المفصل في صنعة الإعراب

القسم الثالث:
الحروف

(1/377)


حروف الإضافة
تعريف الحرف
الحرف ما دل على معنى في غيره. ومن لم ينفك من أسم أو فعل يصحبه إلا في مواضع مخصوصة حذف فيها الفعل واقتصر على الحرف فجرى مجرى النائب، نحو قولهم نعم وبلى وإي وإنه ويا وزيد قد في قوله وكأن قد.
أنواعها
سميت بذلك إن وضعها على أن تفضي بمعاني الأفعال إلى الأسماء. وهي فوضى في ذلك وإن اختلفت بها وجوه الإفضاء. وهي على ثلاثة أضرب: ضرب لازم للحرفية. وضرب كائن إسماً وحرفاً. وضرب كائن حرفاً وفعلاً. فالأول تسعة أحرف: من وإلى وحتى وفي والباء واللام ورب وواو القسم وتاؤه. والثاني خمسة أحرف: على وعن والكاف ومذ منذ. والثالث ثلاثة أحرف: حاشا وخلا وعدا.
من:
فمن معناها ابتداء الغاية كقولك سرت من البصرة إلى الكوفة، وكونها مبعضة نحو أخذت من الدراهم، ومبينة في نحو " فاجتنبوا الرجس من الأوثان "، ومزيدة في نحو ما جاءني من أحد راجع إلى هذا، ولا تزاد عند

(1/379)


سيبويه إلا في النفي، والأخفش يجوز الزيادة في الإيجاب ويستشهد بقوله عز وجل: " يغفر لكم من ذنوبكم ".
إلى:
وإلى معارضة لمن دالة على انتهاء الغاية كقولك سرت من البصرة إلى بغداد، وكونها بمعنى المصاحبة في نحو قوله عز وجل: " ولا تأكلوا أموالهم إلى أموالكم " راجع إلى معنى الإنتهاء.
حتى:
وحتى في معناها إلا أنها تفارقها في أن مجرورها يجب أن يكون آخر جزء من الشيء أو يلاقي آخر جزء منه، لأن الفعل المعدى بها، الغرض فيه أن يتقضى ما تعلق به شيئاً فشيئاً حتى يأتي عليه، وذلك قولك أكلت السمكة حتى رأسها ونمت البارحة حتى الصباح، ولا تقول حتى نصفها أو ثلثها كما تقول إلى نصفها وإلى ثلثها. ومن حقها أن يدخل ما بعدها فيما قبلها. ففي مسألتي السمكة والبارحة في أكل الرأس ونيم الصباح. ولا تدخل على مضمر فتقول حتاه كما تقول إليه. وتكون عاطفة ومبتدأ ما بعدهما في نحو قول امريء القيس:
وحتى الجياد ما يقدن بأرسان

(1/380)


في:
وفي معناها الظرفية كقولك: زيد في أرضه، والركض في الميدان، ومنه نظر في الكتاب، وسعي في الحاجة، وقولهم في قول الله عز وجل: " ولأصلبنكم في جذوع النخل " إنها بمعنى على عمل على الظاهر، والحقيقة إنها على أصلها لتمكن المصلوب في الجذع تمكن الكائن في الظرف فيه.
الباء:
والباء معناها الإلصاق كقولك به داء أي التصق به وخامره، ومررت به وارد على الاتساع والمعنى التصق مروري بموضع يقرب منه. ويدخلها معنى الإستعانة في نحو كتبت بالقلم، ونحرت بالقدوم، وبتوفيق الله حججت، وبفلان أصبت الغرض. ومعنى المصاحبة في نحو خرج بعشيرته، ودخل عليه بثياب السفر، واشترى الفرس بسرجه ولجامه. وتكون مزيدة في المنصوب كقوله تعالى: " ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة "، وقوله: " بأيكم المفتون " وقوله:
سود المحاجر لا يقرأن بالسور
وفي المرفوع كقوله تعالى: " كفى بالله شهيداً " وبحسبك زيد وقول امريء القيس:

(1/381)


ألا هل أتاها والحوادث جمة ... بأن امرأ القيس بن تملك بيقرا
اللام:
واللام للإختصاص كقولك المال لزيد، والسرج للدابة، وجاءني أخ له وابن له. وقد تقع مزيدة قال الله تعالى: " ردف لكم ".
رب:
ورب للتقليل. ومن خصائصها أن لا تدخل إلا على نكرة ظاهرة أو مضمرة. فالظاهر يلزمها أن تكون موصوفة بمفرد أو جملة كقولك رب رجل جواد، ورب رجل جاءني، ورب رجل أبوه كريم. والمضمرة حقها أن تفسر بمنصوب كقولك ربه رجلاً. ومنها أن الفعل الذي تسلطه على الأسم يجب تأخير عنها، وإنه يجيء محذوفاً في الأكثر كما حذف مع الباء في بسم الله قال الأعشي:
رب رفد هرقته ذلك اليو ... م وأسرى من معشر أقيال

(1/282)


فهرقته ومن معشر صفتان وأسرى والفعل محذوف. ومنها أن فعلها يجب أن يكون ماضياً، تقول رب رجل كريم قد لقيت، ولا يجوز سألقى أو لألقين. وتكف بما فتدخل حينئذ على الإسم والفعل كقولك ربما قام زيد، وربما زيد في الدار. قال أبو دؤاد:
ربما الجامل المؤبل فيهم ... وعناجيج بينهن المهار
وفيها لغات: رب الراء مضمومة والباء مخففة مفتوحة أو مضمومة أو مسكنة، ورب الراء مفتوحة والباء مشددة ومخففة، وربت بالتاء والباء مشددة أو مخففة.
واو القسم:
وواو القسم مبدلة عن الباء الإلصاقية في أقسمت بالله، أبدلت عنها عند حذف الفعل، ثم التاء مبدلة عن الواو في تالله خاصة. وقد روى الأخفش ترب الكعبة فالباء لأصالتها تدخل على المضمر والمظهر فتقول بالله وبك لأفعلن كذا. والواو لا تدخل إلا على المظهر لنقصانها عن الباء، والتاء لا تدخل من المظهر إلا على واحد لنقصانها عن الواو. وقولهم والله قيل

(1/383)


أصله من الله لقولهم من ربي أنك لأشر فحذفت النون لكثرة الإستعمال، وقيل أصله أيم ومن ثم قالوا من ربي بالضم. ورأي بعضهم أن تكون الميم بدلاً من الواو لقرب المخرج.
على:
وعلى للإستعلاء تقول عليه دين، وفلان علينا أمير، وقال الله تعالى: " فإذا استويت أنت ومن معك على الفلك "، وتقول على الإتساع: مررت عليه إذا جزنه. وهو اسم في نحو قوله:
غدت من عليه بعد ما تم ظمؤها

(1/384)


أي من فوقه.
عن:
وعن للبعد والمجاوزة كقولك رمى عن القوس لأنه يقذف عنها بالسهم ويبعده، وأطعمه عن الجوع، وكساه عن العري، لأنه يجعل الجوع العري متباعدين عنه. وجلس عن يمنيه أي متراخياً عن بدنه في المكان الذي بحيال يمينه. وقال الله تعالى: " فليحذر الذين يخالفون عن أمره ". وهو اسم في نحو قولهم جلست من عن يمينه أي من جانبها.
الكاف:
والكاف للتشبيه كقولك: الذي كزيد أخوك. وهو اسم في نحو قوله:
يضحكن عن كالبرد المنهم
ولا تدخل على الضمير استغناء بمثل، وقد شذ نحو قول العجاج:
وأم أوعال كها أو أقربا

(1/385)


مذ ومنذ:
ومذ ومنذ لابتداء الغاية في الزمان كقولك ما رأيته مذ يوم الجمعة ومنذ يوم السبت. وكونهما أسمين ذكر في الأسماء المبنية.
حاشا:
وحاشا معناها التنزيه قال:
حاشا أبي ثوبان أن به ... ضنا عن الملحاة والشتم

(1/386)


وهو عند المبرد يكون فعلاً في نحو قولك هجم القوم حاشا زيداً بمعنى جانب بعضهم زيداً، أي فاعل من الحشا وهو الجانب. وحكى أبو عمرو الشيباني عن بعض العرب اللهم اغفر لي ولمن سمع حاشا الشيطان وابن الأصبغ بالنصب. وقوله تعالى: " حاش لله " بمعنى براءة لله من السوء.
عدا وخلا:
وعدا وخلا مر الكلام فيهما في الإستثناء.
كي:
وكي في قولهم كيمه من حروف الجر بمعنى لمه.
حذف حروف الجر:
وتحذف حروف الجر فيتعدى الفعل بنفسه كقوله تعالى: " واختار لموسى قومه سبعين رجلاً " وقوله:
منا الذي اختير الرجال سماحة ... وجوداً إذا هب الرياح الزعازاع
وقوله:
أمرتك الخير فافعل ما أمرت به ... فقد تركتك ذا مال وذا نشب

(1/387)


وتقول استغفر الله ذنبي، ومنه دخلت الدار. وتحذفت مع أن وإن كثيراً مستمراً.
وتضمر قليلاً. ومما جاء من ذلك إضمار رب والباء في القسم وفي قول رؤبة خير إذا قيل له كيف أصبحت واللام في لاه أبوك بمعنى لله أبوك.

(1/388)


الباب الثاني
الحروف المشبهة بالفعل
وهي إن وأن ولكن وكأن وليت ولعل. وتلحقها ما الكافة فتعزلها عن العمل ويبتدأ بعدها الكلام. قال الله تعالى: " إنما إلهكم إله واحد " وقال: " إنما ينهاكم الله " وقال ابن كراع:
تحلل وعالج ذات نفسك وانظرن ... أبا جعل لعلما أنت حالم
وقال:
أعد نظراً يا عبد قيس لعلما ... أضاءت لك النار الحمار المقيدا

(1/389)


ومنهم من يجعل ما مزيدة ويعملها. إلا أن الإعمال في كأنما ولعلما وليتما أكثر منه في إنما وأنما ولكنما. وروى بيت النابغة:
قالت ألا ليتما هذا الحمام لنا
على وجهين.
أن وإن الفرق بينهما
أن وإن هما تؤكدان مضمون الجملة وتحققانه إلا أن المكسورة الجملة معها على استقلالها بفائدتها، والمفتوحة تقلبها إلى حكم المفرد. تقول إن زيداً منطلق وتسكت كما تسكت على زيد منطلق، وتقول بلغني أن زيداً منطلق، وحق أن زيداً منطلق، فلا تجد بداً من هذا الضميم كما لا تجده مع الإنطلاق ونحوه. وتعاملها معاملة المصدر حيث توقعها فاعلة ومفعولة ومضافاً إليها في قولك بلغني أن زيداً منطلق، وسمعت أن عمراً خارج. وعجبت من أن زيداً واقف. ولا تصدر بها الجملة كما تصدر بأختها بل إذا وقعت في

(1/390)


موضع المبتدأ التزم تقديم الخبر عليها فلا يقال أن زيداً قائم حق، ولكن حق أن زيداً قائم.
التميز بين موقعيهما:
والذي يميز بين موقعيهما أن ما كان مظنة للجملة وقعت فيه المكسورة كقولك مفتتحاً إن زيداً منطلق، وبعد قال لأن الجمل تحكى بعده، وبعد الموصول لأن الصلة لا تكون إلا جملة. وما كان مظنة للمفرد وقعت فيه المفتوحة نحو مكان الفاعل، والمجرور، وما بعد لولا، لأن المفرد ملتزم فيه في الإستعمال، وما بعد لولان تقدير لو أنك منطلق لانطلقت لو وقع أنك منطلق أي لو وقع انطلاقك، وكذلك ظننت أنك ذاهب على حذف ثاني المفعولين. والأصل ظننت ذهابك حاصلاً.
ومن المواضع ما يحتمل المفرد والجملة فيجوز فيه إيقاع أيتهما شئت نحو قولك أول ما أقول أني أحمد الله، إن جعلتها خبراً للمبتدأ فتحت، كأنك قلت أول مقولي حمد الله وإن قدرت الخبر محذوفاً كسرت حاكياً ومنه قوله:
وكنت أرى زيداً كما قيل سيداً ... إذا إنه عبد القفا واللهازم
تكسر لتوفر على ما بعد إذا ما يقتضيه من الجملة، وتفتح على تأويل حذف الخبر، أي فإذا العبودية حاصلة وحاصلة محذوفة.
حركة أن بعد حتى:
وتكسرها بعد حتى التي يبتدأ بعدها الكلام فتقول قد قال القوم ذلك حتى إن زيداً يقوله. وإن كانت العاطفة أو الجارة فتحت فقلت قد عرفت أمورك حتى أنك صالح، وعجبت من أحوالك حتى أنك تفاخرني.

(1/391)


ولكون المكسور للإبتداء لم تجامع لأمه إلا إياها وقوله:
ولكنني من حبها لعميد
على أن الأصل ولكن أنني كما أن أصل قوله تعالى: " لكنا هو الله ربي " لكن أنا. ولها إذا جامعتها ثلاثة مداخل: تدخل على الإسم إن فصل بينه وبين إن كقولك إن في الدار لزيداً وقوله تعالى: " إن في ذلك لعبرة "، زعلى الخبر كقولك إن زيداً لقائم وقوله تعالى: " إن الله غفور رحيم "، وعلى ما يتعلق بالخبر إذا تقدمه كقولك إن زيداً الطعامك آكل وإن عمراً لفي الدار جالس وقوله تعالى: " لعمرك أنهم لفي سكرتهم يعمهون ". وقول الشاعر:
إذا امرأً خصني عمداً مودته ... على التنائي لعندي غير مكفور

(1/392)


ولو أخرت فقلت آكل لطعامك أو غير مكفور لعندي لم يجز لأن اللام لا تتأخر عن الأسم والخبر.
وتقول علمت أن زيداً قائم فإذا جئت باللام كسرت وعلقت الفعل قال الله تعالى: " والله يعلم أنك لرسوله والله يشهد أن المنافقين لكاذبون " ومما يحكى من جراءة الحجاج على الله تعالى أن لسانه سبق في مقطع والعاديات إلى فتح فأسقط اللام.
إعراب المعطوف على أسم إن
ولأن محل المكسورة وما عملت فيه الرفع جاز في قولك إن زيداً ظريف وعمراً، وإن بشراً راكب لا سعيد أو بل سعيداً، أن ترفع المعطوف حملاً على المحل قال الله تعالى: " إن الله بريء من المشركين ورسوله " وقال جرير:
إن الخلافة والنبوة فيهم ... والمكرمات وسادة أطهار
وفيه وجه آخر ضعيف وهو عطفه على ما في الخبر من الضمير. ولكن تشايع إن في ذلك دون سائر أخواتها. وقد أجرى الزجاج الصفة مجرى المعطوف وحمل عليه قوله تعالى: " قل إن ربي يقذف بالحق علام الغيوب ". وأباه غيره. وإنما يصح الحمل على المحل بعد مضي الجملة فإن لم تمض لزمك أن تقول إن زيداً وعماً قائمان بنصب عمرو ولا غير.

(1/393)


وزعم سيبويه أن ناساً من العرب يغلطون فيقولون أنهم أجمعون ذاهبون وأنك وزيد ذاهبان وذاك أن معناه معنى الإبتداء، فيرى أنه قال هم كما قال.
ولا سابق شيئاً إذا كان جائياً
وأما قوله تعالى: " والصابؤن ". فعلى التقديم والتأخير كأنه ابتداء والصابؤن بعد ما مضى الخبر وأنشدوا:
وإلا فاعلموا أنا وأنتم ... بغاه ما بقينا في شقاق
عدم جواز الجمع بين إن وأن:
ولا يجوز إدخال إن على أن فيقال إن أن زيداً في الدار إلا إذا فصل بينهما كقولك إن عندنا أن زيداً في الدار.
تخفف إن وإن فيبطل عملهما: وتخففان فيبطل عملهما. ومن العرب من يعملهما. والمكسورة أكثر

(1/394)


إعمالاً. ويقع بعدهما الإسم والفعل. والفعل الواقع بعد المكسورة يجب أن يكون من الأفعال الداخلة على المبتدأ والخبر. وجوز الكوفيون غيره. وتلزم المكسورة اللام في خبرها. والمفتوحة يعوض عما ذهب منها أحد الأحرف الأربعة حرف النفي وقد وسوف والسين، تقول إن زيد لمنطلق وقال الله تعالى: " وإن كل لما جميع لدينا محضرون " وقرىء: " وإن كلا لما ليوفيننهم " على الإعمال وأنشدوا:
فلو أنك في يوم الرخاء سألتني ... فراقك لم أبخل وأنت صديق
وقال الله تعالى: " وإن كنت من قبله لمن الغافلين " وقال: " وإن نظنك لمن الكاذبين " وقال: " وإن وجدنا أكثرهم لفاسقين " وأنشد الكوفيون:
بالله ربك إن قتلت لمسلماً ... وجبت عليك عقوبة المتعمد

(1/395)


ورووا إن تزينك لنفسك وإن تشينك لهيه. وتقول في المفتوحة علمت أن زيد منطلق والتقدير أنه زيد منطلق. وقال الله تعالى: " وآخر دعواهم إن الحمد لله رب العالمين ". وقال:
في فتية كسيوف الهند قد علموا ... أن هالك كل من يحفى وينتعل

(1/396)


وعلمت أن لا يخرج زيد وأن قد خرج وأن سوف يخرج وأن سيخرج قال الله تعالى: " أيحسب أن لم يره أحد " وقال تعالى: " علم أن سيكون منكم مرضى ".
ضرورة مشاكلة الفعل لها في التحقيق:
والفعل الذي يدخل على المفتوحة مشددة أو مخففة يجب أن يشاكلها في التحقيق كقوله تعالى: " ويعلمون أن الله هو الحق المبين " قوله تعالى: " أفلا يرون أن لا يرجع ". فإن لم يكن كذلك نحو أطمع وأرجو وأخاف فليدخل على أن الناصبة للفعل كقوله تعالى: " والذي أطمع أن يغفر لي ". وقولك أرجو أن تحسن إلي وأخاف أن تسيء إلي. وما فية وجهان كظننت وحسبت وخلت فهو داخل عليهما جميعاً تقول ظننت أن تخرج وأن ستخرج وأنك تخرج وقريء قوله تعالى: " وحسبوا ألا تكون فتنة ". بالرفع والنصب.
معنى آخر لأن وإن:
وتخرج إن المكسورة إلى المعنى أجل. قال:
ويقلن شيب قد علا ... ك وقد كبرت فقلت إنه

(1/397)


وفي حديث عبد الله بن الزبير إن راكبها. وتخرج المفتوحة إلى معنى لعل كقولهم أئت السوق تشتري لحماً. وتبدل قيس وتميم همزتها عيناً فتقول أشهد عن محمداً رسول الله.
لكنَّ:
هي للإستدراك لتوسطها بين كلامين متغايرين نفياً وإيجاباً، فيستدرك بها النفي بالإيجاب بالنفي وذلك قولك: ما جاءني زيد لكن عمراً جاءني، وجاءني زيد لكن عمراً لم يجيء.
والتغاير في المعنى بمنزلته في اللفظ كقولك: فارقني زيد لكن عمراً حاضر، وجاءني زيد لكن عمراً غائب، وقوله عز وجل: " ولو أراكهم كثيراً لفشلتم ولتنازعتم في الأمر ولكن الله سلم "، على معنى النفي وتضمن ما أراكهم كثيراً.
وتخفف فيبطل عملها كما يبطل عمل إن وأن، وتقع في حروف العطف على ما سيجيء بيانها إن شاء الله تعالى.
كأن:
هي للتشبيه، ركبت الكاف مع أن كما ركبت مع ذا وأي في كذا وكأين. وأصل قولك كأن زيد الأسد أن زيداً كالأسد، فلما قدمت الكاف فتحت لها الهمزة لفظاً والمعنى على الكسر، والفصل بينه وبين الأصل إنك ههنا بان كلامك على التشبيه من أول الأمر، وثم بعد مضي صدره على الإثبات.
وتخفف فيبطل عملها قال:
ونحر مشرق اللون ... كأن ثدياه حقان

(1/398)


ومنهم من يعملها قال:
كأن وريديه رشاء خلب
وفي قوله:
كأن ظبية تعطو إلى وارق السلم
ثلاثة أوجه الرفع والنصب والجر على زيادة أن.

(1/399)


ليت:
ليت هي للتمني كقوله تعالى: " ياليتنا نرد " ويجوز عند الفراء أن تجري مجرى أتمنى فيقال ليت زيداً قائماً كما يقال أتمنى زيداً قائماً والكسائي يجيز ذلك على إضمار كأن والذي غرهما منها قول الشاعر:
يا ليت أيام الصبا رواجعا
وقد ذكرت ما هو عليه عند البصريين.
وتقول ليت أن زيداً خارج وتسكت كما تسكت على ظننت أن زيداً خارج.
لعل:
هي لتوقع مرجو أو مخوف، وقوله عز وجل: " لعل الساعة قريب " و" لعلكم تفلحون " ترج للعبادة، وكذلك قوله عز وجل: " لعله يتذكر أو يخشى "، ومعناه اذهبا أنتما على رجائكما ذلك من فرعون. وقد لمح فيها معنى التمني من قرأ فأطلع بالنصب. وهي في حرف عاصم.
وقد أجاز الأخفش لعل أن زيداً قائم. قاسها على بيت وقد جاء في الشعر:
لعلك يوماً أن تلم ملمة ... عليك من اللائي يدعنك أجدعا

(1/400)


قياساً على عسى.
وفيها لغات لعل وعل وعن وإن ولأن ولعن ولغن. وعن أبي العباس أن أصلها عل زيدت عليها لام الإبتداء.

(1/401)


الباب الثالث
حروف العطف
معنى العطف
العطف على ضربين: عطف مفرد وعطف جملة على جملة. وله عشرة أحرف: فالواو والفاء وثم وحتى أربعتها على جمع المعطوف والمعطوف عليه في حكم، تقول جاء بي زيد وعمرو، وزيد يقوم ويقعد، وبكر قاعد وأخوه قائم، وأقام بشر وسافر خالد. فتجمع بين الرجلين في المجيء، وبين الفعلين في إسنادهما إلى زيد، وبين مضموني الجملتين في الحصول. وكذلك ضربت زيداً فعمراً، وذهب عبد الله ثم أخوه، ورأيت القوم حتى زيداً. ثم إنها تفترق بعد ذلك.
الواو:
فالواو للجمع المطلق من غير أن يكون المبدوء به داخلاً في الحكم قبل الآخر، ولا أن يجتمعا في وقت واحد، بل الأمران جائزان، وجائز عكسهما؛ نحو قولك جاءني زيد اليوم وعمرو أمس، واختصم بكر وخالد، وسيان قعودك وقيامك، وقال الله تعالى: " وادخلوا الباب سجداً وقولوا حطة "، وقال: " وقولوا حطة وادخلوا الباب سجداً " والقصة واحدة.

(1/403)


وقال سيبويه ولم تجعل للرجل منزلة بتقديمك إياه يكون أولى بها من الحمار كأنك قلت مررت بهما.
الفاء وثم:
والفاء وثم وحتى تقتضي الترتيب، إلا أن الفاء توجب وجود الثاني بعد الأول بغير مهلة، وثم توجبه بمهلة. ولذلك قال سيبويه مررت برجل ثم امرأة، فالمرور ههنا مروران، ونحو قوله تعالى: " وكم من قرية أهلكناها فجاءها بأسنا "، وقوله: " وإني لغفار لمن تاب وآمن وعمل صالحاً ثم اهتدى ". محمول على أنه لما أهلكها حكم بأن البأس جاءها، وعلى دوام الإهتداء وثباته.
حتى:
الواجب فيها أن يكون ما يعطف بها جزءاً من المعطوف عليه إما أفضله كقولك مات الناس حتى الأنبياء أو دونه كقولك قدم الحجاج حتى المشاة.
أو، إما، أم،:
ثلاثتها لتعليق الحكم بأحد المذكورين، إلا أن أو وإما يقعان في الخبر والأمر والإستفهام نحو قولك جاءني زيد أو عمرو، وجاءني إما زيد وإما عمرو، واضرب رأسه أو ظهره، واضرب إما رأسه وإما ظهره، وألقيت عبد الله أو أخاه؟ وأم لا يقع إلا في الإستفهام إذا كانت متصلة، والمنقطعة تقع في الخبر أيضاً. تقول في الإستفهام أزيد عندك أم عمرو؟ وفي الخبر إنها لإبل أم شاء.
الفرق بين أو وأمّ:
والفصل بين أو وأم في قولك أزيد عندك أو عمرو؟ وأزيد عندك أم عمرو؟ وأنك في الأول لا تعلم كون أحدهما عنده فأنت تسأل عنه، وفي الثاني تعلم أن أحدهما عنده إلا أنك لا تعلمه بعينه فأنت تطالبه بالتعيين.

(1/404)


معنى أو وإما:
ويقال في أو وإما في الخبر أنهما للشك، وفي الأمر أنهما للتخبير والإباحة. فالتخيير كقولك أضرب زيداً أو عمراً، وخذ إما هذا وإما ذلك. والإباحة كقولك: جالس الحسن أو ابن سيرين، وتعلم إما الفقه وإما النحو.
الفرق بين أو وإما:
وبين أو وإما من الفصل إنك مع أو يمضي أول كلامك على اليقين ثم يعترضه الشك، ومع إما كلامك من أوله مبني على الشك. ولم يعد الشيخ أبو علي الفارسي إما في حروف العطف لدخول العاطف عليها ووقوعها قبل المعطوف عليه.
لا، بل، لكن:
أخوات في أن المعطوف بها مخالف للمعطوف عليه. فلا تنفي ما وجب للأول كقولك: جاءني زيد لا عمرو. وبل للإضراب عن الأول منفياً أو موجباً كقولك: جاءني زيد بل عمرو وما جاءني بكر بل خالد. ولكن إذا عطف بها مفرد على مثله كانت للإستدراك بعد النفي خاصة كقولك: ما رأين زيداً لكن عمراً. وأما في عطف الجملتين فنظيرة بل في مجيئها بعد النفي والإيجاب. تقول جاءني زيد لكن عمرو لم يجيء، وما جاءني زيد لكن عمرو قد جاء.
حروف النفي
وهي ما ولا ولم ولما ولن وإن فما لنفي الحال في قولك ما يفعل وما زيد منطلق أو منطلقاً على اللغتين ولنفي الماضي المقرب من الحال في قولك ما فعل قال سيبويه أما ما فهي نفي لقول القائل هو يفعل إذا كان في فعل الحال وإذا قال لقد فعل فإن نفيه ما فعل فكأنه قيل والله ما فعل.

(1/405)


ولا لنفي المستقبل في قولك لا يفعل قال سيبويه وأما لا فتكون نفياً لقول القائل هو يفعل ولم يقع الفعل وقد نفي بها الماضي في قوله تعالى: " فلا صدق ولا صلى ". وقوله:
فأي أمر سيء لا فعله
وتنفي بها نفياً عاماً في قولك: لا رجل في الدار وغير عام في قولك: لا رجل في الدار ولا امرأة ولا زيد في الدار ولا عمرو. ولنفي الأمر في قولك لا نفعل ويسمى النهي والدعاء في قولك لا رعاك الله.
ولم ولما لقلب معنى المضارع إلى الماضي ونفيه إلا أن بينهما فرقاً وهو أن لم يفعل نفي الفعل ولما يفعل نفي قد فعل وهي لم ضمت إليها ما فازدادت في معناها أن تضمنت معنى التوقع والإنتظار واستطال زمان فعلها ألا ترى أنك تقول ندم ولم ينفعه الندم أي عقيب ندمه وإذا قلته بلما كان على معنى أن لم ينفعه إلى وقته ويسكت عليها دون أختها في قولك خرجت ولما أي ولما يخرج كما تسكت على قد في وكأن قد.

(1/406)


ولم لتأكيد ما تعطيه لا من نفي المستقبل تقول لا أبرح اليوم مكاني فإذا وكدت وشددت قلت لن أبرح اليوم مكاني قال الله تعالى: " لا أبرح حتى أبلغ مجمع البحرين " وقال تعالى: " فلن أبرح الأرض حتى يأذن لي أبي ". وقال الخليل أصلها لا أن فخففت بالحذف وقال الفراء نونها مبدلة من ألف لا وهي عند سيبويه حرف برأسه وهو الصحيح.
وإن بمنزلة ما في نفي الحال وتدخل على الجملتين الفعلية والإسمية كقولك: إن يقوم زيد وإن قائم قال الله تعالى: " إن كانت إلا صيحة واحدة " وقال تعالى: " إن تتبعون إلا الظن ". وقال عز وجل: " إن الحكم لله ". ولا يجوز إعمالها عمل ليس عند سيبويه وأجازه المبرد.

(1/407)


الباب الرابع
حروف التنبيه
ألفاظها ها، ألا، أما
وهي ها وألا وأما. تقول ها أن زيداً منطلق، وها أفعل كذا، وألا إن عمراً بالباب، وأما إنك خارج، وألا لا تفعل كذا، وأما والله لأفعلن، قال النابغة:
ها أن تا عذرة إن لم تكن نفعت ... فإن صاحبها قد تاه في البلد
وقال:
ونحن اقتسمنا المال نصفين بيننا ... فقلت لهم هذا لها ها وذا ليا

(1/409)


وقال:
ألا يا أصبحاني قبل غارة سنجال
وقال:
أما والذي أبكى وأضحك والذي ... أمات وأحيا والذي أمره الأمر

(1/410)


دخولها على أسماء الشرط والضمائر
وأكثر ما تدخل ها على أسماء الإشارة والضمائر كقولك هذا وهذه وها أنا ذا وها هو وها أنت ذا وها هي ذه وما أشبه ذلك.
حذف الألف من أما:
ويحذفون الألف من أما فيقولون أم والله وفي كلام هجرس بن كليب أم وسيفي وزريه، ورمحي ونصليه، وفرسي وأذنيه، لا يدع الرجل قاتل أبيه، وهو ينظر إليه، ويبدل بعضهم من همزته هاء فيقول هما والله وهم والله وبعضهم عيناً فيقول عما والله وعم والله.

(1/411)


الباب الخامس
حروف النداء
ألفاظها
وهي يا وايا وهيا وأي والهمزة ووا. فالثلاثة الأول لنداء البعيد أو من هو بمنزلته من نائم أو ساه، فإذا نودي بها من عداهم فلحرص المنادى على إقبال المدعو عليه ومفاطنته لما يدعوه له. وأي الهمزة للقريب. ووا للندبة خاصة.
وقول الداعي: يا رب ويا ألله، استقصار منه لنفسه، وهضم لها واستبعاد عن مظان القبول والإستماع، وإظهار للرغبة في الإستجابة بالجؤار.

(1/413)


الباب السادس
حروف التصديق والإيجاب
عددها
نعم وبلى وأجل وجير وأي وإن.
نعم
فأما نعم فمصدقة لما سبقها من كلام منفي أو مثبت. تقول إذا قال قام زيد أو لم يقم: نعم تصديقاً لقوله فكذلك إذا وقع الكلامان بعد حرف الإستفهام إذا قال: أقام زيد أو ألم يقم؟ فقلت: نعم. فقد حققت ما بعد الهمزة.
بلى:
وبلى إيجاب لما بعد النفي. تقول لمن قال لم يقم زيداً أو ألم يقم؟ بلى. قد قام وقال الله تعالى: " بلى قادرين ". أي نجمعهما.
أجل
وأجل لا يصدق بها إلا في الخبر خاصة يقول القائل قد أتاك زيد فتقول أجل. ولا تستعمل في جواب الإستفهام.
جير:
وجير نحوها بكسر الراء، وقد تفتح. قال:

(1/415)


وقلن على الفردوس أول مشرب ... أجل جير أن كانت أبيحت دعاثره
ويقال جير لأفعلن بمعنى حقاً.
إن:
وإن كذلك أيضاً. قال:
ويقلن شيب قد علا ... ك وقد كبرت فقلت إنه
أي:
وأي لا تستعمل إلا مع القسم، إذا قال لك المستخبر هل كان كذا؟ قلت أي والله، وأي والله، وأي لعمري، وأي ها الله ذا.
وكنانة تكسر العين من نعم. وفي قراءة عمر بن الخطاب وابن مسعود رضي الله عنهما قال نعم. وحكى أن عمر سأل قوماً عن شيء فقالوا نعم

(1/416)


بالفتح، فقال إنما النعم الإبل، فقالوا نعم. وعن النضير بن شميل أن نحم بالحاء لغة ناس من العرب.
وفي أي والله ثلاثة أوجه: فتح الياء، وتسكينها، والجمع بين ساكنين هي ولام التعريف المدمغة وحذفها.

(1/417)


الباب السابع
حروف الاستثناء
وهي إلا وحاشى وعدا وخلا في بعض اللغات.

(1/419)


الباب الثامن
حرفا الخطاب
وهما الكاف والتاء اللاحقتان علامة للخطاب في نحو ذاك وذلك وأولئك وهناك وهاك وحيهلك والنجاك ورويدك ورأيتك وإياك وفي أنتَ وأنتِ.
وتلحقهما التثنية والجمع والتذكير والتأنيث كما تلحق الضمائر. قال الله تعالى: " ذلكما مما علمني ربي "، وقال: " ذلكم خير لكم "، وقال: " فذلكن الذي لمتنني فيه " وقال " أن تلكما الجنة " وقال " وأولئك جعلنا لكم " وقال " كذلك قال ربك ". وتقول أنتما وأنتم وأنتن.
ونظير الكاف الهاء والياء وتثنيتهما، وجمعهما، في إياه وإياي على مذهب أبي الحسن.

(1/421)


الباب التاسع
حروف الصلة
ألفاظها
إن وأن وما ولا ومن والباء.
إن، وأن: في نحو قولك: ما أن رأيت زيداً. والأصل ما رأيت زيداً. ودخول أن صلة أكدت معنى النفي. قال دريد:
ما إن رأيت ولا سمعت به ... كاليوم هانيء أينق جرب
وعند الفراء إنهما حرفا نفي ترادفا كترادف حرفي التوكيد في أن زيداً لقائم. وقد يقال انتظرني ما أن جلس القاضي، أي ما جلس بمعنى مدة جلوسه.

(1/423)


وتقول في زيادة أن لما أن جاء أكرمته وأما والله أن لو قمت لقمت.
ما:
وغضبت من غير ما جرم، وجئت لأمر ما، وإنما زيد منطلق، وأينما تجلس أجلس، وبعين ما أرينك، وقال تعالى: " فبما نقضهم ميثاقهم "، وقال تعالى: " فبما رحمة من الله لنت لهم "، وقال تعالى: " عما قليل "، وقال تعالى: " أيما الأجلبن قضيت "، وقال: " وإذا ما أنزلت سورة "، وقال: " مثل ما أنكم تنطقون ".
لا:
وقال تعالى: " لئلا يعلم أهل الكتاب ". أي لأن يعلم أهل الكتاب، وقال تعالى: " فلا أقسم بمواقع النجوم ". وقال العجاج:
في بئر لا حور سرى وما شعر
ومنه ما جاءني زيد ولا عمرو، وقال الله تعالى: " لم يكن الله ليغفر لهم ولا يهديهم "، وقال الله تعالى: " ولا تستوي الحسنة ولا السيئة ".
من:
وتزاد من عند سيبويه في النفي خاصة لتأكيده وعمومه، وذلك نحو قوله تعالى: " ما جاءنا من بشير ولا نذير ". والإستفهام كالنفي قال الله تعالى: " هل من مزيد ". وقال تعالى: " هل من خالق غير الله ". وعن

(1/424)


الأخفش زيادته في الإيجاب.
الباء:
وزيادة الباء لتأكيد النفي والإيجاب في نحو ما زيد بقائم. وقالوا بحسبك درهم، وكفى بالله.

(1/425)


الباب العاشر
حرفا التفسير
وهما أي وأن.
أي المفسرة: تقول في نحو قوله تعالى: " واختار موسى قومه ". أي من قومه كأنك قلت: تفسيره من قومه، أو معناه من قومه. قال الشاعر:
وترمينني بالطرف أي أنت مذنب ... وتقلينني لكن إياك لا أقلي

(1/427)


أن المفسرة:
وأما أن المفسرة فلا تأتي إلا بعد فعل في معنى القول كقولك ناديته أن قم، وأمرته أن أقعد، وكتبت إليه أن أرجع. وبذلك فسر قوله عز وجل: " وانطلق الملأ منهم أن امشوا "، وقوله تعالى: " وناديناه أن يا إبراهيم ".

(1/428)


الباب الحادي عشر
الحرفان المصدريان
ما، أن:
وهما ما إن في قولك أعجبني ما صنعت وما تصنع، أي صنيعك. وقال الله تعالى: " وضاقت عليهم الأرض بما رحبت " أي برحبها. وقد فسر به قوله عز وجل: " والسماء وما يناها ". وقال الشاعر:
يسر المرء ما ذهب الليالي ... وكان ذهابهن له ذهابا
وتقول: بلغني أن جاء عمرو، وأريد أن تفعل، وأنه أهل أن يفعل، أي أهل الفعل وقال الله تعالى: " فما كان جواب قومه إلا أن قالوا ".
وبعض العرب يرفع الفعل بعد أن تشبيها بما قال الشاعر:
أن تقرآن على أسماء ويحكما ... مني السلام وأن لا تشعرا أحدا

(1/429)


وعن مجاهد أن يتم الرضاعة بالرفع.

(1/430)


الباب الثاني عشر
حروف التحضيض
ألفاظها
وهي لولا ولوما وهلا وألا. تقول: لولا فعلت كذا، ولوما ضربت زيداً، وهلا مررت به، وألا قمت تريد استبطاء وحثه على الفعل.
دخولها على فعل ماض أو مستقبل:
ولا تدخل إلا على فعل ماض أو مستقبل قال الله تعالى: " لولا أخرتني إلى أجل قريب "، وقال الله تعالى: " لو ما تأتينا بالملائكة "، وقال تعالى: " فلولا أن كنتم غير مدينين ترجعونها ". دخل لولا على ترجعونها.
إضمار الفعل بعدها:
وإن وقع بعدها اسم منصوب أو مرفوع كان بإضمار رافع أو ناصب كقولك لمن ضرب قوماً: لولا زيد أي لولا ضربته. قال سيبويه وتقول لولا خيراً من ذلك، وهلا خيراً من ذلك، أي هلا تفعل خيراً من ذلك، قال ويجوز رفعه على معنى هلا كان منك خير من ذلك. وقال جرير:

(1/431)


تعدون عقر النيب أفضل مجدكم ... بني ضوطرى لولا الكمي المقنعا
معنى آخر للولا ولوما:
وللولا ولوما معنى آخر وهو امتناع الشيء لوجود غيره. وهما في هذا الوجه داخلتان على اسم مبتدأ كقولك لولا علي لهلك عمر.

(1/432)


الباب الثالث عشر
حرف التقريب
قد للتحقيق والتقريب
قد تقرب الماضي من الحال إذا قلت قد فعل، ومنه قول المؤذن قد قامت الصلاة لا بد فيه من معنى التوقع. قال سيبويه وأما قد فجواب هل فعل؟ وقال ايضاً: فجواب لما يفعل. وقال الخليل هذا الكلام لقوم ينتظرون الخبر.
قد للتقليل:
وتكون للتقليل بمنزلة ربما إذا دخلت على المضارع كقولهم أن الكذوب قد يصدق.
حذف الفعل بعدها:
ويجوز الفصل بينه وبين الفعل بالقسم كقولك: قد والله أحسنت، وقد لعمري بت ساهراً. ويجوز طرح الفعل بعدها إذا فهم كقوله:
أفد الترحل غير أن ركابننا ... لما تزل برحالنا وكأن قد

(1/433)


الباب الرابع عشر
حروف الاستقبال
ألفاظها
وهي سوف والسين وأن ولا ولن. قال الخليل أن سيفعل جواب لن يفعل، كما أن يفعل جواب لا يفعل، لما في لا يفعل في اقتضاء القسم.
وفي سوف دلالة على زيادة تنفيس، ومنه سوفته كما قيل من آمين أمن.
وأن تدخل على المضارع والماضي فيكونان معه في تأويل المصدر. وإذا دخل على المضارع لم يكن إلا مستقبلاً كقولك أريد أن تخرج، ومن ثم لم يكن منها بد في خبر عسى. ولما انحرف الشاعر في قوله:
عسى طيء من طيء بعد هذه ... ستطفيء غلات الكلى والجوانح

(1/435)


عما عليه الإستعمال جاء بالسين التي هي نظيرة أن.
وهي مع فعلها ماضياً أو مضارعاً بمنزلة أن مع ما في حيزها.
وتميم وأسد يحولون همزتها عيناً فينشدون بيت ذي الرمة:
أأن ترسمت من خرقاء منزلة
أعن ترسمت، وهي عنعنة بني تميم.
وقد مر الكلام في لا ولن.

(1/436)


الباب الخامس عشر
حرفا الاستفهام
الهمزة، هل:
وهما الهمزة وهل في نحو قولك أزيد قائم؟ وأقام زيد؟ وهل عمرو خارج؟ وهل خرج عمرو؟ والهمزة أعم تصرفاً في بابها من أختها. تقول أزيد عندك أم عمرو. وأزيداً ضربت؟ وأتضرب زيداً وهو أخوك؟ وتقول لمن قال لك مررت بزيد: أبزيد، وتوقعها قبل الواو والفاء وثم. قال الله تعالى: " أو كلما عاهدوا عهداً "، وقال: " أفمن كان على بيته من ربه "، وقال تعالى: " أثم إذا ما وقع ". ولا تقع هل في هذه المواضع.
وعند سيبويه أن هل بمعنى قد إلا أنهم تركوا الألف قبلها لأنها لا تقع إلا في الإستفهام. وقد جاء دخولها في قوله:
سائل فوارس يربوع بشدتنا ... أهل روانا بسفح القاع ذي الأكم

(1/437)


وتحذف الهمزة إذا دل عليها الدليل قال عمر بن أبي ربيعة:
لعمرك ما أدري وإن كنت داريا ... بسبع رمين الجمر أم بثمان
وللإستفهام صدر الكلام لا يجوز تقدم شيء مما في حيزه عليه لا تقول ضربت أزيداً وما أشبه ذلك.

(1/438)


الباب السادس عشر
الشرط
حرفا الشرط:
وهما إن ولو يدخلان على جملتين فيجعلان الأولى شرطاً والثانية جزاء كقولك: إن تضربني أضربك، ولو جئتني لأكرمتك خلا أن إن تجعل الفعل للإستقبال وإن كان ماضياً ولو تجعله للمضي وإن كان مستقبلاً كقوله تعالى: " لو يطيعكم في كثير من الأمر لعنتم ". وزعم الفراء أن لو يستعمل في الإستقبال كإن.
فعلا الشرط والجزاء:
ولا يخلو الفعلان في باب إن من أن يكونا مضارعين، أو ماضيين، أو أحدهما مضارعاً والآخر ماضياً. فإذا كانا مضارعين فليس فيهما إلا الجزم، وكذلك في أحدهما إذا وقع شرطاً، فإذا وقع جزاء ففيه الجزم والرفع. قال زهير:
وإن أتاه خليل يوم مسألة ... يقول لا غائب مالي ولا حرم

(1/439)


دخول فاء الربط على فعل الجزاء:
وإن كان الجزاء أمراً، أو نهياً، أو ماضياً صريحاً، أو مبتدأ وخبراً، فلا بد من الفاء كقولك: إن أتاك زيد فأكرمه، وإن ضربك فلا تضربه، وإن أكرمتني اليوم فقد أكرمتك أمس، وإن جئتني فأنت مكرم. وقد تجيء الفاء محذوفة في الشذوذ كقوله:
من يفعل الحسنات الله يشكرها
ويقام إذا مقام الفاء قال الله تعالى: " إذا هم يقطنون ".
استعمال إن في المعاني المشكوك فيها:
ولا يستعمل إن إلا في المعاني المحتملة المشكوك في كونها ولذلك قبح إن احمر البسر كان كذا، وإن طلعت الشمس آتك إلا في اليوم المغيم.

(1/440)


وتقول إن مات فلان كان كذا، وإن كان موته لا شبهة فيه إلا أن وقته غير معلوم فهو الذي حسن فيه.
زيادة ما على إن:
وتجيء إن مع زيادة ما في آخرها للتأكيد قال الله تعالى: " فإما يأتينكم مني هدى ". وقال:
فإما تريني أزجي ظعينتي
وجوب تقدم الشرط:
والشرط كالإستفهام في أن شيئاً مما في حيزه لا يتقدمه. ونحو قولك آتيك إن تأتني، وقد سألتك لو أعطيتني، ليس ما تقدم فيه جزاء مقدماً، ولكن كلاماً وارداً على سبيل الإخبار. والجزاء محذوف وحذف جواب لو كثير في القرآن والشعر.

(1/441)


وجوب مجيء الفعل بعد إن:
ولا بد من أن يليهما الفعل ونحو قوله تعالى: " قل لو أنتم تملكون " وقوله: " وإن امرؤ هلك " على إضمار فعل يفسره هذا الظاهر. ولذلك لم يجز لو زيد ذاهب، ولا إن عمرو خارج. ولطلبهما الفعل وجب في أن الواقعة بعد لو أن يكون خبرها فعلاً كقولك: لو أن زيداً جاءني لأكرمته وقال الله تعالى: " ولو أنهم فعلوا ما يوعظون به ". ولو قلت لو أن زيداً حاضري لأكرمته لم يجز.
لو قد تجيء للتمني:
وقد تجيء لو بمعنى التمني كقولك: لو تأتيني فتحدثني، كما تقول: ليتك تأتيني فتحدثني. ويجوز في فتحدثني النصب والرفع وقال الله تعالى: " ودوا لو تدهن فيدهنون ". وفي بعض المصاحف فيدهنوا.
أما لها معنى الشرط:
وأما فيها معنى الشرك. قال سيبويه إذا قلت أما زيد فمنطلق فكأنك قلت مهما يكن من شيء فزيد منطلق، ألا يرى أن الفاء لازمة لها.
إذن:
وإذن جواب وجزاء. يقول الرجل: أنا آتيك، فتقول: إذن أكرمك. فهذا الكلام قد أجبته به وصيرت إكرامك جزاء له على إتيانه. وقال الزجاج: تأويلها إن كان الأمر كما ذكرت فإني أكرمك. وإنما تعمل إذن في فعل مستقبل غير معتمد على شيء قبلها كقولك لمن قال لك أنا أكرمك: إذن أجيئك. فإن حدث فقلت إذن أخالك كاذباً ألغيتها لأن الفعل للحال. وكذلك إن اعتمدت بها على مبتدأ أو شرط أو قسم فقلت: أنا إذن أكرمك، وإن تأتني إذن آتك، ووالله إذن لا أفعل. وقال كثير:

(1/443)


لئن عاد لي عبد العزيز بمثلها ... وأمكنني إذن لا أقيلها
وإذا وقعت بين الفاء والواو وبين الفعل ففيها الوجهان قال الله تعالى: " وإذن لا يلبثون " وقريء لا يلبثوا. وفي قولك أن تأتني آتك وإذن أكرمك ثلاثة أوجه الجزم والرفع والنصب.

(1/443)


الباب السابع عشر
حرف التعليل
كي:
يقول القائل: قصدت فلاناً، فتقول له كيمه؟ فيقول: كي يحسن إلي. وكيمه مثل فيمه وعمه ولمه، دخل حرف الجر على ما الإستفهامية محذوفاً ألفها ولحقت هاء السكت. واختلف في إعرابها، فهي عند البصريين مجرورة، وعند الكوفيين منصوبة بفعل مضمر، كأنك قلت: كي تفعل ماذا. وما أرى هذا القول بعيداً من الصواب.
وانتصاب الفعل بعد كي إما أن يكون بها نفسها أو بإضمار أن. وإذا دخلت اللام فقلت لكي تفعل فهي العاملة كأنك قلت لأن تفعل.
وقد جاءت كي مظهرة بعدها أن في قول جميل:
فقالت أكل الناس أصبحت مانحاً ... لسانك كيما أن تغر وتخدعا

(1/445)


الباب الثامن عشر
حرف الردع
كلا:
وهو كلا. قال سيبويه: هو ردع وزجر. وقال الزجاج كلا ردع وتنبيه، وذلك قولك: كلا لمن قال شيئاً تنكره نحو فلان يبغضك وشبهه أي ارتدع عن هذا وتنبه عن الخطأ فيه. قال الله تعالى بعد قوله: " ربي أهانني كلا ". أي ليس الأمر كذلك لأنه قد يوسع في الدنيا على من لا يكرمه من الكفار وقد يضيق على الأنبياء والصالحين للإستصلاح.

(1/447)


الباب التاسع عشر
اللامات
وهي لام التعريف، ولام جواب القسم، واللام الموطئة، ولام جواب لو ولولا، ولام الأمر، ولام الإبتداء، واللام الفارقة بين أن المخففة والنافية.
لام التعريف:
فأما لام التعريف فهي اللام الساكنة التي تدخل على الأسم المنكور فتعرفه تعريف جنس كقولك: أهلك الناس الدينار والدرهم، والرجل خير من المرأة، أي هذان الحجران المعروفان من بين سائر الأحجار وهذا الجنس من الحيوان من بين سائر أجناسه. أو تعريف عهد كقولك: ما فعل الرجل، وأنفقت الدرهم لرجل ودرهم معهودين بينك وبين مخاطبك. وهذه اللام وحدها هي حرف التعريف عند سيبويه، والهمزة قبلها همزة وصل مجلوبة للإبتداء بها كهمزة ابن واسم. وعند الخليل إن حرف التعريف أل كهل وبل وإنما استمر بها التخفيف للكثرة. وأهل اليمن يجعلون مكانها الميم، ومنه: ليس من أمبر امصيام في امسفر. وقال:

(1/449)


يرمي ورائي بإمسهم وإمسلمه
لام جواب القسم:
ولام جواب القسم نحو قولك: والله لأفعلن. وتدخل على الماضي كقولك: والله لكذب. وقال امرؤ القيس:
حلفت لها بالله حلفة فاجر ... لناموا فما إن من حديث ولا صالي
والأكثر أن تدخل عليه مع قد كقولك والله لقد خرج.
اللام الموطئة للقسم:
والموطئة للقسم هي التي في قولك: والله لئن أكرمتني لأكرمنك.

(1/450)


لام جواب لو ولولا:
ولام جواب لو ولولا نحو قوله تعالى: " لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا "، وقوله تعالى: " ولولا فضل الله عليكم ورحمته لاتبعتم الشيطان ". ودخولها لتأكيد إرتباط إحدى الجملتين بالأخرى. ويجوز حذفها كقوله تعالى: " لو نشاء لجعلناه أجاجا ". ويجوز حذف الجواب أصلاً كقولك لو كان لي مال وتسكت، أي لأنفقت وفعلت. ومنه قوله تعالى: " ولو أن قرآناً سيرت به الجبال "، وقوله تعالى: " لو أن لي بكم قوة ".
لام الأمر:
ولام الأمر نحو قولك: ليفعل زيد. وهي مكسورة ويجوز تسكينها عند واو العطف وفائه كقوله تعالى: " فليستجيبوا لي وليؤمنوا بي ". وقد جاء حذفها في ضرورة الشعر، قال:
محمد تفد نفسك كل نفس ... إذا ما خفت من أمر تبالا
لام الإبتداء:
ولام الإبتداء هي الام المفتوحة في قولك لزيد منطلق. ولا تدخل إلا على الإسم والفعل المضارع كقوله عز وجل: " لأنتم أشد رهبة " و" إن ربك

(1/451)


ليحكم بينهم ". وفائدتها تأكيد مضمون الجملة. ويجوز عندنا إن زيداً لسوف يقوم ولا يجوزه الكوفيون.
اللام الفارقة:
وللام الفارقة في نحو قوله تعالى: " إن كل نفس لما عليها حافظ " وقوله تعالى: " وإن كنا عن دراستهم لغافلين ". وهي لازمة لخبر إن إذا خففت.
لام الجر:
ولام الجر كقولك المال لزيد، وجئتك لتكرمني، لأن الفعل المنصوب بإضمار أن في تأويل المصدر المجرور والتقدير لاكرامك.

(1/452)


الباب العشرون
تاء التأنيث الساكنة
وهي التاء في نحو ضربت. ودخولها للإيذان من أول الأمر بأن الفاعل مؤنث. وحقها السكون ولتحركها في رمتا لم ترد الألف الساقطة لكونها عارضة، إلا في لغة رديه يقول أهلها رماتا.

(1/453)


الباب الحادي والعشرون
التنوين
أنواعه الخمسة:
وهو على خمسة أضرب: الدال على المكانة في نحو زيد ورجل، والفاصل بين المعرفة والنكرة في نحو صه ومه وايه، والعوض من المضاف إليه في نحو إذ وحينئذ ومررت بكل قائماً ولات أوان، والنائب مناب حرف الإطلاق في إنشاد بني تميم في نحو قول جرير:
أقلي اللوم عاذل والعتابن ... وقولي ان أصبت لقد أصابن
والتنوين الغالي في نحو قول رؤبة:

(1/455)


وقاتم الأعماق خاوي المخترقن
ولا يلحق إلا القافية المقيدة.
إلتقاء الساكنين:
والتنوين ساكن أبداً إلا أن يلاقي ساكناً فيكسر أو يضم كقوله تعالى: " وعذابن أركض " وقد قرىء بالضم. وقد يحذف كقوله:
فألفيته غير مستعتب ... ولا ذاكر الله إلا قليلاً
وقرىء: " قل هو الله أحد الله الصمد ".

(1/456)


الباب الثاني والعشرون
النون المؤكدة
هذه النون نوعان:
وهي على ضربين: ثقيلة وخفيفة. فالخفيفة تقع في جميع مواضع الثقيلة إلا في فعل الإثنين وفعل جماعة المؤنث تقول: اضربَنَّ واضربُنَّ واضربَنْ واضربُنْ واضربِنْ. وتقول اضربان واضربنان ولا تقول اضربان ولا أضربنان إلا عند يونس.
النون لتأكيد المستقبل:
ولا يؤكد بها إلا الفعل المستقبل الذي فيه معنى الطلب وذلك فيما كان قسماً أو أمراً أو نهياً أو استفهاماً أو عرضاً أو تمنياً كقولك: بالله لأفعلن، وأقسمت عليك إلا تفعلن، ولما تفعلن واضربن، ولا تخرجن، وهل تذهبين، وإلا تنزلن، وليتك تخرجن.
ولا يؤكد بها الماضي ولا الحال ولا ما ليس فيه معنى الطلب. وأما قولهم في الجزاء المؤكد حرفه بما: إما تفعلن قال الله تعالى: " فإما ترين من البشر أحداً فقولي ". وقال: " فإما نذهبن بك ". فلتشبيه ما بلام القسم في كونها مؤكدة. وكذلك قولهم: حيثما تكونن آتك ويجهد ما تبلغن وبعين ما أرينك. فإن دخلت في الجزاء بغير ما ففي الشعر تشببهاً للجزاء

(1/457)


بالنهي. ومن التشبيه بالنهي دخولها في النفي وفيما يقاربه من قولهم: ربما تقولن ذاك، وكثر ما يقولن ذاك. قال عمرو بن هند:
ربما أوفيت في علم ... ترفعن ثوبي شمالات
حذف النون المؤكدة:
وطرح هذه النون سائغ في كل موضع إلا في القسم فإنه فيه ضعيف، وذلك قولك: والله ليقوم زيد.
وإذا لقي الخفيفة ساكن بعدها حذفت حذفاً ولم تحرك كما حرك التنوين فتقول: لا تضرب ابنك. وقال:

(1/458)


لا تهين الفقير علك أن ... تركع يوماً والدهر قد رفعه
أي لا تهينن.

(1/459)


الباب الثالث والعشرون
هاء السكت
هاء السكت للوقف:
وهي التي في نحو قوله تعالى: " ما أغنى عني ماليه هلك عني سلطانيه ". وهي مختصة بحال الوقف، فإذا أدرجت قلت مالي هلك سلطاني خذوه. وكل متحرك ليست حركته إعرابية يجوز عليه الوقف بالهاء نحو: ثمة وليته وكيفه وأنه وحيهله وما أشبه ذلك.
هاء السكت يجب أن تكون ساكنة:
وحقها أن تكون ساكنة، وتحريكها لحن ونحو ما في إصلاح ابن السكيت من قوله:
يا مرحباه بحمار عفرا

(1/461)


و: يا مرحباه بحمار ناجيه
مما لا معرج عليه للقياس واستعمال الفصحاء، ومعذرة من قال ذلك أنه أجرى الوصل مجرى الوقف مع تشبيه هاء السكت بهاء الضمير.

(1/462)


الباب الرابع والعشرون
شين الوقف
وهي شين التي تلحقها بكاف المؤنث إذا وقف من يقول: اكرمتكش، ومررت بكش. وتسمى الكشكشة. وهي في تميم. والكسكسة في بكر، وهي الحاقهم بكاف المؤنث سيناً. وعن معاوية أنه قال يوماً: من أفصح الناس؟ فقام رجل من جرم، وجرم من فصحاء الناس فقال: قوم تباعدوا عن فراتية العراق، وتيامنوا عن كشكشة تميم، وتياسروا عن كسكسة بكر، ليست فيهم غمغمة قضاعة، ولا طمطمانية حمير. قال معاوية: فمن هم؟ قال. قومي.

(1/463)


الباب الخامس والعشرون
حرف الإنكار
حده:
وهو زيادة تلحق الآخر في الإستفهام على طريقين: أحدهما أن تلحق وحدها بلا فاصل كقولك أزيدنيه. والثاني أن تفصل بينها وبين الحرف الذي قبلها إن مزيدة كالتي في قولهم: ما إن فعل فيقال أزيدانيه.
لحرف الإنكار معنيان:
ولها معنيان: أحدهما إنكار أن يكون الأمر على ما ذكر المخاطب. والثاني إنكار أن يكون على خلاف ما ذكر كقولك لمن قال قدم زيد: أزيدنيه، منكراً لقدومه أو لخلاف قدومه. وتقول لمن قال غلبني الأمير: آلاميروه. قال الأخفش::كأنك تهزأ به وتنكر تعجبه من أن يغلبه الأمير. قال سيبويه وسمعنا رجلاً من أهل البادية قيل له أتخرج إن أخصبت البادية فقال أأنا إنيه منكراً لرأيه أن يكون على خلاف أن يخرج.
حركته:
ولا يخلو الحرف الذي تقع بعده من أن يكون متحركاً أو ساكناً. فإن كان متحركاً تبعته في حركته فتكون ألفاً وواواً وياء بعد المفتوح والمضموم والمكسور كقولك في هذا عمر أعمروه، وفي رأيت عثمان أعثماناه وفي

(1/465)


مررت بحذام أحذاميه، وإن كان ساكناً حرك بالكسر ثم تبعته كقولك أزيدنيه وأزيدانيه.
وإن أجبت من قال لقيت زيداً وعمراً قلت: أزيداً وعمرنيه، وإذا قال ضربت عمر قلت أضربت عمراه، وإن قال ضربت زيداً الطويل قلت أزيداً الطويلاه فتجعلها في منتهى الكلام.
وتترك هذه الزيادة في حال الدرج فيقال أزيداً يا فتى كما تركت العلامات في من حين قلت من يا فتى.

(1/466)


الباب السادس والعشرون
حرف التذكر
وهو أن يقول الرجل في نحو قال ويقول من العام قالا، فيمد فتحة اللام ويقولو ومن العامي إذا تذكر ولم يرد أن يقطع كلامه.
وهذه الزيادة في اتباع ما قبلها إن كان متحركاً بمنزلة زيادة الإنكار. فإذا سكن حرك بالكسر كما حرك ثمة ثم تبعته. قال سيبويه: سمعناهم يقولون إنه قدي وألي يعني في قد فعل. وفي الألف واللام إذا تذكر الحارث ونحوه. قال وسمعنا من يوثق به يقول هذا سيفني يريد سيف من صفة كيت وكيت.

(1/467)