الممتع الكبير في التصريف

ص -279-      باب1: القَلْب وَالحَذْف وَالنَّقْل
وإنما أَفردتُ لذلك بابًا واحدًا؛ لأنَّ جميع ذلك إنما يُتَصوَّر باطِّراد في حروف العلَّة. فإنْ جاء شيء من الحذف أو القلب، في غير حروف العلَّة، أو في حروف العلَّة في خلافِ ما يتضمَّنه هذا الباب، فيُحفَظ ولا يُقاس عليه، وسيُذكر من ذلك شيء عند الفراغ من هذا الباب.
فحُروف العلَّة هي الواو والياء والألف. وهذا الحروف تكون أُصولًَا وزوائدَ، فليُقدَّمِ الآن الكلامُ على الأصول. وقد بُيِّنَ، فيما تَقَدَّم2، أنََّ الألف لا تكون أصلًا بنفسها، بل تكون منقلبةً عن ياء أو واو. فعلى هذا لا يخلو أن تقع الياء والواو فاءينِ أو عَينينِ أو لامينِ.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 انظر الكتاب 2: 355-392 وشرح الشافية 3: 66-196 والمفصل 2: 268-287 وشرحه 10: 54-120.
2 في الورقة 27.

 

ص -280-      [المعتلّ الفاء]:
فإن وقعت الواو فاءً فلا يخلو من أن تقع فاء في فعل على وزن "فَعَلَ"، أو "فَعِلَ"، أو "فَعُلَ"، أو لا تَقَع.
فإن وقعت فاءً في فعل على وزن "فَعَل" فإنها تُحذَف في المضارع1. فتقول في مضارع "وَعَدَ": يَعِدُ، وفي مضارع "وَزَنَ": يَزِنُ. وإنَّما حُذفتِ الواو لوقوعها بين ياءٍ وكسرة، وهما ثقيلتان. فلمَّا انضاف ذلك إلى ثِقَل الواو وَجب الحذف. وحَذفوا مع الهمزة والنون والتاء، فقالوا: تَعِدُ وأَعِدُ ونَعِدُ، حملًا2 على الياء، كما أنهم قالوا: أُكرِمُ، وأصله "أُؤَكْرِمُ" فحذفوا الهمزة الثانية استثقالًا لاجتماع الهمزتين، ثم حملوا يُكرِمُ وتُكرِمُ ونُكرِمُ على "أُكرِمُ".
فإن قيل: فلأيِّ شيء حُذفتِ الواو في "يَضَعُ" مضارع "وَضَعَ"، ولم تقعْ [39 ب] بين ياءٍ وكسرة؟ فالجواب أنها في الأصل وقعتْ بين ياء وكسرة؛ لأنَّ الأصل "يَوْضِعُ". لكن فُتحتِ العينُ3 لأجل حرف الحلق. ولولا ذلك لم يجئ مضارع "فَعَلَ" على "يَفعَلُ" بفتح العين. فلمَّا كان الفتحُ عارضًا لم يُعتدَّ به، وحُذفتِ الواو رَعيًا للأصل.
فإن قيل: لو كان وقوع الواو بين ياء وكسرة يُوجِب حذف الواو لوجب حذفُها في "يُوعِدُ" مضارع "أَوعَدَ"؛ فالجواب4 أنَّ الأصل في يُوعِدُ: "يُؤَوْعِدُ"5 فالواو إنَّما6 وقعت في التقدير بين همزة وكسرة, فثَبَتتْ لذلك، ولم يُلتفَت إلى ما اللفظ الآن عليه، كما لم يُلتفَت إلى اللفظ في "يَضَعُ".

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 المنصف 1: 184 و188.
2 المنصف 1: 191-192.
3 أي: عين الفعل وهي الضاد.
4 المنصف 1: 194.
5 م: يؤعد.
6 م: قالوا وإنما.

 

ص -281-      فإن قيل: فلأيِّ شيء التزموا1 في مضارع "فَعَلَ" الذي فاؤه واو "يَفْعِل" بكسر العين، وقد كان نظيره من الصحيح يجوز فيه "يَفعُل" و"يَفعِل"، بضمِّ العين وكسرها؟ فالجواب2 أنهم التزموا "يَفعِل" لأنَّه يؤدِّي إلى حذف الواو، فيَخِفُّ اللفظ.
فإن قيل: لو ضمُّوا العين في "يَفْعلُ"، فقالوا "يَوعُدُ"، لوجب حذفُ الواو لوقوعها بين ياء3 وضمَّة، وهما ثقيلان؛ ألا ترى أنهم لمَّا شَذُّوا من ذلك في حرف واحد، فجاءوا به على "يَفعُلُ"، حذفوا الواو فقالوا: وَجَدَ يَجُدُ؟4 قال الشاعر5:

لَو شِئتِ قَد نَقَعَ الفُؤادُ بِشَربةٍ                   تَدَعُ الصَّوادِيَ لا يَجُدْنَ غَلِيلًا.

فالجواب أنَّ وقوع الواو بين ياء وضمَّة لا يُوجِبُ الحذف، بدليل قولهم في مضارع "وَطُؤَ" و"وَضُؤَ": يَوطُؤ ويَوضُؤ6، فلا يحذفون. فأمَّا حذفُهم في "يَجُدُ" فلأنَّ "يَجُدُ" شاذٌّ، فالضمُّ فيه عارض7، فحُذفَت فيه8 الواو، كما حُذفتْ في "يَضَعُ".
فإن قال قائل: فلعلَّ9 الواو في "يَجُدُ" حُذفت للثقل، ولم تُحذف في "يَوضُؤ" و"يَوطُؤ" مضارع "وَطُؤ" و"وَضُؤ" لأنهم التزموا في مضارع "فَعُلَ" طريقةً واحدةً10 ألا ترى أنه إنَّما يجيء على "يَفعُلُ" بضمِّ العين خاصَّةً؟ فكرهوا الحذفَ لئلَّا يتَغيَّر المضارِع عن أصله، كما التُزمَ الضمُّ في غير المضارع لذلك. فالجواب أنَّ الحذف ليس بمُغيِّر لمضارع "فَعُلَ" عن أصله.
ألا ترى أنك إذا خفَّفتَ "يَوضُؤ"، ثمَّ أَدخلت الجازم، حذفتَ الواو للجزم في11 أحد الوجهين، على حدِّ قوله12:

[جَرِيءٍ مَتَى يُظلَمْ يُعاقِبْ بِظُلمِهِ                  سَرِيعًا] وإِلَّا يُبْدَ بالظُّلمِ يَظلِمِ

فخفَّف همزة "يُبدأ"، ثمَّ أجراها مُجرى حروف العلَّة، فحذفها للجازم. فكما أنَّ هذا القدر غير مُعتدٍّ به، فكذلك حذفُ الواو في مثل "يَوضُؤ" و"يَوطُؤ" لا يكون تغييرًا. فدلَّ ذلك على أنَّ الواو

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ف: ألزموا.
2 المنصف 1: 185-186.
3 م: واو.
4 م: يجِد.
5 تقدم في ص122. م: لا يجِدنَ.
6 م: يوضؤ ويوطؤ.
7 المنصف 1: 187.
8 م: منه.
9 ف: لعل.
10 هذا مذهب المازني وابن جني. انظر المنصف 1: 209-210.
11 سقط من م حتى قوله "فحذفها للجازم".
12 زهير بن أبي سلمى. انظر ما تقدم في ص252.

 

ص -282-      لا تُستثقل بين الياء والضمَّة، وأنها إنَّما حُذفت في "يَجُدُ" لِما ذكرناه.
وإنَّما لم يكن ثقل الواو بين الياء والضمَّة كثقلها بين الياء والكسرة؛ لأنَّ الكسرة والياء مُنافِرتان للواو -ولذلك إذا اجتمعت الواو والياء وسَبقت إحداهما بالسُّكون قُلبت الواو ياءً وصُيِّرَ اللفظُ بهما واحدًا- فإذا وقعت الواو بينهما كانت واقعةً بين شيئين ينافرانها، وإذا وقعت بين ياء وضمَّة كانت واقعة بين مُجانس ومُنافر. فلذلك كان وقوعها بين ياء وضمَّة أخفُّ من وقوعها بين ياء وكسرة.
فإذا رددتَ الفعل إلى ما لم يُسمَّ فاعله لم تَحذفِ الواو، فقلتَ: يُوعَد1. فإن قيل: ولِمَ لمْ تحذف الواو، وأنتم تزعمون أنَّ الفعل المبنيَّ للمفعول مغيَّرٌ من فِعل الفاعل، ولذلك لم تُدغم العرب الواو في الياء في "بُويِعَ" و"سُويِرَ" وأمثالهما2؛ لأنَّ الأصل "بايعَ" و"سايَر". فكذلك كان يَنبغي أن يقال "يُعَدُ" و"يُزَنُ"؛ لأنَّ الأصل "يَعِدُ" و"يَزِنُ"؟ فالجواب أنَّ كلَّ فعلٍ مضارع ثلاثيٍّ مبنيٌّ للمفعول يأتي أبدًا على وزن "يُفعَلُ"، بضمِّ حرف المضارعة وفتح العين، ولا يَنكسر ذلك في شيء منه، فأشبهَ مضارعَ "فَعُلَ" في أنه يُلزَمُ [فيه]3 طريقةٌ واحدةٌ.
ألا ترى أنَّ مضارع "فَعُلَ" إنَّما يأتي أبدًا على "يَفعُلُ"، بفتح حرف المضارعة وضمِّ العين، فحُمل4 عليه لذلك. وأيضًا فإنَّ العرب قد تَعتدُّ بالعارض، ولا تلفت إلى الأصل، فيكون قول العرب "يُوعَدُ" من قبيل الاعتداد بالعارض، فلذلك لم يُحمل على فِعل الفاعل. ويكون "سُويِرَ" من قبيل ترك الاعتداد بالعارض، فلذلك حُمل على "سايَر"، فلم تُحذف5 الواو منه6 كما لم تُحذف من مضارع7 "فَعُلَ".
ويأتي مصدر "فَعَلَ" الذي فاؤه واو أبدًا8 على وزن "فِعْلَة"، أو "فَعْل" في الغالب9، نحو: وَعْد [40أ] ووِعْدَة، ووَزْن ووِزْنة. وقد 10 يأتي على خلاف هذين البناءيَن، ممّا يَرِد عليه الصحيح، نحو: وَرَدَ الماءَ وُرودًا.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 المنصف1: 210.
2 م: وأمثالها.
3 من م.
4 سقط من م حتى قوله "على ساير".
5 م: فلم يحذف.
6 أي: من يُوعد.
7 يريد: من يوضؤ ويوطؤ.
8 كذا. وهو يخالف ما سيذكره بعد.
9 سقط "في الغالب" من م.
10 سقط من م حتى قوله "ورودًا".

 

ص -283-      فأمَّا "فَعْلٌ" فلم تُحذف الواو منه لخِفَّة الفتحة. وأمَّا "فِعْلَةٌ" فحُذفت الواو منه لثقل الكسرة في الواو، مع أنَّ المصدر لفعل قد1 حُذفت منه الواو، فقالوا في "وِعْدة": عِدة، فألقوا كسرة الواو على ما بعدها وحذفوها.
فإن قيل: وهلَّا حَذفوا الواو بكسرتها. فالجواب أنهم لو فعلوا ذلك لاحتاجوا إلى تكلُّفِ وصلٍ؛ لأنَّ ما بعد الواو ساكن. ولزمت التاء لأنها جُعلت كالعوض من الواو.
فإن قيل: ولأيِّ شيء التُزمَ في المصدر هذان البناءان. وقد كان الصحيح يجيء على غير ذلك من الأبنية؟ فالجواب أنهم التزموهما لخفَّتهما؛ ألا ترى أنَّ "فَعْلًا" على ثلاثة أحرف، وهو أخفُّ أبنية الأسماء الثلاثيَّة2، وأكثرها وُجودًا؟ وأمَّا "فِعْلَةٌ" فلأنه يؤدِّي إلى حذف الواو، وهو حرف مستثقَل، كما أنهم التزموا في المضارع "يَفْعِل" بكسر العين؛ لأنَّه يؤدِّي إلى التخفيف، ولو جاء على غير ذلك، من الأوزان التي يجيء عليها مصدرُ الفعل الثلاثيِّ الصحيح3، لم يكن في خفَّة ذلك.
وإن4 وقعت [الواو فاء]5 في فِعل على وزن6 "فَعِلَ" بكسر العين فإنَّ مضارعه يجيء على قياسه من الصحيح، وهو "يَفعَلُ"، ولا تُحذف الواو لأنها لم تقع بين ياء وكسرة، نحو: وَجِلَ يَوجَلُ.
فإن قيل: فلأيِّ شيء لم يجيئوا بمضارعه على "يَفعِلُ" بكسر العين، فيكونَ ذلك سببًا للتخفيف بحذف الواو؟ فالجواب: أنهم لو فعلوا ذلك لخرجوا عن قياس مضارع "فَعِلَ"؛ ألا ترى أنه لا يجيء على "يَفعِلُ" إِلَّا شاذًّا، نحو: حَسِبَ يَحسِبُ؟ وليس كذلك "فَعَلَ"؛ لأنَّ "يَفعِل" مَقيسٌ فيه.
ومن العرب من يقلب هذه الواو طلبًا للتخفيف، فيقول7: ياجَلُ وياحَلُ8. وأيضًا فإنه أراد أن يُغيِّرَ الواو في مضارع "فَعِلَ"، كما غيَّرَها في مضارع "فَعَلَ"، فأبدل منها أخفَّ حروف العلَّة، وهو الألف.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 م: "مع أن المصدر قد". وانظر المنصف 1: 195.
2 م: أبنية الثلاثة.
3 سقط من م.
4 ف: فإن.
5 زيادة يقتضيها السياق.
6 المنصف 1: 201-202.
7 المنصف 1: 202-203.
8 ياحل: مضارع وحِل أي: وقع في طين يضطرب فيه. م: ويوجل.

 

ص -284-      ومنهم من يُبدل الواو ياءً، فيقول1: يَيجَلُ ويَيحَلُ. وذلك أنه قد اجتمع له واو وياء، وإحداهما ساكنة، فأشبه "يَوجَلُ" وبابُه لذلك طَيًّا مصدر "طَويتُ". فكما قَلب الواو ياءً في طيّ، وأصله "طَوْيٌ"، فكذلك2 فعل في "يَوجَلُ". ثمَّ حمل "تَفعَلُ" و"نَفعَلُ" و"أفعَلُ" على "يَفعَلُ".
ومنهم من أراد أن يجعل قلب الواو لمُوجِب3 على كلِّ حال، فاستعمل لغة من يكسر حرف المضارعة من "فَعِلَ" فيقول "تِعْلَمُ"4، فقال: تِيجَلُ ونِيجَلُ [وإِيجَلُ]5 ويِيجَلُ، فكَسرَ حرفَ المضارعة إذا كان ياء استثقالًَا للفتحة6 في الياء، فجاءت الواو بعد كسرة فقُلبتْ ياء.
فإن قيل: فإنهم لا يقولون "يِعلَمُ"، فيكسرون7 حرف المضارعة إذا كان ياء, استثقالًا للكسرة في الياء. فالجواب أنهم احتَملوا هذا القَدْر من الثقل؛ لأنه يؤدِّي إلى التخفيف بقلب8 الواو ياء.
إِلَّا أن يكون9 مضاعفًا فإنه لا تُغيَّرُ10 الواو فيه، نحو: وَدِدْتُ أَوَدُّ. ولا تقول "آدُّ" ولا "أَيَدُّ: ولا "إِيَدُّ" لقوَّة الواو بالحركة.
وقد شذَّت ألفاظ، فجاء المضارع منها على11 "يَفعِل"، فحُذفَت الواو لوقوعها بين ياء وكسرة. وهي: وَرِث يَرِثُ ووَرِيَ الزَّندُ يَرِي ووَفِقَ يَفِقُ ووَغِمَ يَغِمُ 12 ووَمِقَ يَمِقُ ووَثِقَ يَثِقُ ووَحِرَ صَدرُه يَحِرُ ووَغِرَ يَغِرُ13 ووَعِمَ يَعِمُ ووَسِعَ يَسَعُ ووَطِئَ يَطَأُ14.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 المنصف 1: 202-203.
2 م: كذلك.
3 م: بالموجت.
4 م: "يعلم" وفي حاشية ف بخط أبي حيان عن شرح الثمانيني لتصريف ابن جني اختلاف العرب في كسر حرف المضارعة. انظر 267-268 من ابن عصفور والتصريف.
5 من م.
6 سقط "إذا كان... في الياء" من م. ف: للضمة.
7 كذا، بإثبات النون. وهو جائز مرجوح. انظر شرح القصائد العشر ص273.
8 ف: لقلب.
9 يريد: مضارع "فَعِلَ يَفعَل" الذي فاؤه واو.
10 م: لا يغير.
11 المنصف1: 207.
12 وغم: حقد.
13 وغر صدره: امتلأ غيظًا.
14 وزاد في المنصف: ورم يرم ووله يله.

 

ص -285-      فإن قيل: وما الدليل على أنَّ يَسَعُ ويَطَأُ: "يَفعِلُ" بكسر العين؟ وهلَّا وُقف فيهما مع الظاهر وهو "يَفعَلُ" لأنَّ العين مفتوحة، وأيضًا فإنَّ قياس مضارع "فَعِلَ": "يَفعَلُ"، فما الذي دعا إلى جعل "يَسَعُ" و"يَطَأُ" شاذَّين؟ فالجواب1 أنَّ الذي حمل على ذلك إنَّما هو حذف الواو، إذ لو كانا "يَفعَلُ" لكانا2 "يَوطَأُ" و"يَوسَعُ". فدلَّ حذفُ الواو على أنهما في الأصل "يَوطِئُ" و"يَوسِعُ" فحُذفتِ الواو لوقوعها بين ياء وكسرة، ثمَّ فُتحتِ العين لأجل حرف الحلق، ولم يُعتدَّ بالفتح لأنه عارض.
وإنَّما كان الشاذُّ من "فَعِل يَفعِلُ" فيما فاؤه واو أكثرَ من الشاذِّ منه في الصحيح؛ لأنَّه شذوذ يؤدِّي إلى تخفيف اللفظ بالحذف.
وزعم الفرَّاءُ أنَّ موجِبَ الحذف إنَّما هو التَّعدِّي3 نحو: يَعِدُ ويَزِنُ، وموجبَ الإثبات إنَّما هو عدمُ التَّعدِّي نحو: يَوجَلُ ويَوحَلُ4.
وهذا [40ب] الذي ذهب إليه فاسدٌ5؛ لأنه خارج عن القياس؛ ألا ترى أنَّ الحذف إنَّما القياس فيه أن يكون لأجل الثقل؟ وأيضًا فإنهم قالوا: وَأَلَ زيدٌ ممّا كان يَحذرُه يَئِلُ ووَبَلَ المطرُ يَبِلُ ووَقَدَتِ النَّارُ تَقِدُ ووَحِرَ صَدرُه يَحِرُ ووَغِرَ يَغِرُ. فحذفوا الواو في جميع ذلك، وإن كان غيرَ متعدٍّ، لمَّا وقعت بين ياء وكسرة6.
وإن وقعت [الواو فاء]7 في فعل على وزن "فَعُلَ" فإن مضارعه لا تحذف8 منه الواو، نحو:9 يَوضُؤ ويَوطُؤ، لِما ذكرنا10 من أنَّ الواو بين الياء والضَّمَّة أخفُّ منها بينَ الياء والكسرة.
وما عدا ذلك، ممّا تقع الواو فيه فاء، من اسم أو فعل على ثلاثة أحرف أو أزيد، فإنها لا تُقلب ولا تُحذف، إِلَّا أن تَقَعَ:
ساكنةً بعد كسرةٍ، فإنها تُقلب ياء، نحو: ميزان ومِيعاد. الأصل فيهما "مِوْزان" و"مِوْعاد"؛ لأنهما من الوزن والوعد، فقلبت الواو ياء لسكونها، وانكسار ما قبلها.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 المنصف 1: 207-208.
2 ف: لكان.
3 المنصف 1: 188.
4 م: يوجِل ويوجَل.
5 المبرد هو الذي تصدى للفراء. انظر الكامل ص78 والمنصف 1: 118.
6 في م تقديم وتأخير وتصرُّف.
7 زيادة يقتضيها السياق.
8 م: لا يحذف.
9 المنصف 1: 209.
10 في ص 281-282.

 

ص -286-      أو ساكنةً بعد فتحة في مضارع1 "افتَعَلَ"، فإنها تُقلب ألفًا نحو: يا تَعِدُ. أصله "يَوْتَعِد"؛ لأنَّه من الوعد، فقُلبت الواو ألفًا لأنها تُقلب ياءً بعد الكسرة في ايتَعَدَ، وتَثبتُ بعد الضَّمَّة2 في مُوتَعِد. فلمَّا كانت بعد الكسرةِ والضَّمَّةِ على حَسَبهما3 كانت بعد الفتحة على حسَبها، فقُلبت ألفًا بالحمل.
وأمَّا الياءُ إذا وقعت4 فاء فلا تُقلب، إِلَّا أن تقع ساكنةً بعد ضمَّة فإنها تقلب واوًا، نحو: مُوقِن. أصله "مُيْقِنٌ"؛ لأنه من اليقين، فقُلبتْ واوًا لسكونها وانضمام ما قبلها. أو تقعَ ساكنةً بعد فتحة في مضارع "افتعَلَ" نحو: يا تَئِسُ، من اليأس. أصله "يَيتَئِسُ"، فقُلبت الياءُ5 ألفًا، للعلَّة التي قلبت الواو في "ياتَعِدُ" ألفًا. أعني: الحملَ على: ايتأسَ ومُوتَئس6.
ولا تُحذف أصلًا إِلَّا في لفظتين شَذَّتا وهما: يَبِسُ7 ويَئِسُ، في مضارع يَبِسَ ويَئِسَ. وأصلهما "يَيبِسُ" و"يَيئِسُ"8، فحُذفت الياء لوقوعها بين ياء وكسرة، كما حذفت الواو من "يَعِدُ"، تشبيهًا بها في أنهما حرفا علَّة، وقد وقعا بين ياء وكسرةٍ9. وإنَّما لم تحذف الياء باطِّراد، إذا وقعت بين ياء وكسرة؛ لأنها أخفُّ من الواو.
وكذلك جاء المصدر على قياسه من الصحيح، فجاء على "فُعْلٍ" نحو: يُنْع10, وعلى "فُعال" نحو: يُعار11, وعلى 12 "فُعُول" نحو: يُنُوع13.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 المنصف 1: 205-206.
2 م: الواو.
3 م: حسبها.
4 المنصف: 1: 195.
5 ف: "الواو". وقيل أيضًا: يَبِسَ يابَسُ. فقلبت الياء ألفًا.
6 م: مؤتئس.
7 المنصف 1: 196. وقيل أيضًا: يَسِرُ.
8 م: يبس.
9 سقط "في أنهما... وكسرة" من م.
10 الينع: إدراك الثمر وحينونة قطافه.
11 اليعار: صوت الغنم والمعز.
12 سقط من م.
13 في حاشية ف بخط أبي حيان: بلغت المقابلة.

 

ص -287-      [المعتل العين]:
فإن وقعتِ الواو والياء عينين فلا يخلو من أن يكونا عينين، في كلمة على ثلاثة أحرف، أو على أزيدَ. فإن كانت الكلمة على ثلاثة أحرف فلا يخلو أن تكون اسمًا أو فعلًا. فإن كانت الكلمة فِعلًا فإنَّ الفعل لا يخلو من أن يكون مبنيًّا للفاعل، أو مبنيًّا للمفعول.
فإن كان مبنيًّا للفاعل1 فإنَّ الفعل من ذوات الواو يكون على "فَعَلَ" و"فَعِلَ" و"فَعُلَ"، بضمِّ العين وفتحها وكسرها. فـ"فَعَلَ": قامَ، و"فَعُل": طالَ، و"فَعِلَ": خافَ. ومن ذوات الياء على "فَعَلَ" و"فَعِل"، بفتح العين وكسرها. ولا يجوز الضمُّ استثقالًَا له في الياء. فـ"فَعَلَ": باع.َ و"فَعِلَ": كادَ.
فإن قيل: فلأيِّ شيء اعتلَّت هذه الأفعال؟ وهلَّا بقيت على أُصولها، فكنتَ تقول "قَوَمَ" و"طَوُلَ" و"خَوِفَ" و"بَيَع" و"كَيِد". فالجواب أنَّ "فَعُل" و"فعِل" قُلِبت فيهما الواو والياء استثقالًا للضَّمَّةِ في الواو، والكسرةِ في الواو والياء، فقُلِبت الواو والياء إلى أخفَّ حروف العلَّة وهو الألف، ولتكون العَينات من جنس حركة الفاء وتابعةً لها. وأمَّا "فَعَلَ" فقُلِبت الواو والياء فيها2 ألفًا لاستثقال حرف العلَّة، مع استثقال اجتماع المِثلَينِ -أعني: فتحةَ الفاء وفتحةَ العين- فقالوا في "قوَمَ" و"بَيَع": قامَ وباعَ، فقلبوا الواو والياء ألفًا لخفَّة الألف، ولتكون العين حرفًا3 من جنس حركة الفاء.
هذا حكم هذه الأفعال، إذا أُسندت إلى ضمير غَيبة، نحو: زيد4 قامَ وعمرٌو باعَ، أو إلى ظاهر نحو: قامَ زيدٌ وباعَ عمرٌو الطعامَ. إِلَّا فعلَينِ شذَّت العرب5 فيهما -وهما كادَ وزالَ-

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 المنصف 1: 233-244.
2 م: فيهما.
3 سقط من م.
4 سقط من م.
5 المنصف 1: 252-253.

 

ص -288-      فأعلُّوها بنقل حركة الكسرة من العين إلى الفاءِ، فقالوا: كِيْدَ ومازِيْلَ. قال1:

وكِيدَ ضِباعُ القُفِّ يأكُلْنَ جُثَّتِي                    وكِيدَ خِراشٌ, يومَ ذلِكَ, يَيتَمُ

فأجرَوهما على ما يُجرَيان عليه، إذا أُسند الفعل إلى ضمير المتكلِّم أو المخاطب. وسنبيِّن حكم هذه الأفعال، إذا أُسنِدت إلى ضمير المتكلِّم أو المخاطب.
فإن أُسند الفعل [41أ] إلى ضمير متكلِّم أو مخاطَب2 فإنه لا يخلو أن يكون على "فَعِلَ" أو "فَعُلَ" أو "فَعَلَ". فإن كان على "فَعِل" أو "فَعُلَ"، بضمِّ العين وكسرها، فإنك تنقل حركة العين إلى الفاء قبلها، وتحذف العين لالتقاء الساكنين، أعني: حرف العلَّة مع ما بعده. فتقول: خِفتُ وكِدْتُ وطُلتُ، فتكسر الفاء من "فَعِل"، وتضمُّ الفاء من "فَعُل".
فإن قيل: فلأيِّ شيء، لمَّا حذفوا العين، نَقلوا حركتها إلى الفاء؟ فالجواب أنهم لمَّا اضطُرُّوا إلى الحذف كان الأسهل عندهم ألَّا يحذفوا الحرف بحركته، وأن يُبقوا الحركة التي كانت في العين، فنقلوها إلى الفاء لذلك. وأيضًا فإنهم أرادوا أن يفرِّقوا بين حذف عين الفعل المتصرِّف3، وغير المتصرِّف. فلمَّا كانوا لا ينقلون في غير المتصرِّف4، فيقولون "لَستُ" في "لَيسَ"، نقلوا في المتصرِّف.
فإن قيل: ليست5 عين "ليس" متحرِّكة، فلم يكن فيها ما يُنقل. فالجواب أنَّ أصلها6 "لَيِسَ" نحو "صَيِدَ" ثمَّ خُفِّفتْ، والتُزم فيها التخفيفُ لثقل الكسرة في الياء.
فإن قيل: وما الدليل على ذلك؟ فالجواب أنه قد ثبَتَ أنها7 فِعل، والأفعال الثلاثيَّة لا تخلو من أن تكون على وزن "فَعَلَ" أو "فَعِلَ" أو "فَعُلَ". فلا بدَّ لها من أن تكون على وزن من هذه الأوزان. وباطلٌ أن تكون مفتوحة العين في الأصل؛ لأنَّ الفتحة لا تُخفَّف8. وباطل أن تكون

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 أبو خراش الهزلي. المنصف 1: 252 وشرح المفصل 10: 72 عن الأصمعي. م "خُراش". والقف: ما ارتفع من الأرض وغلظ. وضبطت التاء من "ييتم" بالفتح والضمِّ والكسر في ف. ورُوي في ديوان الهذليين 2: 148. كما يلي:

فتَقعُدُ أو تَرضَى مكاني خَلِيفةً                    وكادَ خِراشٌ, يَومَ ذلِكَ, يَيتَمُ

وكذلك رواية شرح أشعار الهذليين، وفيه الرواية التي أثبتها ابن عصفور، مقدمًا لها بالعبارة التالية: قال أبو سعيد: وسمعت من ينشد.
2 كذا، بإغفال نون النسوة الغائبات. وانظر ص293، 295، 296، 307.
3 المنصف 1: 234.
4 يعني الجامد. م: غير المنصرف.
5 م: أليست.
6 المنصف 1: 258-259.
7 ف: أنه.
8 م: لا تحذف.

 

ص -289-      مضمومة العين؛ لأنَّ "فَعُلَ" ممّا عينه ياء لم يُوجد1، فلم يبق إِلَّا أن تكون في الأصل مكسورة العين.
فإن كان الفعل على "فَعَلَ" فإنه لا يخلو أن يكون من ذوات الياء أو من ذوات الواو. فإن كان من ذوات الواو حوَّلتَه إلى "فَعُل"2، بضمِّ العينِ، ثمَّ نقلتَ حركة العين إلى الفاء. فتقول: قُلتُ وقُلتَ. وإن كان من ذوات الياء حوَّلتَه إلى "فَعِلَ"3، بكسر العين، ثمَّ نقلتَ حركة العين إلى الفاء. فتقول: بِعتُ وبِعتَ.
فإن قيل: ولأيِّ شيءٍ حوَّلتَ "فَعَل" إلى "فَعُلَ" في ذوات الواو، وإلى "فَعِلَ" في ذوات الياء؟ فالجواب أنه لو نَقلنا الفتحة من العين إلى الفاء، ولم نُحوِّلها كسرة ولا ضمَّة، لم يُدْرَ: هل الفتحة التي في الفاء هي الفتحة الأصليَّة التي كانت قبل النقل أو فتحة العين؟ بخلاف "فَعِلَ" و"فَعُلَ"؛ لأنَّه إذا انضمَّت الفاء أو انكسرت، بعد أن كانت مفتوحة، عُلم أنَّ الحركة التي في الفاء حركة العين نُقلت. فلذلك حُوِّلت الفتحة إلى غيرها, ليُعلم أنَّ الحركة التي في الفاء هي حركة العين, وحُوِّلت حركة العين4 في ذوات الواو إلى الضَّمَّة وفي ذوات الياء إلى الكسرة، ليحصل بذلك الفرقُ بين ذوات الواو وذوات الياء؛ لأنَّ الضَّمَّة تدلُّ على الواو لأنها منها، والكسرةَ تدلُّ على الياء لأنها أيضًا منها.
فإن قيل: فما الدليل على أنَّ قال:5 "فَعَلَ" في الأصل، ثمَّ نُقل6 إلى "فَعُلَ"؟ وهلَّا ادُّعي أنه "فَعُل" في الأصل. فالجواب7 أنَّ الذي يدلُّ على أنه ليس بـ"فَعُل" في الأصل تَعَدِّيه نحو قُلتُه -و"فَعُلَ" لا يتعدَّى- ومجيءُ اسم الفاعل منه على "فاعِل" إِلَّا شاذًّا8 نحو: حَمُضَ فهو حامِضٌ9. فأمَّا "قام" وأمثالُه، ممّا هو غير متعدٍّ، فالذي يدلُّ على أنه "فَعَلَ" بفتح العين مجيءُ اسم الفاعل منه على "فاعِل" نحو: قائم.
فإن قيل: وما الدَّليل على أنَّ باعَ: "فَعَلَ" في الأصل؟ وهلَّا ادَّعيتُم أنه "فَعِلَ" بكسر العين في

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 كذا. وقالوا: هَيُؤَ. انظر ص302.
2 المنصف: 1: 235-236.
3 المنصف: 1: 242-244.
4 سقط "وحولت حركة العين" من م.
5 م: ذلك.
6 م: ونقل.
7 المنصف 1: 236-238.
8 ف: شاذ.
9 في الخصائص 1: 382 أن هذا من تداخل اللغات.

 

ص -290-      الأصل، ولم تدَّعوا أنَّ هذا الكسرة في "بِعتُ"1 أُبدلت من الفتحة. فالجواب2 أنَّ الذي يدلُّ عل ذلك أنَّ المضارع "يَفعِلُ" نحو: يَبِيعُ، و"يَفعِلُ" لا يكون مضارعَ "فَعِلَ" إِلَّا شاذًّا.
وأمَّا "خافَ" و"كادَ" فالذي يدلُّ على أنهما "فَعِلَ" مجيءُ مضارعهما على "يَفعَلُ" بفتح العين، نحو: يَكادُ ويَخافُ.
وأمَّا "طالَ"3 فالذي يدلُّ على أنه "فَعُلَ" في الأصل مجيءُ اسم الفاعل منه على "فَعِيل". فتقول: طَويل.
فأمَّا مضارعُ "فَعُلَ" المضمومة العين فعلى "يَفعُلُ" بضمِّ العين، على قياس نظيرها من الصحيح. لم يشذَّ من ذلك شيء.
وأمَّا "فَعِلَ" المكسورةُ العين فيجيء مضارعها أبدًا على "يَفعَلُ" بفتح العين، نحو: كِدتَ تَكادُ وزِلتَ تَزالُ. ولم يشذَّ من ذلك شيء إِلَّا لفظتان، وهما: مِتَّ تَمُوتُ ودِمتَ تَدُومُ، فجاء مضارعهما على "يَفعُلُ" بضمِّ العين. على أنه يمكن4 أن يكون هذا من تداخل اللُّغات5 وذلك أنهم قد قالوا: مُتَّ [41ب] ودُمتَ كـ"عُدتَ"6، فيكون "تدوم" و"تموت"7 مضارعين لـ"دُمتَ" و"مُتَّ". ومن قال8 "مِتَّ" بالكسر و"دِمتَ" لم يستعمل لهما مضارعًا9، بل اجترأ بمضارع "مُتَّ" و"دُمتَ" عنه.
وأمَّا "فَعَلَ" من ذوات الياء فمضارعها أبدًا على "يَفعِلُ" بكسر العين، نحو: باعَ يَبِيعُ. ولم يشذَّ من ذلك شيء.
وأمَّا "فَعَلَ" من ذوات الواو فمضارعها أبدًا على "يَفعُل" بضمِّ العين، نحو: قالَ يَقُولُ. ولم

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 سقط "في بعت" من م.
2 المنصف 1: 242-244.
3 المنصف 1: 238-241. المراد ما كان معناه: امتدَّ. أمَّا طاله بمعنى ناله فهو على "فَعَلَ". انظر البحر المحيط 3: 220-221. وكذلك ما كان معناه: غلبه في الطول. واسم الفاعل من هذين: طائل. ولعل منهما قولهم: طائل وطائلة.
4 ف: ممكن.
5 الخصائص 1: 374-381 والمنصف 1: 256-257.
6 م: قلت.
7 م: يدوم ويموت.
8 م: ومن ذلك.
9 كذا. وفي الخصائص 1: 380 أن مضارعهما هو "تَماتُ وتَدامُ". وانظر اللسان والتاج "دوم" والمنصف1: 256 وأضداد ابن الأنباري ص12.

 

ص -291-      يشذَّ من ذلك شيء إِلَّا لفظتان، وهما1: طاحَ يَطِيحُ وتاهَ يَتِيهُ، في لغة من قال: ما أَطوَحَهُ وما أَتوَهَهُ!2 ولا يمكن أن يكونا3 على هذا "فَعِلَ"4 بكسر العين؛ لأنَّ "فَعِل يَفعِلُ" شاذٌّ من الصحيح والمعتلِّ، و"فَعَلَ يَفعِلُ" وإن كان شاذًّا فيما عينُه واو فليس بشاذٍّ في الصحيح. فحملُهما على ما يكون مَقيسًا في حالٍ أَولَى.
فأمَّا من قال "ما أَتيَهَهُ"! فقوله "يَتِيهُ" على القياس. والدليل أيضًا على أنَّ "تاهَ" قد يكون من ذوات الياءِ قولهم5: وَقَعَ في التُّوهِ والتِّيه. فقولهم "في التِّيه" دليلٌ على أنه من ذوات الياء، بقاءً مع الظاهر. وكذلك أيضًا "تَيَّهَ" يدلُّ على أنَّ "تاهَ" من ذوات الياء.
فإن قيل: فلعلَّ تَيَّهَ: "فَيعَلَ"6، وهي7 من ذوات الواو، والأصل "تَيْوَهَ" فقُلبت الواو ياءًَ وأُدغمت الياء في الياء. فالجواب8 أنَّ "فَعَّل" أكثرُ من "فَيعَلَ"، فيجبُ أن يُحمل "تَيَّهَ" على "فَعَّل" لذلك. وأيضًا فإنَّ "تَيَّه" للتكثير، فينبغي أن يكون على "فَعَّل"؛ لأنَّ "فَعَّلَ" من الأبنية التي وضعتها العربُ للتكثير، نحو: قَطَّعَ وكَسَّرَ.
وأيضًا فإنهم يقولون فيه إذا ردُّوه لِما لم يُسمَّ فاعلُه: تُيِّهَ9. ولو كان "فَيعَلَ" لقالوا10 "تُوْيِهَ" إن كان من ذوات الياء، و"تُوْوِهَ" إن كان من ذوات الواو11 كـ"بُوْطِرَ". ولم يجز الإدغام كما لم يُدغم مثل "سُوْيِرَ"؛ لأنَّ الواو مَدَّة. وسيُبيَّن ذلك في بابه، إن شاء الله تعالى12.
فإن قيل: فلأيِّ شيء قالوا في مضارع "فَعَلَ" من ذوات الواو: "يَفعُلُ"، ومن ذوات الياء: "يَفعِلُ"، وقد
كان "فَعَلَ" من الصحيح يجوز في مضارعه "يَفعُلُ" و"يَفعِل"، نحو: يَضرِبُ ويَقتُلُ؟ فالجواب عن ذلك شيئان:

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 المنصف 1: 261-262.
2 في م تقديم وتأخير وتصرف.
3 ف: يكون.
4 مذهب الخليل أن تاه وطاح هما على "فعِل يفعِل". المنصف 1: 261-262.
5 رواه المازني عن أبي زيد في المنصف 1: 265.
6 المنصف 1: 262-263.
7 م: وهو.
8 المنصف 1: 263-264.
9 وأنشد فيه المازني وابن جني لرؤبة.
تُيِّهَ في تِيهِ المُتيَّهِينْ
10 ف: لقال.
11 سقط "إن كان من ذوات الياء... الواو" من م.
12 سقط من م. وانظر الورقة 45.

 

ص -292-      أحدهما: أنه لمَّا حُوِّلَ "فَعَلَ" من ذوات الواو إلى "فَعُلَ"1 جاء مضارعه كمضارع "فَعُل"، فالتزموا فيه "يَفعُلُ" بضمِّ العين. وأمَّا "فَعَلَ" من ذوات الياء فلمَّا حُوِّلَ إلى "فَعِل" أشبَهَ "فَعُلَ" من ذوات الواو, في أنَّ بناءهما في الأصل "فَعَلَ" مفتوح العين، وأنَّ كلَّ2 واحدٍ منهما حُوِّلت3 حركة عينه الأصليَّة إلى حركة من جنس العين.فكما التزموا في مضارع "فَعَلَ" من ذوات الواو أن تكون حركة العين من جنسها، كذلك التزموا في مضارع "فَعَلَ" من ذوات الياء أن تكون حركة العين من جنسها.
فإن قيل: فهلَّا لمَّا حوَّلوا "فَعَلَ" من ذوات الياء إلى "فَعِلَ" جعلوا مضارعه "يَفعَلَ" بفتح العين، كمضارع "فَعِلَ"، ثمَّ حملوا "فَعَل"4 من ذوات الواو على "فَعَل" من ذوات الياء. فالجواب أنَّ "فَعِل" المكسورَ العين قد شذُّوا في مضارعه. فجاء على "يَفعِلُ" نحو: حَسِب يَحسِبُ ونَعِمَ يَنعِمُ, وعلى "يَفعُلُ" بضمِّ العين نحو: فَضِلَ يَفضُلُ. فإذا فعلوا ذلك فيما عينه مكسورة في الأصل فالأحرى أن يجيء ذلك فيما عينه في الأصل مفتوحة. وأمَّا "فَعُل" فلم يشِذُّوا في شيء من مضارعه. فلذلك لمَّا حُوِّلتْ "فَعَلَ" إليها التزموا في المضارع "يَفعُل" بضمِّ العين.
وأيضًا فإنهم إذا جعلوا مضارع "فَعَلَ"5 من ذوات الواو "يَفعُلُ" بضمِّ العين لم يُخرجوه عمَّا كان يجوز فيه قبل نقله6 إلى "فَعُلَ"؛ لأنَّ "يَفعُلُ" مضارعُ "فَعَلَ" في فصيحِ الكلامِ. بل يكون قد التُزم فيه أحد البناءين اللذين كانا له في نظيره من الصحيح. ولو جعلتَ مضارع "فَعَلَ" ممّا عينه ياء على "يَفعَلُ" بفتح العين7 لكنتَ قد جعلت مضارعه بعد النقل خارجًا عن قياس ما كان عليه قبل النقل.
والآخر8: أنهم أَرادوا التفرقة بين ذوات الواو وذوات الياء، فالتزموا في ذوات الواو "يَفعُلُ" بضمِّ العين؛ لأنَّ الضَّمَّة9 من جنس الواو، وفي "فَعَلَ" من ذوات الياء "يَفعِلُ" بكسر العين؛ لأنَّ الكسرة من جنس الياء.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 يريد: عندما اتصل بضمير رفع متحرك.
2 م: كان.
3 سقط من م.
4 م: فعِل.
5 سقط من م.
6 م: قلبه.
7 وهو خاص بحلقي العين أو اللام.
8 ذكر السبب الأول في الفقر الثلاث المتقدمة.
9 ف: الضم.

 

ص -293-      وهذا الوجه الآخر أَولى؛ لأنهم قد فعلوا مثل ذلك في المعتلِّ اللام1: التزموا في "فَعَلَ" من ذوات الواو "يَفعُلُ" بضمِّ العين نحو: يَغزُو، وفي مضارع "فَعَلَ" من ذوات الياء "يفعِلُ" بكسر العين نحو: يَرمِي، تفرقةً بين الياء والواو. وسنبيِّنُ ذلك بعدُ2، إن شاء الله.
فإن قيل: فهلَّا فرَّقوا في مضارع [42أ] "فَعِلَ" المكسورةِ العين، بين ذوات الياء والواو، فالتزموا في مضارع ذوات الواو "يَفعُلُ" بضمِّ العين، وفي مضارع "فَعِلَ" من ذوات الياء "يَفعِلُ" بكسر العين، كما فعلوا3 في "فَعَلَ". فالجواب أنهم لو فعلوا ذلك لأخرجوا مضارع "فَعِلَ" المكسورِ العين عن قياسِهِ؛ لأنَّ المضارع منه إنَّما يأتي على "يَفعَلُ" بفتح العين. وليس كذلك "فَعَلَ"، بل مضارعه يأتي على "يَفعُلُ" و"يَفعِلُ". فالتزمنا في ذات الواو أحد الجائزين، وهو "يَفعُلُ" المضموم4 العين، وفي ذوات الياء أيضًا أحد الجائزين، وهو "يَفعِلُ" المكسور العين.
فإن قيل: فإنَّ5 الأصل "يَقْوُمُ و"يَصْوُلُ" و"يَبْيِعُ" و"يَكْيَدُ" و"يَخْوَفُ". فحرفا العلَّة -وهما الواو والياء- قد أُسكن6 ما قبلهما، وإذا أُسكن 7 ما قبلَ حرف العلَّة صَحَّ نحو: ظبْي وغزْو. وهذا في المعتلِّ اللام، فالأحرى أن يكون ذلك في المعتلِّ8 العين؛ لأنَّ العين أقوى من اللام وأقربُ إلى أن تَصِحَّ. فالجواب9 أنهم أَعلُّوا المضارع حملًا على الماضي، فلم يمكنهم أن يُعِلُّوا بقلب حرف العلَّة ألفًا، مع إبقاء سكون ما قبل حرف العلَّة، فأعلّوا بالنقل، فنقلوا حركة العين10 إلى الفاء، كما نقلوها في إسناد الفعل إلى ضمير المتكلم والمخاطب11.
فلمَّا نقلوا في "يَقْوُلُ" و"يَطْوُلُ" صارا: يَقُولُ ويطُولُ. ولمَّا نقلوا في "يَبْيِعُ"12 صار: يَبِيعُ. ولمَّا نقلوا في "يَكْيَدُ" و"يَخْوَفُ" صارا "يَكَيْدُ" و"يَخَوْفُ". ثمَّ قلبوا الواو والياء ألفًا، لتحرّكهما13 في الأصل قبل النقل، وانفتاحِ ما قبلَهما في اللفظ، ولم يعتدُّوا بالسكون؛ لأنَّه

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 المنصف 1: 245-246.
2 في الورقة 50.
3 ف: كما جعلوا.
4 م: المضمومة.
5 ف: إن.
6 م: سكن.
7 م: سكن.
8 م: في المعتل اللام فكيف في المعتل.
9 المنصف 1: 247.
10 ف: فأعلوا بنقل حركة العين.
11 كذا، بإغفال ضمير الإناث الغائبات. وانظر ص288، 295، 296، 307.
12 م: يَبِيع.
13 م: لتحركها.

 

ص -294-      عارض بسبب النقل، والعارضُ الغالبُ فيه ألَّا يُعتدَّ به.
وكذلك: قُمْ وبِعْ، وأصلُهما "اقْوُمْ" و"ابْيعْ"، ثمَّ نقلت حركة العين إلى ما قبلها، فتحرَّك1 فذهبت همزة الوصل؛ لأنها إنَّما أُتي بها لأجل الساكن، فزالت بزواله، ثمَّ سكَّنوا الآخِر، وحذفوا حرفَ العلَّة لالتقاء الساكنين.
ويُحكى2 أنَّ أبا عُمرَ3 الجَرميَّ -رحمه الله- دخل بغداذ، وكان بعض كبار الكوفيِّين يغشاه ويكثر عليه المسائل - ويقال هو الفرَّاء4- وهو يجيبه. فقال له بعض أصحابه: إنَّ هذا الرجل قد ألحَّ عليك بكثرة المسائل فلمَ لا تسأله؟ فلمَّا جاءه قال له: يا أبا فلان، ما الأصل في "قُمْ"؟ فقال له: "اقْوُمْ". فقال له: فما الذي عملوا به؟ فقال: استثقلوا الضَّمَّة على الواو، فأسكنوها. فقال له: أخطأت لأنَّ القاف قبلها ساكنة. فلم يَعُدْ إليه الرجل بعدها.
فأمَّا اسم الفاعل من "فَعَلَ" فـ"فاعِلٌ" نحو: قائم وبائع. وقد ذكرنا من أيِّ شيء أُبدلت الهمزة5، في باب البدل.
وأمَّا من "فَعُلَ" المضمومة العين فعلى قياس الصحيح. فتقول: طَويل، كما تقول: ظَريف.
وأمَّا مِن "فَعِل"، إن جاء على "فاعِل"، فإنك تُبدل الهمزة من العين نحو "خائف"، وقد ذكر في البدل6، وإن جاء على "فَعِل" فإن حرف العلَّة ينقلب ألفًَا لتحرُّكه وانفتاح ما قبله، كما فُعِل بالفعل7، نحو: خافٍ8 ومالٍ، اسما فاعل من "خافَ9 الرجلُ"، و"مالَ" إذا كثر ماله. جاء على "فَعِل" على حدِّ قولهم: حَذِرَ يَحذَرُ فهو حذِرٌ، في الصحيح10.
فإن كان الفعل مبنيًّا للمفعول11 صيَّرتَه على "فُعِلَ"، فتضمُّ فاءه وتكسر عينه، فتقول "قُوِلَ"

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 م: إلى فاء قبلها فتحركت.
2 المنصف 1: 248.
3 م: أبا عمرو.
4 كان بين الفراء والجرمي مناظرات. انظر إنباء الرواة 2: 81 وتاريخ بغداد 9: 313-315. والقصة هذه في الخصائص 3: 299 والمزهر 2: 377-378.
5 في الورقة 31.
6 في الورقة 31.
7 المنصف 1: 333.
8 م: جاف.
9 م: جاف.
10 سقط "جاء على فعل... في الصحيح" من م.
11 المنصف 1: 248-250.

 

ص -295-      و"بُيِع". فتُستثقل الكسرة في الياء والواو:
فمنهم من يحذفها فيُسْكن الواو فتصيرُ: قُوْلَ، ويُسْكن الياء، فتصير ساكنة بعد ضمَّة فتُقلب واوًا، فيقول1: بُوْعَ. وجُعلت العين في هذا الوجه تابعة لحركة الفاء، كما كانت في فعل الفاعل.
ومنهم من ينقل الكسرة من العين إلى الفاء، فيقول: بِيْعَ. وأمَّا "قُوْلَ" فينقل2 الكسرة من العين إلى الفاء فتصير الواو ساكنة بعد كسرة فتَنقلب ياءً، فيقول3: قِيْلَ.
وإنَّما جاز نقل حركة العين إلى الفاء، في فعل المفعول، من غير أن يُسند إلى ضمير المتكلِّم أو المخاطَب4، ولم يجز ذلك في فعل الفاعل إِلَّا في "كاد" و"زال" كما تقدَّم -تشبيهًا5 للكسرة التي في عين "فُعِل" بالكسرة التي في عين "فَعِل" من ذوات الياء إذا حُوِّلت، من جهةِ أنَّ كلَّ واحدة من الكسرتين أصلها الفتح؛ ولأنَّ في نقل حركة العين إلى الفاء تخفيفًا بقلب الواو ياءً، والياءُ أخفُّ من الواو، فتصير ذوات الواو والياء بلفظ واحد. وفي نقل حركة العين إلى الفاء في فِعل الفاعل تثقيلٌ؛ لأنك تقول: كِيْدَ وزِيلَ، و"كادَ" و"زالَ" أخفُّ؛ لأنَّ الألف أخفُّ من الياء. ولذلك كان النقل في "فُعِلَ"6 أحسنَ من حذف الكسرة [42ب] من العين؛ لأنَّ ذلك يؤدِّي إلى قلب الياء واوًا، فتقول "بُوْعَ"، فتُخرِجُ الأخفَّ إلى الأثقل.
ومن العرب7 من إذا نقل الكسرة من العين إلى الفاء أشمَّ الفاءَ الضَّمَّةَ، دليلًا على أنَّ8 الفاء مضمومة في الأصل. وذلك بأن تضُمَّ شفتيك ثمَّ تَنطق بالفعل، ولا تلفظَ بشيء من الضَّمَّة. ولو لفظتَ بشيء من الضَّمَّة لكان رَومًا لا إشمامًا. قال الزَّجاجيُّ: "وذلك لا يُضبَطُ إِلَّا بالمُشافهة"9. إشارةً إلى أنه لا يُسمَعُ بل يُرى. وأمَّا بعضُ النَّحويِّين. وكافَّةُ القُرَّاء فإنهم يجعلون الكسرةَ بينَ الضَّمَّة والكسرة. والذي عليه المُحقِّقون من النحويِّينَ ما ذكرتُ لك. ولذلك سَمَّوه إشمامًا.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 م: فتقول.
2 سقط "الكسرة من العين... فينقل" من م.
3 م: فتقول.
4 م: "ضمير متكلم أو مخاطب". وأغفل ابن عصفور ذكر ضمير الإناث الغائبات. وانظر ص288، 293، 296، 307.
5 سقط من النسختين حتى قوله "أصلها الفتح"، وألحقه أبو حيان بحاشية ف. وانظر الورقة40.
6 م: فَعِل.
7 المنصف 1: 248-251.
8 سقط من م.
9 الجمل في النحو ص76. والزجاجي هو أبو القاسم عبد الرحمن بن إسحاق النحوي، توفي سنة340. البلغة ص121.

 

ص -296-      هذا ما لم تُسنِدِ الفعلَ إلى ضمير المتكلِّم أو المخاطَب1. فإن أَسندته إليهما2 فإنَّ الذي يُخلِصُ الضمَّ، فيقول: بُوعُ وكُولَ3 زيدٌ الطعامَ. يقول: بُعتُ وكُلتُ الطعامَ، فيُخلِص الضمَّ4 أيضًا. والذي يقول: بِيعَ وكِيلَ، فيُشِمُّ يَقُول: بِعتُ وكِلتُ فيُشِمُّ. والذي يقول: بِيعَ وكِيلَ، فيُخلص الكسر يقول: بِعتُ وكِلتُ، فيُشمُّ، تَفرقةً بين فعل الفاعل وفعل المفعول. ومنهم من يُخلص الكسر -وذلك قليل- ويَتَّكلُ في التَّفرقة على القرائن وما يَتَّصل بالفعل، من قبلُ أو بعدُ.
فإذا بَنَيتَ منه المضارع ضممتَ أَوَّلَه وفتحتَ ما قبلَ آخِره، فقلت "يُقْوَلُ" و"يُبْيَعُ". ثمَّ تُعِلُّه حملًا على الماضي، كما كان ذلك في مضارع فعل الفاعل، فتنقل فتحة العين إلى الفاء، فيصير "يُقَوْلُ" و"يُبَيْعُ". فتُقلَب الواو والياء ألفًا، لانفتاح ما قبلهما ولتحرُّكهما5 في الأصل؛ لأنَّ السكون عارض بسبب النقل، والأحسن في العارض ألَّا يُعتدّ به، فيقال: يُقالُ ويُباع.
وأمَّا اسم المفعول6 فإنَّه يأتي على وزن "مَفعُول" على قياس الصحيح، نحو "مَبْيُوع" و"مَقْوُول". فيُعلُّ حملًا على فعله، فتُنقَل حركة العين إلى الساكن قبل، فيصير "مقُوْوْل" و"مَبُيْوْع" فيجتمع ساكنان: واو "مَفعول" والعينُ، فتُحذَف واو "مَفعول"، فيُقال: مَقُولٌ، في ذوات الواو. وأمَّا "مَبُيْوْعٌ" فإنه إذا حُذِفت واو "مَفعول" قُلبت الضَّمَّة التي قبل العين كسرةً، لتصِحَّ الياء، فتقول:مَبِيعٌ. هذا مذهب الخليل وسيبويه7.
وأمَّا أبو الحسن8 فإنه ينقل9 الحركة من العين إلى الفاء، في ذوات الواو، فيلتقي له ساكنان، فيحذف العين فيقول: مَقُول. وفي ذوات الياء نحو "مَبْيُوع" ينقل10 الضَّمَّة من الياء

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 كذا، بإغفال ضمير الغائبات. وانظر ص288، 293، 296، 307.
2 المنصف 1: 253-255.
3 كول: أُعطي بالكيل.
4 م: الضَّمَّة.
5 م: ما قبلها لتحركها.
6 انظر المنصف 1: 269-272 والمقتضب لابن جني ص1-27. وقد سماه الناشر "المغتصب" خطأ.
7 الكتاب 2: 263 والمنصف 1: 287 والمقتضب ص1.
8 المنصف 1: 287-288 والمقتضب ص2.
9 م: فانه يقول ينقل.
10 م: تنقل.

 

ص -297-      إلى ما قبلها، ثمَّ يقلب1 الضَّمَّة كسرة لتصحَّ الياء فيلتقي الساكنان2: الياء وواو "مفعول"، فتُحذف الياء، فتجيء الواو ساكنة بعد كسرة، فتقلب الواو ياء، فيقول3 مَبِيعٌ.
فممَّا يُحتَجُّ4 به للخليل أنَّ الساكنين، إذا اجتمعا في كلمة، حُرِّك الثاني منهما دون الأول5، فكما يُوصل إلى إزالة التقائهما بتحريك الثاني منهما، كذلك يوصل إلى إزالة التقائهما بحذف الثاني منهما. وأيضًا فإنَّ حذف الزائد أسهل من حذف الأصل. فلذلك كان حذف واو "مفعُول" أسهلَ من حذف العين.
وأيضًا فإنهم [قد]6 قالوا7: "مَشِيبٌ" في مَشُوب، و"غارٌ مَنِيلٌ"8 في مَنُول، و"أرضٌ مَمِيتٌ عليها" في مَمُوت، و"مَرِيحٌ"9 في مَرُوح. فقلبوا الواو ياء شذوذًا. فدلَّ ذلك على أنَّ الواو المُبقاةَ هي العين، وأن المحذوفة واوُ "مفعول"؛ لأنهم قد قلبوا الواو التي هي عين ياءً، فقالوا "حِيرٌٌ" في حُور. أنشدَ أبو زيدٍ10.

عَيناءُ حَوراءُ, مِن العِينِ الحِيْرْ

ولا يُحفَظ قلب واو "مَفعول" ياءً، إِلَّا أن يُدغَم11 نحو: مَرمِيّ. وأيضًا فإن واو "مَفعُول" أقرب إلى الطَّرَف فحَذفُها أَسهلُ.
وأمَّا أبو الحسن فيستدلُّ12، على أنَّ المحذوف هو العين، بأنها لغَيرِ معنًى، وواوُ "مَفعولٍ" حرفُ معنًى13 يدلُّ على المفعوليَّة. فحَذفُ ما لا معنى له أسهلُ، كما أنَّه لمَّا اجتمعت التاءان

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 م: ثم تقلب.
2 م: ساكنان.
3 بالياء والتاء في ف.
4 انظر المنصف1: 209-291 وأمالي ابن الشجري 1: 200-210.
5 ومثله في المنصف 1: 290. وذلك نحو لم يردَّ ولم يلْدَهُ، ورُدَّ وانطلقَ في صيغة الأمر، حرك فيه الثاني لالتقاء الساكنين. وزاد ابن جني في المنصف "ولأبي الحسن أن يردَّ هذا ويقول:إنهما إذا التقيا في كلمة واحدة حذف الأول نحو: خفْ وقُلْ وبعْ. لا سيما إذا كان الثاني منهما جاء لمعنى نحو التنوين في غازٍ". وانظر أمالي ابن الشجري 1: 277-208 وشرح الشافية 2: 238-240.
6 من م.
7 الكتاب2: 363 والمنصف1: 289 و300 والمقتضب ص2-3.
8 المنيل: الذي ينال ما فيه.
9 الغصن المريح: الذي حركته الريح.
10 لمنظور بن مرثد. شرح المفصل 4: 114 و10: 79 والمخصص 1: 119 و4: 124. وكتاب مسائية بذيل النوادر ص236 والمنصف 1: 288 وأمالي ابن الشجري 1: 209 واللسان "حور". والحير: جمع حوراء.
11 زاد في م: "معًا". الصواب: في ياء.
12 أمالي ابن الشجري 1: 205.
13 سقط من م.

 

ص -298-      في "تَذَكَّرُونَ" ونحوه حُذفتِ الثانية، ولم تُحذف الأولى حيث كانت لمعنًى.
وللخليل أن يَفرق بينهما فيقول:1 إنَّ التَّاء الأولى في "تَذَكَّرُونَ" وأمثاله حرف منفرد, فلو حُذفتْ لم يبق ما يدلُّ على المعنى الذي كانت التاء تعطيه. وأنت إذا حذفت واو "مَفعُول" أبقَيتَ الميم تدلُّ على معنى المفعوليَّة.
فإن قال2: إنَّ الزِّيادة التي لمعنى إذا كانت معها زيادة أُخرى فإنهما يجريان مجرى الزِّيادة الواحدة؛ ألا ترى أنَّ المعنى يقع بمجموعهما؟ فإذا وقع3 بمجموعهما لم يَجُز أن تُحذف واحدة منهما، كما لم يجز أن تُحذف [43أ] الزيادة الواحدة؛ ألا ترى أنَّ الزيادتين إذا لحَقتا لمعنًى فحُذفت إحداهما حُذفت الأُخرى، نحو زيادتي "سَكران" إذا رخَّمته اسم رجل؟ وكذلك الزيادتان في "مَفعُول"، لو حذفتَ واحدة منهما للزمكَ حذفُ الأخرى. فللخليل أن يقول4:
لا تجري الزِّيادتان مجرى الزيادة الواحدة. بل يجوز حذف إحداهما وإبقاءُ الأُخرى، لتدلَّ على الأُخرى المحذوفة؛ ألا ترى أنهم قالوا: اسطاعَ يَسطِيعُ5، فحذفوا إحدى الزيادتين -وهي التاء6- وأبقوا السين، وهما جميعًا زِيدا لمعنًى، كما أنَّ الميم والواو في "مَفعول" كذلك؟ فأمَّا "سكران" وبابُه فإنَّما حُذفتا فيه معًا، لوقوعهما طرفًا غير مُفترقتينِ. فكان الحذف أغلب عليهما، إذ كان الطرف موضعًا تُحذف7 فيه الأصول في الترخيم والتكسير8. فالزِّيادتان في "مَفعول" أشبه بالزِّيادتين في "اسطاعَ" من زيادتي سَكران، لكونهما حشوًا في "مَفعول" كما أنهما في "اسطاع" كذلك.
فإن قيل: فقد9 وجدناهم حذفوا الأصل وأَبقَوُا الزيادة، لمَّا كانت لمعنًى، فقالوا "تَقَى" في اتَّقَى، فحذفوا التاء الأصليَّة وأبقوا تاء "افتعل". فالجواب أنَّ الذي حَمل على ذلك كونُ الزيادة مُنفَردةً.
وممَّا يدلُّ على صحَّةِ مذهب سيبويه والخليل، وفسادِ مذهب الأخفش، أنَّك إذا نقلتَ الضَّمَّة من العين إلى الفاء، في "مَفُعول" من ذوات الياء, اجتمع لك ساكنان: واو "مفعول"

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 أمالي ابن الشجري 1: 205.
2 المنصف 1: 289 وأمالي ابن الشجري 1: 205-206.
3 في النسختين: وقعت.
4 أمالي ابن الشجري 1: 205-207.
5 م: يُستطيع.
6 م: الياء.
7 م: "حذف". ونقل ابن عصفور نص أمالي ابن الشجري.
8 زاد في الأمالي: والتحقير.
9 أمالي ابن الشجري 1: 205 والمنصف 1: 290. م: قد.

 

ص -299-      والياءُ، فتحذف واو "مفعول" فتجيء1 الياء ساكنة بعد ضمَّة, قريبةً من الطرف، فتقلبُ الضَّمَّة كسرة، على مذهب سيبويه في الياء الساكنة بعد الضَّمَّة إذا كانت تَلي الطرف، فإنه تُقلب الضَّمَّة كسرة، مفردًا كان الاسم أو جميعًا، نحو "بِيض" جمع أبيضَ. أصلُه "بُيْضٌ" نحو حُمْر، ثمَّ قُلبتِ الضَّمَّة كسرة. وكذلك لو بَنيتَ من البياض2 اسمًا على "فُعْلٍ" لقلت: بِيضٌ. فالأصل في مَبِيع على أصله:3 "مَبْيُوْعٌ" ثمَّ "مَبُيْوعٌ" ثمَّ "مَبُيْعٌ" ثمَّ مَبِيْعٌ.
وأمَّا أبو الحسن الأخفش فيلزمه4، على مذهبه، أن يقول: مَبُوعٌ. وذلك أنَّ الأصل "مَبْيُوعٌ". فإذا نُقلت الضَّمَّة اجتمع له5 ساكنان، فيحذف الياء، فيلزمه أن يقول6: مَبُوعٌ. فإن قال: لا أحذف إِلَّا بعد قلب الضَّمَّة كسرة. فالجواب أن يقال له: لِمَ تَقلبُ الضَّمَّة كسرة, وأنت تزعم أنَّ الياء إذا جاءت ساكنة بعد ضمَّة في مُفرد فإنَّ الياء هي التي تُقلب واوًا، بشرط القرب من الطرف؟ فأمَّا مع البُعد فلا يجوز قلب الضَّمَّة كسرة، في مذهب أحد من النحويِّين.
فإن قلتَ7: فإنَّما قَلبتُ الضَّمَّة كسرة لتصحَّ الياء؛ لأنِّي لو لم أفعل ذلك، فقلت "مَبُوعٌ"، لالتبستْ ذوات الياء بذوات الواو. فالجواب أنَّ هذا القَدْر لو كان لازمًا لوجب أن تقول8 "مِيقنٌ" في مُوقِن, لئلَّا يلتبس بذوات الواو. فكما أنَّ العرب لم تفعل ذلك في مُوقِن، فكذلك لا تفعله في مَبِيع وأمثاله.
وثمرة9 الخلاف بين سيبويه وأبي الحسن تظهر في تخفيف مَسُوء وأمثاله. قال أبو الفتح في "القدّ"10 له: سألني أبو عليٍّ عن تخفيف مَسُوء. فقلت: أمَّا على قول أبي الحسن فأقول: رأيتُ مَسُوًّا11؛ لأنها عنده واو "مَفعول". وأمَّا على مذهب سيبويه فأقول: رأيت مَسُوًا، بتحريك الواو لأنها عنده العين. فقال لي أبو عليٍّ: كذلك هو، اللهمَّ إِلَّا أن تقول: إنهم حملوا الماضي على المضارع. وإذا كانت العرب قد حملت المضارع في الإعلال على

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 م: لمجيء.
2 أمالي ابن الشجري 1: 209 والمنصف 1: 300.
3 أي: على مذهبه والأصل الذي يعتمده في الإعلال.
4 م: فيلزم.
5 ف: لك.
6 أمالي ابن الشجري: 209.
7 أمالي ابن الشجري: 1: 209.
8 ف: يقول.
9 سقط من النسختين حتى قوله "في ثبات الواو"، وألحقه أبو حيان بحاشية ف.
10 القدّ: كتاب لابن جنِّي، يُسمى أيضًا "ذا القدِّ". الخزانة 2: 129.
11 علق عليه في الحاشية بما يلي: كما تقول في مقروء: مقروّ.

 

ص -300-      الماضي، مع أنَّ الأكثر على أنَّ المضارع...1 فالأحرى أن يُحمل الماضي على المضارع في ثبات الواو.
ويجوز الإتمام2 في "مَفعُول" من ذوات الياء، وهي لغة بني تميم. قال3:

وكأنَّها تُفَّاحةٌ, مَطْيُوبةٌ

وقال علقمة4:

[حَتَّى تَذكَّرَ بَيضاتٍ, وهَيَّجَهُ]                   يَومُ رَذاذٍ, علَيهِ الرِّيحُ, مَغْيُومُ.

والإِعلالُ أَفصحُ.
ولا يجوز الإتمام5 في ذوات الواو إِلَّا فيما سُمع. والذي سُمع من ذلك6: مِسكٌ مَدْوُوفٌ، قال الراجز7.

والمِسكُ في عَنبَرِه المَدْوُوفُ

والأشهر: مَدُوف. وقالوا: رَجلٌ مَعْوُودٌ وفَرَسُ مَقْوُودٌ وثَوبٌ مَصْوُونٌ وقولٌ مَقْوُولٌ. وإنَّما لم يَجزِ الإتمامُ8 في "مُفْعُول" من ذوات الواو، إِلَّا فيما شذَّ؛ لأنَّ الواو أثقل من الياء.
وخالفَ المبرّد9 كافَّة النَّحويِّين10، فأجاز الإتمام11 في ذوات الواو قياسًا على ما ورد.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 كلمة مخرومة لم أتبينها.
2 م: الإشمام.
3 أنشده الأصمعي عن أبي عمرو بن العلاء. المقتضب ص3 وشرح المفصل 10: 8 وشرح الملوكي ص353 والخصائص 1: 261 ومقتضب المبرد 1: 101 والمنصف 1: 286 وأمالي ابن الشجري 1: 210 والعيني 4: 574 والصحاح واللسان والتاج "طيب".
4 من مفضلية له. ديوانه ص56 والمفضلية 120 والمنصف 1: 286 وأمالي ابن الشجري 1: 210.
5 م: الإشمام.
6 المقتضب ص3 والمنصف 1: 285- 287 وأمالي ابن الشجري 1: 209.
7 المقتضب ص3 والمنصف 1: 285 والخصائص 1: 261 وشرح المفصل 10: 80 وشرح الملوكي ص355. واللسان والتاج "دوف". المدووف: المسحوق أو الممزوج أو المبلول. م: "المذروف" بالذال وكذلك فيما يلي.
8 جعله سيبويه مكروهًا. انظر الكتاب 2: 363 والخصائص 1: 98. م: الإشمام.
9 كذا. والصواب أنه الكسائي. انظر شرح الشافية 4: 149-150 والمقتضب 1: 99-103. وقد نقل أبو حيان إلى حاشية ف من خط ابن عصفور ما يلي: هذا الذي ذكرته عن المبرد هو الذي حكاه أبو الفتح عنه. وأمَّا الذي ذهب إليه أبو العباس في تصريفه فخلاف هذا. وذلك أنه إنَّما أجاز رد مبيع إلى أصله في الضرورة، ولم يجعله قياسيًّا، وحكى عن النحويين أجمعين أنهم يجيزون إتمام مفعول من ذوات الواو في الضرورة. وأجاز ذلك هو عند الضرورة، واحتج أنه قد جاء في الكلام مثله، لكنه معتل لاعتلال الفعل، والذي جاء في الكلام ليس على فعل. فإذا اضطر الشاعر أجرى هذا على ذلك. فمما جاء منه: النَّوُور وقولهم: سُرتُ سُوُورًا. ثمَّ قال: وهذا أثقل من مفعول من الواو؛ لأنَّ فيه واوين وضمَّة، وإنَّما ثَمَّ واوان بينهما ضمَّة.
10 انظر المقتضب ص3-4 والمنصف 1: 285.
11 م: إلاشمام.

 

ص -301-      منه، وقال: ليس بأثقلَ من: سُرتُ سُوُورًا1 وغارتْ عَينُه غُوُورُا؛ لأنَّ في "سُوُور" و"غُوُور" واوين وضمَّتين، وليس في "مَعْوُود"2 مع الواوين إِلَّا ضمَّة واحدة. وهذا الذي ذهب إليه باطل3؛ لأنَّ ما ورد من الإتمام4 في ذوات الواو من القلَّة بحيث لا يُقاس عليه.
وأمَّا احتجاجه بـ"سُوُور" و"غُوُور" فباطل؛ لأنَّ مثل "سُوُور" شاذٌّ، ولو لم يُسمع لما قيل. وأيضًا فإنَّ الضَّرورة دعت إلى ذلك في مثل "سُوُور"؛ لأنهم لو أَعلُّوا فأسكنوا الواو الأُولى، وبعدها واو ساكنة، لوجب حذف إحداهما، فيصير لفظ "فُعُول" و"فُعْل" واحدًا، فيقع اللَّبس. وكذلك أيضًا لو أَعلُّوا الواو في مثل "قَوُول" فقلبوها [43ب] ألفًا لالتقى ساكنان: الألف والواو، فيجب حذف أحد الساكنين، فيصير "فَعُول" و"فَعْل"5 في اللفظ واحدًا.
فيقع اللَّبس؛ لأنَّ المصدر قد يأتي على "فُعْل" كظُلْم، وكذلك الصفة قد تأتي على "فَعْل" كضَخْم. ولا يلزم شيء من ذلك في إعلال "مفعول"؛ لأنَّ اسم المفعول لا يأتي أبدًا من الفعل الثلاثي إِلَّا على وزن "مفعول". فإذا أعللته عُلم أنه مُغيَّر من ذلك6.
فإن وقعت الواو والياء عينين، في اسم على ثلاثة أحرف، فإنه لا يخلو من أن يكون على وزن من أوزان الأفعال، أو لا يكون.
فإن كان على وزن7 من أوزان الأفعال أُعلَّ الفعل، فقلبت الواو والياء ألفًا نحو: باب ودار وساق. فإنها في الأصل "بَوَبٌ" و"دَوَرٌ" و"سَوَقٌ"8، على وزن "فَعِلٍ"، فاستُثقل حرف العلَّة واجتماعُ المِثلَينِ -أعني الفتحتين- فقُلب حرف العلَّة ألفًا، كما فُعِل بـ"قالَ" و"باعَ". وكذلك: رجلٌ خافٌ ومالٌ، وكبشٌ صافٌ. الأصل فيها "خَوِفٌ" و"مَوِلٌ" و"صَوِِفٌ"، فاستُثقلت الكسرة في حرف العلَّة، فقُلب حرف العلَّة ألفًا،كما فَعلوا في الفعل نحو: خافَ وهابَ.
وكذلك لو أردت بناء اسم على "فَعِل" من البيع أو القول، لقلت: باعٌ وقالٌ، على قياس9: خافٍ وصافٍ. وكذلك لو جاء10 من المعتلِّ العين شيء على وزن "فَعُل"، بضمِّ العين،

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 م: سؤورًا.
2 م: مصوون.
3 المنصف 1: 285 والمقتضب ص3.
4 م: الإشمام.
5 م: وفَعَلَ.
6 م: فيقع اللبس ولا يلزم شيء من ذلك في إعلال مفعول.
7 سقط "من أوزان... على وزن" من م.
8 المنصف 1: 332.
9 م: على وزن.
10 المنصف 1: 334-335.

 

ص -302-      لوجب قلب حرف العلَّة ألفًا، كما وجب ذلك في "فَعَلٍ" و"فَعِلٍ" بفتح العين وكسرها، وإن لم يُحفظ1 شيء من ذلك في كلامهم.
فإن قيل: وما الدليل على أنَّ بابًا ودارًا وساقًا وأمثالها على "فَعَلٍ" بفتح العين، في الأصل، ولعلَّها مضمومة في الأصل أو مكسورة؟ فالجواب أنه لا بدَّ من ادِّعاء أنَّ العين متحرِّكة في الأصل؛ لأنَّ الألف لا تكون أبدًا أصلًا، إلَّا مُنقلبةً عن ياء أو واو، ولا يُمكن أن يُدَّعى قلبُ الألف في باب ودار وساق إِلَّا عن حرف علَّة متحرِّك، إذ لو كان ساكنًا في الأصل لصحَّ كما صحَّ قَوْلٌ وبَيْنٌ. فإذا ثَبَت أنه متحرِّك2 في الأصل فأولى ما يُدَّعى من الحركات الفتحةُ؛ لأنها أخفُّها؛ ولأنَّ "فَعَلًا"3 المفتوحَ العين أكثرُ من "فَعُلٍ" و"فَعِلٍ"، بضمِّ العين وكسرها.
وأمَّا4 خافٌ ومالٌ وصافٌ فالذي يدلُّ على أنَّها "فَعِلٌ"، في الأصل, أنَّها أَسماءُ فاعلِينَ، من "فَعِلَ" نحو: خافَ يَخافُ وصافَ يَصافُ ومالَ يَمالُ. فمجيء المضارع على "يَفعَلُ" دليلٌ على أنَّ الماضي على "فَعِلَ". واسم الفاعل من "فَعِلَ" يأتي على "فَعِلٍ" بكسر العين، نحو: فَرِقَ فهو فَرِقٌ وحَذِرَ فهو حَذِرٌ. ولا يأتي على "فَعَلٍ" ولا "فَعُلٍ" بضمِّ العين أو فتحها.
ولا تصحُّ العين في شيء، مما جاء على وزن الفعل، إِلَّا فيما5 كان مصدرًا لفعل لا يعتلُّ، نحو: العَوَرِ والصَّيَدِ؛ لأنهما مصدران لـ"عَوِرَ" وصَيِدَ"، فصَحَّا كما صحَّ فعلُهما. أو ما جاء شاذًّا6 -نحو: القَوَدِ والحَوَكةِ ورَوِعٍ وحَوِلٍ- فإنَّ العين صحَّت فيها7، وكان القياس إعلالها كما تَقَدَّمَ. وفي ذلك مَنْبَهة على ما ادَّعينا من أنَّ الأصل في باب: "بَوَبٌ"، وفي مال: "مَوَلٌ"، وأمثالهما.
فإن8 قال قائل: لأيِّ شيء لم تَجرِ هذه الأسماء التي هي على وزن الفعل، على أصلها فتصحَّ، ليكون ذلك فرقًا بينها وبين الفعل، كما فعلوا ذلك فيما لحقته الزوائد، فقالوا "هو أطوَلُ منه" فصحَّحوا، فرقًا بينه وبين "أطالَ" على ما تبيَّن في موضعه؟9 فالجواب أنَّ ما لحقته زيادة.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 في حاشية ف بخط أبي حيان: "حُفظ: هَيُؤَ الرجلُ فهو هَيِّئ: حَسُنَتْ هيئته. نقله ابن مالك". قلت: وهذا وهم، فالحاشية ليس لها علاقة بما يذكره ابن عصفور؛ لأنه يتحدث عن الاسم الذي على وزن "فعُل"، وما في الحاشية هذه خاص بالفعل. انظر ص289.
2 سقط من م.
3 ف: فعل.
4 المنصف 1: 333.
5 م: إِلَّا ما.
6 المنصف: 1: 333-334.
7 ف: فيهما.
8 سقط من النسختين حتى قوله "فأمن اللبس"، وألحقه أبو حيان بحاشية ف.
9 انظر ص313.

 

ص -303-      من الأسماء تبلغ به زِنةَ الأفعال لا ينصرف، فلو أعللته لالتبس بالفعل؛ لأنه لا يدخله خفض ولا تنوين كما أنَّ الفعل كذلك، وما كان على ثلاثة أحرف فالتنوين والخفض يفصلانَ بينه وبين الفعل، فأُمِنَ اللَّبس.
فإن لم يكن على وزن فعل من الأفعال فإنه لا يعتلُّ، ولا يُغيَّر عن بنائه الأصليِّ1 بل يجري مجرى الصحيح نحو: سُوَلةٍ2 وعُيَبةٍ3 وحِوَلٍ4 وصِيَرٍ5، وكذلك إذا بنيت6 من القول أو البيع مثل "إِبِل" قلتَ7: قِوِلٌ وبِيِعٌ. إِلَّا أن يكون الاسم على "فُعُل" بضمِّ العين والفاء من الواو، أو "فُعْلٍ" من الياء بضمِّ الفاء وإسكان العين، أو "فِعَلٍ" من الواو بكسر الفاء وفتح العين، جمعًا لاسم قد اعتلَّت عينه فقُلبت الواو فيه ألفًا وياء، أو "فِعْلٍ" من الواو بإسكان العين وكسر الفاء.
فإن كان على "فُعُلٍ" من الواو فإنه يخالف الصحيح، في التزام إسكان عينه8. فتقول في جمع نَوارٍ: "نُوْرٌ"، وعَوانٍ: "عُوْنٌ"، وسِوارٍ: "سُوْرٌ"، بالإسكان ليس إلَّا. وليس كذلك الصحيح، بل يجوز فيه التحريك والإسكان نحو: رُسْل ورُسُل. وذلك أنه لمَّا انضاف إلى ثقل الضَّمَّة ثقلُ الواو لم يجزْ إِلَّا السكونُ؛ لأنَّه كلَّما كثر الثقل كان أدعى للتخفيف.
ولا يجوز تحريك العين من "فُعُلٍ" المعتلِّ العين، إِلَّا في ضرورة، نحو، قوله9:

عَن مُبْرِقاتٍ بالبُرِينَ, وتَبـ                ـدُو في, الأكُفِّ اللَّامِعاتِ, سُوُرْ10

وقولِ الآخر11:

أَغَرُّ الثَّنايا, أحَمُّ اللِّثا                       تِ, تَمنَحُهُ سُوُكَ الإِسحِلِ


ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 المنصف 1: 335-336.
2 السولة: الكثير السؤال، من: سِلتَ تَسالُ.
3 العيبة: الكثير العيب للناس.
4 الحول: التحول والحذق.
5 الصير: جمع صيرة، وهي الحظيرة. م: "صيَد" وفي حاشية ف "سيبويه: وبِيَع ودِيَم". انظر الكتاب 2: 368.
6 م والمنصف: إذا أردت.
7 م: فقلت.
8 المنصف 1: 336 والكتاب 2: 368-369.
9 عدي بن زيد. ديوانه ص127 والكتاب 2: 368 وشرح الشافية 2: 127 و3: 146 وشرح شواهده ص121-125 والمنصف 1: 338 ورسال الغفران ص179 وشرح المفصل 10: 84. والمبرقات: النساء المتزينات المتعرضات. والبرون: جمع برة. وهي الخلخال.
10 م: بالبرير وتبدو وفي.
11 عبد الرحمن بن حسان. ديوانه ص48 والمقتضب 1: 113 وشرح شواهد الشافية ص122 والمنصف 1: 338 وشرح المفصل 10: 84 واللسان والتاج "سوك" والعيني 4: 350-351. والأحمّ: من الحمّة، وهي لون بين الدهمة والكمتة. والإسحل: شجر تتخذ منه المساويك.

 

ص -304-      وليس الأمر كذلك1 في "فُعُلٍ" الذي عينه ياء. بل يجوز [فيه]2 التحريك والتسكين، نحو: عِيَان3 وعُيُن. وقالوا: بَيُوضٌ4 وبُيُضٌ. فإذا سَكَّنتَ الياء [44أ] كان حكمه حكم "فُعْلٍ" بسكون العين، ممّا عينه ياء، وسيُبيَّنُ حكمه.
فإن قيل: ولأيِّ شيء لم يَفِرُّوا من الواو المضمومة في [مثل]5 سُوُك إلى الهمزة، كما قالوا: أدْؤُرٌ وأَنْؤُرٌ، في جمع دار ونار؟ فالجواب6 أنه لا يُبدل من الواو المضمومة همزة، إِلَّا حيث لا يمكن تخفيفها بالإسكان نحو أَدْوُر؛ لأنَّك لو سكَّنت7 الواو لالتقى ساكنان. وليس كذلك سُوُر وعُوُن. وقد يجوز أن تُبدل الواو همزة، وإن أمكن التسكين. فقد حُكي: جَوادٌ وجُؤُدٌ وجُوْدٌ، بالهمزة وبإسكان الواو.
فإن كان على "فُعْلٍ" وعينه ياءٌ فلا يخلو من أن يكون مفردًا أو جمعًا.
فإن كان جمعًا قُلبتِ الضَّمَّة كسرة، لتصحَّ الياء، نحو: أَبيَض وبِيض. أصله "بُيْضٌ" كحُمْر، فقُلبت الضَّمَّة كسرة. وذلك أنَّ الياء8 لمَّا كانت تلي الطَّرف عُوملت معاملة الطرف. فكما أنَّ الياء إذا كانت طرفًا وقبلها ضمَّة تُقلب9 الضَّمَّة كسرة نحو "أَظْبٍ" في جمع ظَبْيٍ، أصله "أَظْبُيٌ" نحو "أَفْلُس"، فكذلك إذا كانت تلي الطرف، لا خلاف بين النَّحويِّين في ذلك.
وإن كان مفردًا فحكمه عند سيبويه والخليل كحكم الجمع. فإذا بنيتَ من البياض اسمًا على "فُعْل" قلتَ: بِيضٌ. فـ"ديكٌ"، على مذهب سيبويه، يحتمل أن يكون "فُعْلًا" و"فِعْلًا". وأبو الحسن يَقلب الياء واوًا، ويقرّ الضَّمَّة، فيقول: بُوضٌ. ولا يكون "دِيك" عنده إِلَّا "فِعْل". وحجَّته أنَّ قلب الضَّمَّة كسرة قد استقرَّ في الجمع, نحو "بِيض" في جمع أَبيَض, ولم يستقرَّ في المفرد, والقياس10 يقتضي التفرقة؛ لأنَّ الجمع أثقل من الواحد, فهو أدعى للتخفيف. فلذلك قُلبت الضَّمَّة كسرة في الجمع لتصحَّ الياء، ولم تُقلب الياء واوًا؛ لأنَّ الياء أخفُّ من الواو. وأمَّا المفرد فلِكونه أخفَّ من الجمع يُحتمل فيه الواو.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 المنصف 1: 339-340 وشرح الشافية 3: 87.
2 سقط من النسختين.
3 العيان: حديدة في متاع الفدان. م: عَيان.
4 البيوض: الدجاجة الكثيرة البيض.
5 من م.
6 المنصف 1: 337-338.
7 ف: أسكنت.
8 م: الواو.
9 م: نقلت.
10 المنصف 1: 299-300.

 

ص -305-      والصحيح ما ذهب إليه سيبويه، بدليل ما ذكرناه1 في مَبِيع وأمثاله, من أنه لمَّا اجتمع ساكنان وحُذفت الواو -على مذهب سيبويه- جاءت الياء ساكنةً، وقبلها ضمَّة تلي الطَّرف، فقُلبت الضَّمَّة كسرة لتصِحَّ الياء. وقد تَقَدَّمَ الديل على صحَّةِ ذلك. فكذلك في "فُعْل" من الياء, ينبغي أن تُقلب الضَّمَّة كسرة لتصحَّ الياء. فأمَّا2 قوله3.

وكُنتُ, إِذا جارِي دَعا لِمَضُوفةٍ,              أُشَمِّرُ, حَتَّى يَنصِفَ السَّاقَ مِئزَرِي

فقَلبَ الياء من مَصُوفة واوًا، وأَقَرَّ الضَّمَّة مع كون الياء تلي الطَّرف؛ لأنَّ الأصل "مَضْيُفةٌ" لأنَّه من "ضافَ يَضِيفُ"، ثمَّ نُقلت الضَّمَّة إلى الساكن قبلها4، فصار "مَضُيْفة" فجاءت الياء ساكنة بعد ضمَّة5، ثمَّ قُلبت الياء واوًا، فشاذٌّ لا يُعرَّج عليه. بل ينبغي أن يُعوَّل على باب: مَبِيع ومَكِيل؛ لأنَّه مطَّرد.
وكذلك ما حكاه6 الأصمعيُّ، من أنهم يقولون للريح الحارَّة: هَيْفٌ وهُوْفٌ. فلا حجَّةَ فيه لأبي الحسن، في قوله في "فُعْل" من البيع: "بُوْعٌ"، فيَقلبَ الياء واوًا [ويُقرَّ الضَّمَّة]7، لاحتمال أن يكونا لغتين، فيكون هَيْفٌ من ذوات الياء، وهُوْفٌ من ذوات الواو، نحو:8 التِّيهِ والتُّوهِ. ويحتمل أن يكون الهَيفُ والهُوفُ معًا من ذوات الواو، فيكون أصل هَيْف: "هَيْوِف" مثل مَيّت, ثمَّ أُدغمت الياء في الواو فقُلبت الواو ياء فصار "هَيِّف" وحُذفتْ، فقالوا9: هَيْف، كما قالوا: مَيْت.
وإن كان10 على "فِعَل" من الواو، بكسر الفاء وفتح العين، جَمعًا لِما قُلبت فيه الواو ياءً أو ألفًا، فإنَّ الواو تَنقلب فيه ياءً لانكسار ما قبلها، مع أنهم أرادوا أن تعتلَّ في الجمع كما اعتلَّت في المفرد. وذلك [نحو]11: قامَة وقِيَم ودِيمَة ودِيَم وقِيمَة وقِيَم. والأصل "قِوَمٌ" و"دِوَمٌ"؛ لأنهما من: قامَ يَقُومُ ودامَ يَدُومُ.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 في الورقة 43.
2 المنصف 1: 300-301.
3 لأبي جندب الهذلي. خرجناه في شرح اختيارات المفضل ص120.
4 ف: قبله.
5 سقط "فجاءت الياء ساكنة بعد ضمة" من م.
6 المنصف 1: 299.
7 من م.
8 م: ونحو.
9 م: مثل ميت فقلبت الواو وحذفت فقالوا.
10 المنصف 1: 344-345 وشرح الشافية 3: 137-139.
11 سقط من النسختين.

 

ص -306-      فإن كانت الواو لم تعتلَّ في المفرد لم تعتلَّ في الجمع1، نحو: زَوج وزِوَجة وعُود وعِوَدة، إِلَّا لفظةً واحدةً شَذَّتْ وهي: ثَورٌ وثِيَرةٌ. فذهب2 أبو بكر إلى أنَّ الذي أوجب قلبَ الواو ياءً أنَّ الأصل "ثِيارَةٌ" كحِجارة وذِكارة3، فقلبت الواو ياء لأجل الألف التي بعدها. كما قلبت4 في سياط جمع سوط، على ما يُبيَّن بعدُ5. فلمَّا قَصَره منه6 بقيت الياء، تنبيهًا على أنَّه مقصور من ثِيارة7, كما صَحَّ "عَوِرَ"8 حملًا على "اعْوَرَّ".
وذهب9 المبرّد إلى أنهم أرادوا أن يفرِّقوا بين جمع "ثَور" الذي هو الحيوان، والثَّور الذي يراد به القطعة من الأَقِط10، فقالوا في الحيوان: ثِيَرة، وفي الأقط: ثِوَرة، كما قالوا: نَشيانُ للخَبَرِ11، وأصله نَشْوان، فرقًا بينه وبين نَشوانَ بمعنى سكران.
ومنهم من 12 ذهب إلى أنَّ الأصل "ثِوْرة" بالإسكان، فقُلبت الواو ياء لوقوعها ساكنة بعد كسرة، ثمَّ حرّك بالفتح [44ب]، وأُبقي13 الياء؛ لأنَّ الأصل الإسكان.
ومنهم من علَّل ذلك بأنهم قد قالوا ثِيْرة وثِيرانٌ فقلبوا الواو ياء، فأحبُّوا أن يُجروا جمعه كلَّه على الياء، فقالوا: ثِيَرة، كما قالوا: ثِيْرة14 وثِيران، كما حملوا: أَعِدُ وتَعِدُ ونَعِدُ، على "يَعِدُ".
وكلُّ ذلك توجيهُ شذوذٍ.
وكذلك لو كان "فِعَلٌ" من ذوات الواو مفردًا لم تقلب واوه ياء، نحو: طِوَل15.
فإن كان الاسم على "فِعْلٍ" من الواو، بكسر الفاء وإسكان العين، قُلبت الواو ياء لانكسار ما قبلها، نحو: قِيْلٍ. أصله "قِوْلٌ" لأنَّه من القول.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 المنصف 1: 345-349.
2 المنصف 1: 347.
3 الذكارة: جمع الذكر. م: دكارة.
4 م: تقلب.
5 في الورقة 46.
6 المنصف: فلما قصرت الكلمة بحذف الألف.
7 م: ثيار.
8 م: "عِور". وانظر ص309.
9 المنصف 1: 346-347 وشرح المفصل 10: 88.
10 الأقط: ضرب من الطعام.
11 النشيان للخبر: الذي يتخبر الخبر أول وروده.
12 كذا. ونسب ابن جني هذا المذهب إلى المبرد أيضًا، انظر المنصف 1: 346-347 و349 حيث ضبطت "ثورة" بفتح الواو خطأ.
13 م: وإبقاء.
14 سقط "كما قالوا ثيرة" من م.
15 الطول: الحبل الطويل جِدًّا.

 

ص -307-      فإن وقعت الواو أو الياء1 عينًا في فعل، على أزيدَ من ثلاثة أحرف، فإنه لا يخلو أن يكون ما قبل حرف العلَّة ساكنًا أو متحرِّكًا.
فإن كان متحرِّكًا -وذلك في "انفَعَلَ" و"افتَعَلَ" نحو: انقادَ واقتادَ واختارَ- فإنك2 تُعامل ما بعد الساكن معاملةَ فعل، على ثلاثة أحرف. وذلك أنَّ الأصل "انقَوَدَ" و"اقتَوَد" و"اختَيَرَ"، فعاملتَ "قادَ" مِن "انقاد"، و"تادَ" مِن" اقتاد"، و"تارَ" مِن "اختار"، معاملة: قالَ وباعَ، فأعللتَ كما أعللتهما.
ولا يصحُّ شيءٌ من ذلك، إِلَّا أن يكون في معنى ما لا يعتلُّ، نحو3: اجتَوَرُوا واهتَوَشُوا واعتَوَنُوا؛ لأنها في [معنى]4: تَجاوَرُوا وتَعاوَنُوا وتَهاوَشُوا؛ ألا ترى أنَّ الفعل فيه ليس فعلَ واحدٍ؟ فبابُه أن يكون على وزن "تَفاعَلَ". وكذلك جميع ما يأتي على معنى "تَفاعَلَ" لا يُعلُّ شيء منه كما لم يعلَّ: عَوِرَ وصَيِدَ؛ لأنهما في معنى5: اعوَرَّ واصيَدَّ.
إِلَّا أنك إذا أسندتَهما6 إلى ضمير متكلِّم أو مخاطَب7 لم تُحوِّل الفتحة التي في العين إذا كانت واوًا ضمَّة، أو ياءً كسرةً، كما فعلتَ ذلك في "قُلتُ" و"بِعتُ" بل تقول: انقَدْتُ واختَرْتُ8، فتُسكِّن آخر الفعل للضمير، وما قبلَه ساكن فتحذفُه لالتقاء الساكنين من غير تحويل.
وإنَّما لم تُحوِّل لأنك لو حوَّلتَ في ذوات الواو حركة العين ضمَّةً لنقلتَ "انفَعَلتُ" و"افتَعَلتُ" إلى "انفَعُلَ" و"افتَعُلَ"، وهما بناءان غير موجودين. وكذلك لو حوَّلتَ في ذوات الياء حركة العين كسرةً لنقلتَهما إلى "انفَعِل" و"افتَعِل"9، وهما بناءان غير موجودين. فلمَّا كان النقل يؤدِّي إلى بناء غير موجود لم يجُز. وليس10 كذلك "فَعَلَ"؛ لأنَّه إذا حُوِّل إلى "فَعُلَ" بضمِّ العين، أو "فَعِلَ" بكسرها، كان محوَّلًا إلى بناءٍ موجودٍ.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ف. والياء.
2 المنصف 1: 306.
3 المنصف 1: 305-306.
4 من م.
5 علق عليه أبو حيان في حاشية ف بما يلي: "حَمَلَ بعدُ افعلَّ على عَوِرَ وصَيِدَ. فانظره" قلت: انظر ص312.
6 المنصف 1: 292-294.
7 أغفل نون النسوة الغائبات. وانظر ص288 و293 و296 و297.
8 زاد ههنا في ف: "فتنقل الحركة من حرف العلة إلى ما قبله". وهذا وهم.
9 م: افتعَل.
10 م: وليست.

 

ص -308-      وإذا بَنيتَه للمفعول1 عاملت ما بعد الساكن معاملة الفعل على ثلاثة أحرف. فمن قال في "قال" و"باع". قِيلَ وبِيعَ، قال: انقِيْدَ اختِيْرَ واقتِيْدَ. ومن أشار إلى الضَّمَّة هنالك فأشَمَّ أَشَمَّ هنا. ومن قال: قُوْلَ وبُوْعَ، قال: انقُوْدَ واختُوْرَ واقتُوْدَ2.
وكذلك إذا أسندته إلى ضمير المفعول المتكلِّم أو المخاطَب3 قلت: "اختُرْتُ"، على لغة من قال: اختُوْرَ.ومن أَشَمَّ فقال: اختِيْرَ، قال "اختِرْتُ" فأشَمَّ. ومن تَرك الإشمام فقال: اختِيْرَ، تركَ الإشمام فقال: "اختِرْتُ"؛ لأنَّه لا يدخله لبس كالذي يدخل في "بِعْتُ". والعمل في إعلال ذلك كلِّه كالعمل في إعلال: قِيلَ وبيعَ، وقد تَقَدَّمَ4.
وكذلك المستقبلُ5 مبنيًّا كان للفاعل أو المفعول واسمُ الفاعل والمفعولِ، يجري ما بعد الساكن في جميع ذلك مجرى الفعل على ثلاثة أحرف، فتقول: يَنقادُ ويُنقادُ ويَقتادُ ويُقتادُ6 ومُقتادٌ ومُنقادٌ. فتُجري7 "قادَ" و"تادَ" في جميع ذلك مُجرى: قالَ وباعَ.
وإن كان ما قبل حرف العلَّة ساكنًا فلا يخلو أن يكون الساكن حرف علَّة، أو حرفًا صحيحًا. فإن كان حرفَ علَّةٍ فإن العين لا تعتلُّ أصلًا. وذلك نحو8 "فاعَلتُ" و"تَفاعَلتُ"9 و"فَعَّلتُ"10 و"فَيعَلتُ"، جميعُ ذلك لا تعتلُّ11 فيه العين, وذلك نحو: سايَرتُ وتَسايَرَ وعاوَنتُ وتَعاوَنَ وقَوَّمتُه ومَيَّزتُه12. وإنَّما لم تَعتلَّ العين؛ لأنَّ ما قبلها ساكن. فلو أسكنتها لالتقى ساكنان فيجب الحذف، فيصير لفظ "فاعَلَ" كـ"فَعَلَ"، نحو: سايَرَ لو قلبتَ الياء ألفًا ثمَّ حَذفتَها لالتقاء الساكنين لقلتَ "سارَ". وكذلك "فَعَّل" و"فَيعَلَ" لو أعللتَ العين، فقلبتها ألفًا ثمَّ حَذفتَها، أو الساكنَ قبلها، لصار اللفظ بهما كاللفظ بـ"فَعَل" أو بـ"فَعْلَ". فكنت

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 المنصف 1: 293-294.
2 م: انقَود واختَور واقتَود.
3 أغفل ضمير الإناث الغائبات. وانظر ص288و293 و296 و297.
4 في الورقة 42.
5 المنصف 1: 293.
6 م: وتقتاد.
7 م: فيجري.
8 المنصف 1: 302-303.
9 في المنصف: تفاعلنا.
10 زاد في المنصف "تفعَّلنا" ولم يذكر "فيعلت".
11 ف: لا يعل.
12 ف: صيرته.

 

ص -309-      تقول في: مَيَّزَ1 وقَوَّمَ، لو حذفت الساكن الأوَّل بعد إعلال العين2: "مازَ"3 و"قامَ". ولو حذفت العين لقلت: "مَيْزَ"4 و"قَوْمَ". فلمَّا كان الإعلال يؤدِّي إلى لحذف والإلباس لم تُعِلَّ شيئًا5 من ذلك. إِلَّا أنك تقلب الواو ياء في "فَيْعَلَ" ممّا عينه واو، لاجتماع الياء والواو وسبقِ الياء بالسكون، فتقول في "فَيْعَلَ" من القَول: قَيَّلَ.
وكذلك [45أ] تصحُّ6 في المضارع، وفي الفعل المبنيِّ للمفعول، واسم الفاعل والمفعول، كما صحَّت في الفعل [الماضي المبنيِّ للفاعل]7، فتقول8 في الماضي المبنِيِّ للمفعول: سُوْيِرَ وعُوْوِنَ9، وتُسُوْيِرَ وتُعُوْوِنَ، وقُوِّمَ ومُيِّزَ. وفي "فُيْعِلَ"10 من القول: قُوْوِلَ، فتقلب ياءَ "فُيْعِل" واوًا لسكونها وانضمام ما قبلها11، كما فعلت ذلك في بُوطِرَ.
ولا تُدغِم الواو من: سُوْيِرَ وعُوْوِنَ وتُسُوْيِرَ وتُعُوْوِنَ؛ لأنها بَدَلٌ من الألف في "سايَرَ" و"تَسايَرَ" و"عاوَنَ" و"تَعاوَنَ". فكما لا تُدغم الألف في الياءِ [أو الواو]12 فكذلك ما هو بدل منها، وكذلك [أيضًا]13 لا تدغم الواو من "قُوْوِلَ" في الواو التي بعدها؛ لأنها لمَّا صارت مَدَّة أَشبهتِ الواو المنقلبة من الألف في "سُوْيِرَ" وأمثالِه، فلم تُدغِم كما لم تُدغِم 14 واو "سُوْيِرَ" فيما بعدها.
وكذلك حكم كلِّ حرف قد كان لغير المدِّ ثمَّ صار في بعض المواضع مدَّة، لا يُدغَم لشَبَهِه بالألف في "فاعَلَ"، من حيث هو للمدِّ ولا يلزم كما لم تلزم الألف. فإن كان حرف المدِّ لازمًا أُدغم نحو: مَغْزُوّ، أُدغِمت واو "مفعول" في الواو التي بعدها، لمَّا كانت لازمة لكونها في لفظ لا يتصرَّف.
[وتقول]، في المضارع واسم الفاعل والمفعول: يُسايِرُ15 ويُسايَرُ ويُعاوِنُ ويُعاوَنُ,

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 م: مير.
2 ف: بعد الإعلال في العين.
3 م: مار.
4 م: مير.
5 ف: لم يعل شيء.
6 ف: يصح.
7 تتمة يقتضيها السياق.
8 زاد في م: سوير.
9 ف: "عوور" بالراء. وكذلك فيما يلي.
10 كذا. دون قلب الياء واوًا، لبيان لفظ الأصل.
11 م: لسكون ما قبلها.
12 تتمة يقتضيها السياق.
13 من م.
14 م: لم يدغم.
15 م: ويسايِر.

 

ص -310-      [ويَتسايَرُ]1 ويُتسايَرُ، ويَتعاوَنُ ويُتعاوَنُ، ويُقَوِّمُ ويُقَوَّمُ، ويُمَيِّزُ ويُمَيَّزُ، ومُسايِرٌ ومُسايَرٌ2، ومُعاوِنٌ ومُعاوَنٌ، ومُتسايِرٌ ومُتسايَرٌ، ومُتعاوِنٌ ومُتعاوَنٌ عليه، ومُقَوِّمٌ ومُقَوَّمٌ3، ومُميِّزٌ ومُميَّزٌ. فلا تعتلُّ العين في شيء من ذلك.
وتقول في المضارع من "فَيعَلَ" واسم الفاعل واسم المفعول: يُقَيِّلُ ويُقَيَّلُ ومُقَيِّلُ ومُقَيَّل. فتُدغم ياء "فَيْعَلَ": في الواو فتقلبها ياءً، ولا تُعِلّ4 العينَ بأكثرَ من قلبها ياءً، كما كان ذلك في الماضي المبنِيِّ للفاعل.
وإن كان الساكن حرفًا صحيحًا فلا يخلو أن يكون الفعل على وزن "افعَلَّ" أو "افعالَّ"، أو على غير ذلك من الأوزان.
فإن كان على غير ذلك من الأوزان -وذلك "أَفْعَلَ" و"استَفْعَلَ"- فإنك تنقل الفتحة من حرف العلَّة إلى الساكن قبله، وتقلب حرف العلَّة ألفًا. وذلك نحو: أقامَ واستَقامَ وأبانَ واستَبانَ. الأصل "أَقْوَمَ" و"استَقْوَمَ" و"أَبْيَنَ" و"استَبْيَنَ". فنقلتَ الفتحة من حرف العلَّة إلى الساكن قبله، فصار "أَقَوْمَ" و"استَقَوْمَ" و"أَبَيْنَ" و"استَبَيْنَ". فانْفَتحَ ما قبل الواو والياء في اللفظ، وهما متحرِّكان في الأصل, والسكونُ عارضٌ، فقَلبتَ حرف العلَّة ألفًا، لانفتاح ما قبله في اللفظ وتحرُّكه في الأصل.
فإن قيل: ولأيِّ شيءٍ أُعِلَّ حرف العلَّة وما قبله ساكن؟ فالجواب أنَّه حُمِلَ عليه قبل لحاقِ الزِّيادة له؛ لأنَّ الزِّيادة في "أَقامَ" و"استَقامَ" لحقَتْ "قامَ". وكذلك ما كان نحوَهما.
وكذلك أيضًا تفعل بالمضارع، فتقول: يُقِيمُ ويُقامُ، ويَستَقِيمُ ويُستَقامُ. والأصل "يُقْوِمُ" و"يُقْوَمُ"، و"يَستَقْوِمُ" و"يُستَقْوَمُ". فنقلتَ حركةَ حرف العلَّة إلى الساكن قبله، حملًا على مضارع الثلاثيِّ غير المزيد نحو: يَقُومُ ويَخافُ.
فإن جاءت الواو ساكنة بعد كسرة قُلبت ياء، نحو: يُقِيمُ ويَستَقِيمُ. وإن جاءت الياء5 ساكنة بعد كسرة ثَبَتَتْ، نحو: يُبِينُ ويَستَبِينُ.
وإنْ جاءت الياء أو الواو بعد فتحة قُلبت6 ألفًا، لانفتاح ما قبلها في اللفظ وتحرُّكها7 في

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 تتمة يقتضيها السياق.
2 م: ومسايَر ومسايِر.
3 زاد في م: عليه.
4 ف: ولا تعتلّ.
5 سقط "ساكنة بعد كسرة... الياء" من م.
6 م: قبلتا.
7 م: وتحركهما.

 

ص -311-      الأصل، نحو: يُقامُ ويُستَقامُ، ويُبانُ ويُستَبانُ.
وكذلك اسم الفاعل واسم المفعول، تُعِلُّهما حملًا على الفعل. وذلك نحو: مُستَبِين ومُستَبان، ومُستَقِيم ومُستَقام، ومُقِيم ومُقام، ومُبِين ومُبان, الأصل "مُستَقْوِمٌ" و"مُستَقْوَمٌ"1، و"مُستَبْيِنٌ" و"مُستَبْيَنٌ"، و"مُقْوِمٌ" و"مُقْوَمٌ"، و"مُبْيِنٌ" و"مُبْيَنٌ". فعَمِلتَ بهما ما عملت بالمضارع.
ولا يصحُّ شيء من ذلك، إِلَّا أن يكون فعلَ تعجُّب2، نحو: ما أَقْوَلَهُ وما أَطْوَلَهُ! وأَقْوِلْ به وأطْوِلْ بِهِ! فإنه يصحُّ لشَبَهِه بـ"أَفْعَلَ" التي للمفاضلة، نحو: هو أَقوَلُ منه وأَطوَلُ. ووجه الشَّبه بينهما أنهما لا يُبنيان إِلَّا من شيء واحد، وأنَّ فعلَ التعجُّب فيه تفضيل للمتعجَّب منه على غيره3، كما أنَّ "أَفعَلَ" يقتضي التفضيل، وأنَّ فعل التعجُّب لا مصدر له ولا يتصرَّف، فصار بمنزلة الاسم4 لذلك.
وما عدا فِعلَ التعجُّب لا يصحُّ إِلَّا فيما شذَّ.والذي شذَّ من5 ذلك: استَنْوَقَ الجَمَلُ واستَصْوَبتُ6 رأيَهُ -حكاهما ابنُ مِقسَم عن ثعلب7- واستَتيَسَتِ الشَّاةُ واستَرْوَحَ8 واستَحْوَذَ. ولا يُحفَظُ في شيء من ذلك [45ب] المجيءُ على الأصل.
وشذَّ من "أَفْعَلَ": أَطْيَبَ وأَجْودَ وأَغْيَلَتِ المَرأة وأَطْوَلْتَ. قال9:

صَدَدْتَ, فأطْوَلتَ الصُّدُودَ, وقَلَّما                وِصالٌ, علَى طُولِ الصُّدُودِ, يَدُومُ

 وقد سُمِعَ: أَطالَ وأَجادَ وأَطابَ. وأمَّا "أَغْيَلَ" فلا يحفظُ فيه كافَّةُ النَّحويِّين إِلَّا التَّصحيحَ، إِلَّا أبا زيد الأنصاري فإنه حكى: أغْيَلَتِ المرأةُ وأَغالَتْ بالتَّصحيح والإعلال.
وجميع هذه الشواذِّ مَنْبَهةٌ على ما ادَّعيناه، من أنَّ أصل10 أَقامَ: "أَقْوَمَ"، واستقامَ: "استَقْوَمَ".

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ف: يستقوم ويُستقوم.
2 المنصف 1: 315-321.
3 سقط "على غيره" من م.
5 المنصف 1: 276- 279.
6 م: استضويت.
7 مجالس ثعلب ص470 والمنصف 1: 277.
8 سقط من م.
9 ينسب إلى عمر بن أبي ربيعة والمرار الفقعسي. الكتاب 1: 12 و459 وشرح أبياته 1: 104 والأغاني 10: 315 والمقتضب 1: 84 والإنصاف ص84 والمغني ص339 وشرح شواهده ص717 وشرح أبياته 5: 246 وديوان المرار ص480 والمنصف 1: 191 و2: 69 والمحتسب 1: 96 والخصائص 1: 143 و257 وديوان عمر ص 494 والخزانة 4: 287-290 وشرح المفصل 10: 76. وفي حاشية ف بخط أبي حيان عن إيجاز التعريف لابن مالك بعض ما شذ في تصحيحه تنبيهًا على خفته، وأنَّ أبا زيد جعله قياسيًّا لا سماعيًّا.
10 المنصف 1: 190-191.

 

ص -312-      وإن كانَ على وزن "افعَلَّ" أو "افعالَّ"، نحو: ابيَضَّ وابياضَّ، واعوَرَّ واعوارَّ، فإنَّ العين تصحُّ ولا تَعتلُّ1. وإنَّما لم تعتلَّ؛ لأنَّك لو أعللتَ "ابيَضَّ" و2 "اعوَرَّ" لقلتَ "باضَّ" و"عارَّ"، فيلتبس بـ"فاعَلَ". وذلك أنك كنت تنقل الفتحة من الياء والواو إلى الساكن قبلهما، وتحذف ألف الوصل لزوال الساكن، وتقلب الواو والياء ألفًا، لتحرُّكهما في الأصل وانفتاح ما قبلهما في اللفظ.
وكذلك لو أَعللَت "ابياضَّ" واعوارَّ" لَلِزمك أن تقول "باضَّ" و"عارَّ" فيلتبس بـ"فاعَلَ". وذلك أنك إذا فعلت بهما3 ما فعلتَ بـ"افعَلَّ" التقى ساكنان: ألف "افعالَّ" والألفُ المبدلة، فتحذف إحداهما، فيصير اللفظ "باضَّ" و"عارَّ".
وممّا يوجب أيضًا تصحيحَ "افعلَّ" و"افعالَّ" أنَّ المزيد إنَّما اعتلَّ بالحمل على غير المزيد، [وغيرُ المزيد]4 ممّا هو في معنى "افعَلَّ" و"افعالَّ" لا يعتلُّ5 نحو: عَوِرَ وصَيِدَ. فليس لـ"افعَلَّ" و"افعالَّ" ما يُحملان عليه في الإعلال.
فإن كان الاسم على أزيدَ من ثلاثة أحرف فلا يخلو من أن يكون موافقًا للفعل في وزنه، أو لا يكون. فإن كان موافقًا للفعل في وزنه6 -وأعني بذلك أن يكون عدد حروفه موافقًا لعدد حروف الفعل، وحركاتُه كحركاته وسكناتُه كسكناته– فلا يخلو من أن يكون موافقًا للفعل في جنس الزيادة فلا7 يخلو من أن يكون إعلاله إعلالَ الفعل مصيِّرًا له على لفظ الفعل، أو لا يكون.
فإن لم يكن مصيِّرًا له على لفظه أعللته لأمن اللَّبس. وذلك نحو أن تبني من القول اسمًا على "يُفْعُلٍ" بضمِّ الياء والعين، فإنك تقول "يُقْوُلٌ". وكذلك إن بنيته من البيع قلتَ "يُبِيْعٌ". والأصل "يُبْيُعٌ"، فنقلت الضَّمَّة من الياء إلى الباء، فصارت الياء ساكنة بعد ضمَّةٍ، فقلبت الضَّمَّة كسرة لتصحَّ الياء، كما فعلوا في بِيْض ومَبِيع، في مذهب8 [سيبويه في إعلالهما. هذا مذهب جماعة

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 المنصف 1: 304-305.
2 م: أو.
3 م: به.
4 من م.
5 علق عليه أبو حيان في حاشية ف بما يلي: "قد نبهنا على هذا قبل، فانظره". يريد أن ابن عصفور حمل ههنا المزيد على غير المزيد في الاعتلال، مع أنه كان قد حمل من قبلُ غير المزيد على المزيد في ذلك. انظر ص305 و307 و362.
6 سقط "أو لا يكون... في وزنه" من م.
7 سقط من النسختين إلى قوله "لم يعلَّ لئلَّا يلتبس"، وألحقه أبو حيان بحاشية ف.
8 انظر الكتاب 2: 365-366.

 

ص -313-      النحويِّينَ...لكونه]1 ليس مبنيًّا على فعل. والصحيح ما ذهب إليه من أنك تُعلُّ، لموافقته "يُفعلُ" في الوزن، وإن لم يكن مبنيًّا على الفعل. وسيقام الدليل على صحَّة ذلك، فيما زيادته مخالفة لزيادة الفعل.
وإن كان الإعلال مصيِّرًا له على لفظ الفعل لم يُعلَّ، لئلَّا يلتبس الاسم بالفعل. وذلك نحو قولك:2 هذا أطوَلُ منك؛ ألا ترى أنك لو أعللتَ فقلت "أطالَ" لالتبس بلفظ الفعل؟ وكذلك3 لو بَنَيتَ مثل "يَفْعَلٍ"4 و"تَفعَلٍ"، من القول والبيع، لقلت "يَقْوَلٌ"5 و"يَبْيَعٌ"6، و"تَقْوَلٌ" و"تَبْيَعٌ". وكذلك أيضًا لو ألحقتَ التاء لم تَعتدَّ بها، وصَحَّحتَ الاسم، فكنت تقول "يَقْوَلةٌ"7 و"يَبْيَعةٌ"8، و"تَقْوَلَةٌ" و"تَبْيَعةٌ".
أو9 أَلِفَيِ التأنيث أو الألف والنون الزائدتين المشبهتين لهما أو ياءي النسب أو علامة التثنية [والجمع السالم]، لم تعتدَّ بهما وصححت الاسم. قالوا: تَدوِرةٌ، في اسم مكان. وقالوا أخيَليٌّ، في النسب إلى أخيل، وأبيضِيٌّ، ويومٌ أروَنانٌ وهَيّنٌ وأهوِناءُ. وقالوا في اسم موضع: [أبْيَنُ، وفي جمع بَيِّن]: أبْيِناءُ.وقال بعضهم أبِيْناءُ، فأعلّ وهو شاذٌّ، ووجهه أنه أعلّه لكونه على وزن الفعل، واعتدَّ بأَلِفَي التأنيث في رفع العلَّة الموجبة للتصحيح قبل لحاقها. وهو خوف اللبس بالفعل؛ ألا ترى أنه لا يمكن التباسه بالفعل بعد لحاقهما؟
وكذلك حكم ما لفظه لفظ الفعل10، وزيادتُه كزيادة الفعل. قال الشاعر11:

جاءُوا بِتَدْوِرةٍ، يُضيءُ وُجُوهَنا                 دَسَمُ السَّلِيطِ، علَى فَتِيلِ ذُبالِ

فأمَّا12 "يَزِيدُ" اسمَ رجلٍ فإنَّما اعتلَّ من قِبَل أنه كان فِعلًا لَزِمَه الإعلال، ثمَّ نُقِلَ من الفعل فسُمِّي به. فهو في المعتلِّ نظيرُ "يَشكُرَ" في الصحيح. وكذلك "تَزِيدُ" بالتاء.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ما بين معقوفين مخروم تتعذر قراءته.
2 م: قوله.
3 الكتاب 2: 365. وانظر المنصف 1: 322.
4 الكتاب: تُفعل.
5 الكتاب: تُقول.
6 الكتاب: تُبيع.
7 الكتاب: تَقوِلة.
8 الكتاب: تَبيِعة.
9 العطف على "التاء". وسقطت الفقرة من النسختين وألحقها أبو حيان بحاشية ف.
10 المنصف 1: 324-325. وفي النسختين: "ما هو على وزن الفعل". والتصويب من حاشية ف.
11 ابن مقبل. ديوانه ص257 والكتاب 2: 365 والمنصف 1: 324 واللسان "دور" و"ذبل". والتدورة: مكان مستدير تحيط به جبال. والسليط: الزيت.
12 من المنصف 1: 279 حتى قوله "في الصحيح".

 

ص -314-      قال أبو ذؤيب1:

يَعثُرْنَ في حَدِّ الظُّباتِ, كأنَّما                    كُسِيَتْ بُرُودَ بَنِي تَزِيدَ الأذرُعُ

وإن كان مخالفًا له في جنس الزيادة فإنه يُعَلُّ إعلال الفعل الذي يكون على وَفقه، في الحركات وعدد الحروف؛ لأنه قد أُمن التباسه بالفعل. فتقول في "مَفْعَلٍ" من القول والقيام: مَقالٌ ومَقامٌ. والأصل "مَقْوَلٌ" و"مَقْوَمٌ"، فأعللتَهما كما أَعللت "يَخافُ". وكذلك "مَفْعِلَةٌ"2 من البَيع تقول فيها: مَبِيْعةٌ3. فتنقل الكسرة من حرف العلَّة إلى الساكن قبله، كما فعلتَ ذلك في نظيره من الفعل وهو "يَبِيعُ".
وكذلك تقول في "مَفْعُلَةٍ" من البيع، على مذهب سيبويه4؛ لأنك إذا نقلت الضَّمَّة من الياء5 إلى الساكن قبلها جاءت الياء ساكنة بعد ضمَّةٍ قريبةٍ من الطرف. فعلى مذهب سيبويه تُقلب الضَّمَّة كسرة لتصحَّ الياء، وعلى مذهب الأخفش تُقلب الياء واوًا؛ لأنه مفرد. ولا تُقلب الضَّمَّة عنده كسرة لتصحَّ الياء، إِلَّا في الجمع. فتقول على مذهبه: مَبُوعةٌ. وتقول في "مَفْعُلَةٍ" من القول: مَقُولةٌ، فتُعِلُّها كما تُعِلُّ "يَقُولُ".
وكذلك تفعل بما خالفت زيادتُه زيادةَ الفعل، أو كان6 فيه ما يقوم مقام الانفراد بالزيادة، نحو بنائك من القول والبيع مثل تِحْلِئ7، إِلَّا "مِفْعَلًا"8 فإنك لا تُعلُّه. وذلك نحو:مِقْوَل ومِتْيَح9. وذلك لأنه مقصورٌ من "مِفْعالٍ". فلم يَعَلَّ كما لا يُعَلُّ "مِفْعالٌ" نحو: مِقْوال, كما لم يُعَلَّ "عَوِرَ" لأنَّه في معنى "اعوَرَّ".وممّا يُبيِّن أنَّ "مِفْعَلًا" يمكن أن يكون مقصورًا من "مِفْعال" كونُهما في معنًى واحد من المبالغة -تقول: رَجلٌ مِطْعَنٌ ومِطعانٌ، إذا وصفته بكثرة الطعن- وكونُهما قد يتعاقبان على معنًى واحد نحو: مِفتَح ومِفتاح.
وقد شذَّتْ [46أ] ألفاظ فجاءت مصحَّحة، وبابُها أن تعتلَّ10 وهي: مَزْيَدٌ ومَرْيَمُ ومَكْوَزةُ ومَقْوَدةٌ. وحكى أبو زيد: وقَعَ الصَّيدُ في مَصْيَدَتِنا، وشَرابٌ مَبْوَلةٌ، وهي مَطْيَبةٌ للنفس. وقرأ بعض

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 من مفضليته المشهورة. المنصف1: 279 وديوان الهذليين 1: 10 وتزيد هو ابن حلوان بن عمران وكان تاجرًا يبيع البرود بمكة. يصف أبو ذؤيب أتنًا صبغتها طرائق الدماء.
2 المنصف 1: 324.
3 م: مبْيعة.
4 الكتاب 2: 346.
5 م: الواو.
6 سقط حتى قوله "تحلئ" من النسختين، وألحقه أبو حيان بحاشية ف.
7 التحلئ: القشرة على وجه الجلد.
8 المنصف 1: 323.
9 المتيح: من يتعرض لما لا يعنيه.
10 المنصف 1: 296-297. م: تعلّ.

 

ص -315-      القُرَّاءِ1: "لَمَثْوَبةٌ مِن عِندِ اللهِ خَيرٌ".
وذهب أبو العبَّاس2 إلى أنَّ نحو: مَقام ومَباع، إنَّما اعتلَّ لأنه مصدرٌ للفعل أو اسم مكان، لا لأنه على وزن الفعل. وجعل "مَزْيَد" و"مَرْيَم" و"مَكْوَزة" على القياس؛ لأنها ليس لها أفعالٌ فتُحملَ في الإعلال عليها، إنَّما هي أسماءٌ أعلامٌ.
وهذا الذي ذهب إليه فاسد؛ لأنَّه إن زعم أنه3 لا يُعَلُّ إِلَّا أسماء المصادر، وأسماء الأزمنة والأمكنة، فقد أعلَّت العرب "مَعِيْشة" وهو اسم ما يعاش به، وليس باسم مصدر، ولا زمان ولا مكان. وكذلك "المَثُوبة" وهو اسم ما يُثاب به من خير أو شرٍّ، وإن زعم أنَّ الذي يُعَلُّ ما هو جارٍ على الفعل -أعني مشتقًّا منه4 بقياس مطَّرد- فباطلٌ؛ لأنهم قد أعلُّوا مثل "مَعِيْشة"5، وليس "مَفِعْلةٌ" ممّا عينه ياء ممّا يُقال باطِّراد. وإن زَعَم أنَّ الذي يُعَلُّ ما هو بالجملة مأخوذ من الفعل فهذه الأسماء، وإن كانت أعلامًا، فإنها منقولة في الأصل ممّا أُخِذ من الفعل. فمَزْيَدٌ في الأصل مصدَرٌ قد شُذَّ في تصحيحه، وحينئذ سُمِّي به. وكذلك مَرْيَمُ ومَكْوَزةُ.
هذا هو المذهب الصحيح في الأعلام، أعني أنها كلَّّها منقولة، سواء عُلِم لها أصلٌ نُقِلت منه أو لم يُعلم؛ لأنَّ الأسماء الأعلام كلَّها يُحفظ لها في النكرات أصولٌ نُقِلت منها، وما لا يُحفظ له أصلٌ منها يُحمل على الأكثر فيُقضى بأنَّ له أصلًا، وإن لم يحفظ. قال أبو عليٍّ: وممّا يُبيِّن أنَّ الإعلال قد يكون في الاسم، بمجرَّد كونه على وزن الفعل، إعلالُهم نحو باب ودار، ولا مناسبة بينه وبين الفعل أكثرَ من الوزن. فإذا تَبيَّن أنَّ الوزن موجِب للإعلال وجب أن يُحملَ مَزْيَدٌ وأخواته على الشذوذ، لكونها لم تَعتلَّ، وهي على وزن الفعل.
فإن6 قال قائل: لعلَّ إعلال دار وأمثاله ليس بالحمل على الفعل، بل الموجب له في الموضعين استثقال حرف العلة مع المثلين -أعني الفتحتين- وليس كذلك في مقام وأمثاله؛ لأنَّ حرف العلَّة إذا سكن ما قبله في الاسم حكمه أن يصحَّح نحو: عِثْيَر وحِذْيَم. فقد كان الواجب على هذا تصحيح مَقام وأمثاله، لولا حمله على أقامَ. فالجواب أنَّ الذي يدلُّ على إعلال دار وأمثاله بالحمل على الفعل شيئان: أحدهما أنَّ الثلاثيَّ المجرَّد من الزيادة إذا لم يكن على وزن الفعل لا يُعلُّ باتفاق. وأبو العبَّاس ممن يوافق على ذلك، نحو: حِوَل وبِيَع

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 الآية 103 من سورة البقرة. وهذه قراءة قتادة. انظر التبيان1: 386.
2 انظر المقتضب 1: 107-112.
3 سقط من النسختين حتى قوله "أو شرّ وإن زعم". وألحقه أبو حيان بحاشية ف.
4 أي: من مصدره.
5 م: مَعْيِشة.
6 سقطت الفقرة من النسختين، وألحقها أبو حيان بحاشية ف.

 

ص -316-      وصُوَر. وكذلك لو بنيتَ من القول مثل إبِل لقلتَ: قِوِلٌ، فصحَّحتَ. فلمَّا وجدناهم يعلُّونه إذا كان على وزن الفعل، ويمتنعون من إعلاله إذا لم يكن على وزنه، دلَّ ذلك على أنَّ إعلاله بالحمل عليه. والآخر تصحيحهم مثل: صَوَرَى وحَيَدَى وأشباههما، بزوال الشبه الذي بين الاسم والفعل، لمَّا لحقت ألف التأنيث الخاصَّة بالأسماء.
وإن كان الاسم على غير وزن الفعل فلا يخلو من أن يكون جاريًا على الفعل، أو لا يكون، ونعني بالجاري: ما يكون للفعل من الأسماء باطِّراد. فإن كان جاريًا أُعلَّ بالحمل على الفعل. وذلك نحو "إِفعال"1 مصدر "أُفْعَلَ"، و"استِفعال"2 مصدر "استَفْعَلَ". فإنك تنقل الفتحة من العين إلى الفاء الساكنة قبلُ، ثمَّ تَقلب3 حرف العلَّة، لتحرُّكه في الأصل وانفتاح ما قبله في اللفظ، فيلتقي ألفان: الأف المبدلة من حرف العلَّة والألف الزائدة قبل الآخر، فتحذف الواحدة لالتقاء الساكنين. فمذهب الخليل وسيبويه أنَّ المحذوفة الزائدة، ومذهب الأخفش أنَّ المحذوفة الأصليَّة4. وقد تَقَدَّمَ:5 أيُّ المذهبين أحسنُ في مسألة "مَفْعول" ممّا عينه حرف علَّة، إذ الأمر فيهما واحد.
فإذا حُذفتْ عُوِّض منها تاء التأنيث، إذ كانت التاء ممَّا يُعوَّض من المحذوف نحو: زنادقة، وكانت أيضًا ممَّا لا يمتنع منها6 المصادر إذا أردت المرَّة الواحدة، نحو "ضَرْبة" لفظه لفظ الضرب وزيادته كزيادة الفعل. وذلك [نحو]7: إقامة مصدر "أَقامَ"، واستِقامة مصدر "استَقامَ".
وكذلك "انفِعالٌ" مصدر "انفَعَلَ"8 المعتلِّ العين، إن كان من ذوات الواو قُلِبت الواو ياء، وذلك نحو: انقِياد مصدر "انقادَ". أصله "انقِواد"، فجعلت "قِواد" من "انقِواد" بمنزلة قِيام، فقَلبت الواو ياء كما فعلتَ ذلك في قِيام. وسيُبيَّنُ لِمَ قُلبتِ الواو ياء في "قيام" وأمثاله9.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
 1 المنصف 1: 291-292.
2 م: استفعل.
3 وقيل: إنه يحذف أحد الساكنين دون قلب حرف العلة.
4 المنصف 1: 291-292.
5 في الورقتين 42 و43.
6 كذا، على تأنيث الضمير العائد إلى "ما". وسقط "إذا كانت.. كزيادة الفعل" من النسختين، وألحقه أبو حيان بحاشية ف.
7 من م.
8 م: الفعل.
9 في الورقة 46 ب.

 

ص -317-      فإن كانت هذه المصادر لفعل لم تَعتلَّ عينه صحَّت كما يصحُّ فعلها. وذلك نحو: استِحْواذ وإغيال مصدر: استحْوَذَ وأَغيَلَتْ.
وإن كان غيرَ جار فلا يخلو من أن يسكن ما قبل حرف العلَّة، أو ما بعده، أو ما قبله وما بعده، أو يتحرَّكَ ما قبله وما بعده.
فإن تحرَّك ما قبله وما بعده فلا يخلو من أن تكون العين ياءً ساكنة وقبلها ضمَّة أو واوًا ساكنة وقبلها كسرة، أو لا تكون. فإن لم تكن كذلك صحَّت، وذلك نحو: صَوَرَى1 وحَيَدان2 ومَيَلان3. وذلك أنَّ ألف التأنيث لمَّا لَحِقَت "صَوَرَ"، والألف والنون لمَّا لَحِقَتا "حَيَدَ و"مَيَلَ" -وهي من خواصِّ الأسماء- أزالَتِ الشَّبَهَ الذي بين هذه الأسماء في الوزن وبين الفعل، فلم تعتلَّ4.
إِلَّا ألفاظ شذَّت تُحفَظ، ولا يقاس عليها. وهي: دارانُ5 وهامانُ6 وحادانُ7. وذلك أنهم شَبَّهوا في هذه الأسماء الألفَ والنون بتاء التأنيث8. فكما أنَّ تاء التأنيث لا تَمنع الإعلال في مثل: دارة ولابة وقارة، فكذلك الأف والنون. ووجهُ الشَّبه بينهما أنك تحذفهما في الترخيم كما تحذف التاء. وكذلك أيضًا تُحقِّر الاسم ولا تَعتدُّ بالألف والنون، كما تفعل بالاسم الذي فيه تاء التأنيث [46ب].
فإن قيل: وما الدليل على أنَّ دارانَ وهامانَ وحادانَ: "فَعَلان"؟ وهلَّا جعلتها9 "فاعلًا" نحو: ساباط. فالجواب أنَّ حمله على "فَعَلان" أولى، لكثرته وقلَّة "فاعال". وأيضًا فإِن مَنْعَ صرفها يدلُّ على أنها "فَعَلان".
فإن10 كانت الواو ساكنة بعد كسرة فإنها تقلب ياء نحو: ثِيران جمع ثَور. أصله "ثِوْران" فقلبت الواو ياء. وإن كانت الياء ساكنة بعد ضمَّة فإنها تقلب واوًا، وإن كانت بعيدة من الطرف.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 م: "فإن تحرك ما قبله وما بعده صح وذلك نحو صورى". وصورى: اسم موضع.
2 الحيدان: مصدر حاد عن الشيء إذا عدل عنه. م: جيدان.
3 الميلان: مصدر مال يميل.
4 شرح الشافية 3: 105-106.
5 داران: اسم علم من دار يدور.
6 هامان: اسم علم من هام يهيم. وفي النسختين والمبدع: ماهان.
7 حادان: اسم علم من حاد يحيد. م: "جاذان". وفي شرح الشافية: حالان من حال يحول.
8 هذا هو مذهب المبرد. شرح الشافية 3: 106.
9 م: جعلتهما.
10 سقط من م حتى قوله: "فقلبت الضَّمَّة كسرة لتصح الياء".

 

ص -318-      نحو: عُوْطَط1. أصله "عُيْطَط"؛ لأنهم يقولون: عاطَ يَعِيطُ وعَيَّطتُه، فقلبت الياء واوًا. إِلَّا "فُعْلَى" ممَّا عينه ياء فإنه لا يخلو أن يكون اسمًا أو صفة. فإن كان اسمًا قلبت الياء واوًا نحو: طُوبَى وكُوهَى2، على القياس؛ لأنها بعيدة من الطرف.
وإن كانت صفة قلبت الضَّمَّة كسرة لتصحَّ الياء قالوا: قِسمةٌ ضِيزَى3. وأصله "ضُيْزَى"، على وزن "فُعْلَى" بضمِّ الفاء، والدليل على ذلك أنه لا يحفظ في الصفات "فِعْلَى" بكسر الفاء، بل بضمِّها نحو: حُبلَى. وإنَّما قُلبت الضَّمَّة كسرة؛ لأنهم لم يعتدُّوا بألف التأنيث، فجرت لذلك مُجرى القريبة من الطرف، واعتدُّوا بها في الاسم كما اعتدُّوا بها في: صَوَرَى وحَيَدَى، فلم ينقلب حرف العلَّة ألفًا، وكأنَّ الذي سنَّ ذلك فيهما كون الصفة أثقلَ من الاسم، إذ الصفة من العلل الموانع للصرف، فهي أدعى للتخفيف، والياء أخفُّ من الواو، فقلبت الضَّمَّة كسرة لتصحَّ الياء.
فإن سَكنَ ما قبله أو ما بعده، أو ما قبله وما بعده، صَحَّ4 إِلَّا ما يُستثنى بعدُ. وذلك نحو: خِوان5 وصِوان6 وقَوام وحُوَّل7 ومِقْوال ومِشْوار8 والتَّجْوال وأَقوال وأَدواء. وكذلك أَهْوِناءُ9, إنَّما صحَّ لسكون ما قبله، لا لأنَّ زيادته كزيادة الفعل؛ لأنَّ ألف التأنيث أزالت عنه الالتباس الذي كان يكون فيه بالفعل، لو أُعلَّ قبل لحاقها.
وإنَّما صحَّت العين في مثل هذه الأسماء؛ لأنها لو قُلبتْ ألفًا لالتقى ساكنان، فتحذف الألف، فكان ذلك تغييرًا كثيرًا10، وكان مؤدِّيًا في بعض المواضع11 إلى الإلباس؛ ألا ترى أنَّك لو أَعللتَ قَوُولًا فقلبت واوه ألفًا ثمَّ حذفتها لصار اللفظ قَوْلًا على وزن "فَعْل"، ولم يُعلَم: هل هو "فَعُول" في الأصل؟ وأيضًا فإنه ليس لها ما يُوجب إعلالها، إذ ليست على وزن الفعل ولا جاريةً عليه.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 العوطط: الناقة التي لم تحمل سنين من غير عقم. وفي حاشية ف بخط أبي حيان: "في تحقير عوطط: عُيَيْطِط. لا تقرّ الواو، والواو مبدلة من ياء. من المحتسب".
2: الكوهى: طائر.
3 الضيزى: الجائرة. وانظر الآية 22 من سورة النجم.
4 المنصف 1: 314-315.
5 م: "حوار". والحوار: ولد الناقة.
6 م: "صوار" والصوار: القطيع من البقر.
7 الحول: ذو الحيلة والتجربة.
8 المشوار: المحجن يجذب به العسل.
9 في حاشية ف بخط أبي حيان: أهوناء: جمع هيّن". وفيها بخطه أيضًا نقلًا عن خط ابن عصفور: فأمَّا أهوناء فإنما صحَّ لأنَّ زيادته كزيادة الفعل، لا لسكون ما قبله؛ لأنَّ أَلِفَي التأنيث لا يعتدّ بهما ولذلك صحت العين.
10 م: ذاك كثيرًا.
11 م: في بعض هذه الأسماء.

 

ص -319-      وقد أُعلَّ من هذا الفصل أشياءُ1 لأسباب أَوجبتْ ذلك فيها، وأنا أذكرها لك, إن شاء الله.
فمن ذلك "فِعالٌ"2 إذا كان مصدرًا لفعل معتلِّ العين بالواو، أو جمعًا لمفرد عينُه واوٌ، وقد سَكَنَتْ الواو في مفرده، أو اعتلَّت بقلبها ألفًا، فإنك تقلب الواو ياءً. وذلك نحو: قامَ قِيامًا وسَوط وسِياط ودار ودِيار. والأصل "قِوامٌ" و"سِواطٌ" و"دِوارٌ":
فقُلبت الواو في "قِوام" ياءً، لانكسار ما قبلها، مع الحمل على الفعل في الاعتلال، مع أنَّ الواو بعدها ألفٌ وهي قريبة الشَّبه من الياء. فلمَّا اجتمعت هذه الأسباب خُفِّف اللفظ بقلب الواو ياء. ولو نقص شيء من هذه الأسباب لم تُقلب الواو ألفًا؛ ألا ترى أنَّ لِواذًا3 صحَّت واوه لصحَّتها في "لاوَذَ"، وحِوَل4 صَحَّت واوه لكونها ليس بعدها ألف، والقَوام صحَّت واوه؛ لأنها ليس قبلها كسرة؟
وقُلبت الواو في سِياط ودِيار لانكسار ما قبلها، وكونِ الألف بعدها وهي تشبه الياء, وكون الواو قد توهَّنتْ في مفرد سِياط بالسكون، وفي مفرد دِيار بقلبها ألفًا، وكون الكلمة جمعًا والجمعُ ثقيل. ولو نقص شيء من هذه الأسباب لم تُقلب الواو ياء؛ ألا ترى أنَّ زِوَجة 5: صحَّت واوه؛ لأنها ليس بعدها ألف، وطِوال صَحَّت واوه؛ لأنها متحرِّكة في المفرد، وجَوارِب6 جَمع جَوربٍ صَحَّت واوه؛ لأنها ليس قبلها كسرة؟
وزاد أبو الفتح في الشروط ألَّا تكون العين في المفرد مُضعَّفة. فإن كانت مضاعفة لم تنقلب الواو في الجمع ياء نحو: رِواء في جمع رَيَّانَ. وإنَّما 7 صَحَّت لاعتلال اللام بانقلابها همزة، فكرهو إعلالها، لِما يلزم عن ذلك من توالي إعلالين. ويجوز عندي أن يكون رِواءٌ جمعَ رَوِيٍّ لا جمع رَيَّانَ، فتكون صِحَّة الواو في الجمع لمِا ذكرناه8، ولتحرُّكها في المفرد.
وقد قُلبت الواو في جمع طَويل، فقالوا: طِيالٌ. وذلك في الشعر ولا يُقاس عليه. قال الشاعر9:

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 في حاشية ف: جملتها أربعة: فِعال كقيام، وفُعّل كصُيّم، وفيعِل كسيِّد، وفيعلولة ككيّنونة.
2 المنصف 1: 341-343.
3 اللواذ: مصدر لاوَذته.
4 الحول: التحول.
5 الزوجة: جمع زوج.
6 م: جوارية.
7 سقط من النسختين حتى قوله "توالى إعلالين"، وألحقه أبو حيان بحاشية ف.
8 سقط من النسختين "لما ذكرناه"، وألحقه أبو حيان بحاشية ف.
9 أنيف بن زبان النبهاني. المنصف 1: 342 والكامل 82 و865 وعيون الأخبار 4: 54 والمحتسب 1: 184 وشرح شواهد الشافية ص385-387 والعيني 4: 588 والمفصل 2: 275 وشرحه 88:10 واللسان والتاج "طول" ومجالس ثعلب ص412 والحماسة البصرية 1: 35. وانظر شرح الحماسة للمرزوقي ص169 وللتبريزي 1: 166. والقماءة: صغر الجسم.

 

ص -320-                                     تَبَيَّنَ لِي أنَّ القَماءَةَ ذِلَّةٌ          وأنَّ أَشدَّاءَ الرِّجالِ طِيالُها

ومن ذلك "فُعَّلٌ"1 إذا كان جمعًا، ولم يكن معتلَّ اللام، فإنه يجوز قلب الواو الأخيرة ياء، ثمَّ تُقلب [47أ] الواو الأولى ياء، وتدغم الياء في الياء حملًا للعين على اللام. وذلك نحو: صائم وصُيَّم وصُوَّم، وجائع وجُيَّع وجُوَّع. قال الشاعر2:

ومُغَرَّضٍ, تَغلي المَراجلُ تَحتَهُ,                      عَجَّلتُ طَبختَهُ, لرَهطٍ جُيَّعِ

يريد "جُوَّعًا". والوجه ألَّا تُقلب.
وذلك أنك كنت تقول في جمع عات: عُتِيّ، فتقلب في الجمع لا غير، للعلَّة التي تذكر في موضعها3. فلمَّا كانت قريبة من الطرف شُبِّهت باللام. ولك أيضًا أن تقلب الضَّمَّة كسرة، إذا قلبت الواو ياء، فتقول: صِيَّمٌ، كما فعلتَ ذلك في عُصِيٍّ4. ولا يلزم ذلك5، كما لَزمَ في عُصِيٍّ لبعد العين6 من الطَّرف.
فإن كان مفردًا7 لم يجز القلب. وذلك نحو قولك: رجلٌ حُوَّلٌ. وإنَّما لم يجز القلب؛ لأنَّ الوجه فيما اعتلَّت لامه فكانت واوًا أن تثبت في المفرد، نحو قولك: عَتا يَعتُو عُتُوًّا. قال تعالى:
{وَعَتَوْا عُتُوًّا كَبِيرًا}8. وإذا كان الوجه في اللام، أن تثبت لم يجز في العين إِلَّا الثبات؛ لأنَّ العين أقوى من اللام. وكذلك أيضًا لا يجوز قلب الواو الواقعة عنها في الجمع، إذا كانت اللام معتلَّة، كراهيةَ توالي الإعلال من جهة واحدة. وذلك نحو: شاوٍ وشُوًّى.
فأمَّا "فُعَّالٌ"9، نحو: صُوَّام، فلا تُقلبُ الواو فيه ياء لبعدها من الطَّرف. وقد جاء حرفان شاذَّان وهما10 قولُهم: فلان في صُيَّابةِ قومِه, يريدون "صُوَّابة"، أي: صَميمهم وخالصهم. وهو من: صابَ يَصُوبُ، إِذا نَزَل. كأنَّ عِرقَهُ فيهم قد شاع وتمكَّن، وقولُهم11: نُيَّام، بمعنى نُوَّام

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 المنصف 2: 1-4.
2 الحادرة من مفضلية له. ديوانه ص 317 وشرح اختيارات المفضل ص228 والمنصف 2: 3. والمغرض: اللحم الطريّ، والرهط: الجماعة.
3 في الورقة 52.
4 فوقها في ف: "عتيّ". وهو ما مثَّل به ابن جني في المنصف.
5 أي: قلب الواوين والإدغام.
6 في النسختين: الفاء.
7 سقط من النسختين حتى قوله: "إذا كانت اللام معتلَّة"، وألحقه أبو حيان بحاشية ف واستبدل به فيهما: فإن كان معتل اللام لم يجز قلب الواو ياء.
8 الآية 21 من سورة الفرقان. ف: كثيرًا.
9 المنصف 2: 4-5.
10 م: "وقد جاء حرف واحد شاذ وهو". وكذلك في المنصف.
11 سقط من م: "وقولهم نيام..." مع ما أنشده ابن الأعرابي. وكذلك في بعض نسخ المنصف.

ص -321-      جمع نائم. أنشد ابن الأعرابيِّ1:

ألَا طَرَقَتْنا مَيَّةُ بنةُ مُنذِرٍ                        فما أرَّقَ النُّيَّامَ إِلَّا سَلامُها

ومن ذلك "فَيْعِل"، نحو: سَيِّد ومَيِّت ولَيِّن. فإنَّه إن كان من ذوات الياء أُدغمت الياء في الياء من غير تغيير. وإن كان من ذوات الواو قُلبت الواو ياءً وأُدغمت الياء في الياء. فمن ذوات الياء: لَيِّنٌ، ومن ذوات الواو: سَيِّدٌ ومَيِّتٌ. وإن شئت حذفت الياء المتحرِّكة تخفيفًا فقلت: سَيْدٌ ومَيْتٌ ولَيْنٌ، لاستثقال ياءين وكسرة.
والفارسيُّ لا يرى التخفيف في ذوات الياء2 قياسًا، فلا تقول في بَيِّنٍ: "بَيْنٌ"، قياسًا على لَيْنٍ، ويقيس ذلك في ذوات الواو. وحجَّته أنَّ ذوات الواو قد كانت الواو فيها قد قلبت ياء فخُفِّفت بحذف إحدى الياءين منها؛ لأنَّ التغيير يأنَس بالتغيير؛ ألا ترى أنهم يقولون في النسب إلى "فَعِيل": "فَعِيلىّ" فلا يحذفون الياء، ويقولون في النسب إلى "فَعِيلة": "فَعَلِيّ" فيحذفون الياء، لحذفهم3 التاء.
وزعم البغداذيون4 أنَّ سَيِّدًا ومَيِّتًا وأمثالهما في الأصل على وزن "فَيْعَلٍ" بفتح العين، والأصل "سَيَّدٌ و"مَيَّتٌ"، ثمَّ غُيِّرَ على غير قياس، كما قالوا في النَّسبِ إلى بَصرة: "بِصرِيّ"، فكسروا الباء. والذي حملهم على ذلك أنه لم يوجد "فَيْعِلٌ" في الصحيح مكسورَ العين، بل يكون مفتوحَها5، نحو: صَيرَف وصَيقَل.
وهذا الذي ذهبوا إليه فاسدٌ؛ لأنه لا ينبغي أن يُحمل على الشذوذ ما أمكن. وأيضًا فإنه لو كان كتغيير "بِصريّ" لم يطَّرد. فاطِّرادُه6، في مثل سَيِّد ومَيِّت ولَيِّن وهَيِّن وبَيِّن، دليلٌ على بطلان ما ذهبوا إليه. فأمَّا مجيئُه على "فيعِلٍ" مع أنَّ الصحيح لم يجئ على ذلك فليس بموجبٍ لادِّعاءِ7 أنه في الأصل مفتوحُ العين؛ لأنَّ المعتلَّ قد ينفرد في كلامهم ببناء لا يوجد في الصحيح8.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 لذي الرمة. ديوانه ص38 والمنصف 2: 5 وشرح الشافية 3: 43 و173 وشرح شواهده ص381-383 وشرح المفصل 10: 93 والعيني 4: 578. ونسبه الأخير إلى أبي عمر الكلابي. وطرقت: جاءت ليلًا.
2 كذا. وانظر التكملة للفارسي ص260. ف: الياء المتحرِّكة.
3 ف: بحذفهم.
4 المنصف 2: 16.
5 ف: مفتوحًا.
6 م: لم يطرد باطراده.
7 م: الادعاء.
8 الكتاب 2: 371 والمنصف 3: 16-17.

 

ص -322-      وذلك نحو قَرْية قالوا في جمعه: قُرًى، ولا يُجمع "فَعْلٌ" من الصحيح على "فُعَلٍ" بضمِّ الفاء1 أصلًا. وكذلك قاضٍ وغازٍ قالوا في جمعهما: قُضاةٌ وغُزاةٌ، فجمعوهما على "فُعَلَة" بضمِّ الفاء، ولا يجمع الصحيح اللام2 إِلَّا بفتح الفاء، نحو: ظالم وظَلَمة وكافِرٍ وكَفَرة.
فإن قيل: إنَّ قُضاة على ما ذهب إليه الفرَّاءُ3، من أنها "قُضًّى" في الأصل نحو: ضارِب وضُرَّب، ثمَّ أَبدلوا من أحد المضعّفين ألفًا4 فقالوا "قُضاا"5، فالتقى ألفان: الألف التي هي لام، والألف المبدلة من أحد المضعّفين، فحذفوا إحداهما ثمَّ أبدلوا منها التاء. فالجواب أن يقال: إنَّ6 إبدال الألف من أحد7 المضعّفين ليس بقياس. واطِّراد قُضاة وغُزاة ورُماة يدلُّ على بُطلان ما ذهب إليه، إذ لو كان كما ذهب إليه لم يطَّرد.
وذهب الفرَّاء8 إلى أنَّ الأصل في سَيِّد: "سَوِيْدٌ" على وزن "فَعِيْل"، ثمَّ قُلِب فأُدغم9. وكذلك ما كان نحوه. وحَمَلَه على ذلك عدمُ "فَيْعِلٍ" بكسر العين في الصحيح.
وهذا الذي ذهب إليه فاسدٌ؛ لأنَّ القلب ليس بقياس، وأيضًا فإنه لم يجئ على الأصل في موضع. ولو كان الأمر كما ذكر لسُمعَ "سَوِيدٌ" و"مَوِيتٌ". وأيضًا فإنَّ "فَعِيلًا" لا يحفظ ممّا عينه ياء ولامه حرفُ صحَّة؛ ليس في كلام العرب مثل "كَيِيل". فإذا حَمَلَ بَيِّنًا ولَيِّنًا على أنَّ الأصل فيهما "لَيِيْنٌ" و"بَيِيْنٌ" فقد ادَّعى شيئًا لا يُحفظ في كلام العرب مثله.
وقد بيَّنَّا أنَّ المعتلَّ ينفرد بالبناء لا يكون للصحيح10، فينبغي أن يُبقَى في11 سَيِّد وبابه على الظاهر من أنَّه "فَيْعِلٌ". وأيضًا فإنَّ الفرَّاء والغداذيِّين إنَّما رامُوا أن يجعلوا المعتلَّ على قياس [47ب] الصحيح، ولا يُفردَ المعتلُّ بما لا يكون في الصحيح، ثمَّ حَملواه على ما لم يثبت في الصحيح؛ ألا ترى أنَّ "فَيْعَلًا" في الصحيح لا تُكسر عينه، وكذلك [عين]12 "فَعِيلٍ" في

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 سقط "بضم الفاء" من م.
2 في النسختين: العين.
3 شرح الشافية 3: 154.
4 م: أبدلوا ألفًا من إحدى المضعّفين.
5 م: قضا.
6 سقط "يقال إن" من م.
7 م: من إحدى.
8 شرح الشافية 3: 154.
9 سقط من م. والمراد بالقلب هنا تقديم الياء على الواو.
10 انظر ص321.
11 م: مثل.
12 تتمة يقتضيها السياق.

 

ص -323-      الصحيح لا تقلبُ. فدلَّ ذلك على فسادِ مذهبهم.
ومن ذلك "فَيْعَلُولةٌ"1 فإنه إن كان من ذوات الياء أُدغمت الياء في الياء، ثمَّ حُذفت الياء المتحرِّكة، استثقالًا للياءين مع طول البناء. وإن كان من ذوات الواو قُلبت الواو ياء، ثمَّ أُدغمت الياء في الياء، ثمَّ حُذفت الياء المتحرِّكة. وإنَّما التُزم في "فَيعَلُولة" الحذفُ؛ لأنه قد بلغ الغاية في العدد إِلَّا حرفًا واحدًا؛ ألا ترى أنَّه على ستَّة أحرفٍ2، وغايةُ الأسماء أن تنتهي بالزيادة إلى سبعة أحرف. فلمَّا كان الحذف في "فَيْعِل" جائزًا3 لم يكن في هذا الذي قد زاد ثِقلًا، بالطول، إِلَّا الحذفُ. وذلك نحو: كَيَّنُونة وقَيَّدُودة4.
فإن قيل: وما الذي يدلُّ على [أنَّ]5 كَيْنُونة6 وقَيْدُودة7 وأمثالهما في الأصل "فَيْعَلُولةٌ"؟ فالجواب أنَّ الذي يدلُّ على ذلك شيئان: أحدهما أنهما من ذوات الواو، فلولا أنَّ الأصل ذلك لقيل "قَودُودةٌ" وكَونُونةٌ"، إذ لا مُوجِب لقلب الواو ياء. والآخر أنَّه ليس في كلام العرب "فَعْلُولةٌ"، على ما تَقَدَّمَ في الأبنية.
فإن قيل: فإنهما مصدران، وليس في المصادر ما هو على وزن "فَيْعَلُولة". فالجواب أنَّ "فَيعَلُولة" قد ثَبَتَ في غير المصادر، نحو: خَيسَفُوجة8، ولم يثبت "فَعْلُولة" في موضع من المواضع. فحملُه على ما ثَبَتَ في بعض المواضع أحسن، إن أَمكن. وإِلَّا فقد يجيء المعتلُّ على بناء لا يكون للصحيح كما قَدَّمنا9.
وزعم الفرَّاء10 أنهما في الأصل "كُونُونَةٌ" و"قُودُودةٌ" [بضمِّ الفاء]11، وكذلك "صُيرُورةٌ" وطارَ "طُيرُورةً"، ثمَّ قُلبت الضَّمَّة فتحة في صَيرورة وطَيرورة، لتصحَّ الياء. ثمَّ حُملت ذوات الواو على ذوات الياء، ففتحوا الفاء وقلبوا الواو ياء؛ لأنَّ مجيء المصدر على "فَعْلُولة"12 أكثرُ [ما

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 المنصف 2: 9-15 وشرح الشافية 3: 154-155 وأمالي الزجاجي ص144-149.
2 وذلك دون اعتبار تاء التأنيث.
3 م: جائز.
4 سقط "وذلك نحو كينونة وقيدودة" من م.
5 سقط من النسختين وألحق بحاشية ف.
6 الكينونة: مصدر كان يكون.
7 القيدودة: مصدر قاد يقود.
8 الخيسفوجة: سكان السفينة.
9 انظر ص321.
10 المنصف 1: 12 وشرح الشافية 3: 154.
11 من م.
12 م: فُعلولة.

 

ص -324-      يكون]1 في ذوات الياء2، نحو: صَيرُورة وسَيرُورة وطَيرُورة وبَينُونة.
وهذا الذي ذهب إليه فاسدٌ من جهات:
منها أنَّ ادِّعاء قلب الضَّمَّة فتحة لتصحَّ الياءُ مخالفٌ لكلام العرب. بل الذي اطَّرد في كلامهم أنه3 إذا جاءت الياء ساكنة بعد ضمَّة قُلبتْ واوًا، نحو قولهم: مُوقِنٌ وعُوطَطٌ4، وهما من اليقين والتَّعيُّط.
ومنها أنَّ الضَّمَّة إذا قُلبتْ لتصحَّ الياء فإنَّما تُقلب كسرة، كما فعلوا في بِيضٍ، لا فتحةً. فإن قيل5: لم يقلبوها كسرة، استثقالًا للخُروج من كسر إلى ضَمٍّ. فالجواب أنَّ الكسر إذا كان عارضًا فلا يكرهون الخروج منه إلى ضمٍّ، نحو: بِيُوت وشِيُوخ.
ومنها أنَّ حمله ذواتِ الواو على ذوات الياء ليس بقياس مطَّرد. أعني أنَّه إذا كثُر أمر ما في ذوات الياء، ثمَّ جاء منه في ذوات الواو شيء، لم يُوجِبْ ذلك حملَ ذوات الواو على الياء، وإنْ فُعِلَ ذلك فشذوذًا6؛ ألا ترى أنَّ كثرة 7 "فِعالة" في المصادر من ذوات الياء نحو: السِّقاية8 والرِّماية والنِّكاية9, وقلَّتَها من ذوات الواو10، لم تُخرِج "جِباوة" عن الشذوذ؟
ومنها أنَّ ما ادَّعاه, من أنَّ "فَعْلُولة" في ذوات الياء قد كثر، غيرُ مُسَلَّم. بل هذا الوزن في المصادر قليل في ذوات الياء والواو، وما جاء11 منه في ذوات الواو كالمُعادِلِ لما جاء منه في ذوات الياء.
وممّا يدلُّ على صحَّة مذهب سيبويه12 ما حُكِي من مجيء "كَيَّنُونة" على الأصل. أَنشدَ المبرّد13.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 من م.
2 ف: الواو.
3 م: أن.
4 العوطط: الناقة لم تحمل سنين من غير عقم.
5 م: "فإن قال". المنصف: فإن قال قائل.
6 م: فشذوذ.
7 م: أن قلة.
8 م: السعاية.
9 زاد في م: وكثرتها.
10 م: الياء.
11 سقطت الواو من م.
12 الكتاب 2: 372.
13 المنصف 2: 15 والإنصاف ص797 واللسان "كون" وشرح الشافية 3: 152 وشرح شواهده ص392 والاقتضاب ص282 والأشباه والنظائر 5: 205 و6: 14. وشحطت: بعدت.

 

ص -325-                                 قَد فارَقَتْ قَرِينَها القَرِينَهْ   وشَحَطَتْ, عَن دارِها الظَّعِينَهْ

يا لَيتَ أنَّا ضَمَّنا سَفِينَهْ                     حَتَّى يَعُودَ الوَصلُ كَيَّنُونَهْ

وما عدا هذا المستثنياتِ1 ممَّا سَكَن ما قبلَه، أو ما بعدَه، أو ما قبلَه وما بعدَه، فلا يُعلُّ أَصلًا بأكثرَ من أن تُقلب الواو فيه ياء، إِذا اجتمعت مع الياء وقد2 تَقَدَّمَ أَحدُهما بالسكون. فإذا قَلبتَ الواو ياء أدغمتَ الياء في الياء. وذلك نحو "فَيْعُول"3 من القيام، تقول فيه: قَيُّومٌ. وكذلك "فَيْعال"4 نحو: قَيَّام5. الأصلُ فيهما "قَيْوُوْمٌ" و"قَيْوامٌ"، فقلبت الواو ياء وأدغمت الياء في الياء.
وكذلك تَفعل في كلِّ عينٍ، تكون واوًا فتجتمع مع ياء، ويَسبِقُ أحدُهما بالسكون، إِلَّا أن يَشِذَّ من ذلك شيء نحو6 ضَيْوَنٍ7، أو يكون أحدُهما مَدَّةً فإنك لا تُدغم. فلو بَنَيتَ مثل "فُوعَل"8 من القول لقلت "قُوْوَلٌ"9 ولم [48أ] تُدغم؛ لأنَّ الواو مدَّة، وقد تَقَدَّمَ السبب في ذلك في الفعل.
فإن جمعتَ اسمًا معتلَّ العين10 على وزن "مَفاعِلَ" أو "مَفاعِيلَ" فإنك تُبقي العين على أَصلها، من ياء أو واو، ولا تُعِلُّ. إِلَّا أن تَقَعَ في الجمع على حَسَبِ ما كانت عليه في المفرد معتلَّة -نحو قولك في قائم: "قَوائم"، فتَقلِب العينَ همزةً كما قلبتَ في "قائم"؛ لأنها بعد ألف زائدة في الجمع كما كانت في المفرد- أو يكتنفَ ألفَ الجمع واوان أو ياءان أو واو وياء، بشرط القرب من الطَّرَف. وقد تَقَدَّمَ إحكام ذلك في البدل.11 وذلك نحو قولك في جمع "فُعَّل"12 من القول نحو قُوَّل: "قَوائل"، وفي [جمع]13، "فَيْعَل" نحو قَيَّل: "قَيائل"، وفي

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 م: المستثنات.
2 سقط من م.
3 المنصف 2: 17-18.
4 م: فعال.
5 المنصف 2: 18-19.
6 المنصف 2: 46-47.
7 الضيون: السنَّور.
8 وهذا بناء صناعي لم يذكره في الأبنية.
9 كذا، وليس في المثال ياء. فلعله يريد من البيع، فيكون: بُويَعٌ.
10 المنصف 2: 43-46.
11 في الورقتين 32 و33.
12 م: "فَعَّل". المنصف: فيعل.
13 من م.

ص -326-      [جمع]1 "فُعَّل"2 من البيع: "بَيائع".
فإن لم تقع في الجمع على حَسَب ما اعتلَّت عليه في المفرد، ولا اكتنفَ ألفَ الجمع حرفا علَّة، فإنك تُبقي العين على أصلها من واو أو ياء. فتقول في جمع مِقْوَل: "مَقاوِلُ"، وفي جمع مَقام: "مَقاوِمُ"، وفي جمع مَعِيشة: "مَعايش"، إِلَّا لفظةً واحدةً شَذَّت فيها العرب -وهي3 مُصيبة- قالوا في جمعها: "مَصائِبُ" فهمزوا العين، وكان ينبغي أن يقال في جمعها "مَصاوِبُ"؛ لأنها من ذوات الواو.
ووجه إبدالهم من العين همزةً أنهم شَبَّهوا الياء في "مُصِيبة" لسكونها وانكسار ما قبلها، بالياء الزائدة في مثل صَحِيفة. فكما قالوا في صَحيفة: صَحائفُ، فكذلك قالوا في مُصِيبة: مَصائبُ. هذا مذهب سيبوبه، ومذهب الزَّجَّاج أنهم قالوا "مَصاوِبُ"، ثمَّ أبدلوا من الواو المكسورة همزة تشبيهًا لها، حشوًا، بها في أوَّل الكلام. وقد تَقَدَّمَ في البدل4 ترجيحُ مذهب الزَّجَّاج على مذهب سيبويه.
هذا حكم العين المعتلَّة، إذا كانت اللام حرفًا صحيحًا ليس الهمزة. فإن كانت اللام همزة5 فلا تخلو الفاء، إذ ذاك من أن تكون همزة أو لا تكون.
فإن كانت همزة فإنه لا يجيء6 منه شيء في الأفعال؛ لأنَّ حروفه كلَّها تعتلُّ؛ ألا ترى أنَّ الألف من حروف العلَّة، وكذلك الهمزتان7. فكما لا تكون حروف الفعل كلُّها معتلَّة، فكذلك لا تكون عينه حرف علَّة وفاؤه ولامه همزتان. وإنَّما يجيء في الأسماء؛ قالوا "آءُ" وهو شجر. ونظيره من الأسماء في اعتلال جميع حروفه "واو".
وإن لم تكن الفاء همزة فحكمه حكم ما لامُه غير همزة، إِلَّا فيما أَستثنيه لك:
من ذلك8 اسم الفاعل في نحو "جاءَ"، فإنه يُخالف اسم الفاعل من "قامَ" وأمثاله، في أنَّك إذا أَبدلتَ من العين همزة كما فعلتَ ذلك في قائم وأمثاله، اجتمع لك همزتان: الهمزة التي هي لام والهمزة المبدلة من العين، فتُبِدل من الهمزة الثانية ياء، لانكسار ما قبلها. هذا مذهب

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 من م.
2 م: "فَعَّل". وفي المنصف: فيعل.
3 المنصف 1: 309-311 وشرح الشافية 3: 134. وشذَّ أيضًا معائش ومنائر وأقائيم. جمع معيشة ومنارة وأقوام.
4 انظر ص225.
5 سقط من النسختين حتى قوله "وإن لم تكن الفاء"، وألحقه أبو حيان بحاشية ف.
6 علق عليه أبو حيان في حاشية ف بقوله: جاء في الأسماء والأفعال.
7 يريد أن الهمزة تشبه أحرف العلَّة، لكثرة التصرف فيها.
8 المنصف 1: 309-311 وشرح الشافية 3: 124.

 

ص -327-      سيبويه. ومذهب الخليل1 أنهم قَلبوا اللَّام في موضع العين، فلم تَلتق همزتان.
فإن قيل: وما الذي حَمل الخليل على ادِّعاءِ القلب؟ فالجواب أنَّ الذي حمله على ذلك كثرةُ العمل الذي في مذهب سيبويه؛ ألا ترى أنَّ جائيًا في مذهب سيبويه أصله "جايِئٌ" ثمَّ2 "جائئٌ" ثمَّ "جائِيٌ" ثمَّ "جاءٍ"3، وفي مذهب4 الخليل أصله "جايِئٌ"، فقُلب فصار "جائِيٌ" ثمَّ "جاءٍ"؟ فمذهب سيبويه فيه زيادٌ [عملٍ]5 على مذهب الخليل. فلذلك تكلَّف القلب، إذ كانوا يقلبون فيما لا يؤدِّي فيه عدم القلب إلى اجتماع همزتين، نحو قولهم: شاكٍ ولاثٍ. والأصل فيهما: شائكٌ ولائثٌ.
وكلا المذهبين عند سيبويه حسن. ورَجَّحَ الفارسيُّ6 مذهب الخليل على المذهب الأوَّل، بأنه يلزم في مذهب سيبويه توالي إعلالين على الكلمة من جهة واحدة. وهما قلب العين همزةً، وقلب الهمزة التي هي لام ياءً. وتوالي إعلالين على الكلمة، من جهة واحدة، لا يوجد في كلام العرب إِلَّا نادرًا أو في ضرورة الشعر7، نحو قوله8:

وإِنِّي لأَستَحْيي,9 وفي الحَقِّ مُستَحًى,             إِذا جاءَ باغِي العُرفِ, أن أَتَنَكَّرا

أصل مُستَحًى: "مُستَحْيَيٌ" فتحرَّكت الياء الأخيرة وما قبلها مفتوح، فقلبت10 ألفًا فصار "مُستَحْيًا". ثمَّ أَعلُّوا الياء التي هي عين، بنقل حركتها إلى الساكن قبلها وقَلبِها ألفًا، فالتقَى ساكنان فحذف أحدهما. ولا يلزم في مذهب الخليل إِلَّا القلب، والقلب أكثر في كلام العرب من توالي الإعلالين على الكلمة، حتى إنَّ يعقوب قد وضع كتابًا في "القلب والإبدال"11.
وهذا الترجيح حسن. إِلَّا أنَّ السماع يشهد للمذهب الأوَّل. وذلك أنَّ من العرب من يقول12: شاكٌ ولاثٌ، فيحذف العين من شائك ولائث. ومنهم من يقول: شاكٍ ولاثٍ، كما تَقَدَّمَ فيقلب13. والذي من لغته القلب ليس من لغته الحذف، وكلّهم يقول: شائكٌ

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 الكتاب 2: 378.
2 كذا. وقد أغفل "جااءٌ".
3 م: جائي ثمَّ جايئ ثمَّ جاءَ.
4 م: ومذهب.
5 من م.
6 المنصف 2: 53.
7 في النسختين "إِلَّا في ضرورة شعر". وفي حاشية ف تصويب كما أثبتنا.
8 التمام ص70 و163. وانظر ص370 والباغي: الطالب. والعرف: المعروف.
9 م: استحى.
10 م: قلبت.
11 نشر عام 1905م. واستشهاد ابن عصفور به وهم؛ لأنَّ القلب الذي فيه هو إعلالي، لا مكاني كما في المسألة المعنية.
12 المنصف 2: 54. وانظر ص391.
13 م: ويقلب.

 

ص -328-      ولائثٌ. فلمَّا وَجدنا العرب كلَّها تقول: جاءٍ، ولا تَحذف1، علمنا أنه في لغة الحاذفين على أصله. إذ ليس من لغتهم القلب، ومن لغتهم البقاء على الأصل. وأمَّا في لغة القالِبينَ في: شاكٍ ولاثٍ فيحتمل أن يكون مقلوبًا، ويحتمل [48ب] أن يكون باقيًا على أصله. فقد حصل إِذًا ما ذهب إليه سيبويه سماعًا. وما ذهب إليه الخليل ليس له من السماع ما يقطع به، فهو محتمل.
ومن ذلك الجمعُ، فإنه يوافق جمع ما لامه غير همزة، في جميع ما ذُكر. فتقول في جمع جاءٍ: "جَواءٍ"، كما تقول في جمع قائم:"قَوائم". والأصل "جَوائِئٌ"2، فقُلبت الهمزة الثانية ياءً لاجتماع الهمزتين. وعلى مذهب الخليل: "جَوايِئُ" فقُلبت الهمزة3. وتقول في جمع مَجِيء: "مَجايِئُ"4 كما تقول في جمع مَبِيع: "مَبايِع".
إلا5 أن يؤدِّي الجمع إلى وقوع همزة عارضة بعد ألف الجمع -أعني لم تكن6 في حال الإفراد- فإنك إذا قلبتَ الهمزة الثانية ياء فإنك تُحوِّل كسرة الهمزة التي هي عين7 فتحةً، فتجيء8 الياء متحرِّكة وما قبلها مفتوح فتُقلب9 ألفًا، فتجيء الهمزة متوسِّطة بين ألفين، والهمزة قريبة الشَّبَه من الألف، فتجيء الكلمة كأنها اجتمع فيها ثلاثةُ أمثال، فتقلب الهمزة ياءً فرارًا من اجتماع الأمثال. وذلك نحو10 "فُعَّل"11 من المجيء نحو: جُيَّأ12. فإنك تقول في جمعه: جَيايا.
والأصلُ "جَيايِئُ"، فاكتنف ألفَ الجمع ياءان، فقلبت الثانية همزة فقالوا "جَيائِئُ"، فقلبت13 [الهمزة] الثانية ياء لاجتماع الهمزتين وانكسار ما قبل الثانية فقالوا "جَيائِيُ"، ثمَّ حوَّلوه إلى "جَياءَيُ"، فتحرَّكت الياء وما قبلها مفتوح فقلبت ألفًا، فصار "جَياءَى" -وكان هذا التحويل لازمًا إذ كانوا قد يحوِّلون في مثل "صحارَى" مع أنه أخفُّ من "جياءَى"؛ لأنه لم تَعرِض فيه همزة كما عرضت في "جياءَى". وإنَّما لَزمَ تحويله، لمَّا عرضت فيه الهمزة؛ لأنَّ

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 يريد: ولا تقول "جاءُ" فتحذف عين فاعل. وفي حاشية ف بيان لما كان للفظ في الحذف.
2 م: جوئيٌ.
3 أي: قدمت الهمزة على الياء.
4 م: مجائئ.
5 م: إلى.
6 م: لم يكن.
7 م: غير.
8 م: فجاءت.
9 م: فقلبت.
10 المنصف 2: 60-62.
11 في النسختين: "فَعّل" وفي حاشية المبدع: فَعال.
12 م: جياء.
13 سقط "الثانية... فقلبت" من م.

 

ص -329-      عُروضها تغيير، والتغير يأنس بالتغيير– ثمَّ قُلبت الهمزة ياء لوقوعها بين ألفين فصار جَيايا.
وإنَّما لزم قلب الهمزة ياء لمَّا وقعت بين ألفين؛ لأنَّ مخرج الهمزة يقرب من مخرج الألف، فكان كالتقاء ثلاث ألفات. وكذلك تَفعل بكلِّ ما تَعرِضُ فيه الهمزة من الجمع. فأمَّا قوله1:

سَماءُ الإلهِ فَوقَ سَبعِ سَمائيا.

فإنه ردَّه إلى أصله، لمَّا اضطرَّ، كما تُرَدُّ جميع الأشياء إلى أصلها عند الضرورة.
ومن ذلك "أشياءُ"2. فمذهب سيبويه والخليل3 أنَّها "لَفْعاءُ" مقلوبة من "فَعْلاء"، والأصل "شَيْئاء" من لفظ شيء، وهو اسم جمع كقَصْباء4 وطَرْفاء5 ومذهب الكسائيِّ أنها "أَفعال" جمع شيء. ومذهب الفرَّاء والأخفش أنها "أَفعِلاء"6، والأصل "أَشيِئاء"، فحذفت الهمزة التي هي لام وانفتحت الياء لأجل الألف.
ويخالف الفرَّاءُ أبا الحسن في "شيء" الذي هو مفرد أشياء. فمذهب أبي الحسن أنه "فَعْل" كبَيت، ومذهب الفرَّاء أنه مخفَّف من "فَيْعِل"، والأصل "شَيِّئٌ" فخُفِّف كما خفَّف هَيِّنٌ ومَيِّتٌ فقالوا: هَيْنٌ ومَيْتٌ.
فالذي يُردُّ به على الكسائيِّ أنه لو كان "أَفعالًا" لكان مصروفًا، كأبيات وأجمال وأعباءٍ، إذ لا موجب لمنع الصرف. فإنه احتَجَّ بأنهم لمَّا جمعوه بالألف والتاء، فقالوا: أشياوات، أَشبَه "فَعْلاءَ" فمُنع الصرف. فالجواب أنَّ "أَفعالًا" لا يُجمع بالألف والتاء. فإِذ قد7 جَمعوا أشياء بالألف والتاء فذلك دليل على ما ادَّعى الخليل من أنها "فَعلاء". وبتقدير أنها "أفعال" جُمعت بالألف والتاء فإنَّ هذا القَدر لا يُوجب منع الصرف8؛ لأنَّ ذلك لم يستقرَّ في العلل المانعة للصرف.
وأمَّا الفرَّاء والأخفش فالذي يَدلُّ على فساد مذهبيهما أنَّ حذف اللام لم يجئ منه

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 عجز بين لأمية بن أبي الصلت صدره:
لَهُ ما رأتْ عَينُ البَصِيرِ, وفَوقَهُ.
ديوانه ص70 والكتاب 2: 59 وشرح أبياته 2: 304. وسمائي: مجرور بالفتحة عوضًا عن الكسرة، جمع سماء على وزن فَعائل.
2 المنصف 2: 94-102 وشرح الشافية 1: 21-32 والإنصاف ص812-820.
3 الكتاب 2: 174 و379-380.
4 القصباء: القصب.
5 الطرفاء: شجر.
6 كذا، وهو ميزان الأصل قبل الحذف. والصواب: أفعاء.
7 في النسختين "فإذ وقد". وانظر ص150 و205 و268 و435. 

 

ص -330-      إِلَّا "سُؤتُه1 سَوايةً". والأصل سَوائِيَة كرَفاهية2. وحكى الفرَّاءُ "بُراءُ" ممنوعَ الصرف3، والأصل بُرَآءُ فحُذفت الهمزة التي هي لام. وذلك من القلَّة بحيث لا يقاس عليه، والقلب4 أوسع منه.
وأيضًا فإنه لو كان الأصل "أَفعِلاء" لكان من أبنية جموع الكثرة، وجموعُ الكثرة لا تُصغَّر على لفظها، بل تُردُّ إلى جموع القِلَّةِ إن كان للاسم جمع قلَّة. وإلَّا تُردُّ على المفرد، ثمَّ يُصغَّر المفرد ويجمع بالواو والنون إن كان مذكَّرًا، وبالألف والتاء إن كان مؤنثًا. فتقول في تصغير فُلُوس: أُفَيلِسٌ، وفي تصغير رجال: رُجَيلُون، وفي تصغير دَراهم: دُرَيهِمات. وهم قد قالوا في تصغير أشياء: أُشَيَّاء فصغَّروها على لفظها. فدلَّ ذلك على فساد مذهبيهما.
ولا يُردُّ بالتصغير على الكسائيِّ؛ لأنَّ "أَفعالًا" من أبنية جموع القلَّة، وجموع القلَّة تصغَّر على ألفاظها. وكذلك لا يُردُّ على الخليل بذلك؛ لأنَّ أسماء الجموع تُصغَّر على لفظها.
وأيضًا فإنَّ "أَفعِلاء" لا يكون جمعًا لـ"فَعْل"5 ولا لـ"فَيْعِل". فأمَّا قولهم: هَيِّنٌ وأَهوِناءُ، فشاذٌّ لا يقاس عليه. ولا حجَّة للأخفش فيما ذَكَر، من أنَّ "أَفعِلاء" أختُ "فُعَلاء". يعني أنهما يشتركان في كونهما جمعين لـ"فَعِيل"، فكما جمعوا سَمْحًا، وهو "فَعْلٌ"، على سُمَحاء، فكذلك جمعوا شَيئًا، وهو "فَعْلٌ"، على "أَفعِلاء". وذلك أنَّ جمع سَمْح على سُمْحاء شاذٌّ، لا يقاس عليه مثلُه، فكيف نظيره.
فإن قيل: فإنَّ الفرَّاء قد ذهب [49أ] إلى أنَّ "فَيْعِلًَا" في الأصل "فَعِيْل" فقُلب. فإذا كان كذلك فبابه أن يُجمع على "أَفعِلاء". فاجواب أنه تَقَدَّمَ الدليل6 على فساد مذهبه في ذلك.
وممّا يدلُّ أيضًا على فساد مذهب الفرَّاء أنَّه ادَّعى أنَّ الأصل في شيء: "شيِّئ". وذلك لم يُنطق به في موضع من المواضع. ولو كان شَيء كمَيْتٍ وهَيْنٍ لجاء على أصله، في موضع من المواضع.
فثَبَتَ إذًا أنَّ الأحسن مذهب الخليل، إِذ ليس فيه أكثر من القلب، والقلب كثير في كلامهم.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 م: سواة
2 في حاشية ف: لحق مخروم أكثره يتعذر إدراكه.
3 في حاشية ف بخط أبي حيان "المحفوظ: بُراءٌ، مصروف. قال كثيِّر:
فسِيرُوا بُراءً, في تَفرُّقِ مالِكٍ
بِنَصرٍ, وأرحامٍ يَئطُّ قَرِيبُها".
انظر ديوان كثيِّر ص269. 
4 يعني القلب المكاني. 
5 كذا. والصواب "فَيْل" لأنَّ العين حذفت وبقيت الياء الزائدة. 
6 في الورقة 47. 

 

ص -331-      ومن ذلك1 "أَشاوَى" في معنى أشياءَ. حُكي من كلامهم: إنَّ لكَ عِندي لأشاوَى. وفيها خلاف أيضًا.
فمذهب المازنِيِّ2 أنها جمع أشياءَ.وكان الأصل أن يقال "أشايا"3، فأُبدلت الياء واوًا4 شذُوذًا, كما قالوا: جَبَيتُ الخَراجَ جِباوةً. ففيها على هذا شذوذان: قلب اللام إلى أوَّل الكلمة، وقلب الياء واوًا.
ومذهب سيبويه5 أنها جمع "إشاوة"، وإن لم يُنطق بها. وتكون "إِشاوة" المتوهَّمة كأنها في الأصل "شِياءَة" فقلبت اللام إلى أوَّل الكلمة، [وأُخِّرت العين إلى موضع اللام]6، وأُبدِلت الياء واوًا. فلمَّا جمعوا فعلوا به ما يُفعل بـ "عِلاوة"7 -وسيُذكر ذلك في المعتلِّ اللَّام- فقالوا: أَشاوَى، كما قالوا: عَلاوَى.
ورأى سيبويه أنَّ هذا أَوْلى، ليكونَ الشُّذوذ في المُتوهَّم -وهو المفرد الذي لم يُنطق به- ثمَّ يجيء الجمع على قياس المفرد. وإذا جعلنا أَشاوَى جمع أشياءَ كان الشُّذوذُ في الملفوظ به. وأيضًا8 فإنَّ أبا الحسن الأخفش حكى أنَّ العرب التزمت فيه الفتح9، فلم يقولوا "أشاوٍ" كصحارٍ، فدلَّ ذلك على أنَّه ليس جمع أشياء بل جمع إِشاوة. ولذلك التزم فيه الفتح كما التزم في جمع إِداوة وهِراوة وأمثالهما.
وذهب بعض النَّحويِّين10 إلى أنَّ أَشاوَى غير مقلوب، وأنَّ الواو غير مبدلة [من ياء]11، وجعله من تركيب "أ ش و". وقد جاء12 ذلك في قول الشاعر13:

وحَبَّذا, حِينَ تُمسِي الرِّيحُ بارِدةً,                 وادِي أُشَيٍّ, وفِتيانٌ بِهِ, هُضُمُ


ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 
1 المنصف 2: 9-100 والإنصاف ص807 وشرح الشافية 1: 31
2 المنصف 2: 94. 
3 م: "أشائي". ف: "أشاي". وفي حاشيتها: "أشاوِيُّ". والتصويب من المنصف 2: 99. 
4 ف: الواو ياء. 
5 الكتاب 2: 379-380. 
6 من شرح الشافية 1: 31. 
7 العلاوة: أعلى الرأس. وانظر الورقة 57. 
8 سقط حتى قوله: "وأمثالهما" من النسختين، وألحقه أبو حيان بحاشية ف نقلًا عن خط المصنف. 
9 كذا. وجاء عنهم الكسر. التاج "شيأ". 
10 المنصف 2: 99-100. 
11 من م. 
12 م: وقد وجدنا. 
13 زياد بن منقذ أو زياد بن حمل. وينسب إلى المرار بن منقذ وبدر بن سعيد. المنصف 2: 99 وشرح الحماسة للمرزوقي ص1390 وللتبريزي 3: 325 والأغاني 9: 154 وزهر الآداب 4: 195 والعيني 1: 257 وشرح شواهد المغني ص49 والخزانة 2: 391-393 ومعجم البلدان 1: 267 و5: 359 ومعجم ما استعجم ص161 واللسان والتاج "هضم". والهضم: جمع هضوم. وهو الذي ينفق ما له في الشتاء.

 

ص -332-      فأُشَيٌّ في الأصل "أُشَيْوٌ"؛ لأنَّ اللام الغالبُ عليها إذا كانت حرف علَّة أن تكون واوًا. فتكون على هذا موافقة لأَشياء في المعنى، ومخالفة لها في الأصل، فيكون ذلك من باب لؤلؤ ولأال، وسَبِط وسِبَطر. وذلك قليل جِدًّا.
ومن ذلك1 سَوايَةٌ. أعني أنه شَذَّ عن القياس، بحذف الهمزة منه التي هي لام. والأصل "سَوائِيَةٌ". وقد تَقَدَّمَ2.
ومن ذلك ما حكاه أبو زيد3 من قولهم: غَفَر الله مسائِيَتَكَ، جمع مَساءَة. والأصل "مساوِئتَكَ"، فقُلب فصار "مَسائِوتَك"، فجاءت الواو طرفًا بعد كسرة فقُلبت ياءً، وأُلحقت التاء التي تلحق لتأنيث الجمع، فصار مسائيتك.
فهذه المستثنيات لا يقاس على شيء منها.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 المنصف 2: 91-93.
2 انظر ص329.
3 في حاشية ف: "حكاه سيبويه فلا حاجة إلى أبي زيد". وانظر النوادر ص232 والمنصف 2: 93 والكتاب 2: 379.

 

ص -333-      [المعتلُّ اللام]:
فأمَّا المعتلُّ اللام فلا يخلو أن يكون اسمًا أو فعلًا. فإن كان فعلًا فلا يخلو من أن يكون على ثلاثة أحرف، أو على أزيد. فإن كان على ثلاثة أحرف فإنَّه يكون على "فَعَلَ" و"فَعُلَ" و"فَعِلَ" بفتح العين وضمِّها وكسرها:
أمَّا المفتوحة العين والمكسورتها فإنها تكون في ذوات الواو والياء. فمثال "فَعَلَ"1 من الياء: رَمَى، ومن الواو: غَزا. ومثال "فَعِلَ"2 من الواو: شَقِيَ،3 ومثاله من الياء: عَمِيَ.
وأمَّا المضمومةُ4 العين فلا توجد إِلَّا في الواو نحو: سَرُوَ. ولا تُوجد في الياء5 إِلَّا في التعجُّب نحو: لَقَضُوَ الرَّجُلُ!6 أصله "لقَضُيَ"، فقُلبت الياء واوًا لانضمام ما قبلها؛ لأنَّ الياء وقبلها الضَّمَّة بمنزلة الياء والواو. فكما أنَّ اجتماع الياء والواو ثقيل فكذلك الياء إذا كان قبلها ضمَّة، لا سيَّما والياء في محل التغيير. وهو الطَّرف. فلم يكن بدٌّ من قلب الياء حرفًا من جنس الضَّمَّة وهو الواو، أو قلب الضَّمَّة كسرة لتصحَّ الياء، فلم يمكن قلبُ7 الضَّمَّةِ كسرة كراهيةَ أن يلتبس "فَعُلَ" بـ"فَعِلَ"، فقُلبت الياء واوًا.
فإن قيل: ولأيِّ شيء امتنع بناءُ "فَعُلَ" من ذوات الياء؟ فالجواب8 أنَّ الذي مَنَعَ من ذلك أنهم لو فعلوا ذلك لأدَّى9 إلى الخروج من الخفيف إلى الثقيل؛ لأنه يلزم فيه كما ذكرنا قلبُ.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 المنصف 2: 111-112.
2 المنصف 2: 112.
3 م: سقي.
4 المنصف 2: 112 -113.
5 كذا، وقالوا: نَهُوَ يَنهُو. وهو من اليائيِّ.
6 تقول: لقضو الرجل، إذا بالغت في الخبر عنه بجودة القضاء. المنصف 1: 307.
7 م: وهو الواو وقلب.
8 المنصف 1: 113.
9 زاد في م: ذلك.

 

ص -334-      الياء واوًا، والياء أخفُّ من الواو، مع أنَّه يلزم أن يكون المضارع على "يَفعُلُ". فكنت تقول "رَمُوَ يَرْمُو"، فيجتمع لك في الماضي والمضارع ضمَّةٌ وواو وذلك ثقيل. وليس كذلك ذوات الواو؛ لأنَّه لا يلزم فيها1 أكثر من ثقل الواو والضَّمَّة نحو: "سَرُوَ يَسْرُو"، إذ ليس يلزم فيها خروج من خفيف إلى ثقيل.
وإنَّما ساغ ذلك في فعل التعجُّب؛ لأنَّه لا مضارع له، فقَلَّ فيه الثقل لذلك. وأيضًا فإنه يشبه الأسماء، ولذلك صَحَّحوا الفعل في نحو: ما أَطوَلَهُ! تشبيهًا له بـ"أطوَلَ منه". فكذلك أيضًا قَلَبوا الياء في مثل "رَمُوَ"2، إذا أرادوا التعجُّب، واوًا تشبيهًا له [49ب] بـ"فَعُلَة"3، ممّا لامه ياء، إذا بُنيَتْ على التأنيث، نحو "رَمُوة"4 من الرمي.
فإن قيل: وكيف شُبِّهت الياء المُتطرِّفة في الفعل بالياء غير المتطرِّفة في الاسم؟ بل كان يجب أن تُشبَّه5 بالياء المتطرِّفة. فكما أنَّ الياء المضموم ما قبلها، إذا كانت في آخر الاسم6، تُقلب الضَّمَّة كسرة نحو: أظْبٍ جمع ظَبْيٍ، فكذلك كان يجب فيما أشبهه من الفعل. فالجواب7:
أنَّ الذي مَنَعَ من قلب الياء المضموم ما قبلها واوًا في آخر الاسم [أنَّ الواو المضموم ما قبلها في آخر الاسم]8 مستثقلة، وهي مع ذلك معرَّضة لأن تليها ياء النسب وياء الإضافة، نحو "أَدْلُوِيّ" و"أَدْلُوِيْ"9 لو ثَبَتَتِ الواو. والفعل ليس بمعرَّض لذلك، فلم يُستثقل أن يكون آخره واوًا مضمومًا ما قبلها، كما استُثقل10 ذلك في الاسم. فلذلك شُبّه "رَمُوَ" في التعجُّب بـ"فَعُلَة" من الرَّمي نحو "رَمُوَة"؛ لأنَّ الواو إذ ذاك لا تليها ياءُ الإضافة كما أنَّ الفعل كذلك.
فإن كان الفعل على "فَعُلَ" بضمِّ العين فإنَّ لامه تصحُّ نحو "سَرُوَ"، إذ لا موجب للإعلال فيه؛ لأنَّ الضَّمَّة مع الواو بمنزلة واوين. فكما تصحُّ الواوان في مثل عدوّ، فكذلك تصحُّ الواو المضموم ما قبلها في آخر الفعل11. إِلَّا أن يكون من ذوات الياء فإنه يُصنع به ما ذكرنا من

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 م: فيه.
2 م: رموا.
3 م: فُعلة.
4 م: رُموة.
5 م: يشبه.
6 ف: اسم.
7 المنصف 2: 117-118.
8 من م.
9 م: أدلو.
10 م: استثقلت.
11 سقط "فكما تصح... آخر الفعل" من م. وانظر تعليقة لنا في ص348.

 

ص -335-      قلب الياء واوًا، لِما تَقَدَّمَ من ثقل الياء وقبلها الضَّمَّة، نحو: لَقَضُوَ الرَّجُلُ!
فإن خَفَّفتَ1 العين فقلتَ: لقَضْوَ الرَّجلُ! أَبقيتَ الواو على أصلها؛ لأنَّ التسكين عارض. وأيضًا فإنَّ الفعل إذا لَزم فيه الإعلال في بعض المواضع حُملت سائر المواضع على ذلك، وإن لم يكن فيها موجب، نحو: أَغزَيتُ2، قُلبت فيه الواو ياء حملًا على: يُغْزِي، وإن لم يكن في "أغزَيتُ" ما في "يُغزِي" من انكسار ما قبل الواو المتطرِّفة. فكذلك قُلبت الياء في "لَقَضْوَ" [واوًا]3 حملًا على "لَقَضُوَ"، وإن لم يكن في لغة المخفِّف ما قبل الياء مضمومًا.
فإن كان الفعل على "فَعِلَ" بكسر العين فلا يخلو من أن يكون من ذوات الياء، أو من ذوات الواو:
فإن كان من ذوات الياء بقي على أصله ولم يعتلَّ، نحو: غَنِيتُ" في الغُنية، كما لم يعتلَّ ما في آخره واو قبلها ضمَّة. بل إذا صحَّت الواو في مثل: سَرُوَ، فالأحرى أن تصحَّ الياء في مثل: غَنِيَ؛ لأنَّ الياءَ وقبلها الكسرة أخفُّ من الواو وقبلها الضَّمَّة.
وإن كان من ذوات الواو قُلبت الواو ياء، نحو: شَقِيَ ورَضِيَ4؛ لأنَّ الواو وقبلها الكسرة بمنزلة الياء والواو؛ لأنَّ الكسرة بعضُ الياء. فكما أنَّ الياء والواو إذا اجتمعتا5 في مثل سيِّد ومَيِّت قلبت الواو ياء، والأصلُ "سَيْوِدٌ" و"مَيْوِتٌ"، فكذلك يُفعل بالكسرة مع الواو. فإن سكَّنتَ العينَ6 قلتُ: شَقْيَ7 ورَضْيَ، ولم تَردَّ الواو؛ لأنَّ الإسكان عارضٌ. وأيضًا فإنك تَحمِل التخفيف على التحريك، كما فعلتَ ذلك في "لَقَضْوَ" للعلَّة التي ذكرنا.
وإن كان الفعل على وزن "فَعَلَ" بفتح العين فإنك تقلب حرف العلَّة ألفًا، ياءً كان أو واوًا، نحو: غَزا ورَمَى، من الغَزْو والرَّمْي. والسبب8 في ذلك اجتماع ثقل المِثلَينِِ -أعني فتحة العين واللام- مع ثقل الياءِ أو الواو9، فقلبت الياء والواو ألفين10 لخفَّة الألف؛ ولأنها لا تتحرَّك فيزولُ اجتماع المِثلَينِ؛ ولأنَّه ليس للياء والواو ما يقلبان إليه، أقربُ من الألف.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 م: لقضو الرجل خُففت.
2 م: أغريت.
3 من م.
4 م: "زكي". وضرب عليها بقلم مخالف، وأثبت في الحاشية: رضي.
5 م: اجتمعت.
6 سقط من م.
7 م: سقي.
8 المنصف 2: 116-117.
9 ف: والواو.
10 م: والعين.

 

ص -336-      لاجتماعهما معها1 في أنَّ الجميع حروف علَّة ولِين.
وأيضًا فإنَّه لَمَّا قُلبت الواو، إذا كان قبلها كسرةٌ، حرفًا من جنس الحركة التي قبلها -وهو الياء في نحو: رَضِيَ- والياءُ المضمومُ ما قبلها حرفًا2 أيضًا من جنس الحركة التي قبلها -وهو الواو في نحو: لَقَضُوَ- كذلك قُلبت الياء والواو، إذا انفتح ما قبلهما، حرفًا من جنس الحركة التي قبلهما. وهو الألف.
فإن3 بُنِي شيءٌ، من هذه الأوزان الثلاثة، للمفعول4 صُيّر الفعلُ على وزن "فُعِلَ" بضمِّ أوَّله وكسر ثانيه. فإن كان من ذواتِ الياء لم يَعتلَّ، كما لم يَعتلَّ "فَعِلَ"، نحو: عُنِيَ بزيدٍ ورُمِيَ السَّهمُ. وإن كان من ذوات الواو قُلبت الواو ياء، لانكسار ما قبلها، نحو: شُقِيَ به وغُزِيَ العدُوُّ، كما قُلبت في "فَعِلَ" نحو: شَقِيَ.
فإن خُفِّفَتِ5 العينُ بقيت الياء ولم ترجع الواو، نحو: غُزْيَ، كما لم تَرجع في "رَضِيَ" إذا خُفِّفَتْ. والدليل، على أنَّ الفعل بعد التخفيف يبقى على حكمه قبل التخفيف، قوله6:

تَهزأُ مِنِّي أُختُ آلِ طَيسَلَهْ                     قالَتْ: أَراهُ دالِفًا, قَد دُنْيَ لَهْ

يريد: قد7 دُنِيَ له -وهو من "دَنوتُ"- فأسكن [50أ] النون وأَقرَّ الياء بحالها.
فإن اتَّصل بشيء من هذه الأفعال علامةُ تأنيث فإنه يبقى على ما كان عليه، إن كان لامه في اللفظ ياءً أو واوًا -نحو: سَرُوَ ورَضِيَ وغُزِيَ- نحو: سَرُوَتِ المرأةُ ورَضِيَتْ هِندٌ وغُزِيَتِ الأعداءُ. وإن كان لامه ألفًا حُذفت لالتقاء الساكنين، نحو: رَمَتْ هِندٌ. وإن تحرَّكت التاء

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 م: لاجتماعهما معهما.
2 م: حرف.
3 م: وإن.
4 م: لما لم يسمّ فاعله.
5 المنصف 2: 124-125.
6 من أرجوزة تنسب إلى صخير بن عمير التميمي. ونسبها بعضهم إلى الأصمعي وإلى خلف الأحمر. وهي ذات الرقم 24 في الزيادات من كتابي المفضليات والأصمعيات. الأصمعيات ص273-278 والأمالي 2: 284 و285 والسمط ص929-930 وإرشاد الأريب 3: 4-5 وديوان المعاني 2: 73 والمنصف 2: 125 واللسان والتاج "طسل" والتاج "بلط" و"دنو". والشطر الثاني في اللسان "دنو" معلقًا عليه بما يلي: "وكان الأصمعي يقول في هذا الشعر الذي فيه هذا البيت: هذا الرجز ليس بعتيق، كأنه من رجز خلف الأحمر أو غيره من المولدين". وطيسلة: اسم علم، والدالف: الذي يقارب الخطو في المشي.
7 سقط من م.

 

ص -337-      لالتقاء الساكنين لم ترجع الألف؛ لأنَّ التحريك عارض، نحو: رَمَتِ المرأةُ والهِندانِ رَمَتا.
ومن العرب من يَعتدُّ بالحركة في "رَمَتا"، وإن كانت عارضةً, لشدَّة اتِّصال الضمير بما قبله حتَّى كأنَّه بعضه، فيردُّ الألف فيقول: رَماتا. وذلك ضرورة, لا يجيء إِلَّا في الشعر. وعليه قوله1:

لَها مَتنَتانِ, خَظاتَا, كَما                      أَكَبَّ, علَى ساعِدَيهِ, النَّمِرْ

أراد: خَظَتا. وقد يجوز أن يكون تثنية خَظاة2، كأنَّه قال: خظاتانِ. ولكنه حذف النون ضرورة، فيكون كقوله3:

ومَتْنانِ, خَظاتانِ                            كَزُحلُوقٍ, مِنَ الهَضْبِ

ومِن حذف نون الاثنين ضرورةً قولُه4:

هُما خُطَّتَا: إِمَّا إِسارٌ ومِنَّةٌ                      وإِمَّا دَمٌ, والقَتلُ بالحُرِّ أَجدَرُ

أراد: هما خُطَّتانِ -وممّا يُعزَى إلى كلام البهائم قولُ الحَجَلةِ للقطا: "قَطا قَطا، بَيضُك ثِنتا، وَبيضِي مِائتا" أي: ثِنتانِ5 ومِائتانِ- وقولُ الآخر6:

لَنا أَعنُزٌ, لُبْنٌ ثَلاثٌ,7 فبَعضُها                     لأولادِ ها ثِنتا, وما بَينَنا عَنْزُ

والأوَّل8 أَولى؛ لأنَّ له نظائر كثيرة من الاعتداد بالعارض، في الكلام وحذف نون الاثنين للضرورة قليل جدًّا.
فإن أُسند شيء من هذه الأفعال إلى ضمير رفع فلا يخلو أن يكون المسند ما في آخره ألف، أو ما في آخره ياء أو واو:

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 هو امرؤ القيس. ديوانه ص164 وشرح الشافية 2: 20 وشرح شواهده ص156-160. يصف فرسًا. وخظا: ارتفع. وقوله كما أكب على ساعديه النمر أي: كأن فوق متنها نمرًا باركًا لكثرة لحم المتن.
2 من قولك: خظا بظا، إذا كان كثير اللحم صلبه.
3 لأبي داود الإيادي. شعره ص288 وشرح شواهد الشافية ص157. والزحلوق: الحجر الأملس. ونسب البيت إلى عقبة بن سابق الجرمي في الخيل ص158 لأبي عبيدة.
4 لتأبط شرًّا من حماسية. ديوانه ص89 وشرح الحماسة للمرزوقي ص79 وللتبريزي 1: 78 والإسار: الأسر. والمنة: المن بإطلاق السراح.
5 م: بيضك بيت وبيضي مائتا أي بيتان. وانظر المغني ص238.
6 الخصائص 2: 430 وشرح الحماسة للمرزوقي ص80 وللتبريزي 1: 78 وضرائر الشعر ص107 وسر الصناعة ص487 وشرح القصائد السبع ص305 وشرح شواهد الشافية ص159. واللبن: جمع لبون، وهي ذات اللبن. وثنتا: ثنتان. وهو بدل من بعض.
7 في النسختين: سمان.
8 يعني الاعتداد بالحركة العارضة في نحو: رماتا. م: فالأول.

 

ص -338-      فإن كان ما في آخره ألف فإنه إن أُسند إلى ضمير غائب مفرد بقي على ما كان عليه قبل الإسناد، نحو: زيدٌ غَزا وعمرٌو رَمَى. وإنْْ أُسند إلى ضمير غائبَينِ رُدَّت الألف إلى أصلها، نحو: غَزَوَا ورَمَيا، ولم تُحذف لالتقاء الساكنين1، لئلَّا يلتبس فعل الاثنين بفعل الواحد.
وإن أُسند إلى ضمير غائبِينَ حُذفت لالتقاء الساكنين وعدم اللَّبس، نحو: غَزَوْا ورَمَوْا. وإن أُسند إلى ضمير غائبات رُدَّتِ2 الألف إلى أصلها، ولم تعتلَّ، نحو: غَزَوْنَ ورَمَيْنَ؛ لأنَّ ما قبل نون3 جماعة المؤنَّث ساكنٌ أبدًا، وحرف العلَّة إذا سكن وانفتح4 ما قبله5 لم يعتلَّ إِلَّا في "يَوْجَلُ" خاصَّة6.
وإن أُسند إلى ضمير متكلِّم أو مخاطَب، كائنًا ما كان، رددتَ 7 الألف إلى أصلها من الياء أو الواو، نحو: رَمَيتُ وغَزَوتَ، ورَمَيتُما وغَزَوتُما، ورَمَيتُم وغَزَوتُم، وَرَمَيْتُنَّ وغَزَوتُنَّ، ورَمَينا وغَزَونا؛ لأنَّ ما قبل ضمير المتكلِّم أو المخاطَب أبدًا ساكن أيضًا.
وإن كان8 ما في آخره ياء أو واو فإنه إن أُسند إلى ضمير غائب9 أو مخاطَب أو متكلِّم بقي10 على حاله لا يتغيَّر، نحو: رَضِيَ وسَرُوَ، ورَضِيا وسَرُوَا، ورَضِيْنَ وسَرُوْنَ، ورَضِيْتَ ُِوسَرُوتَ ُِ, ورَضِيتُما11 وسَرُوتُما، ورَضِيتُم وسَرُوتُم، ورَضِيتُنَّ وسَرُوتُنَّ ورَضِينا وسَرُونا. إذ لا موجب لتغييرها عن حالها، إِلَّا أن يكون الضمير ضمير جماعة مذكَّرينَ غائبين12 فإنك تحذف الواو والياء، وتضمُّ ما قبل واو الجمع13 نحو: رَضُوْا وسَرُوْا.
وسبب ذلك أنَّ الواو يتحرَّك ما قبلَها أبدًا بالضمِّ14 نحو: ضَرَبُوا. فلو قلتَ "رَضِيُوا"15 و"سَرُوُوا"16 لاستَثقلتَ الضَّمَّة في الياء والواو لتحرُّك ما قبلهما، فيجب حذفُها فيجتمع.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 في حاشية ف أن الساكنين هما الألف المنقلبة عن لام الفعل وألف الاثنين.
2 ف: رددت.
3 سقط من م.
4 م: أو انفتح.
5 سقط من م.
6 كذا. وانظر ص286.
7 سقط من م.
8 سقط من م.
9 م: غائبات.
10 سقط من م.
11 م: رضوتما.
12 م: عاقلين.
13 م: الجميع.
14 م: بالضمَّة.
15 م: رَضيوا.
16 م: سروا.

 

ص -339-      ساكنان: واو الضمير والياء والواو اللتان قبلها1. فتَحذف ما قبل واو الضمير؛ لأنَّ حذف الحرف أسهل من حذف الاسم، فتقول: "سَرُوا". وتَضمُّ بعد الحذف ما قبل الواو في مثل "رَضِيَ" فتقول رَضُوا، لتسلم واو الضمير؛ لأنك لو أَبقيتَ الكسرة لانقلبتْ واو الضمير ياء, لسكونها وانكسار ما قبلها، فكنتَ تقول "رَضِي", فيلتبس الجمع بالمفرد.
هذا ما لم يكن ما قبل الياء والواو ساكنًا. فإن كان ما قبلهما ساكنًا نحو: رَضْيَ وسَرْوَ، فإنَّ الياء والواو يجريان مجرى الحرف الصحيح، فلا يحذفان أصلًا، نحو: رَضْيُوا وسَرْوُوا2. ولا تُردُّ [الياءُ]3 إلى أصلها من الواو في "رَضْيُوا" كما لم تُردَّ4 في المفرد.
وأمَّا حكم المضارع من هذه الأفعال فإنَّ الماضي إن كان على "فَعُلَ" أتى مضارعه أبدًا على "يَفْعُلُ"، كما كان ذلك في الصحيح، فتقول: يَسْرُو. وإن كان على "فَعِل" فإنَّه يأتي مضارعه على "يَفْعَلُ"، فيتحرَّك حرف العِلَّة، وما قبلَه مفتوحٌ, فينقلب ألفًا5. [50ب] نحو: يَرْضَى، على قياس الصحيح. فإن كان على "فَعَلَ" فإنَّ مضارعه، إنْ كان من ذوات الياء، على "يَفْعِلُ" بكسر العين6 نحو: يَرْمِي، وإن كان من ذوات الواو، على "يَفْعُلُ" نحو: يَغزُو.
فإن قيل: فلأيِّ شيء لم يجئ مضارع "فَعَلَ" على قياس الصحيح، كما جاء ذلك في "فَعِلَ" و"فَعُلَ"، فيكونَ تارة على "يَفْعِلُ" وتارةً على "يَفْعُلُ" بالضمِّ والكسر، في ذوات الياء وذوات الواو؟ فالجواب أنهم لو فعلوا ذلك لالتبست ذوات الياء بذوات الواو؛ ألا ترى أنَّ مضارع "غَزا" لو جاء على "يَفْعِلُ" لكان "يَغزِي"، فيصير كـ"يرمي". وكذلك مضارع "رَمَى"، لو جاء على "يَعفُلُ" لقلتَ "يَرمُو" كـ"يَدعُو".فالتزموا في مضارع ذوات الواو "يَفْعُلُ"، وفي مضارع ذوات الياء "يَفْعِلُ"، لئلَّا تختلط ذوات الياء بذوات الواو.
فإن قيل: فهلَّا فَعلوا ذلك في مضارع "فَعِلَ" و"فَعُلَ". أَعني يلتزمون "يَفْعُلُ" في ذوات الواو7، و"يَفْعِلُ" في ذوات الياء، خوفَ الالتباس. فالجواب أنهم لو فعلوا ذلك لأخرجوا مضارعهما عن قياس نظائرهما من الصحيح؛ لأنَّ "يَفْعلُ" من "فَعُلَ" المضمومِ العين في

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1: م: قبلهما.
2 م: سروا.
3 من م.
4 م: كما لم تردها.
5 أغفل انقلاب الواو ياء حملًا على الماضي. فهو يَرضَوُ، ثمَّ يَرضَيُ، ثمَّ يَرضَى. انظر ص355.
6 سقط "بكسرِ العين" من م.
7 م: الياء.

 

ص -340-      الصحيح إنَّما يأتي مضموم العين، و"يَفْعلُ" من "فَعِلَ" المكسور العين إنَّما يأتي على "يَفْعَلُ" بفتح العين، إِلَّا ما شذَّ نحو: حَسِبَ يَحسِبُ. وليس كذلك "فَعَلَ"، بل يأتي على "يَفْعِلُ" و"يَفْعُلُ"، بضمِّ العين وكسرها. فإذا التزموا في ذوات الياء "يَفْعِلُ" وفي ذوات الواو "يَفْعُلُ"، لم يخرجوا عن قياس المضارع، بل أَتَوا بأحد الجائزين.
وأيضًا فإنَّ المعتلَّ اللام أُجري مُجرى المعتلِّ العين. فكما أنَّ "فَعَلَ" المعتلَّ العين يُلتَزَمُ1 في ذوات الواو منه "يَفْعُلُ" بضمِّ العين، وفي ذوات الياء "يَفْعِلُ" بكسرها، فكذلك المعتلُّ اللام. إِلَّا ما شذَّ من ذلك فجاء على "يَفْعَلُ" بفتح العين نحو: أَبَى يأبَى، أو ما كان عينه حرف حلق نحو: نأَى يَنأَى، فإنَّ المضارع يأتي أبدًا على "يَفْعَلُ" بفتح العين، كما كان ذلك في الصحيح.
ووجه مجيء2 مضارع" أبَى" على "يَفْعَلُ" تشبيه الألف بالهمزة، لقربها منها في المخرج. فكما أنَّ ما لامه حرف حلق من "فَعَلَ" يأتي مضارعه على "يَفْعَلُ"، نحو: يقرأُ، فكذلك3 ما لامه ألفٌ.
وما كان من ذلك لِما لم يُسمَّ فاعله فإن مضارعه أبدًا يأتي على "يُفْعَلُ" بفتح العين وضمِّ أوَّل الفعل، نحو: يُرْضَي ويُغْزَى، على قياس الصحيح، ثمَّ يُقلب حرف العلَّة ألفًا4، لتحرُّكه وانفتاح ما قبله.
وحكمُه5 أبدًا إذا أُسند إلى الألفِ التي هي ضمير المثنَّى، أو الواو التي هي ضمير جماعة المذكَّرِينَ، أو النونِ التي هي ضمير جماعة المؤنَّثات، حكمُ الماضي المعتلّ اللام إذا أُسند إلى شيء من ذلك. وقد تَقَدَّمَ إِلَّا أنَّك إذا قلبتَ الألف في الماضي رددتها إلى أصلها من ياء أو واو نحو: غَزَوَا ورَمَيا، وإذا قلبتَ الألف في المضارع رددتَها أيضًا إلى أصلها، من ياء أو واو، نحو: "يَخشَى" تقول: يَخشَيانِ، وفي 6 "يَبْأى" من البأْو: 7 يَبْأَوانِ.
إِلَّا أن تكون الواو قد قُلبت ياء في الماضي، فإنَّ المضارع يَجري على قياس الماضي، فتُردُّ الألف إلى الياء فتقول في "يَرضَى": يَرضَيانِ، وفي "يَشقَى": يَشقَيانِ، كما قالوا: رَضِيَ وشَقِيَ.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 م: يلزم.
2 م: ذلك في الصحيح العين فيجيء.
3 م: وكذلك.
4 أغفل انقلاب الواو ياء حملًا على الماضي. فهو يُغزَوُ، ثمَّ يُغْزَيُ، ثمَّ يُغْزَى.
5 أي: حكم المضارع.
6 سقط من م.
7 البأو: الفخر والتكبر.

 

ص -341-      فحَملوا المضارع على الماضي في الإعلال، وإن لم يكن في المضارع كسرةٌ قبل الواو تُوجب قلبها ياء، كما كان ذلك في الماضي. وإذا حملوا اسم الفاعل والمفعول على الفعل في الإعلال، في نحو: قائل وبائع ومَقُول ومَبِيع، فحملُ الفعلِ أَوْلى.
إِلَّا لفظةً واحدةً شذَّت فقُلبت الألف فيها ياء وأصلها الواو، ولم تُقلب في الماضي ياء، وهي1: شأَى2 يَشْأَى، من الشَّأو3, فإنهم قالوا: يَشْأَيانِ، وكان القياسُ "يَشْأَوانِ". لكنَّهم شذُّوا فيه فقلبوا الألف ياء لغير مُوجِب. وعلَّل ذلك أبو الحسن بأن قال: لمَّا كان "شأَى": "فَعَلَ"، وجاء مضارعه على "يَفعَلُ" نحو: "يَشأَى" -و"يَفعَلُ" إنَّما هو مضارع "فَعِلَ" المكسور العين- عاملوه معاملة مضارع "فَعِلَ" من ذوات الواو، نحو: رَضِيَ4 يَرضَى. فكما قالوا: "يَرضَيانِ" قالوا: يَشْأَيانِ.
وهذا الذي علَّل به أبو الحسن باطلٌ؛ لأنَّ "شأَى" عينه5 حرف حلقٍ، وما عينه حرف حلق فإنَّ قياس مضارعه أن يجيء على "يَفْعَلُ" بفتح العين، نحو: جأرَ يَجأرُ. ولو كان هذا القَدْر يوجب قلب الألف ياء لوجب أن تَثبُت الواو في مثل: يَطأُ ويَسَعُ، كما يُفعَلُ6 ذلك في [51أ] مضارع "فَعِلَ" الذي فاؤه7 واو، نحو وَجِلَ يَوْجَلُ. فكما لم يُرْع هنا شَبَهُه بـ"فَعِلَ"، فكذلك ينبغي أن يُفعل في "يَشأَى".
وكأنَّ أبا الحسن أخذ هذا التعليل من سيبويه، حيث علَّل كسرَ أوَّل "تِئبَى"، وإن8 كان الماضي على "فَعَلَ"، وإنَّما يُكسر أوَّل المضارع من "فَعِلَ"، بكون المضارع جاءَ على "يَفْعَلُ"9. فلمَّا جاء مضارعُه كمضارعِ "فَعِلَ" المكسور العين كُسر أوَّل المضارع، كما يُكسر أَوَّل المضارع من "فَعِلَ".
وليس ما ذهب إليه أبو الحسن مثل ما ذكر سيبويه؛ لأنَّ "أَبَى" ليس لامه10 حرفَ حلق، فكان قياس مضارعه أن يجيء على "يَفعِلُ" بكسر العين، فجاء مضارعه مفتوح العين كمضارع "فَعِل". فتوهُّمُ ماضي "يأبَى" على "فَعِل" توهُّمٌ صحيح.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 في النسختين: وهو.
2 سقط من م. وشأى القوم: سبقهم.
3 م: الشأى.
4 سقط من م.
5 سقط من م.
6 ف: كما تفعل.
7 م: لامه.
8 انظر الكتاب 2: 256 م: ولو.
9 م: يفعُل.
10 كذا. والصواب: ليس عينه أو لامه.

 

ص -342-      وما كان من هذه الأفعال المضارَعة في آخره واو أو ياء فإنه يكون في موضع الرفع1 ساكنَ الآخر نحو: يَغزُو ويَرمِي. فتُحذف الضَّمَّة لاستثقالها في الياء والواو؛ لأنها مع الواو بمنزلة واوين، ومع الياء بمنزلة ياء وواو. وذلك ثقيل.
ويكون2 في موضع الجزم محذوف الآخِر، نحو: لم يَرمِ ولم يَغْزُ. وإنَّما حُذفت الياء والواو في الجزم، لئلَّا يكون لفظ المرفوع كلفظ المجزوم لو أُبقيَت الياء والواو. وأيضًا فإنَّ الياء والواو لمَّا عاقبَتا الضَّمَّة فلم تظهر معهما، أُجريَتا مُجرى الضَّمَّة، فحُذفتا للجزم كما تُحذف الضَّمَّة.
ويكون3 في موضع النَّصب4 مفتوح الآخِر، نحو: لن يَغزُوَ ولن يَرمِيَ؛ لأنَّ الفتحة خفيفة. وقد تُسْكِن الياء والواو في موضع النصب ضرورةً5، تشبيهًا لها بالضَّمَّة أو للياءِ والواوِ بالألف, فتقول: لن يَغزُوْ ولن يَرمِيْ. ومن ذلك قولُه6:

وأَن يَعرَيْنَ, إِن كُسِيَ الجَوارِي                  فتَنبُوْ العَينُ, عن كَرَمٍ, عِجافِ.

يريد: فتَنبُوَ العينُ. وقولُ7 الأخطل8:

إِذا شئتَ أن تَلهُوْ, بِبَعضِ حَدِيثِها,                 رَفَعْنَ, وأَنزَلْنَ القَطِينَ, المُوَلَّدا

كما أنهما قد تُثبِتُ فيهما الضَّمَّة، ولا تَحذف في الجزم آخرَ المعتلِّ، وتجريه مُجرى الصحيح9 -وذلك في الضرورة أيضًا- نحو: يَغزُوُ ويَرمِيُ. وعلى ذلك قوله10.

ألَم يأتِيكَ, والأنباءُ تَنمِي                        بِما لاقَتْ لَبُونُ بَنِي زِيادِ؟


ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 المنصف 2: 113-114.
2 م: وتكون.
3 في النسختين: وتكون.
4 المنصف 2: 114-115.
5 هذا هو الشائع لدى جمهور النحاة. والصواب أنه ليس ضرورة. بل هو للتخفيف.
6 هو عيسى بن فاتك الخارجي أو أبو خالد القناني أو سعيد بن مسحوج أو عمران بن حطان. اللسان "كرم" و"كسا" والخصائص 2: 212 و342 واللسان والتاج "عجف" والكامل ص895 وشرح شواهد المغني ص300 وعيون الأخبار 3: 97 والوحشيات ص90 ومعجم الشعراء ص95-96 والأغاني 16: 146. وكرم: كريمات. يذكر بناته وأنهن كن سبب قعوده عن نصرة الخوارج.
7 في النسختين: وقال.
8 ديوانه ص90 والمنصف 2: 115 والخزانة 3: 529. ورفعن: سرن سيرًا دون العدو. والقطين: الخدم. يقول: إذا أردت أن تلهو بحديثهن أسرعن السير وأنزلن خدمهن لئلا يسمعوا حديثهن.
9 م: "ولا تحذف إجراء للمعتل مجرى الصحيح". وكذلك في إحدى النسخ كما جاء في حاشية ف.
10 قيس بن زهير العبسي. الكتاب 2: 59 والمنصف 2: 114-115 والمغني ص108 وشرح شواهده ص113 والإنصاف ص30 وشرح الشافية 3: 184. وشرح شواهدها ص408 والعيني 1: 230-234 واللسان والتاج "أتي". يفخر بنهبه إبل بني زيد وبيعها. واللبون: ذات اللبن من النوق.

 

ص -343-      وقولُ الآخر1:

هَجَوتَ زَبَّانَ, ثُمَّ جِئتَ مُعتَذِرًا               مِن هَجْوِ زَبَّانَ, لَم تَهجُو, ولَم تَدَعِ

فكأنهما قبلَ دخول الجازم عليهما كانا "يأتيُكَ" و"تَهجُوُ"2، فدخل الجازم فحذف الحركة. ومنهم من حمل "ألم يأتيك" و"لم تهجو" على حذف الضَّمَّة المقدَّرة. وما قَدَّمناه أَولى، لئلَّا يؤدِّي ذلك إلى كون المجزوم والمرفوع على صورة واحدة.
وما كان منها في آخره ألف فإنَّه يكون في موضع الرفع والنصب ساكنَ الآخر، لتعذُّر الحركة في الألف، وفي موضع الجزم محذوفَ الألف، لمعاقبتها الحركةَ. فكما أنَّ الجازم يَحذف الحركة فكذلك ما عاقبها.
وزعم بعض النحويِّينَ3 أنَّ العرب قد تُثبِتُ الألف في الجزم ضرورةً، فتَحذف الحركة المقدَّرة، وتُجريها في الإثبات مُجرى الياء والواو، وإن لم يكن تحريكها كتحريكهما. واستدلَّ على ذلك بما أنشده أبو زيد من قوله4:

إِذا العَجوزُ غَضِبَتْ فطَلِّقِ                             ولا تَرضَّاها, ولا تَمَلَّقِ

وبقراءة حمزةَ: "لا تَخَفْ دَرَكًا ولا تَخشَى"5، بجزم "تَخَفْ" وإثبات الألف في "تَخشَى"؛ ألا ترى أنَّ "تَخشَى" معطوف على "لا تخفْ" وهو مجزوم؟ وكذلك أيضًا "تَرضَّاها" في موضع جزم بـ"لا"؛ ألا ترى أنَّه قد عُطِفَ عليه "ولا تملَّقِ" وهو مجزوم؟.
ولا حجَّة عندي في شيء من ذلك: أمَّا قوله تعالى "ولا تَخشَى" فيحتمل أن يكون خبرًا مقطوعًا، كأنَّه قال: وأنت لا تَخشَى، امتثالًا لنهينا لك. وكذلك "ولا تَرضَّاها" يحتمل أن يكون جملة خبريَّة، في موضع الحال، كأنه قال: فطَلِّقْ وأنت لا تَرضَّاها. ويكون "ولا تَمَلَّقِ" نهيًا معطوفًا على جملة الأمر التي هي: فطلِّقِ.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ينسب إلى أبي عمرو بن العلاء واسمه زبان، مخاطبًا به الفرزدق. المنصف 2: 115 والإنصاف ص24 وشرح الشافية 3: 184 وشرح شواهدها ص406-407 والعيني 1: 234-236. يريد: هجوتني ثمَّ اعتذرت. فكأنك لم تهج، على أنك لم تدع الهجو.
2 م: يهجو.
3 في حاشية ف: هو ابن بابشاذ.
4 ينسب إلى رؤبة. ديوانه ص179 والمنصف 2: 115 و2: 78 والخصائص 1: 307 والضرائر ص174 والعيني 1: 236 وشرح المفصل 10: 106 والإنصاف ص10 وشواهد التوضيح ص20 وسر الصناعة 1: 29 والدرر واللوامع 1: 28 واللسان والتاج "رضو". وانظر ديوان سلامة بن جندل ص173.
5 الآية 77 من سورة طه.

 

ص -344-      فإن كان الفعل على أزيد من ثلاثة أحرف فلا يخلو من أن يكون الفعل مبنيًّا للفاعل أو للمفعول.
فإن كان مبنيًّا للفاعل فإنَّ حرف العلَّة1 ينقلب ألفًا. لتحرُّكه وانفتاح ما قبله، إن كان ياء نحو: استَرمَى ورامَى ووَلَّى. وإن كان حرف العلَّة واوًا قُلب ياء، ثمَّ قُلبت الياء ألفًا لتحرُّكها وانفتاح ما قبلها، نحو: أَغزاه واستَدعاه واستَدناه. أصلها "أَغْزَوَ" و"استَدْعَوَ" و"استَدْنَوَ". ثمَّ قلبت الواو ياء فصار "أَغزَيَ" و"استَدْعَيَ" و"استَدْنَيَ". ثمَّ قلبت الياء [51ب] ألفًا، لتحرُّكها وانفتاح ما قبلها، كما كان ذلك فيما كان على ثلاثة أحرف إذا انفتح ما قبلَ حرف العلَّة.
فإن قيل: ولأيِّ شيء قُلبت الواو في الفعل ياء، إذا وقعت طرفًا رابعة فصاعدًا، وليس معها ما يوجب قلبها ياء؟ فالجواب أنها في ذلك محمولة على المضارع، نحو: يُغزي ويَستَدنِي ويَستَدعِي. وقُلبت في المضارع ياء لانكسار ما قبلها، كما قلبت في مثل: شَقِيَ2 ورَضِيَ.
فإن قيل: فلأيِّ شيء انقلبت الواو ياء في مثل "تَفاعَلَ" و"تَفَعَّلَ"، نحو: تَرَجَّى وتَغازَى، وليس لها ما يوجب قلبها في الماضي ولا في المضارع؟ ألا ترى أنَّ ما قبل الآخِر3 في المضارع مفتوح، كما أنَّ الماضي كذلك، نحو: يَتغازَى ويَتَرجَّى؟ فالجواب أنَّ التاء في "تَرجَّى" و"تَغازَى" وأمثالهما إنَّما دخلت على "رَجَّى" و"غازَى". وقد كان وجبَ قلبُ الواو ياء في "غازَى" و"رَجَّى"، حملًا على: يُرَجِّى ويُغازِى4. فلمَّا دخلت التاء5 بقي على ما كان عليه.
فإن رددتَ شيئًا من ذلك إلى ما لم يُسمَّ فاعله ضممتَ الأوَّل وكسرت ما قبل الآخِر، وصارت الألف التي كانت في الآخِر ياء، نحو: أُغْزِيَ واستُرْمِيَ واستُدْعِي واستُدْنِيَ، من ذوات الواو6 كان الفعل أو من ذوات الياء7 وإنَّما قُلبت الواو ياء إمَّا بالحمل على فِعل الفاعل، أو لأجل انكسار ما قبلها كما قلبت في مثل: شَقِيَ8.
وأمَّا المستقبل9 فيجيء أبدًا على قياس نظيره من الصحيح. فإن كان ما قبل حرف العلَّة فتحةً قُلب ألفًا10، نحو: يَتغازَى ويَتَرَجَّى، ويُغزَى ويُستَدعَى ويُستَرمَى. وإن كان ما قبله كسرةً

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 يريد: في الفعل الماضي.
2 م: سقي.
3 م: الأحرف.
4 م: تغازى.
5 م: الياء.
6 م: الياء.
7 م: الواو.
8 م: سقى.
9 المبني للفاعل والمبني للمفعول.
10 كذا. والواو تُقلب ياء، ثمَّ تُقلب الياء ألفًا.

 

ص -345-      ثَبَتَ، إن كان ياء نحو: أَستَرمِي، وإن كان واوًا قُلبت ياء نحو: يُغزِي ويَستَدعِي ويَستَدنِي.
ويكون حكم ما في آخره ألف، من الماضي أو المضارع المزيد، في الإسنادِ إلى الضمير المرفوع، أو اتصالِ تاء التأنيث بالماضي، كحكم غير المزيد في القلب والحذف والإثبات، وحكم ما في آخره ياء قبلها كسرة كحكم الماضي غير المزيد في الإثبات والحذف. إِلَّا أنك إذا قلبت الألف لم تَرُدَّها في المزيد إلى أصلها، بل تَردُّها إلى الياء، من ذوات الياء كان الفعل أو من ذوات الواو، نحو: أَغزَينا واستَدنَينا واستَدعَينا، للعِلَّة التي ذكرنا من الحمل على المضارع.
وإن كان المعتلُّ اسمًا فلا يخلو من أن يكون على ثلاثة أحرف أو على أزيدَ. وكيفما كان فإنه لا يخلو من أن يكون ما قبل حرف العلَّة، ياء كان أو واوًا، ساكنًا أو متحرِّكًا. فإن كان ساكنًا فلا يخلو أن يكون الساكن حرف علَّة أو حرفًا صحيحًا.
فإن كان الساكن حرفًا صحيحًا1 جرت الياء والواو مجرى حرف2 الصِّحَّة، ولم تَتغيَّرا3، نحو: غَزْوٍ وظَبْيٍ.
إِلَّا أن يكون [الاسم]4 على [وزن]5 "فَعْلَى"6 ممّا لامه ياء. وذلك قولهم: شَرْوَى وتَقْوَى7 وفَتْوَى. فإنَّ العرب تُبدل من الياء واوًا في الاسم، والصفةُ تُتركُ على حالها نحو: خَزْيا وصَدْيا ورَيّا8.
وإنَّما فعلوا ذلك تفرقةً بين الاسم والصفة. وقلبوا الياء واوًا في الاسم دون الصفة؛ لأنَّ الاسم أخفُّ من الصفة؛ لأنَّ الصفة تُشبه الفعل، والواو أثقل من الياء. فلمَّا عزموا9 على إبدال الياء واوًا جعلوا ذلك في الاسم لخِفَّته، فكان عندهم من أجل ذلك أَحمل للثقل
وكأنَّ العرب جَعلَت قلب الياء واوًا في هذا عِوضًا من غلبة الياء على الواو؛ ألا ترى أنَّ انقلاب الواو إلى الياء أكثر من انقلاب الياء إلى الواو؟ , وإِلَّا فليس ذلك بقياس. أعني قلب الأخفّ

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 المنصف 2: 122.
2 م: حروف.
3 م: لم تتغير.
4 من م.
5 من م.
6 المنصف 2: 157-160.
7 كذا. و"تقوى" من المعتل الفاء واللام.
8 كذا. و"ريا". من المعتل العين واللام.
9 م: لأنَّ الصفة تشبه الواو والفعل أثقل من الواو فيما زعموا.

 

ص -346-      -وهو الياء- إِلى الأثقل. وهو الواو. ولولا ما ورد1 السماع به لم يُقَل. لكنَّ الذي لحظت2 العرب في ذلك -والله أعلم- ما ذكرنا. وإنَّما خصُّوا بها الفعل المعتلَّ اللام دون المعتلِّ العين أو الفاء؛ لأنها أَقبَلُ للتغيير لتأخُّرها وضعفها.
والشَّرْوَى3 من [شَرَيتُ]4، والتَّقْوَى من "وَقَيتُ"، والفَتْوَى من ذوات الياء بدليل قولهم: الفُتْيا5، بالياء، ولا تحمل6 الفُتْيا على القُصْيا -أعني ممّا قُلبت فيه الواو ياء- لأنه7 لا نعلم8 لها أصلًا في الواو. ومع هذا فإنَّ الفُتْيا تقوية9 لنفس المستفتي، فهو من معنى الفتَى10 والفَتاء11.
أو يكونَ12 الاسم على وزن13 "فُعْلَى" وتكونَ لامه واوًا. فإنَّ العرب تبدل من الواو ياء في الاسم. وذلك نحو: العُلْيا والدُّنْيا والقُصْيا. الأصل فيها "الدُّنْوَى" و"العُلْوَى" و"القُصْوَى". فقُلبت الواو ياء. والدليل على ذلك14 أنَّ الدُّينا من الدنوِّ، والعُليا من "عَلوتُ"، وأنهم قد قالوا في القُصيا: "القُصْوَى"، فأظهروا الواو.
فإن قال قائل: فإنَّ القُصيا والعُليا والدُّنيا صفات. فالجواب أنها قد استُعملت استعمال الأسماء [52أ] في وِلايتِها العواملَ وتركِ إجرائها تابعةً15. فلذلك قُلبت فيها16 الواو ياء.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 يريد: ولولا ورود. انظر ص291.
2 م: لحظته.
3 م: السروى.
4 من م.
5 م: الفتي.
6 م: ولا يحمل.
7 المنصف 2: 158: لأنا.
8 ف: لا يعلم.
9 المنصف 2: 158: فإن في الفتيا تقوية.
10 في النسختين: الفتا.
11 أُقحمت بعده مسألتا "ريّا" و"العوّى" في م وبعض النسخ، كما جاء في حاشية ف وفي طيارة أُلحقت بها. وسترد هاتان المسألتان في المعتلِّ العين واللام. فكأنَّ ابن عصفور تابع ابن جني في المنصف 2: 158-160، فأقحمهما سهوًا في المعتلِّ اللام. ثمَّ استدرك فنقلهما إلى المعتلِّ العين واللام. فكان هذا الخلاف في النسخ. والعجب أن بعض النسخ أثبتت هاتين المسألتين مع غيرهما في خاتمة المعتلِّ العين.
12 معطوف على قوله "يكون" في ص342. وقد جاء هذا النص من هنا إلى قوله "سائر أبيات القصيدة" مثبتًا على الطيارة بعد مسألتي "ريّا" و"العوّي"، مع أنه وارد في موضعه هنا في ف. فهو مكرر سهوًا.
13 المنصف 2: 161-163.
14 في م والطيارة: ألا ترى.
15 المنصف: قد أُخرجت إلى مذاهب الأسماء بتركهم إجراءها وصفًا في أكثر الأمر، واستعمالهم إياها استعمال الأسماء.
16 في النسختين والطيارة: فيه.

 

ص -347-      فإن كانت صفة بقيت على لفظها ولم تُقلب الواو ياء، نحو:1 خُذِ الحُلْوَى وأَعطِه المُرَّى.
وقد شَذَّ من "فُعْلَى" الاسم شيءٌ، فلم تُقلب فيه الواو ياء. وذلك: القُصْوَى2 وحُزْوَى اسمَ موضع. وكأنَّ القُصْوَى -والله أعلم- إنَّما صَحَّت فيه الواو تنبيهًا على أنَّه في الأصل صفة.
وإنَّما قُلبت الواو ياء في الاسم دون الصفة، فرقًا بين الاسم والصفة. وكان التغيير هنا3 في الاسم دون الصفة4، كما5 كان التغيير في "فَعْلَى" من الياء في الاسم دون الصفة6، ليكون قلب الواو هنا ياء كالعِوَض من قلب الياء [هنالك]7 واوًا. وهذا أحسن -أعني قلب الواو إلى الياء- لأنَّ في ذلك تخفيفًا للثقل؛ لأنَّ الياء أخفُّ من الواو. وهو مع ذلك على غير قياس؛ لأنَّه قلب لغير موجِب. ولولا وُرود السماع بذلك لما قيل.
فأمَّا "فُعْلَى"8 من الياء، اسمًا كانت أو صفة، فإنها لا تُغيَّر عما تكون عليه؛ لأنهم إذا كانوا يفِرُّون فيها من الواو إلى الياء فإذا وجدوا الياء فينبغي ألَّا يُجاوزوها، كما أنَّ "فَعْلَى" من الواو لا تُغيَّر عمَّا تكون عليه، اسمًا أو صفةً، لكونهم يفِرُّون فيها من الياء إلى الواو. فإذا وجدوا الواو فينبغي ألَّا يُعدَل عنها.
وأمَّا "فِعْلَى"9 فينبغي أن يَبقَى10 على الأصل ولا يُغيَّر11, من الياء كان أو من الواو؛ لأنَّ التغيير في "فَعْلَى" و"فُعْلَى" على غير قياس، ولولا السماع لما قيل به، ولم يرد سماع بتغيير في "فِعْلَى". فينبغي أن يبقى على الأصل. وأيضًا فإنَّ التغيير إنَّما وقع في هذا الباب فرقًا بين الاسم والصفة، و"فِعْلَى" لا يكون12 صفة13. فلا ينبغي أن يُغيَّر؛ لأنَّه لا يحصل بتغييره فرق بين شيئين.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 المنصف 2: 162-163.
2 القصوى: طرف الوادي.
3 أي: في فُعلى.
4 ف: الوصف.
5 سقط من م حتى "دون الصفة".
6 ف: الوصف.
7 أي: في فَعْلَى. وهذه الكلمة زيادة من م والطيارة.
8 م: فَعلى.
9 المنصف 2: 163.
10 ف: أن تبقى.
11 ف: ولا تغير.
12 ف: لا تكون.
13 كذا. وذكر في ص67 أنه يجيء صفة بالهاء نحو:رَجلٌ عِز هاةٌ. وذكره ابن القطاع بغير هاء. انظر المزهر2: 14. وكذلك كِيصَى. انظر التاج "عزه".

 

ص -348-      وإن كان الساكن حرف علَّة فلا يخلو أن يكون ياء أو واوًا أو ألفًا. فإن كان ألفًا فإنَّ الياء والواو يُقلبان بعدها همزة، إذا وقعتا1 طرفًا نحو: كِساء وسِقاء؛ لأنهما من "كَسَوتُ" و"سَقَيتُ". وإنَّما فُعل ذلك بهما لوقوعهما في محلِّ التغيير -وهو الآخر- مع أنَّ ما قبلهما مفتوح، وليس بين الفتحة وبينهما إِلَّا حرف ساكن زائد من جنس الفتحة. فكأنه لم يقع بينهما وبين الفتحة حاجز. فكما أنَّ الياء والواو يُقلبان إلى الألف، إذا انفتح ما قبلهما وكانا2 في الطرف، فكذلك قلبا في هذا الموضع. فلمَّا قُلبت الياء والواو ألفًا التقى ساكنان: الألف المبدلة والألف الزائدة قبلها، فقُلبت الثانية همزة لالتقاء الساكنين؛ إذ لا بدَّ من التحريك، وتحريكُ الألف لا يمكن3. فقُلبت إلى أقرب الحروف لها، ممّا يقبل الحركة. وهو الهمزة4.
وكذلك تفعل أيضًا, إذا دخل على الكلمة تاءُ التأنيث، أو علامة التثنية، أو ياءا النسب، نحو [كِساءة]5 وسِقاءة6, وكِساءانِ وسِقاءانِ، وكِسائي ّ وسِقائيّ. إِلَّا أنه يجوز مع علامة التثنية وياءيِ النسب أن تُبدِل من الهمزة واوًا، فتقول: كِساوانِ وكِساويّ، على ما تَقَدَّمَ7 في النسب8.
إِلَّا أن يُبنى9 الاسم على التاء أو علامة التثنية، فإنَّ حرف العلَّة لا يُبدل إذ ذاك منه همزة، نحو: عِلاوة ونِهاية وإداوة10؛ ألا ترى أنَّ الكلمة هنا مبنيَّة على التاء11، [وأنه لا يجوز12 أن تُحذف هذه التاء]، فتقولَ: "عِلاء" و"نِهاء" و"إِداء"13. وكذلك [قول العرب]14 "عَقَلتُه بِثِنايَينِ". كأنه15 تَثنيةُ "ثِناء" وإن لم يُنطق به، بل الواحد في هذا لم يُسمع إِلَّا مثنًّى.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 المنصف 2: 137-139. وفي ف والطيارة: وقعت.
2 ف: وكان.
3 في النسختين: "لم يكن". والتصويب من الطيارة.
4 م: "الألف". وأقحم بعدها في الطيارة: "فكما تصح الواو في مثل عدوّ فكذلك تصح الواو المضموم ما قبلها في آخر الفعل". انظر ص334.
5 سقط من النسختين والطيارة.
6 م: سقاء.
7 م: "ما أحكم". وفي الطيارة: ما يحكم.
8 كذا. ولعله يريد "في الإبدال". انظر ص240.
9 المنصف 2: 127 و134-135.
10 الإداوة: إناء من جلد يتخذ للماء.
11 سقط ما بين معقوفين من ف.
12 في الطيارة: لا ينبغي.
13 م: فتقول علاونها وإذا.
14 سقط من ف. وانظر المنصف 2: 102.
15 زاد في ف: قال.

 

ص -349-      فأمَّا قوله1:

إِذا ما المَرْءُ صَمَّ, ولَم يُكَلَّمْ,                        ولَم يَكُ سَمعُهُ إِلَّا دُعايا2

وسائر أبيات [هذه]3 القصيدة4 فضرورة، ولم يُسمع مثله في غير هذا الموضع. ووجهه أنه أجرى ألف الإطلاق مُجرى تاء التأنيث التي بُنيت عليها الكلمة. فكما لم تُقلب الواو ولا الياء, في مثل: إِداوة ونِهاية، همزة فكذلك لم تُقلب في "دُعايا" وأخواته5.
فإن كان الساكن ياء أو واوًا أدغمتَ6 فيما بعده. فإن كان الساكن مخالفًا للام -أعني بأن يكون أحدهما واوًا والآخر ياء- قُلبت الواو ياء تَقدَّمتْ أو تأخَّرتْ، وأُدغمت الياء في الياء نحو: بَغِيّ وسَرِيّ. أصلهما "بَغُوْيٌ" و"سَرِيْوٌ"7، فقُلبت الواو ياء وأُدغمت الياء8 في الياء, ثمَّ قُلبت الضَّمَّة التي في العين من "بَغيّ" كسرة، لتصحَّ الياء. والدليل على أنَّ بَغِيًّا: "فَعُول" كونه للمؤنَّث بغير تاء. قال الله تعالى9:
{وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيًّا}. ولو كان بَغِيّ10: "فَعِيل" لكان بالتاء كظريفة.
فإن كان الساكن موافقًا للام أدغمتَ من غير قلب. وذلك نحو: عَدُوّ ووَلِيّ. وقد حُكي القلب في الواو -وهو قليل- قالوا11: أَرضٌ مَسنِيَّةٌ، من "يَسنُوها [52ب] المطَرُ"12 وقالوا: مَعْدِيٌّ، من "عَدَوتُ". قال13:

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 أعصر بن سعد بن قيس عيلان أو المستوغر بن ربيعة. المنصف 2: 156 وضرائر الشعر ص230 وطبقات فحول الشعراء ص29-30 وحماسة البحتري ص203 وسر الصناعة 1: 183 واللسان "حمي". وذكر عجزه في حديث لابن عوف: النهاية واللسان والتاج "ودي" و"ندي".
2 م: "دعابا". وتحتها في الطيارة. "ندايا". وهذه رواية أخرى.
3 من م. ورواية حماسة البحتري للأبيات بالهمزة رويًا لا بالياء.
4 سقط من م حتى قوله "في دعايا وأخواته".
5 ألحق أبو حيان بحاشية ف: "وإن كان [الساكن] ياء أو واوًا فإنك تدغمها في الياء والواو اللتين تكونان لازمتين. إِلَّا أنه إذا كانت اللام ياء وما قبلها ياء أدغمت الياء في الياء من غير تغيير، نحو: وليّ. وإن كانت اللام واوًا والساكن قبلها ياء، أو اللام ياء". وقد تعذر عليّ إلحاقه بالمتن؛ لأنه يخل بالتعبير، وسيرد مضمونه بعد.
6 م: وأدغمت.
7 في النسختين: "وسروي". وفي حاشية ف بقلم مخالف. وسريو لأنه من سرو.
8 سقط من م.
9 الآية 28 من سورة مريم.
10 م: بمعنى.
11 المنصف 2: 127-178. والمسنية: المسقيَّة.
12 م: يسنو ماء المطر.
13 عبد يغوث الحارثي. شرح اختيارات المفضل ص771 والكتاب 2: 382 والمنصف 1: 118 و2: 122 وشرح الشافية 3: 172 وشرح شواهده ص400-401 والخزانة 1: 616 والاقتضاب ص467.

 

ص -350-                                         وقَد عَلِمتْ عِرسِي مُلَيكةُ أنَّنِي         أنا اللَّيثُ, مَعْدِيًّا علَيهِ, وعادِيا

وإنَّما جاز القلب، على قلَّته، لكون1 الواو متطرِّفةً لم يَفصِل بينها2 وبين الضَّمَّة إِلَّا حاجز غير حصين. وهو الواو الساكنة الزائدة الخفيَّة3 بالإدغام. فكما قُلبت الواو ياء إذا تَطرَّفت وقبلها الضَّمَّة، وتُقلب الضَّمَّة التي قبلها كسرة، فكذلك تُقلب هنا.
وزعم الفرَّاء أنه إنَّما جاز في مَسنِيَّة ومَعدِيّ؛ لأنهما مبنيَّان على "سُنِيَ"4 و"عُدِي"5. فكما قُلبت الواو ياء في الفعل فكذلك فيما بُني عليه. وهذا باطل؛ لأنهم قد فعلوا ذلك في غير اسم المفعول، فقالوا: عَتا عُتِيًّا. قال الله تعالى6:
{وَقَدْ بَلَغْتُ مِنَ الْكِبَرِ عِتِيًّا}.والمصدر ليس مبنيًّا7 على فعل المفعول. فدلَّ ذلك على أنَّ العِلَّة فيه ما ذكرنا.
إِلَّا في "فُعُول"8 جمعًا فإنه يلزم قلب الواو الثانية ياء، ثمَّ تُقلب الواو الأولى ياء لإدغامها9 في الياء، ثمَّ تُقلب الضَّمَّة كسرة لتصحَّ الياء، وذلك: عُصِيّ ودُلِيّ. والسبب في ذلك ثقل الجمعيَّة, مع شبهه بأجْرٍ وأَدْلٍ, كما تَقَدَّمَ.10 ومن العرب من يكسر حركة الفاء11 إِتباعًا لحركة العين، فيقول: عِصِيٌّ. وضمُّها أفصح وأَكثر.
وقد شذَّ من ذلك جمعان12، فجاءا على الأصل. وهما نُحُوٌّ13 وفُتُوٌّ جمع فَتًى ونَحْوٍ. حُكي عن بعض العرب أنه قال: إِنكم لتَنظُرونَ في نُحُوٍّ كثيرةٍ. وقال الشاعر14:

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 م: ليكون.
2 م: بينهما.
3 م: الساكنة الواحدة الحقته.
4 م: سَني.
5 م: عَدي.
6 الآية 8 من سورة مريم.
7 ف: يبنى.
8 المنصف 2: 124. م: فَعول.
9 م: الواو الأولى بالإدغام.
10 في الورقة 47.
11 م: حركته.
12 في شرح الشافية 3: 171 شواذ أخر. وفي م والمبدع وحاشية ف عن نسخة أخرى: "حرفان". وفي حاشية ف بخط أبي حيان أنهم جمعوا البهو والأب والأخ والابن على: بُهُوّ وبُهِيّ وأُبُوّ وأُخُوّ وبُنُوّ، مع شاهد شعري على الأبوّ للقناني. انظر شرح المفصل 5: 36.
13 في حاشية ف بخط أبي حيان أيضًا: جمع نَجْو -وهو السحاب- على نُجُوّ. مع شاهد من شعر جميل بثينة. ديوانه ص217.
14 من أبيات لجذيمة الأبرش. شرح شواهد المغني ص135 وشرح أبياته 3: 163 وتاريخ الطبري 2: 29 والخزانة 4: 567 وكتاب الاختيارين ص718. والرابئ: الذي يرقب الأعداء لجماعته.

ص -351-                                   في فُتُوٍّ، أنا رابِئُهُم       مِن كَلالِ غَزْوةٍ, ماتُوا

فإن كان ما قبل حرف العلَّة حركة فلا يخلو أن تكون الحركة فتحة أو ضمَّة أو كسرة.
فإن كانت فتحة قلبتَ1 حرف العلَّة ألفًا، لتحرُّكه وانفتاح ما قبله، كما فعلت ذلك في الفعل، تَطرَّفَ حرف العِلَّة نحو: عَصًا [ورَحًى]2 وفَتًى، أو لم يتطرَّف نحو: قَطاة. إِلَّا أن يؤدِّي الإعلال إلى الإلباس فإنك تُصحِّح. وذلك3 نحو: قَطَوانٍ ونزوانٍ. فإنك تُصحِّح الواو؛ لأنك لو أعللتها4 فقلبتها ألفًا لالتقى ساكنان -الألف المبدلة من حرف العِلَّة، والألف التي من "فَعَلان"5 -فيجب حذف أحدهما لالتقاء الساكنين، فتقول: "نَزانٌ" و"قَطانٌ"، فيلتبس "فَعَلانٌ" بـ"فَعال".
ومثل ذلك6: رَحَيانِ وعَصَوانِ. صحَّحتَ لأنك لو أعللت لحذفتَ لالتقاء الساكنين، فكان يلتبس تثنية المقصور بتثنية المنقوص، فيصير "رَحانِ" و"عَصانِ"، كيَدَين ودَمَين.
فإن كانت الحركة كسرة قلبتَ الواو ياء، تطرَّفت نحو: غازٍ وداعٍ من الغزو والدَّعوة، أو لم تتطرَّف نحو: مَحْنِيَة من: حَنا يَحنُو، للعِلَّة التي ذُكرت في الفعل. بل إذا كانوا قد قلبوا الواو في المعتلِّ العين نحو: ثِيَرة وسِياط، مع أنَّ العين أقوى من اللام، فالأحرى أن يقلبوها إذا كانت لامًا. فأمَّا قولهم: مَقاتِوَةٌ7، فشاذٌّ.
وإن كان حرف العِلَّة ياء لم يُغيَّر8 نحو: رامٍ وقاضٍ ومَعْصِية ومَحْمِية. إِلَّا أنَّ الياء المكسور ما قبلها إذا كانت حرف إعراب فإنه لا يظهر الإعراب فيها إلَّا في النصب, نحو: رأيتُ قاضيًا وغازيًا. وأمَّا في حال الرفع والخفض فيكون الإعراب مقدَّرًا فيها، استثقالًا للرفع والخفض [في الياء]9، فتسكن الياء لذلك. فإن لقيها ساكن حُذفت، وإن لم يلقها ساكن ثَبَتَتْ. وذلك نحو: هذا قاضٍ ومررت بقاضٍ -حُذفتِ الياء، لمَّا اجتمعت ساكنة مع التنوين- وهذا القاضي ومررت بالقاضي. أُثبتت10 الياءُ، لمَّا لم يلها ساكن تُحذف من أجله.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ف: قلب.
2 من م.
3 سقط من م. وفي حاشية ف: "وكذلك تصحح ما كانت حركة حرف العِلَّة فيه عارضة لتسهيل الهمزة بعده. وذلك: جَيَل، المخفَّف من جَيئل".
4 م: أعللتهما.
5 م: وألف فعال.
6 م: ومثله.
7 المقاتوة: جمع مَقتويّ. وهو الخادم. شرح الشافية 3: 161-164.
8 م: لم تقلب.
9 من م.
10 م: أثبت.

ص -352-      هذا إن كان الاسم منصرفًا. فإن كان الاسم الذي في آخره ياء قبلها كسرة غيرَ منصرف فإنَّ الفتحة تظهر، في الياء في حال النصب لخفَّتها، نحو: رأيتُ جَواريَ وأُعَيمِيَ1. وأمَّا في حال الرفع والخفض فإنَّ العرب تستثقل الرفع والخفض فيها2، مع ثقل الاسم الذي لا ينصرف، فتحذف الياء بحركتها3 فينقص البناء, فيدخل التنوين فيصير التنوين عوضًا4 من الياء المحذوفة، فتقول: هذه جَوارٍ، ومررت بجوارٍ، وهذا أُعَيمٍ5 ومررت بأُعيمٍ.
هذا مذهب سيبويه، ومذهب أبي إسحاق أنَّ6 المحذوف أوَّلًا إنَّما هو الحركة في الرفع والخفض استثقالًا، فلمَّا حُذفت الحركة عُوِّض منها التنوين، فالتقى ساكنان -الياء والتنوين- فحذفت الياء لالتقاء الساكنين.
والصحيح7، ما ذهب إليه سيبويه؛ لأنَّ تعويض الحرف8 من الحرف أكثر في كلامهم9 من تعويض الحرف من الحركة. وأيضًا فإنه كان يجب10 أن يُعوَّض التنوين من الحركة التي [قد]11 حذفت في الفعل نحو [53أ]: يَقضِي ويَرمِي. فإن قيل: إنَّما منع من ذلك أنَّ12 التنوين لا يدخل الفعل. قيل له: وكذلك التنوين لا يدخل الأسماء التي لا تنصرف.
وأيضًا فإنه كان يجب13 أن يُعوَّض من الحركة المحذوفة التنوينُ14 في مثل حُبلَى. بل كان يجب أن يكون العِوَض في حُبلَى أَلزم؛ لأنه لا تظهر الحركة في حُبلَى في حال، وقد تظهر في "جَوارٍ وأُعيمٍ وأمثالهما15 في حال النصب. فإنْ لم يفعلوا ذلك دليل على فساد مذهب أبي إِسحاق.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 الأعيمي تصغير أعمى.
2 م: منها.
3 م: لحركتها.
4 ف: ويصير عوضًا.
5 م: أغيم.
6 سقط من م.
7 المنصف 2: 67-80 والكتاب 2: 56-57.
8 الحرف هذا يراد به التنوين؛ لأنه نون ساكنة. ف: الحركة.
9 م: في كلامهم أكثر.
10 أي: على مذهب أبي إسحاق.
11 من م.
12 ف: لأن.
13 م: ينبغي.
14 سقط من ف وألحق بحاشيتها بعد "حبلى".
15 سقط من م.

 

ص -353-      وممّا يدلُّ، على أنَّ التنوين في جَوارٍ وغَواشٍ1 وأمثالهما عِوَضٌ من الحرف المحذوف، أنهم لا يحذفون في مثل الجواري والأُعَيمِي وجَوارِيك وأُعَيمِيك؛ لأنهم لو حذفوا لم يكن لهم سبيل إلى العوض؛ لأنَّ التنوين لا يمكن اجتماعه مع الإضافة، ولا مع الألف واللام. وهم قد عزموا على ألَّا يحذفوا إِلَّا بشرط العِوَض، فامتنع الحذف لذلك.
وقد تُجري العرب الاسمَ الذي في آخره ياء مكسور ما قبلها مُجرى الصحيح الآخِر، في الأحوال كلِّها، فتُظهر الإعراب. وذلك في ضرورة الشعر، نحو قوله2.

فيَومًا يُوافِينَ الهَوَى, غَيرَ ماضِيٍ                  ويَومًا تَرَى, مِنهُنَّ, غُولًا تَغَوَّلُ


فجرَّ الياء من "ماضي".
وقال الآخر3:

تَراهُ, وقَد فاتَ الرُّماةَ, كأنَّهُ                   أَمامَ الكِلاب مُصْغِيُ الخَدِّ أَصلَمُ

فرفع الياء من "مُصغي". وقال الآخر4:

خَرِيعُ دَوادِيَ, في مَلعَبٍ                           تأزَّرُ طَورًا, وتُرخِي الإِزارا

ففتح "دوادي" في موضع الخفض. وكذلك قول الآخر5:

قَد عَجِبَتْ مِنِّي, ومِن يُعَيلِيا                         لَمَّا رأتْنِي خَلَقًا, مُقلَولِيا

بفتح الياء من "يُعَيلي"6 في موضع الخفض7.
وكذلك أيضًا قد يُجرون المنصوب من ذلك مُجرى المرفوع والمخفوض، فيُسْكِنون في

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 م: "عواش". والأرجح أن يكون بدلًا منها "أُعَيمٍ"؛ لأنَّ "غواش" لم ترد قبل ولا بعد. فكأن ابن عصفور سها، وهو ينقل من المنصف 2: 70، فأثبت "غواش" تبعًا لابن جني.
2 جرير. ديوانه ص355 والخصائص 3: 159 والكتاب 2: 59 وضرائر الشعر ص42 والنوادر ص203 والخزانة 3: 534 واللسان 14: 21 والمنصف 2: 80. وانظر العيني 1: 228 واللسان "مضى" ونقائض جرير والأخطل ص64. وتغول: تتلون.
3 أبو خراش الهذلي. ديوان الهذليين 2: 146 والمنصف 2: 81 والخصائص 1: 258. والمصغي: المائل. والأصلم: المستأصل الأذنين. يصف ظليمًا. وفي ديوان الهذليين وشرح أشعار الهذليين ص219 روي "مصغي" بالنصب. وقال السكري: نصب "مصغي" على الحال.
4 الكميت. ديوانه 1: 90 والكتاب 2: 60 وضرائر الشعر ص42 والمنصف 1: 80. يصف جارية. والخريع: اللينة المعاطف. والداودي. موضع تسلق الصبيان ولعبهم. ومعنى المصراع الثاني أنها لا تبالي لصغرها كيف تلعب.
5 الكتاب 2: 59 وضرائر الشعر ص43 والمنصف 2: 68 والخصائص 1: 6 واللسان "قلو". ونسبه محقق الخصائص والشنقيطي في الدرر 1: 11 إلى الفرزدق. ويعيلٍ تصغير يَعلى. والمقلولي: الذي يتململ على الفراش حزنًا.
6 م: ففتح فعيليا.
7 م: في موضع الجر.

 

ص -354-      الشعر، نحو قوله1:

وكَسَوتُ عارٍ لَحمُهُ، فتَرَكتُهُ                     جَذلانَ، يَسحَبُ ذَيلَهُ. ورِداءهُ

يريد: عارِيًا لحمُه.
ويجوز2 في لغة طيِّئ أن تُحوَّل الكسرة التي قبل الياء فتحة، فتنقلب الياء ألفًا لتحرُّكها وانفتاح ما قبلها، فيقال في باقية وناصية: "باقاةٌ" و"ناصاةٌ". وأمَّا غيرهم من العرب فلا يُجيز ذلك إِلَّا فيما كان من الجموع على مثال "مَفاعِل"، نحو قولك في مَعايٍ جمع مُعْيِية: "مَعايا"، وفي مَدارٍ جمع مِدْرًى:"مَدارَى".
وإنَّما لم يجيزوا ذلك إِلَّا فيما ذكرنا، لثقل الكسرة قبل الياء وثقل البناء، مع أمنهم اللَّبس إذا خفَّفوا بقلب الكسرة فتحة والياء ألفًا؛ لأنه لا يكون [شيء] من الجموع التي هي على مثال "مَفاعِل" أصلُ بنائه فتح ما قبل آخره، وليس كذلك رامٍ وغازٍ؛ لأنهما إذا فُعِل [بهما ذلك] التبسا في [اللفظ] بـ"رامَى" و"غازَى".
وإن كانت الحركة ضمَّة، وكان حرف العلَّة متطرِّفًا، قلبتَها كسرة وقلبتَ حرف العِلَّة، إن كان واوًا، ياءً3. ثمَّ يصير حكمه في الإعراب حكم الاسم الذي في آخره ياء قبلها كسرة. وذلك نحو: أَظْبٍ جمع ظَبْي، وأَحْقٍ جمع حَقْو، أصلهما "أَظبُيٌ" و"أَحقُوٌ".
فأمَّا4 أَظبٍ فاستُثقلت فيه الضَّمَّة قبل الياء، كما تُستثقل الواو قبل الياء في مثل طَيّ أصله "طَوْيٌ"، فقُلبت الواو ياء وأُدغمت الياء في الياء. وأمَّا أَحقٍ فاستثقلوا فيه الواو المتطرِّفة المضموم ما قبلها، وإن لم تُستثقل في الفعل؛ لأنَّ الاسم تلحقه ياءا النسب، ويضاف إلي ياء المتكلِّم. فلو أُقِرَّت فيه الواو لكان داعيًا إلى اجتماع واو وضمَّة قبلها5 مع ياءيِ النسب أو ياء المتكلِّم والكسرة التي قبلهما6. وذلك ثقيل. فقُلبت الواو ياء، والضَّمَّة كسرة.
وإن كان حرف العِلَّة غير متطرِّف فإنَّ الواو تثبت. وذلك نحو: أُفعُوان. وذلك أنَّ الموجب لقلبها قد زال، وهو كونها معرَّضة للحاق ياءيِ النسب وياء المتكلِّم. وأمَّا الياء فإنها تقلب واوًا للضَّمَّة التي قبلها، كما فُعل ذلك في الفعل في نحو: لقَضُوَ الرَّجلُ! فتقول في جمع كُلْية، على7

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ضرائر الشعر ص93 وشرح القصائد السبع ص282 والهمع 1: 53 والدرر 1: 29. وروي "عاريْ لحمِه". وزعم أبو حاتم أنَّ السكون للتخفيف لغة فصيحة، والجذلان: الفرح.
2 سقط حتى قوله "بِرامَي وغازَى" من النسختين، وألحقه أبو حيان بحاشية ف.
3 المنصف 1: 117-118.
4: م. قلبا.
5 في النسختين: إلى اجتماع ضمة وواو قبلها.
6 م: قبلها.
7 زاد في م: غير.

 

ص -355-      قياس من قال: "رُكُبات": كُلُوات.
إِلَّا أنَّ العرب التزمت التسكين أو الفتح1 في لام "كلية" لئلَّا يخرجوا من الأخفِّ -وهو الياء- إلى الأثقل وهو الواو. وإنَّما قلبت هنا، ولم تقلب في مثل عُيَبة2؛ لأنها في عُيَبة عين، والعين أقوى من اللام.
وحكم الاسم في جميع ما ذُكر، على ثلاثة أحرف كان أو على أزيد، حكمٌ واحدٌ. إِلَّا أنَّ الواو إذا وقعت متطرِّفة رابعة فصاعدًا، في اسم يمكن أن تصوغ منه لفظ فعل، فإنها تُقلب ياء. وذلك نحو: مَلهًى ومَغزًى. تقول في تثنيتهما: مَلهَيان ومَغزَيان، فتقلب الألف ياء، وإن كانا3 من اللهو والغزو؛ لأنك لو صغت منهما فعلًا فقلت "مَلهَيت" و"مَغزيتَ" على حدِّ "مَرْحَبَكَ ومَسْهَلَك"لأمكن. فكما تقلب الواو رابعة فصاعدًا في الفعل ياء فكذلك في الاسم حملًا على الفعل. وقد تَقَدَّمَ4 السبب في ذلك في الفعل.
فإن لم يمكن أن يُصاغ من الاسم فعل لم تقلب الواو ياء5 نحو: مَغزُوّ؛ ألا ترى أنَّ الفعل لا يكون قبل آخره حرف مدٍّ ولين زائدًا. وكذلك أيضًا لو لم تقع طرفًا لم تُقلب ياء، لامتناع بناء فعل إِذ ذاك ممّا تكون6 فيه، نحو: أُفعُوان7 وأُرجُوان.
انتهى حكم الاسم والفعل الذي أحد أصوله حرف عِلَّة.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 يريد: في الجمع السالم.
2 شرح الشافية 3: 87. والعيبة: الكثير العيب للناس. م: عيْبة.
3 في النسختين: وإن كان.
4 في الورقة 51.
5 كذا. ويرد عليه نحو: مستدعَيات ومرتضَيات ومشتهَيات ومنجلَيات...
6 م: مما يكون.
7 كذا. وهو تكرار لما تقدم قبل فقرتين.

 

ص -356-      ما أعتل منه أكثر من أصل واحد:
[ما اعتلَّت جميع أُصوله]:
فإن كان المعتلُّ منه أكثرَ من أصل واحد فإنه لا يخلو من أن يكون معتلَّ الفاء1 والعين صحيحَ اللام، أو معتلَّ اللام والعين صحيح الفاءِ، أو معتلَّ [53ب] الفاء واللام صحيح العين2، أو معتلَّ الجميع.
فأمَّا اعتلال الجميع فلم يوجد منه إِلَّا كلمة واحدة، وهي3 "واو"4. وفيما انقلبت عنه5 هذه الألف خلاف:
فمنهم من ذهب إلى أنها منقلبة عن الواو؛ لأنَّ ما عُرف أصله من المعتلِّ العين أكثر ما تكون الألف فيه منقلبة عن الواو6. فحمل المجهول الأصل على الأكثر. ومنهم من ذهب إلى أنها منقلبة عن ياء. وإلى هذا القول كان يذهب أبو عليٍّ، ويعتمد في ذلك على أنه لا ينبغي أن تكون حروف الكلمة كلُّها من موضع واحد، إذ ذلك مفقود في الصحيح. فأمَّا بَبَّة فقليل جِدًّا، وهو7 أيضًا ممّا يجري مجرى حكاية الصوت8. وكذلك دَدَدٌ؛ لأنه مستعمل في ضرب من اللَّعِب، فهو حكاية صوت عندهم9. وإذا كانت الألف منقلبة عن ياء كان ممّا فاؤه ولامه من جنس واحد، وقد جاء ذلك في الصحيح قليلًا. نحو: سَلِس وقَلِق. فحمله على ما جاء مثله في الصحيح أَولى.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 م: الياء.
2 سقط "صحيح الفاء... صحيح العين" من م.
3 في النسختين: وهو. 
4 كذا. والياء أيضًا تحتمل أن يكون أصل لفظها ثلاث ياءات. انظر التاج "ياء" والارتشاف 1: 90. 
5 سقط من م. 
6 سقط "لأنَّ ما عرف... عن الواو" من م.
7 م: فأمَّا فيه فقليل جِدًّا هو. 
8 م: الضرب. 
9  وجاء عن العرب تصرف في: ررّ وقق وصصّ وههّ. الارتشاف 1: 89-90.

 

ص -357-      وله [أيضًا]1 أن يستدلَّ، بأن يقول: قد جاءت الياء فاء ولامًا في قولهم: يَدَيْتُ إليه يدًا. والياء أُخت الواو؛ فينبغي أن تحمل عليها في ذلك. والصحيح عندي الأوَّل. وذلك أنه إذا جعلت فيه الألف منقلبة عن ياء اجتمع فيه حمل الألف على الأقل2 فيها، من كونها منقلبةً عن ياء، مع حمل الكلمة على باب "وَعَوتُ" -أعني ممّا3 لامه وفاؤه واو، وذلك معدوم في كلامهم- ومع حمل الكلمة على باب "حَيَوتُ" -أعني أن يكون عينها ياء ولامها واوًا- وذلك أيضًا لم يجئ في كلامهم. وإذا جعلت الألف منقلبة عن الواو كان حملًا على الأكثر فيها، ويكون في ذلك دخول في باب واحد معدوم، وهو كون أصول الكلمة كلِّها واوات.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 من م.
2 م: الأول.
3 م: أعني ما.

[المعتلُّ الفاء واللام]:
فأمَّا اعتلال الفاء واللام وصِحَّة العين فالذي يتصوَّر في ذلك أن تكون الفاء واللام واوين، أو ياءين، أو واوًا1 وياء: وأمَّا أن تكون الفاء والواو واللام ياء أو العكس.
فأمَّا كون الفاء واللام واوين فلم يجئ من ذلك شيء. وأمَّا كونهما2 ياءين فلم يجئ من ذلك إلَّا: يَدَيتُ إليه يدًا.وأمَّا كون الفاء واوًا واللام ياء فكثير في كلامهم، نحو: وَقَيتُ3 ووَشَيتُ ووِليتُ. وأمَّا عكسه فلم يجيء. وجميع ما جاء من المعتلِّ اللام والفاء فيحمل4 أوله على باب "وَعَدَ"، وآخره على باب "رَمَى"، في جميع أحكامهما5.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 م: واوان أو ياءان أو واو. 
2 م: كونها. 
3 م: رقيت. 
4 م: محمل. 
5 م: أحكامها.

[المعتلُّ الفاء والعين]:
وأمَّا [اعتلال] الفاء والعين فإنه لا يخلو من أن يكون حرفا العِلَّة واوين، أو ياءين، أو الفاء واوًا1 والعين ياء أو العكس.
فأمَّا كون الفاء والعين واوين فلم يجئ منه فِعل، لمَّا يلزم فيه من الاعتلال، ولم يجئ منه اسم2 إِلَّا "أوَّل"3. وسبب قلَّته أنَّ باب "سَلِس" أكثر من باب "دَدَن". فإذا لم يجئ في

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 في النسختين: أو الواو فاء. 
2 سقط "فعل لما يلزم... منه اسم" من النسختين، وألحقه أبو حيان بحاشية ف. 
3 شرح الكافية 2: 208.

 

ص -358-      كلامهم مثل "وَعَوتُ"1 فالأحرى ألَّا يجيء مثل أوَّل؛ لأنَّ "وَعَوتُ" مثل "سَلِس"2، وأوَّل مثل دَدن.
فإن قال قائل: إنَّما يكون ما ادَّعيته في "أوَّل" صحيحًا, من أنَّ فاءه وعينه واوان، إذا كان وزنها "أفعَل". فما تُنكر أن يكونَ وزنها "فَعَّل"، فتكونَ الواو عينًا مضعَّفة؟ فالجواب أنَّ الذي يدلُّ على أنها "أفعَل" لزوم "مِن" لها، فتقول: لقيتُه أوَّلَ مِن أمسِ، كما تقول: زيدٌ أفضلُ مِن عمرو3، مع منع الصرف.
فإن قيل: وما تُنكر أن4 يكون "أَفعَل" من "وأَلتُ" أو مِن "أُلْتُ"5 كما ذهب إليه الفرَّاءُ، فيما حكاه ثعلب عنه، والأصل "أَوْأَل" إن كان من "وألتُ"، أو "أَأْوَل" إن كان من "أُلتُ"، ثمَّ أُبدل من الهمزة واو6 وأُدغمتِ الواو في الواو؟ فالجواب أنه لو كان في الأصل "أوْ أل" لجاز أن يجيء على أصله، في موضع من المواضع، ولم نسمعهم نطقوا به هكذا.
فإن قلت: فلعلَّه التُزم التخفيف فيه7، كما فُعل في النبيِّ والبريَّة. قيل: ذلك قليل، مع أنَّ قياس تخفيف "أَوْأَل": "أَوَل"8 بإلقاء حركة الهمزة على الواو، وحذف الهمزة.
فإن قيل: فلعلَّهم خفَّفوه على قياس: شَيّ وضَوّ. فالجواب أنَّ ذلك أيضًا لا يُقاس، وإنَّما القياس: شَيٌ وضَوٌ. وأيضًا فإنَّا إنَّما قلنا: "إنَّ النبيَّ والبريَّة ممّا أُلزِم التخفيف البتة" لقِيام الدليل على ذلك، لكونهما من النبأ ومن "برأ اللهُ الخلقَ"، ولم يقم دليل على أنَّ أوَّل من "وألَ"، فتزعمَ أنه أُلزم9 التخفيف.
فإن قيل: الذي يدلُّ على أنَّ العين من أوَّل همزة قراءةُ من قرأ "وأَنَّهُ أَهلَكَ عادًا الُّؤْلَى"10، فتكون همزة العين دالَّة على أنَّ الأصل الهمزة. قيل: القراءة شاذَّةٌ، وإِذا ثَبَتَ بها رواية فقياسها أن تُحمل على قول الشاعر11:

أحَبُّ المُؤقِدِينَ إِلىَّ مُوسَى                       وجَعْدةُ, إِذ أَضاءَهُما الوَقُودُ


ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 م: رعوت.
2 م: ملس.
3 م: من عمر.
4 ف: من أن.
5 ف: "أالت". وصوب في حاشيتها بخط أبي حيان عن نسخة أُخرى كما أثبتنا. وألت: من آل يؤولُ.
6 ف: واوًا.
7 سقط من م.
8 م: أوّل.
9 م: فيزعم أنه التزم.
10 الآية 50 من سورة النجم. وهذه قراءة قالون. انظر القراءات الأربع عشرة ص403 والبحر المحيط 8: 169 والتبيان 9: 437.
11 تقدم تخريجه في ص69. وانظر ص226.

 

ص -359-      وذلك أنه أبدل [54أ] الواو الساكنة المضموم ما قبلها همزة؛ لأنَّ الحركة في النيَّة بعد الحرف، فكأنَّ الضَّمَّة في الواو. فثَبَت أنه لا يمكن أن يكون من "وألتُ".
ولا يمكن أيضًا أن يكون من "أُلتُ"1؛ لأنه لو كان منه لكان "أَأْوَل"2، فأمَّا أن تُبدل الهمزة، أو الألف المنقلبة عن الهمزة، واوًا فغير معروف. والقول الأوَّل كأنَّه أشبَهُ3 فأمَّا همز "أوائل"4 فقد ذكرتُ العِلَّة فيه، فلا حجَّةَ فيه.
ولم يستعملوا منه5 فعلًا؛ لأنه لو كان الفعل على وزن "فَعَلَ" بفتح العين لوجب، من حيث عينه واو، أن يكون مضارعه "يَفعُل" بضمِّ العين كـ"قالَ يقُولُ". وكون فائه واوًا يلزم مجيئَه على "يَفعِل" بكسر العين، حتَّى تُحذف6 الواو كـ"يَعِدُ". فلمَّا كان ذلك يؤدِّي إلى التدافع رُفض، مع ما فيه من ثقل الواوين. ولو كان على وزن "فَعُلَ" بضمِّ العين لكان المضارع بضمِّ العين, فكنت تقول: والَ يَوُوْلُ7, فيؤدِّي ذلك إلى اجتماع واوين وضمَّة، مع ياء المضارعة أيضًا في حال الغَيبة. فرُفض ذلك لثقله. فلمَّا امتنع "فَعَلَ" و"فَعُلَ" رُفض أيضًا "فَعِلَ" بالحمل عليهما.
وأمَّا كون الفاء والعين ياءين فلم يجئ منه فعل أصلًا، لِما يلزم في ذلك من توالي الإعلال، ولم يجئ منه اسم إِلَّا "يَيْن" اسم موضع8.
وأمَّا كون الفاء واوًا والعين ياء نحو: وَيل ووَيح ووَيب ووَيس، أو بالعكس نحو: يَوم، فإنَّ ذلك قليل جِدًّا، ولم يجئ منه فعل أصلًا؛ لأنَّ ذلك يؤدِّي إلى ما يُستثقل من توالي الإعلال. وذلك أنك لو بنيتَ من مثل وَيل فعلًا على وزن "فَعَلَ" مفتوح العين لكان المضارع على وزن "يَفعِلُ" بكسر العين، فيجب حذف الواو كما تحذف في باب "وَعَدَ يَعِدُ"، ويجب إعلال العين كما تُعلّ 9 في باب "يَبِيعُ". ولا يُتصوَّر بناؤه على "فَعُلَ" مضموم العين؛ لأنَّ "فَعُلَ" لا يجيء

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ف: "أألت". وصوب في حاشيتها عن نسخة أُخرى كما أثبتنا.
2 كذا. والصواب: "آوَل" لأنَّ الهمزة الثانية تبدل ألفًا وجوبًا.
3 الأشبه: الأصح.
4 يريد الهمزة الثانية. انظر الورقة 32.
5 م: فيه.
6 م: تخفف.
7 ف: "يوؤل". م: يؤول.
8 في النسختين: "وأمَّا كون الفاء والعين ياءين فلم يجئ منه شيء".أمَّا ما أثبتناه فقد ألحقه أبو حيان بحاشية ف بعد ما فاؤه واو وعينه ياء أو بالعكس، وقدمناه نحن فأثبتناه هنا تبعًا للمبدع؛ لأنَّه يوافق النسق الذي قدم به ابن عصفور لما اعتلَّ فاؤه وعينه في ص357.
9 م: يعل.

 

ص -360-      فيما عينه ياء1. فلمَّا تَعذَّرَ "فَعَلَ" و"فَعُلَ" رُفِض "فَعِلَ"2 بالحمل عليهما.
وكذلك أيضًا "يَوم" لو بُني منه فعل على "فَعَلَ" أو "فَعُلَ" بفتح العين أو ضمِّها لكان المضارع على "يَفعُلُ"، فكنت تقول "بَيُوْمُ"3، فتجتمع ياءان في إحداهما ضمَّة وواو. وذلك ثقيل. فلمَّا تعذَّر "فَعَلَ" و"فَعُلَ" رُفِضَ أيضًا "فَعِلَ" بالحمل عليهما.
فأمَّا ما أنشدوا4 من قوله5:

فما والَ، ولا واحَ                                    ولا واسَ أبُو هِندِ

فمصنوع صَنعه النحويُّون. وأنشدوا بيتًا آخر، وهو قوله6:

تُوَيِّلُ, إِذ مَلأتُ يَدِي وكَفِّي                        وكانَتْ لا تُعَلَّلُ, بالقَلِيلِ7.

وهذا كأنه أشبَهُ؛ لأنه جاء على "فَعَّلَ8، فأُمِن فيه الحذف والقلب. فأمَّا قول رؤبة9:

عَولةُ ثَكلَى، ولَوَلَتْ بَعدَ المأَقْ

فمعنى ولولت: دَعَت بالويل. وليس من لفظ الويل، بل قريبٌ منه كلأّال10 من لؤلؤ. ولو كان منه لكان "وَيْلَلَتْ" لأنه "فَعْلَلَتْ"11.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 كذا. وقالوا: هَيُؤَ يَهيُؤُ.
2 م: وفُعِلَ رفض فَعَلَ.
3 م: يقوم.
4 م: ما أنشد.
5 المنصف 2: 198 والمزهر: 43 والتصريح 1: 330.
6 اللسان والتاج "ويل" والمنصف 2: 198.
7 م: "فويْل". اللسان: "تَويّل".
8 م: فَعَل.
9 ديوانه ص107 والمنصف 2: 199. والمأق. أن يأخذ الإنسانَ عند البكاء والنشيج شبهُ فواق.
10 م: كلأل.
11 م: "فعلنت". وألحق أبو حيان بعده في حاشية ف نصًّا أثبتناه قبل. انظر ص359.

[المعتلُّ العين واللام]:
وأمَّا إذا كانت العين واللام معتلَّتين فإنه لا يخلو من أن يكونا واوين، أو ياءين، أو يكون العين واوًا واللام ياء، أو العكس.
فأمَّا أن يكون العين ياء واللام واوًا نحو "حَيَوتُ" فلا يُحفظ في كلامهم في اسم ولا فعل. فأمَّا الحيوانُ وحَيْوَة فشاذَّان، والأصل فيهما "حَيَيَان" و"حَيَّة"، فأبدلوا من إحدى الياءين واوًا. وزعم المازنيُّ أنَّ هذا ممّا جاءت عينه ياء ولامه واو، وأنه اسم لم يُستعمل منه فعل، كما قالوا:

 

ص -361-      فاظ1 الميِّتُ يَفِيظُ فَيظًا وفَوظًا، فاستعملوا الفعل ممّا عينه ياء، ولم يستعملوه ممّا عينه واو.
وهذا الذي ذهب إليه فاسد؛ لأنه قد ثَبَتَ إبدالهم الياء واوًا2 شذوذًا، ولم يثبت من كلامهم ما عينه ياء ولامه واو3. وأيضًا فإنَّ الحيوان من الحياة، ومعنى الحياة موجود في الحَيا المطر4؛ ألا ترى أنه يُحيي الأرض والنبات، كما قال تعالى5:
{وَأَحْيَيْنَا بِهِ بَلْدَةً مَيْتًا}؟ وهذا كثير في القرآن والشعر. وهم يقولون في تثنيته "حَيَيانِ"6 [بالياء]7 لا غيرُ. فثَبَتَ بذلك8 أنَّ الواو في حيوان بدل من ياء، وأنَّ ما ذهب إليه المازنيُّ فاسد.
وأمَّا ما عينه واو ولامه ياء فكثير، نحو: شَوَيتُ وطَوَيتُ، وحكمُ اللام فيه حكمها في باب "رَمَيتُ"، في جميع الأحكام. وأمَّا العين فصحيحة ولا يجوز إعلالها. إِلَّا أن يؤدِّي تصريف إلى وقوع واو ساكنة قبل الياء فإنَّ الواو تُقلب ياء، وتُدغم الياء في الياء، نحو: شَوَيتُ9 شَيًّا وطَوَيتُ طَيًّا.
إلا10 أن يكون اسمًا على وزن "فَعْلَى" فإن الياء تقلب فيه واوًا. فمن ذلك العَوَّى11 اسم النجم، هو في الأصل12 "عَوْيا"، فقُلبت الياء واوًا كما فُعل ذلك بالمعتلِّ اللام خاصَّة نحو: شَرْوَى -وقد تَقَدَّمَ السبب في ذلك- ثمَّ أُدغمت الواو في الواو. واشتقاقها من "عَوَيتُ يَدَه" أي: لَويتُها؛ لأنها [54ب] كواكب ملتوية.
فإن قيل: فهلَّا كانت العَوَّى: "فَعَّلًا" من "عَوَيتُ"، فلا يكون على ذلك ممّا قلبت فيه الياء13 واوًا. فالجواب أنَّ الذي منع من ذلك أنه ليس من أبنية كلامهم ["فَعَّلٌ"]14. فأمَّا

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 فاظ: مات.
2 م: إبدالهم الواو ياء.
3 م: ولا واو.
4 م: للمطر.
5 الآية 11 من سورة ق.
6 م: حيان.
7 من م.
8 ف: لذلك.
9 في حاشية ف أن هذا متصل بقوله: "والسبب في أن اعتلت اللام في هذا الباب وصحت العين". انظر ص363.
10 سقطت مسألتا "العوّى" و"ريّا" في م من هنا، وأقحمتا في المعتلِّ اللام مقدمة ثانيتهما على الأولى. انظر تعليقنا في ص346.
11 م: العوا.
12 المنصف 2: 159 وسر الصناعة 1: 98-100.
13 م: الفاء.
14 من م.

 

ص -362-      شَلَّمُ1 وبَذَّرُ2 وبَقَّمٌ فأعجميَّات3.
وقد مدَّ بعضهم فقال: العَوَّاءُ. وهو قليل، ويحتمل ذلك ضربين من الوزن:
أحدهما: أن يكون "فَعْلاء"، والأصل "عَوْياء" فقُلبت الياء واوًا وأُدغمت الواو في الواو. وإنَّما قلبوا الياء واوًا في "فَعْلاء" الممدودة، وليس قياسها ذلك؛ لأنَّ الأصل والأكثر فيه4 القصر. وكأنهم لمَّا مدُّوه من قصر أبقَوُا الواو فيه المنقلبة5 عن الياء، تنبيهًا على أنَّ المدَّ فيه عارض، كما صحَّ "عَوِرَ" لأنه في معنى: اعْوَرَّ. ويكون قلبهم الياء واوًا فيه شذوذًا، كما قالوا: عَوَى الكلبُ عَوَّةً، والأصل "عَوْيَة" فقلبت الياء واوًا. حكى ذلك ابن مِقسمٍ عن ثعلب6.
والآخر: أن يكون "فَعَّالًَا"، وكأنه في الأصل "عَوَّاي"، ثمَّ قلبت الياء همزة لتطرُّفها ووقوعها بعد ألف زائدة، فصار "عَوَّاء". وكأنه ذُهِب به7 إلى معنى المنزل ولذلك ذُكِّرَ، وذُهِب بـ"عَوَّى" المقصورة إلى معنى المنزلة ولذلك أُنِّثت.
وأمَّا "رَيّا" التي يُراد بها الرائحة، من قوله8:

[إِذا التَفَتَتْ نَحْوِي تَضَوَّعَ رِيحُها,               نَسِيمَ الصَّبا], جاءتْ بِرَيّا القَرَنفُلِ

فصفة من معنى: رَوِيَتْ. وكان الأصل فيه "رائحة رَيَّا"9 أي: ممتلئة طيبًا. ولو كانت اسمًا لكانت "رَوَّى"10؛ لأنَّ أصلها "رَوْيا"، فكنتَ11 تُبدل الياء واوًا كما فعلتَ ذلك في "عَوَّى"12 ثمَّ تُدغم الواو في الواو. فلمَّا لم يقولوا ذلك علمنا أنها صفة أصلها "رَوْيا"، فاجتمعت الواو والياء وسبقت إحداهما بالسكون، فقُلبت الواو ياء وأُدغمت الياء في الياء.
فإن قيل13: فهلَّا ادُّعِيَ أنَّ "رَيَّا" اسم وأنها في الأصل "رَيْيا" فيكون 14 من باب ما عينه

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 شلم: اسم موضع بالشام.
2 بذر: اسم ماء من مياه العرب. وانظر معجم البلدان "بذّر".
3 البقم: العندم. وهو صبغ معروف. وانظر التاج "بقم" والمعرب ص60-61.
4 أي: في العواء.
5 م: فكأنهم مدوه من قصر فلذلك أبقوا الواو فيه منقلبة.
6 مجالس ثعلب ص123 والمنصف 2: 160.
7 م: ذهب بعواء.
8 من معلقة امرئ القيس. ديوانه ص150. وتضوع: انتشر. والريح: الرائحة. والصبا: الريح اللطيفة تأتي من المشرق.
9 سقط من م: "أي ممتلئة طيبًا" وزاد فيها: انقلبت إلى باب ما اعتل لامه وعينه.
10 م: روّا.
11 م: وكنت.
12 م: شروى.
13 م: فإن قال قائل.
14 م: فهي.

 

ص -363-      ولامه ياء، ثمَّ قُلبت اللام واوًا فصار "رَيْوَى"، ثمَّ اجتمع ياء وواو وسبقت إحداهما بالسكون، فقلبت الواو ياء وأدغمت الياء في الياء، فالجواب أنَّ الذي منع من ذلك أنه لا يُحفظ من كلامهم تركيب1 "ري ي"،2 ومن كلامهم تركيب "روي"3 نحو: رَوِيتُ؛ ألا ترى أنَّ قوله4 "ريّا المُخَلخَلِ" معناه: ممتلئةَ المخلخلِ؟ فهو من معنى "رَوِيَتْ"5.
والسبب، في أن اعتلَّت اللام في هذا الباب6 وصحَّت العين7، أنك لو أعللتَهما جميعًا لأدَّى ذلك إلى الإعلال بعد الإعلال والحذف؛ ألا ترى أنَّك لو قلبتَ الواو من "طَوَيتُ" ألفًا، والياء ألفٌ8، لتوالى الإعلال. ثمَّ يلتقي الألفان وهما ساكنان، فيؤدِّي ذلك على الحذف. فلمَّا لم يمكن إعلالهما معًا أعللتَ إحداهما، وكانت الأَوْلى بالإعلال9 اللام؛ لأنها طرف.
وأيضًا فإنك لو أعللتَ العين وصحَّحتَ اللام لكنتَ تقول: شايَ يَشِيُّ وطايَ يَطِيُّ10 فتقلب الواو التي هي عين ياء وتُدغمها في الياء، وتدخل اللام الضَّمَّة؛ لأنها تجري مُجرى الصحيح، فكان يلزم في ذلك تغيير وتبديل كثير. فرُفِض لذلك.
وقد شذَّ من ذلك شيء، فأُعِلَّت عينه وصُحِّحت لامه، وجاء 11 ذلك في الاسم لقوَّته وتمكُّنه12. وذلك نحو: طاية13 وثاية14؛ لأنهما 15 من: طَوَيتُ وثَوَيتُ.
وأمَّا ما عينه ولامه واوان16 فإنَّ العين منه تجري مَجرى [الحرف]17 الصحيح أبدًا. وأمَّ

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 سقط من م.
2 م: ريوى.
3 م: روّى.
4 قسيم بين لامرئ القيس من معلقته في ديوانه ص15، وتمامه:

إذا قُلتُ: هاتِي نَوِّلِينِي, تَمايَلَتْ   عليَّ, هَضِيمَ الكَشحِ, رَيَّا المُخَلخَلِ

5 ألحقت مسألتا "ريّا" "والعوّى" بنسخة ف على طيارة مقحَمتين في المعتلِّ اللام. وقد أَلحق ههنا أبو حيان على الطيارة ما يلي: إِلَّا أنَّ الاسم الذي على وزن فعلى تقلب الياء فيه واوًا.
6 يريد: باب طوى وشوى.
7 م: والسبب في ذلك.
8 كذا. فلعله يريد الفعل قبل اتصاله بالضمير؛ لأنَّ ألفه منقلبة عن ياء. وهو: طَوَى.
9 م: بإعلال.
10 م: طاير يطير.
11 زاد في م هنا: "في". وموضعها بياض في ف.
12 م: في الاسم تقوية للاسم وتمكنته.
13 الطاية: سقف البيت.
14 الثاية: حجارة تكون للراعي حول الغنم تأوي إليها.
15 م: "لأنها". وسيذكر المؤلف "طاية" و"ثاية" في ص368، ويزيد أيضًا "راية".
16 م: واو.
17 من م.

 

ص -364-      اللام فتجري مَجرى اللام في باب "غَزَوتُ"، في جميع ما ذُكر، مزيدًا كان الاسم أو الفِعل أو غيرَ مزيد. إِلَّا أنَّ الفِعل إذا كان على ثلاثة أحرف لم يُبنَ إِلَّا على "فَعِلَ"، بكسر العين، بخلاف باب "غَزَوتُ".
والسبب في ذلك أنَّك لو بَنَيتَ الفِعل على "فَعَلَ" أو "فَعُلَ"، بضمِّ العين أو فتحها، لكنتَ تقول: "قَوَوتُ" و"قَوُوتُ"1، فتجمع بين واوين إذا رددتَ الفعل إلى نفسك. وكذلك المضارع كنت تقول فيه: "يَقْوُو"، فتجمع أيضًا بين واوين.فلمَّا تَعذَّرا عُدِل إلى "فَعِلَ"؛ لأنَّ الواو تنقلب ياء لتطرُّفها ووقوع الكسرة قبلها نحو: قَوِيَ، ويجيء المضارع على "يَفعَلَ" نحو: يَقْوَى، فيَخِفُّ اللفظ.
فأمَّا الاسم فلا يلزم2 "فَعِل" بكسر العين. بل قد تكون العين مفتوحة، فلا يلزم قلبُ اللام ياء نحو التَّوَى3. وهو الهلاك، وهو مصدر: تَوِيَ يَتْوَى4 كـ"قَوِيَ يَقْوَى". وهو من مضعَّف الواو، يدلُّك على ذلك قولهم: التَّوّ للمفرد، والمعنى واحد لأنَّ الهلاك أكثر ما يكون مع الوحدة والانفراد. هكذا قال أبو علي.
وإنَّما لم يُستنكر مجيء الاسم على "فَعَلٍ"، وإن كان يلزم في التثنية [55أ] اجتماع الواوين نحو "تَوَوَين"5، كما يلزم ذلك في الفِعل إذًا رددتَه إلى نفسك -لأنَّ الفعل أثقل, فاستُخفَّ في الاسم لخِفَّته ما لم يُستخفَّ في الفعل لثِقَله.وأيضًا فإنَّ الفِعل يَتصرَّف فيلزم فيه الثقل في مضارعه, وإذا رددتَ الفعل إلى نفسك. ولا يلزم في الاسم إِلَّا في حال التثنية.
وصحَّت العين في نحو "قَوِيَ" للعِلَّة التي تَقَدَّمت6 في نحو: طَوَيتُ وشَوَيتُ.
وأمَّا ما عينه ولامه ياءان فإنَّ العين منه تجري مَجرى حرف صحيح، للعِلَّة التي تَقَدَّمت أيضًا في باب: طَوَيتُ. وأمَّا الياء التي هي لام فتجري مَجرى الياء فيما عينه صحيحة نحو: "رَمَى"، في جميع الأحكام، سواء كان الاسم أو الفعل7 مزيدًا أو غير مزيد. إِلَّا ما يَعرِض في هذا الباب من الإدغام, بسبب اجتماع المِثلَين، على ما يُبيَّن:
وذلك أنَّ المِثلَين إذا اجتمعا في هذا النوع فلا يخلو من أن يكون الثاني ساكنًا أو متحرِّكًا. فإن كان ساكنًا لم يجز الإدغام؛ لأنه لا يجوز الإدغام في ساكن، لما يُذكر8 في باب الإدغام.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 م: قوْوت.
2 م: فلا يعرى منه.
3 م: الثواء.
4 م: ثوى يثوى.
5 م: ثووي.
6 في الورقة 54.
7 م: الفعل أو الاسم.
8 انظر الورقة 61.

 

ص -365-      وذلك نحو: حَيِيتُ وأَحيَيتُ، وأشباه ذلك.
وإن كان الثاني متحرِّكًا فلا يخلو من أن يكون ما قبله مفتوحًا أو غير مفتوح.
فإن كان مفتوحًا قلبت الياء الثانية ألفًا، لتحرُّكها وانفتاح ما قبلها، وزال الإدغام لاختلاف الحرفين، نحو: أَحيا واستَحيا.
فإن كان ما قبله غير مفتوح فلا تخلو الياء الثانية من أن تكون حركتها إعرابًا1 أو بناء. فإن كانت الحركة إعرابًا لم تُدغَم2؛ لأنَّ الإعراب عارض، يزول في حال3 الرفع والخفض فيَسكن الحرف، فلا يمكن الإدغام فيه، فيُحمل النصب في امتناع الإدغام على الرفع والخفض. وذلك [نحو]: لن4 يُحْيِيَ ورأيتُ مُحْيِيًا. فلا تُدغِم كما لا تُدغِم في:هو يُحيِي، ولا في: هو مَحْيِيك.
وإن5 كانت الحركة بناء فلا يخلو من أن تكون متطرِّفة أو غير متطرِّفة. فإن كان متطرِّفة جاز الإظهار والإدغام6 نحو: أُحْيِيَ وأُحِيَّ، وحَيِيَ وحَيَّ، وحُيِيَ وحُيَّ7. ومن قال: "بِيعَ"، قال: "حِيَّ". وهو الأكثر لأنه أخفُّ.
وقد قرأ بعض القراء "ويَحْيا مَن حَيِيَ عَن بَيِّنةٍ"8. وبعضهم:
{ويَحْيا مَن حَيَّ}9 بالإدغام. فمن أدغم فلأنَّ الحركة لازمة، ومن أظهر فلأنَّ هذه الياء من "حَيِيَ" هي الياء الساكنة في "يَحْيا" التي قُلبت ألفًا. وكذلك الياء في "أُحْيِيَ" هي الياء في "يُحْيا" التي قُلبت ألفًا. فلمَّا كانت هذه الياء في موضع قد تَسكن لم يُعتدَّ بحركتها.
ومن قال: حَيَّ وعَيَّ، أجراهما مُجرى "ردَّ"10، فكما تقول: "رَدُّوا"، كذلك تقول: حَيُّوا.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 م: إعراب.
2 المنصف: 2: 192-193.
3 سقط من م.
4 سقط من م.
5 سقط من م.
6 المنصف 2: 188- 189.
7 سقط "حيي وحيّ" من م.
8 سقط "عن بينة" من م.
9 الآية 42 من سورة الأنفال. وقرأ المدنيان ويعقوب وخلف والبزي وأبو بكر بالإظهار، وغيرهم بالإدغام. النشر 2: 266 والبحر المحيط 4: 501 ومعاني القرآن 1: 411 والتبيان 5: 147.
10 كان عليه أن يذكر هنا "وَدّ" لأنه على "فَعِلَ" مثل عَيِيَ وحَيِيَ.

 

ص -366-      وعَيُّوا. قال1

عَيُّوا, بأمرِهِمُ, كَما                         عَيَّتْ, بِبَيضتِها, الحَمامَهْ

ومن قال: حَيِيَ، أجراه مُجرى: رَضِيَ. فكما تقول: رَضُوا، تقول: حَيُوا. قال2:

وكُنَّا حَسِبناهُم فَوارِسَ كَهمَسٍ             حَيُوا, بَعدَ ما ماتُوا مِنَ الدَّهرِ أَعصُرا

فإن لم تكن متطرِّفة فلا يخلو أن يكون بعدها علامتا التثنية، أو علامتا الجمع، أو تاء التأنيث. فإن كان بعدها3 علامتا التثنية أو علامتا الجمع لم يجز إِلَّا الإظهار. وذلك نحو4: مُحْيِيانِ وحَيِيانِ5 ومُحْيِيات. والسبب في ذلك أنَّ زيادتي الجمع إنَّما دخلت على الإفراد. فلمَّا كان المفرد لو لم يلحقه شيء لا يجوز فيه الإدغام؛ لأنَّ الحركة إعراب، حُملت التثنية والجمع عليه.
فإن كان بعدها6 تاء التأنيث فلا يخلو أن تلحق التاء لفظ المفرد أو بناء الجمع. فإن لحقت بناء الجمع، نحو7: حَياء وأَحيِية وعَيِيّ وأَعيِية، جاز الإظهار8 والإدغام نحو: أَحِيَّة وأَعِيَّة فمن أدغم فلأنَّ الحركة بناء، ولم تدخل على بناء قد امتنع فيه الإدغام قبل لحاقها. ومن أظهر فلأنَّ هذه الياء هي التي تَسكن في: يَعيا ويَحيا.
والإدغام في أَعِيَّة أقوى منه في أَحِيَّة؛ لأنَّ الياء9 في أَعيية تلزمها الحركة في الجمع والمفرد نحو: عَيِيّ. وأمَّا أَحيِية10 فالحركة تلزم في الجمع. وأمَّا في المفرد فلا تثبت الياء، بل تقول: حياء، فتنقلب الياء همزة لتطرُّفها بعد ألف زائدة.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 عبيد بن الأبرص. ديوانه ص126 والكتاب2: 487 والمنصف 2: 191 وشرح الشافية 3: 114 وشرح شواهدها ص356-343 وديوان سلامة ص248 و303. وفي حاشية ف بخط أبي حيان عن شرح القصائد التسع ص643 للنحاس خلاف البصريين والفراء في إدغام نحو: عيّوا. انظر ص264 من ابن عصفور والتصريف.
2 الوليد بن حنيفة أبو حزابة الحنظلي, وينسب إلى مودود العنبري. الكتاب 2: 387 والمنصف 2: 190 والأغاني 19: 157 وشرح الشافية 3: 116 وشرح شواهدها ص363-367 والصحاح واللسان والتاج "كهمس". وكهمس: اسم علم. قيل هو أبو حي من العرب. وقيل أحد الخوارج.
3 م: فلا يخلو أن يكون بعدها.
4 الكتاب 2: 388 والمنصف 2: 193-194.
5 ومثله في الكتاب. وضبط في المنصف بفتح الياء الأولى، على أنه مثنى "حَيا" المطر.
6 م: بعد.
7 الكتاب 2: 387 والمنصف 2: 190-192.
8 في م زيادة ونقص, وفي ف تقديم وتأخير.
9 يريد: الياء الثانية.
10 م: أحياء.

 

ص -367-      فإن لحقت المفردَ فلا يخلو من أن تكون عِوضًا من محذوف أو غير عِوَض. فإن لم تكن عِوَضًا لم يجز إِلَّا الإظهار، نحو1: مُحْيِية ومُعْيِية. والعِلَّة في ذلك كالعِلَّة في: مُحْيِيات ومُحْيِيَينِ، من أنَّ العلامة دخلت على بناء لا يجوز فيه الإدغام، وهو: مُحْيٍ ومُعْيٍ.
فإن كانت التاء عِوَضًا فإنه لا يجوز إِلَّا الإغام، نحو2: تَحِيَّة مصدر "حَيَّا". الأصل [55ب] "تَحْيِيْيًا"3، فحُذفت ياء4 "تَفعِيل"، وعُوِّضت التاء منها على حدِّ تَكرِمة فصار "تَحْيِية"5 فصارت هذه التاء لأجل العِوَضيَّة كأنها جزء من الكلمة فلزمت، فصارت الحركة لازمة لذلك، فلزم الإدغام.
وزعم المازنيُّ6 أنه يجوز الإظهار، واستدلَّ على ذلك بجواز الإظهار في أَحْيِية7، مع أنَّ الهاء من أَحْيِية لازمة لـ" أَفْعِلة"؛ لأنها لم تدخل على "أَحِيّ"8، كما أنها في تَحِيَّة كذلك إذ لم تدخل على "تَحِيّ". وهذا الذي ذهب إليه ضعيف9؛ لأنَّ الفرق بين تَحِيَّة10 وأَحْيِية بيِّنٌ. وذلك أنَّ التاء 11 من تَحيَّة صارت عِوَضًا من حرف من نفس الكلمة12، فصارت كأنها حرف من نفس الكلمة لذلك. وأيضًا فإنَّ أَحْيِية جمع، والجمع فرع على الواحد، والفروع قد لا تُلحظ وقد تُلحظ. وأمَّا تَحِيَّة فمصدر، والمصدر أصل، فينبغي أن يُلحظ في نفسه.
وإذا أَظهرتَ الياءين ولم تُدغِم، كان الإدغام جائزًا مع الإظهار أو لم يكن، فإنَّ إخفاء الحركة من الياء الأُولى13 أفصح من الإظهار14؛ لأنه وسيطة بين الإظهار15 والإدغام، فكان أعدل لذلك.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 المنصف 2: 193-194.
2 المنصف 2: 194-195.
3 م: تحيية.
4 م: تاء.
5 م: تحييّة.
6 المنصف 2: 195-196.
7 الأحيية: جمع حياء.
8 في المنصف: أحيي.
9 المنصف 2: 196-197.
10 م: حية.
11 م: الياء.
12 سقط من م حتى "نفس الكلمة".
13 م: إخفاء حركة الياء الأولى.
14 وكذلك في نسخة أخرى كما جاء في حاشية ف. والمراد إظهار الحركة. وفي النسختين: الإدغام.
15 أي: عدم الإدغام.

 

ص -368-      والإخفاء فيما حركة الياء الأُولى منه كسرةٌ أحسنُ1 من الإخفاء فيما2 حركتها منه فتحة. فالإخفاء في مُحيِيَينِ أحسن من الإخفاء في مُحيَيَينِ؛ لأنَّ الكسرة في الياء أثقل من الفتحة، فتكون الداعية إلى التخفيف مع الكسرة أشدَّ.
وقد شذَّ أُليفاظ3 في هذا الفصل، فاعتلَّت فيها العين. منها: آية وراية وثاية وغاية وطاية. وكان حقُّها أن يعتلَّ منها اللام ويصحَّ العين4. والذي سَهَّل ذلك كونُ هذه الأُلفاظ5 أسماءً، فلا تتصرَّف فيلزمَ فيها من الإعلال والتغيير ما يلزم في الفعل.
وفي "آية" ثلاثة أقوال للنحويِّينَ6:
فمذهب الخليل7 ما ذكرناه، من اعتلال العين وصحَّة اللام شذوذًا.
ومذهب الفرَّاء أنَّ وزنها "فَعْلة"، وأنَّ الأصل "أيَّة"، فاستثقلوا اجتماع ياءين، فأبدلوا من الساكنة ألفًا تخفيفًا. قال: وإذا كانوا يفعلون ذلك بالياء الساكنة وحدها، في نحو: عَيبٌ وعابٌ وذَيمٌ وذامٌ8, فالأحرى أن يفعلوا ذلك إذا انضاف إليها ياء أُخرى. وهذا الذي ذهب إليه فاسد؛ لأنَّ فيه إعلال العين، مع أنَّ العين9 معتلَّة كما في مذهب الخليل، مع أنَّ إبدال الياء الساكنة ألفًا ليس بمستمرٍّ. وأمَّا العاب والعَيب والذام والذَّيم10 فهما ممّا جاء على "فَعْلٍ" تارة، وعلى "فَعَلٍ" أُخرى.
ومذهب الكسائيِّ أنَّ وزنها "فاعِلة" والأصل "آيِيَة"، فحُذفَتِ استثقالًَا لاجتماع الياءين، إذ حذفوها وحدها في "بالَة"11 وقد تَقَدَّمَ. وهذا الذي ذهب إليه فاسد؛ لأنَّ فيه أيضًا ما في

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 المنصف 2: 194.
2 كرر ناسخ م: "فيما حركة الياء الأولى منه كسرة أحسن من الإخفاء فيما".
2 في النسختين "لفظان". والتصويب من حاشية ف بخط أبي حيان نقلًا عن خط المصنف.
4 في النسختين: "أحدهما آية وكان القياس أياة". والتصويب من حاشية ف بخط أبي حيان، وفيه تكرار لما تَقَدَّمَ في ص363.
5 في النسختين: "اللفظة". والتصويب من حاشية ف بخط أبي حيان نقلًا عن خط المصنف.
6 شرح الشافية 3: 118.
7 الكتاب 2: 388.
8 الكتاب 2: 388.
9 في النسختين: اللام.
10 م: الدام والديم.
11 لم يَتَقَدَّمْ لها ذكر من قبل. وهي مصدر باليت وأصلها بالية مثل عافية حذفت منها الياء تخفيفًا. انظر المنصف 2: 238 والصحاح واللسان والتاج. "بلو".

 

ص -369-      مذهب الخليل من إعلال العين؛ لأنَّ الحذف إعلال، مع أنَّ حذف الياء التي هي عين ليس بمطَّرد، مع أنَّه ادَّعى أصلًا لم يُلفظ به، ولا مانع يمنع لو كان ذلك1.
فتَبيَّن أنَّ الأَولى ما ذَهَب إليه الخليل. وهذه المذاهب إنَّما تجري في آية؛ لأنها من ذوات الياء بدليل قوله2: 

قِفْ, بالدِّيارِ, وُقوفَ زائرْ                              وتَأَيَّ, إِنَّكَ غَيرُ صاغِرْ

فمعنى تأيَّ: انظُرْ آياتِها. فلو كانت عينها واوًا لقال "وتَأوَّ" كما تقول: تَلوَّ وتَسَوَّ3.
وكذلك غاية في أحد القولين؛ لأنَّ أبا زيد حكى: غَيَّيتُ الغايةَ وأَغيَيتُها. فهذه دلالة قاطعة على أنها من الياء4. فعلى هذا تجري فيها5 المذاهب الثلاثة التي في آية.
وشذَّ من ذلك الفعل6 "استَحَى"، وكان القياس "استَحْيا"، لكن شذُّوا فيه، فأجرَوه مُجرى: استَبانَ، فنقلوا حركة الياء التي هي عين إلى الساكن قبلها، وقلبوا الياء ألفًا، فصار: استَحَى.
فأمَّا المازنيُّ فيزعم أنَّ الألف حُذفت تخفيفًَا7، كما حذفت من عُلَبِط8 وهُدَبِد9.
وأمَّا الخليل فيزعم أنه لما اعتلَّت العين سُكِّنت، وسُكِّنت اللام أيضًا كذلك بعدها بالإعلال، فالتقى ساكنان فحذفت الألف لالتقاء الساكنين. فإن قيل: فلأيِّ شيء لم يردُّوا المحذوف في المضارع، فيقولون10: "يَستَحِيُّ"، ويرفعون الياء التي هي لام، ويُدغمون فيها العين؟ فالجواب أنَّ الذي منع من ذلك أنهم لو فعلوه11 لرفعوا ما لا يرتفع مثله في كلامهم؛ لأنَّ الأفعال المضارعة إذا كان آخرها معتلًّا لم يدخلها الرفع في شيء من الكلام12. [فأمَّا قول الشاعر13:

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 سقط من م. ف: ولا مانع يمنع لو كان من ذلك.
2 الكميت. ديوانه 1: 223 والمنصف 2: 142 وإصلاح المنطق ص336 واللسان والتاج "أيي".
3 م: تشد.
4 م: الواو.
5 ف: فيه.
6 المنصف 2: 204-206 وشرح الشافية 3: 119-120.
7 المنصف 2: 204 ونظَّر لها هناك بـ"أحَست وظِلت ومِست".
8 العلبط: اللبن الخاثر الغليظ المتلبد.
9 الهدبد: اللبن الخاثر.
10 كذا بإثبات النون. وانظر ص284.
11 م: لو فعلوا.
12 ما بين معقوفين ألحقه أبو حيان بحاشية ف نقلًا عن خط المنصف. وسيرد بعد قليل.
13 نسب في التاج "عيي" إلى الحطيئة، وأنشده الفراء في معاني القرآن 1: 412. وانظر ص370 والمنصف2: 206 والتبيان 5: 147 ورسالة الملائكة ص105 والمحتسب 2: 269 والهمع 1: 53 والدرر 1: 31 والأشموني 4: 349 واللسان "عيي". وسدة البيت: فناؤه. يصف امرأة وأنها منعمة، فلو مشت بفناء بيتها لتعبت.

 

ص -370-                                     وكأنَّها، بَينَ النِّساءِ، سَبِيكةٌ,    تَمشِي1, بِسُدَّةِ بَيتِها, فتُعِيُّ

فبيت شاذٌّ وقد طُعن على قائله].
وردَّ المازنِيُّ2، مذهب الخليل، بقول العرب في التثنية: استَحَيا. قال: فلو كان الحذف لالتقاء الساكنين لوجب الردُّ هنا؛ لأنَّ اللام قد تحرَّكت لأجل ألف التثنية، فكانوا يقولون: "استَحايا". فلمَّا لم يقولوا ذلك دلَّ على أنَّ الحذف تخفيفٌ3.
ولقائل [56أ] أن يقول4: لَمَّا حُذف عين "استَحَى"5 أَشبَهَ "افتَعَلَ"، فصُرِّفَ كتصريف ما أشبهه. ومذهب المازنِيِّ أقوى.
وجميع ما يجري على "استَحَى" مثلُه في اعتلال عينه، من اسم فاعل واسم مفعول ومضارع، [نحو]6: استَحَى يَستَحِي فهو مُستَحٍ ومُستَحًى منه. قال7 الشاعر:

وإِنِّي لأستَحيِي, وفي الحَقِّ مُستَحًى,             إِذا جاءَ باغِي العُرفِ, أن أَتَنكَّرا

ولم يستعملوا الفعل8 معتلَّ العين إِلَّا بالزيادة، فلا يقال "حايَ" ولا "يَحَيُّ". فأمَّا9 قول الشاعر:

وكأَنَّها, بَينَ النِّساءِ, سَبِيكةٌ                 تَمشِي, بِسُدَّةِ بَيتِها, فتَعَيّ10

فبيتٌ شاذٌّ، وقد طُعن على قائله.
وأمَّا11 اللام فتجري في اعتلالها مَجرى لام "رَمَى"، فلا تصحُّ إِلَّا أن تضعِّفها. فإنك إذ ذاك

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ف: تمسي.
2 المنصف 2: 204.
3 م: تخفيفًا.
4 انظر المنصف 2: 205-206.
5 م: استحيى.
6 من م. وفيها: في إعلال عينه من اسم فاعل أو اسم مفعول أو مضارع.
7 م: "قول". والبيت تَقَدَّمَ في ص327.
8 يريد: فعل حيي وما أشبهه.
9 بقية الفقرة ساقطة من إحدى النسخ كما جاء في ف. والبيت خرجناه في ص369.
10 ضبط في ف بقلم آخر بضمِّ التاء وكسر العين. وكذلك هو في معاني القرآن والمنصف والتبيان واللسان والتاج "حيي" و"عيي". فهو مضارع أعيَي. وبذلك يكون مزيدًا فيناقض ما أراده ابن عصفور، وقد ضبطناه بفتح التاء والعين تبعًا لخط أبي حيان في المبدع ليكون غير مزيد فيوافق ما أراد ابن عصفور, وإن كان "عيي" المجرد ليس من معناه التعب. انظر قصة الكسائي في تاريخ بغداد 11: 404 وإنباه الرواة 2: 257 والبغية ص336.
11 النص حتى نهاية الثلاثي المعتل ألحقه أبو حيان بحاشية ف. وهو ساقط من متني النسختين، وفيهما بدلًا منه الفقرة التي نشير إليها في التعليقة التالية مقدمًا لها بما يلي: "واعلم أنَّ اللام المعتلة إذا ضوعفت صحَّت اللام الأولى وجرت في ذلك مجرى العين. وأمَّا الثانية فتعتل كما تعتل إذا كانت بعد العين المعتلة".

ص -371-      تُصحِّح الأُولى منهما، وتُعِلّ الثانية منهما؛ لأنَّ نسبتها إذ ذاك من الثانية نسبة العين من اللام في "شَوَى" وأمثاله. فلو1 بَنَيتَ من الرمي مثل "احمرَّ" لقلت: "ارْمَيَا". والأصل "ارْمَيَيَ"، فصحَّتِ اللام الأُولى وقلبت الثانية ألفًا. وتقول في المضارع: "يَرْمَيِي"، فتصحّ اللام الأولى كما تصحّ العين في: يُحْيِي.
وتقول في مثل2 "احمارَّ" من الحُوَّة: احْواوَى الفرسُ واحْواوَتِ الشَّاةُ. تَرجِعُ الواوَ إلى أصلها؛ لأنه لا مانع من ذلك. واحتُملت الواوان لوقوعهما منفصلتين. فإن بنيتَ مثل "احمَرَرْتُ" قلت: "احْوَوَيْتُ". واحتُملت الواوان، وإن كانتا متصلتين؛ لأنهما في تقدير الانفصال؛ لأنَّ كلَّ "افعَلَّ" مقصورةٌ من "افعالَّ".
وتقول في اسم الفاعل من "احواوَى": مُحْواوٍ، ومن "احوَوَى": مُحْوَوٍ.
ومصدر "احواوى": احْوِيواءٌ، من غير إدغام؛ لأنَّ الياء مدّة منقلبة عن ألف "احواوَى". هكذا حكى أهل اللغة عن العرب. وزعم المبرّد3 أنك تقول: احْوِيّاءٌ، من قِبَل أنَّ المصدر اسم. فبناؤه على حالة واحدة، فلا تكون الألف عارضة. والسماعُ يبطل ما قال.
ومصدر "احووَى": احْوِواءٌ. ومن قال في مصدر "اقتَتلَ": قِتّالًا، قال في مصدر "احووَى": حِوَّاءٌ. هذا قول أبي الحسن4. وغيره يقول: "حِيَّاءٌ"، فيقلب الواو الساكنة ياء لانكسار ما قبلها، ثمَّ تُقلب الثانية ياء، وتُدغم الياء في الياء.
والصحيح قول أبي الحسن؛ لأنَّ الواو بالإدغام قد زال عنها المدُّ، فصارت [بمنزلة الحروف] الصحيحة. ولذلك وقع "لُيّ" في القافية مع "ظَبْي". وأَدْلٍ كان كذلك [لو] لم تقوَ الكسرة على قلبها. ويقوِّي ذلك قولهم: قُرونٌ لُيٌّ. فلم يقلبوا من الضَّمَّة كسرة، لَمَّا أمنوا قلب الياء واوًا للإدغام كما قلبوها [في أدْلٍ].
فإن قلتَ: إنَّ القلب في حِيَّاء محمول على قول من قال: لِيٌّ، بكسر اللام. فالجواب أنَّ ذلك بعيد؛ ألا ترى أنك لا تجد كلمة من الواو المدغمة قَلَبتْها الكسرةُ إلى الياء، لزوال المدّ عنها بالإدغام؟5

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 سقط من حاشية ف حتى قوله "في يحيي". وألحقناه من متني النسختين تبعًا للمبدع. وانظر الكتاب 2: 390 والمنصف 2: 607 وشرح الشافية 3: 122.
2 انظر شرح المفصل 10: 120 والكتاب 2: 391-392 والمنصف 2: 219-126 وشرح الشافية 3: 120-122.
3 كذا. و"احويّاء" هو قول سيبويه أيضًا. انظر الكتاب 4: 391 وشرح الشافية 3: 120 وشرح المفصل10: 120.
4 كذا. وهو قول سيبويه. انظر الكتاب 2: 391.
5 ينتهي ههنا ما نقلناه عن حاشية ف بخط أبي حيان.

 

ص -372-      [الرباعيُّ المعتلُّ]:
فإن كان أصول المعتلِّ على أزيد من ثلاثة فإنَّ نهاية ما يوجد عليه أربعة أحرف، بشرط أن يكون مصعَّفًا. أعني: تكون لامه الأولى من جنس فائه، ولامه الثانية من جنس عينه، كما جاءت1 لام "رَددتُ" من جنس عينه. فهو في الأربعة نظير "رَدَدتُ" في الثلاثة2. وذلك نحو: قَوقَيتُ3 وضَوضَيتُ4 في بنات الواو، وحاحَيتُ وعاعَيتُ وهاهَيتُ5 في بنات الياء. والأصل "ضَوضَوتُ" و"قَوقَوتُ" -فأبدلوا الواو الأخيرة ياء، لوقوعها طرفًا رابعة، للعِلَّة التي ذكرنا في "أغزَيتُ"6- وحَيحَيتُ وعَيعَيتُ وهَيهَيتُ، فأبدلوا من الياء ألفًا، كراهية اجتماع الأمثال.
فإن قيل: وما الذي يدلُّ7 على أنَّ قَوقَيتُ: "فَعْلَلتُ"؟ ولعلَّها "فَعْلَيْتُ" أو "فَوْعَلتُ". وكذلك أيضًا حاحيتُ، ما الذي يدلُّ على أنه "فَعْلَلتُ"؟ ولعلَّه "فاعَلتُ". فالجواب أنَّ الذي يدلُّ على أنَّ قَوقَيتُ: "فَعْلَلتُ" أنه لو كان "فَوْعَلتُ" لكان من باب دَدَن8، ولو كان "فَعْلَيتُ" لكان من باب سَلِسَ وقَلِقَ. وهما بابان9 قليلان، "وقَوقَيتُ" وأمثاله كثير. فدلَّ ذلك على أنَّه ليس بـ"فَوْعَلتُ"، ولا بـ"فَعْلَيتُ".
وأمَّا حاحَيتُ وأمثاله فالذي يدلُّ10 على أنها "فَعْلَلتُ" لا "فاعَلتُ" المصدرُ؛ ألا تراهم قالوا: الحِيحاءُ والعِيعاءُ، فيجيء بمنزلة السِّرهاف؟11 ولو كان "فاعَلَ" لكان مصدره "فِعالًا" نحو: قاتلَ قِتالًا.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ف: جاء. 
2 المنصف 2: 169. 
3 قوقت الدجاجة: صاحت. 
4 ضوضيت: من الجلبة والضوضاء. 
5 حاحيت وعاعيت وهاهيت: صوّتُّ بالغنم. 
6 في الورقة 25. م: "أعريت". وزاد بعدها في ف: وأصل حاحيت. 
7 ف: وما الدليل. 
8 م: ردن. 
9 م: بناءان. 
10 المنصف 2: 171-172. 
11 السرهاف: من قولك سرهفته، إذا نعمته وأحسنت غذاءه. م: السرهاء.

 

ص -373-      فإن قيل: وقد1 يجيء "الفِيعال"2 مصدرًا لـ"فاعَلَ"، قالوا: "قاتَله قِيتالًا". فالجواب أنَّ ذلك قليل، فلا ينبغي أن يحمل عليه الحِيحاء والعِيعاء.
والذي يدلُّ3 أيضًا على أنَّ حاحَيتُ وعاعَيتْ: "فَعلَلتُ" قولُهم: الحاحاةُ والعاعاةُ، بمنزلة الدَّحرَجة والقَلقَلة والزَّلزَلة. ولو كانتا "فاعَلتُ" لما جاز ذلك؛ ألا ترى أنَّه لا يقال: قاتَلَ قاتَلةً، ولا ضارَبَ ضارَبةً؟
وأيضًا فإنَّ جعل الألف زائدة يؤدِّي إلى دخولهما في الباب القليل -أعني باب: دَدَن- وهو كون الفاء والعين4 من جنس واحد.
فإن قيل: وما الذي يدلُّ على أنَّ الألف منقلبة عن5 الياء فيهما؟ فالجواب6 أنَّ الذي يدلُّ على ذلك أنه لم يجئ قطُّ على أصله. فلو كان من ذوات الواو لجاء على أصله، كـ"قَوقَيتُ".
فإن قيل: ولأيِّ شيء لم تُبدَل من الواو ألف، في مثل قَوقَيتُ؟ فالجواب أنهم فرَّقوا بذلك بين ذوات الياء وذوات الواو، وكان إبدال الألف من الياء أَوْلى، لقرب الألف من الياء، ولما في إظهار الياء7 من اجتماع الأمثال. وممّا يدلُّ على أنهم يُبدلون كراهية اجتماع الأمثال: دَهدَيتُ8، وأصله9 "دَهْدَهتُ"، فأُبدِلَتِ الهاء ياء.
وزعم المازنِيُّ10 أنَّ الألف منقلبة عن واو. وحجَّتُه أنَّ الألف لَمَّا لم يُنطق لها بأصل، لا من ياء ولا من واو، حَمَلَها على ما نُطق له بأصل. وهو: قَوقَيتُ. والأو َّل أَقيس وأحسن؛ لأنَّ فيه مُحسِّنًا لقلب الياء ألفًا. وليس في مذهب المازنِيِّ ما يُحسِّن القلب.
وجاء من ذلك في الأسماء 11: غَوغاء، فيمن صرف فقال: غَوغاءٌ أو مَن ألحق التاء فقال: غَوغاءةٌ. والأصل "غَوغاوٌ" و"غَوغاوةٌ". فقُلبت الواو همزة 12 لتطرُّفها بعد ألف زائدة.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 م: فقد.
2 م: القيقال.
3 المنصف 2: 172-174.
4 م: العين والفاء.
5 م: من.
6 المنصف 2: 169-171.
7 ف: ولما في ذلك.
8 دهديت: دحرجت.
9 ف: والأصل.
10 المنصف 2: 169-171.
11 المنصف 2: 176-177.
12 بل الواو تقلب ألفًا، والألف تبدل همزة.

 

ص -374-      فإن قيل: ولعلَّ الهمزة منقلبة عن حرف عِلَّة مُلحَق بالأصل. فالجواب أنَّ حمل الكلمة على ذلك يؤدِّي إلى كون الكلمة من باب: سَلِسَ وقَلِقَ. وذلك قليل جِدًّا. فحُملت على الباب الأوسع. وأيضًا فإنَّ العرب لم تُلحِق من بنات الثلاثة ببنات الأربعة شيئًا على وزن "فَعْلاء"، لم يوجد من كلامها مثل حمراء [56ب] منوَّنًا1.
فإن2 قيل: ولعلَّ الواو زائدة، ووزن الكلمة "فَوعالٌ" نحو: تَوراب3. فالجواب أنَّ هذا البناء قليل، فلا ينبغي أن يُحمل عليه. وأيضًا فإنَّه يؤدِّي إلى الدخول في باب: دَدَن، وهو أقلُّ من باب: سَلِسَ.
فأمَّا4 من منع الصرف فالهمزة عنده زائدة، والكلمة من باب: سَلِسَ.
وكذلك5 الصِّيصِيةُ والدَّوداةُ والشَّوشاةُ. فأمَّا الصِّيصِية6 فمن مضعَّف الياء. وأمَّا الدَّوداة7 والشَّوشاة8 فمن مضعَّف الواو.
ولا ينبغي أن يُدَّعى في صِيصية9 أنها في الأصل "صِوْصِيةٌ"، فقلبت الواو ياء للكسرة قبلها، لأنَّه خروج عن الظاهر بغير دليل. وأيضًا فإنها لو كانت من ذوات الواو لقالوا في الجمع "صَواصٍ"، لتحرُّك الواو وزوال الكسرة. فلمَّا قالوا: صَياصٍ، علمنا أنها من ذوات الياء. قال تعالى10:
{مِنْ صَيَاصِيهِمْ}. ولا تُجعل الياء الثانية زائدة ويكون وزن الكلمة "فِعْلِية" نحو عِفرِية11؛ لأنَّ في ذلك دخولًا12 في باب: قَلِقَ. وهو قليل.
وكذلك الدَّوداة والشَّوشاة13 لو جُعلت الواو فيهما زائدة14 لكانا15 من باب: دَدَن.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 كذا. وجاء عن العرب: طرفاءٌ وحلفاءٌ وقصباءٌ في أسماء النبات. انظر التاج "طرف" و"قصب". وزاد بعده في م: "فأمَّا من منع الصرف فالهمزة عنده زائدة والكلمة من باب سلس". وسترد هذه العبارة بعد فقرة.
2 م: وإن.
3 التوراب: التراب.
4 قدمت هذه العبارة في م فأثبتت بعد "مثل حمراء منونًا". وكذلك في بعض النسخ كما جاء في حاشية ف. انظر التعليقة ذات الرقم1.
5 المنصف 2: 178-179.
6 الصيصية: الشيء يُحتمى به كالحصن وغيره.
7 الدوداة: لعبة للصبيان.
8 الشوشاة: المرأة الكثيرة الحديث. م: السوساة.
9 م: صيصة.
10 الآية 26 من سورة الأحزاب.
11 العفرية: الداهية.
12 م: دخول.
13 م: السوساة.
14 سقط من م.
15 م: لكان.

 

ص -375-      وهو1 قليل. ولو كانت الألف زائدة لكانا2 من باب: سَلِسَ. وهو قليلٌ أيضًا.
فأمَّا الفَيفاء3 فالألف والهمزة زائدتان؛ لأنهم [قد]4 يحذفونهما، فيقولون5: الفَيْفُ.
وكذلك القِيقاء6 والزِّيزاء7 بمنزلة عِلباء8 ولا يكونان من باب المضعَّف؛ لأنهما ليسا بمصدرين، و"فِعلال"9 لا يوجد إِلَّا في المصادر.
وحكم اللام المعتلَّة، في جميع الأحوال، حكمها في مزيد الثلاثيِّ. وحكم العين حكمها في الثلاثيِّ.
ولم تجئ الواو أصلًا في بنات الأربعة غيرَ المضعَّف إِلَّا في وَرَنْتَلٍ10 -وهو شاذٌّ- وفي أسماء قليلة11 قد نبَّهنا عليها في الأبنية. وكذلك الياء لم تجئ أصلًا فيما زادت أصوله على ثلاثة أحرفٍ إِلَّا في يَسْتَعُورٍ12، وفي ألفاظ قليلة نبَّهنا13 أيضًا عليها في الأبنية. وقد تَقَدَّمَ الكلام فيها14.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 م: وذلك.
2 م: لكان.
3 المنصف 2: 179-180. والفيفاء: القفر من الأرض.
4 من م.
5 ف: قالوا.
6 المنصف 2: 180-184. والقيقاء: المكان المرتفع المنقاد المحدودب.
7 الزيزاء: الأكمة الصغيرة أو ما غلظ من الأرض.
8 العلباء: عرق في العنق.
9 م: فعال.
10 الورنتل: الداهية.
11 م: قليل.
12 اليستعور: ضرب من الشجر.
13 م: قليلة نبهت.
14 م: فيه.

 

ص -379-      باب1: أحْكام حُروف العِلَّة وَالزَّوائِد وهي ثلاثة الياء والواو والألف
باب الياء:
أمَّا الياء منها فلا تخلو من أن تكون ساكنة أو متحرِّكة. فإن كانت ساكنة فلا يخلو2 من أن تقع بعد ساكن أو متحرِّك. فإن وقعت بعد ساكن فإن كان الساكن حرف عِلَّة [حذف، فتقول]3 في مُصطفى: "مُصطَفَينَ" في النصب والخفض. إِلَّا أن تكون الياء علامة تثنية فإنَّك تحرِّك الساكن [الذي قبلها]4 وتقلبه ياء إن كان ألفًا، فتقول: "مُصطَفَيَينِ" في النصب والخفض، أو تكون الألف ألف الجمع [الذي لا نظير له في الآحاد]5، فإنَّك [تبدل الياء همزة]6، وتحرَّك بالكسر لالتقاء الساكنين، نحو: صَحائف. وقد تَقَدَّمَ ذكر السبب في ذلك في باب البدل. فإن كان حرفًا صحيحًا كسرته وثَبَتَتِ الياء، نحو قولك في التذكّر: [قَدِيْ]7، والإِنكار: أزَيدُنِيهْ8؟
وإن وقعت بد متحرِّك فلا يخلو من أن تكون بعد حرف مفتوح، أو حرف مكسور، أو حرف مضموم. فإن كانت بعد حرف مفتوح نحو: بَيطَرَ، لم تعتلَّ. إِلَّا أن ينضاف إليها ثلاث

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 سقط هذا الباب كله من م، وكذلك باب القلب والحذف على غير قياس.
2 سقط من المتن حتى قوله "وإن وقعت بعد متحرك"، وألحقه أبو حيان بالحاشية.
3 ما بين معقوفين مخروم.
4 ما بين معقوفين مخروم.
5 ما بين معقوفين مخروم.
6 ما بين معقوفين مخروم.
7 يعني: إذا قلت "قدْ" وزدت بعدها مدة التذكر، لتتم الكلام بعد. انظر حاشية الدسوقي 2: 32 والكتاب 2: 213.
8 يريد أنَّ الأصل: "أزيدٌ" ألحق به مدة الإنكار وبعدها هاء: فحرك التنوين -وهو نون ساكنة- بالكسر.

 

ص -380-      ياءات فإنه يجوز حذفها استثقالًا. وذلك نحو أُمَيَّة إذا نَسبتَ إليه فإنَّ من العرب من يقول: "أُمَوِيّ"، فيحذف ياء أُميَّة الزائدة، فيكون كأنه قد نسب إلى "أُمًى" كهُدًى، فيقول: أُمَوِيّ كهُدَوِيّ. وإن كانت بعد حرف مكسور فهي على حالها أيضًا، نحو: قَضِيب. وإن كانت بعد حرف مضموم قلبت واوًا، نحو: "بَيطَر" إذا بنيته للمفعول فإنك تقول: بُوْطِرَ.
وإن كانت متحرِّكة فلا يخلوم من أن تكون أوَّلًا، أو بعد حرف. فإن كانت أوَّلًا لم تُغيَّر عن حالها التي تكون عليها في الأصل نحو: يَركَبُ. إِلَّا في "يَفعَلُ" مضارع "فَعِل" المكسور العين الذي فاؤه واو، فإنه يجوز كسرها، وذلك نحو: يِيْجَلُ، في بعض اللغات.
وإن كانت بعد حرف فلا يخلو من أن تكون طرفًا، أو غير طرف. فإن كانت طرفًا فلا يخلو من أن يكون ما قبلها ساكنًا أو متحرِّكًا. فإن كان ما قبلها ساكنًا فإنه لا يكون إِلَّا الألف الزائدة، أو الياء الأُولى من ياءيِ النسب أو ما جرى مجراهما، نحو: قُرَشِيّ وكُرسِيّ. ولا يُحفظ غير ذلك. وتقلب بعد الألف همزة. وذلك نحو: دِرْحاء أصله "دِرحايٌ"، بدليل قولهم في معناه: دِرحاية. لكنها قُلبت همزة لما ذكر في باب البدل. وتصحّ1 بعد الياء.
وإن كان ما قبلها متحرِّكًا فإنه لا يخلو أن تكون الحركة فتحة أو ضمَّة أو كسرة2 فإن كانت كسرة لم تُغيَّر نحو: عِفرِيَة؛ لأنَّ3 تاء التأنيث لا يُعتدُّ بها. وإن كانت ضمَّة [قُلبت] الضَّمَّة كسرة و[ثَبَتَت] الياء. نحو: تَقَلْسٍ4 [مصدر]: تَقلسَى. أصله "تَقَلسُيٌ" فقلبت الضَّمَّة كسرة.
وإن كانت فتحة قلبت ألفًا، نحو: عَلقًى5 وقَلسَى6. والأصل "عَلقَيٌ" و"قَلَسيَ"7، بدليل قولك: علقيانِ وقلسيتُ، لكن لَمَّا تحرَّكت الياء وقبلها فتحة قلبت ألفًا. ما لم يمنع من ذلك الألفُ التي هي علامة الاثنين أو ضميرهما، نحو: قَلسَيا وعَلقَيان، فإنها تثبت ولا تقلب، لئلَّا يؤدِّي ذلك إلى اجتماع ساكنين -الألف المبدلة من الياء والألف التي بعدها- فيلزمَ الحذف

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 يريد: وتصح الياء بعد الياء.
2 في المتن: "أن تكون الحركة فتحة أو كسرة إذ لا تحفظ زائدة في الآخر وقبلها ضمَّة". وفوقها تصويب عن إحدى النسخ كما أثبتنا.
3 سقط من المتن حتى قوله "فقلبت الضَّمَّة كسرة". وألحقه أبو حيان بالحاشية. وقد أثبتنا بين معقوفين ما كان مخرومًا منه.
4 هو التقلسي. وإنَّما حذفت الياء في التنكير لالتقائها ساكنة بالتنوين. وهو نون ساكنة.
5 العلقى: ضرب من الشجر.
6 قلساه: ألبسه القلنسوة. وأصل الفعل: قَلسَوَ. قلبت الواو ياء لتطرُّفها فوق الثالثة بعد فتح: قلسَيَ. ثمَّ قلبت الياء ألفًا. ونظيره: أرضاه وأشقاه. وهذا خلاف ما سيذكره المؤلف؛ لأنه أغفل الأصل الأوَّل. وانظر ص284 والتاج "قلس".
7 ف: قلسيٌ.

 

ص -381-      فتقولَ: "قلسَى" فيلتبس بفعل الواحد، و"عَلقانِ" فيلتبس بتثنية غير المقصور. [57أ] إِذ قد يُتوهَّم أنه تثنية "عَلْق" مثلًا.
وإن كانت غير طرف فلا يخلو من أن تكون بين ساكنين، أو بين متحرِّكتين، أو بين متحرِّك وساكن1. فإن كانت بين ساكنينِ لم تُغيَّر نحو: قِشْيَبّ وكَرايِيس، أو متحرِّكين2 نحو: قَيُّوم, ثبتت ولم تُغَيَّر بأكثر من إدغامها فيما بعدها، كما فُعل في قيُّوم. أصله "قَيْوُوم" فقلبت الواو ياء، وأدغمت الياء في الياء.
وإن كانت بين متحرِّك وساكن ثَبَتَتْ ولم تُغيَّر، نحو: حِذْيَم3 وحِيَفْس4، ما لم يكن الساكن ألف الجمع الذي لا نظير له في الآحاد، وتكونَ الياء ساكنة في المفرد، فإنها تقلب همزة نحو: صَحائف جمع صَحِيفة، أو تكونَ بعد الألف وقد تقدَّمها ياء أُخرى أو واو، بشرط القرب من الطرف نحو بَيِّن، وقِيَّم اسم رجل على وزن "فِعْيَل" نحو: حِذْيَم، تقول في تكسيرهما: بَيائنُ وقَوائمُ. وقد تَقَدَّمَ ذكر السبب في ذلك في باب البدل5.
ما لم يؤدِّ ذلك إلى وقوع الهمزة بين ألفين. فإن أدَّى إلى ذلك أُبدلت من الهمزة ياء، هربًا من اجتماع ألفين مع ما يقاربهما.
وهو الهمزة. فكأنه قد اجتمع في الكلمة ثلاث ألفات. وإنَّما أُبدلت منها الياء؛ لأنها أخفُّ من الواو. وذلك نحو: مَطِيَّة ومَطايا. أصله6 "مَطائِوُ" ثمَّ قُلبت لتطرُّفها وانكسار ما قبلها فصار "مَطائِيُ"، ثمَّ قُلبت الكسرة فتحة تخفيفًا فصار "مَطاءَيُ"، ثمَّ قُلبت الياء ألفًا لتحرُّكها وانفتاح ما قبلها فصار "مطاءَى"، ثمَّ أُبدلت الهمزة ياء لِما قدَّمنا.
وكذلك تفعل بالهمزة المبدلة من الألف، إذا أدَّى ذلك فيها إلى وقوع الهمزة بين ألفين، نحو: صَلاءة وصَلايا7، كما لم تكن الواو من المفرد واوًا ملفوظًا بها، فإنَّ الهمزة إذ ذاك تبدل واوًا، لتكون الواو ظاهرة في الجمع كما كانت في المفرد. نحو: عِلاوة وعَلاوَى8، وإِداوة وأَداوَى9.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 في المتن: "بين ساكنين أو بين متحرك وساكن، إذ لا تحفظ من كلامهم بين متحركين"، وفوقها تصويب عن إحدى النسخ كما أثبتنا.
2 سقط من المتن حتى قوله "وأدغمت الياء في الياء" وألحقه أبو حيان بالحاشية.
3 الحذيم: الحاذق.
4 الحيفس: الضخم لا خير فيه.
5 في الورقتين 32 و33.
6 بل أصله: مطايْوُ، ثمَّ صار: مطائوُ.
7 الصلاءة: مدقّ الطيب.
8 العلاوة: أعلى الرأس.
9 الإداوة: إناء صغير من الجلد يتخذ للماء.

 

ص -382-      وقد يُبدلون الهمزة واوًا، وإن لم تكن ظاهرة في المفرد، إذا كانت اللام واوًا في الأصل، نحو: مَطِيَّة ومَطاوَى وشَهِيَّة وشَهاوَى. على أنه قد يجوز أن تكون شهاوَى جمع شَهْوَى، استُغني به عن جمع شَهِيَّة، لكونهما في معنًى واحدٍ. قال1:
فَهْيَ شَهاوَى, وهْوَ شَهْوانِيُّ

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 العجاج: ديوانه ص70 والمنصف 3: 67. ف: فهي شَهوَى.

 

ص -383-      باب الواو1:
أمَّا الواو فلا يخلو أيضًا من أن تكون ساكنة أو متحرِّكة. فإن كانت ساكنة فلا يكون ما قبلها أبدًا إِلَّا متحرِّكًا -ولا يكون2 ساكنًا إِلَّا أن يكون الساكن ألفًا، فإنك تحذفها فتقول في مُصطَفى: مُصطَفَونَ. ما لم تكن الألف للجمع الذي لا نظير له في الآحاد فإنها تقلب همزة، نحو: عَجائز- ولا تخلو الحركة من أن تكون فتحة أو ضمَّة أو كسرة.
فإن كانت فتحة ثَبَتَتِ الواو ولم تُغيَّر، نحو: حَوقَلَ، إلا3 أن تُدغَم في ياء، فإنها تُقلب ياء نحو: قولك: "هؤلاء مُصطفىَّ".
وإن كانت ضمَّة ثَبَتَتْ أيضًا ولم تُغيَّر، نحو: "طُومار"4، إِلَّا أن تُدغم في ياء مبدلة من واو، أو غير مبدلة، فإنها تُقلب ياء نحو بِيَّاع "فُوْعال" من البيع. وإن كان قبلها ضمَّة5 قُلبت ياءً، والضَّمَّةُ التي قبلها كسرة، نحو: مَرْمِيّ وعُصِيّ. وقد تَقَدَّمَ ذكر ذلك6.
وإن كانت كسرة فإنها تقلب ياء نحو: بَهالِيلَ، ما لم تكن الواو ضمير جماعة أو علامة جمع، فإنك تبدل الكسرة ضمَّة كي تصحَّ الواو، فلا يتغيَّر الضمير ولا العلامة، نحو قولك: هؤلاء قاضُونَ وهؤلاء يقضُونَ. الأصل "قاضِيُونَ" و"يَقضِيُونَ". فاستُثقلت الضَّمَّة في الياء فحُذفت، فالتقى ساكنان -الواو والياء- فحذفت الياء، وبقيت الواو ساكنة بعد كسرة، فحوِّلت الكسرة ضمَّة لتصحَّ الواو، و[ما] لم تكن مدغمة فيما بعدها، فإنها إذا كانت كذلك ثَبَتَت ولا تُغيَّر لتشبُّثها بالحكرة نحو: اعلِوَّاط، مصدر اعلَوَّطَ؛ ألا ترى أنَّ الواو التي بعد الكسرة زائدة ساكنة، ولم تنقلب ياء؟

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 سقط العنوان من المتن وألحق بالحاشية.
2 سقط من المتن حتى قوله "نحو عجائز"، وألحقه أبو حيان بالحاشية.
3 سقط من المتن حتى قوله "هؤلاء مصطفَىّ"، وألحقه أبو حيان بالحاشية.
4 الطومار: الصحيفة.
5 ذكر الضَّمَّة هنا لا حاجة إليه؛ لأنَّ الفقرة خاصة بها. وصياغة بِيَّاع قلبت فيها الضَّمَّة كسرة.
6 في الورقة 52.

 

ص -384-      وقد جاء من ذلك شيء مقلوبًا. إِلَّا أنه يُحفظ ولا يقاس عليه، نحو: ديوان. أصله "دِوَّان" بدليل قولهم في الجمع: دَواوِينُ1. والواو الأُولى من "دِوَّان" ساكنة زائدة؛ لأنَّه قد تَقَدَّمَ الدليل على أنَّ الأوَّل من المضعَّفين زائد.
وإن كانت متحرِّكة فلا يخلو من أن تكون طرفًا أو غير طرف. فإن كانت طرفًا فلا تخلو أن يكون ما قبلها ساكنًا أو متحرِّكًا. فإن كان ساكنًا ثَبَتَت ولم تُغيَّر نحو: حِنْطأْو2. وإن كان متحر ِّكًا فلا يخلوأن تكون الحركة فتحة أو كسرة أو ضمَّة. فإن كانت فتحة ثَبَتَت نحو الواو المبدلة من ألف حُبْلَى، إذا وقفت فقلت: حُبْلَوْ3 وإن كانت كسرة قُلبت ياء نحو: قُلَيْسِيَة، في تصغير قَلَنْسُوة على أحد الوجهين، وتاء4 التأنيث هنا غيرُ مُعتدٍّ بها. وإن كانت ضمَّة قُلبت الواو ياء والضَّمَّة كسرة، نحو قولك: يا قَمَحْدِي، في ترخيم قَمَحدُوَة على لغة من لا ينوي ردَّ المحذوف.
إِلَّا أن تكون الكلمة مبنيَّة على تاء التأنيث، فإنَّ الواو لا تُغيَّر نحو: قَلَنسُوة -ولو لم تُبْنَ الكلمة على التاء هنا، ولم يُعتدَّ بها، لقيل: قَلنْسِيَة- أو تكونَ الواو [57ب] علامة جماعة أو ضميرها، فإنها تثبت ولا تُغيَّر، محافظة على الواو؛ لأنها لمعنى، نحو قولك: زيدُونَ ويَضرِبُونَ.
وإن كانت الواو غير طرف فلا يخلو من أن تكون بين ساكنين5، أو بين متحرِّك وساكن6. فإن كانت بين ساكنين ثَبَتَت ولم تُغيَّر، نحو: عِثْوَلّ7. إِلَّا أن يُدغم فيها ياء فإنها تُقلب ياء8 نحو: بِيَّاع على وزن "فِعْوال" من البيع. وإن كانت بين ساكن ومتحرِّك ثَبَتَت أيضًا. ولم تُغيَّر، نحو: جَهْوَر.
إِلَّا أن تكونَ مضمومة نحو: تَجَهْوُر، فإنه يجوز همزها في أحد الوجهين9، أو تُدغمَ فيها الياء فإنه يلزم قلبها ياء نحو: "فَعْوَل" من البيع، تقول فيه: بَيَّع، والأصل "بَيْوَع"، أو تقعَ بعد ألف الجمع الذي لا نظير له في الآحاد، وقد كانت ساكنة في المفرد للمدِّ، فإنه يلزم قلبها همزة

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 وقالوا: اجلوَّاذ واجليواذ. اللسان "جلذ".
2 الحنطأو: العظيم البطن.
3 في المتن: "فلا يخلو أن تكون الحركة كسرة أو ضمَّة، إذ لا تحفظ زائدة متحرِّكة فتحة في الطرف". وقد صوبها أبو حيان في الحاشية كما أثبتنا.
4 سقط: وتاء التأنيث هنا غير معتدٍّ بها" من المتن، وألحقه أبو حيان بالحاشية.
5 ألحق أبو حيان بالحاشية عن نسخة أُخرى ههنا: "أو بين متحركين". وهو محال.
6 كذا. والصواب: أو بين ساكن ومتحرِّك.
7 العثول: الفدم المسترخي.
8 زاد ههنا أبو حيان في الحاشية عن إحدى النسخ: "فتقول في مثل عثولّ من البيع: بِيّعّ. وإن كان".
9 انظر ص222-224.

 

ص -385-      نحو: عَجائز، أو تقعَ بعد ألف الجمع الذي لا نظير له في الآحاد أيضًا، وقد تَقَدَّمَ الألفَ ياء أو واو، فإنه يلزم قلبها همزة نحو: سَوائد وبَيائع، جمع سَوَّد وبَيَّع، على وزن "فَعْول" من السُّودَد والبيع.
ما لم تصِحَّ1 في المفرد في موضع يجب إعلالها فيه، أو لم تكن قريبة من الطرف، فإنه لا يجوز همزها، نحو: ضَياوِن جمع ضَيْوَن2, وبَياوِيع جمع بِيَّاع على وزن "فِعْوال"3. وقد تَقَدَّمَ ذكر ذلك في باب البدل4.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ف: ما لم يصح.
2 الضيون: ذكر السنَّور.
3 في المتن "فعّال"، وفي الحاشية: "لعله فِعوال"، وفي المبدع: "فَعوال".
4 في الورقة 32.

 

ص -386-      باب الألف1:
وأمَّا الألف فإنها أبدًا ساكنة، ولا يخلو أن تجتمع مع ساكن غيرها أو لا تجتمع. فإن اجتمعت مع ساكن حُذفت نحو: حُبْلَى القوم2.
إِلَّا أن يكونَ الساكن ألف التثنية فإنها تقلب ياء ولا تحذف، فتقول في تثنية حُبلَى: حُبْلَيانِ. ولا يجوز أن تقول "حُبْلانِ" لئلَّا يُتوهَّم أنه تثنية "حُبْل" خلافًا لأهل الكوفة فإنهم يجيزون حذفها فيما زاد على أربعة أحرف، نحو: جُمادَى، فيقولون في تثنيته: جُمادانِ. والصحيح عندنا أنه لا يجوز إِلَّا جُمادَيانِ، وبه وَرَدَ السماعُ. قال3:

شَهرَيْ رَبِيعٍ, وجُمادَيَينَهْ

وقد حُذفت في لفظتين شذَّتا -وهما: ضَبَغْطَرًى4 وقَبَعْثَرًى5- قالوا في تثنيتهما: ضَبَغْطَرانِ وقَبَعْثَرانِ.
أو يكونَ الساكن الياء الأُولى من ياءيِ النسب، فإنها تُقلب معها واوًا، فيما هو على أربعة أحرف، ولم6 تتوال فيه الحركات، ويجوز فيه الحذف. فيقال في النسب إلى حُبْلَى. حُبْلِيٌّ وحُبْلَوِيٌّ7. وأمَّا ما زاد على أربعة أحرف فلا يجوز فيه إِلَّا الحذف.
أو يكونَ الساكن ألف الجمع الذي لا نظير له في الآحاد، فإنها تُقلب همزة ولا تُحذف نحو: رَسائل، في جمع رِسالة. وقد تَقَدَّمَ ذكر السبب في ذلك في باب البدل. وقد تُقلب الهمزة

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 سقط العنوان من المتن وأُثبت في الحاشية.
2 المراد أن ألف حبلى تحذف لفظًا.
3 ينسب الرجز إلى امرأة من فقعس. سر الصناعة ص489 والمخصص 15: 114 وجمهرة اللغة 1311 والمقرب 2: 45 والخزانة 3: 338-340 والإنصاف ص755. ورواية ف: "وجماديين". والتصويب من المصادر.
4 الضبغطرى: الرجل الشديد.
5 القبعثرى: العظيم الشديد.
6 سقط "ولم تتوال فيه الحركات" من المتن، وألحقه أبو حيان بالحاشية عن إحدى النسخ.
7 ف: جبلوي.

 

ص -387-      ياء، إذا وقعت بين ألفين، للعِلَّة التي تَقَدَّمَ ذكرها في فصل1 الياء.
وإن لم تجتمع مع ساكن فلا يخلو من أن تكون الحركة التي قبلها فتحة أو ضمَّة أو كسرة2. فإن كانت فتحةً ثَبَتَت ولم تغيَّر نحو: رِسالة. إلَّا3 أنه يجوز فيها إذا كانت طرفًا في الوقف أن تُبدل ياء أو واوًا أو همزة، فتقول: حُبلأْ، وحُبلَوْ، وحُبلَيْ.
إِلَّا ما جاء من ذلك شاذًّا، قد حُذفت فيه الألف واجتزئ بالفتحة عنها، فإنه يُحفظ ولا يقاس عليه، نحو: عُلَبِط4 وعُكَمِس5 وأمثال ذلك، أو في ضرورة شعر نحو قوله6:

ألا, لا بارَكَ اللهُ, في سُهَيلٍ                      إِذا ما اللهُ بارَكَ, في الرِّجالِ

فحذف الألف من "الله" لإقامة الوزن.
وإن كانت ضمَّةً قُلبت واوًا نحو: ضارَبَ، إذا بنيتَه للمفعول فإنك تقول فيه: ضُورِبَ.
وإن كانت كسرةً قُلبت ياء، نحو: شَمالِيل في جمع شِملال7.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 كذا. والصواب: باب.
2 سقط "أو كسرة" من المتن، وألحقه أبو حيان بالحاشية.
3 سقط من المتن حتى قوله: "وحبلى"، وألحقه أبو حيان بالحاشية عن إحدى النسخ.
4 العلبط: اللبن الخاثر الغليظ المتلبد.
5 العكمس: المتراكم الظلمة من الليل.
6 سر الصناعة ص721 والمحتسب 1: 181 ورصف المباني ص270 والخزانة 4: 335 و341 والخصائص 3: 134 واللسان والتاج "أله". والشاهد في صدر البيت لا عجزه.
7 الشملال: الناقة السريعة. وفي حاشية ف بخط أبي حيان. بلغت المقابلة.