الممتع الكبير في التصريف

ص -213-      ذكر القسم الثاني من التصريف:
الإبدال:
حُرُوفُ الإبْدَال:
فمن ذلك حروف البدل لغير1 إدغام، وهي الحروف التي يجمعها قولك: "أُجُدٌ طُوِيَتْ مَنهلا"2. فهذه الحروف تُبدَل من غير إدغام، على ما يُبيَّنُ3 بعدُ، إن شاء الله. فإن كان البدل لأجل إدغام لم يكن مختصًّا بهذه الحروف. بل جائزٌ في كلِّ حرف يُدغم في مُقاربه أن يُبدل حرفًا من جنس مُقاربه الذي يُدغم فيه، على ما يُبيَّنُ4 في الإدغام، إن شاء الله.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 م: "بغير". وانظر شمس العلوم 1: 1-16 والأمالي: 186-187 وشرح الشافية 4: 197-233 وشرح المفصل 10: 1-45.
2 في حاشية ف قول آخر يجمع تلك الحروف هو: طال يوم أنجدته.
3 ف: يتبين.
4 ف: يتبين.

 

ص -214-      إبدال الهمزة:
[باب إبدال الهمزة من الألف]:
فأمَّا الهمزة فأُبدِلت من خمسة أحرفٍ. وهي الألف، والياء، والواو، والهاء، والعين.
فأُبدلت1 من الألف على غير قياس، إذا كان بعدها ساكنٌ، فِرارًا من اجتماع الساكنين، نحو ما حُكي عن أيوبَ السِّختيانيِّ2، من أنَّه قرأ: "ولا الضَّأََلِّينَ"3 –فهَمز الألف وحرَّكها بالفتح؛ لأنَّ الفتح أخفُّ الحركات- ونحو ما حَكى أبو زيد في كتاب الهمزِ4 من قولهم: شَأَبَّةٌ ودَأَبَّةٌ.
وأنشدتِ الكافَّةُ5:

يا عَجَبَا, لَقَد رأَيتُ عَجَبا                          حِمارَ قَبَّانٍ, يَسُوقُ أَرنَبا

 

خاطمها زأَمَّها، أن تَذهَبا


أراد "زامَّها" فأبدل. وحكى6 المبرّد عن المازنيِّ, عن أبي زيد، قال: سمعتُ عمَرو بن عُبيد يقرأ: "فيَومَئذٍ لا يُسأَلُ عَن ذَنْبِهِ إِنسٌ ولا جأَنٌّ"7، فظننتُ أنه قد لحن، حتَّى سمعتُ العربَ تقول: دأَبَّةٌ وشَأَبَّةٌ. [31 أ].

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 انظر سر الصناعة 1: 82-106.
2 تابعي من البصرة، سيد فقهاء عصره، ثقة من حفاظ الحديث. تهذيب التهذيب 1: 397-399.
3 الآية 7 من سورة الفاتحة. وانظر الخصائص 1: 281 والإبدال 2: 544 والبحر المحيط 1: 30 وشرح الشافية 2: 248 وشرح شواهدها ص168-169.
4 ذكر البغدادي أن هذا في آخر كتاب الهمز. شرح شواهد الشافية ص168. ولكن مطبوعة كتاب الهمز ببيروت خالية منه.
5 الرجز مما تحكيه العرب على ألسنة البهائم. الخصائص 3: 148 والضرائر ص222 والمنصف 1: 281 وسر الصناعة 1: 82 وشرح الشافية 2: 248 وشرح شواهده ص167-174 واللسان "زمم". م: "وأنشد الكلابي". وحمار قبان: دويبة. وخاطمها أي: يقودها من أنفها. وزامها مثل خاطمها.
6 في الخصائص والمنصف وسر الصناعة والمحتسب وشرح الشافية والبحر المحيط.
7 الآية 39 من سورة الرحمن.

 

ص -215-      ومن ذلك قولُ الشاعر1:

وبَعدَ انتِهاضِ الشَّيبِ, مِن كُلِّ جانِبٍ            علَى لِمَّتِي, حَتَّى اشْعأَلَّ بَهِيمُها

يريد "اشعالَّ" من قوله تعالى: {واشتَعلَ الرأسُ شَيبًا}2. وقال دُكين3:

راكِدةٌ مِخلاتُهُ, ومَحلَبُهْ                         وجُلُّهُ, حَتَّى أبيأَضَّ مَلبَبُهْ

يريد: ابياضَّ. وقال كُثيّر4:

ولِلأرضِ: أمَّا سُودُها فتَجَلَّلَتْ                     بَياضًا, وأمَّا بِيضُها فادهأَمَّتِ

يريد: فادهامَّت.
وقد كاد يتسع هذا عندهم5. إِلَّا أنه مع ذلك لم يكثر كثرة تُوجب القياس. قال أبو العبَّاس6: قلتُ لأبي عُثمانَ: أَتَقيسُ هذا النحوَ؟ قال: "لا، ولا أَقبلُه". بل ينقاس ذلك عندي، في ضرورة الشعر. ومن هذا القَبيل جَعَلَ ابنُ جنِّي7 قولَ الراجز8.

من أيِّ يَومَيِّ مِنَ المَوتِ أَفِرْ                        أيَومَ لم يُقدَرَ أم يَومَ قُدِرْ؟

وذلك9 أنَّ الأصل "أيومَ لم يُقدَرْ أَم يَومَ"، فأُبدلت الهمزة ألفًا، وإن كان قبلها ساكن، على حدِّ قولهم في المَرْأة: "المَراة"، وفي مُتْأر: "مُتار"10. قال:

إِذا اجتَمَعُوا علَيَّ, وأَشقَذُونِي                       فصِرتُ كأنَّنِي فَرَأٌ, مُتارُ11

وذلك بأن أَلقَوا حركة الهمزة على الساكن، ولم يحذفوا الهمزة، بل جاءت ساكنة بعد الفتحة،

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 سر الصناعة 1: 83 والمقرب 3: 161 وشرح المفصل 9: 130 و10: 12 والضرائر ص 223 وشرح شواهد الشافية ص169 واللسان والتاج "شعل". والانتهاض: الانتشار. واللمة: شعر الرأس يجاوز شحمة الأذن. والبهيم: الأسود.
2 الآية 4 من سورة مريم.
3 سر الصناعة 1: 83 والخصائص 3: 48 والمحتسب 1: 320 والضرائر ص222 والإبدال 2: 545 وسمط الآلي ص586-587. وفي النسختين: "رائدة مخلاته". والتصويب من المصادر المذكورة. والراكدة: الساكنة الدائمة. والمخلاة: ما يوضع فيه طعام الدابة. والمحلب: إناء الحليب. والملبب: موضع اللبة. والأصل: الملبّ بالإدغام. يصف إكرامه لفرسه.
4 ديوانه 2: 113 وسر الصناعة والخصائص وشرح شواهد الشافية. وادهامت: اشتد سوادها.
5 في سر الصناعة وشرح شواهد الشافية: عنهم.
6 هو المبرد. المنصف 1: 281.
7 الخصائص 3: 94-65 وسر الصناعة 1: 85.
8 النوادر ص13 والضرائر ص112 والمحتسب 2: 366 والخصائص 3: 94 وسر الصناعة 1: 85 والخزانة 4: 589 ووقعة صفين ص 395. ونسب في الأخير إلى الإمام علي برواية: أيومَ ما قُدّرَ.
9 م: ومن ذلك.
10 م: وفي مثأر مثار.
11 عامر بن كثير المحاربي. سر الصناعة 1: 87 والخصائص 2: 176 و3: 149 واللسان "تأر" و"تور" و"شقذ" وأشقذوني: طردوني. والفرأ: حمار الوحش. والمتار. المضروب بالعصا ليطرد.

 

ص -216-      فأبدلت ألفًا كما فُعل ذلك بـ"كاس"، فصار "يُقدَرَامْ", فاجتمعت الألف مع الميم الساكنة، فأبدلت همزة مفتوحة فرارًا من اجتماع الساكنين. وقد تَقَدَّمَ في "الضرائر"1 أنه ممّا حُذف2 منه النون الخفيفة، نحو قول الآخر3:

اضرِبَ عَنكَ الهُمُومَ, طارِقَها                    ضَرْبَكَ بالسَّوطِ قَونَسَ الفَرَسِ

وأُبدلت أيضًا من الألف، وإنْ لم يكن بعدها ساكن. وذلك قليل جدًّا لا يُقاس لقلَّته في الكلام ولا في الضرورة. فقد رُوِيَ أنَّ العجَّاج يَهمِزُ "العالَم" والخاتَم"4. قال:

يا دارَ سَلمَى, يا اسلَمِي, ثُمَّ اسلَمِي

ثمَّ قال5:

فَخِندِفٌ6 هامةُ هذا العأْلَمِ

وحُكِي عن بعضهم: تأْبَلتُ القِدرَ، إذا جعلتَ فيها التَّابَلَ7.
وتكون الهمزة ساكنةً. إِلَّا أن تكون الألفُ في النِّيَّة متحرِّكةً فإنَّ الهمزة إذ ذاك تكون متحرِّكةَ بالحركة التي للألف في الأصل. فمن ذلك ما حكاه بعضهم مِن قولهم: قَوقأَتِ الدَّجاجةُ، وحَلَّأْتُ8 السَّويقَ، ورثَأَتِ المرأةُ زَوجَها، ولَبَّأَ الرَّجلُ بالحجِّ. ومنه قول ابن كَثْوة9:

ولَّى نَعامُ بَنِي صَفوانَ, زَوزَأَةً               لَمَّا رأَى أَسَدًا, في الغابِ, قَد وثَبَا

ومنه ما أَنشده الفرَّاء، من قول الآخر10:

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 يريد كتابه الموسوم بالضرائر. انظر ص112 منه.
2 م. "متى حذفت". ويريد ابن عصفور أن الرجز المذكور حمله في كتاب الضرائر على حذف النون.
3 ينسب إلى طرفة، وقيل إنه مصنوع عليه. ديوان طرفة ص195 والنوادر ص13 وسر الصناعة1: 93 واللسان والتاج "قنس". وقونس الفرس: عظم ناتئ بين أذنيه. واضربَ أي: اضربَنْ. والطارق: الآتي ليلًا.
4 م: "العألم والجأر". وانظر سر الصناعة 1: 102 وشرح الشافية 3: 204 وشرح شواهده ص428.
5 ديوان العجاج ص58-60 وشرح الشافية 3: 205 وشرح شواهدها ص428 وسر الصناعة 1: 101. وذكر ابن عصفور في "الضرائر" أن العجاج همز الألف هنا ضرورة، ليجنب البيت السناد. انظر ص223 منه.
6 في النسختين: وخندف.
7 التابل: أبزار الطعام. وقد تهمز. الخصائص 2: 145 وسر الصناعة 1: 102.
8 الخصائص 3: 146. قلت: التمثيل بقولهم "حلأْتُ" سهو؛ لأنَّ الهمزة فيه ساكنة لا متحركة.
9 في النسختين: "قول كثير". والتصويب من الخصائص وسر الصناعة. والشاعر هو زيد بن كثوة. الخصائص 3: 145 وسر الصناعة 1: 102 والحيوان 6: 116 والضرائر ص221 والمقرب 2: 160 والمحتسب 1: 310 والصحاح واللسان والتاج "كثو" و"نعم" و"زوي". جعل أعداءه كالنعام. وهو إزاءهم كالأسد. والزوزأة من قولك: زوزى، إذا نصب ظهره وأسرع.
10 رؤبة. سر الصناعة 1: 102 وشرح الشافية 2: 250 و3: 204 وشرح شواهدها ص175-176. والدكاديك: مع دكداك. وهو الرمل المتلبد في الأرض. والبرق: جمع برقة. وهي غلظ فيه حجارة ورمل.

 

ص -217-                              يا دارَ مَيٍّ, بِدَكادِيكِ البُرَقْ   صَبرًا, فقَد هَيَّجتِ شَوقَ المُشتَئِقْ

وحَكى أيضًا من كلامهم: رَجُلٌ مَئِلٌ1، من المال. والأصل في ذلك: قَوقَى وحَلَّى ورَثَى ولَبَّى والزَّوزاة والمُشتاق ورَجلٌ مالٌ2.
وأُبدلت من الألف باطِّراد في الوقف، نحو قولك في الوقف3 على حُبلَى ومُوسَى ورأيتُ رجلًا: حُبلأْ، ومُوسأْ، ورأيتُ رَجُلأْ. وقد تَقَدَّم ذلك في باب الوقف4.
وأُبدلت أيضًا باطِّراد من الألف الزائدة، إذا وقعت بعد ألف الجمع، في نحو "رسائل" في جمع رسالة, هروبًا من التقاء الساكنين: ألف الجمع وألف"رسالة", فقُلبت همزةً لأنَّ الألف لا تقبل الحركة، والهمزةُ قريبةُ المخرج5 من الألف لأنها معًا من حُروف الحلق. وحُرِّكت الهمزة بالكسر، على أَصل التقاء الساكنين. ولا يجوز في هذا وأمثاله إِلَّا البدل.
ومن هذا القبيل، عندي6، إبدالُها من الياء والواو، إذا وقعتا طرفًا بعد ألف زائدة، نحو: كِساءٍ ورِداءٍ. وذلك أنَّ الأصل "كِساوٌ" و"رِدايٌ"، فتحرَّكتِ الواو والياء7 وقبلهما فتحة، وليس بينهما وبينها حاجز إِلَّا الألف، وهي حاجز غير حصين لسكونها وزيادتها، والياء والواو في محلِّ التغيير –أعني طَرَفًا- فقُلبتا8 ألفًا. فاجتمع ساكنان: الألف المبدلة من الياء أو الواو9 مع الألف الزائدة. فقُلبت همزة. ولم تُرَدَّ إلى أصلها من الواو والياء10 لئلّا يُرجع إلى ما فُرَّ منه.
فإن كان بعد الياء أو الواو تاء التأنيث، أو زيادة التثنية، فلا يخلو أن تكون الكلمة قد بُنيت على التاء أو الزيادتين أو لا تُبنى. فإن بُنيت عليها بقيت الياء والواو على أصلهما ولم يُغيَّرا، نحو: رِماية وشَقاوة وعَقَلتُه بثِنايَينِ11. وإن لم تُبن عليها وجُعلت كأنها12 ليست في الكلمة قُلبت، نحو: عَظاءة13 وصَلاءة14 وكِساءانِ ورداءانِ.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 أي: كثير المال.
2 كذا. والأصل الأول "مَوِل" قلبت الواو ألفًا.
3 الكتاب 2: 285 والإبدال 2: 545.
4 كذا. ولم يتقدم للوقف باب في هذا الكتاب. وانظر ص68 و78 و81-82 و113.
5 م: قريبة في المخرج.
6 م: "أعني". وسقطت من ف.
7 ف: الياء والواو.
8 م: "فقلبتها". ف: فقلبت.
9 ف: والواو.
10 م: من الياء والواو.
11 عقلت البعير بثنايين أي: عقلت يديه بحبل أو بطَرَفَي حبل. انظر التاج "ثني".
12 م: كأنهما.
13 العظاءة: دويبة.
14 الصلاءة: مدقُّ الطيب.

ص -218-      وقد يُفعل ذلك بالياء والواو، وإن كانتا بعد ألف غير زائدة، نحو قولهم في آية وثاية1 وطاية2 في النسب: [31 ب] آئيّ وثائيّ وطائيّ، تشبيهًا للألف غير الزائدة بالألف الزائدة.
ومن هذا القبيل أيضًا، عندي3، إبدالُهم الهمزةَ من الياء والواو، إذا وقعتا عينينِ في اسم الفاعل بعد ألف زائدة، بشرط أن يكون الفعل الذي أُخذ منه اسم الفاعل قد اعتلَّت عينه، نحو: قائم وبائع. الأصل فيهما "قاوِمٌ" و"بايِعٌ"، فتحرَّكت الواو [والياء]4 وقبلهما فتحة، وليس بينها وبينهما حاجز إِلَّا الألف الزائدة -وهي كما تَقَدَّم حاجزٌ غيرُ حصينٍ- وقد كانت الياء والواو قد اعتلَّتا في الفعل في "قامَ" و"باعَ"، فاعتلَّتا5 في اسم الفاعل حملًا على الفعل، فقُلبتا6 ألفًا فاجتمع ساكنان، فأُبدل من الثانية همزة، وحُرِّكت 7 هروبًا من التقاء الساكنين. وكانت حركتها الكسر على أصل التقاء الساكنين.
وزعم8 المبرّد أن ألف "فاعِل" أُدخلت قبل الألف المنقلبة، في "قالَ" و"باعَ" وأمثالهما، فالتقى ألفان –وهما لا يكونان إِلَّا ساكنين- فلزم الحذفُ لالتقاء الساكنين أو التحريكُ. فلو حذفتَ لالتبس9 الكلام وذهب البناء، وصار الاسم على لفظ الفعل. فتحرَّكت العين لأنَّ أصلها الحركة، والألف إذا تحرَّكت صارت همزة.
فإن صحَّ حرف العِلَّة في الفعل صحَّ في اسم الفاعل، نحو: عاوِر10، المأخوذ من "عَوِرَ"11، على ما يُحكم في باب القلب12.
فالهمزة في هذا الفصل والذي قبله، وإن كانت مبدلة من الياء والواو، من جنس ما أُبدلت فيه الهمزة من الألف؛ لأنهما لا تُبدل منهما همزةٌ إِلَّا بعد قَلبهما ألفًا كما تَقَدَّم، ولا يجوز اللفظ بالأصل في "قائم" وبائع" وبابهما، لا تقول "قاوِمٌ" ولا "بايِعٌ"13.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 الثاية: مأوى الغنم والبقر.
2 الطاية: مربد التمر.
3 سقط من م.
4 من م.
5 في النسختين: فاعتلت.
6 في النسختين: فقلبت.
7 م: وحركة.
8 سقط حتى قوله "صارت همزة" من النسختين، وألحقه أبو حيان بحاشية ف على طيارة. وقد نقل جهل مالكي النسخة هذا الطيارة إلى موضع آخر من الكتاب، فأثبتناها هنا على الصواب. وانظر المقتضب 1: 99.
9 ف: لا التبس.
10 ف: مُعاود.
11 ف: عاوَدَ.
12 كذا. وفي باب القلب أحال على ما هنا، دون بيان. انظر الورقة 42.
13 ويجوز فيما كانت فاؤه أن تبدل الهمزة بعد الألف فيه ياء، نحو: آيِبٌ وآيِمٌ وآيِلٌ وآيِنٌ.

 

ص -219-      ومن قبيل ما أُبدلت الهمزة فيه من الألف باطِّراد إبدالُهم الهمزة من ألف التأنيث، في نحو: صَحراء وحَمراءَ وأشباههما. الهمزة في جميع هذا مبدلةٌ من ألف التأنيث.
فإن قال قائل: وما الدليل على ذلك؟ فالجواب أن تقول1: الدليل على ذلك أنَّ الهمزة لا تخلو من أن تكون للتأنيث بنفسها، أو بدلًا من ألف التأنيث. فباطلٌ أن تكون بنفسها للتأنيث لأمرين:
أحدهما: أنَّ الألف قد استقرَّت للتأنيث في "حُبلَى" وأشباهه، والهمزة لم تَستقرَّ له، إذ قد يمكن أن تجعل بدلًا من ألف. وإذا أمكن حمل الشيء على ما استقرَّ وثَبَتَ كان أَولَى من أن يُدَّعى أنه خلاف الثابت والمستقرِّ2.
والآخر: أنهم قالوا في جمع صحراءَ: صَحارِيٌّ، وفي بطحاءَ: بَطاحِيٌّ. قال الوليد بن يزيد3:

لَقَد أَغدُو, على أَشقَـ                                  ـرَ, يَغتالُ الصَّحارِيَّا

وقال غيره4:

إِذا جاشَتْ حَوالِبُهُ تَرامَتْ                         ومَدَّتْهُ البَطاحِيُّ, الرِّغابُ

ولو لم تكن هذه الهمزةُ مُبدلةً من ألف التأنيث لوجب، في لغة من يُحقِّقُ، أن يُقال: "بَطاحِيءُ" و"صَحارِيءُ"، كما قالوا: قُرَّاءٌ5 وقَرارِيءُ. لكن لمَّا كانت مبدلة، لأجل الألف التي قبلها، وجب رجوعها إلى أصلها لزوال مُوجب القلب في الجمع6، وهو الألف التي قبلها، فصار "صحارِيْ ا"، فوقعت الياء الساكنة قبل الألف التي للتأنيث، فقلبت الألف ياء لوقوع الياء والكسرة قبلها، ثمَّ أُدغمت الياء في الياء.
فإن قال قائل: إِنَّما يدلُّ قولهم "صحاريّ" على أنَّ الهمزة مبدلةٌ من غيرها، إذ لو لم7 تكن بدلًا لقالوا "صَحارِيءُ"8. فأمَّا أنها مبدلة من الألف فليس على ذلك دليلٌ. إذ لعلَّها بدلٌ من ياء أو واو. فالجواب أنه إذا ثَبَتَ أنها بدلٌ فينبغي أن تجعل بدلًا من ألفٍ؛ لأنَّ الألف قد ثَبَتَتْ

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 م: يقول.
2 م: خلاف المستقر.
3 ديوانه ص58 وسر الصناعة 1: 97 والإنصاف ص816 وشرح الشافية 1: 194 وشرح شواهده ص95 وشرح الملوكي ص269 وشرح المفصل 5: 58 والخزانة 3: 324-326. وأغدو: أذهب صباحًا. والأشقر: فرس حمرته صافية. ويغتال: يقطع بسرعة فائقة.
4 سر الصناعة 1: 97 والخزانة 3: 325 وشرح المفصل 5: 58. وجاشت: اضطرمت. والحوالب: منابع العرق. والبطاحي: جمع بطحاء والرغاب: الواسعة.
5 القراء: الناسك المتعبد.
6 سقط "في الجمع" من م.
7 سقط من م.
8 ف: صحاريّ.

 

ص -220-      للتأنيث، كما1 ذكرنا في "حُبلَى" وأمثاله، ولم تثبتِ الياء ولا الواو للتأنيث، في موضع من المواضع.
فهذا2 جميع ما أُبدلت فيه الهمزة من الألف، مَقيسًا ذلك فيه، وغيرَ مَقيس3.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 م: لما.
2 م: هذا.
3 في حاشية ف بخط أبي حيان: بلغت المقابلة.

 

ص -221-      باب إبدال الهمزة من الواو:1
الواو2 لا يخلو من أن تكون ساكنة أو متحرِّكة. فإن كانت متحرِّكة فلا يخلو من أن تكون أوَّلًا أو غير أوَّل. فإن كانت أوَّلًا فلا يخلو أن تكون وحدها، أو ينضاف إليها واو أُخرى. فإن انضاف إليها أُخرى أُبدلت الأُولى3 همزةً، هروبًا من ثقل الواوين. وذلك نحو قولهم في جمع واصِل: أَواصِلُ4. أصله "ووَاصِلُ" فقلبت الواو همزة. وكذلك أُوَلٌ أصله "وُوَلٌ"؛ لأنه "فُعَلٌ"5 من لفظ أَوَّلَ، وأَوَّل فاؤه وعينه واو. فقُلبت الواو الأُولى همزة. ولا يجوز في هذا وأمثاله إِلَّا الهمز.
فإن كانت وحدها فلا يخلو6 من أن تكون مضمومة أو مكسورة أو مفتوحة. فإن كانت مكسورة أو مضمومة جاز أن تُبدِل منها همزةً، فتقول في "وُعِدَ": أُعِدَ، وفي "وُقِّتَتْ": أُقِّتَتْ، وفي "وِسادة": إِسادة، وفي "وِعاء": إِعاء. وقد [32 أ] قُرئ: "ثُمَّ استَخرَجَها مِن إِعاءِ أَخِيهِ"7. وكذلك تَفعل بكلِّ واوٍ تقع أوَّلًا مكسورةً أو مضمومة.
وإنَّما فعلتَ ذلك، لثقل الضَّمَّة والكسرة في الواو. وذلك أنَّ الضَّمَّة بمنزلة الواو، والكسرة بمنزلة الياء. فإذا كانت الواو مضمومة فكأنه قد اجتمع واوان. وإذا كانت مكسورة فكأنه قد

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 سقط "باب" من ف.
2 سقط من م. وانظر سر الصناعة 1: 104-113 والكتاب 2: 313. وفي حاشية ف بخط أبي حيان عن ابن مالك وغيره أحكام إبدال الواو همزة إذا كانت أوَّلًا أو حشوًا. انظر الارتشاف 1: 126-127.
3 م: الأول.
4 م: "قولهم أواصل في جمع واصل". وفي حاشية ف بخط أبي حيان عن ابن مالك: أُوَيصِل تصغير واصل أصله: وُوَيصِل.
5 م: "وكذلك أولى أصله وولى لأنه فعلى". ومثله في سر الصناعة 1: 111 وفي نسخة الخفاف كما جاء في حاشية ف.
6 م: فلا تخلو.
7 الآية 76 من سورة يوسف. وهذه قراءة سعيد بن جبير. انظر البحر المحيط 5: 332، حيث ذكر أبو حيان أن هذه لغة هذيل. وانظر المنصف 1: 230.

 

ص -222-      اجتمع لك ياء وواو. فكما أنَّ اجتماع الواوين، والياء والواو1، مستثقل فكذلك اجتماع الواو والضمَّة، والواو والكسرة.
وزعم المازنيُّ2 أنه لا يجوز همز الواو المكسورة بقياس، بل يُتَّبع في ذلك السماع. وهذا الذي ذهب إليه فاسد، قياسًا وسماعًا:
أمَّا القِياس فلِما ذكرنا من أنَّ الواو المكسورة بمنزلة الياء والواو، فكما يكرهون اجتماع الياء والواو، حتَّى يَقلِبونَ الواو إلى الياء، تَقَدَّمتْ أو تأخَّرتْ، فيقولون: "طَوَيتُ طَيًّا" والأصل "طَوْيًا"، ويقولون: "سَيِّدٌ" والأصلُ "سَيْوِدٌ". فكذلك ينبغي أن يكون النُّطقُ بالواو المكسورة مستثقلًا3.
فإن قال قائل: هلَّا قِستم "وشاحًا" وأخواتِه على وَيح ووَيس وأمثالهما. فكما أنَّ الواو والياء إذا اجتمعتا في أوَّلِ الكلمة لم يوجب ذلك قلب الواو همزة، فكذلك الواو مكسورة. فالجواب أنَّ الواو المكسورة إنَّما تُشبه الواو الساكنة إذا جاءت بعدها ياء نحو طَيّ. وذلك أنَّ الحركة في النيَّة بعد الحرف. وسيقام الدليل على ذلك في موضعه. فالكسرة إذًا من وِشاح في النيِّة بعد الواو، وهي بمنزلة الياء، وتبقى الواو ساكنة. فكما أنه إذا كانت الواو قبل الياء، وكانت ساكنة، يجب إعلالها. نحو طَيّ، فكذلك يجب إعلال ما أشبهها، نحو: وِشاح.
فإن قيل: فهلَّا أُعلَّت بقلبها ياء, كما فُعل بها في طَيّ. فالجواب أنهم لم يفعلوا ذلك؛ لأنَّ المقصود بالإعلال التخفيف، والكسرة في الياء ثقيلة، فأُعلَّت بإبدال الهمزة منها4.
وأمَّا السماع فلأنهم 5 قد قالوا: إسادةٌ وإشاح وإعاء وإفادة. وكثُرَ ذلك كثرةً، توجب القياس في كل واو مكسورة وقعت أوَّلًا.
وإنْ كانت مفتوحةً لم تُهمز إِلَّا حيثُ سُمِعَ؛ لأنَّ الفتحة بمنزلة الألف. فكما لا تُستثقَل6 الألف والواو,7 في نحو: عاوَدَ8، وأمثاله فكذلك لا تُستثقل الواو المفتوحة. والذي سُمِع من

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 م: والواو والياء.
2 علق عليه أبو حيان في حاشية ف بنص، نقله من "الشرح الصغير" على الجمل لابن عصفور. وفيه أن مذهب المازني هو خلاف ما يذكره ابن عصفور هنا، وأن الجرميَّ هو الذي منع القياس في هذه المسألة. وفي الحاشية أيضًا بخطه أن أكثر النحاة على القياس في ذلك. وأن همز أحد وأناة شاذ باتفاق. وفي الارتشاف1: 127 أن همز المكسورة وعدم همزها مرويان عن الجرمي والمازني.
3 م: مستقبلًا.
4 سقط "فإن قال قائل هلا قستم... بإبدال الهمزة منها" من م.
5 ف: فإنهم.
6 م: لا تستقبل.
7 كذا، فهو يقيس الواو المفتوحة على اجتماع الألف والواو. والفتحة هناك هي بعد الواو، والألف هنا هي قبلها. وبين الوجهين ما ترى من الفارق. وانظر ما احتج به في قياس وشاح على طيّ ص222.
8 كذا بحمل الواو المفتوحة أوَّلًا على "عاود"، وسيحمل فيما بعد "عاود" على الواو المفتوحة أوَّلًا. انظر ص223-224.

 

ص -223-      ذلك: أَجَمَ في "وَجَمَ"، و1 امرأة أَناةٌ وأصله "وناةٌ" من الوُنِيِّ وهو الفُتور، وأَحَدٌ في "وَحَدٍ"، وأسماءُ في "وَسماءَ".
فإن وقعت غير أوَّل فلا يخلو من أن تكون مكسورة أو مفتوحة أو مضمومة. فإن كانت مضمومة جاز إبدالها همزة، بشرط أن تكون الضَّمَّة لازمة، وألَّا يمكن تخفيفها بالإسكان. قالوا2 في جمع نارٍ: "أَنْؤُرٌ"، ودارٍ: "أَدْؤُرٌ"، وثَوبٍ: "أَثْؤُبٌ". قال3.

لِكُلِّ حالٍ، قَد لَبِستُ أَثؤُبا

وإنَّما قُلبت همزة لِما ذكرنا من استثقال الضَّمَّة في الواو، مع أنه لا يمكن تخفيفها بالإسكان، لئلَّا يؤدِّي ذلك إلى التقاء الساكنين. ولو أمكن ذلك لم تُبدل همزةً، نحو قولهم: سُوُر4، في جمع سِوار.
فإن كانت الضَّمَّة غيرَ لازمة لم تُبدل الواو همزة، لا تقول: هذا "غَزْءٌ" تريد: هذا غَزْوٌ، ولا تقول: "لَؤُ استَطَعنا" تريد: لوُ استَطَعنا؛ لأنَّ الضَّمَّة في غزو إعراب، وفي واو "لو" لالتقاء الساكنين, وحركة الإعراب وحركة التقاء الساكنين عارضتان5، فلا يُعتدُّ بهما.
وزعم ابن جنِّي أنه لا يجوز قلب الواو المضمومة همزة إذا كانت زائدة، وإن اجتمع الشرطان؛ فلا يقال: "التَرَهْؤُكُ" في مصدر تَرَهوَكَ. والسبب في ذلك عنده أنها إذا كانت أصليَّة فإنَّ تصريف الكلمة، أو اشتقاقها، يدلُّ على أنَّ الهمزة مبدلة من واو، ولا يُتصوَّر ذلك فيها إذا كانت زائدة. فلو أُبدلت لأدَّى ذلك إلى الإلباس، في بعض المواضع، فلم يُدرَ: أزِيدَتِ ابتداءً، أم زِيدَتِ الواو أوَّلًا ثمَّ أُبدلت الهمزة منها؟ فلمَّا كان إبدال الزائدة يؤدِّي إلى الإلباس، في بعض المواضع، رُفض إبدالها. وممّا يقوِّي هذا المذهب أنها لا تُحفظ من واو زائدة مبدلةً6.
وإن كانت مفتوحةً لم يجز قلبُها أصلًا؛ لأنَّ قلبها في أوَّل الكلمة –كما ذكرنا- لا يُقاس.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 المنصف 1: 231-232. وفي حاشية ف بخط أبي حيان: جاء في الحديث: "فقد ذهبتْ أَبَلَتُه" –وذلك من الثقل والوخامة– وقولهم: استوبلت البلد. وانظر الفائق والنهاية "أبل". وبخطه أيضًا عن ابن الخشاب أن أناة تحمل على كونها من "ء ن ي"، وأحد من الوحدة مع ورود "أحِّدْ أحِّدْ"، وأبلة من الوبالة، وناقة أفْتٌ للسريعة فيه قلب مكاني وإبدال لأنه في الأصل فوت مصدر وصف به، فقدمت الواو وأبدلت همزة. قلت: الصواب أنَّ الأفت لا قلب فيه ولا إبدال.
2 المنصف 1: 284.
3 معروف بن عبد الرحمن. الكتاب 2: 185 والمقتضب 1: 29 و132 و2: 199 وسر الصناعة ص804 وديوان حميد بن ثور ص61 ومجالس ثعلب ص371-372 والمنصف 1: 284 واللسان "ثوب" والعيني 4: 522.
4 م: أسؤر.
5 م: عارضتين.
6 سقط "وزعم ابن جني أنه... زائدة مبدلة" من م. وفي الارتشاف 1: 126-127 أن هذا الحكم خلاف لابن جني.

 

ص -224-      [32 ب] فإذا كانت لا تُهمز في أوَّل الكلمة إِلَّا حيث سُمِعَ، مع أنَّ أوَّلَ الكلمة طرف، فالتغيير إليه أسرع من التغيير إلى الحشو، فالأحرى ألَّا تنقلب1 حشوًا. فلا تقول في عاوَدَ: "عاءَدَ"، ولا في ضَوارِب: "ضآرِب". ولا يُحفظ من كلامهم شيء من ذلك.
فإن كانت مكسورةً، أو واقعة موقعَ حرف مكسور، فلا يخلو أن تقع بعد ألف الجمع الذي لا نظير له في الآحاد أو لا تقع. فإن2 لم تقع بعدها لم تُهمز. وهي في مثل قائم بدل من ألف لا من واو. فإن وقعت بعدها فلا يخلو أن يكون قبل الألف ياء أو واو أو لا يكون. فإن كان3 قبلها واو أو ياء لزم قلب الواو همزة، إن كانت تلي الطرف. فتقول في جمع أوَّل: أَوائلُ، وفي جمع سَيِّد: سَيائدُ. والأصل "أَواوِل" و"سَياوِد"، فقُلبت الواو همزة لاستثقال الواوين والألف، أو الياء والواو والألف، وبناء الجمع الذي لا نظير له في الآحاد.
هذا مذهب جمهور النحويين، إِلَّا أبا الحسن الأخفش، فإنه كان لا يهمز من ذلك إِلَّا ما كانت الألف منه بين واوين، ويجعل ذلك نظيرًا للواوين إذا اجتمعا في أوَّل الكلمة. فكما أنك تهمز الأُولى منهما للعِلَّة التي تقدَّم ذكرها. فكذلك تهمز الواو الآخرة في أوائل وأمثاله. ولا يرى مثل ذلك، إذا اجتمعت ياءان أو واو وياء. ويقول: لأنه إذا التقى الياءان أو الياء والواو أوَّلًا، نحو بَيْن اسم موضع، ووَيل ويَوم، لم يلزم الهمز. فكذلك لا يُهمز عنده مثل: سَيائق4 وسَيائد5.
ما لم تَصِحَّ الواو في المفرد، في موضع ينبغي أن تعتلَّ6 فيه، أو تكونُ الواو في نيَّة ألَّا تَلِيَ الطرف، فإنها تصحُّ إذ ذاك ولا يجوز أن تُبدل منها الهمزة. فتقول7 في جمع ضَيْوَنٍ8: ضَياوِنُ. ولا تقلب الواو همزةً لصحَّة الواو في ضَيْوَن، إذ قد9 كان ينبغي أن يكون ضَيَّنًا وتقول10 في جمع عُوَّارٍ11، إذا قَصرته للضرورة: عَواوِرُ؛ لأنَّ الأصل فيه "عَواوِير"، فلا تكون

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 م: "ألا يقلب". وقد حمل ههنا الواو حشوًا عليها أوَّلًا، وكان قد حمل قبلُ الواو أوَّلًا عليها حشوًا، انظر ص222-223.
2 سقط حتى "لا من واو" من النسختين، وألحقه أبو حيان بحاشية ف عن نسخة الخفاف.
3 المنصف 2: 43-46.
4 السيائق: جمع سيّقة. وهي ما سيق من النهب وطرد.
5 سقط: "هذا مذهب جمهور النحويين.. وسيائد" من النسختين، وألحقه أبو حيان بحاشية ف. والسيائد: جمع سيّد وسيّدة. وانظر آخر هذا الباب.
6 م: تعمل.
7 المنصف 2: 46-46.
8 الضيون: السنَّور الذكر.
9 م: "إذ وقد". وانظر ص150 و204 و224 و329 و430.
10 المنصف 2: 47-50.
11 العوار: القذى أو الرمد.

 

ص -225-      الواو تلي الطرف في التقدير. قال1:

وكَحَّلَ العَينَينِ, بالعَواوِرِ2.

فلم تُهمز لأنَّ الأصل "العواوير".
وإن كانت الواو لا تَلي الطرف لم تهمز أصلًا نحو: عواوير في جمع عُوَّار، وطَواوِيس في جمع طاووس؛ لأنها قد قَويت ببُعدها عن محلِّ التغيير. وهو الطَّرفُ. إِلَّا أن تكون في نيَّة أن تَلِيَ الطَّرف، فإنه يلزمُ همزُها. وذلك نحو: أوائيل3 في جمع أوَّل، إذا اضطُررت إلى زيادة هذه الياء قبل الآخِر في الشعر؛ لأنَّ هذه الياء زِيدت للضَّرورة فلم يُعتدَّ بها.
فإن لم يكن قبل الألف واو، ولا ياء، فلا يخلو من أن تكون الواو في المفرد زائدة للمدِّ أو لا تكون. فإن كانت زائدة للمدِّ قُلبتْ همزة، نحو: حَلُوبة4 وحَلائب. وسبب ذلك أنها اجتمعت ساكنةً مع ألف الجمع، ولا أصل لها في الحركة فتُحَرَّكَ، فأُبدلت همزةً؛ لأنَّ الهمزة تَقبلُ الحركة.
وإن لم تكن زائدةً للمدِّ لم تُقلب همزةً أصلًا، إِلَّا حيث سُمع شاذًّا. والذي سُمع من ذلك: أَقائيمُ5 في جمع أَقوام. وأصله "أَقاويم"، فأُبدل من الواو المكسورة همزة، وإن كانت غير أوَّل، تشبيهًا لها بالواو المكسورة إذا وقعت أوَّلًا.
وأمَّا مَصائبُ في جمع مُصِيبة فكان القياس فيها "مَصاوِب"، على ما يُبيَّن في باب القلب6.
فإمَّا أن يكونوا همزوا الواو المكسورة غير أوَّلٍ شذوذًا، فتكون مثل أقائيم في جمع أقوام –وهو مذهب الزَّجَّاج- وإمَّا أن يكونوا غَلِطوا فشبَّهوا ياء مُصيبة، وإن كانت عينًا، بالياء الزائدة في نحو صحيفة، فقالوا: مَصائب، كما قالوا: صَحائف. وهو مذهب سيبويه7. والأوَّلُ أَقيسُ عندي؛ لأنَّه قد ثَبَت له نظيرٌ. وهو أَقائيم8.
فإن9 لم تقع بعد ألف الجمع الذي لا نظير له في الآحاد، أو وقعت بعدها في غير الأماكن.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 جندل بن مثنى الطهوي. الكتاب 2: 364 والمنصف 2: 49 والخصائص 1: 195 و3: 164 و326 وشرح الشافية 3: 131 وشرح شواهده ص374-376.
2 م: بالعواوير.
3 في النسختين: أوائل.
4 الحلوبة: ذات الحليب من الأنعام. م: حُلوبه.
5 م: أقائم.
6 انظر ص323.
7 الكتاب 2: 367.
8 م: أقائم.
9 سقط من م حتى قوله "إبدال الهمزة من الألف".

 

ص -226-      المذكورة، لم تُهمز أصلًا، بلا خلاف في شيء من ذلك. إِلَّا أن تقع بعد ألف زائدة، في اسم مفرد يوافق الجمع الذي لا نظير له في الآحاد، في الحركات وعدد الحروف، وقد تقدَّم الألفَ ياءٌ أو واو، فإنَّ في ذلك خلافًا. فمذهب سيبويه إجراء ذلك مُجرى الجمع لقربه منه، فتُبدل الواو همزة. ومذهب الزَّجَّاج أنه لا يجوز إبدالها لأنَّ الاسم مفرد، وإنَّما ثَبَتَ إبدالها في المجموع. فتقول في "فُواعِل" من القوَّة، على مذهب سيبويه:" قُواءٍ". وعلى مذهب الزَّجَّاج: "قُواوٍ". وهذا النوع لم يَرِد به سماع، لكنَّ القياس يقتضي ما ذهب إليه سيبويه. أعني من1 أنه إذا قوي الشبه بين شيئين حُكِم لكلِّ واحد منهما بحكم الآخر.
فأمَّا قائم وأمثاله فمن قَبيل ما أُبدلت فيه الهمزة من الألف، وقد تقدَّم ذلك في فصل2 إبدال الهمزة من الألف.
فإن كانت الواو ساكنةً لم تُهمز إِلَّا في ضرورة، بشرط أن يكونَ ما قبلها حرفًا مضمومًا، فتُقدَّر الضَّمَّة على الواو، فتُهمز كما تُهمز الواو المضمومة. فتقول [33 أ] في الشعر في3 مثل مُوعِد: مُؤعِدٌ. قال4:

أَحَبُّ المُؤقِدِينَ إليَّ مُؤسَى                     [وجَعْدةُ, إِذ أضاءهُما الوَقُودُ]


ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 كذا.
2 كذا.
3 سقط من م.
4 خرجناه في ص69. وفي حاشية ف بخط أبي حيان.

لَحَبَّ المؤقِدانِ إليَّ مُوسَى                       وجَعْدةُ, إذ أضاءهُما الوَقُودُ

 

ص -227-      باب إبدال الهمزة من الياء:
الياء1 تُبدل همزةً باطِّراد، إذا وقعت بعد الألف التي في الجمع الذي لا نظير له في الآحاد, في مذهب سيبويه2، بشرط أن تكون قد زيدت في المفرد للمدِّ، نحو: صَحِيفة وصَحائف وكَتِيبة وكَتائب.
فإن لم تكن الياء زيدت3 في المفرد للمدِّ لم تُهمز، إِلَّا بشرط أن تكون تلي الطرف لفظًا أو نيَّة، وبشرط أن يكون ألف الجمع يلي واوًا أو ياءً. فتقول4 في جمع عَيِّلٍ5: عَيائل، فتهمز لثقل البناء مع ثقل اجتماع حروف العلَّة –وهي الياءان6 والألف– مع قرب الياء من محلِّ التغيير. وهو الطرف. وكذلك لو اضطُرِرتَ فقلتَ في جمعه7: عَيائيل، فزدت ياءً لَهمزتَ؛ لأنَّ الياء في النِّيَّة تلي للطرف، ولا يُعتدُّ بالياء المزيدة لأنها عارضة في الجمع، إنَّما أُتي بها للضرورة. فإذا زالت من محلِّ الضرورة حذفتَ الياء. قال الشاعر8:

فِيها عَيائيلُ أُسُودٍ, ونُمُرْ

فهمز.
وكذلك لو بنَيتَ9 "فَوعَلًا" من البَيع لقلت: بَيَّعٌ. أصله "بَويَعٌ"، فقلبتَ الواو ياء لأجل الإدغام. فإذا جمعته قلت: بَوائعُ، فتهمز الياء لما ذكرنا من ثقل البناء، وثقل اجتماع حروف

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 انظر سر الصناعة 1: 104-113 والكتاب 2: 313.
2 سقط "في مذهب سيبويه" من النسختين وأُلحق بحاشية ف بخط أبي حيان.
3 م: مزيدة.
4 المنصف 2: 43-45.
5 العيل: واحد العيال. وهي الأولاد الذين يعال بهم.
6 م: الياء.
7 ف: "في جمع". وألحق في الحاشية "عيل".
8 حكيم بن معية الربعي. الكتاب 2: 179 وشرح أبياته 2: 396 والمخصص 11: 7 والمقتضب 2: 203 وشرح المفصل 5: 18 و10: 91 وشرح الشافية 3: 132 وشرح شواهده ص377-381. وروي: عياييل.
9 المنصف 2: 44.

 

ص -228-      العلَّة –وهي الياء والواو والألف- مع القرب من محل التغيير. وهو الطرف. وكذلك لو اضطررت فزدت ياء قبل الآخر، فقلتَ: بَوائيعُ، لهمزت لأنَّ الياء عارضة كما تَقَدَّم.
ولو جمعتَ مثل "بَيَّاع" لقلت "بَيايِيعُ"1، ولم تهمز. وإن قدَّرتَ بَيَّاعًا: "فَوعالًا" قلت: بَوايِيعُ، ولم2 تهمز أيضًا لبعد الياء من الطرف لفظًا ونيَّةً.
وزعم 3 أبو الحسن الأخفش أنه لا يجوز قلب الواو همزة، إِلَّا إذا اكتنف ألفَ الجمع واوان4، نحو أوَّل وأوائل. فأمَّا إن اكتنفها ياءان، أو واو وياء، فلا يحوز عنده قلب حرف العلَّة الذي بعد الألف. بل يقول في جمع "فَوعَل" من البيع: بَوايِعُ، وفي جمع بَيَّن: بَيايِنُ، وفي جمع سيِّد المتقدِّم في فصل5 الواو: سَياوِدُ. وحجَّته على ذلك أنَّ الواوين أثقل من الياءين، ومن الواو والياء، والقلبُ لم يُسمع إِلَّا في الواوين، نحو قولهم في جمع أوَّل: أوائلُ. فلا يقاس عليه ما ليس من رتبته من الثقل.
وهذا الذي ذهب إليه فاسد، بدليل ما حكاه المازنيُّ عن الأصمعيِّ. من قولهم في جمع عَيِّل: عَيائلُ بالهمزة، ولم تكتنف ألفَ الجمع واوان. فدلَّ ذلك على أنَّ العرب استثقلت في هذا وأمثاله اكتناف ألف الجمع حرفا علَّة.
فإن قال قائل: فلعلَّ قولهم في [جمع] عَيِّل: "عَيائلُ" شاذّ. لذلك لم يُسمع من ذلك إِلَّا هذه اللفظة، فلا ينبغي أن يقاس عليه. فالجواب أنه، وإن لم يُسمع منه إِلَّا هذه اللفظة، لا ينبغي أن يُعتقد فيه الشذوذ؛ لأنه لم يرد له نظير غير مهموز،6 فيُجعلَ الهمز في هذا شذوذًا. بل جميع ما أتى من هذا النوع هذا اللفظُ –وهو مهموز- فكان جميع ما أتى من هذا الباب مهموزًا. إذ هذا اللفظ هو جميع ما أتى من هذا الباب.
وقد جعل أبو الحسن مثل هذ أصلًا يقاس عليه. وذلك أنه قال في النسب إلى فَعُولة: "فَعَلِيّ"7، نحو: رَكَبِيّ في النسب إلى رَكُوبة، قياسًا على قولهم في النسب إلى شَنُوءة: شَنَئيَ. ثم أورد اعتراضًا على نفسه فقال: فإن قال قائل: فإنَّ قولهم [شَنَئيّ] شاذّ، فلا ينبغي أن

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 م: بيائيع.
2 ف: فلم.
3 سقط من م حتى قوله "ولا موافقًا أصلًا يقاس عليه". وانظر ص224 والمنصف 2: 45-46.
4 في حاشية ف بخط أبي حيان عن ابن مالك مذهب الأخفش، مع جمعه صايدة على صوايِد، وبنائه مثل عُوارض من القول "قُواوِل" لأنه في مفرد لا جمع.
5 كذا. والصواب: باب.
6 كذا أيضًا. وقالوا: أيِّم وأيايم، وأيِّل وأيايل، وفي جمع عيِّل عيايل.
7 كذا. وهو مذهب سيبويه لا الأخفش. انظر الكتاب 2: 70 وشرح الشافية 2: 23 وشرح المفصل 5: 148 وحاشية الصبان 4: 134.

 

ص -229-      يقاس عليه إذ لم يجئ غيره. فالجواب أنه جميع ما أتى من هذا النوع. فجعله، لمّا لم يأت غيره مخالفًا له ولا موافقًا، أصلًا يقاس عليه.
فهذا جميع ما تُبدل فيه الياء همزة باطِّراد. فأمَّا مثل بائع ورِداء فإنَّ الهمزة فيهما1 وأمثالهما بدل من ألف، وإن كان الأصل "بايِع" و"رِداي" كما تَقَدَّمَ.
وأُبدلت منها، من غير اطِّراد، في: أَدْيٌ. وأصله "يَدْيٌ"، فردَّ اللَّام، ثمَّ أُبدلت الياء همزةً. حُكي من كلامهم: قَطَع الله أَدْيَه. وقالوا: في أسنانِه ألَلٌ. وأصله يَلَلٌ2، فأبدلوا الياء همزة. وقالوا: رِئبال. وأصله رِيبال3، فأُبدلت الياء همزة. وكذلك قالوا: الشِّئمة، يريدون4 الشِّيمة -ومعناها الخليقة- فأبدلوا أيضًا الياء همزة.
وإنَّما جعلنا الهمزة في أَلَل ورِئبال والشِّئمة5 [23 ب] بدلًا من الياء، ولم تُجعل أصلًا بنفسها؛ لأنَّ الأكثر في كلامهم: يَلَلٌ ورِيبال وشِيمة6 بالياء، واستعمال هذه الأسماء بالهمزة قليل. فدلَّ ذلك على أنَّ الهمزة بدل، وأنَّ الياء هي الأصل.
فهذا [أيضًا]7 جميعُ ما جاءت فيه الهمزة بدلًا من الياء، على غير اطِّراد.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 كذا. والضمير يعود على "مثل".
2 اليلل: قصر الأسنان والتزاقها وإقبالها إلى داخل الفم.
3 الريبال: الأسد.
4 في النسختين: يريد.
5 الحق في حاشية ف: وضئزى.
6 ألحق بعدها في ف: "وضيزى". والقسمة الضيزى: الناقصة الجائرة.
7 من م.

 

ص -230-      باب إبدال الهمزة من الهاء:
أُبدلت الهمزة من الهاء1 في ماء. وأصله "مَوَهٌ"، فقلبت الواو ألفًا والهاء همزة. والدليل على ذلك قولهم في الجمع: أَمواهٌ. وقد أُبدلت الهاء أيضًا2 همزة في جمع ماء3، فقالوا: أَمواءٌ. قال4:

وبَلدةٍ, قالِصَةٍ أَمواؤُها                  تَستَنُّ, في رأْدِ الضُّحَى, أَفياؤُها

وإنَّما جُعلت الهاء هي الأصل؛ لأنَّ أكثر تصريفِ الكلمة عليها. قالوا: أَمواهٌ ومِياهٌ، وماهَتِ5 الرَّكِيَّةُ. إلى غير ذلك من تصاريفها.
وأُبدلتْ أيضًا منها في آل. أصله أَهْل، فأبدلت الهاء همزة فقِيل "أَأْل"، ثمَّ أُبدلت الهمزة ألفًا فقيل: آلٌ.
فإن قيل: فهلَّا جعلتَ الألف بدلًا من الهاء أوَّلًا. فالجواب أنه لم يَثبت إبدال الألف من الهاء في غير هذا الموضع، فيُحملَ هذا عليه. وقد ثَبَتَ إبدال الهمزة من الهاء في ماء، فلذلك حُمل آلٌ على أنَّ الأصل فيه أهل، ثمَّ "أأْل" فأبدلت الهاء همزة.
فإن قيل: وما الذي يدلُّ على أنَّ الأصل أهل، وهلَّا جعلتَ الألف منقلبة عن واو. فالجواب أنَّ الذي يدلُّ على ذلك قولُهم في التصغير: أُهَيلٌ. ولو كانت الألف منقلبة عن واو لقيل في تصغيره6 "أُوَيلٌ". وممَّا يؤيِّد7 أنَّ الأصل أَهلٌ أنهم إذا أضافوا إلى المضمر قالوا: أَهلُكَ وأَهلُهُ.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 انظر المنصف 2: 149-152 وسر الصناعة 1: 113-120.
2 م: وأبدلت أيضًا الهاء.
3 ف: الماء.
4 سر الصناعة 1: 113 والمنصف 2: 151 ورصف المباني ص84 والمخصص 15: 106 واللسان والتاج "موه" وشرح الشافية 3: 208 وشرح شواهده 437-440. والقالصة: المفقودة. وتستنَّ: تجري في السنن. وهو وجوه الطريق. ورأد الضحى: ارتفاع النهار. والأفياء: جمع فيء. يريد: ليس فيها ماء ولا ظل.
5 ماهت: ظهر ماؤها وكثر.
6 م: التصغير.
7 م: ومما يؤكد.

 

ص -231-      لأنَّ المضمر يردُّ الأشياء1 إلى أصولها. ولا يقال: آلُكَ وآلُه، إِلَّا قليلًا جدًّا، نحو قوله2:

وانصُرْ, عَلى دِينِ الصَّلِيـ                         ـبِ, وعابِدِيهِ, اليَومَ, آلَكْ

وقول الآخر3:

أنا الرَّجُلُ الحامِي حَقِيقةَ والِدِي                  وآلِي، كَما تَحمِي حَقِيقةَ آلِكا

ونحو قول الكِنانِيِّ: رَجلٌ من آلِكَ وليس منك.
وممّا4 يدلُّ، على أنَّ الألف في آل بدل من الهمزة المبدلة من الهاء، أنَّ العرب تجعل اللفظ فيه بدل من بدل مختصًّا بشيء بعينه؛ ألا ترى أنَّ تاء القَسَم لمّا كانت بدلًا من الواو المبدلة من باء القسم لم تدخل إِلَّا على اسم "الله" –تعالى- ولم تدخل على غيره من الأسماء الظاهرة، ولا دخلت أيضًا على مضمر؟
وكذلك: أَسنَتَ الرَّجلُ. لمّا كانت التاء فيه بدلًا من الياء المبدلة من الواو؛ لأنَّ "أسنَتَ" من الفظ السَّنة، ولام سنة واو5 بدليل قولهم في جمعها: سنوات، جعلوها مختصَّة بالدخول في السنة الجدبة، وقد كان "أسنَى" قبل ذلك عامَّة، فيقال: أسنَى الرَّجلُ، إذا دخل في السنة، جدبة أو غير جدبة.
فكذلك آل. لمّا لم يُضف إِلَّا إلى الشريف، فيقال: آل اللهِ وآلُ السلطانِ، بخلاف "الأهل" الذي يُضاف إلى الشريف وغيره، دلَّ ذلك [على] أنَّ الألف فيه بدل من الهمزة المبدلة من الهاء، كما تَقَدَّمَ. وإنَّما خصَّت العرب ما فيه بدل من بدل بشيء؛ لأنه فرعُ فرعٍ، والفروع لا يُتصرَّف فيها تصرُّف الأصل، فكيف فرعُ الفرع؟
وأُبدلت أيضًا من الهاء في "هَلْ"، فقالوا: أَلْ فَعلتَ كذا؟ [يريدون: هل فعلتَ كذا]؟6 حكى ذلك قُُطربٌ7 عن أبي عُبيدة. والأصل "هل" لأنه الأكثر.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 م: الأسماء.
2 عبد المطلب جد النبي, صلى الله عليه وسلم. الأشباه والنظائر 2: 207 وشرح التسهيل 3: 344 وهمع الهوامع 2: 50 والدرر اللوامع 3: 62 والتاج "أهل". وهو من أبيات قالها يوم غزا الأحباش مكة. السيرة 1: 51 والكامل 1: 159.
3 خفاف بن ندبة. ديوانه ص64 وشرح التسهيل 3: 244 والمساعد 2: 347 وشرح الكافية الشافية ص954 والخزانة 2: 471. م: آلك.
4 سقط من م حتى قوله "فكيف فرع الفرع".
5 وقيل: إنها تاء.
6 من م.
7 محمد بن المستنير النحوي، أخذ عن سيبويه وكان عالِمًا ثقة، توفي سنة 206. إنباه الرواة 3: 219.

 

ص -232-      وأُبدلت أيضًا من الهاء في "هذا"، فقالوا: آذا. قال1:

فقالَ فَرِيقٌ: آأَذا، إِذ نَحَوتُهم,                 نَعَم, وفَرِيقٌ: لَيمُنُ اللهِ ما نَدرِي

أراد "أهذا" فقلب الهاء همزة، ثمَّ فصل بين الهمزتين بألف.
فأمَّا قولهم: تُدْرأٌٌ وتُدْرَةٌ، للدَّافع عن قومه فليس أحدُ الحرفين فيهما بدلًا من الآخر، بل هما أصلان بدليل مجيء تصاريف الكلمة عليهما. فقالوا: دَرأهُ ودَرَهَهُ ومِدْرأٌ2 ومدْرَهٌ.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 نصيب بن رباح. ديوانه ص94 والأزهية ص21 وتخليص الشواهد ص219 ورصف المباني ص43 والمقتضب 1: 228 و2: 90 و330 والأمالي 2: 208 والمغني ص101 وشرح شواهده ص104 وشرح أبياته 2: 268 والكتاب 2: 147 وشرح أبياته 2: 288 وشرح بانت سعاد ص32-33 والصناعتين ص341 ونقد الشعر ص149 وتهذيب الإيضاح 1: 144 والمنصف 1: 58 وسر الصناعة 1: 120 و130 والإنصاف ص407 والصحاح واللسان والتاج "يمن". ويلاحظ أنه خفف فأسقط الألف بعد الهاء. ونحوتهم: قصدتهم. ونعم أي: وقال فريق: نعم. وما ندري أي: ما عندنا علم بذلك.
2 م: درأة ودُرهة ومُدرأ.

 

ص -233-      باب إبدال الهمزة من العين:
لم يجئ من ذلك إِلَّا قولُهم:1 أُبابٌ، في قولهم: عُباب. والأصل العين لأنَّ عُبابًا أكثر استعمالًا من أُباب. قال2:

أُبابُ بَحْرٍ، ضاحِكٍ زَهُوقِ


ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 سر الصناعة 1: 121. وفيه يرى ابن جنِّي أنَّ الوجه الأرجح أن تكون الهمزة في "أباب" أصلًا. وفي حاشية ف بخط أبي حيان عن ابن مالك أنَّ من هذا الإبدال نحو "عما" في "أما". وانظر الارتشاف 1: 130.
2 سر الصناعة 1: 121 وشرح الشافية 3: 207 وشرح شواهده ص432-436 والمفصل 2: 254 وشرحه 10: 15 والأشموني 4: 297 والمقرب 2: 164 واللسان والتاج "أبب". م: "أباب مجر". وفي النسختين: "ضاحك زخور". والتصويب من المفصل. والعباب: ارتفاع الموج وكثرته. وقوله ضاحك كناية عن امتلائه. والزهوق: المرتفع. ويُروى: "هزوق" وهو المستغرق في الضحك.

 

ص -234-      باب الجيم:
وأمَّا الجيم1 فأُبدلت من الياء لا غيرُ، مُشدَّدةً ومُخفَّفةً. فيُبدلون من الياء المشدَّدة جيمًا مشدَّدة، ومن الياء المخفَّفة [34 أ] جيمًا مخفَّفة.
فمن البدل من الياء المشدَّدة ما أنشده الأصمعيُّ عن خَلَفٍ2, قال: أَنشدني رجلٌ من أهل البادية3:

خالِي عُوَيفٌ, وأبُو عَلِجِّ                       المُطعِمانِ اللَّحمِ, بالعَشِجِّ

 

وبالغَداةِ, فِلَقَ البَرنِجِّ4

يريد: وأبو عليٍّ، وبالعَشِيِّ وفِلَقَ البَرنِيِّ ومنه أيضًا ما حكاه5 أبو عمرِو بنُ العلاء من أنه لقي أعرابيًّا [كان حنظليًّا]6، فقال له: ممَّن أنتَ؟ فقال: فُقَيمِجّ. فقال له: مِن أيِّهم؟ فقال: مُرِّجّ. يريد: فُقَيمِيّ، ومُرِّيّ.
وهو مطَّرد في الياء7 المشدَّدة. قال يعقوب8 "وبعض العرب إذا شَدَّد الياء صَيَّرَها جيمًا. وأنشد

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 سر الصناعة1: 192-195 والكتاب 2: 314. وفي حاشية ف بخط أبي حيان عن الإبدال لأبي الطيب1: 258 أن هذا الإبدال في بني دبير وتميم وطيئ بخلاف بينهم. انظر ص266 من ابن عصفور والتصريف.
2 هو أبو محرز خلف بن حيان الأحمر، راوية علامة بالشعر واللغة، توفي في حدود 180. بغية الوعاة 1: 554.
3 سر الصناعة 1: 192 وشرح الملوكي ص248 و329 والتصريف الملوكي ص50 والمقرب 2: 29 والمنصف 2: 178 و3: 79 وشرح الشافية 2: 287 وشرح شواهده ص212-215 والكتاب 2: 288 والمفصل 2: 265 وشرحه 9: 74 و10: 55 والعيني 4: 585 وشمس العلوم 1: 15 والإبدال 1: 257.
وألحق أبو حيان بحاشية ف بالرجز بيتًا رابعًا، وذكر عن شيخه الرضي عن الفراء أن بعض بني أسد يقول في مَسجِد: مَسْيِد.
4 الغداة: الصباح. والبرني: ضرب من التمر.
5 الأمالي 2: 77 والإبدال 1: 259. وأبو عمرو هو زبان بن العلاء الخزاعي المازني، أحد القراء السبعة وحافظ للغة والأخبار، توفي سنة 154. غاية النهاية 1: 288.
6 تتمة من حاشية ف بخط أبي حيان.
7 م: الجيم.
8 القلب والإبدال ص29. ويعقوب هو ابن إسحاق ويعرف بابن السكيت، إمام في اللغة والنحو والأدب. توفي سنة 245. البلغة ص288.

 

ص -235-      ابن الأعرابيِّ1:

كأنَّ في أذنابِهِنَّ الشُّوَّلِ                   مِن عَبَسِ الصَّيفِ, قُرُونَ الأُجَّلِ

يريد: الأُيَّل.
ومن إبدال الجيم من الياء المخفَّفة2 ما أنشده أبو عمرِو بنُ العلاء، لهِميان بن قُحافة من قوله3:

يُطِيرُ عَنها الوَبَرَ, الصُّهابِجا

يريد: الصُّهابِيَ، من الصُّهبة. وأصلُه الصُّهابِيَّ, فحذف4 إحدى الياءين. ومن ذلك ما أنشده الفرَّاءُ من قول الشاعر5:

لاهُمَّ, إِن كُنتَ قَبِلتَ حَجَّتِجْ                        فلا يَزالُ شاحِجٌ يأتِيكَ بِجْ

 

أَقمَرُ, نَهَّاتٌ, يُنَزِّي وَفرَتِجْ

يريد: حَجَّتي، ويأتيكَ بِي، ويُنَزِّي وَفرَتِي.
ومن ذلك أيضًا قولُهُ6:

حَتَّى إِذا ما أَمسَجَتْ, وأَمسَجا

يريد: "أَمسَيَتْ وأَمسَيا"7، فأبدل من الياء جيمًا ولم يُبدلها ألفًا. وهو غيرُ مطَّرد في الياء الخفيفة، بل يوقف في ذلك عند السماع8.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 لأبي النجم. سر الصناعة 1: 193 والأمالي 2: 78 وشمس العلوم 1: 15 والإبدال 1: 259 وشرح الشافية 3: 229 وشرح شواهده ص485 والمفصل 2: 265 والسمط ص712 واللسان والتاج "عبس" و"أجل" و"أول" و"شول". والشوّل: الأذناب المرتفعة. والعبس: ما يبس على هلب الذنب من البول والبعر. والأيل: ذكر الأوعال. وابن الأعرابي هو أبو عبد الله محمد بن زياد، إمام في اللغة والنحو والأخبار, توفي سنة 231. البلغة ص221.
2 م: الخفيفة.
3 الأمالي 2: 77 والإبدال 1: 260 والسمط ص712 وسر الصناعة 1: 193 وشرح شواهد الشافية ص216 واللسان والتاج "صهب" و"صهبج".
4 ف: فخفف بحذف.
5 رجل من اليمن. النوادر ص164 ومجالس ثعلب ص143 وسر الصناعة 1: 193 والإبدال 1: 260 والمفصل 2: 266 وشرحه 90: 75 و10: 50 والدرر 2: 214 والمحتسب 1: 75 والعيني 4: 570 وشرح الشافية 2: 287 وشرح شواهده ص215-218 واللسان والتاج "ج". ولا هم أي: اللهم. والشاحج: الحمار أو البغل. والأقمر: الأبيض. والنهات: النهاق. وينزي: يحرك. والوفرة: الشعر إلى شحمة الأذن. وكنى بالوفرة عن نفسه.
6 العجاج. ديوانه 2: 298 وشرح شواهد الإيضاح ص627 والمقرب 2: 166 والتصريف الملوكي ص51 وشرحه ص329 و331 وسر الصناعة 1: 194 والمفصل 2: 266 وشرح الشافية 3: 230 وشرح شواهده ص486-487 وشمس العلوم 1: 15 واللسان والتاج "مسي" والعيني 4: 570.
7 م: وأمسينا.
8 قال البغدادي: "وذهب ابن عصفور في كتاب الضرائر إلى أن إبدال الياء الخفيفة جيمًا خاص بالشعر. ولم أره لغيره". شرح شواهد الشافية ص216 وضرائر الشعر ص231-232.

 

ص -236-      باب الدال:
وأمَّا الدال1 فأُبدلت من التاء والذال. فأُبدلت من تاء "افتَعَلَ" باطِّراد، إذا كانت الفاء زايًا. فتقول في "افتَعَلَ" من الزَّينِ: ازدانَ، ومن الزُّلفَى: ازدَلَفَ، ومن الزَّجرِ: ازدجَرَ، ومن الزِّيارة: ازدارَ. والأصل "ازتانَ" و"ازتَجَرَ" و"ازتَلََفَ" و"ازتارَ"، فرفضوا الأصل وأبدلوا من التاء دالًا.
والسبب في ذلك أنَّ الزاي مهجورةٌ والتاء مهموسة، والتاء شديدة والزاي رخوة، فتباعد ما بين الزاي والتاء, فقرَّبوا أحد الحرفين من الآخر ليقرب النطق بهما، فأبدلوا الدال من التاء؛ لأنها2 أخت التاء في المخرج [والشِّدَّة]3، وأختُ الزاي في الجَهر.
وكذلك تُبدل فيما تَصرَّف من "افتَعَلَ". فتقول: مُزدَلِفٌ ومُزدَجِرٌ ومُزدانٌ ومُزدارٌ، وازدِجارٌ وازدِيانٌ وازدِيارٌ وازدِلافٌ. ومن كلام ذي الرُّمَّة في بعض أخباره4. هل عِندَكَ مِن ناقةٍ فتَزدار عليها مَيًّا؟
وكذلك5 أيضًا تبُدل منها، إذا كانت الفاء دالًا. إِلَّا أنَّ ذلك من قَبيل البدل الذي يكون للإدغام. فتقول في "افتَعَلَ" من الدَّين: ادّانَ.
وقد قُلبتْ تاء "افتَعَلَ" دالًا، بغير اطِّراد، مع الجيم في: اجتمعُوا واجتَزَّ6، فقالوا: اجدَمَعُوا واجدَزَّ7. والأكثر التاء. قال8:

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 سر الصناعة 1: 200-202 والكتاب 2: 314.
2 م: من الفاء فإنها.
3 من م.
4 مجالس ثعلب ص39 والأغاني 16: 124 ومصارع العشاق 2: 186 وتزيين الأسواق ص79.
5 سقط من النسختين حتى قوله "ادّان"، وألحقه أبو حيان بحاشية ف. وانظر سر الصناعة 1: 202 وفي حاشية ف أيضًا بخط أبي حيان أن من يقول "حَفِظْطُ" يقول في مثل فُزتُ وأجدتُ وأخذتُ: فُزدُ وأجَدُّ وأخذدُ. فيبدل التاء دالًا.
6 م: اجتر.
7 م: اجدر.
8 مضرس بن ربعي الأسدي أو يزيد بن الطثرية. سر الصناعة 1: 201 وتأويل مشكل القرآن ص224 والأشباه والنظائر 8: 85 والمقرب 2: 166 وشرح الشافية 3: 228 وشرح شواهده ص481-484 والمفصل 2: 26 والعيني 4: 591 والصحاح واللسان والتاج "جزز". واجدز: اقطع. والشيح: نبات له رائحة طيبة.

 

ص -237-                                        فقُلتُ لِصاحِبِي: لا تَحبِسَنَّا   بِنَزعِ أُصولِهِ, واجدَزَّ شِيحا

يريد "واجتزَّ". ولا يُقاس ذلك، فلا يقال في "اجتَرأ": اجدَرأ،1 ولا في "اجترَحَ": اجدَرَحَ.
وأُبدلت أيضًا من تاء "افتَعَلَ"، إذا كانت الفاء ذالًا، من غير إدغام. فقالوا: اذْدَكَرَ ومُذْدَكِرٌ2. حكى ذلك أبو عمرو. وقال أبو حِكاك3:

تُنحِي علَى الشَّوكِ جُرازًا مِقضَبا                     والهَرْمَ تُذْرِيهِ, اذدِراءً عَجَبا

يريد: "اذتراءً"، وهو "افتِعال" من: ذراه يَذريه. فأمَّا "ادَّكَرَ" فالدال فيه مبدلة من الذال لأنه إبدالُ إدغامٍ4، فلا يُذكرُ5 هنا.
وأُبدلتْ من التاء في غير "افتَعَلَ" بغير اطِّراد في تَولَجٍ6، فقالوا: دَولَجٌ، فأبدلوا الدال من التاء المبدلة من الواو؛ لأنَّ الأصل "وَوْلَج"؛ لأنه من الوُلُوج. ولا تُجعلُ الدال بدلًا من الواو؛ لأنه قد ثَبَتَ إبدال الدال من التاء في "افتَعَلَ"، كما تَقَدَّمَ، ولم يثبت إبدالها من الواو في موضع من المواضع.
فهذا جميع ما أُبدلت فيه الدال من التاء.
وأُبدلتْ من الذال في ذِكَرٍ جمع ذِكْرةٍ، فقالوا: دِكَرٌ.7 قال ابن مقبل8:

يا لَيتَ لِي سَلوةً, تُشفَي النُّفُوسُ بِها        مِن بَعضِ ما يَعتَرِي قَلبِي, مِنَ الدِّكَرِ

بالدال9. كذا رواه أبو عليٍّ. وكأنَّ الذي سَهَّلَ ذلك قلبهم لها في "ادَّكَرَ" و"مُدَّكِر"، فأُلِفَ فيها القلب10 فَقَلبها دالًا، وإن كان مُوجِبُ القلب قد زال. وهو الإدغام11.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 م: أجدر.
2 سقط من م.
3 سر الصناعة 1: 202 والمقرب 2: 166 وشرح المفصل 10: 49 و150 والمفصل 2: 299 وشرح التفتازاني ص16 واللسان والتاج "ذكر". ف: "ينحي". وفي النسختين "عن الشول حوارًا". والتصويب من سر الصناعة واللسان والتاج وشرح المفصل. وتنحي: توجه وتلقي. وأراد بالجراز أسنانها. والهرم: ضرب من نبات الحمض. وتذريه: تطيره.
4 في النسختين: "فأمَّا ادَّكر فإبدال إدغام". وقد صوبه أبو حيان في حاشية ف كما أثبتنا.
5 م: فلا يتكلم فيه.
6 التولج: كناس الوحش.
7 م: ذكر.
8 ديوانه ص81 وسر الصناعة 1: 302 والخصائص 1: 351 والمنصف 3: 140. ويعتري: يصيب.
9 م: بالذال.
10 سقط من م.
11 في حاشية ف بخط أبي حيان: بلغت المقابلة.

ص -238-      باب الطاء:
وأمَّا الطاء1 فأُبدلتْ من التاء لا غيرُ. أُبدلت2 باطِّرادٍ البتَّةَ، ولا يجوز غير ذلك، من تاء "افتَعَلَ" إذا كانت الفاء صادًا أو ضادًا أو طاء أو ظاء. فتقول في "افتَعَلَ" من الصَّبر: اصطَبَرَ، ومن الضَّرب: اضطَرَبَ، ومن الظَّهرِ اظطَهرَ،3 و4 من الطَّرْدِ: اطَّرَدَ، [34 ب] فتُدغِم لأنك لمّا أبدلتَ التاء طاء اجتمع لك مِثلان، الأوَّلُ منهما ساكنٌ، فأدغمت. ولم تُبدِلِ التاءَ لأجل الإدغام، بل للتباعد الذي بين الطاء والتاء، كما فعلتَ ذلك مع الضاد والظاء والصاد؛ ألا ترى أنك أبدلت من التاء طاء ولم تُدغِم، لمَّا لم يجتمع لك مثلان؟
والتباعدُ الذي بين التاء وبين هذه الحروف أنَّ التاء منفتحةٌ مُنسفلةٌ، وهذه الحروف مُطبَقةٌ5 مُستعلِيةٌ. فأبدلوا من التاء6 أُختَها في المخرج، وأختَ هذه الحروف في الاستعلاء والإطباق وهي الطاء.
وأُبدلتْ بغير اطِّراد، من تاء الضمير بعد الطاء والصاد، 7 فقالوا: فَحَصْطُ وخَبَطُّ وحَفِظْطُ وحِضْطُ8، يريدون: فَحَصتُ وخَبَطتُ وحَفِظتُ وحِضتُ9. والأكثر التاء. والعِلَّة في الإبدال كالعِلَّة في "افتَعَلَ" من التباعد الذي ذكرنا بين التاء وبين الصاد والطاء، فقرَّبوا ليسهل النُّطقُ.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 انظر سر الصناعة 1: 223-231 والكتاب: 2: 314 وفي حاشية ف بخط أبي حيان مواضع إبدال الطاء التاء عن ابن القطاع.
2 سقط من م.
3 م: "اضطهر". ويقال اظطهر بحاجتي، إذا استخف بها وجعلها وراء ظهره.
4 أقحم أبو حيان في حاشية ف: "إذا كانت الفاء طاء كان ذلك من قبيل البدل الذي يكون بسبب الإدغام، فتقول في افتعل". وهذا يناقض ما يذكره ابن عصفور بعد. وانظر سر الصناعة 1: 223.
5 سقط من م. وانظر شرح الشافية 3: 226.
6 م: الياء.
7 ضرب عليهما في ف واستبدل بهما: "هذه الحروف". يريد: الصاد والضاد والطاء والظاء.
8 سقط "وحفظط وحضط" من م. وفي الكتاب 2: 314: فحصط وحصط.
9 سقط "يريدون... وحضت" من م.

 

ص -239-      ومن ذلك قوله1:

وفي كُلِّ حَيٍّ, قَد خَبَطَّ بِنِعمةٍ                  فحُقَّ لِشأسٍ، مِن نَداكَ, ذَنُوبُ

رواه أبو عليٍّ عن أبي بكر عن أبي العبَّاس: "خَبَطَّ"، على إبدال الطاء من التاء.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 علقمة الفحل. ديوانه ص37 وسر الصناعة 1: 225 وشرح اختيارات المفضل ص1598. وخبطت: أنعمت. وشأس هو أخو علقمة. والذنوب: النصيب.

 

ص -240-      باب الواو:
وأمَّا الواو فأُبدلت من ثلاثة أحرف. وهي الهمزة والألف والياء. إِلَّا أنَّ الذي يُذكر هنا إبدالها من الهمزة؛ لأنَّ إبدالها من الياء والألف1 يذكر في باب القلب.
فتُبدل من الهمزة باطِّراد، إذا كانت مفتوحةً وقبلَها حرفٌ مضمومٌ، نحو: جُؤَن2 وسُؤَلة3, تقول في تخفيفهما4: جُوَن وسُوَلة. ولا يلزم ذاك.
وتُبدل أيضًا باطِّراد، إذا كانت ساكنةً وقبلها ضَمَّةٌ، ولا يلزم ذلك أيضًا. نحو بُؤْس ونُؤْي5، تقول فيهما إذا أردت التخفيف: بُوسٌ ونُويٌ.
وتُبدل أيضًا باطِّراد، إذا كانت قبل الألف في الجمع الذي لا نظير له في الآحاد، بشرط أن يكتنف ألفَ الجمع همزتان، نحو: ذَوائب، في جمع ذُؤابة. أصله "ذآئب"، فأُبدلت الهمزة واوًا هروبًا من ثِقل البناء، مع ثقل اجتماع الهمزتين والألف؛ لأنَّ الألف قريبة من الهمزة لأنها من الحلق، كما أنَّ الهمزة كذلك. فكأنه قد اجتمع في الكلمة ثلاثُ هَمَزات، فالتزموا لذلك إبدال الهمزة واوًا.
وأُبدلت أيضًا باطِّراد على اللزوم، إذا كانت للتأنيث في ثلاثة مواضع: التثنية، والجمع بالألف والتاء، والنسب. نحو: صَحراوَينِ وصَحراوات وصَحراويّ6.
وباطِّراد من غير لزوم، في الهمزة المبدلة من أصل، أو من حرف زائد مُلحِق بالأصل، إذا كانت طرفًا بعد ألف زائدة، نحو: كِساء ورِداء وعِلباء ودِرحاء7, حيث قُلبت همزة التأنيث8، نحو: عِلباوَينِ

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 في حاشية ف بخط أبي حيان عن ابن القطاع أن بعض طيئ يبدل الألف واوًا في الوقف، نحو: أفعَوْ، وحُبْلَوُ. انظر ص382.
2 الجؤن: جمع جؤنة. وهي سلة مستديرة مغشاة جلدًا يجعل فيها الطيب والثياب.
3 السؤلة: الكثير السؤال. وانظر الكتاب 2: 314.
4 ف: تخفيفها.
5 النؤي: الحفير حول الخيمة يمنع عنها ماء المطر ويبعده.
6 ف: صحراوي وصحراوين وصحراوات.
7 العلباء: عصب عنق البعير. والدرحاء: الدرحاية. وهو اللئيم الخلقة.
8 يشير إلى ما في الفقرة المتقدمة.

 

ص -241-      وكِساوَينِ ورِداوَينِ ودِرحاوَينِ، وعِلباوِيٌّ وكِساوِيٌّ ورِداويٌّ، ودِرحاوات في جمع دِرحاءة.
ومن الهمزة الأصليَّة إذا وقعت طرفًا بعد ألف زائدة –وذلك قليل1- حيث قُلبت همزة التأنيث أيضًا، نحو: قُرَّاءٍ2, لأنه من "قَرَأَ". فإنه قد حُكي: قُرَّاوِيٌّ، وفي التثنية: قُرَّاوانِ.
وأُبدلت من غير اطِّراد، في: واخَيتُ. أصلُه: آخَيتُ، فأُبدلت الهمزة واوًا. ولا يمكن أن يُدَّعى أنَّ الواو في "واخيتُ" أصلٌ، وليست3 ببدل من الهمزة؛ لأنَّ اللام من "واخَيتُ" واو؛ لأنه من الأُخُوَّة، وإنَّما قُلبت ياء4 في واخَيتُ لوقوعها رابعةً، كما قُلبتْ في "غازيت"، على ما يُبيَّنُ في بابه5. فإذا تَبيَّنَ أنَّ اللَّام واو لم يمكن أن تكون الفاء واوًا؛ لأنه لم يجئ في كلامهم مثل "وَعَوتُ".
وتُبدل 6 أيضًا واوًا على غير اللزوم، إذا وقعت بعد الواو الزائدة للمدِّ، فتقول في مَقرُوء: مَقرُوّ.
وتُبدل أيضًا إذا وقعت بعد الواو، ,وإن لم تكن زائدة للمدِّ، فتقول في سَوْءة: سَوَّة. إِلَّا أنَّ ذلك قليل جدًّا.
فهذا جميع ما أُبدلت فيه الهمزة واوًا، إذا لم تنضمَّ إليها همزة أُخرى. فإن انضمَّ إليها همزة أُخرى فلا يخلو أن تكون الثانية ساكنة أو متحرِّكة. فإن كانت ساكنة فإنه يلزم إبدالها واوًا، إذا كانت الهمزة الأُولى مضمومة. فتقول في "أُفْعِلَ" من "أَتى": أُوتِيَ7. وأصله "أُؤْتِيَ". إِلَّا أنه رُفض الأصل، هروبًا من اجتماع الهمزتين، فلزم البدل.
فإذا كانت الثانية متحرِّكةً فإنها تُبدل واوًا، إذا كانت [35 أ] متحرِّكة بالضمِّ أو بالفتح. فتقول في مثل أُبْلُم8 من "أَمَمْتُ": أُوُمٌّ9. أصله "أُؤْمُمٌ"، فنَقلتَ ضمَّة الميم إلى الهمزة، وأدغمتَ فقلتَ: "أُؤُمٌّ". ثمَّ أَبدلت الهمزة واوًا لانضمامها، فقلت: أُوُمٌّ. ولزم ذلك.
وتقول10 في "أَفْعَل"11 من "أَمَمْتُ": أَوَمُّ. وأصله "أَأْمَمُ"، ثمَّ نَقلتَ فتحة الميم إلى الهمزة، [وأدغمتَ] فقلتَ:12 "أَأَمُّ"13. ثمَّ أبدلتَ الهمزة واوًا، فقلت: أَوَمُّ. كما أنهم لمَّا اضطُرُّوا إلى

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 كذا. والصواب أنه سماعي لا يقاس عليه.
2 القراء: الناسك المتفقه القارئ.
3 ف: وليس.
4 م: تاء.
5 في الورقة 51. وسقط "على ما يبين في بابه" من م.
6 سقط من م حتى قوله "قليل جدًّا".
7 ف: أؤتي.
8 الأبلم: خوص المقل.
9 انظر المنصف 2: 315.
10 المنصف 2: 315-323.
11 وهو اسم تفضيل كما جاء في المنصف. ولكن ناسخ م جعله فعلًا ماضيًا.
12 ف: فقلبت.
13 م: أؤمّ.

 

ص -242-      ذلك، في جمع آدَمَ، قالوا: أَوادِمُ، فأبدلوا الهمزة واوًا.
وسواء كان ما قبل هذه الهمزة المفتوحة مفتوحًا أو مضمومًا،1 في التزام إبدالها واوًا2.
فمثال انضمام ما قبلها: "أُواتِي" في مضارع "آتَى": "فاعَلَ" من الإتيان. أصله "أؤاتِي"، ثمَّ التزموا البدل هروبًا من اجتماع الهمزتين. ثمَّ حملوا "يُواتِي" و"نُواتِي" [وتُواتِي]3 و"مُواتٍ"، على أُواتِي في التزام البدل4.
وزعم المازنيُّ5 أنَّ الهمزة إذا كانت مفتوحة، وقبلها فتحة، أنها تُبدل ياءً. فقال في"أَفْعَل" من "أَمَمْتُ": أَيَمُّ، كما تُبدَلُ إذا كانت مكسورة، نحو أَيِمَّة جمع إمام؛ لأنَّ الفتحة أختُ الكسرة، فالأقيسُ أن يكون حكم الهمزة المفتوحة كحكم المكسورة في الإبدال، لا كالمضمومة في إبدالها واوًا. ورأى أنه لا حُجَّة في "أَوادِم"؛ لأنهم لمَّا قالوا في المفرد "آدَمُ" صار بمنزلة تابَل، فأجرَوُا الألفَ المبدلة مُجرى الزائدة. فكما قالوا: تَوابِلُ6 فكذلك قالوا: أَوادِمُ. فالواو عنده بدلٌ من الألف لا من الهمزة. وهذا الذي ذهب إليه فاسد؛ لأنَّ الألف المبدلة لو كانت تجري مجرى الألف الزائدة لجاز أن يُجمع بينها وبين الساكن المُشَدَّد، فكنتَ تقول في جمع إمام: "آمَّة"، فيكون أصله "أَأْمِمَة"، فتُبدل الهمزة ألفًَا فيصير "آمِمَة"، ثمَّ تُدغِمُ الميمَ في الميم فتَسكنُ الأُولى7 لأجل الإدغام، فتقول "آمَّة"، وتجمع بين الألف والساكن المُشَدَّد، كما جاز ذلك في دابَّة8. فقول العرب: أيِمَّةٌ، ونقلهم الحركة إلى ما قبلُ، دليلٌ على أنها لم تُجرَ مُجرى الألف الزائدة9.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 م: مفتوح أو مضموم.
2 كذا، ومثله في المقرب 2: 168. وهو خطأ بما مثَّل له فيه تعميم من أصل صحيح. وإنَّما يجب إبدال هذه الهمزة واوًا إذا كانت الهمزة التي قبلها لغير المضارعة, ويكون في نحو أُوَيدِم تصغير آدَم، وفيما يصنع لبيان الحكم، نحو أن تصوغ من "أمم" على وزن "أُصْبَع". وذلك "أُؤْمَم" في الأصل، فتنقل حركة الميم الأولى إلى الساكِن قبلها وتدغم فيصير "أُؤَمّ". وهذا يجب فيه إبدال الهمزة الثانية واوًا: أُوَمّ. فإذا كانت الهمزة الأولى للمضارعة جاز إبدال الثانية وتحقيقها. وهذا قل من تنبه إليه أو نبه عليه من النحاة. انظر التسهيل ص302 وحاشية الصبان 4: 301 وحاشية الخضري 2: 196. فالمضارع: أؤاتي، أؤاسي، أُؤاكل, أُؤَمّن، أُؤَلّف، أُؤَدّي، أُؤَمَّر، أُؤَجَّل... يجوز في همزته الثانية البدل. وقد جاء تحقيق الهمزة في مثله. ومنه قول ملك الموت عن الأرواح: "أُؤَيِّه بها كما يُؤيَّهُ بالخيل فتجيبني"، وقول المرأة لعائشة: "أُؤَخِّذُ جملي"؟ وروي هذا أيضًا مع لفظ همزة الاستفهام، فكان فيه ثلاث همزات مجتمعة. انظر الفائق والنهاية واللسان والتاج "أخذ" و"أيه".
3 من م.
4 كذا أيضًا. والبدل جائز لا لازم.
5 المنصف 2: 316-318.
6 التوابل: الأبزار.
7 ف: فيسكن الأول.
8 م: دآبة.
9 في حاشية ف بخط أبي حيان حوار بين ابن جنِّي والفارسي، يجعل قياس المازني "أيمّ" على أيمّة فاسدًا، ويوجب عليه أن يكون كالأخفش في قوله: "أوَمّ" بإبدال الهمزة واوًا.

 

ص -243-      فكذلك أيضًا آدَمُ، لا ينبغي أن تُجرى هذه الألف مُجرى الألف الزائدة. فينبغي أن يُعتقد أنها تُرَدُّ إلى أصلها من الهمزة، إذا جَمَعْتَ لزوال موجب إبدالها ألفًا. وهو سكونها وانفتاح ما قبلها. فإذا رُدَّتْ إلى أصلها قالوا "أآدِمُ"، فاستثقلوا الهمزتين فأبدلوا الثانيةَ واوًا. فإذا تَبَيَّنَ أنهم أبدلوا من الهمزة المفتوحة واوًا في أَوادِم وجب أن يقال في "أَفْعَلَ" من "أَمَمْتُ": "أَوَمُّ". وهو مذهب الأخفش.1
وهذا 2: أيضًا جميع ما أُبدلت فيه الهمزة واوًا، إذا التقت مع همزة أُخرى.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 المنصف 2: 315-318.
2 م: فهذا.

 

ص -244-      باب الياء:
وأمَّا الياء فتُبدل من ثمانيةَ عشرَ حرفًا. وهي: الألف، والواو، والسين، والباء، والراء والنون، واللام، والصاد، والضاد، والميم، والدال، والعين، والكاف، والتاء، والثاء، والجيم، والهاء، والهمزة. إِلَّا أنه لا يذكر هنا إبدالها من الألف1 والواو؛ لأنَّ ذلك من باب القلب.
فأُبدلت من السين من غير لزوم2، في سادِس وخامِس. فقالوا: "سادِي" و"خامِي". قال الشاعر3:

إِذا ما عُدَّ أربَعةٌ, فِسالٌ                   فزَوجُكِ خامِسٌ, وحَمُوكِ سادِي

أي: سادسٌ. وقال الآخر4:

مَضَى ثَلاثُ سِنينَ, مُنذُ حُلَّ بِها               وعامُ حُلَّتْ, وهذا التَّابِعُ الخامِي

أي: الخامسُ.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 في حاشية ف بخط أبي حيان عن ابن القطاع أن الألف تبدلها طيئ ياء في الوقف إذا كانت طرفًا. قلت: هذه لغة فزارة وبعض قيس. أمَّا طيئ فتبدلها في الوصل والوقف.
2 صرح ابن عصفور في الضرائر أن هذا الضرب من الإبدال ضرورة. شرح شواهد الشافية 448 وضرائر الشعر ص225-227.
3 ينسب إلى النابغة الجعدي يهجو ليلى الأخيلية وإلى الحادرة وامرئ القيس. شرح الشافية 3: 213 وشرح شواهده 446-448 والمفصل 2: 258 والإبدال 2: 217 وتهذيب الألفاظ ص591 والضرائر ص151 والهمع 2: 153 والدرر 2: 213 والألفباء2: 574 والصحاح واللسان والتاج "فسل". والفسال: جمع فسل. وهو الرذل من الرجال.
4 الحادرة. ديوانه ص359 وتهذيب الألفاظ 591 والإبدال 2: 218 وشرح شواهد الشافية ص447 والقلب والإبدال ص60 والضرائر ص151 والدرر اللوامع 2: 212 والمخصص 17: 112 واللسان والتاج "خمس" و"خما". يصف الديار. وفي حاشية ف بخط أبي حيان عن ابن السِّيد أن من هذا الإبدال "دسَّاها" في الآية 10 من سورة الشمس، أصله دسَّسَها، أبدلت السين الثالثة ياء كراهية التضعيف، ثمَّ قلبت الياء ألفًا. ومنه:

وأنتَ الَّذي دَسَّيتَ عَمرًا فأصبَحَتْ                        حَلائلُهُ مِنهُ أرامِلَ جُوَّعا

قلت: هذا يحسن ذكره مع تسريت. ودسيت: أغريت.

 

ص -245-      وأُبدِلت من الباء1 على غير لزوم، في جمع ثَعْلَبٍ وأَرنَبٍ، في الضرورة. أنشد سيبويه2:

لَها أَشارِيرُ، مِن لَحمٍ، تُتمِّرُهُ                   مِنَ الثَّعالِي, ووَخْزٌ مِن أَرانِيها

أراد الثعالب3 وأرانب،4 فلم يمكنه5 أن يُسكِّن الباء فأبدل منها ياء.
وأُبدلت أيضًا من الباء على اللزوم، في دِيباج. وأصله "دِبّاجٌ"، فأبدلوا الباء الساكنة ياءً هروبًا من اجتماع المِثلين. والدليل على ذلك قولهم في الجمع: دَبابيج،6 فرَدُّوا الباء لمَّا فَرَّقتِ الألف بين المِثلين.
وأُبدِلت أيضًا من الباء الثانية هروبًا من التضعيف، وفي "لا وَرَبِّكَ"، فقالوا: لا وَرَبْيِكَ. حكى ذلك أحمد بن يحيى7.
وأُبدِلت من الراء على اللزوم، في قِيراطِ وشِيراز8 والأصل "قِرّاط" و"شِرّاز" [فأبدلوا الياء من الراء الأولى هروبًا من التضعيف]9. والدليل على أنَّ الأصل "قِرّاط" و"شِرّاز"10 قولُهم قَرارِيط وشَرارِيز، [35 ب] فردُّوا الراء لمَّا فَصلت الألف بين المِثلين11.
وأُبدلت أيضًا في: تَسرَّيتُ وأصله "تَسَرَّرتُ"12 لأنه "تَفعَّلْتُ" من السُّرِّيَّة. والسُّرِّيَّة "فُعْلِيَّة".

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 م: الياء.
2 لأبي كاهل اليشكريّ. وينسب إلى النمر بن تولب. الكتاب 1: 344 وشرح الشافية 3: 212 وشرح شواهده ص443-446 ومجالس ثعلب ص229 والمفصل 2: 258 والإبدال 1: 90 والهمع 1: 181 والصحاح واللسان والتاج "تمر" و"شرر" و"وخز". والأشارير: القطع من اللحم يجفف للادخار. وتتمره: تجففه. والوخز: قطع من اللحم. يصف عقابًا. وفي حاشية ف بخط أبي حيان عن شيخه الرضي عن كتاب "العروض" لابن القطاع: صوابه: وذُخرٌ من أرانِيها.
3 وقال ابن عصفور في الضرائر ص226: "وقد يمكن أن يكون جمع ثعالة، فيكون الأصل فيه إذ ذاك الثعائل، إِلَّا أنه قلب". شرح شواهد الشافية ص443.
4 م: الأرانب.
5 ف: فلم يمكن.
6 م: "دبابج". وانظر شرح الشافية 3: 210-211.
7 انظر شرح الشافية 3: 210 واللسان "ربب".
8 الشيراز: اللبن الرائب المستخرج ماؤه. وانظر الكتاب 2: 313-314.
9 من م.
10 ف: والدليل على ذلك.
11 شرح الشافية 3: 211.
12 وهذا قول ابن السكيت. انظر القلب والإبدال ص59. واللسان "سري".

 

ص -246-      من السرور لأنَّ صاحبها يُسَرُّ بها، أو من السِّرِّ لأنَّ صاحبها يُسِرُّ أمرها عن حُرَّتِه1 وربَّة منزله. ومن جعل سُرِّيَّة "فُعيِّلة"2 من سَراة الشيء –وهو أعلاه- كانت اللام من "تَسَرَّيتُ" واوًا أُبدلت ياء، لوقوعها خامسة؛ لأنَّ السَّراة3 من الواو بدليل قولهم في جمعه: سَرَوات. قال4:

وأَصبَحَ مُبيَضُّ الصَّقِيعِ كأنَّهُ               علَى سَرَواتِ البَيتِ,5 قُطنٌ مُنَدَّفُ

والذي ينبغي أن يُحمل عليه سُرِّيَّة أنه "فُعلِيَّةٌ" من السِّرِّ، أو من السُّرور. فقد دفع أبو الحسن اشتقاقَها من سَراة الشيء -وهو أعلاه- بأن قال: إنَّ الموضع الذي تُؤتَى6 منه المرأة ليس أَعلاها وسَراتها. وهذا الدفع صحيح، واشتقاقه من السِّرِّ أو السرور واضح, فلذلك كان أَولى.
فهذا جميع ما أُبدلت فيه الياء من الراء.
وأُبدلت من النون على اللزوم7، في دِينار. أصلُهُ "دِنّارٌ" فأُبدلت الياء من النون الأُولى هروبًا من ثِقل التضعيف، بدليل قولهم: دنَانيرُ في الجميع8 ودُنَِنيرٌ في التحقير.
وأُبدلت أيضًا من نُون إنسان الأُولى9، على غير اللزوم10، فقالوا: إِيسانٌ11. قال عامر بن جُؤين12:

فيا لَيتَني, مِن بَعدِ ما طافَ أَهلُها           هَلَكتُ, ولَم أَسمَعْ بِها صَوتَ إِيسانِ


ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 م: حرمته.
2 ف: فعليّة.
3 م: السرواة.
4 الفرزدق. ديوانه ص559.
5 كذا، والمشهور: "النّيبِ". والنيب: جمع ناب، وهي الناقة المسنة.
6 ف: يؤتى.
7 شرح الشافية 3: 211 والكتاب 2: 313.
8 م: في الجمع دنانير.
9 ف: الأول.
10 م: على غير لزوم.
11 وهذه لغة طيئ. انظر الإبدال 2: 461 واللسان "أنس".
12 م: "عامر بن جوي". والبيت في سر الصناعة ص757 والمحتسب 2: 203 والمقرب 2: 171 واللسان "أنس" والتاج "أيس".

 

ص -247-      وقالوا في الجميع1: أَياسِينُ2، بالياء. والأصل النون لأنَّ إنسانًا وأَناسيَّ بالنون أكثر منه بالياء.
وأُبدلت أيضًا على اللزوم من نون ظَرِبان3 ونون إنسان التي بعد الألف، في الجمع فقالوا: أَناسِيُّ وظَرابِيُّ، فعاملوا النون معاملة همزة التأنيث لشبهها بها. فكما يُبدِلون من همزة التأنيث ياءً، فيقولون في صَحراء: "صَحارِيُّ"، كذلك فعلوا بنون إنسان وظَرِبان، في الجمع.
وأُبدلت أيضًا من النون في: تَظَنَّيتُ4؛ لأنه "تَفَعَّلْتُ" من الظَّنِّ. فأصله "تَظَنَّنتُ"، فأُبدلت النون ياءً هروبًا من اجتماع الأمثال.
وأُبدلت أيضًا على اللزوم من النون في: تَسنَّى، بمعنى: تَغيَّرَ. ومن ذلك قوله تعالى:
{لَم يَتَسَنَّ}5، فحُذفت6 الألف المبدلة من الياء للجزم. والأصل "يَتَسَنَّنْ"، فأُبدلت النون [ياء]7 هروبًا أيضًا من اجتماع الأمثال. والدليل على ذلك قوله تعالى: {مِن حَمَأٍ مَسْنُونٍ}8 أي: مُتغيِّر. فقوله تعالى: {مَسْنُون} يدلُّ على أنَّ "يَتَسَنَّ"9 في الأصل من المُضَعَّف كمَسنُون، وليس من قَبيل المُعتلِّ.
فهذا جميع ما أُبدلت فيه الياء من النون.
وأُبدلت من اللام في: أَملَيتُ الكِتابَ10 إنَّما أصله "أَملَلتُ"، فأُبدلت اللام الأخيرة ياءً هروبًا11 من التضعيف. وقد جاء القرآن باللغتين جميعًا. قال تعالى:
{فهِيَ12 تُملَى عَليهِ بُكْرةً وأَصيلًا}. وقال عزَّ وجلَّ: {ولْيُمْلِلِ13 الَّذِي عَليهِ الحَقُّ}14. وإنَّما جعلنا اللام هي الأصل لأنَّ "أَملَلتُ" أكثرُ من "أَملَيتُ".

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 م: الجمع.
2 ويقال: أياسيّ أيضًا.
3 الظربان: دابة. وانظر شرح الشافية 3: 211-212.
4 الإبدال 2: 459-460 وشرح الشافية 3: 210.
5 الآية 259 من سورة البقرة. وهذه قراءة عامة أهل الكوفة. تفسير الطبري 5: 460.
6 م: فحذف.
7 من م.
8 الآيات 26 و33 و38 من سورة الحجر.
9 م: يتسنن.
10 شرح الشافية 3: 210. وفي حاشية ف بخط أبي حيان عن ابن السِّيد أن بعض العلماء جعل "تَنسَلِي" من معلقة امرئ القيس أصله تَنسَلّ، أبدلت اللام الثانية ياء وكسر الأولى من أجل الياء. فهو مطاوع سَلَّ يَسُلُّ. قلت: كسر اللام الأولى هو الأصل، ظهر لما فك الإدغام لإبدال الثانية. وليس مجتلبًا لأجل الياء.
11 م: هربًا.
12 الآية 5 من سورة الفرقان. م: هي.
13 في النسختين: فليملل.
14 الآية 282 من سورة البقرة.

 

ص -248-      وأُبدلت من الصاد على غير اللزوم، في: قَصَّيتُ أَظفاري1: بمعنى: قَصَّصت. فأبدلوا من الصاد الأخيرة ياء هروبًا من اجتماع الأمثال. حكى ذلك اللِّحيانيُّ.
وأُبدلت من الضاد، في قول العجَّاج2:

تَقَضِّيَ البازِي, إِذا البازِي كَسَرْ

إنَّما هو "تَفَعُّل" من الانقضاض. وأصله "تقَضُّض"، فأُبدلت الضاد الأخيرة ياء. وقالوا أيضًا: تَفضَّيتُ، من الفِضَّة. وهو مثل: تَقضَّيت.
وأُبدلت من الميم في: يأتَمي3, على غير اللزوم4 في الشعر. قال5:

تَزُورُ امرَأً أمَّا الإله فيَتَّقِي                    وأمَّا, بِفِعلِ الصَّالِحِينَ, فيأتَمِي

أصله "يأتَمُّ" فأُبدل من الميم الثانية ياء هروبًا من التضعيف.
وأُبدلت أيضًا ف6: تُكُمُّوا؛ لأنه "تُفُعِّلُوا" من: كممْتُ الشيءَ إذا سترتَه. فأصله "تُكُمِّمُوا"، فأبدلوا من الميم الأخيرة ياءً فقالوا "تُكُمِّيُوا"، فاستُثقلت الضَّمَّة في الياء فحُذِفَت، فبقيت الياء ساكنةًَ، فحُذِفَت لالتقائها مع واو الضمير الساكنة، فصار: تُكُمُّوا7. قال الراجز8:

بَل لَو شَهِدْتَ النَّاسَ, إِذ تُكُمُّوا                          بقَدَرٍ, حُمَّ لَهُم, وحُمُّوا

وأُبدلت أيضًا من الميم الأولى في: أمَّا،9 فقالوا "أَيْما" هروبًا من التضعيف. وقد رُوِي بيتُ ابن أبي ربيعة10[36 أ]:

رأتْ رَجُلًَا, أيما إِذا الشَّمسُ عارَضَتْ           فيَضحَى, وأيما بالعَشِيِّ فيَخصَرُ11


ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 شرح الشافية 3: 210. وفي حاشية ف بخط أبي حيان عن ابن السِّيد: يمكن أن يكون معناه: أخذتُ أقاصيها. فلا يكون بدلًا. انظر الارتشاف 1: 153.
2 ديوانه ص17. وكسر: ضم جناحيه للانقضاض.
3 الإبدال 2: 453. م: يأتمّ.
4 م: على غير لزوم.
5 البيت لكثير عزة من قصيدة يمدح بها عمر بن عبد العزيز. ديوانه 2: 122 والإبدال 2: 453 واللسان والتاج "أمم" والاقتضاب ص138.
6 اللسان والتاج "كمم".
7 أغفل ضمَّ الميم لتسلم واو الجماعة.
8 العجاج. ديوانه ص63. وحم: قضي. وحموا أي: قدروا له وقضوا.
9 الإبدال 2: 453 والمغني ص55-56.
10 ديوانه ص86. ويضحى: يظهر للشمس. ويخصر: يبرد.
11 م: فيحصر.

 

ص -249-      وأُبدلت أيضًا من الميم الأولى في ديماس، هروبًا1 من التضعيف. وأصله دِمَّاس، بدليل قولهم في الجمع: دَمامِيس.
وأُبدلت من الدَّال2 في قوله تعالى3:
{إِلّا مُكاءً وتَصْدِيَةً}, والتصدية: التصفيق والصوت. و"فَعَلتُ" منه: صَدَدْتُ أصِدُّ4. ومنه قوله تعالى5: {إِذا قَومُكَ منهُ يَصِدُّونَ} أي: يَعِجُّون ويَضِجُّون. فأصله "تَصْدِدَة"، فحُوِّلت إحدى الدالين ياء هروبًا من اجتماع المثلين. وليس قول من قال إنَّ الياء غير مبدلة من دال، وجعله من الصَّدَى الذي هو الصوت، بشيء، وإن كان أبو جعفر الرّستَمِيُّ6 قد ذهب إليه؛ لأنَّ الصَّدَى لم يُستعمل منه فِعْل. فحمله على أنه من هذا الفعل المستعمل أولى.
وأُبدلت من العين فيما أنشده سيبويه، من قوله7:

ومَنهلٍ لَيسَ لَهُ حَوازِقُ                             ولِضَفادِي جَمَّهِ نَقانِقُ

يريد: ولِضفادِع، فَكرِهَ أن يُسكِّن العينَ في موضع الحركة، فأبدل منها ما يكون ساكنًا في حال الجرِّ. وهو الياء.
وأُبدلت أيضًا من العين في8 "تَلَعَّيتُ"9 من اللُّعاعة10 تَلعِيةً. والأصل11 "تَلعَّعتُ تَلِععَةً"، فأُبدلت العين الأخيرة ياءً هروبًا 12 من اجتماع الأمثال.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 شرح الشافية 3: 210-211. والديماس: الكن والحمَّام. م: هربًا.
2 الإبدال 1: 397.
3 الآية 45 من سورة الأنفال. والمكاء: الصفير.
4 في حاشية ف بخط أبي حيان عن ابن السِّيد أن هذا التفسير لأبي عبيدة. انظر مجاز القرآن 1: 246 والارتشاف 1: 154.
5 الآية 57 من سورة الزخرف.
6 لعله محمد بن رستم غلام المازني وشيخ الزجاجي، كان نحويًّا وله كتاب في غريب القرآن. وقيل هو أحمد بن محمد بن رستم. إنباه الرواة 1: 128 وتاريخ بغداد 5: 125 ونزهة الألباء ص239 والارتشاف 1: 154 والإيضاح ص78.
7 صنعه خلف الأحمر. الكتاب 1: 344 وشرح أبياته 2: 31 والموشح ص98 والمقتضب 1: 247 وسر الصناعة ص762 وشرح الشافية 3: 212 والإبدال 2: 315 والمفصل 2: 257 وشرحه 10: 24. والحوازق: جمع حازق. وهو الحاجز. والجم: الكثرة والاحتشاد. والنقانق: جمع نقنقة. وهي الصوت.
8 الإبدال2: 325 والصحاح واللسان والتاج "لعي".
9 تلعيت: رعيت. وفي حاشية ف بخط أبي حيان عن ابن السِّيد: حُكي عن العرب: خرجنا نتلعَّى أي: نرعى اللعاع. وهو أول ما يظهر من النبت.
10 اللعاعة: أصل النبت.
11 ف: فالأصل.
12 م: فرارًا.

 

ص -250-      فإن1 قال قائل: فلعلَّ "تَلَعَّيتُ": "تَفَعلَيتُ" والياء زائدة مثلها في "تَجَعبَيتُ"، فلا تكون إذ ذاك بدلًا. فالجواب أنَّ التاء إنَّما دخلت على "لعَّيتُ"، ولَعَّيتُ: "فَعَّلتُ"، بدليل قولهم "تَلعِيَة"، إذ لا يجيء المصدر على "تَفْعِلة" إِلَّا إذا كان الفعل على وزن "فَعَّلَ". فإذا تبيَّن أنَّ التاء دخلت على "فَعَّلتُ" ثَبَتَ أنَّ تَلَعَّيتُ: "تَفعَّلتُ"، وأنَّ الياء بدل من العين.
وأُبدلت من الكاف فيما حكاه أبو زيد، من قولهم: مَكُّوكٌ2 ومَكاكِيُّ. وأصله "مَكاكِيكُ"، فأُبدلت الياء من الكاف الأخيرة هروبًا أيضًا من ثقل التضعيف3.
وأُبدلت من التاء. أَنشد بعضهم4:

قامَتْ بِها, تُنشِدُ كُلَّ مُنشَدِ                     فايتَصلَتْ, بِمثلِ ضَوءِ الفَرقَدِ.

يريد: فاتَّصلَتْ، فأبدل من التاء الأولى ياء كراهيةَ التَّشديد.
وأُبدلت من الثاء في ثالث5، فقالوا: الثالي. قال الراجز6:

يَفدِيكَ, يا زُرْعَ, أبِي وخالِي                       قَد مرَّ يَومانِ, وهذا الثّالِي

 

وأنتَ, بالهِجرانِ, لا تُبالِي

أراد: وهذا الثالث.
وأُبدلت من الجيم في جمع دَيجُوج7 فقالوا: الدَّياجِي. وأصله "دياجِيجُ", فأُبدلت الجيم الأخيرة ياء، وحذفت الياء قبلها تخفيفًا.
وأُبدلت من الهاء في8: دَهدَيتُ الحَجَرَ أي: دَحرجتُه. وأصله "دَهدَهتُهُ"؛ ألا تراهم قالوا:

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 سقط من م حتى قوله "وأن الياء بدل من العين".
2 المكوك: طاس يشرب به.
3 يريد: تكرار الكاف.
4 سر الصناعة ص764 والمقرب 2: 173 وشرح الملوكي ص248 وضرائر الشعر ص224 والأشموني 4: 337 واللسان والتاج "وصل" والمفصل 2: 257 وشرحه 10: 26. وتنشد: تغني. والمنشد: الغناء. والفرقد: نجم.
5 شرح الشافية 3: 212-213.
6 سر الصناعة ص764 وضرائر الشعر ص227 وشرح الملوكي ص255 والهمع 2: 157 والدرر 2: 224 والأشموني 4: 337. وشرح الشافية 3: 213 وشرح شواهده ص448 والمفصل 2: 259 وشرحه 10: 28. وزرع: مرخم زرعة. وقال البغدادي: "وخصه ابن عصفور بالضرورة" يريد أنه خصه بذلك في كتابه الضرائر ص227.
7 الديجوج: الليل المظلم.
8 الإبدال 2: 531.

 

ص -251-      دُهدُوهَةُ الجُعَلِ، لما يُدَحرجُه؟ قال أبو النَّجم1:

كأنَّ صَوتَ جَرْعِها المُستَعجَلِ                         جَندَلةٌ, دَهدَيتَها بِجَندَلِ

وقالوا في "صَهصَهتُ بالرَّجلِ" إذا قلتَ له "صَهْ صَهْ": صَهصَهيتُ، فأبدلوا من الهاء ياء
وأُبدلت من الهمزة باطِّراد، إذا كانت ساكنة وقبلها كسرة. فتقول في ذِئب وبِئر ومِئرة2 ذِيبٌ وبِيرٌ ومِيرةٌ, ولا يلزم ذلك، إِلَّا أن يكون3 الحرف المكسور الذي قبل الهمزة الساكنة همزةً أُخرى4، نحو: إيمان وإيتاء في مصدر: آمَنَ وآتَى. وأصلُهما "إئمان" و"إئتاء".
وأُبدلت من الهمزة المفتوحة المكسورِ ما قبلها، نحو: مِيَر وأُريدُ أن أُقرِيَكَ5، على غير لزوم. وقد مضى السبب في ذلك في باب تخفيف الهمز6.
وكذلك أيضًا تُبدل7 من الهمزة المضمومة المكسورِ ما قبلها، عند الأخفش، نحو: هو يُقرِيكَ8، [في "يُقرِئُكَ"]9 على غير لزوم أصلًا. وقد تَقَدَّمَ الدليل على بطلان هذا المذهب, في باب تخفيف الهمز10 أيضًا.
وتُبدل منها أيضًا إذا وقعت بعد ياء "فَعِيلٍ" ونحوه، ممّا زِيدت فيه لمدٍّ، وبعد ياء التحقير، على غير لزوم، فيقولون في خَطِيئة: خَطِيَّةٌ، وفي نَسِيء: نَسِيٌّ، وفي تحقير أَفؤُس: أُفَيِّسٌ11.
وإذا التقت همزتان، وكانت الثانية متحرِّكة بالكسر، قُلبت الثانية ياءً على اللزوم12، نحو قولهم: أيِمّةٌ في جمع "إمام". أصله "أَأْمِمَةٌ"، ثمَّ أَدغمتَ فقلتَ: أَئِمَّةٌ، ثمَّ أَبدلتَ من الهمزة المكسورة ياء.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 الجندلة: الحجر. م: "خنذية". والخنذية: رأس الجبل. والرجز في الطرائف الأدبية ص65 والمنصف 2: 176 وسر الصناعة ص233 وشرح المفصل10: 26.
2 المئرة: العداوة.
3 زاد في ف: ذلك.
4 سقط من م.
5 م: أقربك.
6 كذا. ولم يتقدم لتخفيف الهمز باب. م: "الهمزة". وانظر ص217.
7 ف: وكذلك تبدل أيضًا.
8 م: يقرئك.
9 من م.
10 كذا. ولم يتقدم لتخفيف الهمز باب. م "الهمزة". وانظر ص217.
11 م: أبؤس أبيّس.
12 هذا اللزوم شرطه أيضًا في الفعل ألا تكون الهمزة الأولى للمضارعة. انظر ص242. فالمضارع: أئزّ وأئطّ وأئلّ وأئن وأئيد وأئيم وأئين، يجوز فيه إبدال الهمزة ياء ولا يجب. وفي حاشية الخضري 2: 196: "لم أر من ذكرها على الخصوص". قلت: نص عليها ابن مالك في التسهيل ص302. أمَّا أئمة فيجوز فيها تحقيق الهمزتين أيضًا، ويجوز إدخال ألف بينهما محققتين، أو جعل الثانية بين بين، أو إشمامها الياء. انظر النشر 1: 378-381.

 

ص -252-      وتُبدل أيضًا من الهمزة الواقعة طرفًا بعد ألف زائدة، في التثنية، في لغة لبعض بني فَزارة، فيقولون في تثنية كِساء [36 ب] ورِداء: كِسايانِ ورِدايانِ. حكى ذلك أبو زيد عنهم.
وأُبدلت بغير اطِّراد في: قَرأتُ وبَدأتُ وتَوضَّأتُ، فقالوا: قََرَيتُ وتَوضَّيتُ وبَدَيتُ. وعلى "بَدَيتُ" جاء قول زهير1:

جَرِيءٍ, مَتَى يُظلَمْ يُعاقِبْ بِظُلمِهِ                  سَرِيعًا, وإِلَّا يُبْدَ بالظُّلمِ يَظلِمِ

فحَذَفَ الألف المنقلبة عن الياءِ المبدلةِ من الهمزة، للجزم في "يُبْدَي".
وقالوا في واجِئ2: واجٍ، فأبدلَ3 الهمزة ياء، وأجراها مُجرى الياء الأصليَّة. الدليل على ذلك أنه جعلها وصلًا لحركة الجيم، في قوله4:

وكُنتَ أَذلَّ مِن وَتِدٍ بِقاعٍ                     يُشَجِّجُ رأسَهُ, بالفِهرِ, واجِي

وأجراها مُجرى الياء الأصليَّة في قوله قبلُ5

ولَولاهُم لكُنتَ كَحُوتِ بَحرٍ                هَوَى, في مُظلِمِ الغَمَراتِ, داجِي

ولو كانت الهمزة منويَّة عنده لم يجز أن تكون الياء6 وصلًا كما لا يجوز ذلك في الهمزة. ونحو من ذلك قول ابن هرمة7:

إِنَّ السِّباعَ لَتَهدَى في مَرابِضِها                  والنَّاسُ لَيس بِهادٍ شَرُّهُم أَبَدا

فأبدل الهمزة من "هادئ" ياءً ضرورة. وجميعُ هذا لا يقاس عليه إِلَّا في ضرورة شعر.
وأُبدلت أيضًا من الهمزة في أَعْصُر اسم رجل8، فقالوا: يَعْصُر. قال أبو عليٍّ: إنَّما سُمِّيَ

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 من معلقته. ديوانه ص24 وشرح الشافية 1: 26 وشرح شواهده ص10-11. وفي حاشية ف بخط أبي حيان عن ابن القطاع: "بَدَيت بالشيء وبَدِيت به... وبه بَدِينا". الأفعال 1: 99-100. وعن الجوهري: "أهل المدينة يقولون: بَدِينا... دِينا". الصحاح "بدي". وفي الحاشية أيضًا أن الياء ليست مبدلة من الهمزة لأنها أصل.
2 الواجئ: الضارب في أي موضع كان.
3 كذا، بإفراد الضمير هنا وفيما يلي.
4 سقط من م حتى نهاية البيتين التاليين. وهما لعبد الرحمن بن حسان بن ثابت، من قصيدة يهجو بها عبد الرحمن بن الحكم بن أبي العاص. الكتاب 2: 170 وشرح أبياته 2: 306 وشرح شواهد الشافية ص341 والوحشيات ص227 والكامل ص149 و288 و289 "مطبوعة ليبسيغ" والعقد الفريد 6: 148. والقاع: الأرض المستوية الطيبة الطين. والفهر: حجر صلب يدق به. والواجئ: الذي يدق ويكسر.
5 الغمرة: الموجة. والداجي: المظلم.
6 م: الواو.
7 ديوانه ص97 واللسان والتاج "هدأ" حيث روي: "عن فرائسها". م: "عن مرابضها". والمرابض: جمع مربض. وهو مكان الإقامة. وفي حاشية ف بخط أبي حيان: "أراد: لتهدأ وبهادئ، فأبدل... يجوز الزحاف". اللسان والتاج "هدأ".
8 وهو منبه بن سعد بن قيس عيلان.

 

ص -253-      أَعصُرًا لقوله1:

أَبُنَيَّ, إِنَّ أباكَ شَيَّبَ رأسَهُ                    كَرُّ اللَّيالِي, واختِلافُ الأعصُرِ2


ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 م: "بقوله". والبيت في طبقات فحول الشعراء ص29 والخصائص 2: 86 و3: 182 والمحتسب 1: 20 وسر الصناعة ص740 والتاج "عصر". وقال ابن سلام: "فبهذا البيت سمِّي أعصر. وقد يقول قوم: يعصر. وليس بشيء". والأعصر: جمع عصر. وهو الزمن.
2 في حاشية ف بخط أبي حيان: "بلغت المقابلة". وفيها عن الجوهري: "يعصر وأعصر... باهلة". الصحاح "عصر".

 

ص -254-      باب التاء:
وأمَّا التاء1 فأُبدلت من ستَّة أحرف. وهي: الواو، والياء، والسين، والصاد، والطاء، والدال.
فأُبدلت من الواو2 على غير اطِّراد3، في تُجاهٍ وهو "فُعال" من الوجه، وتُراثٍ: "فُعال" من وَرِثَ، وتَقِيَّةٍ: "فَعِيلَة" من وَقَيتُ، والتَّقوَى: "فَعلَى" منه، وتُقاةٍ: "فُعَلَة" منه.
وتَوراةٌ4 عندنا "فَوعَلَةٌ" من وَرِيَ الزندُ يَرِى. وأصله "وَوْراةٌ" فأبدلوا الواو الأُولى تاء؛ لأنهم لو لم يفعلوا ذلك لأبدلوا منها همزة هروبًا من اجتماع الواوين في أوَّل الكلمة. وكذلك تَولَجٌ5: "فَوعَلٌ" من الوُلوج أصله "وَوْلَجٌ". وهو عند البغداذيِّين "تَفْعَل"، والتاء زائدة وحملها6 على "فَوعَلٍ" أَولى، لقِلَّة "تَفْعَل" في الكلام [وكثرة "فَوعَل"]7. وكذلك تَوراة8.
وكذلك تُخَمةٌ لأنها من الوَخامة، وتُكَأةٌ لأنها من: تَوكَّأتُ، وتُكْلانٌ لأنه من: تَوكَّلتُ، وتَيقُورٌ9 "فَيعُولٌ" من الوَقار، أصله "وَيقُورٌ". ومن أبيات الكتاب10.

فإِن يَكُنْ أَمسَى البِلَى تَيقُورِي

يريد: وقاري. ورجلٌ تُكَلةٌ من: وَكَلَ يَكِلُ.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 سر الصناعة 1: 161-174 والكتاب 2: 314.
2 المنصف 1: 225-228 وشرح الشافية 3: 219-220.
3 ف: "قياس". وصوبت في الحاشية كما أثبتنا.
4 م: نوراة.
5 التولج: كناس الوحش.
6 كذا، بتأنيث الضمير.
7 من م.
8 سقط "وكذلك توراة" من م.
9 التيقور: الوقار. م: وتكلان أيضًا وتيقور.
10 للعجاج. ديوانه ص27 والكتاب 2: 356 وسر الصناعة 1: 162 والمنصف 1: 227 وفي حاشية ف بخط أبي حيان: "أصله ويقور من الوقار. ابن جنِّي في شرح البيت. أي: فإن يكن أمسى وقاري للبلى".

 

ص -255-      وقالوا: أَتلَجَهُ أي1 أَولَجَهُ. وكذلك ما تصرَّف, نحو: مُتْلِج، و"أَتكأَهُ" وما تصرَّف منه لأنه من: تَوكَّأتُ، أيضًا.
وأُبدلت2 من واو القسم في نحو: تاللهِ؛ لأنَّ3 الأصل الباء، بدليل أنك إذا جررتَ المضمر أتيتَ بالباء فقلت: به وبك؛ لأنَّ المضمرات تردُّ الأشياء إلى أصولها، ثمَّ أُبدلت الواو من الباء4, ثمَّ أُبدلت التاء من الواو.
فإن قال قائل: ولعلَّها أُبدلت من الباء. فالجواب أنَّ إبدال التاء من الواو قد ثَبَتَ. ولم يثبت إبدالها من الباء، فكان الحمل على ما له نظير أولى. وأيضًا فإن العرب لمَّا لم تَجُرَّ بها إلَّا اسم الله –تعالى- دلَّ ذلك على أنها بدلٌ من بدل؛ لأنَّ العرب تخصُّ البدلَ من البدل بشيء بعينه. وقد تَقَدَّمَ تبيين ذلك5.
وكذلك التَّلِيدُ والتَّلادُ من: وَلَدَ وتَتْرَى: "فَعْلَى" من المُواتَرة وأصلها "وَتْرَى"، وأُختٌ لأنه من الأُخُوَّة، وبِنْتٌ لأنه من البُنُوَّة، وهَنْتٌ لقولهم في الجمع: هَنَوات، و"كِلتا" لأنه لا يُتصوَّر أن تكون أصلًا لحذفها في "كِلا"6، ولا زائدةً للتأنيث لسكون ما قبلها وهو حرف صحيح، ولكونها حشوًا، ولا زائدةً لغير تأنيث لأنَّ التاء لا تُزاد حشوًا7.
فلم يبق إِلَّا أن تكون ممّا انقلبت عنه ألف "كِلا" –وهو الواو- لأنَّ الألف إِذا جُهِل أصلها حُملت على الواو؛ لأنه الأكثر. وأيضًا فإنَّ إبدال التاء من الواو أكثر من إبدالها من الياء.
وأُبدلت باطِّراد من الواو في "افتَعَلَ" وما تَصرَّف منه، إذا كانت فاؤه واوًا، نحو: اتَّعَدَ واتَّزَنَ واتَّلَجَ، فهو مُتَّعِدٌ ومُتَّزِنٌ ومُتَّلِجٌ، ويَتَّعِدُ ويَتَّزِنُ ويَتَّلِجُ، واتِّعادٌ واتِّزانٌ واتِّلاجٌ.
قال8: 

فإِن تَتَّعِدْنِي أَتَّعِدْكَ مَواعِدًا9                    وسَوفَ أَزِيدُ الباقياتِ القَوارِصا

وقال طرفة10:

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 سقط من م.
2 م: وأبدل.
3 سقط من م حتى قوله "وقد تقدم تبيين ذلك". وفي حاشية ف بخط أبي حيان عن كتاب "الجماهير" لقطرب: وزعم قوم أن التاء في تالله بدل من الواو، وهو مذهب. إِلَّا أنه يضعف لأنه يقال: وأبيك لا أفعل. ولا يقال: تأبيك لا أفعل. فلو كانت بدلًا منها جرت مجراها.
4 كذا. ولم يذكره في باب الواو. انظر ص240-243.
5 انظر ص231.
6 م: وكلتا لا يتصور أن تكون أصلًا في كلا.
7 كذا. وانظر ص183.
8 الأعشى يهجو علقمة بن علاثة. ديوانه ص101.
9 في م وحاشية ف عن نسخة أخرى: "بمثلها". وهي رواية سر الصناعة1: 163.
10 ديوانه ص182 وسر الصناعة 1: 163. وسكن ياء القوافي للتخفيف.

 

ص -256-                                    فإِنَّ القَوافِيْ يَتَّلِجْنَ مَوالجًِا        تَضايَقُ, عَنها, أن تَوَلَّجَها الإِبَرْ

وقال سُحيمٌ1:

وما دُمْيةٌ, مِن دُمَى مَيْسَنا                  نَ, مُعْجِبةٌ نَظَرًا واتِّصافا [37 أ].

والسبب في قلب الواو في ذلك تاءً أنهم لو لم يفعلوا ذلك لوجب أن يقلبوها ياءً، إذا انكسر ما قبلها، فيقولوا:2 ايْتَعدَ3 وايْتَزنَ وايْتَلَجَ، وإذا انضمَّ ما قبلها رُدَّت للواو فيقولون: مُوتَعِدٌ ومُوتَزِنٌ ومُوتَلِجٌ، وإذا انفتح ما قبلها قُلبت ألفًا فيقولون: ياتَعِدُ وياتَزِنُ وياتَلِجُ. فأبدلوا منها التاء؛ لأنها حرف جلدٌ لا يَتغيَّرُ لِما قبله، وهي مع ذلك4 قريبةُ المخرجِ من الواو؛ لأنَّها من أصول الثنايا والواو من الشفة.
فإن5 قلت: إنَّ التاء بدل من...6 وهي قريبة منها. فالجواب أنها ليست من حروف البدل. فلذلك لم تدل منها. ومن العرب من يجريها على القلب ولا يُبدِلها تاء7.
فهذا جميع ما أُبدلت فيه الواو تاء.
وأُبدلت من الياء على قياس، في "افتَعَلَ"، إذا كانت فاؤه ياءً، وفيما تَصَرَّف منه. فقالوا في "افتَعَلَ" من اليُسرِ: اتَّسَرَ، ومن اليُبس: اتَّبَسَ8. والعِلَّة في ذلك ما ذكرناه في الواو، من عدم استقرار الفاء على صورة واحدة؛ لأنك تقلبها واوًا إذا انضمَّ ما قبلها نحو: مُوتَسِر ومُوتَبِس، وألفًا9 متى انفتحَ ما قبلها في نحو: ياتَسِرُ وياتبِسُ. فأبدلوها تاء لذلك، وأَجروها مُجرى الواو. ومن العرب من لا يُبدِلها تاء، بل يُجريها على القلب.
فإن10 قال قائل: فلأيِّ شيء قُلبت الياء في مثل "ياتَسِرُ" إذا انفتح ما قبلها؟ فالجواب أنه

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ديوانه ص42 والخصائص 1: 282 و2: 437 وسر الصناعة 1: 163. وميسنان: اسم موضع فيه قبر عزير النبي، تخدمه اليهود وتأتيه النذور.
2 في النسختين: "فيقولون". والتصويب من سر الصناعة 1: 164.
3 م: ايتَّعد.
4 ألحق في حاشية ف: أقرب الزوائد من الفم إلى الواو.
5 سقط من النسختين حتى "لم تبدل منها"، وألحقه أبو حيان بحاشية ف.
6 هنا كلمات مخرومة لم أتبينها.
7 في حاشية ف بخط أبي حيان عن المسائل الإسكندرانية لابن الخشاب: "أن ذلك لغة الحجازيين... من الوطء". انظر ص265 من ابن عصفور والتصريف.
8 م: من اليسر واليبس اتسر واتبس.
9 م: والفاء.
10 سقط من م حتى قوله "مثل ايتعد وموتعد".

ص -257-      لمَّا وجب في حرف العِلَّة أن يكون على حسب ما قبله إذا انكسر أو انضمَّ، فتقول: ايتَبَسَ ومُوتَبِسٌ، حملوا الفتح على الكسر والضمِّ، فجعلوا حرف العِلَّة إذا كان ما قبله مفتوحًا ألفًا. فيكون موافقًا للحركة التي تقدَّمته، كما كان ذلك في حين انكسار ما قبله وانضمامه. ولهذه العِلَّة بنفسها قُلبت الواو ألفًا في مثل "ياتَعِدُ" من الوعد. أعني أنه حُملَ الفتح على الكسر والضمِّ في مثل: ايتَعَدَ ومُوتَعِد.
وأُبدلت من الياء1 على غير اطِّراد، في قولهم: ثِنتانِ. ويَدلُّ على أنها من الياء أنها من "ثَنَيتُ"؛ لأنَّ الاثنين قد ثُنِيَ أحدهما إلى صاحبه. وأصله "ثَنَيٌ". يدلُّ على ذلك جمعُهم إيَّاه على أثناء بمنزلة أبناء وآخاء. فنقلوه من "فَعَلٍ" إلى "فِعْلٍ"، كما فعلوا ذلك2 في بِنْتٍ.
وأَبدلوا من الياء في: كَيْتَ وكَيْتَ وذَيْتَ وذَيْتَ، وأصلهما: كَيَّة وكَيَّة وذَيَّة وذَيَّة. ثمَّ إنَّهم حذفوا التاء3 وأبدلوا من الياء التي هي لامٌ تاءً.
وأُبدلت من السين على غير اطِّراد في سِتٍّ [في العدد]4. وأصله "سِدْسٌ"، بدليل قولهم في الجمع: أَسداس، وفي التصغير: سُدَيسَةٌ5. وسيُذكر السبب في ذلك في الإدغام6.
وقد أَبدلوها أيضًا من السين في الناس وأكياس. أنشد أحمد بن يحيى7:

يا قاتَلَ اللهُ بَنِي السِّعلاةِ                       عَمرِو بنِ يَربُوعٍ شِرارِ النَّاتِ

 

غَيرِ أَعفَّاءَ ولا أَكياتِ

وإنَّما أُبدِلت من السين لموافقتها إيَّاها في الهمس8، والزيادة وتجاور المخرج.
وأُبدِلت أيضًا منها في طَسٍّ فقالوا: طَسْتٌ. وإنَّما جُعلت التاء في طَسْت بدلًا [من السين]9.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 م: الفاء.
2 سقط من م.
3 في م وسر الصناعة. الهاء.
4 من م.
5 إنما زيدت التاء في التصغير لأنَّ "ستّ" عدد لما هو مؤنث. ف: سديس.
6 في الورقة 67.
7 لعلباء بن أرقم اليشكري. النوادر ص104 و147 والقلب والإبدال ص42 وسر الصناعة 1: 172 والإنصاف ص119 والإبدال 1: 117 وشرح الشافية 3: 221 وشرح شواهده ص469-472 والخصائص 2: 53 والأمالي 2: 71 والسمط ص703 والمفصل 2: 261 وشرحه 10: 36 والجمهرة 3: 33 والمخصص 3: 26 و13: 283 واللسان "أنس" و"مرس" و"نوت" و"سعل". والسعلاة: أنثى الغيلان. وزعموا أن عمرو بن يربوع تزوج سعلاة.
8 م: الهمز.
9 من م.

 

ص -258-      ولم تُجعل أصلًا؛ لأنَّ طَسًّا أكثرُ استعمالًا من طَسْت.
وأُبدلت من الصَّاد في لِصْتٍ1 ولُصُوتٍ –والأصل لِصٌّ ولُصُوصٌ- لأنهما أكثر استعمالًَا بالصاد من التاء.
وأُبدلت من الطاء في فُستاط –والأصل فُسطاط- بدليل قولهم: فَساطِيطُ، ولا يقولون "فَساتيطُ"2، وفي "أَسْتاعَ يُستِيعُ" والأصل: أَسْطاعَ يُسْطِيعُ.
وأُبدلت من الدَّال في قولهم: ناقةٌ تَرَبُوتٌ، والأصل دَرَبُوتٌ أي: مُذلّلةٌ3؛ لأنه من الدُّرْبة.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ضبط أولها في ف بالتثليث وفوقه: معًا.
2 هذا قول ابن جني في سر الصناعة 1: 174. وعلَّق عليه أبو حيان في حاشية ف بقوله: "في كتاب الإبدال لأبي الطيب اللغوي الحلبي، رحمه الله: التاء والطاء: يقال فسطاط وثلاثة فساطيط. وفستاط وثلاثة فساتيط". انظر الإبدال 1: 132.
3 م: مدربة.

 

ص -259-      باب الميم:
وأمَّا الميم فأُبدلت من أَربعة أحرف وهي: الواو، والنون، والياء، واللَّام.
فأُبدلت من الواو1 في قولهم: فَمٌ. والأصل "فَوْهٌ"، فحُذِفَت الهاء تخفيفًا. فلمَّا صار الاسم على حرفين، الثاني منهما حرف لين، كرهوا حذفه للتنوين فيجحفوا به2، فأبدلوا من الواو ميمًا لقُرب الميم من الواو، وقد تُشَدَّدُ الميم في ضرورة الشعر، نحو قوله3:

يا لَيتَها قَد خَرَجَتْ, مِن فَمِّهِ                   حَتَّى يَعُودَ البَحرُ في أُسْطُمِّهِ

رُوي بفتح الفاء من فمِّهِ وضمِّها. والدليل على أنَّ الأصل فيه5 "فَوْهٌ" قولهم: أَفواهٌ وفَوهاءُ6 وأَفوَهُ ومُفَوَّهٌ.
وأُبدلت باطِّراد7 من النون الساكنة عند الباء في نحو: عَمْبَرٍ وشَمْباءَ8. وذلك لأنَّ النون أُخت الميم وقد أُدغِمَت في الميم, فأرادوا إعلالها أيضًا مع الباء كما أعلُّوها مع الميم بالإدغام. وسنُبيِّن ذلك بأكثر من هذا في [37 ب] الإدغام9, إن شاء الله تعالى.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 شرح الشافية 3: 215-216 والإبدال 2: 378-381 والكتاب 2: 314. وفي حاشية ف بخط أبي حيان عن "الجماهير" لقطرب أن بعض النحاة جعل الميم بدلًا من الهاء مع حذف الواو، وآخرين قالوا: هي عوض من الواو والهاء معًا بدليل قولهم: أفواه. انظر الارتشاف 1: 159.
2 نصب الفعل بـ"أن" مضمرة. والمصدر المؤول معطوف على المصدر حذف.
3 محمد بن ذؤيب العماني الفقيمي. الخصائص 2: 211 وسر صناعة الإعراب ص415 والمحتسب 1: 79 والهمع 1: 139 والدرر 1: 109 والخزانة 2: 283 والصحاح والمقاييس "فمم" واللسان والتاج "فمم" و"فوه". وانظر ص89 من ديوان العجاج. وأسطم البحر: معظمه.
4 الرواية المشهورة: حتى يعود الملك.
5 م: أن أصل فم.
6 م: فوها.
7 شرح الشافية 3: 216.
8 الشمباء: العذبة الفم. م: عنبر وشنباء.
9 في الورقة 65.

 

ص -260-      وقد أُبدلت من نون البَنان، فقالوا: البَنامُ. قال1:

يا هالَ ذاتَ المَنطِقِ التَّمتامِ                          وكَفِّكِ, المُخَضَّبِ البَنامِ

يريد البَنان.
وأُبدلت أيضًا من الباء في قولهم2: بَناتُ بَخْرٍ وبَناتُ مَخْرٍ. وهنَّ سحائب يأتين قُبُلَ الصَّيفِ3، بيضٌ مُنتصباتٌ في السَّماء. قال طرفة4:

كَبَناتِ المَخْرِ, يَمأَدْنَ كَما                     أَنبَتَ الصَّيفُ عَسالِيجَ الخَضِرْ

وإنَّما جُعلت الباء الأصل؛ لأنَّ البَخْر مشتقٌّ من البُخار؛ لأنَّ السحاب إنَّما ينشأ عن بُخار البحر.
وأُبدلت أيضًا من الباء فيما حكاه أبو عمرو الشيبانيُّ, من قولهم5: ما زالَ راتِمًا على كذا، وراتِبًا أي: مُقيمًا، من الرُّتبة.
وأُبدلت أيضًا من الباء، في قولهم6: رأيتُه مِن كَثَبٍ، ومن كَثَم أي: من قُرب. ثمَّ قالوا: قد أَكثَبَ هذا الأمرُ أي قَرُبَ، ولم يقولوا: "أَكثَمَ". فدلَّ ذلك على أنَّ الباء هي الأصل.
وأُبدلت أيضًا من الباء، في نُغَب جمع نُغْبة7، فقالوا: نُغَمٌ. قال الشاعر8:

فبادَرَتْ شِربَها, عَجلَى مُثابِرةً          حَتَّى استَقَتْ, دُونَ مَحنَى جِيدِها, نُغَما

وأُبدلت من النون9 فيما حكاه يعقوب عن الأحمر10 من قولهم: طانَهُ اللهُ على الخَيرِ,

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ينسب إلى رؤبة. ديوانه ص183 وسر الصناعة ص422 والأشموني 4: 319 والتصريح 2: 392 والعيني 4: 401 وشرح الشافية 3: 216 وشرح شواهده ص455-459 والمفصل 2: 260 وشرحه 10: 33. وهال في حاشية ف بخط أبي حيان عن شيخه الرضي: "هو ترخيم هالة". والتمتمام: الذي يتردد في نطق التاء.
2 الإبدال 1: 41 وشرح الشافية 3: 217.
3 سقط "قبل الصيف" من م.
4 ديوانه ص74. ويمأدن: يتحركن ويتثنين. والعساليج: تخرج في الصيف تنقاد كما ينقاد الخيزران. والخضر: نبات أخضر.
5 الإبدال 1: 48 وشرح الشافية 3: 217.
6 الإبدال 1: 49 وشرح الشافية 3: 218.
7 النغبة: الجرعة من الماء.
8 سر الصناعة ص426 والمقرب 2: 178 واللسان والتاج "نغب" والمفصل 2: 26 وشرحه 10: 33.
9 كذا. وحق هذه الفقرة أن تقدم وتلحق بإبدال الميم من النون فيما مضى بعد: البنان.
10 القلب والإبدال ص20 والإبدال 2: 428 وشرح الشافية 3: 217. والأحمر هو علي بن المبارك صاحب الكسائي وأول من دوَّن عنه، أعلم من الفراء بعلل النحو ومقاييس التصريف. توفي سنة 194. إنباه الرواة 2: 313.

 

ص -261-      وطامَهُ أي: جَبَلَه1، وهو يَطينُه. ولا يقال "يَطِيمُه". فَدَلَّ ذلك على أنَّ النون هي الأصل.
وأنشد2:

[لَقَد كانَ حُرًّا, يَستَحِي أن تَضُمَّهُ]              ألا تِلكَ نَفْسٌ, طِينَ مِنها حَياؤُها

وأُبدلت3 من لام التعريف. ومنه قوله، عليه السلام: "لَيسَ مِنَ امْبَرِّ امْصِيامُ في امْسَفَرِ"4.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 م: "حمله". وفي حاشية ف بخط أبي حيان عن الجوهري: "ابن السكيت: طامه... مثل طانه". الصحاح "طيم".
2 الإبدال 2: 428 والقلب والإبدال ص20 وشرح الشافية 3: 217 وشرح شواهده ص459-460 والصحاح واللسان والتاج "طين". وفي حاشية ف بخط أبي حيان عن ابن بري: "صوابه: إلى تلك... إلى تلكَ نفسٌ طِينَ فيها حَياؤها". اللسان "طين" وابن عصفور والتصريف ص272. وطين فيها أي: هو من جبلتها وسجيتها.
3 سقطت الفقرة من النسختين، وألحقها أبو حيان بحاشية ف. وانظر الإبدال 2: 378-382 وشرح الشافية 3: 216.
4 ذكر ابن جني أن هذا الحديث رواه النمر بن تولب ولم يرو غيره. وانظر صحيح مسلم ص786 وسنن ابن ماجه ص532 وسنن النسائي 4: 175-176 والجامع الصغير 2: 232 وشرح المفصل10: 34 وحاشية الأمير على المغني 1: 47 وحاشية الدسوقي 1: 51. وفي حاشية ف بخط أبي حيان عن كتاب الإبدال لأبي الطيب: ذلك في لغة حِمير... والسَّلِمة.

 

ص -262-      باب النون:
وأمَّا النُّونُ فأُبدلت من اللَّام في1 "لعلَّ"، فقالوا: لَعَنّ. قال أبو النجم2:

اغْدُ لَعَنَّا3 في الرِّهانِ نُرسِلُهْ

وإنَّما جُعِل الأصل "لعلَّ" لأنه أكثر استعمالًا.
وأُبدلت من الهمزة، في النسب إلى4 صَنعاء وبَهراء، فقالوا: صَنعانِيٌّ وبَهرانِيٌّ.
وزعم بعض النحويِّين أنَّ النون في "فَعْلان" الذي مؤنَّثه "فَعْلَى" بدل من الهمزة5، واستدلُّوا على ذلك بأنهما قد تشابها -أعني فَعلان وفعلاء6- في العدد والتوافق في الحركات والسَّكَنات والزيادتين في الآخِر، وأنَّ7 المذكَّر [في البابين]8 بخلاف المؤنَّث، وأنَّكَ تقول في جمع سَكران: سَكارَى، كما تقول في جمع صَحراء: صَحارَي.
والصحيح أنها ليست ببدل؛ إذ لم يَدْعُ إلى الخروج عن الظاهر داعٍ؛ لأنه لا يلزم من توافقهما في الوزن, ومخالفة المذكَّر للمؤنَّث9، أن يشتبها في أن يكون كلُّ واحد منهما مؤنَّثًا بالهمزة. وأمَّا جمعهم "فَعْلان" على "فَعالَى" فللشَّبه الذي بينه وبين "فَعْلاء"10 فيما ذُكر،

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 شرح الشافية 3: 218 والإبدال 2: 296 والمفصل 2: 261 وشرحه 10: 36.
2 الإبدال 2: 297 والأمالي 2: 134 والسمط 328 و758. وهو من أرجوزة في العقد 1: 118. واغد أي: اذهب باكرًا.
3 في الإبدال: "اغد لغنا". والأمالي: اغد لعلْنا.
4 شرح الشافية 3: 218.
5 يريد: بدل من الهمزة في فعلاء لأنَّ فعلى مقصور من فعلاء. وفسَّر ابن جنِّي هذا الزعم، على غير ما ذهب إليه ابن عصفور. انظر المنصف 1: 158.
6 م: فعلى.
7 م: فإن.
8 من م.
9 م: المؤنث.
10 م: فعلى.

 

ص -263-      لا أنه في الأصل "فَعْلاء". وأيضًا فإنَّ النون لا تُبدل من الهمزة إِلَّا شذوذًا، نحو: بَهرانِيّ1 وصَنعانِيّ2 لا يُحفظ غيرهما3.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 م: نهراني.
2 م: ضبعاني.
3 كذا. وانظر شرح الشافية 2: 54-58 وفي حاشية ف بخط أبي حيان عن الإبدال لأبي الطيب: "الفراء: يقال: هو الحِنَّاء والحِنَّان، لهذا الذي يختضب به... والسين". وانظر التاج "حنأ".

 

ص -264-      باب الهاء:
وأمَّا1 الهاء فأُبدلت من خمسة أحرف. وهي: الهمزة، والألف، والياء، والواو، والتاء.
فأُبدلت من الهمزة، في2 "إِيَّاكَ"، فقالوا: هِيَّاكَ. أنشد أبو الحسن3:

فهِيَّاكَ والأَمرَ الَّذِي إِن تَوَسَّعَتَ                   مَوارِدُهُ ضاقَتْ, علَيكَ, مَصادِرُهْ

ويقال أيضًا: أَيَّاكَ وهَيَّاكَ، بالفتح.
وطَيِّئ تُبدِل همزة4 "إن" الشرطيَّة هاء، فتقول: هِنْ فَعَلتَ فَعَلتُ، تُريد5 "إنْ".
وأُبدلت أيضًا من الهمزة في6 "إنَّ" مع اللام، على اللزوم، فقالوا: لَهِنَّكَ7. قال الشاعر8:

ألا يا سَنا بَرقٍ، علَى قُلَلِ الحِمَى                   لَهِنَّكَ, مِن برقٍ, عَلىَّ كَرِيمُ

وقرأ بعضهم9: "طَهْ، ما أَنزَلْنا علَيكَ القُرآنَ لِتَشقَى"، وقالوا: أَراد "طَأِ الأرضَ بقدمَيك

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 انظر الكتاب 2: 313 وشرح المفصل 10: 42-45. ف "فأما" وفي الحاشية تعليقه بخط أبي حيان مخروم أكثرها تعذرت قراءتها.
2 الإبدال 2: 596-570 وشرح الشافية 3: 223.
3 لطفيل الغنوي أو مضرس بن ربعي. ديوان طفيل ص10 والمحتسب 1: 40 وشرح الملوكي ص283 و304 و364 وشرح المفصل 8: 118 و10: 42 والإنصاف ص215 وشرح الحماسة للمرزوقي ص1152 وللتبريزي 3: 151 وشرح الشافية 3: 223 وشرح شواهده ص476-477 وشمس العلوم1: 16.
4 شرح الشافية 3: 222-223.
5 ف: يريد.
6 شرح الشافية 3: 222-223.
7 الكتاب 1: 474 والنوادر ص27.
8 محمد بن مسلمة أو محمد بن يزيد بن مسلمة. الأمالي1: 22 ونثار الأزهار ص79 ومجالس ثعلب 113 والزهرة ص227 والخصائص 1: 315 و2: 195 وأمالي الزجاجي ص250 وديوان المعاني 2: 192 وشرح شواهد المغني ص205 وشرح أبياته 4: 347 والجنى الداني ص129 والهمع 1: 141 والدرر 1: 118 والخزانة 3: 339- 341 واللسان والتاج "لهن" و"قذي" وشرح المفصل 8: 63 و10: 42. والسنا: الضوء. والقلل: جمع قلة. وهي أعلى الجبل.
9: جماعة منهم الحسن وعكرمة وأبو حنيفة وورش. البحر المحيط 6: 224.

 

ص -265-      جميعًا"؛ لأنَّ النبيَّ -عليه السَّلام- كان يَرفع إحدى رجليه في صلاته.
وقالوا: أَيا وهَيا، في النداء1. والهاء بَدَلٌ من الهمزة؛ لأنَّ "أَيا" أكثرُ من "هيا". قال2:

وانصَرَفَتْ, وهْيَ حَصانٌ مُغضَبَهْ                         ورَفَعَتْ, بِصَوتِها: هَيا أَبَهْ

يريد: أَيا أَبَهْ.
وقالوا: هَمَا واللهِ لقد كان كذا، يريدون: أَما واللهِ لقد كان كذا.
وأُبدلت أيضًا من الهمزة، في:3 أَثَرتُ التُّرابَ4 وأَرَحتُ الماشيةَ، وأَرَقتُ الماءَ وأَرَدتُ الشَّيء، وفيما يتصرَّف منها، فقالوا: هَثَرتُ وهَرَحتُ وهَرَقتُ وهَرَدتُ، وأُهَثِيرُ وأُهَرِيحُ وأُهَرِيقُ وأُهَرِيدُ، ومُهَثِيرٌ ومُهَرِيحٌ ومُهَرِيقٌ ومُهَرِيدٌ.
وتُبدل أيضًا من همزة الاستفهام، فيقولون5: هَزَيدٌ مُنطلِقٌ؟ يريدون: أزيد منطلق؟ وأَنشد الفرَّاء6:

وأَتَى صَواحِبُها فقُلنَ: هَذا الَّذِي                     مَنَحَ المَوَدَّة غيرَنا, وجَفانا؟

يريد: أذا الذي.
وأُبدلت من الألف في "هُنا" في الوقف، فقالوا: هُنَهْ. قال الراجز7:

قَد وَرَدَتْ, مِن أَمكِنَهْ                               مِن ههُنا, ومِن هُنَهْ

وأُبدلت من الياء في 8 "هذِي"، فقالوا: هذِهْ، [38 أ] في الوقف. وقد تُبدل أيضًا منها في

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 الإبدال 2: 569. م: أيا في النداء وهيا.
2 الأغلب العجلي. ديوانه ص148 ومجمع الأمثال 2: 134 وفصل المقال ص218 وسر الصناعة ص554 والإبدال 2: 569 وشرح المفصل 8: 119. والحصان: العفيفة.
3 الإبدال 2: 569 -570 وشرح الشافية 3: 222-223.
4 في شرح الشافية وشرح المفصل والإبدال "أنرت الثوب" أي: جعلت له علمًا. وفي الكتاب: همرت.
5 شرح الشافية 3: 223-224.
6 أنشده اللحياني عن الكسائي لجميل بن معمر. اللسان والتاج "ذا". وانظر المفصل 2: 262 وشرحه 10: 43 ورسالة الملائكة ص93 والصحاح والقاموس والتاج "ها" وشرح الشافية 3: 224 وشرح شواهده ص447 حيث قال البغدادي: "وقائله مجهول، ويشبه أن يكون من شعر عمر بن أبي ربيعة المخزومي، فإن في غالب شعره أنَّ النساء يتعشَّقنه". قلت: وليس في ديواني عمر وجميل المطبوعين، والصواحب: جمع صاحبة.
7 سر الصناعة 1: 182 وشمس العلوم 1: 16 والمفصل 2: 262 وشرحه 10: 43 وشرح الشافية 3: 224 وشرح شواهده ص479-480 والمنصف 2: 156 وشرح الملوكي ص312 و315 والمقرب 2: 32 ورصف المباني ص163 والمحتسب 1: 277 والأشموني 4: 334 والدرر 1: 52 والهمع 1: 78. يذكر إبلًا. وبعدهما:

إنْ لم أُرَوِّها فَمَهْ

أي: فما أصنع؟
8 الكامل ص842-843 والإبدال 2: 530 والمنصف 3: 139.

 

ص -266-      الوصل. والدليل على أنَّ الياء هي الأصل قولهم في تحقير ذا: "ذَيَّا" [وفي تحقير ذِي: تَيَّا]1. و"ذي" إِنَّما هو تأنيث "ذا"، فكما لا تجد الهاء في المذكَّر أصلًا فكذلك المؤنَّث.
وأُبدلت أيضًا من الياء في تصغير هَنَة2: هُنَيهة. والأصل "هُنَيْوةٌ" لقولهم في الجمع: هَنَواتٌ، ثمَّ "هُيَنَّةٌ" لأجل الإدغام، ثمَّ أبدلوا من الياء الثانية هاء فقالوا: هُنَيهةٌ.
وأُبدلت من الواو في هَناه3. والأصل "هَناو"4، فأُبدلت الواو هاء، وهو من لفظ "هَنٍ". ولا تُجعل الهاء التي بعد الألف أصلًا؛ لأنه لا يُحفظ تركيب "هَنَهَ". وأيضًا فإنه لو كان كذلك لكان من باب: سَلِسَ وقَلِقَ. وذلك قليل.
وذهب أبو زيد5 إلى أنَّ الهاء إنَّما لَحِقتْ في الوقف لخفاء الألف، كما لحقت في الندبة في "زَيداهْ"، ثمَّ شُبِّهت بالهاء الأصليَّة فحُرِّكت. فيكون ذلك نظير قوله6:

يا مَرحَباهُ, بِحِمارِ ناجِيَهْ                          إِذا أَتَى قَرَّبتُهُ, لِلسَّانِيَهْ

فيكون ذلك من باب إجراءِ الوصل مُجرى الوقف المختصِّ بالضَّرائر. ويكون، على القول الأوَّل، قد أُبدلت فيه الواو هاء. وذلك أيضًا شاذٌّ لا يُحفظ له نظير.
والوجه عندي أنها زائدة للوقف؛ لأنَّ ذلك قد سُمِع له نظير في الشعر، كما ذكرتُ لك. وأيضًا فإنَّ ابن كَيسان -رحمه الله- قد حكى في "المختار"7 له أنَّ العرب تقول "يا هناه"8 بفتح الهاء الواقعة بعد الألف، وكسرها وضمِّها. فمن كسرها فلأنها9 هاء السَّكت، فهي في الأصل ساكنة، فالتقت مع الألف، فحرّكت بالكسر، على أصل التقاء الساكنين. ومَن حرَّكها10 بالفتح فإنه أَتبعَ حركتَها حركةَ ما قبلها. ومن ضمَّ فإنه11 أجراها مُجرى حرف

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 زيادة من الكامل ص843.
2 المنصف3: 140.
3 المنصف 3: 140-143. م: هناة.
4 وهذا مذهب البصريين عدا أبي زيد والأخفش. شرح الشافية 3: 225 وشرح الكافية 2: 138.
5 المنصف 3: 142.
6 الخصائص 2: 358 والمنصف 3: 142 وشرح الملوكي ص201 والأشباه والنظائر 2: 380 ورصف المباني ص400 وشرح المفصل 9: 46 والهمع 2: 157 والدرر 2: 248 والخزانة 1: 400 واللسان والتاج "سني". والسانية: الدلو العظيمة.
7 كتاب في علل النحو. وهو في ثلاث مجلدات. معجم الأدباء 17: 137.
8 ذكر ابن جنِّي أنه لم يسمع فيها إِلَّا الضمَّ. المنصف 143. م: يا هناة.
9 م: فلامها.
10 ف: ومن حرك.
11 م: فلأنه.

 

ص -267-      من الأصل، فضمَّها1 كما يُضَمُّ آخرُ المنادى. ولو كانت الهاء بدلًا من الواو لم يكن للكسر والفتح وجه، ولوجبَ2 الضمُّ كسائر المنادَيات.
وأُبدلت من تاء التأنيث في الاسم، في حال الإفراد في الوقف، نحو: طَلحهْ وفاطمهْ3. وحكى قُطرب عن طَيِّئ أنهم يفعلون ذلك بالتاء من جمع المؤنث السالم، فيقولون: "كيف الإِخْوةُ والخَواهْ؟ وكيف البَنُونَ والبَناهْ"؟

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ف: فضم.
2 م: والوجه.
3 في النسختين: طلحة وفاطمة.

 

ص -268-      باب1 اللَّام:
وأمَّا اللَّام فأُبدلت من الضاد2 في "اضطجعَ". قال الراجز3.

لَمَّا رأَى أنْ لا دَعَهْ، ولا شِبَعْ                   مالَ إِلى أرطاةِ حِقفٍ, فالطَجَعْ

[يريد: فاضطَجع]4.
وأَبدلوا اللَّام من النون، في5 أُصَيلان تَصغير أُصْلان، فقالوا: أُصَيلانًا وأُصَيلالًا.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ف: "حرف". وسقط من م.
2 شرح الشافية 3: 226 وشرح المفصل 10: 45.
3 منظور بن حبة الأسدي. شرح الشافية 2: 324 و3: 226 وشرح شواهده ص274-276 و480 والخصائص 1: 63 و263 و3: 163 والمخصص 8: 24 والمحتسب 1: 124 والأشموني 4: 280 و332 والتصريح 2: 367 والأشباه والنظائر 2: 340 وإصلاح المنطق ص95 وتهذيب الإصلاح 1: 167 وشرح شواهد الإصلاح الورقة 90 والمنصف 2: 329 والمفصل 2: 264 وشرحه 9: 143 و10: 46 والعيني: 584 والصحاح واللسان والتاج "أرط". والدعة: الخفص والطمأنينة. والأرطاة: شجرة. والحقف: التل المعوج من الرمل.
4 من م.
5 الكتاب 2: 314 وشمس العلوم 1: 15 وشرح الشافية 3: 226 والمفصل 2: 263 وشرحه 10: 46.

 

ص -269-      باب1 الألف:
وأمَّا الألف فأُبدلت من أربعة أَحرف. وهي: الهمزة، والياء, والواو، والنون الخفيفة. إِلَّا أنَّ الذي يُذكر هنا إبدالها من الهمزة والنون؛ لأنَّ إبدالها من الياء والواو من باب القلب.
فأُبدلت من الهمزة2 باطِّراد، إذا كانت ساكنة وقبلها فتحة، نحو: رأس وكأس، تقول فيهما [إِذا خَفَّفتَهما]3: كاسٌ وراسٌ. إِلَّا أنه إذا كان الحرف المفتوح الذي تليه الهمزة الساكنة همزةً التُزم قلب الهمزة الساكنة ألفًا، نحو: آدَم وآمَنَ. أصلهما "أَأْدَم"4 و"أَأْمَن". إِلَّا أنه لا يُنطق بالأصل، استثقالًا للهمزتين في كلمة واحدة.
وأُبدلت، على غير قياس، من الهمزة المفتوحةِ المفتوحِ ما قبلها. وإنَّما يُحفظ حفظًا، نحو قوله5:

إِذا مَلا بَطنَهُ ألبانُها حَلَبًا                   باتَتُ تُغَنِّيهِ وَضرَى ذاتُ أَجراسِ

يريد: مَلأَ، فأَبدل من الهمزة ألفًا6. ومن أبيات الكتاب7.

راحَتْ، بِمَسلَمةَ، البِغالُ عَشِيَّةً                  فارعَيْ, فَزارةُ, لا هَناكِ المَرتَعُ

يريد: لا هَنَأَكِ, فأبدل الهمزة ألفًا. ومن أبيات الكتاب أيضًا8.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ف: "حرف". وسقط من م. وانظر الكتاب 2: 33 والمفصل 2: 256 وشرحه 10: 16-21.
2 شرح الشافية 3: 209 والإبدال 2: 548.
3 من م.
4 في حاشية ف بخط أبي حيان عن اللباب أن الهمزة الثانية في التصغير والجمع تبدل واوًا، للثقل ولأنَّ حركتها عارضة.
5 سر الصناعة ص666 والمبهج ص30 والمحتسب 2: 162 وضرائر الشعر ص230 واللسان والتاج "وضر". والوضرى: المرأة الوسخة.
6 ف: فأبدلت الهمزة.
7 للفرزدق. الكتاب 2: 17 وديوان الفرزدق ص508. قال هذا حين عُزل مسلمة بن عبد الملك عن العراق، ووليها عمر بن هبيرة الفزاري.
8 لحسان بن ثابت. ديوانه ص34 والكتاب2: 130 و170 والمفصل 2: 243. ويروى: "بما جاءت" و"بما سالت". يعرِّض حسان بهذيل لأنها سألت النبي -صلى الله عليه وسلم- أن يباح لها الزنى.

 

ص -270-                                      سالَتْ هُذَيلٌ رَسُولَ اللهِ فاحِشةً          ضَلَّتْ هُذَيلٌ بِما قالَت, ولَم تُصِبِ

يريد: سأَلَتْ، فأبدل.
وأُبدلت أيضًا من الهمزة المفتوحة الساكنِ ما قبلها، إذا كان الساكن ممّا يمكن نقل الحركة إليه1، نحو "المرَاة" في المرأَة، و"الكمَاة" في الكَمْأَة. وذلك أنهم نقلوا الفتحة إلى الساكن قبلها، ولم يحذفوا الهمزة، بل أبقوها ساكنة، فجاءت ساكنة بعد فتحة فقلبت ألفًا.
وأُبدلت من النون الخفيفة، في ثلاثة مواضع:
أحدها: في الوقف على المنصوب2 المنوَّنِ [38 ب] غيرِ المقصور3، نحو: رأيتُ زيدًا، وأَكرمتُ عَمْرًا. وقد بُيِّنَ في الوقف لِمَ4 كان ذلك، وأنهم قَصدوا بذلك5 التَّفرقةَ بين النونِ الزائدة على الاسم بعد كماله، والنونِ التي هي من كمال الاسم.
فإن كان الاسم مقصورًا فإنك تقفُ عليه بالألف نحو6: عَصا، ورَحَى. لكن اختلفوا في الألف:
فمنهم من ذهب إلى أنَّها بدلٌ من التنوين، في الرفع والنصب والخفض. وهو مذهب المازنيِّ، وحُجَّتُه أنَّ الذي مَنعَ7 أنْ يُبدل من التنوين في الرفع والخفض إنَّما هو الاستثقال؛ لأنه إنَّما ينبغي أن تُبدِل من التنوين حرفًا من جنس الحركة التي قبله. فلو أَبدلتَ في الرفع لقلت8 "زَيدُو", وفي الخفض لقلت9 "زَيدِي", والياء والواو ثقيلتان. وأمَّا في النصب فتُبدِل لأنَّ الذي قَبلَ التنوين فتحة. فإذا أَبدلت فإنَّما تُبدِل الألف -وهي خفيفة- نحو: رأيتُ زيدًا. فلمَّا كان ما قبلَ التنوين في المنقوص10 فتحةً في جميع الأحوال ساوى الرفعُ والخفضُ النصبَ، فوجب الوقف عنده في الأحوال الثلاثة بالألف.
وهذا الذي ذَهب إليه باطلٌ، إذ لو كان الأمر على ما زَعمَ لم تَقعِ الألف من المقصور قافيةً؛ لأنَّ مجيء الألف المبُدلة من التنوين قافيةً لا يجوزُ.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 في حاشية ف بخط أبي حيان أنه إذا كان قبل الهمزة ألف تعذر النقل، نحو: الهناءة والمساءة.
2 م: منصوب.
3 شرح الشافية 2: 279-280.
4: ف: "لما". ولم تتقدم إشارة إلى هذه المسألة قبل. وانظر ص217 و251.
5 سقط من م.
6 شرح الشافية 2: 280-284.
7 م: منع من.
8 م: لقلنا.
9 م: لقلنا.
10 كذا.

ص -271-      ومنهم من ذهب إلى أنَّ الألف هي1 الأصل، والمبدلة من التنوين محذوفة في جميع الأحوال. وهو الكسائيُّ، وحجَّتُه2 أنَّ حذفَ الألف الزائدة أَولى من حذف الأصليَّة.
وذلك باطل؛ لأنَّ الزيادة لمعنى، فإبقاؤها أَولى من إبقاء الأصل. وممّا يدلُّ على ذلك أنهم إذا وصلوا قالوا: هذه عَصًا مُعْوجَّةٌ، فحذفوا الألف الأصليَّةَ وأَبقَوْا التنوينَ، فكذلك يجب في الوقف أن يكون المحذوف الألفَ الأصليَّةَ، ويكون الثابت3 ما هو عوضٌ من التنوين.
ومنهم من ذهب إلى أنَّ الألف في حال الرفع والخفض هي الألفُ الأصليَّةُ والتنوينُ محذوفٌ، وفي النصب هي الألف المبدلةُ من التنوين والألفُ الأصليَّةُ محذوفةٌ، قياسًا للمعتلِّ على الصحيح. وهو مذهبُ سيبويه4، وهو الصحيح. وممّا يؤيِّد ذلك كونُ المنقوص5 يُمال في حال الرفع والخفضِ، ولا يُمال في حال النصب، ومجيءُ الألف قافيةً في الرفع والخفض، ولا تكون قافية في حال النصبِ إِلَّا قليلًا جِدًّا، على لغة من قال: رأيتُ زَيدْ.
قال العجَّاج:

خالَطَ, مِن سَلمَى, خَياشِيمَ وفَا

والثاني: الوقف على النون الخفيفة7 اللَّاحقة للأفعال المضارعة [للتأكيد]8، نحو: هل تَضرِبَنْ؟ فإنك إذا وقفتَ عليه قلت: هل تَضرِبا؟ والسببُ في ذلك أيضًا ما ذكرناه في التنوين، من قصدِ التفرقةِ بين النون التي هي من نفس الكلمة، والنون التي تلحق الكلمةَ بعد كمالها، نحو قوله:9

فإيَّاكَ والمَيْتاتِ، لا تَقرَبَنَّها                  ولا تَعبُدِ الشَّيطانَ, واللهَ فاعبُدا

يريد: فاعبُدَنْ.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 م: أن الألف ألف.
2 م: وحجتهم.
3 م: التأنيث.
4 كذا. وهو ليس مذهب سيبويه. انظر الكتاب 2: 290 وشرح الشافية 2: 280-284.
5 كذا.
6 ديوانه ص83 والمقتضب1: 240 والمخصص 1: 136-138 و14: 96 و15: 78 والعيني 1: 152 والخزانة 2: 6 والهمع 1: 40 والدرر 1: 14 وإصلاح المنطق ص84 وشرح أبيات سيبويه 1: 204 واللسان والتاج "فوه". والخياشيم: جمع خيشوم. وهو أقصى الأنف.
7 شرح الشافية 3: 379-380.
8 من م.
9 الأعشى. ديوانه ص103 حيث رُوي كما يلي:

فإيَّاك والمَيْتِاتِ، لا تأكلَنَّها                       ولا تأخُذَنْ سَهمًا حَدِيدًا، لِتَفصِدا

وذا النُّصُبِ المَنصُوبَ لا تَنسكنّهُ                ولا تَعبُدِ الشَّيطانَ، واللهَ فاعبُدا

وانظر العيني4: 340- 341 والمغني ص372 والإنصاف ص657.

 

ص -272-      والثالث: الوقفُ على نون1 "إِذنْ". تقولُ "أَزُورُكَ إِذا" تُريد: إِذن2. وإنَّما جاز ذلك في "إِذن"، وإن كانت النون من نفس الكلمة، لمضارعتها نون الصَّرفِ ونونَ التأكيد في السكون، وانفتاحِ ما قبلها، وكونها قد جاءت بعد حرفين. وهما أقلُّ ما يكون عليه الاسم المتمكِّن نحو: يَد ودَم. وليست كذلك [في]: أنْ ولنْ [وعنْ]3. لمجيئها بعد [حرف]4 واحد، فلم تُشْبِه5 لذلك التنوينَ.
فهذه جملة النونات التي أُبدلت منها الألف6.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 شرح الشافية 2: 279 -280. وفي حاشية ف بخط أبي حيان: سواء أُعملت أو أُلغيت. وقال الفراء: إذا أُعملت لم تبدل، لئلا تلتبس بـ"إذا" الزمانية.
2 في النسختين: إذًا.
3 من م.
4 من م.
5 سقط من م.
6 سقط من م.

 

ص -273-      [ما لم يذكره سيبويه من حروف الإبدال]:
وزاد1 بعض النَّحويِّين في حروف البدل: السين، والصاد، والزاي، والعين، والكاف، والفاء، والشين.
فأمَّا السين2 فأُبدلت من الشين في الشَّدَهِ ومَشدُوه، فقال: السَّدَه ومَسدُوه3. فأمَّا قول نُصيب4:

فلَو كُنتُ وَردًا لَونُهُ لَعَسِقْتِنِي                    ولكِنَّ رَبِّي سانَنِي، بِسَوادِيا

فلم يُبدِلِ السينَ من الشين في "عشقتني" ولا في "شانني"، بل كان له لَثَغٌ في الشين، فكان يَتعذَّرُ عليه النُّطقُ بها حتَّى يجعلها سينًا5.
وأمَّا الصاد فتبدل من السين6 إذا كان بعدها قاف أو خاء أو طاء أو غين. فتقول في سَقَر وسِراط وسَخِرَ وأَسبَغَ: صَقَرٌ وصِراطٌ وصَخِرَ وأَصبَغَ؛ والسبب في ذلك أنَّ القاف والطاء والخاء والغين7 حروفُ استعلاء، والسين حرف مُنسفِل، فكرهوا الخروج من تَسفُّل إلى تَصعُّد، فأبدلوا من السين صادًا ليتجانس الحرفان.
وأمَّا الشين8 فأُبدلت [39 أ] من كاف المؤنث في [نحو] "ضَربتُكِ"، فقالوا: ضَرَبتُشِ. ومنه

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 شرح الشافية 3: 199-203 و230-233. وفي حاشية ف بخط أبي حيان عن إبدال أبي الطيب أن العرب يبدلون الميم باء في ما اسمك؟ فقط، فيقولون: بااسمك؟ وعن المحتسب1: 280: قراءة الأعمش: "فشَرِّذْ بِهِم"... مجهوران متقاربان.
2 سر الصناعة 1: 210-214 والإبدال 2: 154-172.
3 ف: "الشِّدّة ومشدود فقالوا السدّة ومسدود". والتصويب من المبدع وسر الصناعة 1: 210 والإبدال 2: 164.
4 كذا. وهو لسحيم عبد بني الحسحاس. ديوانه ص26 وسر الصناعة 1: 214 والمحكم واللسان والتاج "عسق".
5 في اللسان والتاج "عسق" أن هذا الادعاء فيه نظر.
6 سر الصناعة 1: 220 وشرح الشافية 3: 230 والإبدال 2: 172-196 وشرح المفصل 10: 51.
7 م: والعين.
8 شرح الشافية 3: 199 وسر الصناعة 1: 215-217، والإبدال 2: 230-232 و1: 226-229. 

 

ص -274-      قوله1:

فعَيناشِ عَيناها، وجِيدُشِ جِيدُها            خَلا أنَّ عَظمَ السَّاقِ مِنشِ، دَقِيقُ2

وأُبدلت3 من الجيم في مُدْمج فقالوا: مُدْمَشٌ. وذلك في الشعر ضرورة. قال4:

إِذْ ذاكَ, إِذ حَبلُ الوِصالِ مُدْمَشُ

يريد: مُدْمَجُ.
وقالوا: جُعشُوشٌ وجُعسُوسٌ، أي: صغير ذليل. والأصل السينُ بدليل قولهم في الجمع: جَعاسِيسُ. فلا يأتون بالشين.
وأمَّا الزاي5 فأُبدلت من الصاد، إذا كان بعدها قاف أو دال6، فقالوا في مَصْدَق ومَصدُوقة: مَزْدَقٌ ومَزدُوقةٌ. وإنَّما تَفعَلُ ذلك كَلْبٌ. قال7:

يَزِيدُ, زادَ اللهُ في خَيراتِهِ                        حامِي نِزارٍ, عِندَ مَزدُوقاتِهِ

وقال الآخَر8:

ودَعْ ذا الهَوَى قَبلَ القِلَى، تَركُ ذِي الهَوَى          مَتِينَ القُوَى, خَيرٌ مِنَ الصَّرْمِ مَزدَرا

وأمَّا العين9 فأُبدلت من همزة "أنْ" فقالوا: عَنْ. قال الشاعر10:

أَعَن تَوَسَّمتَ، مِن خَرقاءَ, مَنزِلةً             ماءُ الصَّبابةِ، مِن عَينَيكَ, مَسجُومُ؟


ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 مجنون ليلى يخاطب ظبية. ديوانه ص207 وسر الصناعة 1: 216 والكامل ص859 وذيل الأمالي ص64 والإبدال 2: 231 والخزانة 4: 595-597 الجمهرة 1: 5 والتمام ص37 وفي حاشية ف بخط أبي حيان عن أمالي ثعلب: "أنشدني ابن الأعرابي... المكسورة لا غير". انظر مجالس ثعلب ص116 وابن عصفور والتصريف ص265.
2 م: رقيق. 
3 سقط من م حتى قوله "وقالوا جعشوش". وانظر الإبدال 1: 226-229 و2: 160. 
4 سر الصناعة 1: 215 وضرائر الشعر ص232 والأشموني 4: 335 واللسان "دمج". والمدمج: المحكم الفتل والشدِّ.
5 الإبدال 2: 122-133 وسر الصناعة 1: 208 والمفصل 2: 267 وشرحه 10: 52-54 وشرح الشافية 3: 231-232. 
6 سقط من م وسر الصناعة. 
7 سر الصناعة 1: 208 والمقرب 2: 181 واللسان "صدق" والتاج "زدق". والمزدوقات: المصدوقات، جمع مصدوقة. وهي الصدق. 
8 سر الصناعة 1: 208 وأمالي ابن الحاجب 1: 312 والمفصل 2: 297 وشرحه 10: 52 واللسان والتاج "صدر". وفي النسختين "ترك ذا الهوى... من الصرم مزدقا". والتصويب من سر الصناعة. والقلى: البغض. والصرم: القطيعة. 
9 سر الصناعة 1: 234-246 والإبدال 2: 552-556. 
10 ذو الرمة. ديوانه ص567 وسر الصناعة 1: 234 والخصائص 2: 111 ومجالس ثعلب ص101 والخزانة 4: 495 وشرح شواهد الشافية ص427. وسقط "الشاعر" من م وروي فيها: "منسجم". وتوسمت: تخيلت وتفرست. وخرقاء: اسم امرأة. والصبابة: العشق. والمسجوم: المصبوب.

 

ص -275-      يريد: أََأَن [توسَّمتَ]؟1 وقال آخَر2:

أعَن تَغَنَّتْ, علَى ساقٍ, مُطَوَّقةٌ                 وَرقاءُ, تَدعُو هَدِيلًا فَوقَ أَعوادِ؟

[يريد: أَأَنْ تَغنَّتْ]؟3.
وقد أُبدلت من همزة "أنَّ"، فقالوا: يُعجِبُني عَنَّ عَبدَ اللهِ قائمٌ، [يريدون: "أنَّ عبدَ اللهِ قائمٌ]4. وأُبدلت من الهمزة في "مُؤتلِي"، فقالوا: "مُعتلي". قال الشاعر5:

فنَحنُ مَنَعْنا، يَومَ حَرْسٍ, نِساءكُم                غَداةَ دَعانا عامِرٌ, غَيرَ مُعتَلِي6

يُريدُ: غيرَ مُؤتلي.
وأُبدلت الفاء من الثاء7 في "ثُمَّ" و"جَدَثٍ"8. فقالوا: قامَ زيدٌ فُمَّ عَمرٌو. والأصل الثاء لأنَّ "ثُمَّ" أكثر استعمالًا من "فُمَّ". وقالوا: "جَدَفٌ" في جَدَث. والأصل الثاء لقولهم في الجمع: أَجداث، ولم يقولوا: أجداف9.
وأُبدلت الكاف10 من تاء ضمير المخاطب في "فَعلْتَ" فقالوا: فَعَلْكَ. وأُنشِدَ سُحيمٌ قصيدةً فقال: أَحسنْكَ واللهِ، يريد: أَحسنَتَ واللهِ. وأَنشد أبو الحسن لبعضهم11:

ديا بنَ الزُّبَيرِ، طالَما عَصَيكا                               وطالَما عَنَّيْتَنا, إِلَيكا

لَنَضرِبَنْ, بِسَيفِنا, قَفَيكا

والسبب في أنْ لم يذكر سيبويه -رحمه الله- هذه الحروفَ السبعة في حروف البدل

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 من م.
2 ابن هرمة. ديوانه ص105 والخصائص 2: 11 وسر الصناعة 1: 235 ومجالس ثعلب ص101 والخزانة 4: 495. والمطوقة: الحمامة. والهديل: ذكر الحمام.
3 من م.
4 من م.
5 طفيل الغنوي. ديوانه ص37 وسر الصناعة 1: 240 والأمالي 2: 79 والإبدال 2: 554. والمؤتلي: المقصر.
6 في النسختين. "جرس". وفي حاشية ف: "صوابه حرس بالحاء المهملة وهو ماء لبني عقيل. وقيل جبل في بلاد عامر بن صعصعة. وبالحاء ذكره أبو عبيد البكري في معجم ما استعجم والحازمي في ما اتفق وافترق مسماه".
7 سر الصناعة 1: 250-252 وشرح الشافية 3: 201 والإبدال 1: 181-200. م: التاء.
8 الجدث: القبر.
9 هذا قول ابن جني في المحتسب وسر الصناعة. وخالفه أبو الطيب في الإبدال1: 192.
10 سر الصناعة 1: 281 والإبدال 1: 140-142.
11 الراجز من حمير. النوادر ص105 وسر الصناعة1: 281 وشرح الشافية 3: 202 وشرح شواهده ص425-427 والعيني 2: 257 والأشموني 1: 267 و4: 283 والمغني ص164 وشرح أبياته 3: 347 والجني الداني ص468 والمقرب 2: 183 والإبدال 1: 141 وأمالي الزجاجي ص236 والخزانة 2: 257. وقفيكا: أصله قفاكا، قلبت فيه الألف ياء. ورُوي "عنَّيكنا" بدل: عنَّيتنا.

 

ص -276-      أنها تنقسم قسمين: قسمٌ: الإبدالُ فيه2 مرادٌ3 به تقريبُ الحرف من غيره، فبابه أن يُذكر في البدل الذي يكون بسبب الإدغام لأنه يشبهه. وهو إبدال الصاد من السين، إذا كان بعدها طاء أو خاء أو غين أو قاف. وقد تَقَدَّمَ تبيين ذلك. وقسم: الإبدال فيه قليلٌ جدًّا أو في لغة بعض العرب، فلم يعتبره. وهو ما بقي من سبعة الأحرف. فأمَّا الكاف والسين والشين والفاء فإبدالها قليل جدًّا. وأمَّا العين فإبدالها من الهمزة قليل، ولا يفعل ذلك إِلَّا بنو تميم4. وكذلك إبدال الزاي من الصاد إنَّما تفعله كَلْبٌ5.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 الجملة الاعتراضية ليست في م.
2 في النسختين: فيها.
3 ف: المراد.
4 علق عليه أبو حيان في حاشية ف بقوله: "قال أبو الطيب: وقبائل من قيس. وأنشد: ـ أعن توسّمتَ... البيتَ. قال: ورَوَوا بيت الشماخ:

نُبِّئتُ أنَّ رُبَيعًا عَن رَعَى إِبلًا                     يُهدِي إليَّ خَناهُ ثانيَ الجيدِ

يريد: أن رعى إبلًا". وانظر ص267 من ابن عصفور والتعريف.
5 في حاشية ف بخط أبي حيان: بلغت المقابلة.