اللمحة في شرح الملحة

بَابُ الحَالِ: [57/ب]
وَالْحَالُ وَالتَّمْيِيزُ مَنْصُوبَانِ ... عَلَى اخْتِلاَفِ الوَضْعِ وَالْمَبَانِي
ثُمَّ كِلاَ النَّوْعَيْنِ جَاءَ فَضْلَهْ ... مُنَكَّرًا بَعْدَ تَمَامِ الجُمْلَهْ
لَكِنْ إِذَا نَظَرْتَ فِي اسْمِ الحَالِ ... وَجَدْتَهُ اشْتُقَّ مِنَ الأَفْعَالِ
ثُمَّ يُرَىَ1عِنْدَ اعْتِبَارِ مَنْ عَقَلْ ... جَوَابَ كَيْفَ فِي سُؤَالِ مَنْ سَأَلْ
مِثَالُهُ: جَاءَ الأَمِيرُ رَاكِبًا ... وَقَامَ قُسٌّ فِي عُكَاظٍ خَاطِبًا
وَمِنْهُ: مَنْ ذَا بِالْفِنَاءِ2قَاعِدَاً ... وَبِعْتُهُ بِدِرْهَمٍ فَصَاعِدَاً
من المنصوبات الحال؛ وَهْوَ: وصفُ هيئةِ الفاعل، أو المفعول، أو هيئتهما معًا3.
وشرطه4: أنْ يكون نكرة5، مشتقّة،
__________
1 في متن الملحة 25: ثُمَّ تَرَى.
2 في متن الملحة 25: مَنْ ذَا فِي الفِنَاءِ.
(معًا) ساقطةٌ من أ.
ونحو: (جئت راكبًا) فـ (راكبًا) حالٌ مبيّنة لهيئة الفاعل؛ ونحو: (ضربته مشدودًا) فـ (مشدودًا) حالٌ مبيّنة لهيئة المفعول؛ ونحو (لقيته راكبين) فـ (راكبين) حالٌ مبيّنة لهما.
4 يُنظر في شروط الحال - أيضًا-: كشف المشكل 1/472، والفصول في العربيّة 24، والمقرّب 1/151.
5 هذا مذهب الجمهور؛ وأجاز يونس والبغداديّون تعريفه مطلَقًا بلا تأويل؛ فأجازوا (جاء زيد الرّاكب) .
وفصّل الكوفيّون فقالوا: إنْ تضمّنت الحال معنى الشّرط صحّ تعريفها لفظًا؛ نحو: (عبد الله المحسِن أفضل منه المسيء) فـ (المحسن) و (المسيء) حالان؛ وصحّ مجيئهما بلفظ المعرفة لتأوّلهما بالشّرط؛ إذ التّقدير: (عبد الله إذا أحسن أفضل منه إذا أساء) ؛ فإن لم تتضمّن الحال معنى الشّرط لم يصحّ مجيئها بلفظ المعرفة؛ فلا يجوز (جاء زيد الرّاكب) إذْ لا يصحّ (جاء زيد إنْ ركب) .
يُنظر: الهمع 4/18، والأشمونيّ 2/172.

(1/375)


تأتي1 بعد معرفةٍ قد تَمَّ الكلام دُونها، مقدَّرةً بفي منتقلة2، صالحة أنْ تكون جوابًا لكيف3؛ كقولك: جاء زيد راكبًا فقد اجتمع فيها ما ذُكِر4، واستحقّت أنْ تكون نكرةً؛ لأنّها فضلةٌ جاءتْ بعد تمام الجملة [58/أ] كالمفعول به.
وتشبه الظّرف من حيث إنّها مفعولٌ فيها، وتشبه التّمييز في البيان5.
وقد تكون وصفًا ثابتًا6 إذا كانت [مؤكّدة، كقولك:
____________________
1 في ب: يأتي، وهو تصحيف.
2 في أ: منتقلة مقدّرة بفي.
3 في ب: جواب كيف.
4 في ب: ما ذكروا.
5 الحال يشبه التّمييز من وجهين:
أحدهما: أنّه نكرة؛ كما أنّ التّمييز كذلك.
والوجه الثّاني: أنّ فيه بيانًا وكشفًا للإبهام، كما أنّ التّمييز كذلك.
المقتصد 1/675.
6 في كلتا النّسختين: ثانيًا، وهو تصحيف.

(1/376)


هذا أبوك عطوفًا1، وقد تكون جامدة إذا كانت] 2 في تأويل المشتقّ3،
____________________
1 وتكون وصفاً ثابتاً إن كان عاملها دالاً على تجدّد صاحبها، نحو: (خلق الله الزّرافة يديها أطولَ من رجليها) ، وكذلك في أمثلة مسموعة لا ضابط لها، نحو قوله تعالى: {قَائِمًا بِالْقِسْطِ} [آل عمران: 18] .
يُنظر: ابن الناظم 312، وأوضح المسالك 2/79، والتّصريح 1/367، والأشمونيّ 2/170.
2 ما بين المعقوفين ساقطٌ من أ.
3 تأتي الحال جامدة مؤوّلة بالمشتقّ في أربعة مسائل:
1- أنْ تكون دالّة على سعر؛ نحو (بِعْهُ مُدًّا بدرهم) .
2- أنْ تكون دالّة على ترتيب؛ نحو: (ادخلوا رجُلاً رجُلا) .
3- أنْ تكون دالّة على مفاعلة؛ نحو: (بعته يَدًا بيد) .
4- أنْ تكون دالّة على تشبيه؛ نحو (كَرَّ زَيْدٌ أَسَدًا) .
وتأتي الحال جامدة غير مؤوّلة بالمشتقّ في تسع حالات:
1- أنْ تكون الحال مقدّرًا قبلها مضاف؛ كقول بعض العرب: (وقع المصْطَرِعَان عِدْلَيْ عير) أي: مثل عدلي عير.
2- أنْ تكون الحال موصوفة؛ نحو: {قُرْآنًا عَرَبِيًّا} [يوسف: 2] .
3- أن تكون الحال دالّة على عدد؛ نحو: {فَتَمَّ مِيقَاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً} [الأعراف: 142] .
4- أنْ تكون الحال دالّة على طَوْرٍ فيه تفصيل؛ نحو: (هذا بُسْرًا أطيبُ منه رُطَبًا) .
5- أنْ تكون الحال نوعًا من صاحبها؛ نحو: (هذا مالك ذهبًا) .
6- أنْ تكون الحال فرعًا لصاحبها؛ نحو: (هذا حديدك خاتمًا) .
7- أنْ تكون الحال أصلاً لصاحبها؛ نحو: (هذا خاتمك حديدًا) .
8- أنْ تكون الحال دالّة على تقسيم؛ نحو (أقسّم المال عليهم أثلاثًا أو أَخْماسًا) .
9- أنْ تكون الحال دالّة على تفصيل على غيره؛ نحو (أحمدُ طِفلاً أجلّ من عليٍّ كَهْلاً) .
يُنظر: شرح التّسهيل 2/324، وشرح الكافية الشّافية 2/730، وابن النّاظم 313، 314، وأوضح المسالك 2/79، والتّصريح 1/369، والهمع 4/9.

(1/377)


كقولك: هذا خاتَمُك حديدًا.
وصاحب الحال لا يكون إلاَّ معرفةً غالبًا؛ [لأنّها] 1 وصاحبها خبرٌ ومخبرٌ عنه؛ فحقّها أنْ تدلّ على معروفٍ غير منكورٍ؛ كالخبر بالنّسبة إلى المبتدأ.
والعامل فيها إمَّا فعلٌ، أو شبهُهُ من الصّفات2، أو معنى فعلٍ، كقولك: هذا زيدٌ قائمًا3؛ فالعامل [في الحال هو العامل] 4 في صاحبها حقيقة أو حكمًا؛ فلو قلتَ: هذا واقِفًا، لم يكن حالاً لكونه5لم يأت بعد تمام الكلام؛ وأمّا قولهم: هذا زيدٌ أَسدًا، فإنّها وإن لم تكن مشتقّةً فإنّها واقعة موقع المشتقّ؛ فأسدٌ ناب مَناب شِدَّةً6.
____________________
(لأنّها) ساقطة من أ.
2 نحو: اسم الفاعل، واسم المفعول، والصّفة المشبّهة باسم الفاعل، نحو قولك: (زيدٌ ضارب عمرًا قائمًا) فـ (قائم) حال من عمرو، والعامل فيه: اسم الفاعل.
يُنظر: شرح المفصّل 2/57.
3 فـ (قائمًا) حال من (زيد) ، والعامل فيها ما في (هذا) من معنى أُشير، وليس بعاملٍ في زيد حقيقة بل حكمًا. ابن النّاظم 325.
4 ما بين المعقوفين ساقطٌ من أ.
5 في كلتا النّسختين: كونه؛ والسّياق يقتضي أن تكون لكونه.
6 في ب: الشّدة.

(1/378)


ويجوز تقديم الحال على العامِل، وتوسُّطُهَا إذا كان العامِل فِعْلاً متصرِّفًا، كقولك: جاء زيدٌ راكبًا وجاء راكبًا زيدٌ وراكبًا جاء زيدٌ، وليس كذلك المعنى1، بل ينقص عن رتبة الفعل، فتقول: هذا زيدٌ قائمًا وهذا قائمًا زيدٌ، والعامِل في الحال2 من هذا أحد شيئين:
إمّا ما في ها من معنى التّنبيه3.
أو ما في ذا من معنى الإشارة4.
وفي هذه [58/ب] المسألة قولان5:
أحدهما: أنَّ العامل أحد هذين.
والآخر: العامل مجموعهما.
فعلى القول الأوّل: يجوز ها قائمًا زيدٌ، ولا يجوز على القول الآخر.
فإذا كان العامل ظرْفًا قد وقع خبرًا، كقولك: زيدٌ في الدّار قائمًا؛
____________________
1 يقصد بالمعنى: إذا كان الفعل جامدًا مضمّنًا معنى الفعل دون حروفه، مثل: اسم الإشارة، وحرف التّمنّي، أو التّشبيه. يُنظر: ابن النّاظم 328.
2 في أ: في هذا الحال.
3 فإذا أعملت التّنبيه فالتّقدير: انظر إليه منطلقًا، أو انتبه له منطلقًا.
يُنظر: اللّباب 1/289، وشرح المفصّل 2/58، والهمع 4/30.
4 وإذا أعملت الإشارة فالتّقدير: أُشير إليه منطلِقًا.
يُنظر: المصادر السّابقة.
5 يُنظر: شرح المفصّل 2/58، والهمع 4/36.

(1/379)


ففي تقديمِهِ1 على الظّرف قولان2:
أحدهما: أنّه لا يجوز زيدٌ قائمًا في الدّار لتقدُّمِهِ3 على العامل المعنويّ4؛ وهذا هو المذهب5.
والأخفش6 يجيز ذلك، ويقول: تقدّمه على جُزءٍ واحدٍ كلا تقدُّمٍ؛ لأنّه بعد المبتدأ، والمبتدأ يُطالب بخبره وكأنّه في نيَّة التّقدّم.
وقد وُجِدَ في كلام العرب مثل هذا، ولكن لا ينبغي أَنْ يقاس عليه؛ لأنَّ الظُّروفَ المضّمنة7 استقرارً بمنزلة الحروف في عدم التّصرُّف؛ فكما لا يجوز تقديم الحال على العامل [الحرفي، كذا لا يجوز تقديمها
____________________
1 في أ: في تقدّمه.
2 هُناك أقوالٌ أُخرى؛ وهي: الجواز إذا كانت من مضمر مرفوع، نحو: (أنت قائمًا في الدّار) ؛ والمنع إنْ كانت من ظاهرٍ؛ وعليه الكوفيّون.
واختار ابن مالك أنّه إنْ كانت الحال اسمًا صريحًا ضعُف التوسّط، أو ظرفًا أو مجرورًا جاز التّوسُّط بقوّة.
يُنظر: شرح التّسهيل 2/346، والارتشاف 2/355، والهمع 4/33، والأشمونيّ 2/181.
3 في ب: لتقديمه.
4 لعلّه أراد بالمعنويّ المقدّر؛ وهو متعلّق الجارّ والمجرور والظّرف.
5 أي: مذهب البصريّين.
يُنظر: الارتشاف 2/355، والتّصريح 1/385، والهمع 4/33، والأشمونيّ 2/181.
6 وكذلك الفرّاء.
يُنظر: اللّباب 1/290، والارتشاف 2/355، والتّصريح 1/385، والأشمونيّ 2/181.
7 في أ: المتضّمنة.

(1/380)


على العامل] 1 الظّرفي؛ فهذه المسألة على ثلاثةِ أمثلةٍ: زيد في الدّار قائمًا؛ جائز بلا خلاف، وقائمًا في الدّار زيدٌ؛ ممتنع بلا خلاف2، وزيد قائمًا في الدّار؛ يجوز ولا يجوز على الخلاف.
وأمّا الحال المؤكّدة مضمون جُمْلةٍ 3: فما كان وصفًا ثابتًا، مذكورًا4 بعد جملة جامِدة الجزأين، مُعَرَّفَتيهما5 لتوكيد بيان6 تَعَيَّن،
____________________
1 ما بين المعقوفين ساقطٌ من أ.
2 وقيل: يجوز؛ وعليه الأخفش، حيث أجاز في قولهم: (فداءً لك أبي وأمّي) أنْ يكون (فداءً) منصوبًا على الحال، والعامل فيه (لك) .
وأجاز ابن بَرْهان إذا كانت الحال ظرفًا أو مجرورًا، والعامل فيها ظرف أو مجرور التّقدّم، قال في قوله تعالى: {هُنَالِكَ الوَلاَيَةُ للهِ الحَقِّ} [الكهف: 44] {هُنَالِكَ} ظرف في موضع الحال، و {الوَلاَيَةُ} مبتدأ، والخبر {لله} وهو عامل في {هُنَالِكَ} الّتي هي الحال. يُنظر: اللّباب 1/290، وشرح اللّمع لابن برهان 1/136، وشرح الرّضيّ 2/25، والارتشاف 2/355، والهمع 4/32، والأشمونيّ 2/182.
3 الحال نوعان: مؤكّدة، وغير مؤكّدة. والمؤكّدة على ضربين:
أحدهما: ما يؤكّد عامله.
والثّاني: ما يؤكّد مضمون جملة.
أمّا ما يؤكّد عامله فالغالب فيه أنْ يكون وصفًا موافقًا للعامل معنى لا لفظًا، كقوله تعالى: {وَلاَ تَعْثَوْا فِي الأَرْضِ مُفْسِدِيْنَ} [البقرة: 60] .
وقد يكون المؤكّد عامله موافقًا له معنى ولفظًا، كقوله تعالى: {وَأَرْسَلْنَاكَ لِلنَّاسِ رَسُولاً} [النّساء: 79] . يُنظر: ابن النّاظم 333، 334.
4 في أ: مذكَّرًا، وهو تحريف.
5 في أ: معرفتهما، وفي ب: معرفيهما؛ والتّصويب من ابن النّاظم.
6 في ب: فإن، وهو تحريف.

(1/381)


نحو: هو زيدٌ معلومًا، قال الشّاعر:
أََنا ابْنُ دَارَةَ مَعْرُوفًا بِهَا نَسَبِي ... وَهَلْ بِدَارَةَ يَا لَلنَّاسِ مِنْ عَارِ؟ 1
[59/أ]
أو فخر، نحو: أنا فُلان بطلاً شجاعًا؛ أو تعظيم، نحو: هو فلانٌ جليلاً مهيبًا؛ أو تحقير، نحو: [هو] 2 فلان مأخوذًا مقهورًا؛ أو تصاغر، نحو: أنا عبدك فقيرًا إليك؛ أو وعيد، نحو: أنا فلان متمكّنًا منك؛ أو غير ذلك كما هو في [زيد] 3 أبوك عطوفًا.
والعامل في الحال4 من هذا النّوع مضمرٌ بعد الخبر، تقديره: أحقُّه
____________________
1 هذا بيتٌ من البسيط، وهو لسالم بن دَارة، من قصيدة يهجو بها بني فِزارة.
و (دارة) : اسم أمّه؛ سُمّيت بذلك لجمالها تشبيهًا بدارة القمر.
والمعنى: أنا ابن هذه المرأة، ونسبي معروف بها؛ وليس فيها من المعرّة ما يوجِبُ القدْح في النّسب، أو الطّعن في الشّرف.
والشّاهد فيه: (معروفًا) فإنّه حال مؤكّدة لمضمون الجملة قبله.
يُنظر هذا البيتُ في: الكتاب 2/79، والخصائص 2/268، 3/60، وأمالي ابن الشّجريّ 3/22، وشرح المفصّل 2/64، والملخّص 392، وشرح التّسهيل 2/357، وابن النّاظم 335، وشرح الشّذور 234، وابن عقيل 1/593،وشفاء العليل 2/539، والمقاصد النّحويّة 3/186، والهمع 4/40.
2 ما بين المعقوفين زيادة يقتضيها السّياق؛ ابن الناظم 336.
3 ما بين المعقوفين زيادة يقتضيها السّياق؛ ابن الناظم 336.
4 ذكر الشّارح - رحمه الله - في العامل قولين؛ وبقي القولُ الثّالث: وهو أنّ العامل هو المبتدأ لتضمُّنه معنى (تنبّه) ؛ وعليه ابن خروف.
يُنظر: شرح التّسهيل 2/358، وابن النّاظم 336، والارتشاف 2/363، والتّصريح 1/388، والهمع 4/40.

(1/382)


وأعرفُه إنْ كان المبتدأ غير أنا؛ فإنْ كان أنا فالتّقدير: أحقُّ وأعرفُ؛ وقال الزّجّاج1: "العامِل هو الخبر بِتَأوّله اسمًا"2.
ويمنع من تقديم الحال3 على صاحبها أسبابٌ؛ منها: اقتران [الحال] 4 بإلاّ لفظًا أو معنى، نحو: ما قام زيدٌ إلاَّ مُسْرِعًا وإنّما5 قام زيدٌ مُسْرِعًا.
ومنها: أنْ يكون صاحبها مجرورًا بالإضافة، نحو: عرفت قيام زَيْدٍ
____________________
1 يُنظر هذا القول في: شرح التّسهيل 2/358، وابن النّاظم 336، والارتشاف 2/363.
والزّجّاج هو: أبو إسحاق إبراهيم بن السّريّ بن سهل، النّحويّ، البصريّ: لزم المبرّد؛ ومن مصنفّاته: معاني القرآن، وفعلت وأفْعَلت، وما ينصرف ومالا ينصرف؛ توفّي سنة (311هـ) .
يُنظر: طبقات النّحويّين واللّغويّين 111، ونزهة الألبّاء 183، وإنباه الرّواة 1/194، وإشارة التّعيين 12، وبُغية الوُعاة 1/411.
2 في ب: المسمّى.
3 ويجب تقديم الحال على صاحبها لأسبابٍ:
منها: كون صاحبها مقرونًا بـ (إِلاّ) أو ما في معناها؛ نحو: (ما قام مسرِعًا إلا زيدٌ) و (إنّما قام مسرعًا زيدٌ) .
ومنها: إضافة صاحبها إلى ضمير ما لابس الحال؛ نحو: (جاء زائرًا هندًا أخوها) و (وانطلق منقادًا لعمرو صاحبه) .ابن النّاظم 322.
(الحال) ساقطة من أ.
5 في كلتا النّسختين: ومنها، والتّصويب من ابن النّاظم 322.

(1/383)


مُسْرِعًا وهذا شَاربُ السّويق ملتوتًا1. لا يجوز في هذا التّقديم2، لئلاّ يلزم الفصل بين المضاف والمضاف إليه، ولا قبله3؛ لأنَّ نسبة المضاف إليه من المضاف كنسبة/ الصّلة من الموصول؛ فلذلك لا4 يتقدّم ما يتعلّق بالمضاف إليه على المضاف [59/ ب]
وحقّ الحال أن تدلّ5 على نفس ما دلّ عليه نفس صاحبها، كالخبر6 بالنّسبة إلى المبتدأ، ومقتضى هذا لا يكون المصدر حالاً7؛ لئلاّ يلزم الإخبار بمعنىً عن عينٍ؛ فإنْ ورد شيءٌ من ذلك حُفِظَ ولا يُقاس عليه إلاَّ فيما قَلَّ؛ ومنه قولهم: طلع زيدٌ علينا بَغتةً وقتلتُه صَبْرًا8 ولقيته فجأةً وكلّمته شِفاهًا وأتيتُهُ ركضًا.
____________________
1 لَتَّ السّوِيق والأقِط ونحوهما يَلُتُّه لَتًّا: خلطه بالماء ونحوه؛ ولَتّ السّويق أي: بَلَّه. اللّسان (لتت) 2/82.
2 في أ: التّقدير، وهو تحريف.
3 في كلتا النّسختين: ولا بعده؛ والتّصويب من ابن النّاظم.
4 في أ: ما.
5 في ب: يدل.
6 في ب: والخبر.
7 في وقوع المصدر حالاً خلافٌ بين العلماء، تعرّضنا له في باب المصدر.
فليراجَع هُناك ص 354.
8 أصل الصَّبْر: الحبس؛ وكلُّ مَن حَبَس شيئًا فقد صَبَره؛ ويقال: (قُتِل فلانٌ صَبْرًا) : إذا حُبِسَ. اللّسان (صبر) 4/438.

(1/384)


وقد اطَّرَدَ ورودُ المصدر حالاً في أشياء:1
منها: قولُهم: أنت الرّجل علمًا وأدبًا2 و [زَيْدٌ] 3 زُهيرٌ شعرًا، وحَاتِمٌ4 جُودًا، والأحنَفُ حِلْمًا أي: مثل زهيرٍ في حالِ شِعْرٍ، وحاتمٍ في حال جُوْدٍ5.
ومن وُرود كان مقدّرًا بعد المصدر، عاملاً في الحال، قولهم6: ضربي زيدًا قائمًا وشُربي السّويق ملتوتًا [تقديره: إذا كان قائمًا وإذا كان ملتوتًا] 7 فكان هي العاملة؛ وهي تامّة لا ناقصة.
وعلى ذلك قياس ما أُضيف إلى المصدر من الأسماء الّتي بمعنى التّفضيل، كقولك8: أجود ضربي زيدًا قائمًا وأحسن أفعالك مطيعًا9؛ لأنّ أفعل بعض ما يضاف إليه.
ومجيئها لبيان هيئة الفاعل أو المفعول10 [60/ أ] ، كقولك: ضربت زيدًا
____________________
1 يُنظر: ابن النّاظم 317.
2 أي: الكامل في حال علم وأدب.
3 ما بين المعقوفين ساقطٌ من ب.
4 في أ: خاتم، وهو تصحيف.
5 في أ: حود، وهو تصحيف.
6 في كلتا النّسختين: كقولهم؛ والأنسب أن يقال: قولهم.
7 ما بين المعقوفين ساقطٌ من أ.
8 في أب: كقوله.
9 في أ: معطيًا.
10 في ب: والمفعول.

(1/385)


قائمًا فيُحتمل أنْ يكون
حالاً من الفاعل، أو من المفعول، أو هيئتهما، كقولك: جاءني زَيْدٌ وعمرٌو مسرعين، ومنه قولُ عنترة:
مَتَى مَا تَلْقَنِي1 فَرْدَيْنِ تَرْجُفْ ... رَوَانِفُ2 ألْيَتَيْكَ وَتُسْتَطَارَا3
ومنه قولُ الشّاعر:
تَعَلَّقْتُ لَيْلَى بَعْدَ عَشْرٍ مَضَتْ لَهَا ... وَلَمْ يَبْدُ للأَتْرَابِ مِنْ نَهْدِهَا4 حَجْمُ
صَغِيْرَيْنِ نَرْعَى البَهْمَ يَا لَيْتَ أَنَّنا ... مَدَى الدَّهْرِ لَمْ نَكْبُر وَلَمْ تَكْبُرْ5 البَهْمُ6
____________________
1في أ: تلقي، وهو تحريف.
2 في ب: رواكف.
3 هذا بيتٌ من الوافر.
و (ترجُف) : تضطرب وتتحرّك. و (الرّوانف) : جمع رانفة؛ والرّانفة: أسفل الإلية، وطرفها ممّا يلي الأرض من الإنسان إذا كان قائمًا. و (تستطارَا) من قولهم: استطير الشّيء: إذا طير.
والمعنى: متى تلقني منفردين ينتابُك الخوف وتضطرب روانف إليتيْك وتكاد تطير.
والشّاهد فيه (فردين) فإنّه واقعٌ حالاً من الفاعل والمفعول جميعًا.
يُنظر هذا البيت في: أسرار العربيّة 191، وشرح المفصّل 2/55، وشرح عمدة الحافظ 1/460، وابن النّاظم 332، واللّسان (طير) 4/513، (رنف) 9/127، وشفاء العليل 2/535، والمقاصد النّحويّة 3/174، والتّصريح 2/294، والخزانة 4/297، والدّيوان 234.
4 في ب: صدرها.
5 في ب: يكبر.
6 هذا بيتٌ من الطّويل، وهو للمجنون؛ وكان هو وليلى يرعيان البَهْم وهما صبيّان، فعلِقها علاقة الصّبيّ، فقال هذه الأبيات.
و (الأتراب) : جمع تِرْب، وهو الرّفيق من سنٍّ واحد.
والشّاهد فيه: (صغيرين) حيث جاء الحال من الفاعل والمفعول بلفظٍ واحد، والحال هو قوله: (صغيرين) ؛ أما الفاعل فهو الضّمير في (تعلّقت) ؛ وأمّا المفعول فهو قوله: (ليلى) .
يُنظر هذا البيت في: الشّعر والشّعراء 374، ومجالس ثعلب 2/532، وأسرار العربيّة 190، وتذكرة النُّحاة 324، والخزانة 4/230، والدّيوان 238.

(1/386)


وكما1 جاز تعدّد خبر المبتدأ وهو مفردٌ، كقولك: زيدٌ عالم جَوادٌ فـ[ـكذلك] 2 تقول: جاء زيدٌ راكبًا ضاحكًا3.
وكما4 جاز أن يبتدأ بالنّكرة5بشرط وضُوح المعنى وإزالة اللّبس؛ فكذلك6 صاحب الحال جائز تنكيره بما يسوّغ له ذلك؛ فمنها تقدّم الحال عليه، كقولك: هذا قائمًا رَجُلٌ؛ فبالتّقدّم7 امتنع أنْ يكون صفةً للنّكرة؛ لأنَّ الصّفة لا تتقدّم على الموصوف؛ فتعيّن أنْ يكون8 حالاً،
____________________
1 في ب: وكلما.
2 ما بين المعقوفين ساقطٌ من أ.
3 الحال شبيهة بالخبر والنّعت؛ فيجوز أن تتعدّد وصاحبها مفرَد، وأنْ تتعدّد وصاحبها متعدّد. فالأوّل مثّل له الشّارح؛ ومنع ابن عصفور جواز تعدّد الحال في هذا النّحو قياسًا على الظّرف. والثّاني؛ نحو (جاء زيدٌ وعمرو مُسرعين) و (لقيته مصعدًا منحدرًا) .
يُنظر: المقرّب 1/155، وشرح التّسهيل 2/348، وابن النّاظم 332.
4 في ب: وكلما.
5 "قد تقدّم أنّ الحال وصاحبها خبر ومخبر عنه في المعنى؛ فأصل صاحبها أنْ يكون معرفة، كما أنّ أصل المبتدأ أنْ يكون معرفة". ابن النّاظم 318.
6 في أ: وكذلك.
7 في أ: فالتّقدير، وهو تحريف.
8 في أ: تكون.

(1/387)


ومنه ما أنشده سيبويه:
وَبِالْجِسْمِ مِنِّي بَيِّنًا لَوْ عَلِمْتِهِ ... شُحُوبٌ وَإِنْ تَسْتَشْهِدِي1 العَيْنَ تَشْهَدِ2
[60/ب] وكقول الآخر:
لِمَيَّةَ مُوْحِشًا3 طَلَلُ4 ... ....................................
____________________
1 في ب: وإن تشهد.
2 هذا بيتٌ من الطّويل، لم أقف على قائله.
و (بَيِّنًا) : ظاهرًا. و (الشُّحوب) : تغيُّر اللّون.
والمعنى: في جسدي تغيُّرٌ ظاهرٌ لو عرفته لعطفتَ عليَّ؛ وإذا أحببت أن تري الشّاهد فانظري إلى عينيَّ فإنّهما تحدّثانك حديثه.
والشّاهد فيه: (بيِّنًا) حيث جاءت الحال من النّكرة الّتي هي قوله: (شحوب) والمسوّغ تقدّمها على صاحبها؛ وهذا إنما يجيء على مذهب سيبويه من جواز مجيء الحال من المبتدأ؛ وأما على مذهب الجمهور من امتناعه فهو حال من الضّمير المستكنّ في الخبر؛ وحينئذٍ لا شاهد فيه.
يُنظر هذا البيت في: الكتاب 2/123، والتّبصرة 1/299، 2/333، وشرح الكافية الشّافية 2/738، وشرح عمدة الحافظ 1/422، وابن النّاظم 319، وابن عقيل 1/576، والمساعد 2/18، وشفاء العليل 2/526، والمقاصد النّحويّة 3/147، والأشمونيّ 2/175.
3 في أ: موحش.
4 هذا صدر بيتٍ من مجزوء الوافر، وعجزه:
يَلُوحُ كَأنَّهُ خِلَلُ
وهو لكثيّر عزّة؛ وقال البغداديّ في الخزانة 3/211: "وهذا البيت من رَوى أوّله: (لِعَزَّةَ مُوحِشًا) ، قال هو لكثيّر عزّة؛ ومَن رواه: (لِمَيَّةَ مُوْحِشًا) قال: إنّه لذي الرُّمّة؛ فإنّ (عَزّة) اسم محبوبة كثيّر، و (مَيّة) اسم محبوبة ذي الرُّمّة".
و (موحشًا) : اسم فاعل من أوحش المنزل إذا خلا من أهله، والمراد: القَفْرُ الّذي لا أنيس فيه. و (طلل) : هو ما بقي شاخصًا من آثار الدّيار. و (يلوح) : يظهر، ويلمع. و (خلل) : جمع خِلّة؛ وهي: بطانة منقوشة بالمعادن تغشّى بها أجفان السّيوف.
والمعنى: أنّ دار ميّة قد أقفرت من أهلها، ودَرَسَتْ معالمها، ولم يبق منها إلاّ آثار ضئيلة، تظهر للرّائي كأنّها نقوش في البطائن الّتي تغشّى بها أجفان السّيوف.
والشّاهد فيه: (مُوْحِشًا طلل) حيث وقعت (موحشًا) حال من (طلل) وهو نكرة؛ وسوّغ ذلك تقدُّمُ الحال عليها. وقيل: إنّه حال من الضّمير المستكنّ في الخبر؛ وهذا الضّمير معرفة وإنْ كان مرجعه - وهو المبتدأ - نكرة؛ وحينئذ لا شاهد فيه؛ وهو قولُ جمهور البصريّين.
يُنظر هذا البيتُ في: الكتاب 2/123، ومعاني القرآن للفرّاء 1/167، والمسائل العضديّات 230، والخصائص 2/492، وأسرار العربيّة 147، ونتائج الفكر 235، وأوضح المسالك 2/82، والمقاصد النّحويّة 3/163، والتّصريح 1/375، والخزانة 3/209، وديوان كثيرّ 506.

(1/388)


أو أنْ يتخصّص؛ إمّا بوصف1، كقوله تعالى: {فِيْهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ أَمْرًا مِنْ عِنْدِنَا} 2، وكقول الشّاعر:
نَجَّيْتَ يَا رَبِّ3 نُوحًا فَاسْتَجَبْتَ لَهُ ... فِي فُلُكٍ مَاخِرٍ فِي الْيَمِّ مَشْحُونَا4
____________________
1 وإمّا بإضافة، كقوله تعالى: {وَقَدَّر فِيْهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاءً لِلسَّائِلينَ} [فصّلت: 10] . يُنظر: ابن النّاظم 320.
2 الآية: 4، وبعض الآية: 5 من سورة الدّخان.
3 في ب: يرب.
4 هذا بيتٌ من البسيط، ولم أقف على قائله.
و (الفلك) : السّفينة. و (ماخر) : مِنْ مَخَرَتِ السّفينة: إذا جرَتْ تشقُّ الماء مع صوت. و (اليَمّ) : البحر، أو الماء. و (مشحونًا) : مملوءًا.
والشّاهد فيه: (مشحونًا) حيث وقع حالاً من النّكرة - فُلُك -؛ وسوّغ ذلك الوصف بـ (ما خر) .
يُنظر هذا البيت في: شرح التّسهيل 2/331، وابن النّاظم 319، وأوضح المسالك 2/84، وابن عقيل 1/578، وشفاء العليل 2/525، والمقاصد النّحويّة 3/149، والتّصريح 1/376، والأشمونيّ 2/175.

(1/389)


وإمّا أنْ يتقدّم صاحب الحال نفي، أو نهي، أو استفهام، كقولك: ما أتاني من أحدٍ إلاَّ رَاكِبًا.
والنّهي منه قولُ الطِّرِمَّاح1:
لاَ يَرْكَنَنْ أَحَدٌ إِلَى الإِحْجَامِ ... يَوْمَ الْوَغَى مُتَخَوِّفًا لِحِمَامِ2
____________________
1 هو: الحَكَم بن حَكِيم بن الحَكَم بن نَفْر بن قَيْس بن جَحْدر الطّائيّ، يكنى أبا نَفْر؛ والطِّرِمَّاح في اللّغة: الطّويل؛ وهو شاعرٌ إسلاميّ، خارجيّ، وخطيب.
يُنظر: الشّعر والشّعراء 388، والمؤتلف والمختلف 219، والأغاني 12/43، والخزانة 8/74.
2 هذا بيتٌ من الكامل، وهو لِقَطَرِيِّ بْنِ الفُجَاءَةِ؛ وقد نسبه الشّارح وابن النّاظم إلى الطِّرِمّاح؛ وربّما كان هذا سهواً منهما أو من النُّسّاخ.
و (الرُّكون) : الميل. و (الإحجام) : التأخُّر والنُّكول عن لقاء العدوّ. و (الوغى) : الحرب. و (الحِمَام) : الموت.
والشّاهد فيه: (مُتَخَوِّفًا) حيث وقع حالاً من النّكرة - أَحَدٌ -؛ وسوّغ ذلك وُقوع النّكرة بعد النّهي.
يُنظر هذا البيت في: شرح الحماسة للمرزوقيّ 1/136، وشرح الحماسة للتّبريزيّ 1/35، وشرح الكافية الشّافية 2/739، وشرح التّسهيل 2/332، وابن النّاظم 320، وأوضح المسالك 2/85، وابن عقيل 1/580، والمقاصد النّحويّة 3/150، والتّصريح 1/377، والهمع 4/21، والخزانة 10/163، وديوان شعر الخوارج 126.

(1/390)


ومثال ما تقدّم الاستفهام، قولك1: أَجَاءَكَ2 رَجُلٌ رَاكِبًا؟، ومنه قولُ الشّاعر:
يَا صَاحِ هَلْ حُمَّ عَيْشٌ بَاقِيًا فَتَرَى ... لِنَفْسِكَ الْعُذْرَ فِي3 إِبْعَادِهَا الأَمَلاَ؟ 4
وقد تقع الجملة حالا: ً5؛ وهي إمَّا اسميّةٌ، وإمّا فعليّةٌ؛ فإنْ كانت
____________________
1 في أ: كقولك.
2 في أ: أخاك.
3 في ب: من.
4 هذا بيتٌ من البسيط، لرجلٍ من طيِّء، لم أقف على اسمه.
(صاح) : أصله صاحبي، فرخّم بحذف آخره ترخيمًا غير قياسي، إذْ هو في غير علم، وقياس التّرخيم أنْ يكون في الأعلام. و (هل حُمَّ عيش) أي: هل قُدِّر عيش.
والمعنى: يا صاحبي هل قُدِّرَ للإنسان حياة دائمة في الدّنيا؟، أو أنْ يعيش عيشة هنيّة لا يشوبها كَدَر؟، فيكون لك العذر في هذه الآمال البعيدة.
والشّاهد فيه: (باقيًا) حيث وقع حالاً من النّكرة - عيش -؛ وسوّغ ذلك وُقوع النّكرة بعد الاستفهام.
يُنظر هذا البيت في: شرح التّسهيل 2/332، وابن النّاظم 321، وأوضح المسالك 2/87، وابن عقيل 1/580، وشفاء العليل 2/526، والمقاصد النّحويّة 3/153، والتّصريح 1/377، والهمع 4/22، والأشمونيّ 2/176، وشعر طيّء 2/792.
5 تقع الحال جملة بأربعة شروط:
الأوّل: كونُ الجملة خبريّة؛ وهي المحتملة للصّدق والكذب؛ وهذا الشّرط مُجْمَعٌ عليه؛ لأنّ الحال بمثابة النّعت، وهو لا يكون جملة إنشائيّة.
والثّاني: أنْ تكون غير مصدّرة بدليل استقبال، كـ (السّين) و (سوف) و (لن) .
والثّالث: ألاّ تكون الجملة تعجُّبيّة.
والرّابع: أنْ تكون الجملة مرتبطة؛ إمّا بالواو والضّمير معًا لتقوية الرّبط، نحو قوله تعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ المَوْتِ} [البقرة:243] ؛ أو بالضّمير فقط دون الواو، نحو قوله تعالى: {اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ} [البقرة:36] ؛ أو بالواو فقط دون الضّمير، نحو قوله تعالى: {لَئِنْ أَكَلَهُ الذِّئْبُ وَنَحْنُ عُصْبَةٌ} [يوسف: 14] .
يُنظر: أوضح المسالك 2/103، والتّصريح 1/389، والهمع 4/42، والأشمونيّ 2/186.

(1/391)


فعليّةً فلا تخلو1 من أنْ تكون مُصدَّرةً بفعلِ مُضارعٍ، أو ماضٍ؛ فإنْ كانت بمضارعٍ مثبتٍ خالٍ من2 قد لزم الضّمير وترك الواو، كقولك: جاء زيدٌ يضحك وقَدِمَ تُقَادُ الجَنَائِبُ بين3 يديه؛ ولا يجوز: ويضحك4.
فإنْ5 كان [61/أ] مقرونًا بقد لزمته الواو6.
____________________
1 في أ: يخلو.
2 في أ: من خال قد.
3 في أ: من بين.
4 فإنْ جاء من لسان العرب ما ظاهره ذلك أوّل على إضمار مبتدأ بعد الواو، ويكون المضارِع خبرًا عن ذلك المبتدأ، نحو قولهم: (قُمْتُ وأصُكُّ عَيْنَهُ) ، وقوله:
فَلَمَّا خَشِيتُ أظَافِيرَهُمْ ... نَجَوْتُ وَأَرْهَنُهُمْ مَالِكَا
يُنظر: شرح التّسهيل 2/367، وابن النّاظم 337، وابن عقيل 1/595، والأشمونيّ2/187.
5 في ب: وإنْ.
6 كما في قوله تعالى: {وَقَد تَّعْلَمُونَ أَنِّي رَسُولُ اللهِ إِلَيْكُمْ} [الصّفّ: 5] .

(1/392)


وإنْ كانت غير مصدّرةٍ بمضارِعٍ مثبت؛ فالغالب مجيئها بالضّمير1، أو بالواو، أو بهما جميعًا.
فإنْ كانت مُصدّرةً بمضارعٍ منفيّ؛ فالنّافي2 إمَّا لا، وإمّا لم؛ فإنْ كان لا فالأكثر مجيئه بالضّمير3وترك الواو4، كقول الشّاعر:
لَوْ أَنَّ قَوْمًا لاِرْتِفَاعِ قَبِيلَةٍ ... دَخَلُوا السَّمَاءَ دَخَلْتُهَا لاَ أُحْجَبُ5
وإنْ كان لم كَثُرَ إفراد الضّمير، والاستغناء عنه بالواو، والجمع بينهما.
____________________
1 في أ: بالضّمّ، وهو تحريف.
2 في أ: فالتّالي.
3 في أ: بالضّمّ، وهو تحريف.
4 فإنْ ورد بالواو أوّل على إضمار مبتدأ على الأصحّ؛ كقراءة ابن ذكوان {فَاسْتَقِيمَا وَلاَ تَتَّبِعَانِّ} [يونس: 89] ، وكقول الشّاعر:
أَكْسَبَتْهُ الْوَرِقُ الْبِيْضُ أبًا ... وَلَقَدْ كَانَ وَلاَ يُدْعَى لأَبْ
وفي كلام ابن النّاظم خلافُ ذلك.
يُنظر: شرح التّسهيل 2/368، وابن النّاظم 339، وابن عقيل 1/598، والأشمونيّ 2/189.
5 هذا بيتٌ من الكامل، ولم أقف على قائله.
(أحجب) : أُمنع.
والمعنى: لو أنّ قومًا وصلوا إلى ذِرْوة المجد بارْتفاع قبيلتهم دخلت السماء، لا أمنع من دخولها.
والشّاهد فيه: (لا أُحجب) حيث أتت الحال جملةً مصدّرة بمضارِعٍ منفيّ بـ (لا) بدون الواو؛ وهو الأكثر.
يُنظر هذا البيتُ في: ابن النّاظم 338، وشفاء العليل 2/540، والمقاصد النّحويّة 3/191، والأشمونيّ 2/188.

(1/393)


فالأوّل: 1؛ كقوله تعالى: {فَانْقَلَبُواْ بِنِعْمَةٍ مِنَ اللهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ} 2، وكقول زُهير:
كَأَنَّ فُتَاتَ الْعِهْنِ فِي كُلِّ مَنْزِلٍ نَزَلْنَ بِهِ حَبُّ الْفَنَا3 لَمْ يُحَطَّمِ4
والثّاني:؛كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُن لَّهُمْ شُهَدَاءُ إِلاَّ أَنْفُسُهُمْ} 5، [و] 6 كقول عَنترة:
وَلَقَدْ خَشِيْتُ بِأَنْ أَمُوتَ وَلَمْ تَدُرْ ... لِلْحَرْبِ دَائِرَةٌ عَلَى ابْنَيْ ضَمْضَمِ7
____________________
1 في أ: بالأول.
2 من الآية: 174 من سورة آل عمران.
3 في ب: السعيا، وهو تحريف.
4 هذا بيتٌ من الطّويل.
و (فُتات العهن) : قِطَعُه وما تناثَر منه. و (العهن) : الصّوف؛ وأراد به هُنا: الصّوف المصبوغ الأحمر الّذي تزيّن به الهوادج. و (الفَنا) : مقصور، الواحد فناة: عنب الثّعلب، ويقال: نبْتٌ آخر؛ وقيل: هو شجر ذو حبّ أحمر. و (لم يحطّم) : لم يكسّر ولم يتفتّت.
والمعنى: كأنّ قطع الصّوف المصبوغ الّذي زيّنت به الهوادج في كلّ منزل نزلته هؤلاء النّسوة حبّ عنب الثّعلب في حال كونه غير محطّم؛ لأنّه إذا تحطّم زايَله لونُه.
والشّاهد فيه: (لم يحطّم) حيث جاءت الجملة الحاليّة الّتي فعلها مضارع منفيّ مجرّدةً من الواو.
يُنظر هذا البيت في: شرح التّسهيل 2/361، 368، وابن النّاظم 340، واللّسان (فتت) 2/65، (فني) 15/165، وشفاء العليل 2/547، والمقاصد النّحويّة 3/194،والأشمونيّ 2/191.
5 من الآية: 6 من سورة النّور.
6 ما بين المعقوفين ساقطٌ من ب.
7 هذا بيتٌ من الكامل.
و (ابني ضَمضم) هما: هرم وحصين؛ وكان عنترة قد قتل أباهما ضمْضمًا، فكانا يتوعّدانه.
والشّاهد فيه: (ولَمْ تَدُرْ) حيث وقع المضارع المنفيّ بـ (لم) حالاً مقرونًا بالواو.
يُنظر هذا البيتُ في: الشّعر والشّعراء 150، وحماسة البحتريّ 43، وشرح التّسهيل 2/369، وابن النّاظم 340، والمقاصد النّحويّة 3/198، والأشمونيّ 2/191، والخزانة 1/129، والدّيوان 221.

(1/394)


والثّالث:؛ كقوله تعالى: {أَوْ قَالَ أُوْحِيَ إِلَيَّ وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَيْءٌ} 1، وكقول الشّاعر:
سَقَطَ النَّصِيفُ2 وَلَمْ تُرِدْ إِسْقَاطَهُ فَتَنَاوَلَتْهُ وَاتَّقَتْنَا بِالْيَدِ3
/ وإنْ كانت مُصدّرةً بفعلٍ مَاضٍ؛ فإنْ [كان] 4 بعد إلاّ أو قبل أو لزِم الضّمير وترك الواو، كقوله تعالى: {مَا يَأْتِيْهِم مِّن رَّسُولٍ إِلاَّ كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ} 5، ومنه قولُ الشّاعر:
كُنْ لِلْخَلِيلِ نَصِيرًا جَارَ أَوْ عَدَلاَ ... وَلاَ تَشِحَّ عَلَيْهِ جَادَ أَوْ بَخِلاَ6
[61/ ب]
____________________
1 من الآية: 93 من سورة الأنعام.
2 في ب: الضف وهو تحريف.
3 هذا بيتٌ من الكامل، وهو للنّابغة الذّبيانيّ.
و (النّصيف) : الخِمار الّذي تتخمّر به المرأة.
والشّاهد فيه: (ولم تُرِدْ) حيث وقع المضارع المنفيّ بـ (لم) حالاً مقرونًا بالواو والضّمير.
يُنظر هذا البيت في: الشّعر والشّعراء 92، وشرح التّسهيل 2/370، وابن النّاظم 340، والمقاصد النّحويّة 3/201، والأشمونيّ 2/191، والدّيوان 93.
4 ما بين المعقوفين ساقطٌ من ب.
5 من الآية: 30 من سورة يس.
6 هذا بيتٌ من البسيط، ولم أقف على قائله.
والشّاهد فيه: (جار) حيث وقع حالاً وهو ماضٍ، ولم يجيء معها (قد) و (الواو) ؛ لكون الماضي قد عُطف عليه بـ (أو) ؛ وكذا الكلام في قوله: (جاد) ؛ وكذا إذا وقع بعد (إلاّ) .
يُنظر هذا البيتُ في: شرح عمدة الحافظ 1/449، وابن النّاظم 341، وشفاء العليل2/541، والمقاصد النّحويّة 3/202، والهمع 4/45، والأشمونيّ 2/188، والدّرر

(1/395)


فإن لم يكن1 بعد إلاّ ولا قبل أو؛ فالأكثر اقترانُه في الإثبات2 ?الواو وقد مع الضّمير، [ودونه] 3.
فالأوّل: [كقوله تعالى] 4: {أَفَتَطْمَعُونَ أَنْ يُؤْمِنُواْ لَكُمْ وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِّنْهُم يَسْمَعُونَ كَلاَمَ اللهِ} 5.
والثّاني:؛ كقولك6: جاء زيدٌ وقد طلعت الشّمس.
ويَقِلُّ7 تجريدُه من الواو وقد8، كقول الشّاعر:
وَإِنِّي لَتَعْرُونِي لِذِكْرَاكِ هَِزَّةٌ ... كَمَا انْتَفَضَ العُصْفُورُ بَلَّلَهُ الْقَطْرُ9
____________________
1 في أ: لم تكن.
2 في أ: الايبات.
3 ما بين المعقوفين زيادة يقتضيها السّياق، وهي من ابن النّاظم 241.
4 ما بين المعقوفين زيادةٌ يقتضيها السّياق.
5 من الآية: 75 من سورة البقرة.
6 في أ: كقوله.
7 في ب: ونقل.
8 وأقلّ منه تجريدُه من (قد) وحده، كقوله تعالى: {الَّذِيْنَ قَالُوا لإِخْوَانِهِمْ وَقَعَدُوا} [آل عمران: 168] . يُنظر: ابن النّاظم 341.
9 هذا البيتُ تقدّم تخريجه في ص 251.
والشّاهد فيه هُنا: (بلّله القطر) فالجملة من الفعل والفاعل والمفعول في محلّ نصب حال؛ والكثير في مثلها أنْ تكون مقترنة بـ (قد) ، أو بـ (قد) و (الواو) جميعًا، أو بـ (الواو) وحدها؛ ويقلّ تجريدها من (الواو) و (قد) كما هنا.

(1/396)


وأولى منه تجريده من الواو، كقول الشّاعر:
وَقَفْتُ بِرَبْعِ الدَّارِ قَدْ غَيَّر الْبِلَى ... مَعَارِفَهَا وَالسَّارِيَاتُ الْهَوَاطِلُ1
فإنْ كانت الجملة اسميّة2 فلا بُدَّ فيها من رابط؛ إمَّا عائد3، وإمّا واو الحال، كقوله تعالى: {فَلاَ تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ} 4؛
____________________
1 هذا بيتٌ من الطّويل، وهو للنّابغة الذّبيانيّ.
و (الرّبع) : المنزل. و (البلى) : من بليَ الثوبُ إذا خَلَق. و (معارفها) : ما كان متعارَفًا منها. و (السّارِيَات) : جمع ساريَة؛ وهي: السّحابة الّتي تأتي ليلاً. و (الهواطل) : جمع هاطلة، من الهطل؛ وهو: تتابُع المطر وسَيَلانُه.
والشّاهد فيه: (قد غيّر البِلَى) حيث وقع حالاً وهو ماضٍ مقرون بـ (قد) دون (الواو) ؛ وهو قليلٌ بالنّسبة إلى مجيئه بهما، وأقلّ منهما تجريده منهما.
يُنظر هذا البيتُ في: شرح عمدة الحافظ 1/452، وشرح التّسهيل 2/372، وابن النّاظم342، وشفاء العليل 2/549، والمقاصد النّحويّة 3/203، والأشمونيّ 2/190، والدّيوان 87.
2 فإنْ لم تكن مؤكّدة؛ فالأكثر مجيئها بالواو مع الضّمير ودونه؛ فالأوّل كالآية الّتي ذكرها الشّارح، والثّاني كقوله تعالى: {كَمَا أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِن بَيْتِكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ فَرِيقًا مِّنَ المُؤْمِنِينَ لَكَارِهُونَ} [الأنفال: 5] .
يُنظر: ابن النّاظم 342.
3 العائد هو: الضّمير الّذي يعود على صاحب الحال.
4 من الآية: 22 من سورة البقرة.

(1/397)


وقد يستغنى بالضّمير عن [62/ أ] الواو، كقوله تعالى: {وَقُلْنَا اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ} 1،
ومنه قولُ الشّاعر:
وَلَوْلاَ جَنَانُ اللَّيْلِ مَا آبَ عَامِر ... إِلَى قَوْمِهِ سِرْبَالُهُ لَمْ يُمَزَّقِ2
وكقول الآخر:
ثُمَّ رَاحُوا عَبَقُ الْمِسْكِ بِهِمْ ... يُلْحِفُونَ الأَرْضَ هُدَّابَ الأُزُرْ3
____________________
1 من الآية: 36 من سورة البقرة.
2 هذا بيتٌ من الطّويل، وهو لسلامة بن جندل.
و (جنان اللّيل) : شدّة ظلمته وادلهمامه. و (آب) : رجع. و (سرباله) : قميصه.
والمعنى: لولا ظَلامُ اللّيل ما رجع عامرٌ إلى قومه، حال كونه سليم السّربال لم يمزّق.
والشّاهد فيه: (سرباله لم يمزّق) حيث جاءت هذه الجُملة الاسميّة حالاً، مستغنية بالضّمير عن الواو.
يُنظر هذا البيتُ في: مجاز القرآن 1/199، والأصمعيّات 135، ودلائل الإعجاز 204، وابن النّاظم 343، واللّسان (جنن) 13/92، والمقاصد النّحويّة 3/210، والأشباه والنّظائر 7/22، والأشمونيّ 2/190، والدّيوان 176.
3 هذا بيتٌ من الرّمل، وهو لطَرَفة بن العبد.
و (عبق المسك بهم) أي: رائحة الطِّيب ملاصقةٌ لهم. و (الهُدَّاب) : الطّرّة.
والمعنى: راح هؤلاء تصاحبهم رائحة المسك، يجرُّون أزرهم على الأرض خيلاء، ويغطونها بها.
والشّاهد فيه: (عبق المسك بهم) حيث جاءت هذه الجملة الاسميّة حالاً، مستغنية بالضّمير عن الواو.
يُنظر هذا البيت في: شرح عمدة الحافظ 1/456، وشرح التّسهيل 2/365، وابن النّاظم 343، واللّسان (لحف) 9/314، وشفاء العليل 2/544، والمقاصد النّحويّة 3/208، والأشمونيّ 2/190، والدّيوان 65.

(1/398)


[وقد يُستغنى بالواو عن الضّمير] 1، ومنه: أتيتُك وزيدٌ قائم، قال الشّاعر:
وَقَدْ أَغْتَدِي وَالطَّيْرُ فِي وُكُنَاتِهَا2 ... .........................................
وإنْ كانت الجملة مؤكّدة؛ لزم الضّمير وترك الواو، نحو: هو الحقّ لا شبهة فيه، [و {ذَلِكَ الْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيْهِ} 3] 4.
____________________
1 ما بين المعقوفين زيادة يقتضيها السّياق. ويُنظر: شرح التّسهيل 2/362.
2 هذا صَدْرُ بيتٍ من الطّويل، وعجزه:
بِمُنْجَرِدٍ قَيْدِ الأَوَابِدِ هَيْكَلِ
وهو لامرئ القيس.
و (الوكنات) : المواضع الّتي تأوي إليها الطّير. و (المنجرد) : الماضي في السّير، أو قليل الشّعر قصيره. و (الأوابد) : الوُحوش. و (الهيكل) : الفَرس العظيم الجِرْم.
والشّاهد فيه: (والطّير في وكناتها) حيث جاءت هذه الجملة الاسميّة حالاً، مستغنيةً بالواو عن الضّمير.
يُنظر هذا البيت في: شرح المفصّل 2/69، وشرح التّسهيل 2/363، ورصف المباني 456، والمغني 607، وشفاء العليل 2/545، والأشباه والنّظائر 3/41، والخزانة 3/156، والدّيوان 19.
3 من الآية: 2 من سورة البقرة.
4 ما بين المعقوفين ساقطٌ من أ.

(1/399)


ويحذف عامل الحال جوازًا؛ لحضور معناه، كقولك للرَّاحِلِ1: راشدًا مَهْدِيًّا، وللقادم من سَفَرٍ: مسرورًا مأجورًا بإضمار تذهبُ، ورجعتَ؛ أو لتقدُّم ذكره، نحو قولك: راكبًا لمن قال: كيف جئت؟.
ويُحذف2 إذا بُيِّن بها ازدياد ثَمَنٍ شيئًا فشيئًا، كقولك: بِعْهُ بدرهم فصاعدًا أي: فذهب الثّمن صاعدًا، وتصدّق بدينارٍ فَسَافِلاً3 وبعته يدًا بيد وبعتُه مَناقِدًا4؛ ففي هذه الأسماء معنى المشتقّة من الأفعال.
__________
1 في أ: للراجل، وهو تصحيف.
2 في أ: وتحذف. أي: وجوبًا، ويُحذف في غير هذا، في المواضع التّالية:
1- الحال المؤكّدة لمضمون جملة؛ نحو: (زيدٌ أبوك عَطُوفًا) .
2- الحال النّائبة منابَ الخبر؛ نحو: (ضربي زيدًا قائمًا) .
3- أن تدلّ الحال على توبيخ؛ نحو: (أقائمًا وقد قعد النّاس؟) أي: أتوجَد؟ و (أتميميًّا مرّة وقيسيًّا أُخرى؟) أي: أتتحوّل؟.
4- وسماعًا في غير ذلك؛ نحو: (هنيئًا لك) أي: ثبت لك الخير هنيئًا، أو أهنأك هنيئًا.
يُنظر: ابن النّاظم 344، وأوضح المسالك 2/107، وابن عقيل 1/599، والتّصريح 1/393، والهمع 4/60، 61.
3 أي: فانحطّ المتصدّق به سافلاً.
4 في أ: مناقد.

(1/400)


بَابُ التَّمْيِيز: ِ [62/ب]
وَإِنْ تُرِدْ مَعْرِفَةَ التّمْيِيزِ ... لِكَيْ تُعَدَّ مِنْ ذَوِي التَّمْيِيزِ
فَهْوَ الَّذِي يُذْكَرُ بَعْدَ الْعَدَد ... وَالْوَزْنِ1 وَالْكَيْلِ وَمَذْرُوعِ الْيَدِ
وَمَنْ إِذَا فَكَّرْتَ فِيهِ مُضْمَرَهْ ... مِنْ قَبْلِ أَنْ تَذْكُرَهُ وَتُظْهِرَهْ
تَقُولُ: عِنْدِي مَنَوانِ زُبْدَا ... وَخَمْسَةٌ وَأَرْبَعُونَ عَبْدَا
وَقَدْ تَصَدَّقْتُ بِصَاعٍ خَلاَّ ... وَمَا لَهُ غَيْرُ جَرِيبٍ نَخْلاَ
التّمييز- ويسمّى مميّزًا، وتمييزًا، ومفسّرًا، وتفسيرًا2- وهو يشبه الحال3؛ كونه اسمًا نكرةً يأتي بعد تمام الكلام.
والفرق بينهما 4: أنّ الحال يكون مشتقًّا غالبًا.
____________________
1 في أ: وَالْكَيْلِ وَالْوَزْنِ.
2 سمّي تمييزًا وتفسيرًا لأنّ "المراد به رفع الإبهام وإزالة اللّبس؛ وذلك نحو: أنْ تخبِر بخبر، أو تذكر لفظًا يحتمل وجوهًا، فيتردّد المخاطَب فيها، فتنبّهه على المراد بالنّصّ على أحد محتملاته تبيينًا للغرض". شرح المفصّل 2/70.
3 يتّفق التّمييز والحال في خمسة أمور، ذكر الشّارح منها ثلاثة أمور؛ وبقي: أن يكونا منصوبين، رافعين للإبهام. الأشمونيّ 2/202.
4 ويفترقان في سبعة أمور:
الأوّل: أنّ الحال تجيء جملة، وظرفًا، ومجرورًا؛ والتّمييز لا يكون إلاّ اسمًا.
الثّاني: أنّ الحال قد يتوقّف معنى الكلام عليها؛ والتّمييز لا يكون كذلك.
الثّالث: أنّ الحال مبيّنة للهيئات؛ والتّمييز مبيِّنٌ للذّوات.
الرّابع: أنّ الحال تتعدّد؛ بخلاف التّمييز.
الخامس: أنّ الحال تتقدّم على عاملها إذا كان فعلاً متصرّفًا، أو وصفًا يشبهه؛ ولا يجوز ذلك في التّمييز على الصّحيح.
السّادس: أنّ الحال تأتي مؤكّدة لعاملها؛ بخلاف التّمييز.
السّابع: أنّ حقّ الحال الاشتقاق؛ وحقّ التّمييز الجُمود.
يُنظر: شرح عيون الإعراب 154، والمقتصد 1/675، والنّكت الحسان 99، والهمع 4/72، والأشمونيّ 2/202.

(1/401)


والتّمييز: اسم جنس؛ فهو نكرة مضمّن1معنى من لبيان ما قبله2؛ وهو ما دلَّ على مقدارٍ أو3 شبهه4.
وأكثر ما يأتي تمييزًا لمفردٍ فيما كان مقدارًا، والمقادير أرْبَعَة؛ [وهي] 5: المعدود، والموزون، والمكيل6، والممسوح؛ تقول7 من ذلك:
____________________
1 في ب: متضمّن.
2 "من إبهام في اسم مجمَل الحقيقة، أو إجمال في نسبة العامل إلى فاعله أو مفعوله”. ابن النّاظم 346.
3 في أ: وشبهه.
4 ما يشبه المقدار: هو ما يدلّ على قدر غير معيّن؛ لأنّه غير مقدّر بآلة خاصّة؛ فالشّبيه بالوزن نحو: {مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَه} [الزّلزلة: 7] ،والشّبيه بالكيل نحو: (نِحْيٌ سَمْنًا) ، والشّبيه بالمساحة نحو: {وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَدًا} [الكهف: 109] .
يُنظر: ابن النّاظم 347، وأوضح المسالك 2/110، والتّصريح 1/396، والأشمونيّ 2/196.
5 ما بين المعقوفين ساقطٌ من ب؛ وفي أ: وهو؛ وما أثبتّه هو الأنسب.
6 في ب: والمكيول.
7 في ب: فتقول.

(1/402)


أعطيتُ زيدًا عشرين درهمًا، ومنوين عسلاً، وقفيزين بُرًّا، وذراعين حريرًا وما في السّماء قَدْرُ رَاحَةٍ سَحَابًا.
ويأتي مميّزًا لجملة، كقولك: طاب زيدٌ نفسًا. [63/أ]
وتمييز1 المفرد إنْ بيَّنَ العدد فهو واجب الجرّ بالإضافة كوُجوب2 نصبه، وإنْ بيَّنَ غير العدد فحقّه النّصب.
ويجوز جرُّهُ بإضافة3 المميّز إليه، إلاَّ أنْ يكون مُضافًا إلى غيره؛ فتقول: ما له شِبْرُ أَرْضٍ وله مَنَوا سَمْنٍ، وقفيزا بُرٍّ، ورَاقُود4 خَلٍّ، وخاتم حديد؛ فإنْ5 كان المميّز مضافًا6 تعيّن النّصب، كقولك: له جُمَامُ7 الملوك دقيقًا.
__________
1 في ب: مميّز.
2 في ب: لوجوب.
والمعنى: أنّه واجب الجرّ بالإضافة إذا كان من ثلاثة إلى عشرة؛ كوُجوب نصبه إذا كان من أحد عشر إلى تسع وتسعين.
3 في ب: بالإضلفة.
4 الرّاقود: دَنَّ طويل الأسفل كهيئة الإِرْدِبَّة، يُسَيَّعُ باطنه بالقار، وجمعه: الرَّواقيد؛ معرَّب، وقال ابن دُريد: "لا أحسبه عربيًّا". وقيل: الرّاقود: إناء خزف مستطيل مقيّر.
يُنظر: المعرّب 328، واللّسان (رقد) 3/183.
5 في ب: وإن.
6 بمعنى أنّه إذا أُضيف الدّالّ على مقدار إلى غير التّمييز وجب نصبُ التّمييز، نحو: (ما في السّماء قَدْرُ راحةٍ سَحابًا) .ابن عقيل 1/603.
7 الجَمامُ والجِمامُ والجُمامُ والجَمَمُ: الكيل إلى رأس المكيال؛ وقيل: جُمامهُ طَفَافُهُ، ولا يقال: جُمام - بالضّمّ - إلاّ في الدّقيق وأشباهه؛ وهو ما علا رأسَه بعد الامتلاء.
اللّسان (جمم) 12/106، 107.

(1/403)


بَابُ نِعْمَ وَبِئْسَ:
وَمِنْهُ أَيْضًا نِعْمَ زَيْدٌ رَجُلاَ ... وَبِئْسَ عَبْدُ الدَّارِ مِنْهُ بَدَلاَ
اعلم أنّ نِعْمَ وبِئْسَ فِعْلان غَيْرُ مُتَصَرِّفَيْنِ1، وضعا للمدح [العامّ] 2، والذّمّ العامّ.
وفيهما أربع لغاتٍ: نَعِمَ وبَئِسَ هذه الأصل3، ونِعِمَ وبِئِسَ ونِعْمَ وبِئْسَ ونَعْمَ وبَئْسَ.
والدّليل على فعليّتهما: جوازُ [دخول] 4 تاء التّأنيث السّاكنة عليهما5، كقولك: نعمت هند وبئست الجارية6، وإنْ شئتَ قلتَ:
____________________
1 هذا مذهب البصريّين، والكسائيّ من الكوفيّين؛ ومذهب الكوفيّين أنّهما اسمان - كما سيوضّحه الشّارح رحمه الله -.
تُنظر هذه المسألة في: المقتضب 2/141، والأصول 1/130، وأمالي ابن الشّجريّ 2/404، والإنصاف، المسألة الرّابعة عشرة، 1/97، وأسرار العربيّة 96، والتّبيين، المسألة الأربعون، 274، واللّباب 1/180، وشرح المفصّل 7/127، وائتلاف النّصرة، فصل الفعل، المسألة الرّابعة، 115.
2 ما بين المعقوفين ساقطٌ من ب.
3 قال سيبويه في الكتاب 2/179: "وأصلُ نِعْمَ وبِئْسَ: نَعِمَ وبَئِسَ؛ وهما الأصلان اللّذان وُضعا في الرَّداءة والصّلاح، ولا يكونُ منهما فِعْلٌ لغير هذا المعنى".
ويُنظر: المقتضب 2/140.
4 ما بين المعقوفين ساقطٌ من أ.
5 في ب: عليها.
6 وهُناك أدلّة أُخرى استدلّ بها البصريّون؛ منها:
1- أن الضمير يتصل بهما على حدّ اتّصاله بالأفعال؛ فإنّهم قالوا: (نعما رجلين) و (نعموا رجالاً) كما قالوا: (قاما) و (قاموا) .
2- أنّهما مبنيّان على الفتح كالأفعال الماضية؛ ولو كانا اسمين لَما بنيا على الفتح من غير علّة.
يُنظر: أسرار العربيّة 96، والإنصاف، المسألة الرّابعة عشرة، 1/104، 111، والتّبيين، المسألة الأربعون، 274، 275، واللّباب 1/180، وشرح المفصّل 7/127، وشرح الكافية الشّافية 2/1102.

(1/405)


نعم المرأة، ويجوز هذا مع المفرد المذكّر، والمؤنّث، والمثنّى، والمجموع؛ فتقول: نعم الرّجل زيد ونعم الرّجلان أخواك ونعم الرّجال إخوتك ونعم المرأتان هِنْدٌ ودَعْدٌ ونعم النِّساء بنات عمّك.
وقد جوّزوا في هذه المسألة في المخصوص1بالمدح أو الذّمّ أنْ يكون مبتدأً وخبره [الجملة] 2 الّتي قبله3. [63/ ب]
وأنْ يكون خبرًا لمبتدأ محذوف، تقديره: نعم الرّجل هو زيد4.
____________________
1 في كلتا النّسختين: الخصوص، والتّصويب من ابن النّاظم.
2 ما بين المعقوفين ساقطٌ من أ.
3 في أ: إلى قبله.
4 هذان الوجهان ذكرهما معظم النّحاة.
يُنظر: الكتاب 2/176، والمقتضب 2/141، والأصول 1/112، والتّبصرة 1/275.
وقيل: هو مبتدأ خبره محذوف، والتّقدير: (زيدٌ الممدوح) ؛ وإليه ذهب ابن عصفور.
وقيل: هو بدلٌ من الفاعل، وإليه ذهب ابن كيسان.
يُنظر: المقرّب 1/69، والارتشاف 3/25، وابن عقيل 2/156، والتّصريح 2/97، والهمع 5/41، والأشمونيّ 3/37.

(1/406)


وإمّا1 أنْ يكون مضمرًا، مميّزًا بنكرة منصوب، وبعد ذلك اسم مرفوع هو المخصوص بالمدح أو الذّم، كنعم صاحبًا زيدٌ وبئس غُلامًا بِشْرٌ.
ويكون الاسم المرفوع الّذي فيه الألف واللاّم للجنس2 مُضْمرًا
____________________
1 هذه الكلمة قبلها كلام ساقط؛ يدلّ عليه عدم الارتباط بين هذا الكلام والّذي قبله؛ حيث كان الحديث قبلها عن المخصوص بالمدح أو الذّمّ، والحديثُ هُنا عن حالة من حالات الفاعل.
والظّاهر أنّ هذا السّقْط من النُّسّاخ؛ ويُقال في استكماله: إنّ الشّارح قد أورد هذا الكلام لبيان أنّ (نعم) و (بئس) يقتضيان فاعلاً؛ إمّا معرّفًا بالألف واللاّم، نحو: (نعم الرجل زيدٌ) ؛ وإمّا مضافًا إلى المعرّف بها، نحو: (بئس صاحب العشيرة بشر) ؛ وإمّا مضافًا إلى مضاف إلى ما فيه الألف واللاّم، نحو: (نعم غلامُ صاحب القوم) .
والنّوع الأخير من أنواع فاعل (نعم) و (بئس) ذكره الشّارح عندما قال: "وإمّا أنْ يكون مضمَرًا ... ".
يُنظر: شرح المفصّل 7/130، وشرح الكافية الشّافية 2/1105، وابن النّاظم 469، والتّصريح 2/95، والأشمونيّ 3/28، 31.
2 اختلف العلماء في (أل) الّتي في فاعل (نعم) و (بئس) على قولين:
فذهب الجمهور إلى أنّها جنسيّة.
وذهب قومٌ إلى أنّها عهديّة.
والّذين قالوا بالجنسيّة اختلفوا على قولين:
أحدهما: أنّها للجنس حقيقة؛ فالجنس كلّه ممدوح أو مذموم، والمخصوص مندرجٌ تحته لأنّه فردٌ من أفراده؛ ثمّ نصَّ عليه كما ينصّ على الخاصّ بعد العامّ الشّامل له ولغيره.
والثُاني: أنّها للجنس مجازًا؛ لأنّك لم تقصد إلاَّ مدح معيَّن، ولكنّك جعلته جميع الجنس مبالغة.
واختلف القائلون بالعهد على قولين - أيضًا -:
أحدهما: أنّها لمعهود ذهنّي فهي مشار بها إلى ما في الأذهان من حقيقة رجل، كما تقول: (اشتر اللّحم) ولا تريد الجنس ولا معهودًا تقدّم.
والثّاني: أنّها للعهد في الشّخص الممدوح، كأنّك قلت: (زيدٌ نعم هو) .
يُنظر: الكتاب 2/177، والمقتضب 2/141، 142، وشرح المفصّل 7/130، والارتشاف 3/16، وابن عقيل 2/151، والتّصريح 2/95، والهمع 5/30، والأشمونيّ 3/29.

(1/407)


وقد فسَّرَهُ الاسم النَّكرة المنصوب؛ وتقديره: نعم الرّجل رجلاً، ومنه قولُ الشّاعر:
لَنِعْمَ مَوْئِلاً الْمَوْلَى1 إِذَا حُذِرَتْ ... بَأْسَاءُ ذِي الْبَغْيِ وَاسْتِيْلاَءُ ذِي الإِحَنِ2
____________________
1 في أ: الموالي، وهو تحريف.
2 في ب: العن، وهو تحريف.
وهذا البيتُ من البسيط، ولم أقف على قائله.
و (موئلاً) : ملجأً ومرجعًا. و (حُذِرَتْ) : خيفت. و (البأساء) : الشّدّة. و (الإحن) : الأحقاد.
والشّاهد فيه: (لنعم موئلاً) حيث رفع (نعم) ضميرًا مستترًا؛ وقد فُسِّر هذا الضّمير بالتّمييز (موئلاً) .
يُنظر هذا البيت في: شرح التّسهيل 3/9، وشرح الكافية الشّافية 2/1106، وشرح عمدة الحافظ 2/782، وابن النّاظم 469، وابن عقيل 2/152، والمقاصد النّحويّة 4/6، والأشمونيّ 3/32.

(1/408)


التّقدير: لنعم الموئل موئلاً المولى فأضمر الفاعل وفسَّرَهُ بالتّمييز بعده، ومنه قولُه تعالى: {بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلاً} 1.
وقد يُسْتَغْنَى عن التّمييز للعلم بجنس الضّمير، كقوله - صلّى الله عليه وسلّم-: "مَنْ تَوَضَّأَ يَوْمَ الجُمْعَةِ فَبِهَا وَنِعْمَتْ" 2 أي: فبالسّنّة أَخَذَ، ونعمت السّنّة.
وقد يتقدّم3على نِعْمَ ما يدلّ على المخصوص4بالمدح؛ فيغني ذلك عن ذكره، كقولك: العِلْمُ نِعْمَ المُقْتَنَى، وكقوله تعالى عن أيُّوب - عليه السّلام5 -: {إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا نِّعْمَ الْعَبْدُ} 6، وكقول الشّاعر:
____________________
1 من الآية: 50 من سورة الكهف.
2 هذا الحديث رواه سَمُرَةُ بن جُندب عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم. وتمامُه: "وَمَنِ اغْتَسَلَ فَالْغُسْلُ أَفْضَل".
يُنظر: سنن أبي داود، كتاب الطّهارة، باب في الرّخصة في ترك الغسل يوم الجمعة، 1/251، وسنن التّرمذيّ، كتاب الصّلاة، باب ما جاء في الوضوء يوم الجمعة، 2/369، وسنن النّسائيّ، كتاب الجمعة، باب فضل الغسل، 1/522، وسنن ابن ماجه، كتاب إقامة الصّلاة والسّنّة فيها، باب ما جاء في الرّخصة في ذلك، 1/347، ومسند الإمام أحمد 5/16.
3 في ب: يقدّم.
4 في ب: الخصوص، وهو تحريف.
5 في ب: صلّى الله عليه وسلّم.
6 من الآية: 44 من سورة ص.

(1/409)


إِنِّي1 اعْتَمَدْتُكَ يَا يَزِيـ ـدُ2 ... فَنِعْمَ3مُعْتَمَدُ الْوَسَائِلْ4
[64/أ]
وممّا جاء بمعنى بِئْسَ في عَدَمِ التّصرّف سَاْءَ5، كقولك: سَاء الرّجل زيدٌ وساء غلام الرّجل عمروٌ وساء غُلامًا عبدُ هندٍ6، كقوله تعالى7: {بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءَتْ مُرْتَفَقًا} 8، وقوله تعالى9: {سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ} 10؛
____________________
1 في أ: بأنّي.
2 في ب: زيد.
3 في كلتا النّسختين: فنعم أنت، والتّصويب من ابن النّاظم.
4 في أ: الرّسايل.
وهذا البيتُ من مجزوء الكامل، من قصيدة قالها الطّرمّاح يمدح بها يزيد بن المهلّب ابن أبي صُفرة.
والمعنى: إنّي اعتمدّت عليك يا يزيد في قضاء مآربي وأداء مطالبي، ونعم معتمد الوسائل أنت.
والشّاهد فيه: (فنعم معتمد الوسائل) حيث حذف المخصوص بالمدح، والتّقدير: فنعم معتمد الوسائل أنت.
يُنظر هذا البيت في: شرح عمدة الحافظ 2/794، وشرح التّسهيل 3/18، وشرح الكافية الشّافية 2/1110، وشرح التّحفة الورديّة 272، والمقاصد النّحويّة 4/11، والفرائد الجديدة 2/657، والدّيوان 219.
5 في أ: بنا، وفي ب: بيسا؛ وكلتاهما محرّفة.
6 مَثّل الشّارح - رحمه الله - بهذه الأمثلة، ليدلّ على أنّ (ساء) يُستعمل استعمال (بئس) في عدم التّصرُّف، والاقتصار على كون الفاعل معرّفًا بالألف واللاّم، أو مضافًا إلى المعرّف بهما، أو مضمرًا مفسّرًا بتمييز بعده، والمجيء بعد الفاعل بالمخصوص بالذّمّ.
(تعالى) ساقطة من ب.
8 من الآية: 29 من سورة الكهف.
9 في أ: سبحانه.
10 من الآية: 136 من سورة الأنعام.

(1/410)


فهذا على حَدِّ: {بِئْسَمَا اشْتَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ} 1.
وذهب الفرّاءُ وأكثرُ الكوفيّين2 إلى اسميّة نعم وبئس، واحتجّوا بدخول حرف الجرّ عليهما، كقول بعض العرب وقد بُشِّر ببنتٍ: " [وَاللهِ] 3 مَا هِيَ بِنعْمَ المَوْلُوْدَةِ، نَصْرُهَا بُكَاءٌ، وَبِرُّهَا سَرِقَةٌ"4، وقول الآخر: "نِعْمَ السَّيْرُ عَلَى بِئْسَ الْعَيْرُ"5؛ ولا حجّة في ذلك؛ لجواز أنْ يكون دخول حرف [الجرّ] 6، كدخوله7 على نام
____________________
1 من الآية: 90 من سورة البقرة.
2 يُنظر رأي الكوفيّين في: معاني القرآن للفرّاء 1/268، 2/141، والإنصاف، المسألة الرّابعة عشرة، 1/97، والتّبيين، المسألة الأربعون، 274، وشرح ديوان المتنبّي - المنسوب إلى العكبريّ - 2/299 - 301، والمقرّب 1/65، وشرح الكافية الشّافية 2/1102، وابن النّاظم 467، والتّصريح 2/117، والهمع 5/26.
3 ما بين المعقوفين ساقطٌ من أ.
4 قال ابن الشّجريّ في أماليه 2/405: "وقال أبو بكر محمد بن القاسم بن بشّار الأنباريُّ: سمعتُ أحمد بن يحيى يحكي عن سلمة بن عاصم، عن الفرّاء: أنّ أعرابيًّا بُشِّر بابنةٍ وُلِدت له، فقيل له: نِعْم الولدُ هي! فقال: واللهِ ما هي بِنِعْمَ الولدُ، نَصْرُها بُكاءٌ، وبِرُّهَا سَرِقَةٌ".
ويُنظر: أسرار العربيّة 97، والإنصاف 1/98، 99، وشرح المفصّل 7/128، والمقرّب 1/65، وشرح الكافية الشّافية 2/1102، وابن النّاظم 467.
5 نسبه ابن الشّجريّ إلى بعض فصحاء العرب نقلاً عن الفرّاء أيضًا.
أمالي ابن الشّجريّ 2/405، ويُنظر: المصادر السّابقة.
(الجرّ) ساقطٌ من ب.
7 في ب: لدخوله، وهو تحريف.

(1/411)


في قول القائل:
عَمْرُكَ مَا لَيْلِي بِنَامَ1 صَاحِبُهْ2
تقديره: ما ليلي بليلٍ نام3صاحبه؛ ثم حذف الموصوف، وأُقيمت4الصّفة مقامه5.
____________________
1 في أ: ينام، وهو تحريف.
2 هذا بيتٌ من الرّجز المشطور، وبعده:
وَلاَ مُخَالِطِ اللَّيَانِ جَانِبُهْ
ولم أقف على قائله.
و (عمرك) : قسم. و (اللّيان) - بفتح اللاّم والياء جميعًا -: مصدر من اللّين، يقال: فلانٌ في ليان من العيش، أي: لين الجانب.
والشّاهد فيه: (بنام) حيث لا تدلّ الباء على اسميّة (نام) ؛ لأنّ تقديره: ما ليلي بليل نام صاحبه؛ وكذا دخول حرف الجرّ على (نعم) و (بئس) في قوله: (بنعم المولودة و (على بئس العير) لا يدلّ على اسميّتهما.
يُنظر هذا البيت في: الخصائص 2/366، وأمالي ابن الشّجريّ 2/405، والإنصاف 1/112، وأسرار العربيّة 99، 100، والتّبيين 279، وشرح المفصّل 3/62، وشرح الكافية الشّافية 2/1103، وابن النّاظم 468، والمقاصد النّحويّة 4/3، والخزانة 9/388.
3 في أ: ينام، وهو تحريف.
4 في أ: واقا، وهو تحريف.
5 وبعضُ النُّحاة يؤوِّل هذا الكلام على حذف الموصوف وصفته، وإقامة معمول الصّفة مقامها.
والتّقدير: ما هي بمولودٍة مقولٍ فيها نعم المولودة، ونعم السّير على عير مقولٍ فيه بئس العيرُ، وبليلٍ مقول فيه نام صاحبه.
يُنظر: أمالي ابن الشّجريّ 2/406، والإنصاف، المسألة الرّابعة عشرة، 1/113، وشرح قطر النّدى 34، والتّصريح 2/94.

(1/412)


[وكذلك ما هي بِوَلدٍ مقول فيه:1 نعم المولودة؛ فحذف الموصوف، وأُقيمت الصّفة مقامه2] 3.
__________
1 في ب: فقال فيه، وهو سهوٌ من النّاسخ، والصّواب ما هو مثبَت.
2 ما بين المعقوفين ساقطٌ من أ.
3 وهُناك أدلّة أُخرى استدلّ بها الكوفيّون؛ منها:
1- أنّ العرب تقول: (يا نعم المولى، ونعم النّصير) ؛ فنداؤهم (نعم) يدلّ على الاسميّة؛ لأنّ النّداء من خصائص الأسماء.
2- أنّه لا يحسُن اقتران الزّمان بهما كسائر الأفعال؛ ألا ترى أنّه لا يحسُن أنْ تقول: (نعم الرجل أمس) ولا (بئس الرّجل غدًا) ؛ فلمّا لمْ يحسُن اقتران الزّمان بهما دلّ على أنّهما ليسا بفعلين.
يُنظر: أمالي ابن الشّجريّ 2/405، 413، 414، والإنصاف، المسألة الرّابعة عشرة، 1/99، 103، 104، وأسرار العربيّة 97، والتّبيين، المسألة الأربعون، 276.

(1/413)


بَابُ حَبَّذَا وَأَفْعَل الَّذِي لِلتَّفْضِيلِ:
وَحَبَّذَا أَرْضُ الْبَقِيْعِ أَرْضَا ... وَصَالِحٌ أَطْهَرُ مِنْكَ عِرْضَا
(حَبَّذَا) : كلمةٌ مُؤتلفَةٌ من كلمتين؛ إحداهما: (حَبَّ) ، والأخرى: (ذا) ؛ إلاَّ أنَّهما جُعِلاَ كالشّيء الواحد1، بلفظٍ واحدٍ مع المفرد المذكّر2، والمؤنّث، والمثنَّى، والجمع3.
____________________
1 لكن لا يُفهم منه التّركيب؛ وهو مذهب سيبويه والجمهور؛ وذهب قومٌ إلى تركيبهما اسمًا، وقومٌ إلى تركيبهما فعلاً، وآخرون على زيادة (ذا) .
يُنظر: الكتاب 2/180، والمقتضب 2/145، واللّباب 1/188، وشرح المفصّل 7/140، 141، وشرح التّسهيل 3/23، 26، والارتشاف 3/29، والهمع 5/45، 46.
2 في ب: والمذكّر.
3 اختلف النُّحاة في علّة كونِ (ذا) لا يتغيّر عن الإفراد والتّذكير على ثلاثة أقوال:
القول الأوّل: أنّه بمنزلة المثل؛ والأمثال لا تغيّر؛ ونُسب إلى الخليل وسيبويه، وبه قال ابن مالك.
القول الثّاني: أنّه على حذف؛ والتّقدير في (حبّذا هند) - مثلاً -: (حبّذ حُسْنُ هند) و (حبّذا زيد) : (حبّذا أمره وشأنُه) ؛ فالمقدَّر المشار إليه مذكّرٌ مفرد حُذف، وأُقيم المضاف إليه مقامه؛ وهو قولُ ابن كيسان.
القول الثّالث: أنّه على إرادة جنس شائع؛ فالتزم فيه الإفراد كفاعل (نعم) و (بئس) المضمر؛ ولهذا لا يجامع التّمييز فيُقال: (حبّذ زيدٌ رجلاً) .
يُنظر: الكتاب 2/180، والبغداديّات 201، وشرح الكافية الشّافية2/1117، 1118، وابن النّاظم 475، والارتشاف 3/29، والتّصريح 2/100، والهمع 5/4، 46، والأشمونيّ 3/41.

(1/415)


ومعنى (حبَّ) : صارَ محبوبًا جدًّا؛ وفيه لغتان: فتح الحاء، وضمّها. [64/ب]
وأصله1: (حَبُبَ) ، وجرى بإسناده إلى اسم الإشارة كالمثل في عدم التَّغيير؛ فلم يضمّ أوّل الفعل2؛ فيُقال3في المدح: (حَبَّذَا زَيْدٌ) ؛ فإذا أُريدَ به الذّمّ قيل4: (لا حَبَّذَا) ، ومنه قولُ الشّاعر:
أَلاَ حَبَّذَا أَهْلُ المَلاَ غَيْرَ أَنَّهُ ... إِذَا ذُكِرَتْ مَيٌّ فَلاَ حَبَّذَا هِيَا5
وكقول6 الآخر:
أَلاَ حَبَّذَا عَاذِرِي فِي الهَوَى ... وَلاَ حَبَّذَا العَاذِلُ الجَاهِلُ7
____________________
1 في أ: وأصلها.
2 ولا وضع موضع (ذا) غيره من أسماء الإشارة، بل التزمت فيهما طريقة واحدة.
شرح المفصّل 7/138.
3 في ب: فقال.
4 في ب: قيل له.
5 هذا بيتٌ من الطّويل، وهو لذي الرُّمّة في ملحق ديوانه؛ ويُنسب لِكَنْزَةَ أُمّ شَمْلَةَ الْمِنْقَرِيِّ، قالتها في ميّة صاحبة ذي الرُّمّة.
والشّاهد فيه: (حبّذا أهل الملا) و (فلا حبّذا هيا) فقد استعملت (حبّذا) للمدح كـ (نعم) ، و (لا حبّذا) للذّمّ كـ (بئس) .
يُنظر هذا البيت في: شرح ديوان الحماسة للمرزوقيّ 3/1542، وشرح الكافية الشّافية 2/1116، وابن النّاظم 474، وشفاء العليل 2/595، والمقاصد النّحويّة 4/12، والتّصريح 2/99، والهمع 5/51، والأشمونيّ 3/40، والدّرر 5/228، وملحق ديوان ذي الرُّمّة 3/1920.
6 في أ: وكقوله.
7 في ب: المجاهل، وهو تحريف. وهذا البيت من المتقارِب، ولم أقف على قائله.
والشّاهد فيه: (حبّذا عاذري) و (لا حبّذا العاذل الجاهل) حيث استعمل (حبّذا) في العبارة الأولى للدّلالة على المدح، و (لا حبّذا) في العبارة الثّانية للدّلالة على الذّمّ.
يُنظر هذا البيتُ في: شرح عمدة الحافظ 2/802، وشرح التّسهيل 3/26، وأوضح المسالك 2/290، والمساعد 2/142، وشفاء العليل 2/596، والمقاصد النّحويّة 4/16، والتّصريح 2/99، والهمع 5/51، والدّرر 5/227.

(1/416)


واختلف النّحويّون في الاسم الواقع بعدها:
فمنهم1 مَنْ جعل المخصوص بعدها خبرًا، على أنَّ (حَبَّذا) مبتدأ.
ومنهم2 مَن جعله فاعلاً، على أنّها فِعْلٌ.
____________________
1 هذا مذهب الخليل وسيبويه، قال في الكتاب 2/180: "وزعم الخليل - رحمه الله - أن حبّذا بمنزلة حَبَّ الشيءُ، ولكن (ذا) و (حَبَّ) بمنزلة كلمة واحدة نحو (لَوْلاَ) وهو اسم مرفوعٌ، كما تقول: يا ابن عَمَّ فالعمُّ مجرورٌ؛ ألا ترى أنّك تقول للمؤنَّث حَبّذا ولا تقول حَبَّذِهِ؛ لأنّه صار مع حَبَّ على ما ذكرتُ لك، وصار المذكّر هو اللاّزم؛ لأنّه كالمَثَل".
وإلى هذا ذهب المبرّد في المقتضب 2/145، وابن السّرّاج في الأصول 1/115، والزّجّاجيّ في الجمل 110، وابن عصفور في المقرّب 1/70، وشرح الجمل 1/610، 611.
ويُنظر: شرح التّسهيل 3/23، وابن النّاظم 474، والملخّص 1/449، والارتشاف 3/29.
2 وهذا مذهب الأخفش، وخطّاب المارِديّ، وعزاه ابن عقيل في شرح الألفيّة 2/160 إلى ابن درستويه، وعزاه السّيوطيّ في الهمع 5/46 إلى المبرّد.
ويُنظر: توضيح المقاصد 2/108، والارتشاف 3/29، والمساعد 2/141، 142، والتّصريح 2/100.
ورُدَّ بعدم النّظير؛ فلم يركب فعل من فعل واسم؛ وبأنّه دعوى بلا دليل.

(1/417)


وقيل: [إنّ] 1 هذا القول تكلُّف، وإخراج اللّفظ2 عن أصله بلا دليل3.
وقال ابن خَرُوف4 بَعْدَ أنْ مَثَّلَ بـ (حَبَّذَا زَيْدٌ) : " (حَبَّ) : فِعْلٌ، و (ذَا) : فاعله، و (زَيْدٌ) : مبتدأ، وخَبَرُه: (حَبَّذَا) ، وقال: هذا قولُ سيبويه"5.
____________________
1 ما بين المعقوفين ساقطٌ من أ.
2 في أ: باللّفظ.
3 أمّا ابن مالكٍ وابنه فإنّهما يريَان أنّ كِلاَ القولين تكلُّفٌ وإخراج اللّفظ عن أصله بلا دليل؛ والرّأي عندهما: أن (حَبّ) فعل، فاعله: (ذا) ، ولا يؤنّث، ولا يُثنَّى، ولا يُجمع؛ لأنّه بمنزلة المثل، والأمثال لا تغيّر.
و (زيد) مبتدأ، وخبره (حبّذا) ؛ ويجوز أنْ يكون (زيد) خبر لمبتدأ محذوف، تقديره (المحبوب زيد) أو (هو زيد) .
يُنظر: شرح الكافية الشّافية 2/1117، وشرح التّسهيل 3/22، 23، 26، 27، وابن النّاظم 475.
4 يُنظر: شرح الكافية الشّافية 2/1117، وشرح التّسهيل 3/23، وابن النّاظم 475، وتوضيح المقاصد 2/108، والمساعد 2/141.
وابن خروف هو: عليّ بن محمّد بن عليّ الأندلسيّ النّحويّ: كان إمامًا في النّحو واللّغة، أخذ النّحو عن ابن طاهر؛ ومن مصنّفاته: شرح سيبويه، وشرح الجمل؛ توفّي سنة (609هـ) .
يُنظر: إنباه الرّواة 4/192، وإشارة التّعيين 228، والبُلغة 157، وبُغية الوعاة 2/203.
5 وهو مذهب أبي عليّ الفارسيّ في البغداديّات 201، 204، وابن بَرْهَان، وابن كيسان؛ ونُسب إلى ابن درستويه، والخليل.
يُنظر: شرح التّسهيل 3/23، والارتشاف 3/29، والمساعد 2/140، 141.

(1/418)


فالمعرفة بعد (حَبَّذا) مرفوع بالابتداء، أو خَبَرٌ1 لمبتدأ محذوف2، والنّكرة بعدها منصوب [65/أ] على التّمييز، ويُذكر3قبله وبعده، كقولك: (حَبَّذا4 رَجُلاً زَيْدٌ) و (حَبَّذا هِنْدٌ امرأةً) .
وقيل: إنْ كان الاسم النّكرة جنسًا انتصب على التّمييز، وإنْ كان مشتقًّا انتصب على الحال، كقولك: (حَبَّذا زَيْدٌ ضاحكًا) 5.
____________________
1 في أ: وخبر.
2 وقيل: يجعل (حبّذا) مبتدأً، و (زيد) خبره.
وقيل: يجعل (ذا) مرفوعًا بـ (حبّ) ارتفاع الفاعل بفعله، ويجعل (زيد) بدلاً منه.
وقيل: يجعل (ذا) زائدة، فيرتفع (زيد) بـ (بّ) ؛ لأنّه فاعل - وهو أضعفُ الوُجوه -. أسرار العربيّة 110.
3 في ب: وتذكر، وهو تصحيف.
والمعنى: أنّه قد يُذكر قبل المخصوص أو بعده تمييز - كما مثّل الشّارح رحمه الله -.
4 في أ: حبدا، وهو تصحيف.
5 اختلف النُّحاة في هذا المنصوب بعد (حبّذا) :
فذهب الأخفش وجماعة من البصريّين إلى أنّه منصوب على الحال لا غير؛ سواء أكان جامدًا أمْ مشتقًّا.
وذهب أبو عمرو بن العلاء إلى أنّه منصوب على التّمييز لا غير؛ سواء أكان جامدًا أمْ مشتقًّا.
وقال ابن أبي الرّبيع في الملخّص 1/449: "وإذا كان المنصوب جامدًا كان تمييزًا، وإذا كان مُشتقًّا جاز أن يكون حالاً، وجاز أن يكون تمييزًا".
ويرى أبو حيّان بأنّه إنْ كان جامدًا كان تمييزًا، وإن كان مشتقًّا فمقصد المتكلِّم إن أراد تقييد المبالَغة في مدح المخصوص بوصف كان حالاً، وإنْ أراد عدم التّقييد بل تبيين جنس المبالَغ في مدحه كان تمييزًا؛ مثال الأوّل (حبّذا هندٌ مواصِلَةً) أي: في حال مواصلتها؛ وهذا لا يصحّ دخول (من) عليه. والثّاني: (حبّذا زيدٌ راكِبًا) ، وتدخُل عليه (من) .
وقيل: إنّه منصوب بـ (أعني) مُضمَرًا فهو مفعول به لا حال ولا تمييز. وقال عنه أبو حيّان: "وهو قولٌ غريب".
تُنظر هذه المسألة في: الأصول 1/120، وأسرار العربيّة 110، وشرح الجمل 1/611، والارتشاف 2/30، والهمع 5/49، 50.

(1/419)


وقد يجيء فاعل (حبّ) المراد بها المدح غير (ذا) ؛ وذلك على ضربين:
أحدهما: مرفوع، كقولك: (حَبّ زيدٌ رجلاً) .
والآخر: مجرورٌ بالباء الزّائدة، نحو: (حَبَّ بزيد رجلاً) .
وأكثر1 ما تجيء (حبّ) مع غير (ذا) مضمومة2 الحاء بالنّقل من حركة عينها، كقول الشّاعر:
فَقُلْتُ: اقْتُلُوهَا عَنكُمُ بِمِزَاجِهَا ... وَحُبَّ بِهَا مَقْتُولَةً حِيْنَ تُقْتَلُ3
____________________
1 في أ: واكر، وهو تحريف.
2 في ب: مضموم.
3 هذا بيتٌ من الطّويل، وهو للأخطل.
و (اقتلوها) : امزجوها بالماء - يعني: الخمر -. و (مقتولة) : ممزوجة.
والشّاهد فيه: (وحُبّ بها) حيث جاء الفاعل غير (ذا) فكانت الحاء مضمومة من (حُبَّ) .
واستشهد به معظم النُّحاة على أنَّ هذا البيت يروى بوجهين (حُبَّ) ، والفاعل غير (ذا) ؛ وكلا الوجهين جائز، فإنْ كان الفاعل (ذا) تعيّن فتح الحاء.
يُنظر هذا البيت في: إصلاح المنطق 35، والأصول 1/116، وسرّ صناعة الإعراب 1/143، وأسرار العربيّة 108، وشرح المفصّل 7/129، 141، وشرح الكافية الشّافية 2/1118، وابن النّاظم 476، وابن عقيل 2/161، والمقاصد النّحويّة 4/26، والخزانة 9/427، والدّيوان 23- والرّواية فيه (وأطيب بها) بدل (وحبّ بها) ولا شاهد فيه على هذه الرّواية -.

(1/420)


وقد لا تضمّ حاؤها، كقول بعض1 الأنصار - رضي الله عنهم -:
بِاسْمِ الإلهِ وَبِهِ بَدِيْنَا
...
وَلَوْ عَبَدْنَا2 غَيْرَهُ شَقِينَا
فَحَبَّذَا رَبًّا وَحَبَّ دِينَا3
أي: حبّ عبادتُه دينًا4.
____________________
1 وهو: عبد الله بن رواحة بن ثعلبة بن امرئ القيس بن ثعلبة الأنصاريّ الخزرجيّ، الشّاعر المشهور، يكنى أبا محمد، وأبا رواحة، وليس له عقب، وكان من كُتّاب الأنصار، وأحدُ النّقباء ليلة العَقَبة، وشهِد بدْرًا وما بعدها إلى أن استُشهد بمؤتة رضي الله عنه.
يُنظر: الاستيعاب 3/33، وأُسد الغابة 3/234، وسير أعلام النّبلاء 1/230، والإصابة 4/72.
2 في أ: عنينا، وهو تحريف.
3 هذا بيتٌ من الرّجز المشطور، وهو لعبد الله بن رواحة - رضي الله عنه -.
و (بدِينا) - بكسر الدّال - أي: ابتدأنا، وهي لغة الأنصار.
والشّاهد فيه: (حَبَّ دينَا) حيث جاء (حَبَّ) للمدح مفتوحَ الحاءِ مع غير (ذا) ؛ وكان الأصل ضمّ حائه.
يُنظر هذا البيتُ في: شرح الكافية الشّافية 2/1116، وشرح عمدة الحافظ 2/802، وابن النّاظم 477، واللّسان (بدا) 14/67، والمقاصد النّحويّة 4/28، والهمع 5/46، 48، والأشمونيّ 3/42، والدّرر 5/221، والدّيوان 142.
4 وذكّر ضمير العبادة؛ لتأوّلها بالدِّين والتّعظيم. ابن النّاظم 477.

(1/421)


وقوله: (وَصَالِحٌ أَطْهَرُ مِنْكَ عِرْضَا) .
من خواصّ1 التّمييز: النّكرة الواقعة بعد أفعل الَّذي2 للتَّفضيل؛ وذلك مقيسٌ3 في كلّ ما يبنى منه فعل التّعجّب، تقول: (هذا أفضل من زيدٍ) و (أعلم منه) 4، [65/ب] كما تقول: (ما أفضلَه!) ، و (أعلَمه!) .
وما لا يجوز أن يُبنى5منه [فعل التّعجّب لا يبنى منه أفعل التّفضيل67؛ فلا8 يُبْنى من] 9 وصف لا فعل له كـ (غير) (سوى و) ، ولا من فعلٍ زائدٍ
____________________
1 عبارة الحريريّ أوضح حيث قال: "من مواطن التّمييز: النّكرة الواقعة بعد أفعل الّذي للتّفضيل، كقولنا في الملحة: وصالح أطهر منك عرضَا". شرح الملحة 200.
2 في ب: الّتي.
3 في أ: وذلك مبنيًّا لكلّ ما يبنى.
4 لم يتحدّث النّاظم عن أفعل التّفضيل إلاّ بهذا الشّطر (وصالح أطهر منك عرضًا) ؛ ولم يُفرد له بابًا لا في نظمه ولا في شرحه للنّظم؛ لكن الصّايغ تعرّض لهذا الباب بالتّفصيل، وكأنّه يشرح الألفيّة، وتأثّره بابن النّاظم في هذا الباب أشدّ وُضوحًا.
5 في كلتا النّسختين: لا يبنى، وعليه لا يستقيم المعنى.
6 في كلتا النسختين للتفضيل، والتصويب من ابن الناظم 478.
7 ويُصاغ أفعل التّفضيل ممّا صيغ منه فعلا التَّعَجُّب؛ وهو كلّ فعلٍ، ثلاثيّ، متصرّف، تامّ، مثبت، قابل للتّفاضُل، مبنيّ للفاعل، ليس الوصف منه على أفعل فعلاء، ومن غير ملازم للنّفي.
يُنظر: شرح التّسهيل 3/50، وشرح الكافية الشّافية 2/1121، وابن عقيل2/145، والتّصريح 2/101، والأشمونيّ 3/21.
8 في ب: ولا يُبنى.
9 ما بين المعقوفين ساقطٌ من أ.

(1/422)


على ثلاثة أَحْرُفٍ، نحو: (استخرج) ، ولا من معبّر1 عن فاعله بأفعل، كـ (عَوِرَ) ، ولا مبنيّ لمفعول2 ما لم يسمّ فاعله، كـ (ضُرِبَ) ، ولا من غير متصرّفٍ، كـ (عَسَى) و (نِعْمَ) و (بِئْسَ) ، ولا من [غير] 3 متفاوت4 المعنى، كـ (مَات) و (فَنِيَ) 5. فإنْ سُمِعَ بناء من ذلك حُفِظَ ولا يُقاس عليه كما في التّعجُّب.
تقول: (هُوَ أَقْمَنُ بِكَذَا) 6 أي: أحَقّ به، وإن لم يكن له فعل، كما قالوا: (أَقْمِنْ بِهِ) ، وقالوا: (هو أَلَصُّ مِنْ شِظَاظٍ) 7؛ فبنوه من (لِصّ) ، ولا فعل له8.
____________________
1 في كلتا النّسختين: مغيّر، وهو تصحيف.
2 في أ: المفعول.
3 ما بين المعقوفين زيادةٌ يقتضيها السّياق؛ من ابن الناظم 478.
4 في ب: ولا متقارِب، وهو تحريف.
5 ولا يبنى ممّا ليس تامًّا، كـ (مات) و (صار) ؛ ولا من ملازِمٍ للنّفي، نحو (مَا عِجْتُ بِهِ) .
6 في كلتا النّسختين: هو فمن ذلك، وهو تحريف، والتّصويب من ابن النّاظم 478.
7 شظاظ: اسم لصّ من بني ضبّة؛ يُضرب به المثل في اللّصوصيّة.
يُنظر: كتاب الأمثال لأبي عُبيد 366، وجمهرة الأمثال 2/180، ومجمع الأمثال 3/230، والمستقصى 1/328.
8 ونقل ابن القطّاع له فعلاً فقال: "لصَصَت الشّيء لصًّا فعلته في ستر، ومنه: اللِّصُّ". فعلى هذا لا شذوذ.
يُنظر: كتاب الأفعال 3/144، والتّصريح 2/101، والأشمونيّ 3/44.

(1/423)


و (هَذَا المَكَانُ أَقْفَرُ مِنْ غَيْرِهِ!) ، وفي المثَل: (أَفْلَسُ مِن ابْنِ المُذَلَّقِ) 1، وفي الحديث: "فَهُوَ لِمَا سِوَاهَا أَضْيَعُ"2.
وهذا النّوع عند سيبويه -[رحمه الله] 3- مقيسٌ4، وهو عنده
____________________
1 هذا مثَل يُضرب في شدّة الإفلاس.
وابن المُذَلَّق - بالدّال والذّال، وفتح اللاّم -: رجل من بني عبد شمس بن سعد بن زيد مناة؛ لم يكن يجد بيتُه قوتَ ليلة؛ وقد عُرف أبوه وأجداده بالإفلاس.
يُنظر: جمهرة الأمثال 2/107، ومجمع الأمثال 2/461، والمستقصى 1/275.
2 هذا جزءٌ من كتاب كتبه عمر بن الخطّاب ـ رضي الله عنه ـ إلى عُمّاله.
أخرجه مالك في الموطّأ، كتاب وقوت الصّلاة، 12.
وهو بتمامه: عن نافع ـ مولى عبد الله بن عمر ـ: أنّ عمر بن الخطّاب كتب إلى عمّاله: "إنّ أهمَّ أمركم عندي الصّلاة؛ فمن حفِظها وحافظ عليها حَفِظَ دينه، ومَن ضيّعها فهو لِمَا سواه أضيع".
(رحمه الله) ساقطة من ب.
4 في بناء أفعل التّفضيل من (أَفْعَلَ) ثلاثة مذاهب:
فقيل: يجوز مطلَقًا؛ وهو مذهب سيبويه، واختاره ابن مالك في التّسهيل وشرحه.
يُنظر: الكتاب 1/72، 4/98، والتّسهيل 131، وشرح التّسهيل 3/46، 47، 51.
وقيل: يمتنع مطلَقًا؛ وهو مذهب المازنيّ، والأخفش، والمبرّد، وابن السّرّاج، والفارسيّ.
يُنظر: المقتضب 4/178، 180، والأصول 1/103، 105، والإيضاح 1/92، 93، وشرح المفصّل6/92، وشرح الرّضيّ 2/213، 214، والارتشاف 3/42، والتّصريح 2/91، 101، والأشمونيّ 3/44.
وقيل بالتّفصيل؛ فيجوز إنْ كانت الهمزة لغير النّقل، نحو: (أَتْقَنَ) و (أَصْوَبَ) ؛ ويمتنع إنْ كانت للنّقل نحو: (أَعْطَى) إلاَّ أن يشذّ من ذلك فيحفظ ولا يُقاس عليه، نحو: (هو أعطاهم للدّراهم) و (أولاهم للمعروف) . وهذا قولُ ابن عصفور.
يُنظر: المقرّب 1/73، وشرح الجمل 1/579، 580، والتّصريح 2/91، 101، والهمع 6/42.

(1/424)


كالثُّلاثيّ في جواز بناء التَّعجُّب منه، وأفعل التّفضيل.
وتقول: (هُوَ أَهْوَجُ1 مِنْهُ) 2، وإن كان اسم فاعله على (أفعل) ، كما يُقال: ( [مَا] 3 أَهْوَجَهُ!) 4، وفي المثل: (أَحْمَقُ مِنْ هَبَنَّقَةَ) 5، و (أَسْوَدُ مِنْ َحنَكِ الغُرَابِ) 6.
و [ما] 7 لا يجوز التّعجُّب من لفظه لمانعٍ فيه، يتوصّل8 إلى الدّلالة على التّفضيل فيه، بمثل ما توصّل إلى التّعجُّب منه.
____________________
1 في أ: أحوج، وهو تحريف.
2 الهَوَجُ: الحُمْقُ، والأهْوَجُ: الأحمق؛ وقيل: هو الشّجاع الّذي يرمي بنفسه في الحرب على التّشبيه بذلك؛ وقيل: هو المُفْرِطُ الطّول، ورجلٌ أَهْوَجُ بيِّنُ الهَوَج، أي: طويل، وبه تَسَرُّعٌ وحُمْقٌ. اللّسان (هوج) 2/394.
3 ما بين المعقوفين زيادة يقتضيها السّياق، من ابن النّاظم 479.
4 في أ: أهوجدّ، وهو تحريف.
5 في أ: هنبقة، وفي ب: هنقه، وكلتاهما محرّفة؛ والصواب من هو مثبت.
وهبنّقة هو: ذو الوَدَعات، واسمه: يزيد بن ثَرْوَان؛ أحد بني قيس بن ثعلبة؛ يُضرب به المثل في الحُمْق.
يُنظر: جمهرة الأمثال 1/385، ومجمع الأمثال 1/386، والمستقصى 1/85.
6 حَنَكُ الغُراب: منقارُه؛ وقيل: سوادُه؛ وقيل: نون حنك بدل من لام حَلَك. والحَلَك: اللّون، وقيل: شدّة السّواد كلون الغراب. اللّسان (حنك) 10/417، (حلك) 10/415.
(ما) ساقطةٌ من أ.
8 في أ: متوصّل.

(1/425)


فيبنى1 (أفعل) التّفضيل من (أَشَدّ) وما جرى مجراهُ؛ ويميز بمصدر [ما] 2 فيه المانع [66/أ] وذلك قولهم: (هو أكثر استخراجًا) و (أقبح عورًا) و (أفْجَعُ مَوْتًا) .
وأفعل التّفضيل في الكلام على ثلاثة أوجهٍ: مضاف، ومُعَرَّف باللاّم3، ومجرّد منهما4.
فإنْ كان مجرّدًا لزم اتّصاله بـ (مِنْ) التّي لابتداء الغاية5، جارّة للمفضَّل عليه، كقولك: (زيدٌ أكرمُ من عمرٍو [أبًا] 6 وأَحْسنُ منه
____________________
1 في ب: يني، وهو تحريف.
2 ما بين المعقوفين زيادةٌ يقتضيها السّياق، من ابن النّاظم.
3 يريد: بالألف واللاّم.
4 في أ: منها.
5 اختلف العلماء في معنى (من) هذه:
فذهب سيبويه والمبرّد إلى أنّها لابتداء الارتفاع في نحو: (أفضل منه) ، وابتداء الانحطاط في نحو (شر منه) ؛ وأشار سيبويه إلى أنّها تُفيد مع ذلك معنى التّبعيض، فقال: ((هو أفضلُ من زيد، إنما أراد أن يفضِّله على بعض ولا يَعُمَّ، وجعل زيدًا الموضع الّذي ارتفع منه، أو سَفَلَ منه في قولك: شَرٌّ من زيد)) . الكتاب 4/225.
ويُنظر: المقتضب 1/44.
وذهب ابن مالكٍ في شرح التّسهيل 3/134، 135 إلى أنّها بمعنى المجاوزة؛ فإنّ القائل: (زيدٌ أفضل من عمرو) كأنّه قال: جاوز زيدٌ عمرًا في الفضل.
وتُنظر هذه المسألة في: المغني 423، والتّصريح 2/102، والأشمونيّ 3/45.
6 ما بين المعقوفين ساقطةٌ من أ.

(1/426)


خلقًا، وأَطْهَرُ منه عِرْضًا) فـ (عِرْضًا) وما تقدَّم مثله، منصوب على التّمييز؛ لاحتماله وُجوهًا.
وقد يُستغنى بتقدير (مِنْ) عن ذكرها لدليل، ويكثُر ذلك إذا كان أفعل التّفضيل خبرًا1، كقوله تعالى: {وَالآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى} 2، ويجوز أن تحذف (مِنْ) ، فتقول: (زيدٌ أحسن خُلقًا، وأنظفُ ثوبًا) .
وإنْ كان (أفعل) مضافًا، نحو: (زَيْدٌ أفضلُ القوم) ؛ أو معرّفًا باللاّم، نحو: (زَيْدٌ الأفضل) لم يجز اتّصاله بـ (من) .
وأمّا قولُ الشّاعر:
وَلَسْتَ بِالأَكْثَرِ مِنْهُمْ حَصًى ... وَإِنَّمَا العِزَّةُ لِلْكَاثِرِ3
____________________
1 ويقلُّ الحذفُ إذا كان حالاً، كقول الشّاعر:
دَنَوْتِ وَقَدْ خِلْنَاكِ كَالْبَدْرِ أَجْمَلاَ ... فَظَلَّ فُؤَادِي فِي هَوَاكِ مُظلَّلاَ
أي: دَنَوْتِ أجمل من البدر.
أو صفة، كقوله:
تَرَوَّحِي أَجْدَرَ أَنْ تَقِيلِي ... غَدًا بِجَنْبَيْ بَارِدٍ ظَلِيلِ
أي: تَرَوّحي وأْتِي مكانًا أجدر من غيره بأن تقيلي فيه.
يُنظر: شرح التّسهيل 3/57، وشرح الكافية الشّافية 2/1129، وابن النّاظم 480، وأوضح المسالك 2/295، 296، وابن عقيل 2/166، والتّصريح 2/103، والأشمونيّ 3/45.
2 أي: من الحياة الدّنيا. سورة الأعلى، الآية: 17.
3 هذا بيتٌ من السّريع، وهو للأعشى الكبير، من قصيدة يهجو فيها علقمة بن علاثة الصّحابيّ - رضي الله عنه -، ويمدح فيها ابن عمّه عامر بن الطّفيل في المنافرة الّتي وقعت بينهما.
و (حَصَىً) المراد به ههنا: العدد من الأعوان والأنصار. و (العزّة) : القوّة والغَلَبة. و (الكاثر) : الغالب في الكثرة والكثير.
والشّاهد فيه: (بالأكثر منهم) حيث جمع فيه بين الألف واللاّم و (من) ؛ وذلك ممتنعٌ، وقد خرّجه الشّارح - رحمه الله -.
يُنظر هذا البيتُ في: نوادر أبي زيد 25، والاشتقاق 65، والخصائص 1/185، 3/234، وشرح المفصّل 3/6، وشرح الكافية الشّافية 2/1135، وابن النّاظم 481، وأوضح المسالك 2/300، والمقاصد النّحويّة 4/38، والتّصريح 2/104، والخزانة 8/250، والدّيوان 143.

(1/427)


ففيه ثلاثة أوجه:
أحدها: أنَّ (مِنْ) فيه ليست لابتداء الغاية، بل لبيان الجنس1.
الثّاني: أنَّها تعلّقت بمحذوفٍ دَلَّ عليه2 المذكور.
الثّالث: أنَّ الألف واللاّم زائدتان؛ فلم يمنعا من وُجود (من) كما لم يمنعا من [66/أ] الإضافة في قوله3:
تُوْلِي الضَّجِيعَ إِذَا تَنَبَّهَ مَوْهِنًا كَالأُقْحُوانِ مِنَ الرَّشَاشِ المُسْتَقِي4
____________________
1 كما هي في نحو: (أنت منهم الفارسُ الشّجاع) أي: مِنْ بينِهِمْ.
2 في ب: على.
3 في أ: قولهم.
4 هذا بيتٌ من الكامل؛ وهو للقُطَاميّ.
وهو في الدّيوان 110، 111 مركّب من بيتين؛ وهُما:
تُعْطِي الضَّجِيعَ إِذَا تَنَبَّهَ مَوْهِنًا ... مِنْهَا وَقَدْ أَمِنَتْ لَهُ مَنْ يَتَّقِي
عَذْبَ المَذَاقِ مُفلَّجًا أَطْرَافُهُ ... كَالأُقْحُوانِ مِنَ الرَّشَاشِ المُسْتَقِي
و (تولي) : تُدني. و (الضّجيع) : المضاجِع. و (موهِنًا) : نحو من نصف اللّيل، وقيل: حين يُدْبِرُ اللّيل. و (الرّشاش) : من قولهم: (أصابنا رَشاش المطر) ، وأصله من الرّش؛ وهو: ما تَرَشَّش من الدّمع.
والشّاهد فيه: (من الرّشاش المستقي) إذِ الألِف واللاّم في (الرّشاش) زائدتان، والتّقدير: من رشاش المستقي؛ واستدلَّ به على زيادة (أل) في المضاف.
يُنظر هذا البيت في: شواهد التّوضيح 59، وشرح التّسهيل 2/386، وابن النّاظم 481، والمقاصد النّحويّة 4/40، وحاشية يس 2/24.

(1/428)


قال أبو عليّ1: "أراد: من رشاش المستقي".
وإذا كان (أفعل) مجرّدًا لزمه [التّذكير، والإفراد بكلّ حال، كقولك: (هو أفضل) و (هي أفضل) و (هما أفضل) و (هم أفضل) و (هُنّ أفضل) ] 2
____________________
1 يُنظر: شرح التّسهيل 2/386، وشواهد التّوضيح 59، 60، وابن النّاظم 482.
وأبو عليّ هو: الحسن بن أحمد بن عبد الغفّار الفارسيّ النّحويّ: واحدُ زمانه في علم العربيّة، أخذ عن الزّجّاج، وابن السّرّاج؛ وأخذ عنه ابن جنّي، وعليّ بن عيسى الرّبعي؛ ومن مصنّفاته: الحجّة، والتّذكرة، والإيضاح؛ توفّي ببغداد سنة (377هـ) .
يُنظر: نزهة الألبّاء 232، وإنباه الرّواة 1/308، وإشارة التّعيين 83، وبغية الوُعاة 1/496.
2 ما بين المعقوفين زيادة يقتضيها السّياق؛ وهي من ابن النّاظم 482.
وفي أ: (مطابقة هو له في التّذكير، والتّأنيث، والإفراد، والتّثنية، والجمع؛ تقول: (هو الأفضل) و (هي الفضلى) و (هما الأفضلان) و (هم الأفضلون) و (هما الأفضلان) و (هنّ الفضليات) و (أولو الفضل) .
وفي ب: (مطابقة هو له في التّذكير والتّأنيث، والإفراد، والتّثنية، والجمع، كقولك: (هو الأفضل) و (هي الفضلى) و (هما الأفضلان) و (هنّ الفضليات) .
وكلاهما سهوٌ من الشّارح، أو انتقال نظرٍ من النّاسخ؛ إذْ حديث الشّارح عن أفعل إذا كان مجرّدًا، وهذا الكلام يختصّ بأفعل إذا كان معرّفًا بالألف واللاّم - كما هو واضحٌ من تمثيله -.

(1/429)


[وإذا كان معرّفًا بالألف واللاّم لزمه مطابقة ما هو له في التّذكير، والتّأنيث، والإفراد، والتّثنية، والجمع؛ فتقول: (هو الأفضل) و (هي الفُضْلَى) و (هما الأفضلان) و (هم الأفضلون) و (هُنَّ الفُضليات) أو (الفُضل) ] 1.
فإنْ أُضيف إلى نكرة لزمه التّذكير، والإفراد، كالمجرّد؛ فتقول2: (هو أفضلُ رجلٍ) و (هي أفضل امرأةٍ) و (هما أفضل رجلين) و (هم أفضل رجالٍ) و (هُنَّ أفضل نساءٍ) .
فإنْ3 أُضيف إلى معرفةٍ جاز أن يوافق المجرّد في لزوم الإفراد، والتّذكير؛ فيُقال: (هي أفضلُ النّساء) و (هما أفضلُ القوم) ؛ وجاز أن يوافق المعرّف بالألف واللاّم في لزوم المطابَقة لِمَا هو له، فيُقال: (هي فُضلى النِّساء) و (هما أفضلا4 القوم) .
وجواز الأمرين في المضاف مشروط5 بكون6 الإضافة فيه بمعنى (مِنْ) ؛
____________________
1 ما بين المعقوفين ساقطٌ من أ.
2 في أ: تقول.
3 في كلتا النسختين: فإن، والتصويب من ابن الناظم 482.
4 في كلتا النسختين: أفضل القوم والتصويب من الناظم 482.
5 في أ: شروط، وهو تحريف.
6 في أ: يكون.

(1/430)


وذلك إذا كان أفعل مقصودًا به التّفضيل؛ أمّا إذا لم يُقصد به التّفضيل فلا بُدَّ فيه من المطابقة لِمَا هو له، كقولهم: (النَّاقِصُ والأَشَجُّ أَعْدَلاَ بَنِي مَرْوَانَ) 1 أي: عَادِلاَ هُمْ.
وكثيرًا ما يُستعمل أفعل غير مقصودٍ به التَّفْضيل2؛ وهو عند المُبَرّد3مقيس4، ومنه قوله تعالى: {وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ} 5 أي: رَبُّكُمْ عَالِمٌ بِمَا فِي نُفُوسِكُمْ6، وهو هَيِّنٌ عَلَيْهِ. [67/أ]
____________________
1 النّاقص هو: يزيد بن الوليد بن يزيد بن عبد الملك بن مروان؛ لُقِّب بذلك لأنّه نقّص أرزاق الجند.
والأشجّ هو: عمر بن عبد العزيز؛ لُقِّبَ بذلك لأنّ بجبينِه أثر شجّة من دابّة ضربته.
يُنظر: شرح الكافية الشّافية 2/1143، وابن النّاظم 483، والتّصريح 2/105، والأشمونيّ 3/49.
2 في ب: تفضيل.
3 المقتضب 3/245، ونقله ابن مالك في شرح الكافية الشّافية 2/1143، وشرح التّسهيل 3/60. ويُنظر: ابن النّاظم 483، والمساعد 2/179، والأشمونيّ 3/51.
والمبرّد هو: أبو العبّاس محمّد بن يزيد الأزديّ البصريّ: إمامُ العربيّة في زمانه، كان فصيحًا بليغًا، ثقة علاّمة، صاحب نوادر؛ أخذ عن المازنيّ، وأبي حاتم؛ وعنه ابن السّرّاج؛ ومن مصنّفاته: المقتضب، والكامل، والردّ على سيبويه؛ توفّي سنة (285هـ) .
يُنظر: أخبار النّحويّين البصريّين 105 - 113، وطبقات النّحويّين واللّغويّين 101 - 110، ونزهة الألبّاء 164 - 173، وبُغية الوعاة 1/269 - 271.
4 وعند غيره من النّحاة غير مقيس، وقال ابن مالك في التّسهيل 134: "والأصحّ قصرُه على السّماع".
وحكى ابن الأنباريّ الجوازَ عن أبي عبيد، والمنع عن النّحويّين.
يُنظر: المساعد 2/179، والأشمونيّ 3/51.
5 من الآية: 27 من سورة الرّوم.
6 تأويله يشير إلى وجود آية كريمة قد سقطت من النّسّاخ؛ وهي قوله تعالى: {رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا فِي نُفُوسِكُمْ} [الإسراء: 25] . وهي في ابن النّاظم 483.

(1/431)


وقول الشّاعر:
إِنَّ الَّذِي سَمَكَ السَّمَاءَ بَنَى لَنَا1 ... بَيْتًَا دَعَائِمُهُ أَعَزُّ2 وَأَطْوَلُ3
وإنَّما أراد بذلك: عزيزة طويلة.
وَقَدْ قَرِرْتَ بِالإِيَابِ عَيْنَا وَطِبْتَ نَفْسًا إِذْ قَضَيْتَ الدَّيْنَا
هذا التّمييز مُزالٌ عن أصله، وقد حُوِّل الإسناد عنه إلى غيره لقصد4 المبالغة، فلا يغيّر عمّا كان يستحقّه5 من وجوب التّأخير؛ لِمَا فيه من الإخلال بالأصل؛ وهو ما يبيّن إجمالاً في نسبة العامل إلى فاعله ومفعوله، نحو: (طَابَ
____________________
1 في ب: لها، وهو تحريف.
2 في أ: أعد، وهو تحريف.
3 هذا بيتٌ من الكامل، وهو للفرزدق.
و (سَمَكَ) : رفع. و (البيت) أراد به: المجد والشّرف. و (الدّعائم) : جمع دِعامة؛ وهي العمود، أو ما يُسند به الحائظ إذا مال ليمنعه من السّقوط.
والشّاهد فيه: (أعزّ وأطول) حيث استعمل صيغتي التّفضيل في غير التّفضيل؛ لأنّه لا يعترف بأنّ لجريرٍ بيتًا دعائمه عزيزة طويلة حتى تكون دعائم بيته أكثر عزّة وأشدّ طولاً؛ ولو بقي (أعزّ وأطول) على معنى التّفضيل لتضمَّن اعترافُه بذلك.
يُنظر هذا البيت في: الصّاحبي 434، وشرح المفصّل 6/97، 99، وشرح التّسهيل 3/60، وابن النّاظم 483، واللّسان (كبر) 5/127، (عزز) 5/374، وابن عقيل 2/170، والمقاصد النّحويّة 4/42، والأشباه والنّظائر 6/50، والأشمونيّ 3/51، والخزانة 8/242، والدّيوان 2/155.
4 في ب: للقصد.
5 في ب: تستحقّه، وهو تصحيف.

(1/432)


زَيْدٌ نَفْسًا) ، وقوله تعالى: {وَفَجَّرْنَا الأَرْضَ عُيُونًا} 1 فإن نسبة (طاب) إلى (زيد) مجملةٌ تحتمل وجوهًا، و (نَفْسًا) 2 مُبيّنٌ لإجمالها؛ ونسبة (فجّرنا) [إلى] 3 (الأرض) مجملة - أيضًا -، و (عيونًا) 4 مُبيّنٌ لذلك الإجمال5.
ومثل6 ذلك: (تصبَّبَ زَيْدٌ عَرَقًا) و (تَفَقَّأ شَحْمًا) و (ضِقْتُ بالأمر ذَرْعًا) 7، ومنه قوله تعالى: {وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًا} 8.
[67/ب] وسيبويه9 يمنع تقديم10 التّمييز على عامله، وإنْ كان فعلاً متصرّفًا، نحو: (طاب زيدٌ نفسًا) 11؛ وأجاز ذلك
____________________
1 من الآية: 12 من سورة القمر.
2 في كلتا النّسختين: نفسٌ، والتصويب من ابن الناظم.
(إلى) ساقطة من ب.
4 في كلتا النّسختين: عيون، والتصويب من ابن الناظم.
5 في أ: الاحتمال، وهو تصحيف.
6 في ب: ومن ذلك.
7 الذّرعُ: الطّاقة والوسع، وضاق بالأمر ذَرْعُه وذِراعهُ أي: ضعفت طاقتُه ولم يجد من المكروه فيه مَخْلَصًا، ولم يُطِقْه، ولم يَقْوَ عليه. اللّسان (ذرع) 8/95.
8 من الآية: 4 من سورة مريم.
9 الكتاب 1/204، 205.
10 في أ: تقدُّم.
11 (ولا خلاف في امتناع تقديمه على العامل إذا لم يكن فعلاً متصرّفًا) . ابن النّاظم 351.
وقد عقد ابن الأنباريّ في الإنصاف مسألة لهذا؛ وهي المسألة العشرون بعد المائة، 2/282، والعكبريّ في التّبيين المسألة الخامسة والسّتّون، 394، والزَّبيديّ في ائتلاف النّصرة، فصل الاسم، المسألة الخامسة عشرة، 38.
ويُنظر: الخصائص 2/384، وأسرار العربيّة 196، وشرح المفصّل 2/73، وشرح الكافية الشّافية 2/775، 776، وشرح التّسهيل 2/389، والهمع 4/71، والأشمونيّ 2/200.

(1/433)


الكسائيّ1، المازنيّ2، والمبرّد3، [وبه] 4 يقول الشّيخُ جمالُ الدّين بن مالكٍ5- رحمه الله - قياسًا على غيره من الفضلات المنصوبة بفعل متصرّفٍ6.
وممّا ورد من ذلك قولُ رَبِيْعَة بن مَقْرُومٍ7:
وَوَارِدَةٍ كَأنَّها عُصَبُ القَطَا ... تُثِيرُ عَجَاجًا بِالسَّنابِكِ أَصْهَبَا
____________________
1 يُنظر رأيُه في: شرح الكافية الشّافية 2/776، وشرح التّسهيل 2/389، وابن النّاظم 351، وأوضح المسالك 2/116، والهمع 4/71.
2 يُنظر رأيُه في: المقتضب 3/36، والأصول 1/223، والخصائص 2/384، وشرح المفصّل 2/74، وشرح الكافية الشّافية 2/776، وشرح التّسهيل 2/389، وابن النّاظم 351، وأوضح المسالك 2/116، والهمع 4/71.
3 المقتضب 3/36.
4 ما بين المعقوفين ساقطٌ من أ.
5 شرح التّسهيل 2/389، وشرح الكافية الشّافية 2/777، وشرح عمدة الحافظ 1/476.
وابن مالك هو: جمال الدّين محمّد بن عبد الله الطّائيّ الجيانيّ النّحويّ: إمامُ النُّحاة، وحافظُ اللّغة؛ كان إمامًا في القراءات وعِلَلِها، والغريب، والنّحو، والتّصريف، والشّعر؛ ومن مصنّفاته: الألفيّة في النّحو، والكافية الشّافية، وشرحها، وتسهيل الفوائد، وشرحه؛ وُلد سنة (600هـ) ، وتوفّي بدمشق سنة (672هـ) .
يُنظر: إشارة التّعيين 320، 321، والبُلغة 201، وبُغية الوعاة 1/130 - 137.
6 في ب: مضمر فيه.
7 هو: ربيعة بن مقروم بن قيس بن جابر الضّبّيّ: شاعرٌ إسلاميٌّ مخضرَمٌ، أدرك الجاهليّة والإسلام، وشهِد القادسيّة وجلولاء؛ وهو من شعراء مُضَر المعدودين، وعاش مائة سنة.
يُنظر: الشّعر والشّعراء 198، والأغاني 22/102، والخِزانة 8/438.

(1/434)


رَدَدّتُ بِمِثْلِ1 السِّيدِ نَهْدٍ2 مُقَلَّص ... كَمِيشٍ إِذَا عِطْفَاهُ مَاءً تَحَلَّبَا3
وكقول الآخر:
أَنَفْسًا4 تَطِيْبُ بِنَيْلِ الْمُنَى ... وَدَاعِي المَنُونِ يُنَادِي جِهَارَا5
____________________
1 في ب: كمثل.
2 في ب: زل، وهو تحريف.
3 في ب: ما سلحلبا، وهو تحريف.
وهذان البيتان من الطّويل.
و (واردة) أراد بها القطيع من الخيْل. و (العصب) جمع عصبة: الجماعة. و (العجاج) : الغُبار. و (السّنابك) جمع سنبك: طرف مقدّم الحافر. و (أصهبا) : من الصّهبة وهو لونُ الغُبار. و (السِّيْد) : الذّئب. و (نهد) : ضخم. و (مقَلَّص) : طويل القوائم. و (كميش) : جادّ في عدوه. و (منكمش) : مسرِع. و (عطفاه) : جانباه. و (تحلَّبَا) : سالا ماءً، يريد: عرَقًا.
والمعنى: رُبّ خيل واردة تشبه في سرعتها جماعة القطا تُثير الغُبار بسنابكها، رددّت بفرس سريع الجري يشبه الذّئب في سرعة عَدْوِه، ضخم الجسم، طويل القوائم، جادّ في عدوه إذا سال عطفاه ماء - أي: عرَقًا -.
والشّاهد فيهما: (إذا عطفاه ماء تحلّبا) حيث قدّم التّمييز - ماءً - على عامله وهو الفعل المتصرّف - تحلّب -؛ وهذا غيرُ جائز عند سيبويه، وجوّزه الكسائيّ والمازنيّ والمبرّد؛ وخرّجه بعضهم بأنّ (عطفاه) فاعل لفعل محذوف، و (ماءً) مفعولٌ به لهذا الفعل.
يُنظر هذا البيتُ في: المفضّليّات 376، والأصمعيّات 224، والشّعر والشّعراء 198، وأمالي ابن الشّجريّ 1/48، وشرح التّسهيل 2/389، وشرح الكافية الشّافية 2/778، وابن النّاظم 351، والمغني 602، والأشمونيّ 2/202، وشعره - ضمن شعراء إسلاميّون -249، 250.
4 في ب: أنفوسًا.
5 هذا بيتٌ من المتقارِب، ولم أقف على قائله.
والشّاهد فيه: (أنفسًا تطيب) حيث قدّم التّمييز - نفسًا - على عامله وهو الفعل المتصرّف - تطيب -؛ وهذا نادرٌ عند سيبويه والجمهور، وقياسيّ عند الكسائيّ والمازنيّ والمبرّد.
يُنظر هذا البيتُ في: شرح التّسهيل 2/389، وشرح عمدة الحافظ 1/477، وأوضح المسالك 2/115، والمغني 603، والمقاصد النّحويّة 3/241، والتّصريح 1/400 والبهجة المرضيّة 96، وشرح شواهد المغني 2/862، والأشمونيّ 2/201.

(1/435)


و 1قول الآخر:
وَلَسْتُ إِذَا ذَرْعًا أَضِيقُ بِضَارِعٍ2 ... وَلاَ يَائِسٍ عِنْدَ التَّعَسُّرِ3 مِنْ يُسْرِ4
__________
1 في ب: وكقول.
2 في أ: بعارض، وهو تحريف.
3 في ب: التّغيير، وهو تحريف.
4 هذا بيتٌ من الطّويل، ولم أقف على قائله.
و (ذرعًا) : الذّرع بسْطُ اليدين. و (الضّارع) : الذّليل.
والشّاهد فيه: (ذرعًا) حيث قدّم التّمييز - ذرعًا - على عامله وهو الفعل المتصرّف - أضيق -؛ وهذا نادرٌ عند سيبويه والجمهور؛ وقياسيّ عند الكسائيّ والمازنيّ والمبرّد.
يُنظر هذا البيتُ في: شرح الكافية الشّافية 2/777، وشرح التّسهيل 2/389، وابن النّاظم 352، والمقاصد النّحويّة 3/233.

(1/436)