الممتع الكبير في التصريف ص -137-
حُرُوفُ الزِّيادَة:
وأمَّا حروفُ1 الزيادة فعشَرةٌ، ويجمعها قولك:
أَمانٌ وتَسهيلٌ.
فإِن قيل: ولم سُمِّيَتْ حروفَ الزيادة، وهي قد تكون
أصولًا؟ فالجواب أنَّ المراد بذلك أنها الحروف التي لا
تكون الزيادةُ إِلَّا منها؛ ألا ترى أنه متى وُجِد حرفٌ في
كلمة زائدًا2 لا بدَّ أن يكون أحدَ هذه الحروف.
فإِن قيلَ: فهلّا زِدتُم في حروف الزيادة كافَ الخطاب،
التي في "تِلك" و"ذاك"3 ونحوهما، والشينَ اللاحقة للكاف
التي هي ضمير المؤنث في الوقف، نحو: أعطَيتُكِشْ
وأكرمتُكِشْ. فالجواب أنه لا يُتكلَّمُ في هذا الموضع، من
حروف الزيادة، إِلَّا فيما جعلتْه العرب كالجزء من الكلمة،
نحو همزة أحمر وتاء تَنضُب وأشباه ذلك؛ ألا ترى أنهما من
كمال الاسم، كالدال من "زيد"؟ لأنَّ هذا الضرب هو الذي
يُحتاج إِلى إِقامة الدليل على زيادته، لمشاكلته الأصلَ في
كونه من كمال البناء. فأمَّا ما لم تجعله كالجزء ممّا زِيد
معه فزيادته بيّنة، لا يُحتاج إِلى إِقامة دليل عليها.
فإِن قيل: فإِنَّ الكاف قد تُزاد على أنها من نفس الكلمة،
فيقال: هِندِيّ وهِندِكيّ، في معنى واحد. وهو المنسوب4 إلى
الهند. قال الشاعر5:
ومَقُرونةٍ, دُهْمٍ وكُمتٍ, كأنَّها
طَماطِمُ, يُوفُونَ الوِفارَ, هَنادِكُ
أي: منسوبون إلى الهند. فالجواب أن هِندِيًّا وهِندِكيًّا6
من باب سَبِط وسِبَطْر –أعني ممّا
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 الكتاب 2: 312 وشرح الشافية 2: 330-396.
2 م: زائد.
3 م: ذلك.
4 م: منسوب.
5 كثير عزة. ديوانه 2: 137 وسرّ الصناعة 1: 281 واللسان
والتاج "هند". يصف خيلًا. والطماطم: جمع طمطم. وهو الذي في
لسانه عجمة لا يفصح. ويوفي: يطيل. والوفار: جمع وفرة. وهي
الشعر المجتمع على الرأس. وفي النسختين: "الوفاز".
والوفاز: جمع وفزة. وهي المكان المرتفع.
6 م: هندًا.
ص -138-
تقارب فيه اللفظُ، والأصلُ مختلفٌ– لأنه لم
يثبت1 زيادة [18ب] الكاف في موضعٍ غيرِ هذا، فيُحملَ هذا
عليه.
فإِن قيل: فإِذا كان الأمرُ على ما ذكرتَ فلمَ أَوردوا في
حروف الزيادة اللّامَ الزائدةَ، في مثل "ذلك", والتاءَ
الزائدةَ للتأنيث، في مثل قائمة، وهما ليسا كالجزء مما
زيدا فيه؟ ألا ترى أنَّ "قائمًا"2 اسمٌ كامل دون التاء,
وكذلك "ذلك" اسمٌ كاملٌ دون اللّام؛ لأنك تقول: "ذاك"؟
فالجواب عن ذلك شيئان:
أحدُهما: أنَّ التاء الزائدة قد تكون، في موضع، من نفس
الكلمة3 نحو: عِفرِيت، وكذلك اللّام في نحو4: عَبْدلٍ5
وزَيدلٍ6. فإِن قيل: فإِنَّ اللام في عَبدلٍ ليست من كمال
الاسم؛ لأنك تقول: عَبْدٌ، وكذلك زَيدلٌ لأنك تقول: زَيدٌ.
فالجواب أنَّ الذي يقول عبدلًا وزيدلًا ليس "عبد" و"زيد"
عنده باسمين كاملين، بل هما بعضُ اسم، بدليل جعلهما حرفي
إعراب كالدال من "زيد"7. فلمَّا كانا من نفس الحرف في بعض
المواضيع ذُكرا مع حروف الزيادة.
والآخَرُ: أنَّ تاء التأنيث في مثل قائمة واللّام في مثل
"ذلك" بمنزلة ما هو من نفس الحرف. أمَّا تاء التأنيث
فلأنها قد صارت حرف إِعراب. وأيضًا فإِنك لو أسقطتها
لاختلَّت دلالة الاسم؛ لأنه كان يُعطي التأنيث، فإِذا
سَقطت منه لم يبقَ ما يدلُّ على التأنيث، وصار مدلول الاسم
شيئًا آخَر. وقد تلزم في بعض المواضع نحو: رَفاهِيَة8
وكَراهِيَة وطَواعِيَة، لا يجوز حذفها في شيء من ذلك.
وأمَّا اللّام فإِنها إِذا زيدت في اسم المشار صار اسم
الإِشارة يقع على البعيد، فإِذا أسقطتها منه اختلَّت9
دلالته التي كانت له مع اللّام، وصار يعطي القريب، نحو
"ذا".
فإِن قيل: فلمَ أوردوا فيها الهاء، وهي لا تُزاد إِلَّا
لبيانِ الحركة، فلم تتنزَّل منزلة الجزء مما زيدت فيه؟
فالجواب أنَّ المبرّد10 قد أخرجها لذلك من حروف الزيادة.
وسنُبيّن كونها من
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 م: لم تثبت.
2 م: قائم.
3 م: البناء.
4 سقط من م.
5 عبدل: عبد.
6 زيدل: زيد.
7 سقط "بدليل جعلهما حرفي إعراب كالدال من زيد" من م.
8 سقط من م.
9 م: اختلفت.
10 هو أبو العباس محمد بن يزيد، إمام في اللغة والأدب
والنحو، توفي سنة 285. البلغة ص250.
ص -139-
حروف الزيادة في فصل الهاء1 إِن شاء الله
[تعالى]2.
فتَبَيَّنَ أنَّ حروف الزيادة3، التي يجب أن تُورَدَ هنا،
إِنما هي العشَرةُ المتقدّمةُ الذّكر. وما عدا ذلك من
الحروف لا يزاد4 إِلَّا في التضعيف. فإِنَّ كلَّ حرف
يُضعَّفُ فإِنَّ أحدَ المُضعَّفينِ زائدٌ، ما لم تَقُم
الدَّلالةُ على أصالتهما5. وذلك بأن يؤدِّي جعل أحدهما
زائدًا إلى بقاء الكلمة على أقلِّ من ثلاثة أحرف، نحو:
ردّ، إذ لا بدَّ من فاء وعين ولام6. وسنُفرِد لذلك7 بابًا،
عقِبَ الفراغ من حروف الزيادة، وسنُبيِّن8 فيه أيُّ
الحرفين هو الزائد؟ فإِنَّ في ذلك خلافًا.
ولا يُزاد حرف من هذه الحروف إِلَّا:
للإِلحاق: نحو واو: كَوثَر.
أو لمعنى: نحو حروف المُضارَعة9.
أو للإِمكان10: نحو همزة الوصل –فإِنها زيدت ليُتوصَّلَ
بها إِلى النطق بالساكن- ونحو الهاء المزيدة، فيما كان من
الأفعال على حرف واحد، في الوقف، نحو: فِهْ، وعِهْ. فإِنه
لا يمكن النُّطق بحرف واحد، إذ لا أقلَّ من حرفٍ يُبتدأ
به، وحرفٍ يوُقَفُ عليه.
أو لبيان الحركة: في نحو
{سُلطانِيَهْ}11.
أو للمَدّ12: نحو: كِتاب وعَجُوز13 وقَضِيب. وإِنّما زيدت
هذه الحروف، ليزول معها قَلَقُ اللسان بالحَركات المجتمعة،
أو ليزولَ معها اجتماع الأمثال في نحو: شَدِيد. وممّا14
يدلّ على أنهم قد يزيدون الحرف، للفصل بين المثلين، قولُهم
في جمع قَردَدٍ: "قَرادِيد" في فصيح
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 م: "فالجواب أنها قد تزاد على أنها من نفس الكلمة في غير
الوقف. وسنبين ذلك في فصل الهاء". وانظر المقتضب 1: 56 تر
خلاف ما ذكر المؤلف.
2 من م.
3 م: الزوائد.
4 م: لا تزاد.
5 ف: أصالته.
6 سقط "وذلك بأن... ولام" من م.
7 في الورقة 28. م: وسيبين ذلك.
8 م: ونبين.
9 في حاشية ف بخط أبي حيان: هو أقوى الزوائد. وانظر
الارتشاف 1: 94.
10 في ف والمبدع: لإمكان.
11 الآية 29 من سورة الحاقة.
12 في حاشية ف بخط أبي حيان: هذا أضعف الزوائد.
13 له معان كثيرة تبلغ الثمانين. انظر اللسان والتاج: عجز.
14 سقط حتى بيت الفرزدق من م.
ص -140-
الكلام. ولا تفعل [العربُ] ذلك فيما ليس في
آخره مِثلانِ، إِلَّا في الضرورة، نحو قوله1:
[تَنفِي يداها الحَصَى، في كُلِّ هاجِرةٍ]
نَفْيَ الدّراهِمِ تَنقادُ الصَّيارِيفِ
أو للعِوَض: نحو تاء التأنيث في: زنادقة. فإِنها عِوَضٌ من
ياء زَناديق2.
أو لتكثير الكلمة: نحو أَلف: قبَعْثرًى3، ونون
"كَنَهْبُل"4؛ لأنه لا يمكن فيهما الإِلحاق، إذ ليس لهما
من الأصول نظير يلحقان به. وإِذا5 أمكن أن تجعل الزيادة
لفائدة كان أولى من حملها على التكثير, إِذ لا فائدة في
ذلك. فلذلك جعلنا الحرف الزائد في كلمة لها نظير، قد قابل
الحرفَ الزائدَ منها حرفٌ أصليٌّ من ذلك النظير للإِلحاق
[19أ]، إِلَّا أن يمنع من ذلك مانع.
وقد6 تقدَّم ما يُعلم به أنَّ الحرف مُلحَق في الأفعال،
عند ذكر الأفعال. وأمَّا في الأسماء فإِذا كان المزيد منها
في مقابله حرف أصليّ، من بناء آخر على وَفق7 البناء الذي
فيه الحرف الزائد، قضيت عليه بأنه للإِلحاق، إِلَّا أن
يكون ذلك الحرف ألفًا غيرَ آخِر، أو ياء أو واوًا حركةُ ما
قبلَهما من جنسهما، نحو: قَضِيب وعَجُوز، أو ميمًا أو همزة
في أوّل كلمة.
أمَّا الألف فإِنها لم يُلحَق بها حشوَ الكلمة؛ لأنها لو
جعلت للإِلحاق لم تكن إِلَّا منقلبة، كما أنَّ ألف الأصل
لا تكون إِلَّا منقلبة. فإِذا قدَّرتها منقلبة لم يخلُ من
أن يكون الحرف الذي انقلبتْ عنه ساكنًا أو متحرّكًا. فلا
يُتصوَّر أن يكون ساكنًا، إِذا لا موجب لإِعلاله. ولا
يُتصوَّر أن يكون متحركًا؛ لأنه يؤدّي إِلى تغيّر الملحق
عن بناء ما أُلحق به، وذلك لا يجوز. ولذلك احتملوا ثقل
اجتماع المثلين في قَردْدَ ولم يدغموا، لئلّا يتغيَّر عن
بناء ما أُلحق به، وهو جَعْفَر، فلا يحصل الغرض الذي قُصد
به، من تصيير الملحق على وفق الملحق به في الحركات
والسَّكنات وعدد الحروف. وأمَّا إِذا كانت طرفًا فيُتصور
الإِلحاق بها؛ لأنها إِذ ذاك تُقدَّر منقلبة عن حرف
متحرّك. ولا يكون ذلك تغييرًا لبناء الملحق عن أن يكون على
مثال ما أُلحق به؛ لأنَّ حركة الآخر ليست من البناء.
وأمَّا الياء المكسورُ ما قبلها والواو المضمومُ ما قبلها
فأُجرِيا في منع الإِلحاق بهما مُجرَى
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 الفرزدق. ديوانه ص570 والكتاب 1: 10.
2 م: زنديق.
3 القبعثرى: الجمل الضخم العظيم.
4 الكنهبل: شجر عظام.
5 م: ومهما.
6 سقط من م حتى "لم يدغم مثل قردد". وانظر الورقة 15.
7 في حاشية ف: وفق بالفتح لا غير.
ص -141-
الألف، لشبههما بها في الاعتلال والمدّ.
وأمَّا الهمزة والميم أوّلًا فلم يُلحق بهما؛ لأنَّ العرب
قد عزمت على زيادتهما أوّلًا، إذا كان بعدهما ثلاثة أحرف
أصول، إِلَّا فيما شذّ، على ما يُبيَّنُ في موضعه1. فلمّا
عزموا على ألَّا يكونا أصلين لم يستعملوهما في ذينك
الموضعين للإِلحاق؛ لأنَّ في ذلك تقريبًا لهما من الأصول،
وتنزيلًا لهما منزلتها، فيكون ذلك نقضًا لِما اعتزموه من
زيادتهما. وممّا يُبيِّنُ لك أنهما ليسا للإَلحاق وجودُ
"أشدّ" و"مَفَرّ" في كلامهم، والأصل "أَشْدَد" و"مَفْرَر".
فلو كانا للإِلحاق لم يُدغما كما لم يُدغم مثل قَرْدَد2.
فإِن قال قائل3: ولأيّ شيء خَصُّوا هذه الأحرف العشرة
بالزيادة، من بين حروف المعجم؟ فالجواب أنَّ أُمَّهاتِ هذه
الزوائد، والذي4 هو زائد منها بحقّ الأصالة، الواو والياء5
والألف، لكثرة دورها في الكلام واستعمالها؛ ألا ترى أنه لا
تخلو كلمة منها أو من بعضها. أعني الحركاتِ: الضَّمَّة
والكسرةَ والفتحةَ؛ لأنَّ الضَّمَّة بعضُ الواو، والكسرةَ
بعضُ الياء، والفتحةَ بعضُ الألف؟ ولمّا كانت أُمَّهاتِ
الزوائد لذلك كانت أكثر الحروف زيادةً، على ما يُبيَّن
بعدُ6، إِن شاء الله.
وأمَّا الهمزة والتاء والميم7 والنون فزِيدَت لشبَهِها
بحروف العِلَّة:
أمَّا الهمزة فشبَهُها بحروف العِلَّة من جهة كثرة
تغييرها، بالتسهيل والحَذف والبَدل.
وأمَّا التَّاء فأشبهت الواو من جهة تقارب مخرجيهما. ولذلك
أُبدِلَت منها في مثل: تُراث وتُكأة؛ لأنهما من: وَرِثتُ
وتَوكّأتُ.
وأمَّا الميم فمضارِعةٌ للواو أيضًا. من جهة تقاربهما في
المخرج، ومضارعةٌ لحروف العِلَّة كلِّها، من جهة الغُنَّةِ
التي فيها، الشبيهةِ باللِّين الذي في حروف العِلَّة؛
لأنَّ الغُنَّة فضلُ صوت في الحرف كما أنَّ اللِّين كذلك.
وأمَّا النُّون فأشبَهتْ أيضًا حروفَ العِلَّة، من جهة
الغُنَّة التي فيها.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 في الورقتين 21 و22.
2 ينتهي ههنا الخرم في م.
3 م: فان قيل.
4 سقطت الواو من ف.
5 ف: الياء والواو.
6 في الورقة 27.
7 م: والميم والتاء.
ص -142-
ولمّا كانت هذه الحروف قريبة الشبه من حروف
العِلَّة كانت تليها في كثرة الزيادة، على ما يُبيَّنُ
بعدُ، إِن شاء الله تعالى.
وأمَّا السين واللّام والهاء فإِنها زِيدت لشَبَهها
بالحروف المشبَّهة بحروف العِلَّة1:
أمَّا اللّام فمُشْبِهةٌ للنُّونِ، من حيثُ تَستطيلُ في
مخرجها حتّى تلحقَ بمخرج النون، على ما يُبيَّنُ في
الإِدغام.
وأمَّا السين2 فإِنها تُشبه التاء، لهمسها [19ب] وتقارب
مخرجيهما.
وأمَّا الهاء فمُشْبِهةٌ للهمزة، من جهة تقارب مخرجيهما؛
لأنهما من حروف الحلق.
ولمّا كانت هذه الحروف لم تُشْبِه حروف العِلَّة، بل
أَشبهت المُشبَّه بها، لم تجئ مزيدةً إِلَّا في ألفاظ
محفوظة، وأماكنَ مخصوصة لا تتعدّاها. فهي أقلُّ الحروف
زيادة لذلك.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 م: "لحروف". ف: زيدت لشبهها بالحروف المشبهة بحروف
العلة.
2 م: التاء.
ص -145-
ذكر الأماكن التي تزاد فيها هذه
الحروف:
باب اللّام:
أمَّا اللّام1 فإِنها تُزاد في: "ذلِك" و"تِلك"،
بفتح التاء وكسرها، و"تالِك" و"أُولالِك" و"هُنالِك".
والدليل على زيادتها في هذه الأشياء قولُهم في معناها: ذاك
وتِيك وأُولاك2 وهُناك.
وتُزاد أيضًا في عَبْدلٍ وفي زَيدلٍ وفي فَحْجَلٍ3.
فالدليل على زيادتها في زيدل أنَّ معناه "زيد"، وكذلك
أيضًا عبدل4 دليلُ زيادةِ لامِه كونُه في معنى "عَبْد".
وزعم أبو الحسن5 أنَّ معنى عبدل: عبد الله. فعلى هذا تحتمل
هذه اللّام أن تكون زائدة على "عبد" من "عبد الله". ويحتمل
أن تكون هذه اللّام من "الله" فيكون عَبْدَلٌ على هذا
اسمًا مركَّبًا من "عبد" و"الله"، كما فعلوا ذلك في عبد
الدار وعبد قيس، فقالوا: عَبْدَرِيٌّ وعَبْقَسِيٌّ. فلا
تكون اللّام على هذا زائدةً، بل هي بعض اسم. إِذ لو
جعلناها زائدة لوجب أن تكون الراء من عَبْدَرِيّ والقاف من
عَبْقَسِيّ زائدتين، والراء والقاف ليسا من حروف الزيادة.
وأمَّا فَحْجَلٌ فالدليل على زيادة لامه أنه في معنى
الأَفحَج.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 في حاشية ف بخط أبي حيان عن ابن القطاع أن اللام تزاد
ثانية في قِلْفع –وهو ما تشقق من الطين- وثالثة في هَمْلع
للسريع، ورابعة في عبدل ونهشل، وخامسة في خفنجل –وهو
الأفحج- وسادسة في شَراحِيل. وتزاد في "ذلك" وهنالك"، وفي
الفعل جحفلته أي: قلبته، وادلهمّ الليل من الدهمة. وانظر
الارتشاف 1: 108-109.
2 م: "أولئك". وانظر المنصف 1: 165. وقال أبو حيان: وليس
بجيد؛ لأنها ليست في بنية الكلمة. الارتشاف 1: 108.
3 الفحجل والأفحج: المتباعد الفخذين. وفي حاشية ف بخط أبي
حيان عن ابن مالك: وفي هِدمِل. وهو الثوب الخلق.
4 م: عبدل أيضًا.
5 الأخفش: الأوسط.
ص -146-
وحكى1 عليُّ بن سليمان، عن أبي العباس
المبرّد، أنه كان يقول: العَثْوَلُ2: الطويل اللحية. وهو
مأخوذ من قولهم: ضِبْعانٌ أَعثَى، وضَبُعٌ [عَثواءٌ]، إِذ
كانا كثيرَيِ [الشَّعر] وكذلك يقال للرجل والمرأة. فاللّام
من عَثْوَلٍ زائدة [كما] أَنها في فحجل كذلك.
فأمَّا فَيشَلةٌ3 وهَيقَلٌ4 وطَيسَلٌ5 فيمكن أن تجعل
اللّام فيها6 زائدةً؛ لأنه يقال "فَيْشةٌ" في معنى
فَيشَلة، و"هَيقٌ" في معنى هَيقَل7، و"طَيسٌ" في معنى
طَيسَل. ويمكن أيضًا أن تجعل اللّام أصليَّةً والياء
زائدة؛ لأنَّ زيادة الياء أوسعُ من زيادة اللّام، فتكون
هذه الألفاظ متقاربة وأُصولُها مختلفة، نحو: ضَيَّاط8
وضَيطار9، وسَبِط وسِبَطْر؛ ألا ترى أنَّ الراء لا تزاد،
وأنَّ ضَيَّاطًا وضَيطارًا، وسَبِطًا10 وسِبَطْرًا،
متقاربةٌ وأصولُها مختلفة؟
ولا يُحمل زيدل إِلَّا على زيادة اللّام؛ لأنَّ استعمال
زيد أكثر من استعمال زيدل. فدلَّ ذلك على أنَّ زيدًا هو
الأصل، وأن اللّام زائدة.
وكذلك فَحْجَلٌ وعَبْدَلٌ اللّام فيهما زائدة، ولا
يجعلأنَّ من ذوات الأربعة، ويجعلُ عبد وأفحج من ذوات
الثلاثة، فيكونَ من باب: ضَيَّاط وضَيطار؛ لأنَّ عبدًا
وأفحج هما الأصلان، لكثرة استعمالهما وقلّة عبدل وفحجل.
فأمَّا فَيشةٌ وفَيْشلةٌ وهَيقٌ وهَيقَلٌ وطَيسٌ وطَيسَلٌ،
فكلّ واحد من هذه الألفاظ قد كَثُرَ استعماله. فلذلك ساغ
تقديرُ كلّ واحد منهما أصلًا بنفسه.
وزعم محمّد بن حَبيب أنَّ اللّام من عَنْسَلٍ11 زائدة؛
لأنه في معنى عَنْس. والصحيح ما
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 سقط من النسختين حتى قوله "في فحجل كذلك". وألحقه أبو
حيان بحاشية ف. وهو بخلاف يسير في التاج "عثل". وعنه
أثبتنا الكلمات المخرومة. وعلي بن سليمان هو أبو الحسن
الأخفش الأصغر، أخذ عن ثعلب والمبرد وتوفي سنة 315. بغية
الوعاة 2: 167.
2 انظر الكامل ص469.
3 الفيشلة: رأس الذكر.
4 الهيقل: الظليم. وفي حاشية ف بخط أبي حيان عن كتاب
الجماهير لقطرب أن أبا عبيدة خالف الخليل وزعم أن اللام
زائدة، والصواب أن الياء هي الزائدة.
5 الطيسل: الكثير من كل شيء.
6 م: فيهما.
7 م: يقال فيشه وهيق في معنى هيقل وفيشلة.
8 الضياط: الرجل الغليظ.
9 الضيطار: الرجل الغليظ الضخم اللئيم.
10 سقط من م.
11 العنسل: الناقة السريعة. ومحمد بن حبيب لغوي نحوي
إخباري. توفي سنة 245. بغية الوعاة 1: 73.
ص -147-
ذهب إِليه سيبويه1، من أنَّ لامه
أَصليَّةٌ، وأنه مشتقّ من العَسَلأنَّ –وهو عدو الذئب-
والنون زائدة؛ لأنَّ زيادة النون أَسهلُ من زيادة اللّام،
واشتقاقُهُ واضح لا تكلُّفَ فيه.
وأمَّا ازلَغَبَّ2 الفَرخُ أي: زَغَّبَ3. فلامه أصليَّة؛
لأنَّ "ازلغبَّ" في معنى "زَغَّبَ"3 كثيرُ الاستعمال،
فينبغي أن يُجعل أصلًا بنفسه4، ولا تُجعل اللّام زائدة،
لقلّة زيادة اللّام. وبالجملة فإِنَّ "ازلغَبَّ" فِعْلٌ،
ولا تُحفَظ5 زائدة في فعل.
فهذه جملة6 الألفاظ التي زيدت اللّام فيها.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 الكتاب2: 350.
2 ازلغب: شوَّك ريشه قبل أن يسودّ.
3 ضبطت الغين في ف بالفتح مشددة، والكسر معًا.
4 م: برأسه.
5 أي: اللام.
6 سقط من م.
ص -148-
باب الهاء:
أمَّا الهاء فتُزاد لِبيان الحركة، في نحو:
فِهْ، وارمِهْ1، وزعم أبو العبَّاس2 أنها لا تُزاد في غير
ذلك. ولذلك لم يجعلها من الحروف الزوائد كما تقدَّم3.
والصحيح أنها تُزاد في غير ذلك، إِلَّا أنَّ ذلك قليلٌ
جدًّا. فالذي زِيدت فيه من غير ذلك: أُمَّهَةٌ4 وهِجْرَعٌ
وهِركَولةٌ وهِبْلَعٌ5 وأَهْراقَ وأَهْراحَ الماشِيةَ.
أمَّا أُمَّهة ففيها خلاف، فمنهم من جعل الهاء فيه6
زائدةًَ، ومنهم من جعلها أصليَّةً. فالذي [20أ] يجعلها7
زائدة يستدلُّ على ذلك بأنها في معنى الأُمّ. قال8:
أُمَّهَتي خِندِفُ والياسُ أَبِي
أي: أُمّي. إِلَّا أنَّ الفرق بين أُمَّهة وأُمّ أنَّ
"أُمَّهة" إِنما تقع في الغالب على مَن يَعقل، وقد تُستعمل
فيما لا يَعقل. وذلك قليل جدًّا، نحو قوله9:
قَوَّالُ مَعرُوفٍ, وفَعَّالُهُ
عَقَّارُ مَثنَى, أُمَّهاتِ الرِّباعِ
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 في حاشية ف بخط أبي حيان أن هذه الهاء ليست من بنية
الكلمة، فينبغي ألا تعد في حروف الزيادة انظر الارتشاف 1:
106.
2 كذا. ومثله ف ص138 وسر الصناعة. وجاء في اللسان والتاج
"أمم" خلاف ذلك.
3 انظر ص138 والمقتضب 1: 56.
4 م: "أمههْ" وفي حاشية ف بخط أبي حيان أن الهاء زيدت
للفرق بين من يعقل ومن لا يعقل، وعن ابن مالك أن الهاء
زائدة في سلهب، وعن ابن القطاع أنها تزاد أولًا... انظر
الارتشاف 1: 107.
5 م: هجرع.
6 كذا بتذكير الضمير.
7 ف: جعلها.
8 قصيُّ بن كلاب. شرح الملوكي ص203 وشرح الشافية 2: 283
وشرح شواهده ص301-308 والأمالي 2: 305 والسمط ص950 والعيني
4: 565 والمزهر 1: 179 والخزانة 3: 306 والجمهرة 3: 267
واللسان والتاج "أمم".
9 السفاح بن بكير. شرح اختيارات المفضل ص1363 وشرح الملوكي
ص202 ورصف المباني ص402 وسر الصناعة 2: 565. ومثنى أي:
اثنتين اثنتين. والرباع: ما نتج في أول النتاج.
ص -149-
و"أُمّ" يقع في الغالب على ما لا يَعقل،
وقد يقع على العاقل، نحو قوله1:
لَقَد وَلَدَ الأُخَيطِلَ أُمُّ سَوءٍ
على بابِ اسْتِها صُلُبٌ وشامُ
وممّا يدلّ أيضًا، على زيادة الهاء2 في "أُمَّهَة"، قولهُم:
أُمٌّ بَيِّنةُ الأُمومة، بغير هاء. ولو كانت أصليَّةً
لثَبَتَتْ في المصدر.
والذي يجعلها أصليَّةً يستدلّ على ذلك بما حكاه صاحب
"العَين"3، من قولهم: تأمَّهْتُ أُمًّا. فتأمَّهتُ:
"تَفَعَّلْتُ" بمنزلة "تَنبَّهتُ"، مع أنَّ زيادة الهاء
قليلة جدًّا، فمهما أمكن جعلها أصليَّة كان ذلك أولى فيها.
والصحيح أنها زائدةٌ؛ لأنَّ الأُمُومة حكاها أئمّة اللغة.
وأمَّا "تأمَّهتُ" فانفرد بها صاحب العين. وكثيرًا4 ما
يأتي في كتاب "العَين" ما لا يَنبغي أن يُؤخذ به، لكثرة
اضطرابه وخلله.
وأمَّا هِجْرَعٌ وهِبْلَعٌ وهِرْكَولةٌ فزعم أبو الحسن
أنَّ الهاء فيها زائدة، واستدلّ على زيادتها بالاشتقاق.
فأمَّا هِجْرَعٌ فهو الطويل، فكأنه مأخوذٌ من الجَرَع. وهو
المكان السهل المنقاد. وأمَّا الهِبْلَعُ فالأَكُول، ففيه
معنى البَلع. وأمَّا الهِرْكَولةُ فهي التي تَركُلُ في
مِشيتها. فالهاء فيها5 زائدة. وبعض العرب يقول هِرَّكْلةٌ
وهُرَكِلةٌ. وينبغي أن تجعل الهاء فيها أصليَّة6.
والصحيح أنَّ الهاء في هِبْلَع زائدةٌ، لوضوح اشتقاقه من
البلع. وأمَّا هِجْرَع فوجه الجمع بينه وبين الجَرَع ليس
له ذلك الوضوح الذي لهِبْلَع. فينبغي أن تجعل الهاء
أصليَّة، وألَّا تُجعل من لفظ الجَرَع.على أنَّ أحمد بن
يحيى قد حكى: هذا أَهْجَرُ من هذا، أي: أَطوَلُ منه7.
فيحتمل أن يكون من لفظ هِجْرَع، وحُذِفت لامه8. ويكون في
قولهم "أَهجَرُ من كذا" دلالةٌ على أصالة الهاء.
وأمَّا الهِرْكَولة فقد حكى أبو عُبيدة أنها الضَّخمةُ
الأوراكِ. فعلى هذا تكون الهاء أصليَّةً، إِذ لا اشتقاق
يقضي بزيادة الهاء؛ لأنه على هذا ليس مأخوذًا من "رَكَلَ".
فإِذا ثَبَتَ أنَّ الهاء في هِركَولة
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 جرير. ديوانه ص515. والصلب: جمع صليب. والشام: جمع شامة.
2 م: ومما يدل على زيادة الهاء أيضًا.
3 انظر العين والمحكم والقاموس واللسان والتاج "أمه".
4 م: وكثير.
5 م: فيه.
6 في حاشية ف بخط أبي حيان عن المحكم لابن سيده أن الهاء
أصلية, ورجل هراكل: ضخم جسيم،
7 سقط من م. وانظر مجالس ثعلب ص457 حيث زاد: وأحسن.
8 يريد: اللام الثانية، أي: العين.
ص -150-
أصليَّة، عند من يجعله واقعًا على الضخمة1
الأوراك، فكذلك ينبغي أن يُجعل2، إِذا وقع على المرأة التي
تركل في مِشيتها، وألَّا يُجعل ذلك مشتقًّا من "رَكَلَ"،
بل اسم للمرأة التي تركل في مِشيتها، إِذ قد3 ثَبَتَتْ
أصالتها في موضع.
وكذلك هُلَقِمٌ من قول الراجز4:
هُلَقِمٌ يأكُلُ أَطرافَ النُّجُدْ
ينبغي أن تكون الهاء فيه زائدة؛ لأنه من اللَّقم. إِلَّا أنه
لا ينبغي أن يُجعل مستدرَكًا على سيبويه؛ لأنه لا يُحفظ في
نثر. وأمَّا هِبْلَعٌ فينبغي أن يُجعل من الفوائت.
وأمَّا أهْراقَ، وأهْراحَ الماشيةَ، فإِنَّ الهاء فيهما5
زائدة؛ لأنهما في معنى: أَراقَ وأَراحَ.
فإِن قيل: إِنَّما ينبغي أن يُجعل هذا من البدل؛ لأنَّ
قياس6 قول سيبويه7 في أَسْطاعَ: "إِنَّ السين عِوَضٌ من
ذَهاب حركة العين" أن يكون الأمر في "أَهْراقَ"
و"أَهْراحَ" كذلك. فالجواب أنه ينبغي أن يُجعل8 ذلك في باب
البدل من وجه، وفي باب الزيادة من وجه. وسنُبيِّنُ9 ذلك في
فصل10 السين، إِن شاء الله تعالى.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 م: الضخم.
2 ف: يحمل.
3 في النسختين: "إذ وقد". وكذلك في ص329. وانظر ص204 و225
و430.
4 سر الصناعة ص570 واللسان والتاج "هلقم". وفي حاشية ف بخط
أبي حيان أن الهاء زائدة في هِلقام وهزَنبَر وهمتُع. انظر
الارتشاف 1: 107.
5 م: فيها.
6 سقط من م.
7 الكتاب 1: 8.
8 م: يورد.
9 م: وسيبين.
10 كذا. والصواب: باب.
ص -151-
باب السين:
وأمَّا السين فتُزاد1 في "استَفْعَلَ" وما
تَصَرَّف منه2، من مضارع واسم فاعل واسم3 مفعول ومصدر.
وتزاد4 أيضًا في الوقف؛ لتبيين كسرة الكاف من المؤنَّث، في
لغة بعض العرب، نحو: مَرَرْتُ بِكِسْ، وأَكرَمْتُكِس5.
وزيادتها في هذين المكانين بيِّنةٌ، لا يُحتاج إلى إِقامة
دليل عليها. أمَّا في الوقف فلكونها لم تجعل كالجزء ممّا
دخلت عليه، فبانت لذلك زيادتها. وأمَّا في "استَفعَلَ"
فلكونه أبدًا مبنيًّا من فعل ثلاثيّ، فبانت لذلك زيادتها
[20ب]، لوضوح ردّها إِلى الثلاثيّ غير المزيد.
وأمَّا6 "استَخَذَ فلانٌ" من قول العرب: استَخَذَ فلأنَّ
أرضًا، ففي ذلك قولان:
أَحدهما: أنه يجوز أن يكون في الأصل "اتَّخَذَ" وزنه
"افتَعَلَ" من قوله تعالى7: "لَتَخِذْتَ8 عَلَيهِ أَجرًا"،
ثمّ أَبدلوا السين من التاء الأولى التي هي فاء [الكلمة]9،
كما أَبدلوا التاء من السين في سِتّ؛ لأنَّ أصلها "سِدْسُ"
بدليل قولهم: أسداس. فلمّا أبدلوا التاء من السين، فقالوا
"سِدْتٌ"، أدغموا الدال في التاء. وإِنَّما جاز ذلك؛ لأنَّ
السين والتاء مهموسان، فجاز إِبدال كلّ واحد منهما من
الآخر، بسبب ذلك.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 في حاشية ف بخط أبي حيان عن ابن القطاع مواضع زيادة
السين، وهي في الارتشاف 1: 106.
2 انظر سر الصناعة 1: 209-214. وفي حاشية ف بخط أبي حيان
أن تعبير ابن عصفور غير جيد؛ لأنَّ المصدر هو الذي تصرفت
منه الأفعال والمشتقات.
3 ف: أو اسم فاعل أو اسم.
4 سقطت الواو من م.
5 في حاشية ف بخط أبي حيان: "وبعضهم يزيد الشين. وهو شاذ".
وفي الارتشاف أن ذكر هذا في الزيادة غير جيد لأنه لم يدخل
بنية الكلمة.
6 م: فأما.
7 الآية 78 من سورة الكهف.
8 قراءة أبي عمرو وابن كثير. انظر التبيان 7: 76. م:
لتّخذت.
9 من م. وفي سر الصناعة: فاء افتعل.
ص -152-
والآخر: أن يكون أصله "استَتْخَذَ" على وزن
"استَفعَلَ" من "تَخِذَ" أيضًا، فحُذِفت التاء الثانية
التي هي فاء الفعل استثقالًَا للمثلين، كما حذفوا التاء
الأُولى من "اتَّقَى" كراهيةً لاجتماع المثلين أيضًا1،
فقالوا: "تَقَى يَتْقِي". قال الشاعر2:
تَقُوهُ, أَيُّها الفِتيانُ, إِنِّي
رأيتُ الله قَد غَلَبَ الجُدُودا
يريد: اتّقُوه. فعلى هذا تكون السين زائدة. وعلى الأول تكون
بدلًا من أصل.
والصحيح من هذين القولين عندي الثاني؛ لأنه قد ثَبَتَ حذف
إحدى التاءين لاجتماع المثلين في "تَقَى", وباطّراد إِذا
كانت المحذوفة زائدة في مثل "تَذَكَّرُ" و"تَفَكَّرُ"،
تُريد:3 تَتَذكَّرُ وتَتَفكَّرُ. ولم يثبت إِبدال السين من
التاء، بل ثَبَتَ عكسه. والبدل في مثل هذا ليس بقياس،
فيقالَ به حيث لم يُسمع. فلذلك كان الوجه الثاني أحسن
الوجهين عندي؛ لأنَّ فيه الحملَ على ما سُمع مثله.
وأمَّا "أَسْطاعَ"4 فالسين عند سيبويه فيه عِوَض من ذَهاب
حركة العين منها. وذلك أنَّ أصله "أَطْوَعَ"، فنُقِلتْ
فتحة الواو إِلى الطاء فصار "أَطَوْعَ"، ثمّ قُلبت الواو
ألفًَا لتحرّكها في الأصل وانفتاح ما قبلها في اللفظ، ثمّ
زيدت السين عوضًا من ذهاب الحركة في العين –وهي الواو-
بجعلها على الفاء. وقد تَعقَّبَ المبرّدُ ذلك على سيبويه،
فقال: إِنَّما يُعوَّضُ من الشيء إذا فُقِدَ وذَهبَ.
فأمَّا إِذا كان موجودًا في اللفظ فلا. وحركة العين التي
كانت في الواو موجودة في الطاء.
والذي ذهب إِليه سيبويه صحيحٌ. وذلك أنَّ العين لمّا
سَكنتْ تَوهَّنتْ لسكونها، وتَهيَّأت للحذف عند سكون
اللّام. وذلك في نحو: لم يُطِعْ وأَطِعْ وأَطَعْتُ. ففي
هذا كلّه قد حُذِفَتِ العينُ لالتقاء الساكنين. ولو كانت
العين متحرّكةً لم تُحذف5، بل كنتَ تقول: "لم يُطْوِعْ"
و"أَطْوِعْ" و"أَطْوَعْتُ". فزيدت السينُ لتكونَ عوضًا من
العين متى حُذِفَت. وأمَّا قبل حذف العين فليست بعِوَضٍ،
بل هي زائدة. فلذلك ينبغي أن يجعل "أَسْطاعَ" من قَبيل ما
زيدت فيه السين، بالنظر إِليه قبل الحذف. ومن جعل "أسْطاع"
من قَبيل ما السينُ فيه عِوَضٌ فبالنظر إلى الحذف.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 أغفل سقوط همزة الوصل لتحرك ما بعدها.
2 خداش بن زهير. النوادر ص4 والمنصف 1: 290 وسر الصناعة 1:
210 وإصلاح المنطق ص28 والعيني 2: 371. والجدود: جمع جد.
وهو الحظ.
3 م: يريد.
4 الكتاب 1: 8. وفي حاشية ف بخط أبي حيان عن كتاب "اللباب"
أن في هذه الكلمة خمس لغات [هي في الارتشاف 1: 106] وأن
السين زائدة في أسطاع.
5 م: "لما حذفت". وكذلك عبارة سر الصناعة.
ص -153-
وكذلك الأمر في "أَهْراقَ" و"أَهْراحَ".
أعني: من أنه يَسوغ أن تُورَدا1 في العِوَض بالنظر إِليهما
بعد الحذف، وفي الزيادة بالنظر إِليهما2 قبل الحذف.
فإِن قيل: فإِن سيبويه قد جعل السين عِوَضًا من ذهاب حركة
العين، لا كما3 ذهبتَ إِليه من أنها عِوَض متى ذهبت4
العين. فالجواب عن ذلك5 شيئان:
أَحدهما: أنه يمكن أن يكون أراد بقوله "مِن ذَهابِ الحركة"
أي: زادوا من أجل ذهابِ حركةِ العين؛ لأنَّ زيادة السينِ
لتكون مُعدَّة للعِوَضيَّة إِنّما كان من أجل ذَهابِ حركةِ
العين؛ لأنَّ ذهاب حركة العين هو الذي أَوجب حذف العين عند
سكون اللّام.
والآخر: أن يكون جَعلَ السين عِوَضًا من ذهاب حركة العين،
وإن كانت إنما هي عِوضٌ من العين في بعض المواضع6؛ لأنَّ
السبب في حذف العين إِنّما هو ذَهاب الحركة. فأقام
السَّببَ مَقام المُسبَّب. وإقامة السبب مَقامَ المُسبَّبِ
كثيرٌ جدًّا.
وقال الفرَّاء: شَبَّهُوا "أَسْطَعتُ" بـ"أَفعَلتُ". فهذا
يدلّ من كلامه7 على أنَّ أصله "اِسْتَطَعتُ". فلمّا
حُذِفَتِ التاء بقي على وزن "اِفعَلتُ"، ففُتِحتِ [21أ]
الهمزة وقُطِعتْ. وهذا الذي ذهب إِليه غيرُ مَرضيّ؛ لأنه
لو كان بقاؤه على وزن "اِفعَلتُ" بعد حذف التاء يوجب قطع
همزته لما قالوا "اِسطاع" بكسر الهمزة وجعلها للوصل.
واطّرادُ ذلك عندهم وكثرتُه يدلّ على فساد مذهبه.
فإِن قيل: ما ذهب إليه سيبويه من8 زيادة السين لتكون
مُعدّة للعِوَض، لم يثبت. فينبغي أن يحمل "أسطاعَ" على ما
ذهب إِليه الفرّاء. قيل: قد ثَبَتَ أنَّ العرب تزيد غير
السين لذلك في "أَهْراقَ" و"أَهْراحَ"، فيُحمل "أسْطاع"
على ذلك. وأمَّا قطع همزة الوصل؛ لأنَّ اللفظ قد صار على
وزن ما همزته همزةُ قَطعٍ، فلم يستقرَّ في موضع من
المواضع9.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 م: تورد.
2 م: إليها.
3 م: العين كما.
4 م: حذفت.
5 م: هذا.
6 م: في موضع من المواضع.
7 سقط "من كلامه" من م.
8 زاد في م: أنَّ.
9 في حاشية ف بخط أبي حيان عن "إيجاز التعريف" لابن مالك
أنه تحتمل زيادة السين في ضُغبُوس –وهو صغير القثاء- لقول
العرب: ضَغِبتِ المرأة. والزيادة في قدموس بمعنى قديم
أظهر.
ص -154-
باب الهمزة:
الهمزة1 لا يخلو أن تقع أوَّلًا أو غير أوّل.
فإِن وقعت غيرَ أوّل قُضي عليها بالأصالة، ولا يحكم عليها
بالزيادة إِلَّا أن يقوم على ذلك دليل. وذلك أنَّ الهمزة
إِذا وقعت غير أوّل، فيما عُرف له اشتقاق أو تصريف، وُجِدت
أصليَّة، ولم تُوجد زائدة إِلَّا في ألفاظ يسيرة. وهي:
شَمْأَلٌ وشأْمَلٌ2 بدليل قولهم: شَمَلَتِ الريحُ. ولو
كانت الهمزة أصليَّةً لقالوا "شَأمَلَتْ"و3 "شَمْأَلَتْ".
وجُرائضٌ4؛ لأنهم قالوا5 في معناه: جِرْواضٌ.
وحُطائطٌ؛ لأنه الصغير المَحطُوط عن قَدره المعتاد.
وقُدائمٌ؛ لأنه في معنى: قديم.
والنَّئْدُلانُ6؛ لأنهم يقولون في معناه: النَّيدُلان.
قال7:
نِفْرِجةُ الهَمِّ, قَلِيلُ ما النَّيلْ
يُلقَى علَيهِ النَّيدُلانُ, باللَّيلْ8
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 انظر سر الصناعة 1: 121-134 والكتاب 2: 343-344. وفي
حاشية ف بخط أبي حيان عن ابن القطاع مواضع زيادة الهمزة من
الأسماء والأفعال. وانظر الارتشاف 1: 94.
2 الشمأل والشأمل: ريح الشمال.
3 م: أو.
4 في حاشية ف بخط أبي حيان أن الجرائض: الجمل الشديد
الضخم.
5 م: بدليل قولهم.
6 في حاشية ف: يقال: نَيدَُلان.
7 حريث بن زيد الخيل. شرح شواهد الإيضاح ص623 ورصف المباني
ص331 وشرح الملوكي ص148 وسر الصناعة 1: 125 والمنصف 1: 106
واللسان والتاج "ندل" و"فرج". والنفرجة: الجبان الضعيف.
وفي النسختين: "قليل النيل". وألحقت "ما" بحاشية ف بخط أبي
حيان. وفيها أيضًا بخطه عن "المحكم": رجل نِفرِج...
والنفرج: القصّار.
8 م: "تفرجة". وفي حاشية ف بخط أبي حيان: ويقال تفرجة
بالتاء، وعن صاحب "سفر السعادة" زيادة الهمزة في رئبال،
وفي غِرقئ عن أبي إسحاق أيضًا، وعن أبي زيد زيادة الهمزة
في شِئزارة للسيئ الخلق.
ص -155-
والنَّيدلان هو الذي يُسمَّى الكابوسَ.
وضَهْيأٌ؛ لأنهم يقولون في معناه: ضَهْياءُ. وحروف ضَهْياء
الأصولُ إِنما هي الضاد والهاء والياء، فكذلك ضَهْيأٌ
المقصور. وأيضًا فإِنَّ الضهيأ: المرأة التي لا تحيض،
وقيل: التي لا ثدي لها. فهو على هذا مشتق من "ضاهيَتُ" أي:
شابَهتُ1. قال تعالى2: "يُضاهُونَ قَولَ الَّذِينَ
كَفَرُوا مِن قَبْلُ". فالهمزة على هذا زائدة.
وزعم الزَّجَّاجُ أنه يجوز أن تكون همزة ضَهيأ أيضًا
أَصليَّةً، وياؤه زائدة، ويكون مشتقًّا من "ضاهأتُ" أي3:
شابَهتُ؛ لأنه يقال: ضاهَيتُ وضاهأتُ4. وهو أولى به؛ لأنَّ
أصالة الهمزة غيرَ أوّل أكثرُ من زيادتها. فيكون ضهياء
الممدود عنده من "ضاهيَتُ" أي: شابَهتُ، وضَهيأ المقصور من
"ضاهأتُ".
وهذا الذي ذهب إِليه حسن من طريق الاشتقاق، إِلَّا أنه
يبقى في ذلك إِثباتُ بناءٍ لم يستقرَّ في كلامهم. وذلك
أنَّ الهمزة إذا جُعلت أصليَّة والياء زائدة كان وزن
الكلمة "فَعْيَلًا"5. وذلك بناء غير موجود في كلامهم،
إِلَّا أن يكون مكسور الفاء، نحو: طِرْيَم6 وحِذْيَم7.
فإِن قلتَ: وكذلك أيضًا جَعْلُ الهمزة زائدةً يؤدّي إلى
بناءٍ غير موجود، وهو "فَعْلأ"؛ ألا ترى أنه لم يجئ منه
إِلَّا ضَهيأ المختلَفُ فيه، والمختلَف فيه لا يُجعل
حُجَّة؟ فإِذا كان جعلها زائدة أو أصلًا يؤدّي إلى بناء
غير موجود فالأصالة8 أولى؛ لأنها أكثر. فالجواب أنَّ
"فَعْلأً" و"فَعْيَلًا"9، وإِن كانا بناءين معدومين. ينبغي
أن يُحمل منهما على "فَعْلأ"؛ لأنَّ "فَعْيلًا" يظهر منهم
اجتنابه؛ ألا ترى أنه إِذا جاء في كلامهم كسروا أوَّلَه
نحو: حِذْيَم وطِرْيَم؟ ولم يظهر منهم ذلك في "فَعْلأ"؛
لأنهم لم يجتنبوا "فَعْلأً" كما فعلوا ذلك بـ"فَعْيَل".
فثَبَتَ إِذًا أنَّ الذي ينبغي أن يُدَّعَى فيه أنه
"فَعْلأ"10، ويكون من الأبنية التي جاءت في
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 فوقها في ف: شبهت.
2 الآية30 من سورة التوبة. وهذه قراءة عامة قراء الحجاز
والعراق. تفسير الطبري 14: 207.
3 سقط حتى "ضاهيت أي" من م.
4 وزعم بعض الكوفيين والبغداديين أن ضهيأ وزنها فعلل. فهي
رباعية وليس فيها زيادة. انظر تهذيب الألفاظ ص368.
5 م: فيعلًا.
6 الطريم: الطويل.
7 والحذيم: الحاذق.
8 م: فالأصل له.
9 م: فيعلًا.
10 في حاشية ف بخط أبي حيان أن الهمزة زائدة في احبنطأ
البطن أي: عظم، لقولهم: حَبِطَ بطنُه أي: انتفخ. عن ابن
برّيّ.
ص -156-
كلامهم مفردة، لا ثاني لها. وأيضًا فإِنَّ
الاستدلال على زيادة همزة ضهيأ بضهياء الممدودة، أو ما في
معناها، أولى من الاستدلال بشيء آخر خِلافها. وهو
"ضاهأتُ". فلذلك كان هذا المذهب باطلًا.
فهذه جملة ما جاءت فيه الهمزة زائدةً غيرَ أوّل.
فأمَّا1 العأْلَم والخأْتَم وتأبَلٌ2 وأمثالها فالهمزة
فيها بدل من الألف، ولم تُزَد فيها الهمزة ابتداءً. فينبغي
[21ب] أن تُذكر في باب البدل.
فلمّا قلَّت زيادة الهمزة غيرَ أوّل وجب القضاء على ما لم
يُعرف أصله، ممّا الهمزة فيه غيرُ أوّل، بالأصالة، نحو:
السَّأسَم3 واطمأنَّ وبُرائل4، وأمثال ذلك.
فإِن وقعتْ أوَّلًا فلا يخلو أن يكون بعدَها5 حرفان أو
أزيَدُ. فإِن كان بعدها حرفان خاصَّةً كانت أصلًا، إِذ لا
بدَّ من الفاء والعين واللام. وذلك نحو: أَخَذَ وأَكَلَ
وأَمَرَ.
وإِن كان بعدها أزيد من حرفين فلا يخلو أن يكون بعدها
أربعة أحرف مقطوع بأصالتها فصاعدًا، أو ثلاثةٌ، أو اثنانِ
مقطوعٌ بأصالتهما، وما عداهما مقطوعٌ بزيادته، أو محتمِلٌ
للزيادة والأصالة.
فإِن كان بعدها أربعة أحرف مقطوع بأصالتها فصاعدًا كانت
أصلًا. وذلك نحو: إِصطَبل وإِبرَيْسَم6 وإِبراهيم
وإِسماعيل؛ ألا ترى أنَّ الصاد والطاء والباء من "إصطبل"
مقطوعٌ بأصالتها؛ لأنها ليست من حروف الزيادة؟ وكذلك
اللّام لأنَّ المواضع التي تزاد فيها محصورة كما تَقَدَّم7
وليس "إِصطبل" منها. وكذلك الباء8 والراء والسين والميم من
إِبريسم، والباء والراء والهاء والميم من إِبراهيم9،
والسين والميم والعين واللّام من إِسماعيل. جميع ذلك أصل
مقطوع بأصالته.
وإِنَّما قُطِع بأصالة الهمزة في مثل هذا؛ لأنَّ بنات
الأربعة فصاعدًا لا تلحقها الزيادة من أَوَّلها
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 م: وأما.
2 التأبل: الفحا كالكمون والكسبرة ونحوهما.
3 السأسم: شجر.
4 البرائل: الديك.
5 ف: ما بعدها.
6 الابريسم: الحرير. وضبطت في ف بكسر الراء وفتحها معًا.
7 انظر ص145-147.
8 م: الياء.
9 في حاشية ف بخط أبي حيان عن المهاباذي أن همزة إبراهيم
أصل، وتصغيره أُبَيرِه، وجعلها البغداديون زائدة.
ص -157-
أصلًا، إِلَّا الأفعالَ نحو: تَدَحرجَ،
والأسماءَ الجارية عليها نحو: مُدَحرج. فلمّا كانت هذه
الأسماء وأمثالُها ليست من قبيل الأسماء الجارية على
الأفعال قُطِعَ بأنَّ الهمزة في أوّلها أصل.
وإِن كان بعدها ثلاثة أحرف مقطوع بأصالتها قُطعَ بأنها
زائدة. وذلك نحو: أفكَلٍ1، همزته زائدة. وإِنَّما قضينا
عليها بالزيادة لأنَّ كلَّ ما عُرف اشتقاقه من ذلك فالهمزة
فيه زائدةٌ، نحو: أَحمر وأَصفر وأَخضر2، وأمثال ذلك؛ ألا
ترى أنها مشتقَّة من الحُمرة والصُّفرة والخُضرة؟ فلمّا
كانت كذلك فيما عُرف اشتقاقه حُمِلَ ما جُهِلَ اشتقاقه على
ما عُلم، فقُضِي بزيادة الهمزة فيه.
وإِن كان بعدها حرفان مقطوع بأصالتهما، وما عداهما مقطوع
بزيادته، كانت الهمزة أصلًا إذ لا بدَّ من الفاء والعين
واللّام، كما تقدَّم. وذلك نحو: آخِذٍ3 وآمِرٍ4؛ ألا ترى
أنَّ الألف مقطوع بزيادتها، وأنَّ الخاء والذال من آخِذٍ5،
والميم والراء من آمِرٍ، مقطوع بأصالتها6؟ فلذلك كانت
الهمزة أصلًا فيهما وفي أمثالهما.
فإِن كان بعدها حرفان مقطوع بأصالتهما، وما عداهما محتمل
للأصالة7 والزيادة، قُضي على الهمزة بالزيادة، وعلى ما
عداها ممّا يحتمل الأصالة والزيادة بأنه أصليّ. وذلك نحو
أءبين8 والألف من إشْفًى9 وأَفعًى. فإِنك، وإِن لم يكن معك
اشتقاقٌ ولا تصريف، تقضي بزيادة الهمزة وأصالة ما عداها.
وذلك [أنَّ]10 إِشْفى11 وأَبْيَن وأَفعى وأمثال ذلك
الهمزةُ في جميع ذلك زائدة، والياء من أبْيَن والألف من
إِشفًَى12وأفعًى أصلان.
وإِنَّما قُضِي بزيادة الهمزة في مثل هذا لأنَّ جميعَ ما
ورد من ذلك ممّا له اشتقاقٌ، الهمزةُ فيه زائدة وما عداها
أصلٌ، نحو قوله: هو أَغوَى منه وأَضوَأُ منه و"أَيدَعٌ"13؛
لأنَّ "أَغوَى" من الغَيّ، و"أضوأ" من الضَّوء، ويقولون:
يَدَّعتُهُ14.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 الأفكل: الرعدة. وفي حاشية ف بخط أبي حيان: ولا اشتقاق
له.
2 ف: وأخضر وأصفر.
3 م: أخذ.
4 م: أمر.
5 م: أخذ.
6 في النسختين: بأصالتهما.
7 م: يحتمل الأصالة.
8 كذا في النسختين، وفوقه في ف: "معًا". فهو يقال بالكسر
ويقال بالفتح. وهو اسم رجل من حمير.
9 الإشفى: المخرز. م: أشقى.
10 سقط من النسختين.
11 م: أشقى.
12 م: أشقى.
13 الأيدع: صبغ أحمر. وقيل: هو الزعفران.
14 م: "يدعنه". وفي حاشية ف: "صبغته بالزعفران". وانظر
المنصف 1: 100.
ص -158-
وكذلك جميع ما عُرف له اشتقاق من هذا النوع
همزته زائدة، وما عداها أصليّ، إِلَّا ألفاظًا قليلة شذَّت
من هذا النوع. وهي: أَولَقٌ1 وإِمَّعةٌ وأَيصَرٌ2
وأَرْطًى3 [وأَيطَل]4. فلذلك حملنا ما ليس له اشتقاق، نحو:
أَفعًى وإِشفًى وأبْيَن، على الأكثر فقضينا بزيادة الهمزة.
فإِن قيل: فما الدليل على أصالة الهمزة، في هذه الألفاظ
الخمسة؟5 فالجواب [22أ] أنَّ الذي يدلّ على أصالة الهمزة
في أيصر أنهم يقولون في جمعه: إِصار، بإِثبات الهمزة وحذف
الياء. فدلّ على أصالة الهمزة وزيادة الياء. ولا يمكن أن
تُجعلَ هذه الهمزة بدلًا من ياء، فكيونَ أصله "يِصار"، ثمّ
أُبدلت الهمزة من الياء؛ لأنَّ الياء لا تُبدل همزةً في
أوَّل الكلام.
والذي يدلُّ على أَصالة الهمزة في إِمَّعة أنك لو جعلتها
زائدة لكان وزنها "إِفعَلة" و"إِفْعَلةٌ" لا يكون صفة
أصلًا، إِنما يكون اسمًا غير صفة نحو: إِشفًى وإِنفَحة6.
فدلَّ ذلك على أنَّ همزتها أصليَّةٌ، ويكون وزنها7
"فِعَّلةً"؛ لأنَّ "فِعَّلة" في الصفات موجود نحو: رَجلٌ
دِنَّبةٌ8. وأيضًا فإِنك لو جعلت همزة إِمَّعة زائدة لكانت
إِحدى الميمين منه فاء، والأخرى عين، فيكون من باب
دَدَنٍ,9 وهو قليل جدًّا. أعني أن تكون الفاء والعين من
جنس واحد. فلمّا كان جعل الهمزة زائدةً10 يؤدّي إِلى
الدخول في هذا الباب القليل، وإِلى إِثبات مثال في الصفات
لم يستقرَّ فيها، قُضي بأصالة الهمزة.
وأمَّا أَرطًى فالدليل على أصالة الهمزة [فيه] قولهم:
أَديمٌ مأروطٌ، أي: مدبوغ بالأرطى، فإِثبات الهمزة في
مأروط وحذف الألف دليل11 على أصالة الهمزة وزيادة الألف.
وحكى أبو عُمَرَ12 الجَرميّ: أديمٌ مَرْطِيٌّ. فالهمزة على
هذا زائدة، والألف أصل.
وأمَّا أَولَقٌ فالذي يدلّ على أصالة الهمزة [فيه]، وزيادة
الواو، قولهم: أُلِقَ الرَّجلُ، إذا أصابه
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 الأولق: الجنون. وانظر المنصف 1: 113-118.
2 الأيصر: الحشيش.
3 الأرطى: نبات يدبغ به.
4 سقط من النسختين. وانظر التعليقة التالية وص160.
5 فوقها في ف عن نسخة أخرى "الأربعة". وانظر ص160.
6 الإنفحة: شيء يخرج من بطن الجدي الرضيع أصفر، يعصر في
صوفة مبتلة في اللبن، فيغلظ كالجبن. وضبطت في ف بتخفيف
الحاء وتشديدها معًا، وسقطت من م.
7 سقط من م.
8 الدنبة: القصير. م: دنمة.
9 الددن: اللهو واللعب.
10 سقط من م.
11 م: دلالة.
12 صالح بن إسحاق، فقيه لغوي نحوي بصري توفي سنة 225. بغية
الوعاة ص268. م: أبو علي.
ص -159-
الأَولق. فقولهم "أُلِقَ"، بإِثبات الهمزة
وحَذْفِ الواو، دليلٌ على أصالة الهمزة وزيادة الواو.
فإِن قيل: فلعلّ هذه الهمزة بدل من الواو، والأصل
"وُلِقَ"، نحو قولهم في "وُعِدَ الرَّجلُ": أُعِدَ.
فالجواب أنه لو كان من قبيل "أُعِد" لقالوا: وُلِقَ، كما
يقولون: وُعِدَ. فالتزامهم الهمزة في "أُلق" دليل على أنها
أصل. وأيضًا فإنهم قالوا: رَجلٌ مألوقٌ. ولو كانت الهمزة
زائدة لقالوا "مَولوقٌ" بالواو. ولا يُتصوَّرُ أن تُقدَّرَ
الهمزة في مألوق بدلًا من الواو؛ لأنَّ مثل هذه الواو لا
تُقلب همزة. وسيُبيَّنُ ذلك في البدل1.
وزعم الفارسيُّ أنَّ أَولقًا2 يحتمل ضربين من الوزن:
أحدهما ما قدَّمناه من أنه "فَوعَل" وهمزته أصل، من:
تألَّقَ البَرقُ. والآخر3 أنه "أَفعَل" وهمزته زائدة. من:
وَلَقَ إِذا أسرع؛ لأنَّ الأَولق: الجنون. وهي توصف
بالسرعة.
فإِن قيل: فكيف أجاز ذلك، مع قولهم: أُلِقَ ومألوقٌ؟
فالجواب أنه يَجعل الهمزة منهما4 بدلًا من الواو، والأصل
"وَلِقَ" و"مولوقٌ"، ويَجعل هذا من قَبيل البدل اللَّازم،
فتكون الواو من "وُلِقَ" لمَّا أُبدلت همزةً لانضمامها
أُجريت هذه الهمزة مُجرى الأصليَّة، فقالوا: مألوقٌ.
فيكون ذلك نظير قولهم: عِيدٌ وأَعيادٌ؛ ألا ترى أنَّ
عِيدًا من "عادَ يَعُودُ"، وأنَّ الأصل فيه "عِوْدٌ"،
فقُلبت الواو ياءً لسكونها وانكسار ما قبلها، فقيل: عِيدٌ؟
وكان يَنبغي إذا جمعنا أن نقول في جمعه "أَعواد" بالواو،
لزوال الموجب لقلب الواو ياءً، كما قالوا في جمع رِيح
"أَرواح" بالواو، لزوال موجب قلبها ياءً في "ريح"، وهو
سكونها وانكسار ما قبلها. قال5:
تَلُفُّهُ الأرواحُ, والسُّمِيُّ
إِلَّا أنهم لمّا أَبدلوا الواو ياءً في "عِيد" أَجروا هذه
الياء مُجرى الأصليَّة.
إِلَّا أنَّ هذا النوع من البدل –أعني اللَّازم- قليلٌ،
وأصالة الهمزة أيضًا إذا وقعت أوَّلًا في مثل هذا قليل،
فتكافأ الأمران عنده، فلذلك أجاز الوجهين.
والصحيح أنَّ الأولق6 همزته أصليَّة، ولا ينبغي أن يُحمل
على باب عِيد وأعياد؛ لأنَّ مثل
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 في الورقة 34.
2 ف: "أولق". وفي الحاشية بخط أبي حيان عن ابن مالك إجازة
الضربين من الوزن.
3 نسب ابن جني هذا المذهب في الخصائص 1: 9 إلى أبي إسحاق
الزجاج. وانظر ص 41.
4 م: فيهما.
5 العجاج: ديوانه ص69 والصحاح واللسان والتاج "سمو".
الأرواح: جمع ريح. والسمي: جمع سماء. وهي المطر.
6 م: أولق.
ص -160-
هذا الباب قد سُمع فيه الأصل، فتقول: عِيدٌ
وأَعوادٌ. ولم يقولوا "وُلِق"1 ولا "مَولوقٌ", في موضع من
المواضع. فلذلك وَجب حمل أَولقٍ على أن همزته أصليَّة.
ويجوز أيضًا في أَولقٍ أن يكون "فَوعَلًَا"، عند من يجعله
مشتقًّا من "وَلَقَ". ويكون أصله "وَوْلَقًا" [22ب]،
فأُبدلت الواو الواحدة همزة، ولزم على قياس كلّ2 واوين
يجتمعان في أوَّل الكلمة3. إِلَّا أنَّ الأَولى. عند من
يجعله4 مشتقًّا من "وَلَق"، أن تكون الهمزة زائدة، ويكون
وزنه "أَفْعَل"5؛ لأنَّ "أَفْعَل" أكثرُ من "فَوعَل".
وأيضًا فإِن الهمزة ينبغي أن يُوقَفَ فيها مع الظاهر، ولا
يُدَّعَى أنها مُبدلةٌ من الواو.
وأمَّا6 أَيطَلٌ فالذي يدلّ على أصالة همزته، وزيادة يائه،
قولهم في معناه: إطْل. فيحذفون الياء ويثبتون الهمزة. ولو
كانت الهمزة هي الزائدة لقيل: يِطْلٌ، بالياء. ولا يمكن أن
يُدَّعى أنَّ الهمزة بدل من الياء، لما ذكرناه من أنَّ
الياء لا تُبدل همزة أوَّلًا7.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 م: وَلق.
2 م: على كل قياس.
3 م: أول كل كلمة.
4 م: يجعلها.
5 ف: أفعلًا.
6 سقطت بقية الباب من م. وفي حاشية ف بخط أبي حيان سقط من
هنا إلى آخر الباب في نسخة الخفَّاف والخزرجيّ.
7 في حاشية ف بخط أبي حيان: بلغت المقابلة مع شيخنا الرضي.
ص -161-
باب الميم:
الميم1 لا تخلو أن تقع أوّلًا أو غير أوّل. فإِن
وقعت غيرَ أوَّلٍ قُضِي عليها بالأصالة. وذلك أنها إِذا
وقعت غير أوَّل، فيما يُعرفُ له اشتقاق، وُجِدت أصليَّةً.
نحو: شأمل وكريم وأمثالهما، ممَّا لا يُحصى كثرةً؛ ألا ترى
أنَّ شأمَلًا ميمُه أصليَّةٌ، بدليل قولهم: شَمَلتِ
الريحُ، وأنَّ كريمًا كذلك؛ لأنه من الكَرَم؟ ولم توجد
زائدة إِلَّا في أماكن محصورة، تُحفَظُ ولا يُقاس عليها،
وهي:
دُلامِصٌ ودُمالِصٌ بمعنى بَرَّاق. قال2 الأعشى3:
إِذا جُرِّدَتْ يَومًا حَسِبتَ خَمِيصةً
علَيها وجِريالَ النَّضِيرِ, الدُّلامِصا4
أي: البَرَّاق. وقد تُحذَف الألفُ منهما تَخفيفًا، كما تُحذف
من عُلابِط5، فيقال: دُلَمِصٌ ودُمَلِصٌ. والدليل على
زيادة الميم فيهما أنهما مشتقان من الدَّليِص. وهو
البريق6.
وقُمارِصٌ؛ لأنه يقال: لَبنٌ قُمارِصٌ، بمعنى: قارِص.
وسُتْهُمٌ7 وزُرْقُمٌ8 وفُسْحُمٌ9؛ لأنها من الزُّرقة
والأستَهِ والفُسحة.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 انظر الكتاب 2: 340 و352. وفي حاشية ف بخط أبي حيان عن
ابن القطاع مواضع زيادة الميم في الاسم والفعل. انظر
الارتشاف 1: 96-97.
2 ف: وقال.
3 ديوانه ص108. والخميصة: كساء معلم شبه شعرها به.
والجريال: لون الذهب. والنضير: الذهب.
4 ف: "النضار". وقد صوبت في الحاشية كما أثبتنا.
5 العلابط: اللبن الخاثر الغليظ المتلبد.
6 م: البرق. وفي حاشية ف بخط أبي حيان أن سيبويه أغفل
قمارصأ وستهمًا، وأن الفارسي جعل الميم فيهما زائدة وأجاز
زيادة الهمزة والنون في شئذارة، وأن جذعمة وردت في حديث
للإمام علي، وفيها الميم زائدة، على قول القاسم بن سلام.
والجذعمة: الصغير لم يبلغ الحلم. انظر ص274 من ابن عصفور
والتصريف.
7 انظر المنصف 1: 150-151. والستهم: العظيم الاست.
8 الزرقم: الشديد الزرقة.
9 الفسحم: الواسع الصدر.
ص -162-
وضِرْزِمٌ ودِرْدِمٌ ودِلْقِمٌ ودِقْعِمٌ
وحُلْكُمٌ1 وخِضْرِمٌ؛ لأنَّ دِردِمًا2 من الأدْرَد، وهو
الذي تكسَّر أسنانه. والحُلكُم: الشديدُ السوادِ. فهو من
الحُلكة. وهي السواد. والدِّقعِم: الترابُ. فهو من
الدَّقعاء. والدِّلقِم: الناقة التي تكسَّرت أَسنانها
فاندلق لسانها ولُعابها. ولذلك قالوا: سيف دَلُوق، إِذا
كان لا يثبت في غمده. والضِّرزِم بمعنى الضِّرِزّ. وهو
الشديد البخيل. وخِضرِم: البحر، سُمِّي بذلك لخُضرته3.
وخَدْلَمٌ4 وشَدْقَمٌ وشَجْعَمٌ؛ لأنَّ خَدلمًا بمعنى
"خَدلةٍ". قال5:
لَيسَتْ بِرَسحاءَ, ولكِنْ سُتهُمِ
ولا بِكَرواءَ, ولكِنْ خَدلَمِ
والشَّدْقَمُ بمنزلة الأشدقِ. وهو العظيم الشِّدق.
والشَّجعَمُ لتأكيدهم به الشُّجاعَ، في مثل قوله6:
الأُفعوانَ, والشُّجاعَ, الشَّجْعَما
فهو من لفظه وفي معناه.
وزيدت أيضًا في7 المضمرات، في: أنتما وأنتُم وقُمتما
وقُمتُمُ وضَربَكما وضَربكمُ، وهما وهمُ، علامةً على تجاوز
الواحد، ثمّ لحقت بعد ذلك الألفُ علامةً على التثنية،
والواو علامةً على الجميع.
والدليل على زيادتها في ذلك أنه8 قد تقرَّر أنَّ ما قبل
الميم اسم، إِذا9 لم تُرِدِ التثنيةَ ولا الجمعَ.
وزيدت، من الأفعال، في: تَمَسكَنَ وتَمَدرَعَ10
وتَمَندَلَ11 وتَمَنطَقَ12 وتَمَسلَمَ وتَمَولَى علينا
ومَرْحَبَك الله ومَسَهلَكَ13 وقد حُكِي: مَخرَقَ
وتَمَخرَقَ، وضعَّفهما ابن كَيسانَ14.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ضبط في م بكسر الحاء والكاف هنا وفيما يلي.
2 الدردم: الناقة المسنة.
3 سقط تفسير الخضرم من م.
4 الخدلم: الغليظة الساق المستديرتها والممتلئة الأعضاء.
5 المنصف 3: 25 ورصف المباني ص307 وسر الصناعة ص432
والصحاح واللسان والتاج "كرو" و"خدل" و"زلل" واللسان
والتاج "زرق". والرسحاء: القليلة لحم الألية والفخذين.
والكرواء: الدقيقة الساقين والذارعين. وقال ابن بري:
"صوابه أن ترفع قافيته". اللسان "كرو".
6 خرجناه في شرح اختيارات المفضل ص546.
7 الأنسب أن تكون "من". انظر الفقرة التالية.
8 سقط من م.
9 م: إذ.
10 تمدرع: لبس المدرعة.
11 تمندل: تمسح بالمنديل. وفي حاشية ف بخط أبي حيان عن ابن
مالك: وقالوا في معنى تمندل: تَنَدَّلَ.
12 تمنطق: شد على وسطه النطاق أو المنطقة.
13 كلمة ترحيب.
14 هو أبو الحسن محمد بن أحمد، نحوي أخذ عن المبرد وثعلب،
وتوفي سنة320. معجم الأدباء 17: 141.
ص -163-
والصحيح أنَّهما لم يثبتا من كلام العرب1.
والدليل على زيادتها في الأفعال أنَّ "تمسكنَ" من لفظ
المِسكين، والميم في مِسكين زائدة. وكذلك "تمدرعَ" من لفظ
المِدرعة، والميم في المِدرعة أيضًا زائدة. وأيضًا فإِنَّ
أكثر كلام العرب: تَسكَّنَ وتَدَرَّعَ. و"تَمَندَلَ" من
المِنديل، والميم في المِنديل زائدة. و"تَمَنطَقَ" من
النِّطاق. و"تَمَسلََمَ" أي: صار يُدعَى مَسلَمة2 بعد أن
كان يدعى بخلاف ذلك. فهو من لفظ مَسلَمة، والميم في مَسلمة
زائدة. وكذلك "تَمَولَى علينا" أي: تَعاظَم علينا. فهو من
لفظ المولَى، والميم في المولَى زائدة. و"مرحَبك الله
ومَسهلَك" من الرُّحْبِ والسَّهلِ.
وزعم بعض النحويِّين أنَّ الميم في هِرماس وضُبارِم
وحُلقُوم وبُلعُوم وسَرْطَم وصَلْقَم [23أ] ودُخْشُم
وجُلْهُمة زائدةٌ؛ لأنَّ هِرماسًا من أسماء الأسد. وهو
يوصف بأنه هَرَّاس؛ لأنه يَهرس فريسته. وضُبارِم: الأسد
الوثيق. فهو من الضّبْرِ. وهو شدَّة الخَلْق. والحُلقوم من
الحَلق. والبُلعوم: مجرى الطعام في الحلق. فهو راجع لمعنى
البَلع. والسَّرْطَم: الواسعُ السريعُ الابتلاع. فهو من
السَّرْط وهو الابتلاع. والصَّلْقَم: الشديد الصُّراخ. فهو
من الصَّلْق؛ لأنَّ الصَّلْق: الصِّياح. ودُخْشُم
وجُلْهُمة: اسمان علَمان. فأمَّا دُخْشُم فمشتقٌّ من"دَخِش
يَدخَشُ، إِذا امتلأ لحمًا3. وأمَّا جُلهُمة فمن جَلْهة4
الوادي. وهو ما استقبلك منه.
وينبغي عندي أن تُجعل الميم في هذا كلِّه أصليَّةً؛ وذلك
لأنَّ زيادة الميم غير أوَّلٍ قليلةٌ، فلا ينبغي أن يُذهب
إِليها، إِلَّا أن يقود5 إِلى ذلك دليلٌ قاطع. وليست هذه
الألفاظ كذلك.
أمَّا هِرماسٌ فهو من أسماء الأسد، وليس بصفة مشتقَّة6 من
الهَرْسِ. فلعلَّه اسمٌ مُرتَجلٌ، وليس مشتقًّا من شيء،
إِذ قد يُوجد من الأسماء ما هو بهذه الصفة. أعني: ليس
بمشتق من شيء.
وكذلك الأمر في دُخشُم وجُلهُمة؛ لأنهما اسمان علَمان،
والأعلام قد يكون فيها المرتجل، وإِن كان أكثرها ليس كذلك.
وأمَّا ضُبارِم فقد يكون بمعنى: جَرِيء. يقال: رجلٌ
ضُبارمٌ، أي: جريء على الأعداء. فلعلَّ
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 انظر المنصف 1: 130.
2 كذا. والمشهور أنه يدعى مُسلِمًا. المنصف 1: 108 واللسان
والتاج "سلم".
3 في النسختين: غمًا.
4 م: "جلهمة". وانظر المنصف 1: 151.
5 م: يقوم.
6 ف: فتشتقه.
ص -164-
الأسد الوثيق وُصف بضبارم لجرأته، فلا يكون
على هذا مشتقًّا من الضَّبر؛ لأنَّ الضبر لا يكون بمعنى
الجرأة.
وأمَّا الحُلقوم فليس أيضًا بصفة مشتقَّة من لفظ الحَلْق،
فيلزم أَن تكون الميم زائدة. بل هو اسم، فيمكن أن يكون
بمعنى الحلق، وتكون ذاته مخالفةً لذات حَلق، فيكون من باب
سَبِط وسِبَطر، لا سيما وقد قالوا: حَلقمَهُ حَلقَمةً،
إِذا قطع حُلقومَه. فأثبتوا الميم في تصريفه.
وكذلك البُلعوم. أعني أنه ليس بصفة مشتقَّة من البَلْع، بل
هو اسم كما ذكرنا لمجرى الطعام في الحلق. فلعله اسمٌ له،
لا من حيث لُحِظَ فيه معنى البَلْع؛ ألا ترى أنَّ البياض
الذي في طرف فم الحمار يُسمَّى بُلعُومًا، وإن لم يكن
رُجوعه إلى معنى البَلْع؟ فكذلك ينبغي ألَّا يُجعل1 بالنظر
إِلى مجرى الطعام في الحلق.
وأمَّا الصَّلقَم فيمكن2 أن يكون غيرَ مشتقٍّ من الصَّلْق؛
لأنهم يقولون: جَملٌ صَلقَمٌ، أي: ضخم. فلعلَّ الشَّديدَ
الصياح قيل له صَلْقَمٌ، لضخامة صوته، لا لأجل الصراخ
نفسه. إذ وقع هذا اللفظ على ما ليس براجع لمعنى الصَّلْق،
وهو الضخم من الإِبل.
وأمَّا السَّرطَم فإِنه يحتمل3، وإِن كان واقعًا على
الواسعِ الحَلقِ السريعِ الابتلاعِ، ألا يكون مشتقًّا من
السَّرْط بمعنى البلع؛ لأنهم قد يوقعون السَّرطَم على
القول اللَّيِّن، فيكون الرجل الواسع الحلق وُصف بسَرطَم،
لسهولة الابتلاع في حلقه ولينه عليه، لا لنَفْسِ السَّرْط
الذي هو الابتلاع، كما أنَّ السَّرطَم إِذا عُني به القول
اللَّيِّنُ ليس براجع لمعنى السَّرط.
فإِذا أمكن في هذه الألفاظ حملُها على ما ذكرتُ لك كان
أَولَى من جعل الميم زائدةً غيرَ أوَّلٍ، لقِلَّة ما جاء
من ذلك.
وزعم أبو الحسن، وأبو عثمان المازنيّ4، أنَّ دُلامِصًا5 من
ذوات6 الأربعة، وأنَّ معناه كمعنى دَلِيص7 وليس بمشتقٍّ
منه، فجعلاه من باب سَبِط وسِبَطر. والذي حملهما على أن
يقولا ذلك في دُلامِص، ولم يقولاه في زُرقُم وسُتهُم
وأشباههما، قلَّةُ مجيء الميم زائدةً حَشوًا،
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 في النسختين "أن يجعل". وصوب في حاشية ف عن نسخة الخفاف
كما أثبتنا.
2 م: فممكن.
3 م: يجعل.
4 انظر المنصف1: 152.
5 الدلامص: البراق. وانظر ص161.
6 سقط من م.
7 الدليص: الدرع البراقة اللينة.
ص -165-
بل إذا جاءت زائدة غيرَ أوَّلٍ فإِنَّما1
تُزاد طرفًَا. وكذلك ينبغي أن يكون قُمارِص2 عندهما.
وبالجملة ليس دُلامِص مع دَلِيص كسِبَطر مع سَبِط3؛ لأنَّ
الذي قاد إِلى ادِّعاء أنَّ سَبِطًا وسِبَطْرًا أصلان
مختلفان أنَّ الراء لا تحفظ زائدة في موضع. وأمَّا الميم
فقد جاءت زائدة طرفًا غيرَ أول، فيما ذكرنا، وحشوًا في
"تمسكنَ" وأخواته، وأوَّلًا فيما لا يُحصَى كثرةً. فإِذا
دلَّ اشتقاقٌ على زيادتها فينبغي أن تُجعل زائدة، إذ باب
سَبِط وسِبَطر قليل [23ب] جدًّا لا ينبغي أن يُرتكبَ
إِلَّا إِذا دعت إِلى ذلك ضرورة.
وإِن وقعت أوَّلًا فإِنها بمنزلة الهمزة, فلا يخلو أن يكون
بعدها حَرفان أو أكثر.
فإِن كان بعدها حرفان قُضي على الميم بالأصالة؛ إِذ لا
بدَّ للكلمة من فاء وعين ولام؛ لأنَّ ذلك أقلُّ أصول
الأسماء المتمكنة والأفعال. وذلك نحو: مَلْك ومَسْح
وأمثالهما.
وإِن4 كان بعدها أكثر فلا يخلو أن يقع بعدها أربعة أحرف5
مَقطُوع بأصالتها، أو ثلاثةٌ مقطوع بأصالتها، أو اثنان
مقطوع بأصالتهما، وما عداهما مقطوع بزيادته أو محتمِلٌ
للأصالة والزيادة.
فإِن كان بعدها أربعةُ أحرفٍ مقطوعًا6 بأصالتها قُضِي على
الميم بالأصالة، إِلَّا في الأفعال7 والأسماء الجارية
عليها. وإِنَّما كان الوجه ذلك؛ لأنَّ الزيادة لا تلحق
بنات الأربعة من أوَّلها، إِلَّا في النوعين المذكورين.
وأمَّا بنات الخمسة فلا يلحقها من أوَّلها زيادة أصلًا8؛
لأنها لا تكون فعلًا. وذلك نحو: مَرْزَنْجُوش9، ينبغي10 أن
تكون الميم فيه أصليَّة. وكذلك كلُّ ما جاء من هذا
النحو11.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ف: إنما.
2 القمارص: القارص.
3 ف: كسبط مع سبطر.
4 ف: فإن.
5 م: حروف.
6 م: مقطوع.
7 كذا. والميم لا تزاد في أول الأفعال الرباعية.
8 م: فلا تلحقها زيادة في أولها.
9 المرزنجوش: نبت. وبعد الميم فيه أربعة أصول هي الراء
والزاي والجيم والشين.
10 ف: "نحو المجفئظّ، وهو كل شيء يصبح على شفا الموت،
فينبغي". وفي الحاشية بخط أبي حيان عن الجوهري: "اجفاظت
الجيفة... قال ثعلب". الصحاح "جفظ". وفي الارتشاف 1: 97:
قال ابن عصفور: "ميم مجفئظ أصل". وهو خطأ بل زائدة.
11 م: من نحو هذا.
ص -166-
وإِن كان بعدها ثلاثة أحرف مقطوعًا
بأصالتها قُضي عليها بالزيادة1؛ لأنَّ كلَّ ما جاء من ذلك،
ممّا يُعرف له اشتقاق، توجد الميم فيه زائدة، نحو: مَلهًى
ومَضرِب وأمثال ذلك، ممّا لا يُحصى كثرةً. ولم تجئ أصليَّة
إِلَّا في: مُغرُودٍ2 ومُغفُورٍ3 ومَراجِل4.
فالدليل على أصالتها في مَراجِل ثباتها في تصريفه، فقالوا:
المُمَرجَل. قال5:
بِشِيَةٍ كَشِيةِ المُمَرجَلِ
وكذلك مُغفُور؛ لأنَّ الميم قد ثَبَتَتْ في تصريفه، قالوا6:
ذَهَبُوا يَتمغفَرُونَ، أي: يجمعون المُغفُورَ. وهو ضرب من
الكمأة7. وأمَّا مُغرود فيدلُّ على أصالة ميمه أنه ليس من
كلامهم "مُفعول"، وفيه "فُعلُول".
فإِذا جاء ما لا يُعرف اشتقاقه قُضي بزيادة الميم فيه،
حملًا على الأكثر ممّا عُرف له اشتقاق، نحو: مأسَل8،
ينبغي9 أن يُقضي بزيادة الميم فيه وفي أمثاله، وإِن لم
يُعرف له اشتقاق10.
وإِن كان بعدها حرفان مقطوعٌ بأصالتهما، وما عداهما مقطوع
بزيادته، قضيتَ على الميم بالأصالة، إذ لا أقلَّ من ثلاثة
أحرف أصول، كما تقدَّم. وذلك نحو: مالِكٍ وماسِحٍ وأمثال
ذلك؛ ألا ترى أنَّ الألف مقطوع بزيادتها؟ وإِذا11كان كذلك
وجب أن تكون الميم أصليَّة.
وأن كان بعدها حرفان مقطوعًا بأصالتهما، وما عداهما محتمل
للأصالة والزيادة، قُضي على الميم بالزيادة؛ لأنَّ كلَّ ما
عُرف له اشتقاق من ذلك وُجدت الميم فيه زائدةً، ولم تُوجد
أصليَّة إِلَّا في ألفاظ محفوظة. وهي: مِعْزًى ومأجَج12
ومَهْدَد13 ومَعَدّ ومَنجنيق ومَنجَنُون14. فلمَّا
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 في حاشية ف بخط أبي حيان أن الميم في مِرعِزّى زائدة،
وكذلك مِرعِزاء مع وجود طِرمساء. وانظر ص93 و97 والتاج
"رعز".
2 المغرود: ضرب من الكمأة. وفي حاشية ف: "ذكر في الأبنية
أن وزنه مفعول وأن الميم زائدة". انظر ص79.
3 المغفور: صمغ شبيه بالناطف.
4 المراجل: ضرب من برود اليمن.
5 العجاج. ديوانه ص 45 والكتاب 2: 345 وشرح الشافية 2: 337
وشرح شواهدها ص285-286. والشية: الوشي. والممرجل: ضرب من
ثياب الوشي.
6 م: فقالوا.
7 كذا. والمغفور ليس من الكمأة في شيء.
8 مأسل: اسم موضع.
9 ف: فينبغي.
10 م: اشتقاقًا.
11 م: وإن.
12 مأجج: اسم موضع.
13 مهدد: اسم امرأة.
14 المنجنون: الدولاب. وفي حاشية ف بخط أبي حيان أن
لسيبويه في ميم مِجَنّ قولين: جعلها زائدة وجعلها أصليَّة.
انظر ص265 من ابن عصفور والتصريف.
ص -167-
كانت زائدة في الأكثر، ممّا عُرف له
اشتقاق، حُمِل ما لم يُعرف له اشتقاقٌ من ذلك على ما عُرف
اشتقاقه. [وذلك]1 نحو: مِذرًى2 والمِذرَوَينِ.
فإِن3 قيل: وما الدليلُ على أَصالة الميم في ستَّة الألفاظ
المذكورة؟ فالجواب أنَّ الذي يدلُّ على أصالة الميم في
مِعزًى أنهم يقولون4: مَعْزٌ، فيحذفون الألف. ولو كانت
الميم فيه زائدة5 لقالوا "عَزْيٌ"6.
فإِن قيل7: إِنَّ المِعزى أعجميٌّ، وقد تَقدَّم أنَّ
الأعجميَّ لا يدخله تصريف. فالجواب أنَّ ما كان من
الأعجميَّة نكرة فإِنه قد يدخله التَّصريفُ؛ لأنه محكومٌ
له بحكم العربيّ، بدلالة أنَّ هذا النوع من العُجمة لا
يمنع الصَّرفَ8، بخلاف العُجمة الشخصيّة. وسبب ذلك أنها
أسماء نكرات –والنكرات هي الأُوَل- وإِنَّما9 تمكَّنت
بدخول الألف واللَّام عليها، كما تدخل على الأسماء
العربيَّة.
ويدُلُّ على أنهم قد أَجروها مُجرى العربيّ أنهم قد
اشتقُّوا منها، كما يَشتقُّون من العربيّ. قال رؤبة10:
هَل يُنجِيَنِّي حَلِفٌ سِختِيتُ
أو فِضَّةٌ, أو ذَهَبٌ كِبرِيتُ؟
فقال "سِختِيت" من السَّخْتِ وهو الشديد، وهو أعجميٌّ.
والذي يدلُّ على أصالة الميم في مَعَدٍّ11 أنهم يقولون:
تَمَعدَدَ الرَّجلُ، إِذا تكلَّم بكلام مَعَدٍّ، وقيل:
إِذا كان على خُلُق معدّ. [24أ] والميم في "تمعدَد"
أصليَّةٌ؛ لأنَّ "تَمَفعَلَ" قليل، نحو ما ذكرنا12 من
قولهم: تَمَسكَنَ وتَمَدرَعَ، والأحسنُ: تَسَكَّنَ
وتَدَرَّعَ. ومَعَدٌّ هذا –أعني اسم القبيلة-
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 من م.
2 المذرى: جانب الألية.
3 م: وإن.
4 الكتاب 2: 344.
5 م: الميم هي الزائدة.
6 م: "عزاة". الكتاب: عزاء.
7 م: فإن قال قائل.
8 انظر المنصف 1: 132-133.
9 م: وأنها.
10 ديوانه ص27 والمنصف3: 33. والكبريت: الأحمر.
11 الكتاب 2: 344 والمنصف 1: 129-132. وفي حاشية ف بخط أبي
حيان أن الميم أصل وهو من قولهم: امتعَدَ.
12 في الورقة 22.
ص -168-
منقول من مَعَدٍّ الذي يُراد به موضع رِجل
الرَّاكب؛ لأنَّ الأعلام إِذا عُلِمَ لها أصل في النكرات
فينبغي أن تُجعل منقولة منه.
وإِذا ثَبَتَ النَّقلُ تَبيَّنَ أنَّ الميم [في مَعَدٍّ
هذا –أعني اسم القبيلة- أصليَّة؛ لأنَّ الميم]1 في مَعَدٍّ
الذي هو2 موضع رِجل الرَّاكب أصليَّة أيضًا؛ لأنَّ 3 موضع
رجل الراكب فيه شِدَّةٌ وصلابة، وقد قالوا "مَعَدَ" في
معنى: اشتدّ. فالميم فيه أصل. لذلك قال4:
وخارِبَيْنِ, خَرَبا فَمَعَدا
لا يَحسِبانِ اللهَ إِلَّا رَقَدا
فإِن قيل: جعلك الميم أيضًا أصليَّةً في أوَّل الكلام،
وبعدها ثلاثة أحرف، قليلٌ، و"تَمَفعلَ" قليل. فهلَّا اعتدل
الأمر عندك فيهما. فأجزتَ في مَعَدٍّ الوجهين. أعني زيادة
الميم وأصالتها. فالجواب أنه لمّا كان جعلها أصلًا وجعلها
زائدة يؤدِّيان إِلى قليل كانت الأصالة وما يعضده
الاشتقاقُ أَولى.
والذي يدلُّ، على أصالة الميم في مأْجَجٍ ومَهدَدٍ5، أنَّ
الميم لو كانت زائدة لوجب الإِدغام، فتقول: مَهَدٌّ
ومأَجٌّ، كما تقول: [مَقَرٌّ]6 ومَكَرٌّ ومَفَرٌّ
ومَرَدٌّ. فدلَّ ذلك على أنَّ الميم أصل، وأنهما ملحقان
بجَعفَر نحو: قَرْدَدَ7. ولذلك لم يُدغَم.
فإِن قلتَ: أَجْعلُ الميم زائدة فيهما، ويكون فكُّ
الإِدغام شاذًّا. فيكون من باب: لَحِحَتْ 8 عينُه وأَلِلَ9
السِّقاءُ وضَبِبَ10 البَلَدُ، إِذ جَعلُ الميم أصليَّة
أيضًا في أوَّل وبعدَها ثلاثة أحرف قليل. فالجواب ما
تقدَّم في "مَعَدٍّ"، من أنه لمّا كانت الأصالة والزيادة
تُفضيان إلى قليل كانت الأصالة أولى.
فإِن قيل: فهلَّا جعلتم الميم أصليَّةً في مَحْبَبٍ11،
بدليل فكِّ الإِدغام، كما فَعلتُم ذلك في
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 من م.
2 م: الذي يراد به.
3 ف: وأيضًا فإن.
4 المحتسب 2: 29 والمنصف 3: 19 واللسان والتاج "خرب"
و"معد" والسمط ص779. وقبلهما في السمط:
أَخشَى علَيهِ طَيْئًا وأسَدا
وقَيسَ عَيلانَ, ودِينًا فَسَدا
وفي حاشية ف بخط أبي حيان: الخارب: سارق الإبل.
5 الكتاب 2: 344 والمنصف 1: 141-143.
6 من م.
7 القردد: الأرض المستوية.
8 لححت: لصقت.
9 ألل: تغيرت رائحته.
10 ضبب: كثرت ضِبابه.
11 محبب: اسم رجل. وانظر المنصف 1: 141-143.
ص -169-
مَهْدَد. فالجواب أنه لمّا كان جعل الميم
فيها أَصليَّة يؤدِّي إِلى الحمل على القليل، وجعلُها
زائدة يؤدِّي أيضًا إِلى ذلك، كانت الأولى الزيادة هنا1؛
لأنَّ الميم إِذا كانت زائدة كانت الكلمة من تركيب "ح ب ب"
وهو موجود، وإِذا كانت الميم أصليَّة كانت الكلمة من تركيب
"م ح ب" وهو غير موجود. فكان الحمل على الموجود أَولى.
والذي يدلُّ، على أنَّ الميم2 في مَنجَنِيق أصليَّة، أنه
قد استقرَّ زيادة النون الأُولى، بدليل قولهم: مَجانِيق،
بحذفها. ولو كانت أصليَّة لقلتَ "مَناجِيق". فإِذا ثَبَتَ
زيادة النون ثَبَتَتْ بذلك أصالة الميم، إذ لو كانت زائدة.
والنون بعدها زائدة، لأدَّى ذلك إلى اجتماع زيادتين في
أوَّل كلمة. وذلك لا يوجد إِلَّا في الأفعال نحو
"استَفْعَل"3، أَو في الأسماء الجارية عليها، نحو انطَلَق
ومُنْطَلَق. و"منجنيق" ليس باسم جار على الفعل4.
فإِذا ثَبَتَتْ أصالة الميم وزيادة النون الأُولى5 وجب أن
يُقضى على النون الثانية بالأصالة؛ لأنك لو جعلتها زائدة
لكان وزن الكلمة "فَنْعَنِيلًا". وذلك بناء غير موجود.
وإذا جعلتها أَصليَّة كان وزن الكلمة "فَنْعَلِيلًا" نحو:
عَنتَرِيس6. وأيضًا فإِنها ليست في موضع لَزِمَتْ فيه
زيادتها، ولا كثُرت، فتُجعلَ زائدة.
فإِن قيل: فهلَّا استدللتُم على زيادة الميم، بما حكاه أبو
عثمان عن التَّوَّزيِّ7، عن أبي عُبيدة، من أنه سأل
أعرابيًّا عن حروب، كانت بينهم، فقال: "كانَتْ بينَنا8
حروبٌ عُونٌ، تُفقأ فيها العُيونُ، مرَّة نُجنَقُ9، ومرَّة
نُرشَقُ". فقوله "نُجنق" دليل على أنَّ الميم زائدة، إِذ
لو كانت أصليَّة لوجب أن يقول "نُمَجْنَقُ". وحكى
الفرَّاء10: "جَنَقُوهم بالمَجانِيق". فالجواب:
أنَّ الكلمة أعجميَّة، والعرب قد تُخلّط في اشتقاقها من
الأعجميِّ11؛ لأنها ليست من
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 سقط من م.
2 الكتاب 2: 344 والمنصف 1: 146-149 وشرح الشافية 2:
350-353.
3 كذا. الصواب "انفعل" وقد مثَّل له بعد انطلق.
4 م: على فعل.
5 وهذا مذهب سيبويه كما جاء في الكتاب 2: 337. وقال
السيوطي: "قال سيبويه: هو من الخماسي": المزهر 2: 33.
6 العنتريس: الناقة الشديدة.
7 المنصف 1: 147 وشرح الشافية 2: 350. والتوزي هو أبو محمد
عبد الله بن محمد، عالم باللغة والشعر وراوٍ للأخبار. توفي
سنة 237. نزهة الألباء ص172.
8 سقط من م.
9 في النسختين: "تجنق". المنصف: مرة ثم نجنق.
10 وفي المزهر1: 135 أن أبا زيد انفرد بهذا القول.
11 م: الأعجمية.
ص -170-
كلامهم؛ ألا ترى أنَّ1 قول الراجز2:
هَلْ تَعرِفُ الدَّارَ؛ لأُمِّ الخَزرَجِ
مِنها, فظَلْتَ اليَومَ كالمُزَرَّجِ
أراد: سكران كالذي يشرب3 الزَّرَجُون. وكان القياس أن يقول
"كالمُزَرْجَنِ"4؛ لأنَّ نون "زَرَجون" أصليَّة. لكنه حذف
النون؛ لأنَّ الكلمة5 أعجميَّة، والعرب قد تُخلّطُ في
اشتقاقها من الأعجميِّ كما تقدَّم.
فإِن قيل: فهلَّا قلتم [24 ب]: إنَّ6 قولهم في الجمع 7
"مَجانِيق" بحذف النون من قَبيل ما خُلِّطَ فيه. فالجواب
أنَّ قولهم: مَجانِيق، يؤدِّي إِلى أن يكون وزن الكلمة
"فَنْعَلِيلًا" كما تقدَّم، وهو من أبنية كلامهم. وقولهم:
نُجْنَقُ وجَنَقُوهم، يؤدِّي إِلى كون الميم والنون
زائدتين، فيكون وزن الكلمة "مَنْفَعِيلًا"، والزيادتان لا
تَلحقان الأسماء من أوَّلها، إِلَّا أن تكون جارية على
الأفعال، كما تقدَّم.
والذي يدلُّ، على أصالة الميم في مَنجَنُون،8 أنه لا يخلو
أن تُقَدِّر الميم والنون9 زائدتين أو أصليَّتين، أو
إِحداهما زائدة والأخرى أصليَّة10 فجعلُهما زائدتين فاسد،
لما تبيَّن من أنه لا يلحق الكلمة زيادتان من أوَّلها
إِلَّا الأفعالَ والأسماءَ الجارية عليها، و"منجنون" ليس
من قبيل الأسماء الجارية على الأفعال. وجعلُ إحداهما زائدة
والأُخرى أصليَّة فاسدٌ؛ لأنَّ ك إن قدَّرت أنَّ الميم هي
الزائدة11 كان وزن الكلمة "مَفْعَلُولًا". وذلك بناء غير
موجود في كلامهم. وإِن12 قَدَّرتَ أنَّ النون هي الزائدة
كان فاسدًا، بدليل قولهم "مَناجِين" في الجمع، بإِثبات
النون الأُولى. فدلَّ ذلك على أنهما أصلان، ويكون وزن
الكلمة "فَعْلَلُولًا". فيكون13 نحو: حَنْدَقُوق14.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ف: إلى.
2 الخصائص 1: 359 والمنصف1: 148 والمحتسب 1: 80 واللسان
"زرج".
3 م: "شرب". والزرجون: الخمر.
4 م: المزرجن.
5 ف: لأنها.
6 م: فهلَّا جعلتم.
7 م: الجميع.
8 الكتاب 2: 344 والمنصف 1: 145-146 وشرح الشافية 2:
353-355.
9 م: النون والميم.
10 ف: أو إحداهما أصلية والأخرى زائدة.
11 م: أن الميم زائدة.
12 ف: فإن.
13 سقط من م.
14 الحندقوق: بقلة، والرجل الطويل المضطرب.
ص -171-
باب النون:
النون1 تنقسم قسمين: قسم يُقضى عليه بالزيادة،
وقسم يُقضى عليه بالأصالة، ولا يُقضى عليه بالزيادة إِلَّا
بدليل.
فالقسم الذي يُقضى عليه بالزِّيادة: النون التي هي حرف
المضارعة، نحو: نَقُومُ ونَخرُجُ.
والنون في "انفَعَلَ" وما تصرَّف منه، نحو: انطَلَق
ومُنطلِق. ونون التثنية، وجمع السلامة من المذكَّر، نحو:
الزَّيدَينِ والزَّيدِينَ. والنون التي هي علامة الرفع في
الفعل: نحو: "يفعلانِ" و"تفعلونَ". والنون اللَّاحقة
الفعلَ للتأكيد2، شديدةً كانت أو خفيفةً، نحو: هل
تَقُومَنَّ وهل تَقُومَنْ؟ ونون الوقاية اللَّاحقة مع ياء
المتكلِّم. نحو: ضَرَبَنِي. ونون التنوين في نحو: رَجُلٍ.
والنون اللَّاحقة آخرَ جمع التكسير، فيما كان وزن
"فُعْلان" و"فِعْلان" نحو: قُضْبان وغِرْبان؛ لأنه لا
يُتصَوَّر جعلها أصليَّةً، إِذ ليس في أبنية الجموع ما هو
على وزن "فعْلان" بضمِّ الفاء، ولا بكسرها.
فجميع هذا لا تكون النون فيه إِلَّا زائدةً، ولا يُحتاج
على ذلك إِلى إِقامة دليل، لوضوح كونها زائدةً فيه.
وأمَّا النون الواقعةُ آخر الكلمة3، بعد ألف زائدة، فإِنه
يُقضى عليها بالزيادة، فيما لم يُعرف له اشتقاقٌ ولا
تصريفٌ، لكثرة تبيُّنها زائدةً فيما عُرف اشتقاقُه أو
تصريفه، فيُحمَلُ ما لا يُعرف على الأكثر. وذلك بشرطَينِ:
أَحدهما: أن يكون ما قبل الألف أكثرَ من حرفين
[أصليَّين]4. إذ لو كان قبلها حرفان
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 انظر الكتاب 2: 349-352. وفي حاشية ف بخط أبي حيان عن
ابن القطاع مواضع زيادة النون في الاسم والفعل. الارتشاف
1: 99.
2 في حاشية ف بخط أبي حيان: أو علامة لجمع الفاعل نحو:
يعصرنَ السليطَ أقاربُهْ.
3 انظر المنصف 1: 133-135.
4 زيادة تقيد هذا الشرط، لئلَّا يلتبس الأمر في مثل:
تِبيان وحُسَّان.
ص -172-
خاصَّةً لوجب القضاء بأصالة النون، إِذ لا
بدَّ من الفاء والعين واللَّام. وذلك نحو: سِنان وعِنان
وبَنان وقِران. وأمثال ذلك النونُ فيه أصليَّةٌ.
والآخَر: ألَّا تكون الكلمة من باب "جَنجان"، فإِنه ينبغي
أن تجعل النون فيه أصليَّة. إذ لو كانت نونه زائدة لكانت
الكلمة ثلاثيَّةً، ويكون فاؤها جيمًا ولامها جيمًا1، فيكون
من باب سَلس وقلق، أعني مما فاؤه ولامه2 من جنس واحد. وذلك
قليل جدًّا. وإِن جعلت النون أصليَّةً كانت من باب
الرُّباعيِّ المضعَّف، نحو: صَلصَلتُ وقَلقَلتُ. وذلك باب
واسع.
ومن الناس3 من اشترط أيضًا ألَّا يكونَ ما قبل الألف
مضاعفًا، فيما قبلَ الألف فيه ثلاثة أحرف، نحو: مُرَّان4
ورُمَّان، لاحتمال أن تكون النون زائدة، وأن تكون أصليَّةً
وأحدُ المضعَّفينِ زائدٌ، ويتساوى5 الأمران عنده، لكثرة
زيادة الألف والنون في الآخر، وكثرة زيادة أحد المضعَّفين.
والصحيح أنه ينبغي أن تُجعل الألف والنون زائدتين، بدليل
السماع، والقياس:
أمَّا القياس فأنَّ النون اختصَّتْ زيادتها في هذا الموضع،
أو ثالثةً ساكنة، على ما يُبيَّنُ بعدُ، وأحد المضعَّفين6
زائد7 حيث كان. وما اختصَّتْ زيادتُه بموضع كان أولى بأن
يُجعل زائدًا ممّا لم يَختصَّ؛ ألا ترى أنَّ الهمزة [25أ]
في أَفعًى قضينا عليها بالزيادة وعلى الألف بالأصالة؛
لأنَّ الألف كثرت زيادتها في أماكن كثيرة، والهمزة لم تكثر
زيادتها إِلَّا أوَّلًا خاصَّة؟ فكان المختصُّ يَشرَك غير
المختصِّ، بكثرة8 زيادته في ذلك الموضع، ويزيد9 عليه بقوة
الاختصاص.
وأمَّا السَّماعُ فقوله عليه السلام، للقوم الذين قالوا
له: "نحنُ بَنُو غَيَّانَ"، فقال لهم، عليه السلام10: "بَل
أنتُم بَنُو رَشْدانَ". ألا تراه, عليه السلام، كيف
تَكرَّه لهم هذا الاسم لأنه جعله من الغيِّ، ولم يأخذه من
الغَين. وهي السحاب؟11 فقد دلَّ هذا على أنه إِذا جاء
مضاعف، في
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 م: "جيم". وفي حاشية ف عن ابن جني: فيكون الأصل جنج، وهو
من القليل.
2 م: مما لامه وفاؤه.
3 انظر المنصف 1: 134.
4 المران: شجر الرماح. م: رمان ومران.
5 م: وتساوى.
6 م: المضاعفة.
7 ف: يزاد.
8 م: لكثرة.
9 م: وزيد.
10 الخصائص 1: 250 والمنصف 1: 134. يريد أنهم أهل الرشد
والهدى، لا أهل الغي والضلال.
11 سقط "ولم يأخذه... السحاب" من م.
ص -173-
آخره ألف ونون مثل رُمَّان، أنه ينبغي أَن
يُقضى عليه بزيادة الألف والنون، إِلَّا أن يقوم دليل على
أنَّ النون أصليَّة، نحو1 مُرَّان. فإِن الخليل ذهب إِلى
أنَّ نونه أصليَّة؛ لأنه مشتقٌّ من المَرانة التي هي
اللِّين.
ومنهم من شَرطَ ألَّا يكون ما قبل الألف مضاعفًا، ممّا
قبلَ الألف منه ثلاثةُ أحرف2، وألَّا يكون3 مع ذلك مضمومَ
الأوَّل اسمًا لنباتٍ، نحو رُمَّان؛ لأنَّ مثل هذا عنده
ينبغي أن تكون نونه أصليَّة، ويكون وزنه "فُعَّالًا"؛ لأنه
قد كثُر في أسماء النَّبات "فُعَّالٌ"، نحو: حُمّاض
وعُنّاب وقُثّاء فحَمَلَه على ما كثرَ فيه.
وهذا فاسد؛ لأنَّ زيادة الألف والنون في الآخر أكثرُ من
مجيء اسم النبات على "فُعَّال"؛ ألا ترى أنَّ ما جاء من
الأسماء –أعني4 أسماء النبات- على غير وزن "فُعَّال" لا
ينضبط كثرةً, وإِن كان "فُعَّال" قد كثر واطّرد.
وذهب السيرافيُّ إِلى أنَّ النون إِذا أتت في الآخر، بعد
ألف زائدة، فإِنه لا يخلو أن يكون جعلها أصليَّة يؤدِّي
إِلى بناء غير موجود، أو إلى بناء موجود. فإن أدَّى إلى
بناء غير موجود قُضي عليها بالزيادة، نحو: كَرَوان
وزَعفَران؛ ألا ترى أنَّ النون فيهما لو كانت أصليَّة لكان
وزن كَروان: "فَعَلالًا"، ووزن "زَعفَران": "فَعْلَلالًا"،
وهما بناءان غير موجودين. وإن أدَّى ذلك إلى بناء موجود
قُضي عليها5 بالأصالة، نحو: دِهقان6 وشَيطان؛ لأنَّ نون
دِهقان إذا جُعلتْ أصليَّة كان وزنه "فِعْلالًا"، ونون
شَيطان إذا كانت أصليَّة كان وزنه "فَيعالًا". وهما بناءان
موجودان، نحو: شِملال وبَيطار7.
وهذا الذي ذهب إليه –من أصالة النون8 فيما يُؤدِّي جعلُ
النون فيه أصليَّةً إلى بناء موجود –باطلٌ؛ لأنه جعل دليله
على ذلك كون سيبويه قد جعل النون أصليَّة في دِهقان
وشَيطان. ولم يفعل ذلك سيبويه، لِما ذكر من أنَّ جعل النون
فيهما أصليَّةً يؤدِّي إلى بناء موجود، بل لقولهم:
تَدَهقَنَ وتَشَيطَنَ؛ لأنه ليس في كلامهم "تَفَعْلَنَ".
فدلَّ ذلك على أصالة النون. فأمَّا: تَدَهَّقَ
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ف: فأما.
2 سقط "مما قبل... أحرف" من النسختين، وألحق بحاشية ف.
3 ف: "ويكون". وصوب في الحاشية عن نسخة الخفاف كما أثبتنا.
4 سقط "الاسماء أعني" من م.
5 م: على النون.
6 الدهقان: القويُّ على التصرف مع شدة وخبرة.
7 الشملال: السريعة الخفيفة. وفي حاشية ف بخط أبي حيان عن
ابن مالك أن الفينان الوافر الشعر من الفَنَن. وهو الغصن.
فوزنه فَيعال.
8 سقط "من أصالة النون" من م.
ص -174-
وتَشَيَّطَ فليس في قوَّة تَدَهقَنَ
وتَشَيطَنَ1؛ لأنَّ أبا عليٍّ2 قد دفعهما من طريق
الرواية3.
فإذا جاءت النون بعد ألف زائدة، فيما لا تَعرف له
اشتقاقًا4، بالشرطين المذكورين، فاقضِ بالزيادة حَملًا على
الأكثر. وكذلك تَفعل إذا احتَملَتِ الكلمةُ اشتقاقين،
تكون5 في أحدهما أصليَّة، وفي الآخر زائدة. فينبغي6 أن
تحمله على الذي تكون فيه زائدة، حملًا على الأكثر، نحو:
"دُكَّان"7. فإنه يحتمل أن يكون مشتقًّا من: دَكَنتُه
أَدكُنُه دَكْنًا، إذا نَضَدتَ بعضَه فوق بعض، فتكون نونه
أصليَّة. ويحتمل 8 أن يكون مشتقَّا9 من قولهم: أَكمةٌ
دَكَّاءُ، إذا كانت مُنبسطة، وناقةٌ دَكَّاءُ إذا كان
سنامها مفترِشًا في ظهرها، فتكون نونه زائدة. لكنَّ الذي
ينبغي أن يُحمل عليه هذا الاشتقاقُ الآخر، لما ذكرناه من
الحمل على الأكثر.
وأمَّا النون إذا وقعت ثالثة ساكنة، غير مُدغَمة10، في
كلمة على خمسة أحرف، نحو: جَحَنفَل وعَبَنقَس11، وأمثال
ذلك، فإنه ينبغي أن تَقضي عليها12 بالزيادة، وإن لم تعرف13
للكلمة اشتقاقًا ولا تصريفًا؛ لأنَّ كلَّ ما عُرف14 له
اشتقاقٌ أو تصريف من ذلك وُجدت النون فيه زائدة، فيُحملُ15
ما لم يُعرف اشتقاقه على ما عُرف اشتقاقه.
فما عُرف اشتقاقه فوُجدت النون فيه زائدة: جَحَنفَل
وجَرَنفَش16؛ لأنَّ الجحنفل: الكثير، والجحفل: الجيش
الكثير. فهما بمعنى واحد. والجحنفل أيضًا: العظيم
الجحفلة17. فهو
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ف: تشيطن وتدهقن.
2 ف: أباكا.
3 انظر المنصف 1: 135.
4 م: لا يعرف له اشتقاق.
5 م: يكون.
6 م: ينبغي.
7 انظر المنصف 1: 135.
8 م: ومحتمل.
9 وهذا قول الأخفش، رواه عنه الأشنانداني. المنصف 1: 135.
10 أراد بالمدغمة نحو: عجنّس. فالنون المدغمة مكررة من
أصل. انظر ص175 و176. وسقط "غير مدغمة" من م.
11 العبنقس: السيئ الخلق.
12 م: عليهما.
13 م: وإن يعرف.
14 م: ما علم.
15 م: فحمل.
16 الجرنفش: الرجل الضخم، وهو في م بالسين، وفي ف بالسين
والشين معًا.
17 الجحفلة: مشفر البعير. وفي حاشية ف عن الزبيدي أن
الجحنفل هو العظيم الشفة. انظر ص35 من الاستدراك على
سيبويه.
ص -175-
[25 ب] من لفظ
الجحفلة1، فنونه زائدة. وقالوا: جُرافِش، في 2 "جَرَنفَش".
ومثل ذلك كثير إِلَّا أني لم أُكثر من ذلك، لِما فيه من
التَّطويل. فلمّا كان الأمر، فيما له اشتقاقٌ أو تصريف3،
على ذلك حُمِل ما ليس له اشتقاق ولا تصريف4 نحو:
عَبَنْقَس, على ذلك، فقُضي على النون بالزيادة.
فإن5 كانت مدغمة فيما بعدها، نحو "عَجَنَّس"، لم يُقضَ
عليها بالزيادة6 لأنه لم تكثر زيادتها فيما عرف له اشتقاق
أو تصريف، إِلَّا إذا كانت غير مدغمة.
وزعم ابن جنِّي7 أنه إن جاء مثل "حَزَنْزَنٍ" أو
"عَصَنْصَنٍ"8 فإنه تُجعل نونه مُحتمِلةً، فلا يُقضى عليها
بالأصالة ولا بالزيادة، إِلَّا بدليل. وإِنَّما احتَمَلَ
هذا النحوُ أن تكون النون فيه أصليَّة وزائدة؛ لأنك إذا
جعلت النون أصليَّة كان من باب: صَمَحْمَح9 ودَمَكمَك10
وإن كانت زائدةً كان من باب: عَقَنْقَل11. وبابُ صَمَحْمح
أكثر وأوسع12. فإزاء كون النون ساكنةً ثالثةً كونُ باب
صَمَحْمَح أوسعَ من باب عَقَنقَل.
وهذا الذي ذهب إليه عندي فاسد. بل ينبغي أن يُقضى عليها
بالزيادة؛ لأنَّ زيادة النون ثالثةً ساكنة لازمةٌ فيما
عُرف له اشتقاق، فلا ينبغي أن يجعل بإزائه كونُ باب
صَمَحْمَح أوسعَ من باب عَقَنْقَل؛ لأنَّ دليل اللزوم أقوى
من دليل الكثرة13.
وإنما14 لزمت زيادتها إذا كانت على ما ذُكر، لشبهها بحرف
المدِّ واللين، إذا وقع في هذا الموضع. فكما أنَّ حرف
المدِّ واللين إذا وقع في اسم على خمسة أحرف ثالثًا مثل
جُرافِس كان
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 م: الجحفل.
2 زاد في ف "جمع"، ثم ضرب الناسخ عليها بالقلم.
3 في حاشية ف بخط أبي حيان عن ابن مالك أن هذا مثل عقنقل
من العقل، ودلنظى من الدلظ، وألندد من اللدد، وعفنجج من
العفج.
4 في حاشية ف بخط أبي حيان: "كغضنفر". وهذا فيه نظر؛ لأنه
يقال: غضفر، إذا ثقل.
5 سقطت الفقرة من النسختين، وألحقها أبو حيان بحاشية ف.
6 يريد أنها مكررة من أصل. وأبو حيان يرى أن النونين
زائدتان. الارتشاف 1: 101.
7 المنصف 1: 137.
8 م: "عصنصر". وفي المنصف: فدندن.
9 الصمحمح: الغليظ.
10 الدمكمك: الشديد القوي.
11 العقنقل: الكثيب العظيم المتداخل الرمل.
12 م: أوسع وأكثر.
13 في حاشية ف أن رد ابن عصفور فاسد؛ لأنَّ باب صمحمح لا
يخالف اللزوم الذي ذكر، ولابن جني أن يجعل هذا مما يحتمل
وروده على أوسع البابين لعدم الاشتقاق. بل القضاء بباب
صمحمح أولى لكثرته.
14 سقط حتى قوله "أشبهت بها حرف العلة" من م، ومن نسخة
الخفاف كما جاء في حاشية ف.
ص -176-
زائدًا، فكذلك ما كان بمنزلته. ولذلك حذفوا
نون عَرَنقُصان1 تخفيفًا، فقالوا: عَرَقُصان، كما حذفوا
الألف من عُلابِط2 وهُدابِد3 وأمثالهما، حين قالوا:
عُلَبِط وهُدَبِد.
ووجه الشبه بينهما أنَّ في النون غُنَّةً في الخياشيم، كما
أنَّ في حروف المدِّ واللين مدًّا، والغُنَّة والمدّ كلُّ
واحد منهما فضلُ صوت في الحرف. ولذلك إذا جاءت النون ثالثة
ساكنة، فيما هو على خمسة أحرف، إِلَّا أنها مدغمة نحو:
عَجَنَّس4، لم تكن إِلَّا أصليَّة5؛ لأنها إذ ذاك
تَشَبَّثُ بالحركة، والنون إذا تحرَّكت كانت من الفم وضعفت
الغُنَّة فيها.
ولذلك لم تُزَد ثالثة ساكنة قبل حرف الحلق؛ لأنها إذ ذاك
تكون من الفم وتضعف فيها الغُنَّة، فلا تشبه حرف العلَّة.
ولو ورد في الكلام مثل "جَحَنْعَل" مثلًا لجُعلت النون فيه
أصليَّة كما جُعلت في "عجنَّس" كذلك، لمفارقتها إذ ذاك
الغُنَّة التي أشبهت بها حرف العلَّة.
فهذه جملة الأماكن التي يُقضى على النون فيها بالزيادة.
وما عدا ذلك قُضي عليه بالأصالة، ولا يقضى عليه بالزيادة
إِلَّا بدليل6:
فممّا زيدت فيه النون أوَّلًا لقيام الدليل على زيادتها:
نَرْجِسٌ7, وزنه "نَفْعِلٌ". وإنَّما لم تكن نونه أصليَّة؛
لأنه ليس في كلامهم "فَعْلِل"8.
فإن قيل: وكذلك ليس في كلامهم "نَفْعِل". فالجواب أنه قد
تَقدَّم أنَّ الحرف إذا كان جعله زائدًا يؤدِّي إلى بناء
غير موجود، وكذلك9 جعله أصليًّا، قُضِيَ عليه بالزيادة،
للدخول في الباب الأوسع؛ لأنَّ أبنية المزيد أكثرُ من
أبنية الأصول.
وزعم ابن جنِّي أنَّ النون في نِبراس10 زائدة ووزنه
"نِفْعال"، وجعله مشتقًّا من البِرْس وهو القطن؛ لأنَّ
الفتيل يُتَّخذ في الغالب من القطن. وذلك اشتقاقٌ ضعيف
جدًّا. بل لِقائل أن يقول: الغالب في الفتيل ألَّا يكون من
القطن.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 العرنقصان: نبات.
2 العلابط: الضخم الغليظ.
3 الهدابد: اللبن الخاثر.
4 العجنس: الجمل الضخم الصلب الشديد ووزنه: فَعَلَّلٌ.
5 يريد أنها مكررة من نون أصليَّة
6 وهذا هو القسم الثاني الذي أشار إليه في مستهل الباب.
7 المنصف 1: 104. وفي حاشية ف بخط أبي حيان أن من ذلك
نَهاوِش ونَهابر؛ لأنهما من الهوش والهبر.
8 كذا. وقد ذكر في الرباعيِّ المجرد بناء فَعْلِل ومثَّل
له بطحربة. انظر ص54.
9 م: ولذلك.
10 النبراس: المصباح.
ص -177-
وكذلك قولهم1: نِفْرِجةُ القلب، وزنه عنده2
"نِفْعِلةٌ"؛ لأنَّ النِّفرِجة؛ الجبان الذي3 ليست له
جلادة ولا حزم. واستدلَّ على ذلك بقول العرب: رَجُلٌ
أَفرَجُ وفَرِجٌ4. إذا كان لا يكتم سِرًّا، فجعل نِفرِجة
القلب مشتقًّا5 منه؛ لأنَّ إفشاء السِّرِّ من قِلَّة
الحزم. وهذا الاشتقاق أيضًا ضعيفٌ؛ لأنَّ إفشاء السِّرِّ
ليس بقلَّة حزم6، بل هو بعض صفات القليل الحزم. وأيضًا
فإنَّ7 الأفرَج والفَرِج لا يراد بهما الجبان كما يراد
بنفرجة القلب. فدلَّ ذلك على ضعف هذا الاشتقاق. فينبغي أن
تجعل النون فيها أصليَّةً.
وزيدت ثانيةً في: قِنعاس8 وقِنفَخر9 وعَنبَس10 وعَنْسَل11
وعَنتَرِيس12 وخَنفَقِيق13 وكَنَهبُل14 وجُندب بضمِّ الدال
وفتحها وعُنصَر وقُنْبَر وكِنْثأْو15 وحِنْطأْو16
وسِنْدأْو17 وقِنْدأْو18.
فأمَّا قِنعاس فنونه زائدة؛ لأنه من القَعْس، وقِنفَخر
لأنه يقال في معناه [26أ]: قُفاخِرِيّ، وعَنبَس من
العُبوس، وعَنسَل من العَسَلان، وعَنتَرِيس من العَتْرسة
وهي الشِّدَّة، والخَنفَقِيق من الخَفْق.
وأمَّا كَنَهْبُل فنونه زائدة19؛ لأنها لو جعلت أصليَّةً
لكان وزن الكلمة "فَعَلُّلًا". وهو بناء غير
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 سقط من م.
2 م: عنده وزنه.
3 م: التي.
4 م: "وفروج" هنا وفيما يلي.
5 م: مشتقة.
6 م: "الحزم". وفي حاشية ف أن هذا المعنى كاف للدلالة على
الاشتقاق، مع أنه روي تفرجة، وزيادة التاء تعني زيادة
النون.
7 م: فإنه.
8 القنعاس: الضخم العظيم.
9 القنفخر: الفائق في نوعه.
10 العنبس: الأسد.
11 العنسل: الناقة السريعة.
12 العنتريس: الناقة الوثيقة الغليظة الصلبة.
13 الخنفقيق: السريعة الجريئة.
14 الكنهبل: شجر.
15 الكنثأو: الوافر اللحية. م: كنثاء.
16 الحنطأو: الوافر اللحية.
17 السندأو: الحديد الشديد.
18 القندأو: الغليظ القصير.
19 في حاشية ف بخط أبي حيان عن ابن مالك أن النون في كنهبل
وهندلع زائدة، وإن أدى ذلك إلى بناء مهمل؛ لأنَّ أبنية
المزيد أكثر من أبنية المجرد، وقد جاء منه نحو: خَنضرِف
وشَفَنترَى وشَمَنصِير وسَلَنحفاء.
ص -178-
موجود في كلامهم.
وأمَّا1 جُندَب وعُنصَر وقُنبَر فيدلُّ على زيادة النون
فيها أنك لو جعلتها أصليَّةًَ لكان وزن الكلمة
"فُعْلَلًا". وهو نباء غير موجود في كلامهم. فأمَّا
جُؤذَر2 فأعجميّ. وبُرقَع وجُخدَب3 مخفَّفان من بُرقُع
وجُخدُب بالضمِّ. وأيضًا فإنَّ هذه النون قد لزمت هذا
البناء، وهي حرف زيادة، فدلَّ ذلك على زيادتها، إذ لو كانت
أصلًا لجاز أن يقع موقعَها غيرُها من الأصول.
وأيضًا فإنَّ ما جاء من هذا النحو, وعُلم له تصريف،
وُجِدَتِ النونُ فيه زائدةً نحو: قُنبَر؛ لأنهم يقولون في
معناه: قُبَّرٌ، فيحذفون النون. فيُحمَل4 ما جُهِل تصريفه
على ما عُلِم. وأمَّا جِندب بكسر الجيم وجُندُب بضمِّ
الجيم والدال5 فنونه زائدة؛ لأنه في معنى "جُندَب" المضموم
الجيم. فينبغي أن تكون نونه زائدة كما هي في المضموم
الجيم.
وأمَّا كِنْثأْوٌ6 وأَخواته فنونه زائدة، بدليل أنَّ هذه
الأسماء فيها ثلاثةُ أحرفٍ من حروف الزيادة: النون والهمزة
والواو. فقُضِي على الهمزة بالأصالة، لقلَّة زيادتها غيرَ
أَوَّل. وقُضِي على الواو بالزيادة، لملازمتها المثال7.
فإن قيل: فإن الهمزة أيضًا قد لازمت المثال: فالجواب أنه
لا يمكن أيضًا8 القضاء بزيادتها مع زيادة النون، لئلَّا
يؤدِّي إلى بقاء الاسم على أقلِّ من ثلاثة أحرف، إذ الواو
زائدة. فلمّا تعذّرت زيادتهما معًا قُضِي بزيادة النون؛
لأنَّ زيادة النون غيرَ أوَّلٍ أكثرُ من زيادة الهمزة.
فإن قيل: فهلَّا جَعلتَ الواو أصليَّة وقَضيتَ على النون
والهمزة بالزيادة. فالجواب أنَّ القضاء على الواو بالزيادة
أَولى من القضاء على الهمزة والنون بذلك؛ لأنَّ زيادة
الواو أكثر من زيادة النون والهمزة9 غيرَ أوَّل.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 المنصف 1: 137-138. وفي حاشية ف عن ابن سيده أن النون مع
الفتح زائدة عند سيبويه. الكتاب 2: 350 و401.
2 الجؤذر: ولد البقرة الوحشية.
3 الجخدب: ضرب من الجنادب.
4 م: قالوا في معتله قبر فحذفوا النون فحمل.
5 سقط "وجندب بضم الجيم والدال" من م.
6 المنصف 1: 164-165.
7 المنصف: لملازمتها هذا الموضع من هذا المثال.
8 سقط من م.
9 ف: الهمزة والنون.
ص -179-
وممّا يدلُّ على زيادة النون في هذه
الأسماء أنَّه قد تقرَّر في كِنْثأْو زيادةُ النون
بالاشتقاق؛ لأنهم1 قد قالوا: كَثّأَتْ لحِيتُه، إذا كانت
كنثأوًا، فحذفوا النون. قال الشاعر2:
وأنتَ امرُؤٌ, قَد كَثّأَتْ لَكَ لِحْيةٌ
كأنَّكَ, مِنها, قاعِدٌ في جُوالِقِ
فينبغي أن يُحمل ما لم يُعلم له اشتقاق، من هذه الأسماء، على
ما عُلِم له ذلك.
وأمَّا3 خِنزِيرٌ فنونه أصليَّة. وليس في قوله4:
لا تَفخَرُنَّ, فإِنَّ اللهَ أَنزَلَكُم
خُزْرَ تَغلِبَ, دارَ الذُّلِّ والهُونِ
دليل على أنَّ النون زائدة؛ لأنَّ خُزْرًا ليس بجمع خِنزير،
بل هو جمع أَخْزَر؛ لأنَّ كلَّ خِنزيرٍ عندهم أخزرُ،
خلافًا لأحمدَ بن يحيى، فإنه يجعل خُزْرًا جمع خِنزير.
وذلك فاسد؛ لأنه ليس قياس خِنزير أن يجمع على خُزْر. فمهما
أمكن أن يُحمل على المطّرِد5 كان أولى.
وزيدت ثالثةً غيرَ ساكنة في نحو: فِرْناس وذُرْنُوح6.
أمَّا ذُرنُوح فإنهم يقولون في معناه: ذُرُّوح فيحذفون
النون. وأمَّا فِرناس الأسد فإنه مشتقٌّ من فَرَسَ
يَفرِسُ؛ لأنَّ الافتراس من صفة الأسد7.
وزيدت رابعةً8 في: رَعْشَنٍ9 وعَلْجَنٍ وضَيفنٍ
وخِلَفْنة10 وعِرَضْنة11 فأمَّا رَعْشَنٌ فمن الارتعاش.
وعَلْجَنٌ من العِلْج –وهو الغليظ- لأنَّ العَلجَن:الناقة
الغليظة. ورجلٌ خِلَفْنةٌ وذو خِلَفْنة12 أي: في أخلاقه
خلاف13. وعِرَضْنة14 من التعرُّض.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 سقط من م حتى الشاهد، واستبدل به "لأنه للكث اللحية".
2 المنصف 1: 165 و3: 26 وشرح المفصل 6: 125 وشرح الملوكي
ص148 واللسان والتاج "كثأ" والأمالي 2: 79. وهو في الإبدال
2: 55 برواية:
كأنكَ منها بينَ تَيسَينِ قاعدُ
3 ف: فأما.
4 التاج "خزر". والخزر: جمع أخزر. وهو الضيق العينين
كالخنزير.
5 م: "فمهما أمكن حمله على المطرد". وفي حاشية ف بخط أبي
حيان عن ابن مالك أن النون في حنظلة وسنبل زائدة لقولهم:
حَظِلَ البعير وأسبل الزرع.
6 الذرنوح: دويبة. وقد أنكر في ص86 أن تكون النون في ذرنوح
زائدة.
7 المنصف 1: 167.
8 المنصف: 1: 167-168.
9 الرعشن: الجبان الذي يرتعش.
10 م: خلقنّة.
11 العرضنة: الذي يعترض الناس بالباطل. م: عرضنّة.
12 م: ورجل خلقنة وذو خلقنّة.
13 م: "اختلاف". وفي حاشية ف بخط أبي حيان عن ابن مالك أن
النون زائدة في سُحَفْنِية –وهو المحلوق الرأس- لأنه من
السحف. وهو الحلق.
14 العرضنة: الذي يعترض الناس بالباطل. م: عرضنّة.
ص -180-
وأمَّا ضَيفَنٌ ففيه خلاف: منهم من جعل
نونه زائدة1؛ لأنه الذي يجيء مع الضيف. فهو راجع إلى معنى
الضيف. ومنهم من ذهب إلى أنَّ نونه أصليَّةٌ –وهو أبو زيد-
وحكى من كلامهم: ضَفَنَ الرَّجلُ يَضفِنُ، إذا جاء ضيفًا
مع الضيف. فضَيفنٌ على هذا المذهب "فَيْعَلٌ" وهذا الذي
ذهب إليه أبو زيد أقوى. ويقوِّيه أيضًا2 أنَّ باب النون
ألَّا تكون في مثل هذا إِلَّا أصليَّة. وأيضًا فإنَّ نونه
إذا كانت زائدة كان وزنه "فَعْلَنًا"، و"فَيْعَلٌ" أكثرُ
من "فَعْلَنٍ".
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 في حاشية ف بخط أبي حيان أن هذا مذهب الخليل، واختار ابن
مالك مذهب أبي زيد.
2 م: ويقوي أيضًا مذهب أبي زيد.
ص -181-
باب التاء:
التاء تنقسم قسمين1: قسمٌ يُحكم عليه بالأصالة،
ولا يحكم [26 ب] عليه بالزِّيادة إِلَّا بدليل، وقسم يُحكم
عليه بالزِّيادة أبدًا، ولا يكون أصلًا.
فالقسم2 الذي يحكم عليه بالزيادة:
التاء التي في أَوائل أَفعال المُطاوَعة3، نحو قولك:
كسَّرتُه فتَكسَّرَ وقطَّعتُه فتَقطَّعَ ودَحرَجتُهُ
فتَدحرَج.
والتاء في أول "تَفاعَلَ"، نحو: تَغافَلَ وتَجاهَل، وما
تصرَّف من ذلك.
والتاء التي هي من حروف المُضارَعة، نحو: تَقُومُ
وتَخرُجُ.
والتاء التي في "افتَعَلَ" و"استَفْعَلَ"، وما تصرَّف
منهما.
والتاء التي للخطاب في نحو: أنتَ وأنتِ و4 أنتما وأنتم
وأنتنّ.
وتاء التأنيث نحو: قامتْ وخَرَجَتْ، وقائمةٌ وخارِجةٌ،
ورُبَّتَ وثُمَّتَ ولاتَ.
ومع "الآن"5، في نحو قوله6:
نَوِّلِي, قَبلَ نأيِ دارٍ, جُمانا
وصِليِنا, كَما زَعَمتِ, تَلانا
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 انظر سر الصناعة 1: 174-188 والكتاب 2: 347-349. وفي
حاشية ف بخط أبي حيان أن سيبويه جعل تاء تربوت أصلًا وكذلك
تاء تِنبال.
2 الكتاب 2: 349.
3 كذا. وفاته ذكر ما تصرف من هذه الأفعال.
4 م: وفي.
5 ف: وتلان.
6 البيت لجميل بثينة، وينسب إلى عمرو بن أحمر. ديوان جميل
ص229 وسر الصناعة 1: 185 والإنصاف ص110 والخزانة 2: 149
واللسان "حين" و"تلن" والتاج "تلن" والمزهر 1: 237.
ص -182-
أراد: الآنَ1. وحكى أبو زيد أنه سمع مَن
يقول: حَسبُكَ تَلانَ، يريد: حسبُكَ الآنَ. [فزادَ
التاء]2.
ومع الحين، في أحد القولين، في نحو قوله3:
العاطِفُونَ تَحِينَ ما مِن عاطِفٍ
والمُسبِغُونَ نَدًى إِذا ما أَنعَمُوا
جميع هذا يُحكم على التاء فيه بالزيادة، ولا يُحتاج في ذلك
إلى دليل، لوضوح كونها زائدةً فيه.
وأمَّا القسم الذي يُحكم عليه بالأصالة، ولا يكون زائدًا
إِلَّا بدليل، فما عدا ذلك. وإنما قضينا على التاء
بالأصالة، فيما عدا ذلك، لكثرة تَبيُّن أصالة التاء فيما
يُعرف له اشتقاق أو تصريف4، نحو: تَوءَم –فإنَّ تاءه
أصليَّة؛ لأنك تقول في الجمع: تُؤامٌ. وتُؤامٌ: "فُعالٌ"
فتاؤه أصل – وأمثالِ ذلك. ويقلُّ وجودُها زائدةً فيما عُرف
له اشتقاق أو تصريف. فلمّا كان كذلك حُمل ما جُهل أصله على
الكثير، فقُضي على تائه بالأصالة.
فممّا جاءت فيه التاء زائدة أوَّلًا: تألَبٌ وتُرتَبٌ5
وتُدْرأٌ6 وتِجفافٌ7 وتَعضُوض8 وتِمثالٌ وتِبيانٌ وتِلقاءٌ
وتِضرابٌ9 وتِهواءٌ10 من الليل وتِمساحٌ للكذَّاب
وتِمْرادٌ لبيت الحمام ورَجل تِقوالةٌ.
فالدليل11، على زيادتها في تَأْلَب اسم الحِمار، أنه12
مأخوذٌ من [قولك]13: أَلَبَ الحِمارُ أُتُنَه يألِبُها،
إذا طردها. وكذلك14 تُرتَبٌ: "تُفْعَلٌ" مِن الشيء
الرَّاتب. وتُدرأٌ15 من:
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 قال صاحب التاج "تلن": قال شيخنا رحمه الله تعالى: وجزم
ابن عصفور رحمه الله في الممتع بزيادة التاء.
2 من م.
3 البيت لأبي وجزة السعدي. الخزانة 2: 147-150 وسر الصناعة
1: 180 والإنصاف ص108 والصحاح واللسان والتاج "حين" ورواه
السيرافي: "العاطفونة حين".
4 المنصف 1: 102-103. وغفل عن نحو: اتمهلَّ واتمأرَّ
واتمألَّ.
5 الترتب: الشيء الراتب الثابت.
6 التدرأ: الدرء والدفع. ف: وتدرأ وترتب.
7 التجفاف: ما جلل الفرس من سلاح وآلة تقيه الجراح.
8 التعضوض: تمر أسود.
9 التضراب: الناقة التي ضربها الفحل.
10 التهواء: القطعة.
11 المنصف 1: 103-104.
12 م: فإنه.
13 من م.
14 الكتاب 2: 348 والمنصف 1: 103-104.
15 م: تدر.
ص -183-
دَرأتُ، أي: دَفَعتُ. وأيضًا فإِنه لا يمكن
جعل التاء في تُرتبٍ وتُدرأ أصلًا؛ لأنه ليس في كلامهم
"فُعْلَلٌ".
وكذلك تَتْفُلٌ1 تاؤه زائدة؛ لأنها لو كانت أصليَّة لكان
وزن الكلمة "فَعْلُلًا". وذلك بناء غير موجود في كلامهم.
ومن قال: تُتْفُلٌ، بضمِّ التاء فهي عنده أيضًا زائدة،
لثبوت زيادتها في لغة مَن فَتَحَ التاء.
وكذلك2 تِجفاف وتَعضُوض وتِبيان وتِلقاء وتِمساح وتِقوالة
وناقة تِضراب، هي3 مشتقَّة من: الجُفُوف والعَضِّ والبَيان
واللّقاء والمَسحِ والضِّراب والقَول. وتِمرادٌ4؛ لأنه من
ماردٍ أي: طويل. ومنه: قَصرٌ ماردٌ. وتِهواءٌ من الليل من
قولهم: مَرَّ هَوِيٌّ5 من الليل.
وكذلك التاء في تِنبال زائدة؛ لأنَّ التِّنبال هو القصير،
والنَّبَلُ هم القِصار، فيكون التِّنبال6 منه. وقد ذهب إلى
ذلك بعض أهل اللغة7.
وزيدت آخِرًا8 في سَنبَتة، بدليل قولهم: مَرَّتْ عليه9
سَنبةٌ من الدهر، بمعنى سَنبتة أي: قِطعة –فيحذفون التاء-
وفي رَغَبُوت ورَهَبُوت وطاغُوت10 ورَحَمُوت ومَلَكُوت
وجَبَرُوت؛ لأنها بمعنى الرغبة والرهبة والرحمة والمُلك
والتجبُّر والطُّغيان. [وقد]11 قالوا: رَغَبُوتَى
ورَهَبُوتَى ورَحَمُوتَى12، والتاء فيها أيضًا13 زائدة.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 التتفل: ولد الثعلب. وانظر 6أ.
2 الكتاب 2: 348.
3 ف: فهي.
4 التمراد: بيت الحمام.
5 الهوي: الهزيع.
6 م: التبيان.
7 قال صاحب التاج "نبل": "ذهب ثعلب إلى أنه من النبل. وبه
صرح الشيخ أبو حيان وجزم ابن هشام في شرح الكعبية والسهيلي
في الروض، وأقره البغدادي شيخ مشايخنا في الحاشية التي
وضعها على شرح ابن هشام المذكور، وهي عندي. وجعله سيبويه
رباعيًّا".
8 الكتاب 2: 348 والمنصف 1: 139. وفي حاشية ف بخط أبي حيان
عن ابن مالك أن سنبتة تحتمل كونها من السبت وهي المدّة؛
لأنَّ فعلتة لا نظير لها وفنعلة معروفة في حنظلة.
9 م: عليهم.
10 م: "وطاغوت ورهبوت". وفي حاشية ف بخط أبي حيان أن
سيبويه جعل التاء الأولى من تربوت أصلية لمناسبة التراب
–وهذا لا يكفي لكنه يقوى بكثرة بناء فَعَلوت–وجعل زون
سُبْروت هو فعلول. فكأنه ناقض نفسه لاحتمال أن يكون من
السبر. وغير سيبويه يرى تاء تربوت بدلًا من دال دربوت.
11 من م.
12 م: رغبوتي ورهبوتي ورحموتي.
13 ف: والتاء أيضًا فيها.
ص -184-
فأمَّا الثَّلَبُوت1 من قول لبيد2:
بأحِزَّةٍ الثَّلَبُوتِ, يَربأ فَوقَها
قَفْرَ المَراقِبِ, خَوفُها آرامُها
فالتاء فيه أصل. وأجاز ابن جنِّي أن تكون التاء زائدة، حملًا
على جَبَرُوت وأَخواته. قال: وليس ذلك بالقويِّ3. والصحيح
أنه لا يَسوغ جعلُ التاء فيه زائدةً، لقِلَّة ما زيدت فيه
التاء, ممّا هو على وزنه، إذ لا يُحفظ منه إِلَّا سِتَّةُ
الألفاظ المذكورة4.
وكذلك هي في عَنكَبُوت زائدة. واستدلَّ على ذلك سيبويه5،
بقولهم في جمعه: عَناكِب. ووجه الدليل من ذلك أنهم
كَسَّرُوا عنكبوتًا من غير استكراه. أعني: من غير أن
يُكلَّفوا ذلك6.
ولو كانت التاء أصليَّة لكان من بنات الخمسة. وهم لا
يكسّرون بنات الخمسة إِلَّا بعد استكراه. فدلَّ ذلك على
أنه ليس من بنات الخمسة، وأنَّ تاءه زائدة. وأيضًا فإنهم
يقولون في معناه7. العَنكباء. وذلك قاطع [27أ] بزيادة
التاء.
وفي8 عِفرِيت وغِزوِيت9. أمَّا غِزوِيت فالدليل على زيادة
تائه أنك لا تخلو من أن تجعل التاء والواو أصليَّتين. أو
تجعل التاء أصليَّة والواو زائدة10 أو العكس. فجعلهما
أصليَّتين11 يؤدِّي إلى كون الواو أصلًا12، في بنات
الأربعة [من غير المضعَّفات]13. وذلك فاسد. وجعل الواوِ
زائدةً14 والتاءِ أصليَّة يؤدِّي إلى بناء غير موجود. وهو
"فِعوِيل". فلم يبق إِلَّا أن تكون تاؤه زائدة وواوه
أصليَّة. وأمَّا عِفريت فتاؤه زائدة، بدليل قولهم في
معناه: عِفرِيةٌ.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 م: التلبوت.
2 من معلقته. ديوانه ص305. والأحزة: جمع حزيز. وهو ما
ارتفع من الأرض وغلظ. وفي حاشية ف عن الجوهري: "الثلبوت
اسم واد بين طيئ وذبيان": الصحاح "ثلب" ويربأ: يعلو.
والمراقب: جمع مرقب. وهو المرتفع. وخوفها أي: خوف الأتن.
والآرام: الأعلام. يصف حمار وحش مع أتنه.
3 المنصف 1: 139.
4 كذا. وقيل: بَرَهُوت.
5 الكتاب 2: 348 والمنصف 1: 139.
6 سقط من م.
7 زاد في المنصف: العنكب.
8 في حاشية ف بخط أبي حيان: "سقط من هنا إلى قوله: "وزيدت
أيضًا في أول الكلمة"، في نسخة الخفاف".
9 الغزويت: الداهية. وهو العزويت أيضًا. انظر المنصف 1:
169 و3: 28.
10 م: زائد.
11 م: أصليين.
12 م: الواو والتاء.
13 من م.
14 سقط من م.
ص -185-
وزيدت أيضًا في أوَّل الكلمة وآخِرها في1
تَرنَمُوتٍ، ووزنه "تَفْعَلُوتٌ". وهو: صوتُ ترنُّمِ
القوسِ عند الإِنباض. قال الراجز2:
تَجاوَبَ القَوسِ بِتَرنَمُوتِها
أي: بِتَرنُّمِها.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 الكتاب 2: 348 والمنصف 1: 139.
2 سر الصناعة 1: 157 والمنصف 1: 139 وشرح الملوكي ص197
وشرح المفصل 9: 158 وشرح شواهد الشافية ص283 والصحاح
واللسان والتاج "رنم".
ص -186-
باب الألف:
الألف لا تكون أبدًا أصلًا1. بل تكون زائدة، أو
منقلبةًً عن ياء أو واو –فمثال الزائدة ألف ضارِبٍ لأنه من
الضَّرْب. ومثال المنقلبة عن الياء ألف "رَمَى" لأنه من
الرَّمْي. ومثال المنقلبة عن الواو ألف "غَزا" لأنه من
الغَزْو – إِلَّا فيما لا يدخله التصريف، نحو الحروف،
والأسماء المتوغلة في البناء، فإنه ينبغي أن يُقضى على
الألف فيه بأنها أصليَّة. إذ لا دليل على جعلها زائدة، ولا
يُعلم لها أصلٌ في الياء ولا في الواو، فيُقضى على الألف
بأنها منقلبة عن ذلك الأصل. وممّا يُبيِّن ذلك وجودُ "ما"
و"لا" وأمثالهما في كلامهم. وقد تَقدَّم تَبيِينُ ذلك2.
والألف لا تخلو3 أن يكون معها حرفان أو أزيد. فإِن كان
معها حرفان قَضيتَ4 عليها بأنها منقلبة من أصل، إذ لا بدَّ
من الفاء والعين واللَّام، ونحو: رَمَى وغَزا.
وإن كان معها أزيدُ فلا يخلو أن يكون معها ثلاثة أحرف
مقطوعٌ بأصالتها، فصاعدًا، أو حرفانِ مقطوع بأصالتهما وما
عداهما مقطوعٌ بزيادته، أو محتَمِلٌ أن يكون أصلًا وأن
يكون زائدًا.
فإن كان معها حرفان مقطوعٌ بأصالتهما، وما عداهما مقطوعٌ
بزيادته، كانت الألف منقلبة عن أصل، إذ لا بدَّ من ثلاثة
أحرف أصول، كما تقدَّم. وذلك نحو: أَرطًى5، في لغة من
يقول: أَدِيمٌ مَرْطِيٌّ؛ ألَا ترى أنَّ قوله مَرْطِيٌّ
يقضي بزيادة الهمزة؟ وإذا ثَبَتَتْ زيادتها ثَبَتَ كون
الألف منقلبةً عن أصل.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 المنصف 1: 118 والكتاب 2: 344-346. وفي حاشية ف بخط أبي
حيان عن ابن القطاع أن الألف تكون أصلًا في الحروف نحو
بلى، مع ذكر مواضع زيادتها في الأسماء والأفعال.
2 انظر: ص35-36.
3 م: لا يخلو.
4 في النسختين: قطعت.
5 الأرطى: شجر يدبغ به.
ص -187-
وإن كان ما عداهما محتملًا للأصالة
والزيادة فلا يخلو أن يكون ميمًا أو همزة في أوَّل الكلمة،
أو نونًا ثالثة ساكنة فيما هو على خمسة أحرف، أو غيرَ ذلك
من الزوائد.
فإن كان ميمًا أو همزة [أولًا]1، أو نونًا ثالثة ساكنة،
قَضيتَ على الألف بأنها منقلبةٌ من أصل، وعلى الميم أو
الهمزة أو النون بالزيادة. وذلك نحو: أَفعًى ومُوسًى، ونحو
عَقَنقًى إن ورد في كلامهم، إِلَّا أن يقوم دليل على
أصالتها2 وزيادة الألف، وذلك قليل لا يحفظ منه إِلَّا
أَرطًى، في لغة من قال: أدِيمٌ3 مأروطٌ.
فإن قيل: فلأيِّ شيء قضَيتم بزيادة الميم والهمزة والنون،
وقضيم على الألف أنها منقلبة عن أصل؟ فالجواب أنَّ الذي
حَمل على ذلك أشياءُ.
منها أنَّ ما عُرِف له اشتقاق، من ذلك, وُجد الأمر فيه على
ما ذكرنا من زيادة الميم والهمزة والنون، نحو: أَعمَى
وأَعشَى ومَلهًى ومَغزًى4.
ومنها أنَّ الميم والهمزة5 والنون قد سبقت، فقُضِي عليها
بالزيادة لسَبقها إلى موضع الزيادة. فلمّا قُضي عليها
بالزيادة وَجب القضاء على الألف بانقلابها عن أصل.
ومنها أنَّ الميم والهمزة والنون قد ساوت الألفَ، في كثرة
الزيادة، وفَضَلَتْها بقوَّة الاختصاص؛ ألا ترى أنَّ الميم
والهمزة قد كثرت زيادتهما أوَّلًا6، كما كثرت زيادة الألف،
واختصَّتا7 بالزيادة أوَّلًا، وليست الألف كذلك، وأنَّ
النون كثرت زيادتها، ثالثةً ساكنة، فيما هو على خمسة أحرف،
وبعد الألف الزائدة قبل آخر الكلمة8، بالشرطين المتقدِّمين
في فصل9 النون، واختصَّت بالزيادة في هذين الموضعين، وليست
الألف كذلك؟
وإن كان غيرَ ذلك من الزوائد قَضيتَ على الألف بالزيادة,
وعلى ما عداها بالأصالة، إِلَّا ما
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 سقط من النسختين.
2 م: أصالتهما.
3 سقط من م.
4 م: معزى.
5 ف: أن الهمزة والميم.
6 م: أولين.
7 ف: اختصا.
8 سقطت بقية الفقرة من م.
9 كذا. والصواب: باب.
ص -188-
شذَّ1، نحو: عُزَّى2، إِلَّا أن يقوم دليل
على أنَّ الألف منقلبة عن [27 ب] أصل. وذلك نحو: قَطَوطًى3
وشَجَوجًى4 وذَلَولًى5. الألف في جميع ذلك أصل6.
وذلك أنَّ الألف لو جُعلت زائدة لم تخلُ الواو من أن تكون
أصلًا أو زائدة. فلو جعلتها زائدة لكان وزنها7 "فَعَولًى".
وذلك8 بناء غير موجود. ولو جعلتَ الواو أصليَّة لم تخل من
أن9 تجعل المُضعَّفين أصلين، أو أحدَهما أصلًا والآخَرَ
زائدًا. فلو جعلتهما أصلين لم يجز؛ لأنَّ ذلك يؤدِّي إلى
جعل الواو أصلًا، في بنات الأربعة، وذلك لا يجوز إِلَّا في
باب: ضَوضَيتُ10 وقَوقَيتُ11، على ما يُبيَّنُ بعدُ، إن
شاء الله. ولو جعلتَ أحدَهما أصلًا والآخَرَ زائدًا لكان
وزنها "فَعَلعًى". وذلك بناء غير موجود في كلامهم. فثَبَتَ
أنَّ الألف بدلٌ من أصل.
وإذا ثَبَتَ ذلك احتملت هذه الأسماء أن تكون الواو فيها
زائدة. من غير لفظ اللَّام، وأن تكون من لفظ اللَّام. فإن
كانت من غير لفظ اللَّام كان وزن هذه الأسماء "فَعَوعَلًا"
نحو: عَثَوثَلٍ12 وغَدَودَنٍ13 وإن كانت من لفظ اللَّام
كان وزنها "فَعَلْعَلًا" نحو: صَمَحْمَحٍ14 ودَمَكْمَكٍ15.
وحملها على أن تكون من باب صَمَحْمَحٍ أولى؛ لأنه أوسع من
باب عَثَوثَل. وهو الظاهر من كلام سيبويه، أعني أنها تحتمل
ضربين16 من الوزن، وباب صمحمح أولى بها.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 سقط "إِلَّا ما شذ" من م.
2 العزى: اسم صنم. وهو مما لم يشذ لأنه من العزة. ف: معزى.
3 القطوطى: المتبختر.
4 الشجوجى: المفرط في الطول.
5 الذلولى: المسرع المستخفي.
6 الكتاب 2: 345. والمراد أن الألف غير زائدة؛ لأنها
منقلبة عن أصل. وهو الواو التي قلبت ياء ثم ألفًا.
7 في حاشية ف بخط أبي حيان عن ابن القوطية: فَعَولَى
عَدَولَى. قرية بالبحرين، وناقة شَطَوطَى: عظيمة الشطِّ أي
السنام.
8 ف: وهو.
9 ف: لم يخل أن.
10 ضوضيت: من الضوضاء والجلبة.
11 قوقيت: من قوقت الدجاجة إذا صاحت.
12 العثوثل: الشيخ الثقيل.
13 الغدودن: المسترخي.
14 الصمحمح: الشديد القوي.
15 الدمكمك: الشديد.
16 وزعم الرضي أن المبرد هو الذي جعلها من باب "فعلعل"،
وأنَّ سيبويه جعلها من باب "فعوعل" فقط. انظر الكتاب 2:
329 و345-346 وشرح الشافية 1: 253.
ص -189-
وأمَّا مَن زعم أنَّ قَطَوطًى وذَلَولًى1
لا يكون وزنهما إِلَّا "فَعَوعَل"2، واستدلَّ على ذلك
بأنَّ اقطَوطَى واذلَولَى وزنُهما "افعَوعَلَ"، وزعم أنَّ
سيبويه لو حفظ3 "اقطَوطَى" لم يُجِزْ في قَطَوطًى إِلَّا
أن يكون "فَعَوعَلًا"، فلا يُلتفَتُ إليه، إذ ليس قَطَوطًى
باسم جارٍ على "اقطَوطَى"، فيلزمَ أن تكون الواو الزائدة
فيه من غير لفظ اللَّام، كما هي في اقطَوطَى.
بل لا يلزم، من كونهم قد اشتقُّوا "اقطَوطَى"، من لفظ
قَطَوطًى، أكثرُ من أن تكون أصولُهما واحدةً. وذلك موجود
فيهما؛ لأنَّ قَطَوطًى إذا كان وزنُه "فَعَلعَلًا" كانت
إحدى العينين وإحدى اللَّامين زائدتين، فتكون حروفه
الأصول: القاف والطاء والواو. وكذلك "اقطوطَى" الواو وإحدى
الطائين زائدتان، وحروفه الأصول: القاف والطاء والواو التي
انقلبت ألفًا. والدليل على أنَّ حروفه الأصول ما ذكرنا
قولهم: قَطَوانٌ، في معناه.
وإنْ كان مع الألف ثلاثةُ أحرف مقطوع بأصالتها فصاعدًا
قُضي على الألف أنها زائدة، إِلَّا في مضاعف بنات الأربعة
فإنَّ الألف يُقضى عليها بالأصالة؛ لأنَّ الألف لا تكون
أصلًا في بنات الأربعة4 كما ذكرنا، إِلَّا منقلبة عن ياء
أو واو، والياء والواو لا يكونان أصلين في بنات الخمسة
إِلَّا فيما شَذَّ ممَّا يُبيَّنُ5 في بابه، ولا في بنات
الأربعة إِلَّا في المضاعف نحو: قَوقَى6 وضَوضَى7.
فإن قيل: وما الديل على أنَّ الألف ليس زائدة8 في: ضَوضَى
وقَوقَى؟ فالجواب9 أنَّ جَعل الألف زائدة يؤدِّي إلى
الدخول في باب: سَلِسَ وقَلِقَ. وذلك قليل. وأيضًا فإنهم
قد قالوا:
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 م: دولى.
2 في حاشية ف بخط أبي حيان: "هو قول ش، وأباه ح. وقد أباه
أيضًا فا في الشيرازيات، وإن كان قد قال في الإيضاح
بالوجهين". والمراد بالحرف "ش" هو أبو علي الشلوبين.
وبالحرفين "فا" أبو علي الفارسي. وكان السيرافي قد سبق
الشلوبين في قوله. الارتشاف 1: 98.
3 قال الرضي: "قال سيبويه: جاء منه اقطوطى إذا أبطأ في
مشيه". شرح الشافية 1: 253. قلت: ولم أقف على ما نسبه
الرضي إلى سيبويه في كتابه. انظر الكتاب 2: 241-242 و329
و345. وفي حاشية ف بخط أبي حيان أن سيبويه أجاز أن يكون
قطوطى فعلعلًا وفعوعلًا. وأمَّا اقطوطى فهو افعوعل، وليس
في كلام العرب افعلعل، فالمادة واحدة والمعنى واحد والحكم
مختلف.
4 سقط "في بنات الأربعة" من م.
5 ف: مما يتبين.
6 قوقت الدجاجة: صاحت.
7 ضوضى: من الضوضاء والجلبة.
8 ف: بزائدة.
9 المنصف 1: 168-172.
ص -190-
ضَوضاءٌ وغَوغاءٌ1 كقَلقال وصَلصال. ولا
نحفظ2 في بنات الثلاثة اسمًا على "فَعْلاء" نحو "سَلقاءٍ"
و"ضَرباءٍ"3 منوّنًا. فدلَّ مجيء ضَوضاءٍ وغَوغاءٍ على
أنَّ "ضَوضَى"4 و"قَوقَى" من بنات الأربعة كـ"صَلصَلَ"5،
و"قَلقَلَ"6.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 الغوغاء من "غوغيت" ولم يذكره بعد، وإنما يمثِّل
لـ"قوقى"، فكان عليه أن يذكر هنا قوقاء.
2 كذا. وانظر ص373. ف: ولا يُحفظ.
3 م: صرباء.
4 ف: ضوضيت.
5 م: صلصال.
6 في حاشية ف بخط أبي حيان: بلغت المقابلة.
ص -191-
باب الياء:
الياء1 أيضًا لا تخلو من أن يكون معها حرفان أو
أزيدَ. فإن كان معها حرفان كانت أصلًا، إذ لا أقلَّ من
ثلاثة أحرف، نحو: ظَبْيٍ ورَمْيٍ. وإن كان معها أزيدُ من
حرفين فلا يخلو أن يكون معها ثلاثة أحرف مقطوع بأصالتها،
فصاعدًا، أو حرفان مقطوع بأصالتهما وما عداهما مقطوع
بزيادته، أو محتملٌ أن يكون أصلًَا وأن يكون زائدًا.
فإن كان معها حرفان مقطوع بأصالتهما وما عداهما مقطوع
بزيادته فالياء أصل، إذ لا أقلَّ من ثلاثة أحرف أصول2،
نحو: ياسِرٍ ويافِعٍ، من اليُسرِ ومن يَفَعة.
وإن كان ما عداهما محتملًا للأصالة والزيادة فلا يخلو أن
تكون الميم أوّلًا أو الهمزة، أو غير ذلك من الحروف
الزوائد. فإن كان الميم أو الهمزة [أوّلًا]3 قَضيتَ على
الياء بالأصالة، وعلى الميم والهمزة بالزيادة، كما فعلت
بهما إذا اجتمعا مع الألف. والسبب في ذلك ما قدَّمناه في
فصل4 الألف. وذلك نحو: أَيدَع5 ومِيراث. ولا يُحكم على
[28أ] الهمزة ولا على الميم بالأصالة، ويُحكم 6 على الياء
بالزيادة، إِلَّا أن يقوم دليل على ذلك نحو: أَيصَرٍ7. وقد
تَقدَّم الدليل على أصالة همزته في فصل8 الهمزة.
وإن9 كان غير ذلك من الزوائد قضيتَ على الياء بالزيادة،
وعلى ما عداها بالأصالة، نحو:
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 الكتاب 1: 346-347. وفي حاشية ف بخط أبي حيان مواضع
زيادة الياء عن ابن القطاع في الاسم والفعل.
2 سقط من م.
3 تتمة يقتضيها السياق.
4 كذا. والصواب: باب.
5 الأيدع: صبغ أحمر.
6 سقط من م.
7 الأيصر: الحشيش.
8 كذا. والصواب: باب.
9 سقط حتى "يأجج" من النسختين، وألحقه أبو حيان بحاشية ف.
ص -192-
يَرْمَعٍ1، إِلَّا أن يقوم دليل على خلاف
ذلك، نحو: ضَهْيأ ويأجَج2.
وإن كان معها ثلاثة أحرف فصاعدًا مقطوعًا بأصالتها قُضي
عليها بالزيادة؛ لأنَّ الياء لا تكون أصلًا في بنات
الخمسة، ولا في بنات الأربعة، إِلَّا أن يشِذَّ من ذلك شيء
فلا يقاس عليه، أو في مضاعف بنات الأربعة، نحو حَيحَى3.
والدليل، على أنَّ الياء في "حَيحَى" أصليَّة، أنك لو
جعلتها زائدة لكان "حَيحَى" من باب دَدَنٍ. وذلك قليل
جدًّا. فجعلنا الياء أصليَّة، إذ قد قام الدليل على أنَّ
الواو والياء4 يكونان أصلين5 في مضاعفات بنات الأربعة،
نحو: ضَوضَيتُ وقَوقَى6.
والذي شَذَّ من غير المضاعف، فجاءت الياء فيه أصليَّة،
نحو7: يَستَعُور8. وذلك أنَّ السين والتاء9 أصلان، إذ ليست
السين في موضع زيادتها، ولم يقم دليل على زيادة التاء. فلو
جعلنا10 الياء زائدة لأدَّى ذلك إلى شيئين: أحدهما أن يكون
وزن الكلمة "يَفْعَلُول"11. وذلك بناء غير موجود. والآخَر
لحَاق بنات الأربعة الزيادةُ من أوَّلها، في غير الأسماء
الجارية على الأفعال. وذلك غير موجود في كلامهم12. فلمَّا
كان جعلها زائدة يؤدِّي إلى ما ذُكِرَ جعلناها أصلًا.
فإن قيل: فإنَّ في جعلها أصلًا أيضًا خروجًا عما استقرَّ
في الياء، من كونها لا تكون أصلًَا في بنات الأربعة
فصاعدًا إِلَّا في باب: ضَوضَيتُ13. فالجواب أنه لمَّا كان
جعلُها زائدةً يؤدِّي إلى الخروج عما استقرَّ، من أن
الزيادة لا تلحق بنات ألاربعة فصاعدًا من أوَّلها، وجعلُها
أصليَّةً يؤدِّي [أيضًا]14 إلى الخروج عمَّا استقرَّ
للياء، من أنها لا تكون أصلًا في بنات الأربعة15 إِلَّا في
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 اليرمع: حصى بيض تلمع.
2 يأجج: اسم موضع.
3 حيحيت: بالغنم: صوَّتُّ. وهو أصل حاحيت.
4 ف: الياء والواو.
5 م: أصليين.
6 م: وقوقيت.
7 سقط من م.
8 اليستعور: شجر. وانظر المنصف 1: 145.
9 م: والياء.
10 م: جعلت.
11 م: يفعلون.
12 سقط "وذلك غير موجود في كلامهم" من م.
13 كذا. والصواب "حيحيت". وكذلك ما يلي في أول ص193.
14 من م.
15 سقط "في بنات الأربعة" من م.
ص -193-
باب: ضَوضَيتُ، كان الذي يؤدِّي إلى
الأصالة1 أولى.
وأيضًا فإنَّ الياء قد تكون أصلًا في مضاعف بنات الأربعة،
ولا تلحق بناتِ الأربعة فصاعدًا الزيادةُ من أوَّلها، في
موضع من المواضع. وأيضًا فجعلها أصلًا يؤدِّي إلى بناء
موجود –وهو "فَعْلَلُول"2 نحو: عَضرَفُوط3- وجعلها زائدة
يؤدِّي إلى بناء غير موجود. وهو "يَفْعَلُول".
وزعم أبو الحسن أيضًا أنَّ الياء في شِيراز4 أصل، وهي بدلٌ
من واوٍ، بدليل قولهم في الجمع: شَوارِيز.
فإن قيل: وما الذي حمله على جعلها أصليَّةً؟ فالجواب أنَّ
الذي حمله على ذلك أنه إن جعل الواو، التي الياءُ5 بدلٌ
منها، أصلًا أدَّى ذلك على بناء موجود. وهو "فِعْلال" نحو:
سِرداحٍ6. وإن جعلها زائدة أدَّى ذلك إلى بناء غير موجود.
وهو "فِوْعال". فحملَها على ما يؤدِّي إلى بناء موجود.
فإن قيل: وفي جعلها أصليَّة خروج أيضًا عن المعهود فيها.
فالجواب أنه لمَّا كان الوجهان كلاهما يُفضيان إلى الخروج
عن المعهود كان ما يُفضي إلى الأصالة أولى؛ لأنه مهما
قُدِر على أن يُجعل الحرف أصلًا لم يُجعل زائدًا. وأيضًا
فإنه لم يثبتْ7 زيادة الواو في أوَّل أحوالها ساكنة بعد
كسرة. فلذلك كان الأولى عنده أن تكون أصليَّة.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 م: الأصل.
2 م: فعلول.
3 العضرفوط: ذكر العظاء. م: عرفوط.
4 الشيراز: اللبن الرائب المستخرج ماؤه.
5 ف: إن جعل الياء التي الواو.
6 السرداح: الناقة الكريمة.
7 م: لم تثبت.
ص -194-
باب الواو:
الواو1 أيضًا لا يخلو أن يكون معها حرفان أو
أَزيدُ. فإن كان معها حرفان كانت أصلًا، إذ لا بدَّ من
ثلاثة أحرف. وإن كان معها أزيدُ فلا يخلو أن يكون معها
ثلاثة أحرف مقطوع بأصالتها، فصاعدًا –أي2: أزيدَ- أو حرفان
مقطوع بأصالتهما، وما عداهما مقطوعٌ بزيادته أو محتمل
للأصالة والزيادة.
فإن كان معها حرفان مقطوعٌ بأصالتهما، وما عداهما مقطوعٌ
بزيادته، كانت الواو أصلًا، إذ لا بدَّ من ثلاثة أحرف،
نحو: واقِدٍ وواعِدٍ.
وإن كان ما عداهما محتملًا للأصالة والزيادة فلا يخلو أن
يكون3 الميم أو الهمزة أوَّلًا، أو غير ذلك من حروف
الزيادة4. فإن كان الميم أو الهمزة [أوّلًا]5 قَضيتَ عليها
بالزيادة وعلى الواو بالأصالة، لِما ذكرناه في فصل6 الألف،
وإن لم يُعلم الاشتقاق نحو: الأَوتَكَى. وهو ضرب من التمر.
إِلَّا أن يقوم دليل على أصالة الهمزة، من اشتقاق أو تصريف
أو غير ذلك كأَولَقٍ، فتَجعل الواو إذ ذاك [28 ب] زائدة.
وإن كان غير ذلك من حروف الزيادة قَضيتَ على الواو
بالزيادة، وعلى ذلك الغير7 بالأصالة. إِلَّا أن يقوم دليل
على أصالة الواو، نحو: غِزْوِيتٍ8. فإنَّ واوه أصليَّة
وتاءَه زائدة،
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 الكتاب 2: 347. وفي حاشية ف بخط أبي حيان مواضع زيادة
الواو في الاسم والفعل عن ابن القطاع.
2 في النسختين: أو.
3 م: تكون.
4 ف: من الحروف الزوائد.
5 تتمة يقتضيها السياق.
6 كذا. والصواب: باب.
7 الغير: المغاير. ولا بأس في تحلية "غير" بـ"أل" في مثل
هذا المعنى؛ لأنها غير مضافة. بل يجوز أيضًا ذلك فيها مع
الإضافة إلى نكرة، فتكون أل اسمية موصولة حذف صدر صلتها.
انظر شرح قواعد الإعراب ص95 و211.
8 الغزويت: الداهية.
ص -195-
لِما ذُكر في فصل1 التاء.
وإن كان معها ثلاثة أحرف مقطوع بأصالتها فصاعدًا قَضيتَ
على الواو بالزيادة؛ لأنَّ الواو لا تكون أصلًا في بنات
الخمسة، ولا في بنات الأربعة2 إِلَّا في المضعَّف3، نحو:
قَوقَيتُ وضَوضَيتُ، فإنَّ الواو فيه أصل. وقد تَقَدَّم
الدليل على ذلك، بقول4 العرب: ضَوضاءٌ وغَوغاءٌ، في فصل5
الألف. ولا تُجعل أصليَّةً، فيما عدا باب ضَوضَيتُ، إِلَّا
أن يقوم على ذلك دليل، فيكون شاذًّا نحو وَرَنتَلٍ6. فإنَّ
الواو فيه أصليَّة ووزن الكلمة "فَعَنْلَلٌ"7، ولا تُجعل
زائدةً؛ لأنَّ الواو لا تُزادُ أوَّلًا أصلًا.
فإن قيل: وفي جعلها أيضًا أصلًا خروجٌ عمَّا استقرَّ لها،
من أنها لا تكون أصلًا إِلَّا في باب: ضَوضَيتُ. فالجواب
أنه قد تَقَدَّمَ أنه متى كان في الكلمة وجهان شاذَّانِ،
أحدهما يؤدِّي إلى أصالة الحرف، والآخر يؤدِّي إلى زيادته،
كانت الأصالة أَولَى.
وأيضًا فإن الواو قد جاءت أصلًا في ضرب8 من بنات الأربعة
–وهو المضاعف- ولم تُزَد أوَّلًا9 في موضع من المواضع.
وأيضًا فإنَّ جعلها زائدةً يؤدِّي إلى بناء غير موجود –وهو
"وَفَنْعَلٌ"10- وجعلها أصليَّةً يؤدِّي إلى بناء موجود.
وهو "فَعَنْلَلٌ" نحو: جَحَنفَل11.
فإن قال قائل: إنكم استدللتم على أن "ضَوضَيتُ" وبابه من
بنات الأربعة، بقولهم ضَوضاءٌ وغَوغاءٌ؛ لأنه لم يوجد مثل
"فَعْلاءٍ" في كلامهم، ولا دليل في ذلك لاحتمال أن تكون
الواو زائدة، ويكون وزن الكلمة "فَوعالًا" كتورابٍ12.
فالجواب أنه لو كان "فَوعالًا" لكان من باب "دَدَنٍ" -أعني
مما فاؤه وعينه من جنس واحد- وذلك قليل جدًّا، وباب ضَوضاء
وغَوغاء وضَوضَيتُ وغَوغَيتُ كثير، ولا يُتصوَّرُ حملُ ما
جاء كثيرًا على بابٍ لم يجئ منه إِلَّا اليسير.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 كذا. والصواب: باب.
2 ف: لا تكون أصلًا في بنات الأربعة ولا في بنات الخمسة.
3 م: المضاعف.
4 في الورقة 27. م: يقول.
5 كذا. والصواب: باب.
6 الورنتل: الشر والأمر العظيم.
7 ف: فعنللًا.
8 م: ضروب.
9 م: ولم يرد أوَّلًا.
10 م: فنعل.
11 الجحنفل: العظيم الشفة.
12 التوراب: التراب.
ص -196-
وأيضًا فإنَّ "فَوعالًا" كتَوراب قليلٌ
جدًّا1. وإذا كانت الواو أصلًا كان وزن الكلمة "فَعْلالًا"
كصَلصالٍ وقَلقالٍ. وذلك بناء موجود في المضعَّف كثيرًا2.
فحمله على ذلك أولى3.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ف: فوعالًا قليل جدًّا كتوراب.
2 ف: كثير.
3 سقط من م. وفي حاشية ف بخط أبي حيان عن ابن القطاع: باب
ما زيد من غير حروف الزيادة. وفيه أمثلة كثيرة من زيادة
العين والقاف والفاء والحاء والطاء...
ص -197-
باب: ما يزاد من الحروف في التضعيف
اعلم أنَّ التضعيف لا يخلو أن يكون من باب إدغام
المتقارِبَينِ1، أو من باب إدغام المِثلَينِ2. فإن كان من
باب إدغام المتقاربين فلا يلزم أن يكون أحد الحرفين
زائدًا. بل قد يمكن أن يكون زائدًا، وأن يكون أصلًا. وإذا
كان الإدغام من جنس إدغام المِثلين كان أحد المثلين
زائدًا، إِلَّا أن يقوم دليل على أصالتهما3، على ما
يُبيَّنُ.
فإن قيل: فِيمَ يَمتاز4 إدغام المتقاربَينِ من إدغام
المِثلَينِ؟ فالجواب عن ذلك أن نقول: إذا وُجِد حرف مضعَّف
فينبغي أن يُجعل من إدغام المِثلَينِ، ولا تجعله من إدغام
المتقاربينِ إِلَّا أن يقوم على ذلك دليل؛ لأنه لا يجوز أن
يُدغَم الحرف في مُقارِبه من5 كلمة واحدة، لئلَّا يلتبس
بأنه من إدغام المِثلَينِ؛ ألا ترى أنك لا تقول في
أَنمُلَة6: "أَمُّلة"؛ لأنَّ ذلك مُلبِس7، فلا يُدرَى: هل
هو في الأصل أَنمُلَة أو "أمْمُلَة"؟
فإن كان في الكلمة بعد الإدغام ما يدلُّ على أنه من إدغام
المتقاربَينِ جاز الإدغام. وذلك نحو قولك: امَّحَي
الكتابُ، أصله "انْمَحَى" بدليل أنه لا يمكن أن يكون من
باب8 إدغام المِثلَين. إذ لو كان كذلك لكان "افَّعَلَ",
و"افَّعَلَ" ليس من أبنية كلامهم. فلمَّا لم يمكن حمله على
أنَّ9 الإدغام فيه من قَبيل إدغام المِثلَينِ تبيَّن أنه
في الأصل "انمَحَى"؛ لأنَّ في كلامهم "انفَعَلَ".
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 م: المثلين.
2 م: "المتقاربين". وفي حاشية ف بخط أبي حيان عن اللباب
بيان لزيادة الحرف بالتضعيف. انظر ص263-264 من ابن عصفور
والتصريف.
3 ف: أصالته.
4 م: يختار.
5 م: في.
6 الأنملة: المفصل الأعلى من الإصبع.
7 م: يلبس.
8 سقط من م.
9 سقط من م.
ص -198-
فأمَّا "هَمَّرِش"1 فينبغي أن يُحمل2 على
أنَّ إدغامه من قَبيل إدغام المِثلَينِ، ويكون وزن الكلمة
"فَعَّلِلًَا"3، فتكون ملحقة بجَحَمرِشٍ4، لمِا ذكرناه من
أنَّ الأصل في كلِّ إدغام، يكون في كلمة واحدة، أن يُحمل
على أنه من قَبيل إدغام المِثلَينِ، إِلَّا أن يمنع من ذلك
مانع. فإذا صَغَّرتَ هَمَّرِشًا على هذا القول أو كسَّرتَه
قلتَ: هُمَيرِشٌ وهَمارِشُ. فتحذف إحدى الميمين لأنها
زائدة.
وأمَّا أبو الحسن فزعم5 أنَّ هَمَّرِشًا حُروفُه كلُّها
أُصول، وأنَّ الأصل "هَنْمَرِشٌ" بمنزلة [29 أ] جَحْمَرِش،
ثمَّ أُدغمت النون في الميم. وجاز الإدغام عنده لعَدمِ
اللَّبس. وذلك أنَّ هذه البِنية –أعني "فَعْلَلِلًا"- لم
تُوجد في موضع من المواضع قد لحقتها زوائد6 للإلحاق.
فيُعلَمُ بذلك أنَّ هَمَّرشًا في الأصل "هَنْمَرِشٌ". إذ
لو لم يُحمل على ذلك، وجُعل من إدغام المِثلَين، لكان أحد
المِثلَين زائدًا، فيكون ذلك كَسرًا لما ثَبَتَ في هذه
البِنية واستقرَّ، من أنها لا تلحقها الزوائد للإلحاق.
فتقول على هذا في تصغيرِ هَمَّرِش7 وتكسيره: هُنَيْمِرٌ
وهَنامِرُ. فتردُّ النون إلى أصلها، لمَّا زال الإدغام،
وتَحذف الآخِر لأنَّ حروف الكلمة كلَّها أصول.
وهذا الذي ذهب إليه فاسد8؛ لأنه مبنيٌّ على أنَّ هذه
البِنية لم تلحقها زيادة للإلحاق في موضع. وقد وُجِد هذا
الذي أَنكر، قالوا: جِرْوٌ نَخْوَرِشٌ أي: إذا
كَبِرَخَرَشَ9؛ ألا ترى أنَّ الواو زائدة10، وأنَّ الاسم
ملحق بجَحمَرِش؟ فإذا تقرَّر أنَّ هذه البِنية قد لحقتها
الزوائد للإلحاق وجب القضاء على إدغام هَمَّرِشٍ، بأنه11
من قَبيل إدغام المِثلَينِ.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 الهمرش: العجوز الكبيرة المسنة. وانظر شرح الشافية 2:
364-365.
2 م: يجعل.
3 م: "فعَّلَلًا". وفعّلِل لم يذكره المؤلف في الأبنية.
4 الجحمرش: العجوز الكبيرة. وفي حاشية ف بخط أبي حيان عن
أبي عبيدة عن ابن العلاء زيادة حروف الإلحاق في الاسم
والفعل.
5 سقط من م.
6 ف: زائدة.
7 م: همرس.
8 م: باطل.
9 م: خرّش.
10 في حاشية ف بخط أبي حيان: "قد ادَّعى في الأبنية أن
الواو في نخورش أصل، وأن حروفه كلها أصول، وأن وزنه
فَعلَلِل نحو جحمرش. وهو مخالف لما ردَّ به على الأخفش
هنا". انظر ص71. وقال صاحب التاج: "قال شيخنا: وقد تعارض
فيه كلام ابن عصفور في الممتع، فحكم مرة بأصالة الواو
زاعمًا أنه ليس لهم فعللل – [في المطبوعة: فعوعل. ولعلها:
نفوعل]- غيره. وزعم مرة أنها زيدت للإلحاق". قلت: وابن
عصفور لم يزعم أنه ليس لهم فعللل غير نخورش. انظر ص56.
11 م: وجب القضاء على همرش بأن إدغامه.
ص -199-
فإذا1 كان الإدغام من جِنس إدغام
المتقاربين فالذي ينبغي أن يُحكم به على الحرفين
المتقاربين الأصالةُ، إِلَّا أن يقوم دليل من الأدلة
المتقدِّمة على الزيادة.
وإذا كان الإدغام من جنس إدغام المِثلَين فلا يخلو من أن
يكون اللفظ من ذوات الثلاثة، أو من ذوات الأربعة، أو من
ذوات الخمسة.
فإن كان من ذوات الثلاثة قُضي على المِثلَين بالأصالة، إذ
لا بدَّ من الفاء والعين واللام، نحو: رَدَّ وفَرَّ.
وإن كان من ذوات الأربعة فإنه لا يخلو أن يكون المضعَّف
بين الفاء واللام نحو: ضَرَّبَ، أو في الطرف بعد العين
نحو: قَرْدَدٍ2 أو غير ذلك. فإن كان المضاعف على ما ذكرنا3
كان أحد المِثلَين زائدًا. وذلك أنَّ كلَّ ما له اشتقاق من
ذلك يوجد أحدُ المِثلَين منه زائدًا4، نحو "ضَرَّبَ"، فإنه
من الضَّرْبِ، و"قُعْدُدٍ"5 فإنه من القُعود. فحُمِل ما
ليس له اشتقاق، نحو: سُلَّمٍ وقِنَّبٍ، على أنَّ أحد
المِثلَينِ منه زائد.
وإن لم يكن المضعَّف على ما ذُكر كان كلُّ واحد منهما
أصلًا. وذلك نحو: صَلصَلٍ6 وفَرفَخٍ7 وقُربُقٍ8
ودَيدَبُونٍ9 وشَعَلَّعٍ10 والذي أوجب ذلك أنه لم يثبت
زيادة أحد المِثلَين في مثل11 ما ذُكر، باشتقاق أو تصريف
في موضع من المواضع, فيُحملَ ما ليس فيه اشتقاق على
الزيادة. بل الواجب أن يُعتقد في المِثلَين الأصالة، إذ
الزيادة لا تُعتقد12 إِلَّا بدليل.
وأيضًا فإنك لو جعلت أحد المِثلَينِ في جميع ذلك زائدًا
لكان13 وزن فَرفَخ: "فَعفَلًا"،
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 م: وإذا.
2 القردد: الوجه.
3 م: ما ذكر.
4 م: زائد.
5 القعدد: القاعد عن المكارم.
6 الصلصل: ناصية الفرس.
7 في حاشية ف: فرفخ هي البقلة الحمقاء.
8 القربق: الحانوت.
9 الديدبون: اللهو واللعب.
10 في حاشية ف: "الشعلع: الطويل". وفي كل من ديدبون وشعلع
أكثر من أربعة أحرف. وهو خلاف ما يتكلم عليه المؤلف. ثم إن
إحدى اللامين في شعلع زائدة.
11 وكذلك في نسخة الخفاف كما جاء في حاشية ف ف: "كلّ".
12 م: لا تثبت.
13 سقط من م حتى قوله "أصلين كان".
ص -200-
ووزن قُربُق: "فُعلُفًا"، ووزن دَيدَبُون:
"فَيفَعولًا"، ووزن شَعَلَّع: فَعَلَّعًا"، وهي أبنية لم
تثبت في كلامهم. وإذا جعلت المِثلَينِ أصلين كان وزن
فَرفَخ1: "فَعْلَلًا"2، ووزن "قُربُق": "فُعْلُلًا"، ووزن
دَيدَبون: "فَيْعَلُولًا"3، ووزن شَعَلَّع: "فَعَلَّلًا"،
وهي أبنية موجودة في كلامهم. وما يؤدِّي إلى مثال موجود
أولى.
وأمَّا صَلصلٌ وبابه فلو جعلتَ كلَّ واحد من المِثلَين
زائدًا لأدَّى ذلك إلى بقاء الكلمة على أقلَّ من ثلاثة
أحرف. ولو جعلت إحدى الصادين أو اللامين من صَلصَلٍ زائدة،
لا مجموعهما، لم يجز ذلك لأنه إن جُعل إحدى الصادين4 زائدة
لم يخل من أن تكون الأُولى أو الثانية: فإن كانت الزائدة
الأُولى كان وزن الكلمة "عَفْعَلًًا"5، وذلك بناء غير
موجود. وأيضًا فإنَّ الكلمة تكون إذ ذاك من باب: سَلِسَ
وقَلِقَ –أعني ممَّا لامه وفاؤه من جنس واحد- وذلك قليل.
وإن كانت الثانية كان وزن الكلمة "فَعْفَلًا"6، وذلك بناء
غير موجود. وأيضًا فإن الكلمة إذ ذاك تكون من باب ما ضوعفت
فيه الفاء، نحو: مَرْمَرِيس؛ لأنَّ وزنه "فَعْفَعِيل".
وذلك قليل جدًّا، لا يُحفظ منه إِلَّا مَرمَرِيس7،
ومَرمَرِيت بمعناه.
وإن جعلتَ اللام زائدة لم تخل8 من أن تكون الأُولى، أو
الثانية. فإن كانت الأُولى كان وزن الكلمة "فَلْعَلًا"9،
وذلك بناء غير موجود. وأيضًا فإنَّ الكلمة تكون إذ ذاك من
باب دَدَن. أعني ممَّا فاؤه وعينه من جنس واحد، وإن كانت
الثانية كان وزن الكلمة "فَعْلَعًا"10 وذلك بناء غير
موجود. وأيضًا فإنه يكون من باب: سَلِس وقَلِق؛ لأنَّ فاء
الكلمة إذ ذاك ولامها الصاد، وقد تَقَدَّم [29 ب] أنه بناء
قليل.
فلمَّا ثَبَتَ أنَّك كيفما فعلتَ في جعلِ أحد الحرفين
زائدًا يؤدِّي إلى بناء معدوم، ودخولٍ في
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 م: فرفج.
2 في النسختين: فعلل.
3 ف: "فعللولًا". م: "فعلول". وكلاهما خلاف ما وزنه به
قبل، حيث أثبت أن الياء زائدة وليست أصلًا.
4 سقط "أو اللامين... الصادين" من م.
5 م: عفعل.
6 م: فعفل.
7 المرمريس: الداهية. قلت: وقد تكون الفاء مكررة في:
بربيطياء وقرقيسياء وفشفارج وشفشليق وصهصلق وسلسبيل
وصفصلَّى...
8 م: لم يحد.
9 م: فلعل.
10 م: فعلع.
ص -201-
باب قليل، وكان باب صَلصَلٍ كثيرًا،
جُعِلَتْ حروفُه كلُّها أصولًا، وجُعِلَ صِنفًا برأسه، ولم
يَدخل في باب من الأبواب المذكورة.
وإن كان من ذوات الخمسة فلا يخلو من أن يكون المضعَّف منه
حرفًا واحدًا أو أَزْيدَ. فإن كان المضعَّف منه حرفًا
واحدًا فلا يخلو أن يفصل بينهما أصل أو لا يَفصل. فإن
فَصلَ بينهما أصلٌ كان كلُّ واحد من المِثلَينِ أصلًا نحو:
دَردَبِيس1 وشَفشَلِيق2؛ ألا ترى أنَّ الراء والفاء قد
فصلتا3 بين المِثلَين، وليستا4 من حروف الزيادة؟
وإنما جُعل المثلان أصلين في مثل هذا؛ لأنه لم يَثبت زيادة
أحد المثلين في مثل ذلك، في موضع من المواضع باشتقاق ولا
تصريف، فحُملَ ما ليس له5 اشتقاق ولا تصريف على ذلك,
وأيضًا فإنك لو جَعلتَ أحد المثلين زائدًا لكان وزن
شَفشَلِيق::فَعْفَلِيل"، وذلك بناء غير موجود.
وإن لم يَفصِل بينهما أصلٌ بل زائد، أو لم يقع بينهما
فاصل، كان أحد المثلين زائدًا. وذلك نحو: شُمَّخْرٍ6
وخَنفَقِيقٍ7، إحدى القافين وإحدى الميمين زائدتان8. وذلك
أنَّ كلَّ ما عُلِم له من ذلك اشتقاقٌ أو تصريف وُجد9 أحد
المضعَّفَين منه زائدًا؛ ألا ترى أنَّ "اشمَخَرَّ" يدلُّ
على أنَّ إحدى الميمين من شُمَّخْر زائدة؟ فحُمِل ما ليس
له اشتقاقٌ على ذلك.
وإن كان المضعَّفُ أزيدَ كان كلُّ واحد من المِثلين
زائدًا، نحو: صَمَحْمَحٍ10 ودَمَكمَكٍ11، إحدى الميمين
وإحدى الحاءين أو الكافين زائدتان12، بدليل أنَّ ما له
اشتقاق أو تصريف من ذلك وُجِد13 كلُّ واحد من المِثلَين
فيه زائدًا، فحمل ما ليس له اشتقاق على ذلك، نحو:
مَرمَرِيس. فإنه14 من المَراسة15، فإحدى الميمين وإحدى
الراءين زائدتان.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 الدردبيس: الداهية. وفيه ستة أحرف لا خمسة.
2 الشفشليق: العجوز المسترخية اللحم. وفيه ستة أحرف أيضًا.
م. سفسليق.
3 م: فصلت.
4 في النسختين: وليسا.
5 م: ولا تعريف فيحمل ما ليس فيه.
6 الشمخر: الطامح النفس المتكبر. وفيه ستة أحرف. ف: شمخز.
7 الخنفقيق: الداهية والخفيفة من النساء الجريئة. وفي ستة
أحرف.
8 م: زائدتين.
9 م: وجرى.
10 الصمحمح: الشديد القوي. وفي حاشية ف بخط أبي حيان تفصيل
مذهب البصريين والكوفيين في وزنه وما زيد فيه.
11 الدمكمك: الشديد.
12 في النسختين: زائدة.
13 م: وجر.
14 م: كأنه. وفي مرمريس ستة أحرف.
15 الكتاب 2: 353.
ص -202-
فإن قيل: فأيُّ الحرفين هو الزائد؟ فالجواب
أنَّ في ذلك خلافًا1:
فمذهب الخليل2 أنَّ الزائد الأوَّل، فاللام الأُولى من
سُلَّمٍ هي الزائد، وكذلك الزاي الأولى من بَلِزّ3.
وحُجَّتُهُ أنَّ الأَوَّلَ قد وقع موقعًا تكثر4 فيه
أُمَّهات الزوائد. وهي الياء والألف والواو؛ ألا ترى أنَّ
حروف العلَّة الثلاثة قد تَقع ثانيةً زائدةً نحو: حَومَلٍ5
وصَيْقَلٍ وكاهِلٍ؟ فإذا قضينا بزيادة اللام الأولى من
سُلَّمٍ كانت واقعةً موقعَ هذه الزوائد وساكنةً مثلها.
وكذلك أيضًا قَد تقع هذه الحروف ثالثةً نحو: كِتاب وعَجُوز
وقَضِيب. فإذا جعلنا الزاي الأولى من بِلِزّ زائدة كانت
واقعةً موقع هذه الزوائد وساكنةً مثلها.
ومذهبُ يُونُس6 أنَّ الثاني هو الزائد. واستدلَّ على ذلك
أيضًا بأنه إذا كان الأمر على ما ذُكر وقعت الزيادة موقعًا
تكثر فيه أُمَّهات الزوائد؛ ألا ترى أنَّ الياء والواو قد
تَقَعان زائدتين متحرِّكتين ثالثتين، نحو: جَهوَرٍ7
وعِثْيَرٍ؟8 فإذا جعلنا اللام الثانية من سُلَّمٍ هي
الزائدة كانت واقعةً موقع الياء من عِثيَرٍ والواو من
جَهوَرٍ ومتحرِّكةً مثلهما. وكذلك أيضًا تكثرُ زيادتُهما9
رابعتَينِ مُتحرِّكتين نحو: كَنَهوَرٍ10 وعِفْرِيَةٍ11.
فإذا جعلنا الزاي الثانية12 من بِلِزٍّ13 زائدة كانت
واقعةً موقع الواو من كَنَهوَرٍ، والياء من عِفْرِيَةٍ،
ومُتحرِّكةً مثلهما.
قال سيبويه: وكلا القولين صحيحٌ ومذهبٌ14.
وهذا القدر الذي احتجَّ به الخليل ويونس لا حُجَّةَ لهما
فيه؛ لأنه ليس فيه أكثرُ من التأنيس بالإتيان بالنظير،
وليس فيه دليل قاطع15.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 شرح الشافية 2: 365-366.
2 الكتاب 2: 354.
3 البلز: الضخمة م: بلزز.
4 م: يكثر.
5 حومل: اسم موضع. ف: "حوقل". والحوقل: الذكر اللين.
6 الكتاب 2: 354 وشرح الشافية 2: 365 ويونس: ابن حبيب
الضبي، إمام في اللغة والنحو للبصريين، توفي سنة 182.
أخبار النحويين البصريين ص32.
7 الجهور: الجريء الماضي المقدم.
8 العثير: التراب.
9 ف: زيادتها.
10 الكنهور: العظيم المتراكب من السحاب.
11 العفرية: الخبيث المنكر.
12 ف: الواحدة.
13 م: بلزز.
14 في الكتاب 2: 354: وكلا الوجهين صواب ومذهب.
15 شرح الشافية 2: 366.
ص -203-
وزعم الفارسيُّ1 أنَّ الصحيح ما ذهب إليه
يُونُس، من زيادة الثاني من المِثلَين، واستدلَّ على ذلك
بوجود "اسحَنكَكَ"2 و"اقعَنسَسَ"3 وأشباههما في كلامهم.
وذلك أنَّ النون في "افعَنْلَلَ" من الرباعيّ لم توجد قطُّ
إِلَّا بين أصلين، نحو: احرَنجمَ4. فينبغي أن يكون ما
أُلحق به من الثلاثيِّ5 بين أصلين؛ لئلَّا يُخالف الملحَقُ
ما أُلحِقَ به. ولا يمكن جعل6 النون في "اسحَنكَكَ"7
و"اقعَنسَسَ" وأشباههما بين أصلين، إِلَّا بأن يكون
الأوَّلُ من المثلين هو الأصل، والثاني هو الزائد. وإذا
ثَبَتَ في هذا الموضع أنَّ الزائد من المثلين هو الثاني
حُملت سائر المواضع عليه.
وهذا الذي استدلَّ به لا حجَّة فيه؛ لأنه [30 أ] لا يَلزمُ
أن يوافق الملحَقُ ما أُلحِقَ به في أكثرَ من موافقته له
في الحركات والسَّكنات وعددِ الحروف؛ ألا ترى أنَّ
النُّونَ في "افعَنلَلَ" من الرباعيِّ بعدها حرفانِ
أصلانِ، وليس بعدها فيما أُلحِقَ به من الثلاثيِّ إِلَّا
حرفان، أحدُهما أصليٌّ والآخر زائد؟ فكما خالف الملحَقُ
الملحَقَ به في هذا القَدْر، فكذلك يجوز أن يُخالفه في كون
النون في الملحق به واقعة بين أصلين، وفي الملحق واقعة بين
أصل وزائد8.
والصحيح عندي ما ذهبَ إليه الخليلُ، من أنَّ الزائد منهما
هو الأوَّلُ، بدليلين:
أحدهما: أنهم لمّا صَغَّروا صَمحمَحًا قالوا: صُمَيمَحٌ9،
فحذفوا الحاء الأُولى: ولو كانت الأُولى هي الأصليَّة
والثانية هي الزائدة لوجب حذف الثانية؛ لأنه لا يُحذف في
التصغير الأصلُ ويبقى الزائد.
فإن قال قائل: فلعلَّ الذي مَنعَ من حذف الحاء الأخيرة،
وإن كانت هي الزائدة، ما ذكره الزَّجَّاج من أنكَ لو
فَعلتَ ذلك لقلت "صُميحِمٌ"، ويكون تقديره من الفعل
"فُعَيلِعٌ"، وذلك بناء غير موجود. فالجواب أنَّ هذا القدر
ليس بمُسوِّغٍ حذفَ الأصليِّ، وتركَ الزائد؛ لأنَّ البناء
الذي يُؤدِّي إليه التَّصغيرُ عارضٌ لا يُعتدُّ به، بدليل
أنك تقول في تصغير افتِقار: فُتَيقِيرٌ10، فتحذف
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 م: المازني.
2 اسحنكك الليل: اشتدت ظلمته.
3 اقعنسس: رجع وتأخر.
4 احرنجم القوم: اجتمعوا.
5 في النسختين: الثلاثة.
6 م: حمل.
7 امحنكك.
8 في حاشية ف بخط أبي حيان تعليل لمذهب الخليل ونقد لتعليل
ابن عصفور.
9 م: صميميح.
10 م: فتيقر.
ص -204-
همزة الوصل، وتصير كأنك صغَّرت "فَتقارًا",
و"فَتْعال" ليس من أبنية كلامهم. فكذلك كان ينبغي أن يقال
"صُمَيحِمٌ"، وإن أدَّى إلى بناء غير موجود.
والآخرُ: أنَّ العين إذا تَضعَّفتْ، وفَصلَ بينهما حرف،
فإنَّ ذلك الفاصل أبدًا لا يكون إِلَّا زائدًا نحو:
عَثَوثَلٍ1 وعَقَنقَلٍ2؛ ألا ترى أنَّ الواو والنون
الفاصلتين بين العينين زائدتان؟ فإذا ثَبَتَ ذلك تبيَّن
أنَّ الزائد من الحاءين في صَمحمَحٍ هي الأُولى؛ لأنها
فاصلة بين العينين.فلا يُتصوَّرُ أن تكون أصلًا، لئلا يكون
في ذلك كسرٌ لِما استقرَّ في كلامهم، من أنه لا يجوز الفصل
بين العينين إِلَّا بحرف زائد. وإذا ثَبَتَ أنَّ الزائد من
المِثلين، في هذين الموضعين، هو الأوَّل حُمِلتْ سائر
المواضع عليهما3.
وإذ قد فرغنا من تبيين الحروف الزوائد، والأدلَّة الموصلة
إلى معرفة الزائد من الأصليِّ، فينبغي أن أضع4 عَقِبَ ذلك
بابًا أُبيِّنُ فيه كيفيَّة وِزان الأسماء والأفعال،
والخلافَ الذي بين النحويِّين في ذلك.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 العثوثل: الشيخ الثقيل.
2 العقنقل: الكثيب العظيم من الرمل.
3 م: "عليها". وفي حاشية ف بخط أبي حيان اعتراض على ما جزم
به ابن عصفور هنا.
4 ف: نضع.
ص -205-
باب التمثيل:
اعلم أنَّك إذا أردتَ أن تُبيِّنَ وزن الكلمة من
الفِعل1 عمدت إلى الكلمة، فجعلت في مقابلة الأُصول منها
الفاء والعين واللام؛ فتجعل الفاء في مقابلة الأصل
الأوَّل، والعينَ في مقابلة الثاني، واللامَ في مقابلة
الثالث. فإن فَنِيَتِ الفاء والعين واللام ولم تفنَ الأصول
كرَّرتَ اللام في الوزن، على حَسَبِ ما بقي لك من
الأُصول2، حتَّى تَفنَى.
وأمَّا الزوائد3 فلا يخلو أن تكون مكرَّرة من لفظ الأصل،
أو لا تكون. فإن لم تكن مكرَّرة من لفظ الأصل أبقيتَها في
المثال على لفظها، ولم تجعل في مقابلتها شيئًا. وإن كانت
مكرَّرة من لفظ الأصل وزنتَها بالحرف الذي تَزِن به الأصلَ
الذي تكرَّرتْ منه.
فعلى هذا إذا قيل لك: ما وزنُ زَيد من الفِعل؟ قلتَ:
"فَعْلٌ"؛ لأنَّ حروفه كلَّها أُصول، وهي ثلاثة. فتجعل في
مقابلتها الفاء والعين واللام.
فإن قيل لك: ما وزن جَعفَر من الفِعل؟ قلتَ: "فَعْلَلٌ"؛
لأنَّ حروفه كلَّها أُصولٌ أيضاً4. فجعلتَ في مقابلتها
الفاء والعين واللام، فبقي حرفٌ من الأُصول، فكرَّرت اللام
كما تَقَدَّم.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 شرح الشافية 1: 10-32.
2 ف: الأصل.
3 في حاشية ف استدراكان لأبي حيان. أمَّا الأول فهو ما
يلي: "الزائد يعبر عنه بلفظه" إِلَّا المبدل من تاء
الافتعال فبالتاء. فلا تقول في مثل ازدجر واضطرب: افدَعَلَ
ولا افطَعَلَ، ولكن: افتَعَلَ، كراهية الاستثقال أو قصدًا
لبيان أصل الزنة. وإلا المكرر للإلحاق أو لغيره فبالحرف
الأصلي الذي قبله، فصل بينهما زيادة أو لم، كان التكرير من
حروف الزيادة أو لم. فيقولون في جلببَ واحمرَّ وعلَّمَ:
فعلَلَ وافعَلَّ وفعَّلَ". انظر شرح الشافية 1: 10.
وأمَّا الاستدراك الثاني فهو قوله: "إن كان في الموزون قلب
قلبتَ الزنة مثله، كقولك آدُرٌ: أعفُلٌ. ويعرف القلب
بالأصل نحو: ناءَ يَناءُ، هو مأخوذ من النأي، وهو المصدر
وهو أصل له، فجعلوا اللام موضع العين، والعين موضعها.
وأمثلةِ اشتقاقه كالجاه فإنه من الوجه، والحادي لأنك تقول:
واحِدٌ وتَوَحَّدَ، وهو منه، والقِسِيّ لأنك تقول: قوسٌ
وتَقَوَّسَ.وبصحته كأيِسَ لأنه يقال: يَئسَ. فأيسَ مقلوب
منه، إذ لو كان أصلًَا لقيل:آسَ؛ لأنَّ العين المتحركة وهي
ياء...".
4 م: لأنَّ حروفه أيضًا كلها أصول.
ص -206-
فإن قيل لك: ما وزن أحمَد؟ قلتَ:
"أَفْعَلُ"؛ لأنَّ أحمد همزته زائدة، فأبقيتَها في الوزن
بلفظها، وسائر حروفه كلّها أصول، فجعلتَ في مقابلتها الفاء
والعين واللام.
فإن قيل لك: ما وزن عَقَنقَل؟1 قلتَ: "فَعَنْعَلٌ"؛ لأنَّ
حرفين من حروفه زائدان –وهما النون وإِحدى القافين- وسائر
حروفه أصليَّة2، فجعلتَ3 في مقابلة الأصول الفاء والعين
واللام. وبقَّيتَ النون في المثال بلفظها لأنها زائدة4،
وجَعلتَ في مقابلة القاف الزائدة العينَ، ولم تزنها
بلفظها؛ لأنها تكرَّرت من لفظ العين [30 ب]، فكرَّرتَها5
في المثال من لفظ العين, حتَّى يوافق المثالُ الممثَّلَ.
فإن قيل: وما الفائدة في وزن الكلمة بالفِعل؟ فالجواب أنَّ
المراد بذلك الإعلام بمعرفة الزائد من الأصليِّ، على طريق
الاختصار؛ ألا ترى أنك إذا وزنت أحمد بـ"أَفْعَل" أغنى ذلك
عن قولك6: الهمزة من "أحمد" زائدة، وسائر حروفه أُصول.
وكان أخصرَ منه.
فإن قيل: فلمَ كَنَوا عن الأُصول بالفاء والعين واللام:؟
فالجواب أنَّ الذي حَملهم على ذلك أنَّ حروف الـ"فعل"
أُصول، فجعلوها لذلك في مقابلة الأُصول.
فإن قيل: فهلَّا كنَوا عن الأُصول بغير ذلك من الألفاظ
التي حروفها أصول، كـ"ضرب" مثلًا؛ ألا ترى أنَّ الضاد
والراء والباء أُصول؟ فالجواب أنهم لمَّا أرادوا أن يَكنوا
عن الأُصول كنَوا بما مِن عادة العرب أن تَكنِيَ به، وهو
"الفعل"؛ ألا ترى أنَّ القائل يقول لك: هل ضربتَ زيدًا؟
فتقول: فَعَلتُ. وتكني بقولك "فعلتُ" عن الضرب.
وزعم أهل الكوفة أنَّ نهاية الأُصول ثلاثة، فجعلوا الراء
من "جعفر" زائدة، والجيم واللام من "سفرجل" زائدتين،
وجعلوا وزن جعفر من الفِعل "فَعْلَلًا"، ووزن سفرجل:
"فَعَلَّلًا"7 كما فعلناه نحن، وأمَّا الكسائيُّ منهم فجعل
الزيادة من جعفر وأشباهه ما قبلَ الآخِر.
وكان الذي حملهم على ذلك أن رأَوُا المثال يلزم ذلك فيه؛
ألا ترى أنَّ إحدى اللَّامين من "فَعْلَل" زائدة؟ وكذلك
"فَعَلَّل" اللَّامان من هذه الثلاثة زائدتان. هكذا قياس
كل مضعَّف. أعني أن يُحكم على أحد8 المِثلَين أو الأمثال
بالأصالة، وعلى ما عداه بالزيادة. فلمَّا رأى ذلك لازمًا
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 العقنقل: الكثيب العظيم من الرمل.
2 م: أصليات.
3 م: فجُعلت.
4 سقط من م حتى "ولم تزنها بلفظها لأنها".
5 سقط من م.
6 ف: قولهم.
7 سقط "ووزن سفرجل فعللًا" من م.
8 م: إحدى.
ص -207-
في المثال قضى على الممثَّل بمثل1 ما يلزم
في المثال.
وذلك فاسدٌ2 من وجهين:
أحدهما: أنه لا يُحكم بزيادة حرف إِلَّا بدليل، من
الأدلَّة المتقدِّمة الذكر3: أعني الاشتقاق والتصريف
وأخواتهما4. ولا شيء من ذلك موجود في جعفر ولا سفرجل.
فالقضاء بالزيادة فيهما تَحكُّمٌ محض.
والآخر: أنَّ قياس المثال أن يبقى الزائد فيه بلفظه، إذا
لم يكن من لفظ الأصل. فكان ينبغي أن يُجعل وزن جعفر من
الفعل على هذا: "فَعْلَر"5 عند من يجعل الآخِرَ زائدًا، و6
"فَعْفَل" عند من يجعل الزائد ما قبل الآخِر، وأن يُجعل
وزن سَفَرجَل: "فَعَلْجَل" [أو "فَعَرْجَل"]7.
ومن أهل الكوفة من ذهب إلى ما ذكرناه من أنَّ الأُصول
ثلاثة، إِلَّا أنه وَزَن ما عدا الأصول بلفظه، فجعل8 وزن
جعفر: "فَعْلَر"9، وسفرجل: "فَعَلْجَل".
ومنهم من قَضى بزيادة ما عدا الثلاثة إِلَّا أنه لا
يَزِنُ. فإن قيل له: ما وزن جعفر وفَرَزدَق؟10
قال: لا أدري.
وكلُّ11 ذلك باطلٌ، لِما ذكرناه من أنه لا ينبغي أن يُقضى
على حرف بزيادة، إِلَّا بدليل.
فالصحيح في النظر، والجاري في تمثيل الكلمة بالفِعل، ما
ذهب إليه أهل البصرة.
نجز القسم الأول12.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ف: مثل.
2 انظر المسألة 114 من الإنصاف.
3 في الورقات 3-6.
4 م: وأخواتها.
5 م: فعلن.
6 م: أو.
7 تتمة يقتضيها السياق.
8 م: فجُعل.
9 م: فعلن.
10 م: أو فرزدق.
11 م: وكان.
12 سقطت العبارة من م. |