المفصل في صنعة الإعراب القسم الثاني:
الأفعال
(1/317)
الباب الأول
الفعل الماضي
تعريف الفعل
الفعل ما دل على اقتران حدث بزمان. ومن خصائصه صحة دخول قد، وحرفي
الإستقبال، والجوازم، ولحوق المتصل البارز من الضمائر، وتاء التأنيث
الساكنة نحو قولك: قد فعل يفعل وسيفعل وسوف يفعل ولم يفعل وفعلت ويفعلن
وافعلي وفعلت.
تعريف الفعل الماضي:
وهو الدال على اقتران حدث بزمان قبل زمانك. وهو مبني على الفتح. إلا أن
يعترضه ما يوجب سكونه أو ضمه. فالسكون عند الإعلال ولحوق بعض الضمائر.
والضم مع واو الضمير.
(1/319)
الباب الثاني
الفعل المضارع
تعريفه
وهو ما يعتقب في صدره الهمزة والنون والتاء والياء. وذلك قولك للمخاطب
أو الغائبة تفعل، وللغائب يفعل، وللمتكلم أفعل. وله إذا كان مع غيره
واحداً أو جماعة نفعل. وتسمى الزوائد الأربع. ويشترك فيه الحاضر
والمستقبل. واللام في قولك إن زيداً ليفعل مخلصة للحال، كالسين أو سوف
للإستقبال. وبدخولهما عليه قد ضارع الأسم فأعرب بالرفع والنصب والجزم
مكان الجر.
اتصاله بالضمائر:
وهو إذا كان فاعله ضمير اثنين أو جماعة أو مخاطب مؤنث لحقته معه في حال
الرفع نون مكسورة بعد الألف مفتوحة بعد أختيها. كقولك: هما يفعلان،
وأنتما تفعلان، وهم يفعلون، وأنتم تفعلون، وأنت تفعلين. وجعل في حال
النصب كغير المتحرك، فقيل لن يفعلا، ولن يفعلوا، كما قيل لم يفعلا ولم
يفعلوا.
وإذا اتصلت به نون جماعة المؤنث رجع مبنياً، فلم تعمل فيه العوامل
لفظاً، ولم تسقط كما لا تسقط الألف والواو والياء التي هي ضمائر لأنها
(1/321)
منها. وذلك قولك: لم يضربن ولن يضربن.
ويبنى أيضاً مع النون المؤكدة كقولك لا تضربن ولا تضربن.
وجوه إعرابه:
هي الرفع والنصب والجزم. وليست هذه الوجوه بأعلام على معان كوجوه إعراب
الإسم، لأن الفعل في الإعراب غير أصيل بل هو فيه من الأسم بمنزلة الألف
والنون من الألفين في منع الصرف. وما ارتفع به الفعل وانتصب وانجزم غير
ما استوجب به الإعراب. وهذا بيان ذلك:
(1/322)
الفصل الأول: رفع المضارع
هو في الإرتفاع بعامل معنوي نظير المبتدأ وخبره. وذلك المعنى وقوعه
بحيث يصح وقوع الأسم كقولك زيد يضرب كما تقول زيد ضارب، رفعته لأن ما
بعد المبتدأ من مظان صحة وقوع الأسماء. وكذلك إذا قلت يضرب الزيدان لأن
من ابتدأ كلاماً منتقلاً إلى النطق عن الصمت لم يلزمه أن يكون أول كلمة
تفوه بها إسماً أو فعلاً، بل مبدأ كلامه موضع خبره في أي قبيل شاء.
وقولهم كاد زيد يقوم وجعل يضرب وطفق يأكل، الأصل فيه أن يقال قائماً
وضارباً وآكلاً ولكن عدل عن الأسم إلى الفعل لغرض وقد استعمل الأصل
فيمن روى بيت الحماسة:
فأبت إلى فهم وما كدت آبياً
(1/323)
الفصل الثاني: نصب المضارع
حروف النصب:
انتصابه بأن وأخواته، كقولك أرجو أن يغفر الله لي، ولن أبرح الأرض،
وجئت كي تعطيني، وأذن أكرمك.
وينصب بأن المضمرة بعد خمسة أحرف وهي: حتى، واللام، وأو بمعنى إلى،
وواو الجمع، والفاء، في جواب الأشياء الستة الأمر والنهي والنفي
والإستفهام والتمني والعرض، وذلك قولك: سرت حتى أدخلها، وجئتك لتكرمني،
ولألزمنك أو تعطيني حقي، ولا تأكل السمك وتشرب اللبن، وائتني فأكرمك،
وقوله سبحانه وتعالى: " ولا تطغوا فيه فيحل عليكم غضبي "، وماتأتينا
فتحدثنا، وأتأتينا فتحدثنا، فهل لنا من شفعاء فيشفعوا لنا. . ويا ليتني
كنت معهم فأفوز وألا تنزل فتصيب خيراً.
ولقولك ما تأتينا فتحدثنا معنيان أحدهما ما تأتينا فكيف تحدثنا أي لو
أتيتنا لحدثتنا. والآخر ما تأتينا أبداً إلا لم تحدثنا أي منك إتيان
كثير ولا حديث منك وهذا تفسير سيبويه.
ويمتنع إظهار أن مع هذه الأحرف، إلا اللام إذا كانت لام كي، فإن
الإظهار جائز معها، وواجب إذا كان الفعل الذي تدخل عليه داخلة عليه لا،
(1/325)
كقولك: لئلا تعطيني. وأما المؤكدة فليس
معها إلا التزام الإضمار.
حتى:
وليس بحتم أن ينصب الفعل في هذه المواضع بل للعدول به إلى غير ذلك معنى
وجهة من الإعراب مساغ. فله بعد حتى حالتان: هو في إحداهما مستقبل أو في
حكم المستقبل فينصب، وفي الأخرى حال أو في حكم الحال فيرفع. وذلك قولك:
سرت حتى أدخلها، وحتى أدخلها، تنصب إذا كان دخولك مترقباً لما يوجد،
كأنك قلت سرت كي أدخلها، ومنه قولهم أسلمت حتى أدخل الجنة، وكلمته حتى
يأمر لي بشيء. أو كان مقتضياً إلا أنه في حكم المستقبل من حيث أنه في
وقت وجود السير المفعول من أجله كان مترقباً. وترفع إذا كان الدخول
يوجد في الحال كأنك قلت: حتى أنا أدخلها الآن، ومنه قولهم مرض حتى لا
يرجونه، وشربت الإبل حتى يجيء البعير يجر بطنه أو تقضى. إلا أنك تحكي
الحال الماضية. وقريء قوله تعالى: " وزلزلوا حتى يقول الرسول "،
منصوباً ومرفوعاً. وتقول كان سيري حتى أدخلها بالنصب ليس إلا. فإن زدت
أمس وعلقته بكان أو قلت سيراً متعباً أو أردت كان التامة جاز فيه
الوجهان. وتقول أسرت حتى تدخلها بالنصب. وأيهم سار حتى يدخلها بالنصب
والرفع.
أو:
وقريء قوله تعالى: " تقاتلونهم أو يسلمون " بالنصب على إضمار أن،
والرفع على الإشتراك بين يسلمون وتقاتلونهم، أو على الإبتداء كأنه قيل
أو هم يسلمون. ويقول هو قاتلي أو أفتدي منه، وإن شئت ابتدأته على أو
أنا أفتدي وقال سيبويه في قول امريء القيس:
فقلت له لا تبك عينك إنما ... نحاول ملكاً أو نموت فنعذرا
(1/326)
ولو رفعت لكان عربياً جائزاً على وجهين:
على أن تشرك بين الأول والآخر كأنك قلت إنما نحاول ملكاً أو إنما نموت،
وعلى أن يكون مبتدأ مقطوعاً من الأول يعني أو نحن ممن يموت.
الواو
ويجوز في قوله عز وجل " ولا تلبسوا الحق بالباطل وتكتموا الحق " أن
يكون تكتموا منصوباً ومجزوماً كقولهك
ولا تشتم المولى وتبلغ أذاته
وتقول زرني وأزورك بالنصب، يعني لتجتمع الزيادات فيه كقول ربيعة
(1/327)
ابن جشم:
فقلت أدعي وأدعو إن أندى ... لصوت أن ينادي داعيان
وبالرفع يعني زيارتك على كل حال فلتكن منك زيارة كقولهم دعني ولا أعود.
وإن أردت الأمر أدخلت اللام فقلت ولأزرك. وإلا فلا محمل لأن تقول زرني
وأزرك لأن الأول موقوف. وذكر سيبويه في قول كعب الغنوي:
وما أنا للشيء الذي ليس نافعي ... ويغضب منه صاحبي بقؤول
النصب والرفع. وقال الله تعالى: " لنبين لكم ونقر في الأرحام ما نشاء
"، أي ونحن نقر.
(1/328)
الفاء:
ويجوز ما تأتينا فتحدثنا الرفع على الإشتراك. كأنك قلت ما تأتينا فما
تحدثنا ونظيره قوله تعالى: " ولا يوذن لهم فيعتذرون ". وعلى الإبتداء
كأنك قلت ما تأتينا فأنت تجهل أمرنا. ومثله قول العنبري:
غير أنا لم تأتنا بيقين ... فنرجي ونكثر التأميلا
أي فنحن نرجي. وقال:
ألم تسأل الربع القواء فينطق ... وهل يخبرك اليوم بيداء سملق
(1/329)
قال سيبويه لم يجعل الأول سبب الآخر، ولكنه
جعله ينطق على كل حال. كأنه قال فهو مما ينطق، كما تقول ائتني فأحدثك،
أي فأنا ممن يحدثك على كل حال. وتقول ودلوا تأتيه فتحدثه. والرفع جيد
كقوله تعالى: " ودوا لو تدهن فيدهنون ". وفي بعض المصاحف فيدهنوا وقال
ابن أحمر:
يعالج عاقراً أعيت عليه ... ليلقحها فينتجها حوارا
كأنه قال يعالج فينتجها. وإن شئت على الإبتداء.
أن:
وتقول أريد أن تأتيني ثم تحدثني ويجوز الرفع. وخير الخليل في قول عروة
العذري:
وما هو إلا أن أراها فجاءة ... فأبهت حتى ما أكاد أجيب
(1/330)
بين الرفع والنصب، في فأبهت، ومما جاء
منقطعاً قول أبي اللحام التغلبي:
على الحكم المأتي يوماً إذا قضى ... قضيته أن لا يجوز ويقصد
أي عليه غير الجور وهو يقصد، كما تقول عليه أن لا يجوز، وينبغي
(1/331)
له كذا. قال سيبويه: ويجوز الرفع في جميع
هذه الحروف التي تشترك على هذا المثال.
(1/332)
الفصل الثالث: جزم المضارع
الجزم بحروف الجزم وأسمائه:
تعمل فيه حروف وأسماء، نحو قولك لم يخرج، ولما يحضر، وليضرب، ولا تفعل،
وإن تكرمني أكرمك، وما تصنع أصنع بك، وأياً تضرب أضرب، وبمن تمرر أمر
به.
الجزم بأن مضمرة:
ويجزم بأن مضمرة إذا وقع جواباً لأمر أو نهي أو استفهام أو تمن أو عرض،
نحو قولك أكرمني أكرمك، ولا تفعل يكن خيراً لك، وألا تأتني أحدثك، وأين
بيتك أزرك، وألا ماء أشربه، وليته عندنا يحدثنا، وألا تنزل تصب خيراً.
وجواز إضمارها لدلالة هذه الأشياء عليها. قال الخليل إن هذه الأوائل
كلها فيها معنى إن فلذلك انجزم الجواب.
الجزم بما فيه معنى الأمر:
وما فيه معنى الأمر والنهي بمنزلتهما في ذلك تقول اتقي الله امرؤ وفعل
خيراً يثب عليه، معناه ليتق الله وليفعل خيراً؛ وحسبك يتم الناس.
وحق المضمر أن يكون من جنس المظهر. فلا يجوز أن تقول: لا تدن
(1/333)
من الأسد يأكلك، بالجزم، لأن النفي لا يدل
على الإثبات، ولذلك امتنع الإضمار في النفي فلم يقل ما تأتينا تحدثنا،
ولكنك ترفع على القطع كأنك قلت: لا تدن منه فإنه يأكلك وإن أدخلت الفاء
ونصبت فحسن.
الجزم على الجزاء:
وإن لم تقصد الجزاء فرفعت فكان المرفوع على أحد ثلاثة أوجه: إما صفة
كقوله تعالى: " فهب لي من لدنك وليا يرثني "، أو حالاً كقوله تعالى "
ونذرهم في طغيانهم يعمهون "، أو قطعاً واستئنافاً كقولك لا تذهب به
تغلب عليه، وقم يدعوك. ومنه بيت الكتاب:
وقال رائدهم أرسوا نزاولها
ومما يحتمل الأمرين الحال والقطع قولهم: ذره يقول ذاك، ومره يحفرها
وقول الأخطل:
(1/334)
كروا إلى حرتيكم تعمرونهما
وقوله تعالى: " فاضرب لهم طريقاً في البحر يبساً لا تخاف دركاً ولا
تخشى ".
وتقول إن تأتني تسألني أعطك وإن تأتني تمشي أمش معك، ترفع المتوسط.
ومنه قول الحطيئة:
متى تأته تعشو إلى ضوء ناره ... تجد خير نار عندها خير موقد
وقال عبيد الله بن الحر:
(1/335)
متى تأتنا تلمم بنا في ديارنا ... تجد
حطباً جزلاً وناراً تأججا
فجزمه على البدل.
وتقول إن تأتيني آتك فأحدثك بالجزم، ويجوز الرفع على الإبتداء. وكذلك
الواو وثم قال الله تعالى: " من يضلل الله فلا هادي له ويذرهم ". وقرىء
ويذرهم بالجزم وقال تعالى: " وإن تتولوا يستبدل قوماً غيركم ثم لا
يكونوا أمثالكم "، وقال: " وإن يقاتلوكم يولوكم الأدبار ثم لا ينصرون
".
وسأل سيبويه الخليل عن قوله تعالى: " رب لولا أخرتني إلى أجل قريب
فأصدق وأكن من الصالحين " فقال هذا كقول عمرو بن معد يكرب:
دعني فأذهب جانباً ... يوماً وأكفك جانباً
وكقوله:
(1/336)
بدالي إني لست مدرك ما مضي ... ولا سابق
شيئاً إذا كان جائياً
أي كما جروا الثاني لأن الأول قد تدخله الباء فكأنها ثابتة فيه فكذلك
جزموا، الثاني لأن الأول يكون مجزوماً ولا فاء فيه فكأنه مجزوم.
وتقول والله إن أتيتني لا أفعل كذا بالرفع، وأنا والله إن تأتيني لا
آتك بالجزم، لأن الأول لليمين والثاني للشرط.
(1/337)
الباب الثالث
الأمر
كيف يصاغ الأمر من المضارع:
وهو الذي على طريقة المضارع للفاعل المخاطب لا تخالف بصيغته صيغته، إلا
أن تنزع الزائدة فتقول: في تضع ضع، وفي تضارب ضارب، وفي تدحرج دحرج،
ونحوها مما أوله متحرك؛ فإن سكن زدت همزة وصل لئلا يبتدأ بالساكن،
فتقول في تضرب إضرب، وفي تنطق وتستخرج إنطلق وإستخرج، والأصل في تكرم
تأكرم كتدحرج فعلى ذلك خرج أكرم.
وأما ما ليس للفاعل فإنه يؤمر بالحرف داخلاً على المضارع دخول لا ولم،
كقولك لتضرب أنت، وليضرب زيد، ولأضرب أنا. وكذلك ما هو للفاعل وليس
بمخاطب كقولك ليضرب ريد ولأضرب أنا.
وقد جاء قليلاً أن يؤمر الفاعل على المخاطب بالحرف ومنه قراءة النبي
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فبذلك فلتفرحوا.
وهو مبني على الوقف عند أصحابنا البصريين. وقال الكوفيون هو مجزوم
باللام مضمرة وهذا خلف من القول.
(1/339)
الباب الرابع
الفعل المتعدي وغير المتعدي
حدهما:
فالمتعدي على ثلاثة أضرب: متعد إلى مفعول به وإلى اثنين وإلى ثلاثة.
فالأول نحو قولك ضربت زيداً، والثاني كسوت زيداً جبة، وعلمت زيداً
فاضلاً. والثالث نحو أعلمت زيداً عمراً فاضلاً وغير المتعدي ضرب واحد
وهو ما تخصص بالفاعل كذهب زيد ومكث وخرج ونحو ذلك.
أسباب التعدية:
وللتعدية أسباب ثلاثة: وهي الهمزة وتثقيل الحشو وحرف الجر. تتصل
ثلاثتها بغير المتعدي فتصيره متعدياً، وبالمتعدي إلى مفعول واحد فتصيره
ذا مفعولين: نحو قولك أذهبته، وفرحته، وخرجت به، وأحفرته بئراً، وعلمته
القرآن، وغصبت عليه الضيعة. وتتصل الهمزة بالمتعدي إلى اثنين فتنقله
إلى ثلاثة نحو أعلمت.
أنواع الأفعال المتعدية إلى ثلاثة:
والأفعال المتعدية إلى ثلاثة أضرب: ضرب منقول بالهمزة عن المتعدي إلى
مفعولين، وهو فعلان: أعلمت وأريت، وقد أجاز الأخفش
(1/341)
أظننت وأحسبت وأخلت وأزعمت. وضرب متعد إلى
مفعول واحد وقد أجري مجرى أعلمت لموافقته له في معناه فعدى تعديته، وهو
خمسة أفعال: أنبأت ونبئت وأخبرت وخبرت وحدثت. قال الحارث بن حلزة:
فمن حدثتموه له علينا العلاء
وضرب متعد إلى مفعولين وإلى الظرف المتسع فيه كقولك: أعطيت عبد الله
ثوباً اليوم، وسرق زيد عبد الله الثوب الليلة، ومن النحويين من أبي
الإتساع في الظرف في الأفعال ذات المفعولين.
والمتعدي وغير المتعدي سيان في نصب ما عدا المفعول به من المفاعيل
الأربعة، وما ينصب بالفعل من الملحقات بهن، كما تنصب ذلك بنحو ضرب وكسا
وأعلم تنصبه بنحو ذهب وقرب.
(1/342)
الباب الخامس
الفعل المبني للمفعول
حده:
هو ما استغنى عن فاعله فأقيم المفعول مقامه وأسند إليه معدولاً عن صيغة
فَعَل إلى فُعِل، ويسمى فعل ما لم يسم فاعله. والمفاعيل سواء في صحة
بنائه لها، إلا المفعول الثاني في باب علمت، والثالث في باب أعلمت،
والمفعول له والمفعول معه. تقول ضرب زيد، وسير سير شديد، وسير يوم
الجمعة، وسير فرسخان.
وإذا كان للفعل غير مفعول فبني لواحد بقي ما بقي على انتصابه كقولك
أعطي زيد درهماً، وعلم أخوك منطلقاً، وأعلم زيد عمراً خير الناس.
وللمفعول به المتعدي إليه بغير حرف من الفضل على سائر ما بني له أنه
متى ظفر به في الكلام فممتنع أن يسند إلى غيره، تقول دفع المال إلى
زيد، وبلغ بعطائك خمسمائة، برفع المال وخمس المائة. ولو ذهبت تنصبهما
مسنداً إلى زيد وبعطائك قائلاً دفع إلى زيد المال وبلغ لعطائك خمسمائة،
كما تقول منح زيد المال وبلغ عطاؤك خمسمائة، خرجت عن كلام العرب. ولكن
إن قصدت الإقتصار على ذكر المرفوع إليه والمبلوغ به قلت دفع إلى زيد
وبلغ بعطائك، وكذلك لا تقول ضرب زيداً ضرب شديد ولا يوم الجمعة ولا
أمام الأمير؛ بل ترفعه وتنصبها. وأما سائر المفاعيل
(1/343)
فمستوية الأقدام لا تفاضل بينها إذا اجتمعت
في الكلام في أن البناء لأيها شئت صحيح غير ممتنع: تقول استخف بزيد
استخفافاً شديداً يوم الجمعة أمام الأمير، وإن أسندت إلى الجار مع
المجرور، ولك أن تسند إلى يوم الجمعة أو إلى غيره وتترك ما عداه
منصوباً.
ولك في المفعولين المتغايرين أن تسند إلى أيهما شئت تقول أعطي زيد
درهماً، وكسي عمرو جبة، وأعطي درهم زيداً، وكسيت جبة عمراً إلا أن
الإسناد إلى ما هو في المعنى فاعل أحسن وهو زيد، لأنه عاط وعمرو لأنه
مكسو.
(1/344)
الباب السادس
أفعال القلوب
عددها سبعة: وهي سبعة: ظننت وحسبت
وخلت وزعمت وعلمت ورأيت ووجدت، إذا كن بمعنى معرفة الشيء على صفة.
كقولك علمت أخاك كريماً، ووجدت زيداً ذا الحافظ، ورأيته جواداً، تدخل
على الجملة من المبتدأ والخبر إذا قصد إمضاؤها على الشك أو اليقين،
فتنصب الجزئين على المفعولين وهما على شرائطهما وأحوالهما في أصلهما.
تلحق بها قال: ويستعمل أريت استعمال
ظننت، فيقال أريت زيداً منطلقاً، وأرى عمراً ذاهباً، وأين ترى بشراً
جالساً. ويقولون في الإستفهام خاصة: متى تقول زيداً منطلقاً؟ وأتقول
عمراً ذاهباً؟ وأكل يوم تقول عمراً منطلقاً؟ بمعنى أتظن. وقال الشاعر:
أجهالاً تقول بني لؤي ... لعمر أبيك أم متجاهلينا
(1/345)
وقال عمر بن أبي ربيعة:
أما الرحيل فدون بعد غد ... فمتى تقول الدار تجمعنا
وبنو سليم يجعلون باب قلت أجمع مثل ظننت.
لها معان أخر تجعلها متعدية إلى مفعول واحد:
ولها ما خلا حسبت وخلت وزعمت معان أخر لا يتجاوز عليها مفعولاً واحداً.
وذلك قولك ظننته من الظنة وهي التهمة، ومنه قوله عز وجل: " وما هو على
الغيب بظنين ". وعلمته بمعنى عرفته ورأيته بمعن أبصرته، ووجدت الضالة
إذا أصبتها، وكذلك أريت الشيء بمعنى بصرته أو عرفته، ومنه قوله عز وجل:
" أرنا مناسكنا " وأتقول إن زيداً منطلق أي أتفوه بذلك.
ومن خصائصها أن الإقتصار على أحد المفعولين في نحو كسوت
(1/346)
وأعطيت مما تغاير مفعولاه غير ممتنع. تقول
أعطيت درهماً ولا تذكر من أعطيته، وأعطيت زيداً ولا تذكر ما أعطيته.
وليس لك أن تقول حسبت زيداً ولا منطلقاً وتسكت، لفقد ما عقدت عليه
حديثك. فأما المفعولان معاً فلا عليك أن تسكت عنهما في البابين. قال
الله تعالى: " وظننتم ظن السوء "، وفي أمثالهم: من يسمع يخل. وأما قول
العرب ظننت ذاك، فذاك إشارة إلى الظن. كأنهم قالوا ظننت فاقتصروا،
وتقول ظننت به إذا جعلته موضع ظنك كما تقول ظننت في الدار. فإن جعلت
الباء زائدة بمنزلتها في ألقى بيده لم يجز السكوت عليه.
أثر التقديم والتأخير في عملها:
ومنها أنها إذا تقدمت أعملت ويجوز فيها الإعمال والإلغاء متوسطة أو
متأخرة قال:
أبا الأراجيز يا ابن اللؤم توعدني ... وفي الأراجيز خلت اللؤم والخور
ويلغى المصدر إلغاء الفعل فيقال متى زيد ظنك ذاهب، وزيد ظني مقيم، وزيد
أخوك ظني. وليس ذلك في سائر الأفعال.
تعليق عملها:
ومنها إنها تعلق وذلك عند حروف الإبتداء والإستفهام والنفي كقولك
(1/347)
ظننت لزيد منطلق، وعلمت أزيد عندك أم عمرو
وأيهم في الدار؟ وعلمت ما زيد بمنطلق. ولا يكون التعليق في غيرها.
تجمع ضمير الفاعل والمفعول:
ومنها أنك تجمع فيها بين ضميري الفاعل والمفعول فتقول علمتني منطلقاً،
ووجدتك فعلت كذا، ورآه عظيماً. وقد أجرت العرب عدمت وفقدت مجراها
فقالوا عدمتني وفقدتني. وقال جران العود:
لقد كان لي عن ضرتين عدمتني ... وعما ألاقي منهما متزحزح
ولا يجوز ذلك في غيرهما فلا تقول شتمتني ولا ضربتك، ولكن شتمت نفسي
وضربت نفسك.
(1/348)
الباب السابع
الأفعال الناقصة
عددها وسبب تسميتها: وهي كان وصار
وأصبح وأمسى وأضحى وظل وبات وما زال وما برح وما انفك وما فتئ وما دام
وليس، يدخلن دخول الأفعال القلوب على المبتدأ والخبر، إلا أنهن يرفعن
المبتدأ وينصبن الخبر. ويسمى المرفوع إسماً، والمنصوب خبراً. ونقصانهن
من حيث أن نحو ضرب وقتل كلام متى أخذ مرفوعه، وهؤلاء ما لم يأخذن
المنصوب مع المرفوع لم يكن كلاماً.
رأي سيبويه:
ولم يذكر سيبويه منها إلا كان وصار وما دام وليس، ثم قال وما كان نحوهن
من الفعل مما لا يستغني عن الخبر. ومما يجوز أن يلحق بها عاد وآض وغدا
وراح. وقد جاء بمعنى صار في قول العرب ما جاءت حاجتك، ونظيره قعد في
قول الأعرابي: أرهف شفرته حتى قعدت كأنها حربة.
أسمها وخبرها:
وحال الإسم والخبر مثلهما في باب الإبتداء من أن كون المعرفة إسماً
والنكرة خبراً حد الكلام. ونحوه قول القطامي:
(1/349)
ولا يك موقف منك الوداعا
وقول حسان:
يكون مزاجها عسل وماء
وبيت الكتاب:
أظبي كان أمك أم حمار
(1/350)
من القلب الذي يشجع عليه أمن الإلتباس.
ويجيئان معرفتين معاً، ونكرتين. ويجيء الخبر جملة ومفرداً بتقاسيمها.
وجوه كان:
وكان على أربعة أوجه ناقصة كما ذكر، وتامة بمعنى وقع ووجد، كقولهم كانت
الكائنة والمقدورة كائن، وقوله تعالى: " كن فيكون ". وزائدة في قولهم
إن من أفضلهم كان زيداً وقال:
جياد بني أبي بكر تسامي ... على كان المسومة العراب
ومن كلام العرب: ولدت فاطمة بنت الخرشب الكلمة من بني عبس لم يوجد كان
مثلهم. والتي فيها ضمير الشأن وقوله عز وجل: " لمن كان له قلب " يتوجه
على الأربعة وقيل في قوله:
بنيهاء قفر والمطي كأنها ... قطا الحزن قد كانت فراخاً بيوضها
(1/351)
أن كان فيه بمعنى صار.
صار:
ومعنى صار الإنتقال وهو على ذلك على استعمالين: أحدهما كقولك صار
الفقير غنياً والطين خزفاً. والثاني صار زيد إلى عمرو، ومنه كل حي صائر
إلى الزوال.
أصبح وأمسى وأضحى:
وأصبح وأمسى وأضحى على ثلاث معان: أحدهما أن يقرن مضمون الجملة
بالأوقات الخاصة التي هي الصباح والمساء والضحى على طريقة كان. والثاني
أن تفيد معنى الدخول في هذه الأوقات كأظهر وأعتم، وهي في هذا الوجه
تامة يسكت على مرفوعها. قال عبد الواسع بن أسامة:
ومن فعلاتي أنني حسن القري ... إذا الليلة الشهباء أضحى جليدها
(1/352)
والثالث أن يكون بمعنى صار كقولك: أصبح زيد
غنياً وأمسى أميراً وقال عدي بن زيد:
ثم أضحوا كأنهم ورق ج ... ف فألوت به الصبا والدبور
ظل وبات:
وظل وبات على معنيين: أحدهما إقتران مضمون الجملة بالوقتين الخاصيين
على طريقة كان. والثاني كينونتهما بمعنى صار، ومنه قوله تعالى: " وإذا
بشر أحدهم بالأنثى ظل وجهه مسوداً وهو كظيم ".
حكم المسبوقة بالنفي:
والتي أوائلها الحرف النافي في معنى واحد وهو استمرار الفعل بفاعله في
زمانه؛ ولدخول النفي فيها على النفي جرت مجرى كان في كونها للإيجاب،
ومن ثم لم يجز ما زال زيد إلا مقيماً، وخطيء ذو الرمة في قوله:
حراجيج ما تنفك إلا مناخة
(1/353)
وتجيء محذوفاً منها حرف النفي، قالت امرأة
سالم بن قحفان:
تزال حبال مبرمات أعدها
وقال امرؤ القيس:
فقلت لها والله أبرح قاعداً
(1/354)
وقال:
تنفك تسمع ما حييت بهالك حتى تكونه
وفي التنزيل: " تالله تفتؤ تذكر يوسف ".
ما دام:
وما دام توقيت للفعل في قولك أجلس ما دمت جالساً، كأنك قلت: اجلس دوام
جلوسك، نحو قولهم آتيك خفوق النجم ومقدم الحاج، ولذلك كان مفتقراً إلى
أن يشفع بكلام لأنه ظرف لا بد له مما يقع فيه.
ليس:
وليس معناه نفي مضمون الجملة في الحال، تقول ليس زيد قائماً الآن، ولا
تقول ليس زيد قائماً غداً. والذي يصدق أنه فعل لحوق الضمائر وتاء
التأنيث ساكنة به وأصله ليس كصيد البعير.
تقديم خبرها:
وهذه الأفعال في تقديم خبرها على ضربين: فالتي في أوائلها ما يتقدم
خبرها على اسمها لا عليها، وما عداها يتقدم خبرها على اسمها وعليها.
(1/355)
وقد خولف في ليس فجعل من الضرب الأول
والأول هو الصحيح.
وفضل سيبويه في تقديم الظرف وتأخيره بين اللغو منه والمستقر، فاستحسن
تقديمه إذا كان مستقراً نحو قولك ما كان فيها أحد خير منك، وتأخيره إذا
كان لغواً نحو قولك ما كان أحد خيراً منك فيها، ثم قال: وأهل الجفاء
يقرؤون ولم يكن كفؤاً له أحد.
(1/356)
الباب الثامن
أفعال المقاربة
عسى وكاد:
منها عسى ولها مذهبان: أحدهما أن تكون بمنزلة قارب، فيكون لها مرفوع
ومنصوب، إلا أن منصوبها مشروط فيه أن يكون أن مع الفعل متأولاً
بالمصدر. كقولك عسى زيد أن يخرج، في معنى قارب زيد الخروج. قال الله
تعالى: " فعسى الله أن يأتي بالفتح ". والثاني أن يكون بمنزلة قرب، فلا
يكون لها إلا مرفوع، إلا أن مرفوعها أن مع الفعل في تأويل المصدر
كقولك: عسى أن يخرج زيد، في معنى قرب خروجه، قال الله تعالى: " وعسى أن
تكرهوا شيئاً وهو خير لكم ".
ومنها كاد ولها اسم وخبر. وخبرها مشروط فيه أن يكون فعلاً مضارعاً
متأولاً باسم الفاعل كقولك كاد يخرج. وقد جاء على الأصل:
وما كدت آيبا
(1/357)
كما جاء: عسى الغوير أبؤسا وقد شبه عسى
بكاد من قال:
عسى الكرب الذي أمسيت فيه ... يكون وراءه فرج قريب
وكاد بعسى من قال:
قد كاد من طول البلى أن يمصحا
وللعرب في عسى ثلاثة مذاهب: أحدها أن يقولوا عسيت أن تفعل كذا، وعسيتما
إلى عسيتن، وعسى زيد أن يفعل كذا، وعسيا إلى عسين، وعسيت وعسينا.
والثاني أن لا يتجاوزوا عسى أن يفعل وعسى أن يفعلا وعسى أن يفعلوا.
والثالث أن يقولوا عساك أن تفعل كذا إلى عساكن، وعساه
(1/358)
أن يفعل إلى عساهن، وعساني أن أفعل، وعسانا
أن نفعل.
وتقول كاد يفعل إلى كدن، وكدت إلى كدتن، وكدت أفعل، وكدنا نفعل. وبعض
العرب يقولون كدت بالضم.
والفصل بين معنيي عسى وكاد أن عسى لمقاربة الأمر على سبيل الرجاء
والطمع، تقول عسى الله أن يشفي مريضي، تريد أن قرب شفائه مرجو من عند
الله تعالى مطموع فيه؛ وكاد لمقاربته على سبيل الوجود والحصول، تقول
كادت الشمس تغرب، تريد أن قربها من الغروب قد حصل.
وقوله عز وجل ":إذا أخرج يده لم يكد يراها " على نفي مقاربة الرؤية، هو
أبلغ من نفي نفس الرؤية. ونظيره قول ذي الرمة:
إذا غير النأي المحبين لم يكد ... رسيس الهوى من حب مية يبرح
أوشك:
ومنها أوشك يستعمل إستعمال عسى في مذهبيها، وإستعمال كاد. تقول: يوشك
زيد أن يجيء، ويوشك أن يجيء زيد، ويوشك زيد يجيء. قال:
(1/359)
يوشك من فر من منيته ... في بعض غراته
يوافقها
كرب وأخذ وجعل وطفق:
ومنها كرب وأخذ وجعل وطفق، يستعملن إستعمال كاد. تقول: كرب يفعل، وجعل
يقول ذاك، وأخذ يقول، وقال الله عز وجل: " وطفقا يخصفان ".
(1/360)
الباب التاسع
فعلا المدح والذم
لفظاهما:
هما نعم وبئس، وضعا للمدح العام والذم العام، وفيهما أربع لغات: فعل
بوزن حمد وهو أصلها قال:
نعم الساعون في الأمر المبر
وفَعْل وفِعل بفتح الفاء وكسرها وسكون العين. وفعل بكسرهما.
(1/361)
وكذلك كل فعل أو اسم على فعل ثانية حرف حلق
كشهد وفخذ. ويستعمل ساء استعمال بئس قال الله عز وجل: " ساء مثلاً
القوم الذين كذبوا بآياتنا ".
فاعل نعم وبئس:
وفاعلهما إما مظهر معرف باللام، أو مضاف إلى المعرف به، وإما مضمر مميز
بنكرة منصوبة. وبعد ذلك اسم مرفوع هو المخصوص بالذم أو المدح. وذلك
قولك: نعم الصاحب أو نعم صاحبا القوم زيد، وبئس الغلام أو بئس غلام
الرجل بشر، ونعم صاحبا زيد وبئس غلاماً بشر.
مميز نعم وبئس:
وقد يجمع بين الفاعل الظاهر وبين المميز تأكيداً فيقال نعم الرجل رجلاً
زيد. قال جرير:
تزود مثل زاد أبيك فينا ... فنعم الزاد زاد أبيك زادا
وقوله تعالى: " فنعما هي ": نعم فيه مسند إلى الفاعل المضمر، ومميزه ما
وهي نكرة لا موصوفة ولا موصولة، والتقدير فنعم شيئاً هي.
إعراب مخصوص نعم وبئس:
وفي ارتفاع المخصوص مذهبان: أحدهما أن يكون مبتدأ خبره ما
(1/362)
تقدمه من الجملة، كأن الأصل زيد نعم الرجل.
والثاني أن يكون خبر مبتدأ محذوف والتقدير: نعم الرجل هو زيد. فالأول
على كلام والثاني على كلامين.
حذف المخصوص:
وقد يحذف المخصوص إذا كان معلوماً للمخاطب كقوله تعالى: " نعم العبد
إنه أواب " أي نعم العبد أيوب، وقوله تعالى: " فنعم الماهدون " أي فنعم
الماهدون نحن.
تأنيث نعم وبئس وتثنية اسميهما وجمعهما:
ويؤنث الفعل ويثنى الإسمان ويجمعان نحو قولك نعمت المرأة هند وإن شئت
قلت نعم المرأة. وقالوا هذه الدار نعمت البلد، لما كان البلد الدار
كقولهم من كانت أمك. وقال ذو الرمة:
أو حرة عيطل ثبجاء مجفرة ... دعائم الزور نعمت زورق البلد
(1/363)
وتقول نعم الرجلان أخواك، ونعم الرجال
أخوتك، ونعمت المرأتان هند ودعد، ونعمت النساء بنات عمك.
المخصوص يجانس الفاعل:
ومن حق المخصوص أن يجانس الفاعل. وقوله عز وجل: " ساء مثلاً القوم
الذين كذبوا بآياتنا " على حذف المضاف أي ساء مثلاً مثل القوم، ونحوه
قوله تعالى: " بئس مثل القوم الذين كذبوا " أي مثل الذين كذبوا. ورؤي
أن يكون محل الذين مجروراً صفة للقوم، ويكون المخصوص بالذم محذوفاً، أي
بئس مثل القوم المكذبين مثلهم.
حبذا:
وحبذا مما يناسب هذا الباب ومعنى حب صار محبوباً جداً. وفيه لغتان فتح
الحاء وضمها. وعليها روي قوله:
وحب بها مقتولة حين تقتل
(1/364)
وأصله حبب، وهو مسند إلى اسم الإشارة، إلا
أنهما جريا بعد التركيب مجرى الأمثال التي لا تغير، فلم يضم أول الفعل،
ولا وضع موضع ذا غيره من أسماء الإشارة، بل التزمت فيهما طريقة واحدة.
وهذا الإسم في مثل إبهام الضمير في نعم، ومن ثم فسر بما فسر به، فقيل
حبذا رجلاً زيد كما يقال نعم رجلاً زيد. غير أن الظاهر فضل على المضمر
بأن استغنوا معه عن المفسر، فقيل حبذا زيد ولم يقولوا نعم زيد، ولأنه
كان لا ينفصل المخصوص عن الفاعل في نعم وينفصل في حبذا.
(1/365)
فعلا التعجب
بناؤهما:
هما نحو قولك ما أكرم زيداً، وأكرم بزيد. ولا يبنيان إلا مما يبنى منه
أفعل التفضيل. ويتوصل إلى التعجب مما لا يجوز بناؤهما منه بمثل ما توصل
به إلى التفضيل، إلا ما شذ من نحو ما أعطاه وما أولاه للمعروف، ومن نحو
ما أشهاها وما أمقته. وذكر سيبوبه أنهم لا يقولون ما أقيله استغناء عنه
بما أكثر قائلته كما استغنوا بتركت عن وذرت.
معناهما:
ومعنى ما أكرم زيداً، شيء جعله كريماً، كقولك أمر أقعده عن الخروج
ومعهم أشخصه عن مكانه، يريد أن قعوده وشخوصه لم يكونا إلا لأمر. إلا أن
هذا النقل من كل فعل خلا ما استثنى منه مختص بباب التعجب. وفي لسانهم
أن يجعلوا لبعض الأبواب شأناً ليس لغيره لمعنى. وأما أكرم بزيد فقيل
أصله أكرم زيد أي صار ذا كرم، كأغد البعير أي صار ذا غدة، إلا أنه أخرج
على لفظ الأمر ما معناه الخبر، كما أخرج على لفظ الخبر ما معناه الدعاء
في قولهم رحمه الله والباء مثلها في كفي بالله. وفي هذا ضرب من التعسف.
وعندي أن أسهل منه مأخذاً أن يقال إنه أمر لكل أحد بأن يجعل زيداً
كريماً، أي بأن يصفه بالكرم. والباء مزيدة مثلها في قوله
(1/367)
تعالى: " ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة "
للتأكيد والإختصاص، أو بأن يصيره ذا كرم والباء للتعدية. هذا أصله ثم
جرى مجرى المثل فلم يغير عن لفظ الواحد في قولك يا رجلان أكرم بزيد ويا
رجال أكرم بزيد.
ما:
واختلفوا في ما فهي عند سيبويه غير موصولة ولا موصوفة، وهي مبتدأ ما
بعد خبره. وعند الأخفش موصولة صلتها ما بعدها وهي مبتدأ محذوف الخبر.
وعند بعضهم فيها معنى الإستفهام كأنه قيل: أي شيء أكرمه.
لا تقديم ولا تأخير:
ولا يتصرف في الجملة التعجبية بتقديم ولا تأخير ولا فصل. فلا يقال عبد
الله ما أحسن، ولا ما عبد الله أحسن، ولا بزيد أكرم، ولا ما أحسن في
الدار زيد، ولا أكرم اليوم بزيد. وقد أجاز الجرمي الفصل وغيره من
أصحابنا. وينصرهم قول القائل ما أحسن بالرجل أن يصدق.
ويقال ما أحسن زيداً للدلالة على المضي. وقد حكي ما أصبح أبردها. وما
أمسى أدفأها والضمير للغداة.
(1/368)
الباب العاشر
الفعل الثلاثي
أوزان الثلاثي المجرد ثلاثة:
للمجرد منه ثلاثة أبنية فعَل وفعِل وفعُل. فكل واحد من الأولين على
وجهين: متعد وغير متعد. ومضارعه على بناءين: مضارع فعل على يفعِل
ويفعُل، ومضارع فِعل على تفعَل ويفعِل. والثالث على وجه واحد غير متعد
ومضارعه على بناء واحد وهو يفعُل. فمثال فعل ضربه يضربه، وجلس يجلس،
وقتله يقتله، وقعد يقعد. ومثال يفعل شربه يشربه، وفرح يفرح، وومقه
يرمقه، ووثق يثق. ومثال فُعل كرم يكرم. وأما فعَل يفعَل فليس بأصل ومن
ثم لم يجيء إلا مشروطاً فيه أن يكون عينه أو لامه أحد حروف الحلق:
الهمزة والهاء والحاء والخاء والعين والغين إلا ما شذ من نحو أبى يأبى
وركن يركن. وأما فُعل يفعُل نحو فصل يفصل ومت تموت فمن تداخل اللغتين
وكذلك فعل يفعل نحو كدت تكاد.
أوزان الثلاثي المزيد خمسة وعشرون:
وللمزيد فيه خمسة وعشرون بناء تمر في أثناء التقاسيم بعون الله تعالى.
والزيادة لا تخلو إما أن تكون من جنس حروف الكلمة أو من غير جنسها كما
ذكر في أبنية الأسماء.
(1/396)
وأبنية المزيد على ثلاثة أضرب: موازن
للرباعي على سبيل الإلحاق، وموازن له على غير سبيل الإلحاق، وغير موازن
له. فالأول على ثلاثة أوجه ملحق بدحرج نحو شملل وحوقل وبيطر وجهور
وقلنس وقلسي. وملحق بتدحرج نحو تجلبب وتجورب وتشيطن وترهوك وتمسكن
وتغافل وتكلم. وملحق باحرنجم نحو إقعنسس واسلنقي. ومصداق الإلحاق اتحاد
المصدرين. والثاني نحو أخرج وجرب وقاتل يوازن دحرج غير أن مصدره مخالف
لمصدره. والثالث نحو انطلق واقتدر واستخرج وأشهاب وأشهب وأغدودن
واعلوط.
وزن فاعل:
فما كان على فعل فهو على معان لا تضبط كثرة وسعة. وباب المغالبة مختص
بفعل يفعل. منه كقولك كارمني فكرمته أكرمه، وكاثرني فكثرته أكثره،
وكذلك عازني فعززته أعزه، وخاصمني فخصمته، وهاجاني فهجوته. إلا ما كان
معتل الفاء كوعدت أو معتل العين أو اللام من بنات الياء كبعت ورميت
فأنك تقول فيه أفعله بالكسر، كقولك راميته أرميه وخايرته فخرته أخيره.
وعن الكسائي إنه استثنى أيضاً ما فيه أحد حروف الحلق وأنه يقال فيه
أفعله بالفتح. وحكى أبو زيد شاعرته أشعره، وفاخرته أفخره بالضم. قال
سيبويه وليس في كل شيء يكون هذا، ألا يرى أنك لا تقول نازعني فنزعته
استغنى عنه بغلبته. وفعل يكثر فيه الإعراض من العلل والأحزان وأضدادها
كسقم ومرض وحزن وفرح وجذل وأشر والألوان كأدم وشهب وسود. وفعل للخصال
التي تكون في الأشياء كحسن وقبح وصغر وكبر.
وزن تُفُعْلِل:
وتفعلل يجيء مطاوع كجوربة فتجورب، وجلببه فتجلبب، وبناء مقتضياً كتسهوك
وترهوك.
(1/370)
وزن تفعَّل:
وتفعل يجيء مطاوع فعل نحو كسرته فتكسر، وقطعته فتقطع. وبمعنى التكلف
نحو تشجع وتصبر وتحلم وتمرأ. قال حاتم:
تحلم عن الأذنين واستبق ودهم ... ولن تستطيع الحلم حتى تحلما
قال سيبويه وليس هذا مثل تجاهل لأن هذا يطلب أن يصير حليماً ومنه تقيس
وتنزر، وبمغنى استفعل كتكبر وتعظم وتعجل الشيء وتيقنه وتقصاه وتثبته
وتبينه، وللعمل بعد العمل في مهلة كقولك تجرعه وتحساه وتعرفه. وتفوقه
ومنه تفهم وتبصر وتسمع، وبمعنى إتخاذ الشيء نحو تديرت المكان وتوسدت
التراب ومنه تبناه وبمعنى التجنب كقولك تحوب وتأثم وتهجد وتحرج أي تجنب
الحوب والإثم الهجود والحرج.
وزن تفاعل:
وتفاعل لما يكون من اثنين فصاعداً نحو تضارباً وتضاربوا ولا يخلو من أن
يكون من فاعل المتعدي إلى مفعول أو المتعدي إلى مفعولين: فإن كان من
المتعدي إلى مفعول كضارب لم يتعد. وإن كان من المتعدي إلى مفعولين نحو
نازعته الحديث وجاذبته الثوب وناسيسته البغضاء تعدي إلى مفعول واحد،
كقولك تنازعنا الحديث وتجاذبنا الثوب وتناسينا البغضاء.
(1/371)
ويجيء ليريك الفاعل أنه في حال ليس فيها
نحو تغافلت وتعاميت وتجاهلت قال:
إذا تخازرت وما بي من خزر
وبمنزلة فعلت كقولك توانيت في الأمر وتقاضيته وتجاوز الغاية. ومطاوع
فاعلت نحو باعدته فتباعد.
وزن أفعل:
وأفعل للتعدية نحو أجلسته وأمكنته. وللتعريض للشيء وأن يجعل بسبب منه
نحو أقتلته وأبعته إذا عرضته للقتل والبيع. ومنه أقبرته وأشفيته
وأشقيته إذا جعلت له قبراً وشفاء وسقياً وجعلته بسبب منه من قبل الهبة
أو نحوها. أو لصيرورة الشيء ذا كذا نحو أغد البعير إذا صار ذا غدة،
وأجرب الرجل وانحز وأحال أي صار ذا جرب ونحاز وحيال في ماله، ومنه الأم
وأراب وأصرم النخل وأحصد الزرع وأجر، ومنه أبشر وأفطر وأكب وأقشع
الغيم. ولوجود الشيء على صفة نحو أحمدته أي وجدته محموداً، وأحييت
الأرض أي وجدتها حية النبات. وفي كلام عمرو بن معد يكرب لمجاشع السلمي:
لله دركم يا بني سليم قاتلناكم فما أجبناكم وسألناكم فما أبخلناكم
وهاجيناكم فما أفحمناكم. وللسلب نحو أشكيته وأعجمت الكتاب إذا أزلت
الشكاية والعجمة. ويجيء. بمعنى فعلت تقول قلت البيع وأقلته وشغلته
وأشغلته وبكر وأبكر.
وزن فعَّل:
وفعل يؤاخي أفعل في التعدية نحو فرحته وغرمته، ومنه خطأته وفسقته
(1/373)
وزنيته وجدعته وعقرته. وفي السلب نحو فزعته
وقذيب عينه وجلدت البعير وقردته، أي أزلت الفرزع والقذي والجلد
والقراد. وفي كونه بمعنى فعل كقولك زلته وزيلته وعضته وعوضته ومزته
وميزته. ومجيئه للتكثير هو الغالب عليه نحو قولك قطعت الثياب وغلقت
الأبواب، وهو يجول ويطوف أن يكثر الجولان والطواف وبرك النعم وربض
الشاء وموت المال ولا يقال للواحد.
وزن فاعل:
وفاعل لأن يكون من غيرك إليك ما كان منك إليه، كقولك ضاربته وقاتلته،
فإذا كنت الغالب قلت فاعلني ففعلته. ويجيء مجيء فعلت كقولك سافرت.
بمعنى أفعلت نحو عافاك الله، وطارقت النعل. وبمعنى فعلت نحو ضاعفت
وناعمت.
وزن انفعل:
وانفعل لا يكون إلا مطاوع فعل كقولك كسرته فانكسر، وحطمته فانحطم، إلا
ما شذ من قولهم: أقحمته فانقحم، وأغلقته فانغلق، وأسقفته فانسقف،
وأزعجته فانزعج. ولا يقع إلا حيث يكون علاج وتأثير، ولهذا كان قولهم
انعدم خطأ. وقالوا قلته فانقال لأن القائل يعمل في تحريك لسانه.
وزن افتعل:
وافتعل يشارك انفعل في المطاوعة كقولك غممته فاغتم، وشويته فاشتوى،
ويقال أنغم وانشوى. ويكون بمعنى تفاعل نحو اجتوزوا واختصموا والتقوا
وبمعنى الإتخاذ نحو إذبح وأطبخ واشتوى إذا اتخذ ذبيحة وطبيخاً وشواء
لنفسه. ومنه اكتال واتزن. وبمنزلة فعل نحو قرأت واقترات وخطف واختطف.
وللزيادة على معناه كقولك اكتسب في كسب، واعتمل في عمل. قال سيبويه أما
كسبت فإنه يقول أصبت، وأما اكتسبت فهو التصرف والطالب، والإعتمال
بمنزلة الإضراب.
(1/373)
وزن استفعل:
واستفعل لطلب الفعل، تقول استخفه واستعمله واستعجله إذا طلب عمله وخفته
وعجلته مر مستعجلاً أي مر طالباً ذلك من نفسه مكلفها إياه، ومنه
استخرجته أي لم أزل أتلطف به وأطلب حتى خرج. وللتحول نحو استتيبست
الشاة، واستنوق الجمل، واستحجر الطين، وإن البغاث بجرضنا يستنسر.
وللإصابة على صفة نحو استعظمته واستسمنته واستجدته أي أصبته عظيماً
وسميناً وجيداً. وبمنزلة فعل نحو قر واستقر وعلا قرنه واستعلاه.
افعوعل:
وافعوعل بناء مبالغة وتوكيد. فاخشوشن واعشوشبت الأرض واحلولى الشيء
مبالغات في خشن وأعشبت وحلا. قال الخليل في اعشوشبت إنما يريد أن يجعل
ذلك عاماً قد بالغ.
(1/374)
الباب الثاني عشر
الفعل الرباعي
أوزان الرباعي: للمجرد منه بناء
واحد فعلل ويكون متعدياً نحو دحرج الحجر، وسرهف الصبي. وغير متعد نحو
دربخ وبرهم. وللمزيد فيه بناءان إفعنلل نحو احرنجم وافعلل نحو اقشعر.
وكلا بنائي المزيد فيه غير متعد. وهما في الرباعي نظير انفعل وأفعل
وأفعال في الثلاثي. قال سيبويه وليس في الكلام أحرنجمته لأنه نظير
انفعلت في بنات الثلاثة، زادوا نوناً وألف وصل كما زادوهما في هذا.
وقال ليس في الكلام افعللته ولا أفعاللته، وذلك نحو أحمررت وأشهاببت،
ونظير ذلك من بنات الأربعة اطمأننت واشمأززت والله أعلم.
(1/375)
|