اللمحة في شرح الملحة

باب التنوين:
وَنَوِّنِ الاِسْمَ الْفَرِيْدَ المُنْصَرِفْ ... إِذَا انْدَرَجْتَ1 قَائِلاً وَلاَ تَقِفْ
التَّنوين2: نُونٌ سَاكِنَةٌ تَثْبُتُ وَصْلاً، وتَسْقُطُ وَقْفًا.
وَهُوَ أَنواعٌ:
تنوينُ تمكين3، كـ (زيْدٍ) وَ (رَجُلٍ) .
وتنوينُ تنكير4 وهو: ما يلزمُ الأسماءَ بعد التَّعريف تَنْكِيْرًا، نحو: (مَهْ) و (صَهْ) ، فتقول: (مَهٍ) و (صَهٍ) ؛ و (سيبويهِ) [14/أ] و (سيْبَوَيْهٍ) آخر.
وتنوين مُقَابَلةٍ5، كـ (مُسْلِمَاتٍ) و (صَالحاتٍ) .
____________________
1 في متن الملحة 10، وشرح الملحة 38: إِذَا دَرَجْتَ.
2 التّنوين لغةً: مصدر نوّنت الحرف، أي: ألحقته نونًا؛ ويُطلق على التّصويت.
واصطلاحًا: هو نون ساكنة تلحق الآخر لفظًا لا خطًّا لغير توكيد.
يُنظر: نتائج الفكر 86، واللّسان (نون) 13/429، وأوضحُ المسالِك 1/13، والصّبّان 1/30.
3 ويسمّى: تنوين الأمكنيّة، وتنوين الصّرف: وهو اللاّحق للأسماء المُعْربة كما مَثَّل.
وفائدته: الدّلالة على خفّة الاسم وتمكّنه في باب الاسميّة؛ لكونه لم يشبه الحرف فيبنى، ولا الفعل فيمنع من الصّرف.
يُنظر: الكتاب 1/22، وأوضح المسالك 1/13، وابن عقيل 1/22، والتّصريح 1/32.
4 تنوين التّنكير هو: اللاّحق لبعض الأسماء المبنيّة فرقًا بين معرفتها ونكرتها كما مثَّل.
يُنظر: أوضح المسالك 1/13، وابن عقيل 1/22، والتّصريح 1/32.
5 تنوين المُقَابَلة هو: اللاّحق لجمع المؤنّث السّالم- كما مثَّل-، في مقابلة النّون في جمع المذكّر السّالم.
يُنظر: ابن عقيل 1/22، والتّصريح 1/33.

(1/155)


وتنوين عِوَضٍ وهو: ما جيءَ به عِوَضًا عَنْ جُمْلَةٍ مَحْذُوْفةٍ، ك (يومئذٍ) و (حينئذٍ) ؛ فـ (إذٍ) ظرف زَمَانٍ مبنيّ؛ لافتقاره إلى جملةٍ يُضَافُ إليها، فَحُذِفَت الجملة للعلم بها وعُوِّضَ عنها بالتّنوين، وكُسِرَ ذَاْلُ (إذ) لالتقاء السّاكنين؛ وهما: الذّال والتّنوين.
ومنه قَوْلُ أبي ذُؤَيْبٍ1:
نَهَيْتُكَ عَنْ طِلاَبِكَ أُمَّ عَمْرٍو ... بِعَافِيَةٍ وَأَنْتَ إذٍ صَحِيْحُ2
____________________
1 هو: خويلد بن خالد بن محرِّث الهذليّ: شاعرٌ فحل، مخضرَم، أدرك الجاهليّة والإسلام؛ وهو أشعر هُذيل من غير مدافَعة؛ توفّي في مغزىً نحو المغرب.
يُنظر: طبقات فحول الشّعراء 1/131، والشّعر والشّعراء 435، والمؤتلف والمختلف 173، والخزانة 1/422.
2 هذا بيتٌ من الوافر.
والمعنى: يذكِّر قلبه بما كان من وعظه له في ابتداء الأمر، وزجره قبل استحكام الحبّ؛ فيقول: دفعتك عن طلب هذه المرأة بعاقبة، أي: بآخر ما وصّيتك به.
ويجوز أن يكون المعنى: نهيتك عن طلبها بذكر ما يُفضي أمرك إليه وتدور عاقبتك عليه، وأنت بعدُ سليمٌ تقدر على التّملّس منها وتملك أمرك وشأنك في حبّها.
وفي رواية: (بعافية) أي: حال كونك متلبّسًا بعافية.
والشّاهد فيه: (إذٍ صحيح) حيث جاء بالتّنوين عوضًا عن الجملة، والأصل: وأنت إذ الأمر على هذه الحال.
يُنظر هذا البيت في: ديوان الهذليّين1/68،ومعاني القرآن للأخفش2/484، والأصول2/144،والخصائص2/376،وكشف المشكل1/251،وشرح المفصّل 3/29، 9/31، ورصف المباني 411، والخزانة 6/539.
والرّوايةفيمامضىمن لمصادر (بعاقبة) ،وهُناك رواية أُخرى (بعافية) وهي رواية الشّارح؛ في المرتجل10، وشرح التّسهيل 2/207، والجنى الدّاني 187، والمغني 119، والمساعد 1/499، والأشمونيّ 1/36.

(1/156)


ويكونُ عِوَضًا عَنْ غير جُمْلَةٍ1؛ وهو تنوينُ (جَوار) و (غَوَاشٍ) ؛ فهو في هذا ونحوه عِوَضٌ من الياءِ المحذوفةِ.
وتنوينُ تَرنُّم2 وهو: يَخْتَصُّ بالقافِيَةِ المطلقَة3بدلاً من حرُوف الإطلاق؛ عِوَضًا من مدَّاتِ4 التَّرَنُّمِ.
____________________
1 وينقسم هذا إلى قسمين:
قسمٌ يكون عوضًا عن حرفٍ- كما مثّل الشّارح-.
وقسمٌ يكون عوضًا عن اسم؛ وهو اللاّحق لـ (كُلٍّ) عوضًا عمّا تُضاف إليه، نحو (كلٌّ قَائِمٌ) أي: كلّ إنسان قائم، فحذف إنسان وأتى بالتّنوين عِوَضًا عنه.
يُنظر: ابن عقيل 1/22، والأشمونيّ 1/35، 36، والتّصريح 1/34، 35.
2 التَّرنُّمُ: مَدُّ الصَّوْتِ بِمَدَّةٍ تُجانِسُ حركة الرَّوِيِّ.
وقولُ النُّحاة: (تنوين التّرنّم) على حذف مضاف، أي: ترك التّرنّم؛ فإنّه إذا أراد التّرنّم أثبت حرف الإطلاق.
وقيل: لا حذف؛ لأنّ التّرنّم يحصل بالنّون نفسها لأنَّها حرف أغنّ.
يُنظر: شرح المفصّل 9/33، وشرح الكافية الشّافية 3/1427، والتّصريح 1/35، والأشمونيّ 1/31.
3 القافية المطلَقة: ما كان رويّها متحرّكًا.
ويلحقها التّنوين في لغة بني تميم وقيس.
يُنظر: الكتاب 1/206، والأصول 2/386، وسرّ صناعة الإعراب 1/501، ومفتاح العلوم 871، والجنى الدّاني 146، والمساعِد 2/678، والتّصريح 1/36.
4 في أ: مرّات، والصواب ما هو مثبت.

(1/157)


فالمبدل من الألف كقول الشّاعر:
يَا صَاحِ مَا هَاجَ الدُّمُوعَ الذُّرَّفَنْ1
[و] 2
مِنْ طَلَلٍ كَالأَتْحَمِيِّ أَنْهَجَنْ3
____________________
1 هذا بيتٌ من الرّجز، وبعده قوله:
مِنْ طَلَلٍ أَمْسَى تَخَالُ المُصْحَفَا
وهو للعجّاج.
و (الذَّرْفُ) : صَبُّ الدَّمعِ، وذَرَفَ الدَّمْعُ: سَالَ، وذَرَفَتِ العينُ الدَّمْعَ: أَسالَتْهُ.
والشّاهد فيه: (الذُّرَّفَنْ) حيث وصل القافية بتنوين التّرنّم بدلاً من الألف الذي للإطلاق
يُنظر هذا البيت في: الكتاب 4/207، والأصول 2/387، والنّكت 2/1122، وشرح الكافية الشّافية 3/1428، وابن النّاظم 24، والملخّص 641، والجنى الدّاني 146، وشرح التّحفة الورديّة 114، والخزانة 3/443، والدّيوان 2/421، وفيه (الذُّرَّفا) ولا شاهد فيه على هذه الرّواية.
2 ما بين المعقوفين زيادة يقتضيها عدمُ الخلط بين الأبيات؛ وصنيع الشّارح يوهم بأن المصراعين من أرجوزة واحدة، وذلك غير متأتّ؛ لاختلاف رويّهما بالفاء والجيم؛ ويتّضح ذلك إذا استعملتهما بحرف الإطلاق؛ والصّواب أنهما من أرجوزتين.
يُنظر: تلخيص الشّواهد وتلخيص الفوائد 47.
3 هذا بيتٌ من الرّجز، وقبله قولُه:
مَا هَاج أَحْزانًا وَشَجْوًا قَدْ شَجَا.
وهو للعجّاج.
و (الأَتْحميُّ) : ضربٌ من البرود موشّى، شبه آثار الدّياربه.
و (أَنْهَجَ) : أَخْلَقَ وبلي.
والشّاهد فيه: (أنهجن) حيث وصل القافية بتنوين التّرنّم بدلاً من الألف التي للإطلاق.
يُنظر هذا البيت في: الكتاب 4/207، والأصول 2/387، والخصائص 1/171، والنّكت 2/1122، وشرح الكافية الشّافية 3/1428، ورصف المباني 417، والجنى الدّاني 146، وشرح التّحفة الورديّة 115، والمغني 487، والتّصريح 1/37، والدّيوان 321، وفيه (أَنْهَجَا) ولا شاهد فيه على هذه الرّواية.

(1/158)


والمبدل من الواو كقول الشّاعر:
............................. ... سُقِيْتِ الْغَيْثَ أَيَّتُهَا الخِيَامُنْ1
[14/ ب] والمبدل من الياء2 كقول جرير:
____________________
1 هذا عجز بيت من الوافر، وصدره:
مَتَى كَانَ الخِيَامُ بِذي طُلُوحٍ
وهو لجرير.
و (ذو طُلُوح) : موضع بعينه؛ سُمّي بذلك لِمَا فيه من الطّلح؛ وهو شجر عظيم له شوك.
والشّاهد فيه: (الخيامُنْ) حيث وصل القافية بتنوين التّرنّم بدلاً من الواو التّي للإطلاق.
يُنظر هذا البيت في: الكتاب 4/206، والقوافي 106، والأصول 2/386، والمنصف 1/224، والنّكت 2/1121، والمرتجل 11، 12، وشرح المفصّل (9/33) ، وشرح الجمل 2/553، والخزانة 9/121، والدّيوان 1/278، وفيه (الخيام) ولا شاهد فيه على هذه الرّواية.
2 في أ: والمبدل من الواو، وهو خطأ.

(1/159)


............................ ... كَانَتْ مُبَارَكَةً1 مِنَ الأيَّامِنْ2
وتنوينٌ غال3 وهو: يختصُّ بالقافية
____________________
1 هذا عجُز بيتٍ من الكامل، وصدره:
أَيْهَاتَ مَنْزِلُنَا بِنَعْفِ سُوَيْقَةٍ
و (أيهات) : لغة في هيهات؛ ومعناه: البُعْدُ.
و (النّعف) : المكان المرتفع في اعتراض.
و (سُويقة) : اسم موضع.
و (كانت مبارَكةً) أي: كانت تلك الأيّام الّتي جمعتنا ومَن نُحبّ؛ فأضمرها ولم يجر لها ذكر لما جاء بعد ذلك من التّفسير.
والشّاهد فيه: (الأيّامِنْ) حيث وصل القافية بتنوين الترنّم بدلاً من الياء التي للإطلاق.
يُنظر هذا البيت في: الكتاب 4/206، والأصول 2/386، والخصائص 3/43، والنّكت 2/1122، والكافي 151، وإيضاح شواهد الإيضاح 1/378، والمرتجل 11، 12، وشرح المفصّل 4/36، وملحق الدّيوان 2/1039، وفيه (الأيّام) ولا شاهد فيه على هذه الرّواية.
2 تنوين التّرنّم يلحق الأسماء كما في الشّاهد الأوّل (الذّرّفن) ؛ والأفعال كما في الشّاهد الثّاني (أَنْهَجْنَ) ؛ ويلحق الحروف كقول النّابغة الذّبيانيّ:
أَزِفَ التَّرَحُّلُ غَيْرَ أَنَّ رِكَابَنَا ... لَمَّا تَزُلْ بِرِحَالِنَا وَكَأَنْ قَدِنْ
يُنظر: الجنى الدّاني 146، وابن عقيل 1/23، والتّصريح 1/36، والأشمونيّ 1/31.
3 تنوين الغالي: زاده الأخفش، وسمّاه بذلك؛ لأنّ الغلو الزّيادة، وهو زيادة على الوزن، وسمّى الحركة الّتي قبل لحاقه غُلُوًّا.
وزعم ابن الحاجب أنّه إنّما سُمّي غاليًا؛ لقلّته، ونفاه السّيرافيّ، والزّجّاج.
وتنوين الغالي يلحق الاسم - كما مثَّل - والفعل كما في (يَأْتَمِرْنْ) من قول امرئ القيس:
أَحَارِ بْنَ عَمْرٍو كَأنِّي خَمِرْنْ ... وَيَعْدُو عَلَى المَرْءِ مَا يَأْتَمِرْنْ
والحرف كما في قول رؤبة:
قَالَتْ بَنَاتُ العَمِّ يَا سَلْمَى وَإِنْنْ ... كَانَ فَقِيْرًا مُعْدِمًا قَالَتْ وَإِننْ
يُنظر: القوافي 35، 36، والكافي 159، 160، وشرح المفصّل 9/34، والجنى الدّاني 147، 148، والمغني 448، والتّصريح 1/36، 37، والأشمونيّ 1/32، 33.

(1/160)


المقيَّدة1، كقول رُؤْبَةَ2:
وَقَاتِمِ الأَعْمَاقِ خَاوِي المُخْتَرَقْنْ ... مُشْتَبِهِ الأَعْلاَمِ لَمَّاعِ الخَفَقْنْ3
____________________
1 القافية المقيّدة: ما كان رويّها ساكنًا. مفتاح العلوم 871.
ويُنظر: التّصريح 1/36.
2 هو: رُؤْبَة بن العجّاج التّميميّ السّعديّ، يكنى بأبي الجحّاف؛ راجز من الفصحاء المشهورين، من مخضرمي الدّولتين الأمويّة والعبّاسيّة؛ كان أكثر مقامه في البصرة، وكانوا يحتجّون بشعره؛ توفّي سنة (145هـ) .
يُنظر: طبقات فحول الشّعراء 2/761، والشّعر والشّعراء 394، والمؤتلف والمختلف 175، ووفيات الأعيان 2/303.
3 هذا بيتٌ من الرّجز.
و (القُتْمَة) : الغبرة إلى الحمرة. و (الأعماق) :جمع عمق- بفتح العين وضمّها- وهو: ما بَعُدَ من أطراف المفاوِز. و (الخاوي) : الخالي. و (المخترقن) : مكان الاختراق؛ وهو هُنا: قطع المفاوز واجتيابها. و (الأعلام) : جمع عَلَم؛ وهي: الجبال الّتي يُهتدى بها؛ واشتباهها: أنّ بعضها يشبه بعضًا، فلا يتبيّن السّائر طريقه فتشتبه عليه الهداية. و (الخفق) : اضطّراب السّراب؛ وهو الّذي تراه بالنّهار وكأنّه ماء.
والمعنى: كثيرٌ من الأمكنة الّتي لا يهتدي أحد إلى السّير فيها؛ لشدّة التباسها، وخفائها، قد سرت فيها وأعملت ناقتي ولم أخف؛ يريد أنّه شجاع عظيم الخبرة.
والشّاهد فيه: (المُخْتَرَقِْنْ) و (الخَفَقْنْ) ، فقد لحق التّنوين القاف، وهو رويّ قافية مقيّدة، وهو ما يسمّى بالتّنوين الغالي
يُنظر هذا البيت في: الكتاب 4/210، والقوافي 35، 36، 109، والخصائص 1/264، وإيضاح شواهد الإيضاح 1/376، وشرح المفصّل 9/34، وشرح الكافية الشّافية 3/1429، ورصف المباني 418، والجنى الدّاني 147، والمغني 448، والخزانة 1/78، والدّيوان 104، وفيه (المخترق) و (الخفق) ولا شاهد فيه على هذه الرّواية.

(1/161)


والتّنوين يختصُّ بالاسم المنصرف لخِفَّتِهِ.
وهو مأخوذٌ من صريف البَكْرةِ1 عند الاستِقاءِ؛ لأنّه يُحْدِثُ في الاسم صَوْتًا شَبِيْهًا به فلذلك سُمِّيَ مُنْصَرِفًا؛ فتقول من ذلك: (أَكْرَمتُ زَيْدًا يا هذا) في اتّصال الكلام.
وَقِفْ عَلَى المَنْصُوبِ مِنْهُ بِالأَلِفْ ... كَمِثْلِ مَا تَكْتُبُهُ لاَ يَخْتَلِفْ
تَقُولُ: عَمْرٌو قَدْ أَضَافَ زَيْدَا ... وَخَالِدٌ صَادَ الغَدَاةَ صَيْدَا
يُبْدَلُ في الوقف على الاسم المنصوب أَلِفًا من فتحه مع التّنوين؛ لبُعْدِه ممَّا يَمْنَع ذلك في المجرور والمرفوع؛ لأنَّه لو وقف على المجرور بالياء لالتبس بالمضاف إلى ياء المتكلّم؛ فلو قال قائلٌ: (مررت بغلامي) لتوَهَّم أنّ [15/ أ] الغلام ِمُلْكُهُ؛ ولو وقف على المرفوع بالواو فيقول: (جاء زَيْدُو) لخرج عن أصل كلام العرب؛ لأنَّهُ لا يوجد في كلامهم اسمٌ آخره واوٌ قبلها ضمَّةٌ، وإنّما يوجد ذلك في الأفعال2؛ ولذلك اضطّروا في بعض الجموع إلى مثل ذلك، فأبدلوا الواو ياءً، وكسروا ما قبلها، فقالوا في جمع (دَلْوٍ) و (جَرْوٍ) : (أَدْلٍ) و (أَجرٍ) ، والأصل: (أَدْلُوٌ) و (أَجْرُو) ٌ؛ ففرّوا من هذا محافظةً على الأصل3.
____________________
1 صَرِيْفُ البَكْرةِ: صوتها عند الاستقاءِ. اللّسان (صرف) 9/191.
2 نحو: (سَرُوَ) و (يَدْعُو) .
3 الأصل هو: أنّه ليس في العربيّة اسم معرب آخره واو قبلها ضمّ أصلي.

(1/162)


وَتُسْقِطُ التَّنْوِينَ إِنْ أَضَفْتَهُ ... أَوْ إِنْ تَكُنْ بِاللاَّمِ قَدْ عَرَّفْتَهُ
مِثَالُهُ: جَاءَ غُلاَمُ الْوَالِي ... وَأَقْبَلَ الغُلاَمُ كَالْغَزَالِ
التّنوين يسقط في أربعة مواضع:
أحدها: من الاسم المُعرَّف باللاّم؛ لأنّه زيادةٌ على أوّل الاسم، والتّنوين زِيَادةٌ على آخره فلم يَحْتَمِلْ الجمع بين زيادتين.
الثّاني: يَسْقُطْ من المُضاف الأوّل، كقولك: (غُلامُ زَيْدٍ) ؛ لأنَّه بالإضافة مِنَ الثّاني كبعض الكلمة لاتّصاله به، والتّنوين يَفْصِلُ بينهما؛ فلذلك لَزِمَ أَنْ لا يكون إلاَّ في آخر الثّاني.
الثّالث: الاسم الّذي لا ينصرف [15/ب] كـ (أَحْمدَ) و (أَحْمَرَ) ،وذلك لشبهها بالفعل- ويأتي بيان ذلك في (باب ما لا ينصرف) -.
الرَّابع: أَنْ يكون الاسم المفرد علمًا موصوفًا بابن وهو مضاف إلى عَلَمٍ من اسمٍ أو كنيةٍ أو لقبٍ؛ فالتّنوين يَسْقُطُ من المعرَّف باللاّم، ومن الموصوف به؛ للإضافة، فتقول: (جاء زيدُ بن عَمْرٍو) [و] 1 (رأيتُ خالدَ بن أبي الحسن) و (مررت بزيد بن تأبّط شرًّا) .
ومن هذا قولُ الشّاعر:
قَتَلْتُ بِعَبْدِ اللهِ خَيْرَ لِدَاتِهِ2 ... ذُؤَابَ بنَ أَسْمَاءَ بنِ زَيْدِ بنِ قَارِبِ3
____________________
1ما بين المعقوفين زيادة يقتضيها السياق.
2في أ: لذاته، وهو تصحيف.
3هذا بيتٌ من الطّويل، وهو لدريد بن الصِّمَّة.
و (اللِّدة) - بكسر اللاّم- تِربك الّذي وُلد معك. =

(1/163)


وتوجيه ذلك: أَنَّ التّنوين سَاكِنٌ، وألِف (ابن) أَلِفُ وصل تسقط في اندراج الكلام فيلتقي التّنوين بالباء السّاكنة فَحُذِفَ لِذَلِكَ.
فَإنْ وُصِف الاسم بابن مُضَافٍ إلى ما فيه الألف واللاّم نُوِّنَ؛ لثبوت همزة الوصل بعده، كقولك: (هذا زَيْدٌ بنُ الأمير) لأنَّ الأميرَ ليس بِعَلَمٍ.
__________
= ومعنى البيت: لقد أخذتُ بثأر أخي عبد الله فقتلتُ تِربه الّذي قتله؛ وهو ذؤاب بن أسماء بن زيد بن قارب.
والشّاهد فيه: (ذؤاب بن أسماء بن زيد) حيث حذف التّنوين من (ذؤاب) و (زيد) لإضافة كلٍّ منهما إلى ابن؛ وأمّا حذف التّنوين من (أسماء) فلكونه لا ينصرف.
يُنظر هذا البيت في: الكتاب 3/43 وورد العجز فيه كالتّالي:
.................................... ... ذُؤَابًا فَلَمْ أَفْخَرْ بِذَاكَ وَأَجْزَعَا
ولا شاهد فيه على هذه الرّواية.
والأصمعيّات111، والشّعر والشّعراء 506، والاشتقاق 292، والتّبصرة 1/401، وأمالي ابن الشّجريّ 2/148، وشرح ملحة الإعراب 84، وسرح العيون 365، والخزانة 7/30، والدّيوان 27.

(1/164)


بَابُ الأَسْمَاءِ المُعْتلَّةِ المُضَافَةِ:
وَسِتَّةٌ تَرْفَعُهَا بِالْوَاوِ ... فِي قَوْلِ كُلِّ عَالِمٍ وَرَاوِي
وَالنَّصْبُ فِيهَا يَا أُخَيَّ بِالأَلِفْ ... وَجَرُّهَا بِالْيَاءِ فَاعْرِفْ وَاعْتَرِف
[16/أ] هذه الأَسماء أَمْكَنُ 1 ممّا يُشَاركُها في الإعراب بالحروف2، وأُعْرِبَ كلّ منها بالحرف مُضافًا إلى غير ياء المتكلّم؛ لأنَّ مَدْلُوْلَه زائدٌ على مدلول المفرد؛ لأنَّهُ فَرْعٌ عليه، والحرفُ زائدٌ على الحركة كونُهُ فرعًا لها؛ فكان ذلك تعديلاً في النِّسْبَةِ.
فالواو: في هذا الباب علامة الرّفع نِيَابةً عن الضَّمّة، وفي جمع المذكّر السّالم.
____________________
1 يقصد الشارح بـ (أمكن) أنّ هذه الأسماء مفردات، فهي قبل التثنية والجمع المذكر السالم؛ فلذا نابت فيها حروف ثلاثة عن الحركات الثلاثة.
2 ذكر النُّحاةُ في إعراب الأسماء السّتّة أقوالاً كثيرة، أوصلها السّيوطيّ إلى اثني عشر قولاً؛ من أشهر تلك الأقوال:
أنّها معربة بالحروف نيابة عن الحركات.
وقيل: إنّها معربة بحركات مقدّرة في الحروف، وأنّها أتبع فيها ما قبل الآخر للآخر.
وقيل: إنّها معربة من مكانين بالحركات والحروف معًا.
تُنظر هذه المسألة في: الكتاب 3/359، 360، 412، والمقتضب 2/154، 155، والمرتجل 54، والإنصاف، المسألة الثّانية، 1/17، والتّبيين، المسألة العشرون، 193، وشرح المفصّل 1/51، 52، وشرح الرّضيّ 1/27، وشرح التّسهيل 1/43، وتوضيح المقاصد 1/68 - 70، وائتلاف النُّصرة، فصل الاسم، المسألة الثّانية، 28، والهمع 1/123- 127.

(1/165)


والألِفُ: تنوبُ عن الفتحة فتكون علامةُ النّصب في هذه الأَسماء لا غير.
والياءُ: نائبةٌ عن الكسرة1 فتكونُ2 علامة الجرِّ في هذه الأَسماء، وفي باب التّثنية، وفي جمع الصِّحَّةِ3.
وَهِيَ أَخُوكَ وَأَبُو عِمْرَانَا ... وَذُو وَفُوكَ وَحَمُو عُثْمَانَا
ثُمَّ هَنُوكَ سَادِسُ الأَسْمَاءِ ... فَاحْفَظْ مَقَالِي حِفْظَ ذِي الذَّكَاءِ
هذه الأسماء إذا كانت مضافةً إلى غير ياء مُتكلِّمٍ تُعْرَبُ جميعها بالحروف4 -كما تقدّم -؛ فتقول: جاءني أَبُوهُ ورأيتُ أَبَاهُ ومررتُ بأبيهِ؛ وكذلك الجميع.
وقيل: إنّ ذو أصل الباب لملازمته الإعراب بالحرف، وهو لا يُنطقُ به إلاَّ مُضافًا، ولا يضافُ إلى مضمرٍ بل إلى أسماء الأجناس5، [16/ب] وجميعها تنفصل عن الإضافة فتعربُ بالحركات إلاَّ ذو.
____________________
1 في أ: الكسر.
2 في أ: تكون، وما أثبته هو الأولى.
3 يقصد بجمع الصحة: جمع المذكر السالم.
4 ويُشترط لإعراب هذه الأسماء غير ما ذُكر: ألاَّ تصغّر، ولا تثنَّى، ولا تُجمع.
يُنظر: الارتشاف 1/418، وتوضيح المقاصد 1/81، وابن عقيل 1/55، والهمع 1/122، والأشمونيّ 1/73.
5 ويُشترط في (ذو) أن تكون بمعنى صاحب، نحو: (جاءني ذُو مالٍ) أي: صاحبُ مالٍ، احترازًا من (ذو) الموصولة في لغة طيء، فإنّها مبنيّة على الأعرف.
يُنظر: توضيح المقاصِد 1/71، وابن عقيل 1/48، والهمع 1/123.

(1/166)


وفُوهُ1يعوّض عن الواو ميمًا بحال انفصاله، فتقول: هذا فَمٌ ورأيتُ فَمًا، ونظرتُ إلى فَمٍ.
وهَنُ 2 يُعَبَّرُ به عمَّا يُسْتَقْبَحُ ذِكره؛ وله إعرابٌ آخر في استعماله منقوصًا3 فتقول: هذا هَنُهُ وسَتَرْتُ هَنَهُ و "أَعِضُّوهُ بِهَنِ أَبِيْهِ"4.
____________________
1 يُشترط في إعراب الفم بهذه الأحرف زَوَالُ الميم منه، نحو (هذا فُوهُ) و (رأيتُ فاهُ) و (نظرتُ إلى فِيهِ) .
يُنظر: ابن عقيل 1/50، والهمع 1/123.
وفي (فم) عشر لغات ذكرها العلماء.
يُنظر: شرح التّسهيل 1/47، 48، وتوضيح المقاصد 1/71، والهمع 1/129، والأشمونيّ 1/69.
2 الهَنُ: كلمةٌ يكنّى بها عن أسماء الأجناس، كرجل وفرس وغيرهما.
وقيل: يُطلق على الشّيء المستهجن الذّكر من العورة، والفعل القبيح.
وقيل: عن الفرج خاصّة.
يُنظر: اللّسان (هنا) 15/365 - 369، وشرح قطر النّدى 54، والتّصريح 1/64، والأشمونيّ 1/69.
3 النّقص: أن تحذف لامه، ويعرب بالحركات الظّاهرة على العين، وهي النّون.
ولقلّة الإتمام في (هن) أنكر الفرّاء جوازه؛ وهو محجوج بحكاية سيبويه عن العرب، ومَن حَفِظَ حُجّةٌ على من لم يحفظ.
وقد جرت عادة أكثر النّحويّين أن يذكروا (الهن) مع هذه الأسماء؛ فيوهم ذلك مساواته لهنّ في الاستعمال، وليس كذلك، فقد قال ابن مالك في شرح التّسهيل 1/44: "ومن العرب من يقول: (هذا هَنُوك) و (رأيت هَنَاك) و (مررت بهنيك) ، وهو قليل؛ فمن لم ينبّه على قلّته فليس بمصيب، وإنْ حظي من الفضائل بأوفر نصيب".
ويُنظر: توضيح المقاصد 1/72، 73، وشرح قطر النّدى 54، وابن عقيل 1/51، والهمع 1/123، والأشمونيّ 1/69.
4 هذا جُزْءٌ من حديث نصّه: "مَنْ تَعَزَّى بِعَزَاءِ الجَاهِليّةِ فَأَعِضُّوهُ بِهَنِ أَبِيْهِ؛ وَلاَ تَكْنُوا". =

(1/167)


وفي إعراب حَمِيهِ1 وُجوهٌ:
أحدُها: ما تقدَّم من الإعراب بالحرف.
والثّاني: أن يكون مقصورًا؛ فتقول: جاءني حَمَاهُ.
وأن يكون مهموزًا، ويعرب بالحركات الثّلاث؛ فتقول: [جاء] 2 حَمْؤُهُ ورأيتُ حَمَأَهُ ومررت بِحَمئِهِ.
____________________
= أخرجه البخاريّ في الأدب المفرد 324، والنّسائيّ في السّنن الكبرى، كتاب السِّيَر، باب إعضاض من تعزّى بعزاء الجاهليّة، 5/272، وأحمد في مسنده 5/136، والبغويّ في شرح السّنّة، كتاب الاستئذان، باب التّعزّي بعزاء الجاهليّة، 13/120، والألبانيّ في صحيح الجامع الصّغير وزيادته 1/159، وصحّحه، وذكره في سلسلة الأحاديث الصّحيحة 1/477.
قوله: "مَنْ تَعَزَّى بِعَزَاءِ الجَاهِلِيّة" أي: انتسب وانتمى، ويقصد به من يقول: (يا لفلان) ليحرِّك النّاس إلى القتال في الباطل.
"فَأَعِضُّوهُ بِهَنِ أَبِيْهِ" أي: قولوا له: اعضض بأيْر أبيك؛ ولا تكنوا عن الأير بالهَنِ؛ تنْكيلاً له وتأديبًا.
1 حمو المرأة: أبو زوجها، وأخو زوجها، وكلّ من ولي الزّوج من قرابته فهم أحماء المرأة.
وحمو الرّجل: أبو امرأته، أو أخوها، أو عمّها.
يُنظر: شرح التّسهيل 1/44، واللّسان (حما) 14/197، وتوضيح المقاصد 1/72، وشرح قطر النّدى 54.
وفي (الحمو) ستّ لغات ذكرها العلماء.
يُنظر: التّوطئة 124، وشرح التّسهيل 1/44، 45، والبسيط 1/196، واللّسان (حما) 14/197، وتوضيح المقاصد 1/77، والأشمونيّ 1/71.
2 ما بين المعقوفين زيادة يقتضيها السياق.

(1/168)


وقد ندر في بعض اللّغات نقص أبٍ وأخٍ كحمٍ؛ فمن ذلك قولُ الشّاعر:
بِأَبِهِ اقْتَدَى عَدِيُّ فِي الْكَرَمْ ... وَمَنْ يُشَابِهْ أَبَهُ فَمَا ظَلَمَ1
وفيها لغة ثالثة: القَصْرُ2؛ وهي أشهر من لغة النّقص، كقول الرّاجز:
إِنَّ أَبَاهَا وَأَبَا أَبَاهَا ... قَدْ بَلَغَا فِي المَجْدِ غَايَتَاهَا3
____________________
1 هذان بيتان من الرّجز، ويُنسبان لرُؤْبة بن العجّاج.
والشّاهد فيهما: (بأبه، ومن يشابِه أَبَهُ) حيث أعرب الشّاعر هاتين الكلمتين بالحركات الظّاهرة؛ فجرَّ الأولى بالكسرة الظّاهرة، ونصب الثّانية بالفتحة الظّاهرة؛ وهذا يجري على لغة النّقص.
يُنظر هذا البيت في: شرح الكافية الشّافية 1/184، وابن النّاظم 38، وتوضيح المقاصد 1/74، وأوضح المسالك 1/32، وابن عقيل 1/52، والمقاصد النّحويّة 1/129، والتّصريح 1/64، والهمع 1/128، وملحقات الدّيوان 182.
2 القصر: هو التزام الألف مطلَقًا، وجعل الإعراب بالحركات المقدّرة على الألف؛ نحو (هذا أَبَاهُ) و (رأيت أباهُ) و (مررتُ بأباهُ) .
يُنظر: توضيح المقاصد 1/75، وابن عقيل 1/52، والتّصريح 1/65، والأشمونيّ 1/70.
3 هذان بيتان من الرّجز المشطور، ويُنسبان لرُؤْبَة، وهما في ملحقات ديوانه 168، كما ينسبان إلى أبي النّجم العجليّ، وهما في ديوانه 227، كما يُنسبان إلى رجل من بني الحارث، أو لرجل من اليمن.
والشّاهد فيهما: (أباها) الثّانية؛ لأنّها في موضع الجرّ بإضافة ما قبلها إليها، ومع ذلك فقد جاء بها بالألف على لغة القصر.
يُنظر هذان البيتان في: سرّ صناعة الإعراب 2/705، والإنصاف 1/18، وشرح المفصّل 1/53، وشرح الجمل 1/151، وتوضيح المقاصد 1/75، وأوضح المسالك 1/33، والمقاصد النّحويّة 1/133، والتّصريح 1/65، والخزانة 7/455.

(1/169)


فتقول مِن هذا: جاءني أَبَاهُ ومَرَرْتُ بأبَاهُ.
وإنْ جاءَتْ ذُوْ بمعنى الّذي فالأَعْرَفُ فيها البناءُ، كقول الشّاعِرِ:
وَإِمَّا كِرَامٌ مُوْسِرُونَ أَتَيْتُهُمْ ... فَحَسْبِيَ مِنْ ذُوْ عِنْدَهُمْ مَا كَفَانِيَا1
[17/أ]
وَقَدْ روى ابن جنِّي2هذا البيت: "من ذي عِنْدَهُمْ"، يُشِيْرُ إلى إعرابه3.
____________________
1 هذا بيتٌ من الطّويل، وهو لمنظور بن سحيم الفَقْعَسيّ، وبعده:
وَإِمَّا كِرَامٌ مُعْسِرُونَ عَذَرْتُهُمْ ... وَإِمَّا لِئَامٌ فَادّخَرْتُ حَيَائِيَا
والمعنى: التّمدُّح بالقناعة، والكَفُّ عن أعراض النّاس؛ يقول: النّاس ثلاثة أنواع: موسِرون كرام فأكتفي منهم بمقدار كفايتي، ومعسرون كرام فأعذرهم، وموسرون لئام فأكفّ عن ذمّهم حياء.
والشّاهد فيه: (من ذو) فإنّها هُنا اسم موصول بمعنى (الّذي) ، مبنيّة على سكون الواو في محلّ جرٍّ بـ (مِن) .
وقد روي البيت بإعرابها (من ذي) حملاً على ذي بمعنى (صاحب) .
يُنظر هذا البيت في: ديوان الحماسة 1/584، وشرح المفصّل 3/148، والمقرّب 1/59، وشرح الكافية الشّافية 1/274، وابن النّاظم 36، وأوضح المسالك 1/30، والتّصريح 1/63، والهمع 1/289.
2 هو: عثمان بن جِنِّي، أبو الفتح، النّحويّ، من أحذق العلماء بالنّحو والتّصريف؛ لزم أبا عليّ الفارسيّ، ولَمّا مات تصدّر ابن جِنّي مكانه ببغداد؛ ومن مصنّفاتة: الخصائص، وسرّ صناعة الإعراب، والمنصف في شرح تصريف المازنيّ، والمحتسب؛ توفّي سنة (392هـ) .
يُنظر: نزهة الألبّاء 244، وإنباه الرّواة 2/335، وإشارة التّعيين 200، وبُغية الوُعاة 2/132.
3 "ذكر ابن جنّي أن بعضهم يعربها". قاله ابن مالك في شرح الكافية الشافية1/274؛ ونسب رواية البيت له بالياء معرباً في شرح عمدة الحافظ1/122؛ حيث قال: "هكذا رواه ابن جنّي بالياء معرباً، ورواه غيره بالبناء". وينظر: ابن الناظم 88، وتخليص الشواهد 54، وتعليق الفرائد2/206، والتصريح1/63.

(1/170)


وتكونُ جاريةً بلفظِ المفردِ مع المذكّر، والمؤنّث، والمثنّى، والمجموع، ولم تتغيّر واوها على اختلاف استعمالها1؛ فتقول: أنا ذو عَرَفْتُ ورأيْتُ الرّجلين ذو عَرَفْتُهُمَا ومررتُ بالرِّجال ذو عَرَفْتُهُمْ.
قال الشّاعر:
فَإِنَّ المَاءَ مَاءُ أَبِي وَجَدِّي ... وَبِئْرِي ذُوْ حَفَرْتُ وَذُوْ طَوَيْتُ2
فقال: ذو حَفَرْتُ، والبئر مُؤَنَّثةٌ.
__________
1 المشهور في (ذو) عدم تصرفها مع بنائها؛ والعلّة في ذلك - كما قال الصيمريّ -: "وإنّما لم يُثنّ، ولم يجمع، ولم يغيّر لفظه عن الواو؛ لأنّه منقول عن (ذو) بمعنى (صاحب) في قولك: (ذو مالٍ) فضعف عن التّصرّف، وألزم وجهًا واحدًا". التّبصرة 1/520.
ويُنظر استعمالاتها الأخرى في: شرح المفصّل 3/147، وشرح الرّضيّ 2/41، وأوضح المسالك 1/110، والتّصريح 1/137، 138، والهمع 1/289.
2 هذا بيتٌ من الوافر، من جملة أبياتٍ قالها سنان بن الفحل الطّائيّ، يخاطِب بها عبد الرّحمن ابن الضّحّاك والي المدينة في بئر وقع فيها نزاع بين حيّين من العرب.
و (ذو حفرت) أي: الّتي حفرتها. و (ذو طويت) أي: الّتي طويتها؛ و (طيّ البئر) : بناؤها بالحجارة.
والمعنى: إنّ هذا الماء من عهد أبي وجدّي، وأنا الّذي حفرت هذه البئر وبنيتها.
والشّاهد فيه: (ذو حفرت) و (ذو طويت) حيث استعمل (ذو) في الجملتين اسمًا موصولاً بمعنى (الّتي) ، وأجراه على غير العاقل؛ لأنّ المقصود بها البئر، وهي مُؤنّثة.
يُنظر هذا البيت في: ديوان الحماسة 1/302، وأمالي ابن الشّجريّ 3/55، والإنصاف 1/384، وشرح المفصّل 3/147، وشرح الجمل 1/177، وشرح التّسهيل 1/199، وابن النّاظم 88، والبسيط 1/291، وتوضيح المقاصد 1/228، والخزانة 6/34.

(1/171)


بَابُ حُرُوفِ الْعِلَّةِ:
وَالْوَاوُ وَالْيَاءُ جَمِيعًا وَالأَلِف ... هُنَّ حُرُوفُ الاِعْتِلاَلِ المُكْتَنِفْ
هذه الحروفُ سُمِّيَتْ حُرُوفَ العِلّةِ؛ لسكُونِهَا وعدم الحركاتِ فيها دائمًا1.
وسُمِّيَتْ حُرُوْفَ اللّين؛ لَضَعْفِهَا واتّساع مَخَارِجِهَا2.
والألِفُ أَكْثَرُهَا اتّساعًا، وإنّما ضَعُفَتْ بالتّغيّير والانتقال، واختصاصها بالمدِّ؛ لمجاورة3 الهمزة حرف قويّ، فَقَوِيَتْ على المدِّ بذلك؛ [18/ب] فإِنْ لم يَكُنْ ما قبل الواو مَضْمُوْمًَا، ولا ما قبل الياء مَكْسُوْرًا، لم يكونا حرفي اعتلالٍ.
__________
1 وقيل: سمّيت حروف العلّة لكثرة تغيّرها.
يُنظر: شرح المفصّل 9/54، والإيضاح في شرح المفصّل 2/415.
2 حروف العلّة إنْ كانت متحرّكة لا تسمّى حروف المدّ واللّين؛ لانتفائهما فيها، وهذا في غير الألف، وإنْ كانت ساكنةً تسمّى حروفَ اللّين لِمَا فيها من اللّين لاتّساع مخرجها؛ لأنّها تخرج في لين من غير خشونة على اللّسان، وحينئذ إنْ كانت حركاتُ ما قبلها من جنسها بأن يكون ما قبل الواو مضمومًا، والألف مفتوحًا، والياء مكسورًا، تُسمّى حروف المدّ أيضًا، لِمَا فيها من اللّين والامتداد، نحو (قال، يقول) ، و (باع، يبيع) ، وإلاّ تُسمّى حروف اللّين لا المدّ لانتفائه فيها؛ هذا في الواو والياء.
وأمّا الألف فيكون حرف مدّ أبدًا.
وقيل: سمّيت حروف المدّ واللّين؛ لأنّها تخرج في لين من غير كُلْفة على اللّسان، وذلك لاتّساع مخرجها؛ فإنّ المخرَج إذا اتّسع انتشر الصّوت وامتدّ ولان، وإذا ضاق انضغط فيه الصّوت وصَلُبَ.
يُنظر: شرح مختصر التّصريف العزّيّ 106.
3 في أ: المجاوزة، وهو تصحيف.

(1/173)