الإعراب؛ ولهذا كان إعرابًا لِمَا هو عُمدةٌ في الكلام وهو الفاعل وما حُمِلَ عليه، والنّصب والجرّ لا يُوْجَدَان1حتَّى يتقدَّمهما الرّفعُ، كقولك: (ضَرَبَ زَيْدٌ عَمْرًا) وَ (مَرَرْتُ بِزَيْدٍ) .
والنّصبُ عُمْدَةُ المفعولِ وما حُمِل عليه، والجرُّ عُمْدَةُ الإضافة وما جرى مَجْراهَا.
فَالرَّفْعُ وَالنَّصْبُ بِلاَ مُمَانِعِ ... قَدْ دَخَلاَ فِي الاسْمِ وَالمُضَارِع
وَالْجَرُّ يَسْتَأْثِرُ بِالأَسْمَاءِ ... وَالْجَزْمُ فِي الْفِعْلِ2بِلاَ امْتِرَاءِ
الاسم المُعْرَبُ: هو المتمكّن؛ وهو ما لم يشابه الحرف، ولم يتضمّن معناه، ولم يَقَعْ مَوْقِعَ المبنيّ؛ فهو والمضارع يشتركان في الرّفع والنّصب، كقولك: (زَيْدٌ يَذْهَبُ) ، و (إِنَّ عَمْرًا لن يَرْكَبَ) .
[13/ أ] ويختلفان3في الاختصاص؛ فالاسم يختصّ بالجرّ، والفعل يختصّ بالجَزْمِ
واختصاص الاسم بالجرِّ إمّا بإضافة حَرْفٍ إلى اسمٍ، [أ] وْ4 بإضافة اسمٍ إلى اسم؛ ويُعْلَمُ من ذلك إمَّا مِلْكٌ، أو اسْتِحْقَاقٌ.
____________________
1 في أ: لا توجدان، وهو تصحيف.
2 في متن الملحة 9: وَالْجَزْمُ بِالْفِعْلِ.
3 في أ: تختلفان، وهو تصحيف.
4 ما بين المعقوفين زيادة يقتضيها السّياق.

(1/149)


فامتنع الجرُّ من الأفعال1؛ لأنَّها لا تُملَكُ ولا تُستَحقّ لكَوْنَها2 ليست من الذّوات.
امتنع الجزْم من الاسم3؛ لأنّه حَذْفٌ4، ولو حُذِفَ بعضُ الاسم كما يحذف فاءُ الفعل، أو عينُه، أو لامُه، لتغيَّرتْ صيغة الاسم عمَّا كانت عليه، والفعل ليس هُوَ كَذَلِكَ.
____________________
1"إنّما لم يدخل الجرّ الأفعال؛ لأنَّ الجرَّ لا يكون إلاَّ بأدوات من الحروف، والأسماء يستحيل دخولها على الفعل؛ لقلّة الفائدة في ذلك؛ ألا ترى أنّه لا فائدة في قولك: (غُلامُ يذهب) بالإضافة، ولا في: (مررت بيقوم) ؛ والكلام وُضِعَ للفائدة فلمّا لم يكن في دخول أدوات الجرّ على الأفعال فائدة تُرِك جَرُّها أصلاً.
ووجهٌ آخر وهو: أنّ الفعل والفاعلَ كالشّيء الواحد، والمجرور يقوم من الاسم الجارّ مقامَ التّنوين؛ فلم يجز أن يقوم الفعل والفاعل- وهما شيئان قَوِيَّان- مقام التّنوين وهو حرف ضعيف". التّبصرة 1/80.
ويُنظر: شرح عيون الإعراب 56، وكشف المشكِل1/231، وشرح المفصّل7/10، 11.
2 في كلتا النسختين: كونها؛ وما أثبتّه هو الأولى.
3 "وإنّما لم تُجزم الأسماء؛ لتمكّنها ولزوم الحركة والتّنوين لها؛ فلو جزمت لأبطل الجازم الحركة، وإذا زالت الحركة زال بزوالها التّنوين؛ لأنّ التّنوين تابعٌ للحركة ولو زالا اختلّت الكلمة بذهاب شيئين؛ أحدهما: الحركة وهو دليل كونها فاعلة أو مفعولة أو مضافاً إليها؛ والآخر: التّنوين الّذي هو دليل كونه منصرفًا". شرح المفصّل 1/73.
ويُنظر: التّبصرة 1/80، 81، وشرح عيون الإعراب 55، 56، وكشف المشكِل 1/231، واللُّباب 1/65.
4 في كلتا النسختين: لأنّه منه حذف؛ ويستقيم المعنى بدون (منه) .

(1/150)


فَالرَّفْعُ1 ضَمُّ آخِرِ الحُرُوفِ ... وَالنَّصْبُ بِالْفَتْحِ بِلاَ وُقُوفِ
وَالْجَرُّ بِالْكَسْرَةِ لِلتَّبْيِينِ ... وَالْجَزْمُ فِي السَّالِمِ بِالتَّسْكِيْنِ
حَرْفُ الإعراب من كُلّ معرب: آخِرُهُ كـ (دالِ زَيْدٍ) و (ميم يقوم) ؛ وذلك لأنَّهُ كالصِّفَةِ؛ والصِّفَةُ لا تأتي إلاَّ بعد كَمَالِ المَوْصُوفِ، ولا سَبِيْلَ إلى معرفته إلاَّ بعد كَمَالِ صيْغَتِهِ.
وأصلُ الاسم الإعرابُ2؛ وذلك لدلالته بصِيغةٍ واحدةٍ على مَعَانٍ مُخْتَلِفَةٍ فاحتيج إلى إعرابه، لتبيين تلك المعاني3؛ والبناءُ فيه [13/ ب] فَرْعٌ
والفعل أصله البناءُ؛ لدلالته بالصِّيغ المختلفة على المعاني المختلفةِ؛
____________________
1 في شرح الملحة 81: وَالرَّفْعُ.
2 هذا مذهب البصريّين؛ وذهب الكوفيّون إلى أنَّ الإعراب أصلٌ في الأسماء والأفعال؛ وقيل: هو أصلٌ في الفعل، فرعٌ في الاسم.
تُنظر هذه المسألة في: الإيضاح في علل النّحو 77 - 82، وأسرار العربيّة 24، والتّبيين، المسألة الثّامنة، 153، وابن عقيل 1/39، 40، والمساعِد 1/20، والهمع 1/44، 45.
3 الأسماء تتضمّن معاني مختلفة نحو: (الفاعليّة) و (المفعوليّة) و (الإضافة) ؛ فلو لم تُعرب لالتبست هذه المعاني بعضها ببعض؛ يدلُّك على ذلك أنّك لو قلت: (ما أحسنَ زيدًا!) لكنتَ متعجِّبًا، ولو قلتَ: (ما أحسنَ زيدٌ) لكنتَ نافيًا، ولو قلتَ: (ما أحسنُ زيدٍ؟) لكنتَ مستفهمًا عن أيّ شيء منه حَسَن؛ فلو لم تعرب في هذه المواضع لالتبس التّعجّب بالنّفي، والنّفي بالاستفهام، واشتبهت هذه المعاني بعضها ببعض؛ وإزالة الالتباس واجب.
أسرار العربيّة 24، 25.

(1/151)


فأغنى اختلاف صيغه عن إعرابه1، والإعراب فيه فَرْعٌ
وسُمِّيَ الضَّمُّ رَفْعًا؛ لانضمام الشّفتين به، إذْ هُمَا أرفع الفَمِ2.
وسُمِّيَ الفَتْحُ نَصْبًَا؛ لأنَّ الفتحة إذا أُشْبِعتْ صارت ألفًا؛ والنُّطْقُ به انتصابٌ إلى أعلى الحَنَكِ3.
وسُمِّيَتْ الكسرةُ جَرًّا؛ لِهُوِيِّ النّطق بها سُفْلاً؛ فكأنَّهُ مَأخُوذٌ من جَرِّ الجبل وهو سَفْحُهُ4.
وسُمِّيَ الجَزْمُ جَزْمًا؛ لقطع الحركة أو الحرفِ؛ لأنَّهُ في اللّغة: القَطْعُ5.
____________________
((كقولك: (قام) إذا أردتّ الزّمان الماضي، و (سيقوم) إذا أردتّ المستقبَل، و (يقوم الآن) إذا أردتّ الحال)) . التّبصرة 1/76.
2 قال الزّجّاجيّ في الإيضاح 93: "نسبوا الرّفع كلّه إلى حركة الرّفع؛ لأنّ المتكلّم بالكلمة المضمومة يرفع حنكه الأسفل إلى الأعلى، ويجمع بين شفتيه، وجُعِل ما كان منه بغير حركة موسومًا أيضًا بسمة الحركة لأنّها هي الأصل".
وقال الحيدرة اليمنيّ: "وذلك أنّ الفاعل والمبتدأ لَمّا كانا شريفين سُمِّيَ إعرابُهما رفعًا". كشف المشكل 1/230.
3 "المتكلّم بالكلمة المنصوبة يفتح فاه؛ فيبيّن حنكه الأسفل من الأعلى؛ فيبين للنّاظر إليه كأنّه قد نصبه لإبانة أحدهما عن صاحبه". الإيضاح 93.
وقيل: "المفعول وشبهُه لَمّا كانت حركته خفيفة تخرج بغير تكلّف سمّيت نصبًا؛ والنّصب: الصّوت الحسن السّهل". كشف المشكل 1/231.
4 قال صاحب اللّسان (جرر) 4/130: "الجرُّ: أصل الجبل وسَفْحُهُ؛ والجمع: جِرارٌ، قال الشّاعر:
وَقَدْ قَطَعْتُ وَادِيًا وَجَرَّا
وفي حديث عبد الرّحمن: رأيته يوم أُحُد عند جَرِّ الجبل - أي: أسفله -".
5 اللّسان (جزم) 2/97.

(1/152)


وأصل الإعراب الحركة1؛ وأصل البناءُ السُّكون2؛ والحرفُ مبنيٌّ ولا حظَّ له في الإعراب3.
__________
1 إنّما كان الأصل في علامات الإعراب الحركات دون الحروف لثلاثة أوجه:
أحدها: أنّ الإعراب دالٌّ على معنىً عارِضٍ في الكلمة؛ فكانت علامته حركة عارضة في الكلمة لِمَا بينهما من التّناسب.
والثّاني: أنّ الحركة أيسر من الحرف؛ وهي كافية في الدّلالة على الإعراب؛ وإذا حصل الغرض بالأيسر لم يُصَرْ إلى غيره.
والثّالث: أنّ الحرف من جملة الصِّيغة الدّالّة على معنى الكلمة اللاّزم لها؛ فلو جعل الحرف دليلاً على الإعراب لأدّى ذلك إلى أن يدلّ الشّيء الواحد على معنيين؛ وفي ذلك اشتراك؛ والأصل أن يُخصّ كلّ معنى بدليل. اللّباب 1/54، 55.
2 إنّما كان الأصل في البناء السّكون لوجهين:
أحدهما: أنّه ضدُّ الإعراب، والإعرابُ يكون بالحركات، فضدّه يكون بالسّكون.
والثّاني: أنّ الحركة زِيدَتْ على المعرب للحاجة إليها؛ ولا حاجة إلى الحركة في المبنيّ، إذْ لا تدلّ على معنى. اللّباب 1/66.
3 الحروف كلّها مبنيّة، لا حظّ لها في الإعراب؛ لأنّها لا تنصرف ولا يعتور عليها من المعاني ما يحتاج إلى الإعراب لبيانها، فبُنيت لذلك. ابن النّاظم 32.
ويُنظر: ابن عقيل 1/43.

(1/153)