الممتع الكبير في التصريف ص -403-
باب الإدغام:
الإدغام هو: رفعُكَ اللسانَ بالحرفين رفعةً
واحدة، ووضعُكَ إِيَّاه بهما موضعًا1 واحدًا. وهو لا يكون
إِلَّا في المِثلَينِ أو المُتقارِبَينِ2.
والسبب في ذلك أنَّ النطق بالمِثلين ثقيلٌ؛ لأنك تحتاج
فيهما إلى إِعمال العضو الذي يخرج منه الحرفُ المضعَّفُ
مرَّتين، فيكثر العمل [59أ] على العضو الواحد. وإذا كان
الحرفان غَيرَينِ3 لم يكن الأمر كذلك؛ لأنَّ الذي يعمل في
أحدهما لا يعمل في الآخر. وأيضًا فإنَّ الحرفين إذا كانا
مِثلين فإنَّ اللسان يرجِعُ في النطق بالحرف الثاني إلى
موضعه الأوَّل، فلا يَتسرَّحُ اللسان بالنطق كما يَتسرَّحُ
في الغَيرَينِ4، بل يكون في ذلك شَبيهًا بمشي المقيَّد.
فلمَّا كان فيه من الثقل ما ذكرتُ لك رُفِعَ اللسان بهما
رفعةً واحدةً، ليقلَّ العمل ويخفَّ النطق بهما على اللسان.
وأمَّا المتقاربان فلتقاربهما أُجْرِيا مُجرى المِثلينِ؛
لأنَّ فيهما بعض الثقل؛ ألا ترى أنك تُعمل العضو وما يليه
كما كنت في المِثلين تُعمل العضو الواحد مرَّتين. فكأنَّ
العمل باقٍ في العضو لم ينتقل. وأيضًا فإنك تردُّ اللسان
إلى ما يَقربُ من مَخرج الحرف الأوَّل. فيكون في ذلك عُقلة
للِّسان5, وعدم تسريح له في وقت النطق بهما. فلمَّا كان
فيهما من الثقل هذا القدر فُعِلَ بهما ما فُعِل
بالمِثلينِ، من رفع اللسان بالحرفين رفعةً واحدةً، ليخفَّ
النطق بهما.
فهذا الباب إذًا ينقسم قسمين: إِدغام المِثلين، وإِدغام
المتقاربين.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 م: "وتضعه بهما موضعًا". وانظر شرح الشافية 3: 233-238
وشرح المفصل 10: 120-121.
2 م: في مثلين أو متقاربين.
3 الغيران: المتغايران.
4 أي: المتغايرين. فأل: حرفية موصولة يجوز دخولها على غير،
خلافًا لمن منع ذلك. انظر شرح قواعد الإعراب ص95 و211.
5 م: فيكون ذلك عقلة اللسان.
ص -404-
ذكر إدغام المثلين1:
اعلم أنَّ كلَّ مِثلين قد يُدغمان إِلَّا الألفينِ
والهمزتينِ. أمَّا الألف فلم يمكن الإدغام فيها2؛ لأنه لا
يُدغَم إِلَّا في متحرِّك، والألف لا تتحرَّك. وأمَّا
الهمزة فثقيلة جدًّا، ولذلك يُخفِّفها أهل التخفيف
منفردةً. فإذا انضمَّ إليها غيرها ازداد الثقل، فأُلزمت3
إحداهما البدل، على حسب ما ذُكر في باب4 تسهيل الهمز5،
فيزول اجتماع المِثلين.
فلا يُدغَم إِلَّا أن تكونا6 عينَينِ نحو: سأّال ورأّاس.
فإنك تُدغِم ولا تُبدِل، لما ذكرناه من أنك لو أَبدلت
إحداهما لاختلفت7 العينان. والعينان أبدًا في كلام العرب
لا يكونان إِلَّا مِثلينِ. وقد يجوز الإدغام في الهمزتين
[غيرَ عَينينِ]8، على ما حُكي عن ابن أبي إِسحاقَ9 وناس
معه، من أنهم كانوا يُحقِّقون الهمزتين، إذا كانتَا في
كلمتين نحو: قَرأَ أّبوك10؛ لأنه يجتمع لهم مِثلان. وقد11
تكلَّمت العرب بذلك وهو رديء.
فعلى هذا إذا اجتمع لك مِثلان، وكان المِثلان ممَّا يمكن
الإدغام فيهما، فلا يخلو من أن يكون الثاني منهما
متحرِّكًا أو ساكنًا. فإن كان الثاني متحرِّكًا فلا يخلو
من أن يجتمعا في كلمة واحدة أو في كلمتين. فإن اجتمعا في
كلمة واحدة فلا يخلو12 من أن يكونا حرفَي علَّة أو
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 انظر الكتاب 2: 408-411 وشرح الشافية 3: 239-250 وشرح
المفصل 10: 121-123 والهمع 2: 225-228.
2 م: فيهما.
3 م: فالتزمت.
4 سقط من م.
5 كذا. ولم يتَقَدَّم لتسهيل الهمز باب. وانظر ص217 و 251.
6 م: يكونا.
7 م: لاختلف.
8 سقط من م حتى قوله "يحققون الهمزتين". وما بين معقوفين
تتمة من المبدع.
9 وهو عبد الله بن أبي إسحاق الزياديّ الحضرميّ الذي هجاه
الفرزدق. توفي سنة 117. الخزانة 1: 115.
10 تحقق فيه الهمزتان متحركتين، أو يكون اللفظ بالإدغام
بعد تسكين الأُولى.
11 سقط من م حتى قوله "لك مثلان".
12 سقط من م حتى قوله "حرفين صحيحين".
ص -405-
حرفين صحيحين، فإن كانا حرفَي علَّة فقد
تَقَدَّمَ حكمهما في باب القلب. وإن كانا حرفين صحيحين فلا
يخلو من أن يجتمعا في اسم أو في فعل.
فإن اجتمعا في فعل1 فالإدغام ليس إلَّا. فإن كان الأوَّل
من المِثلين ساكنًا أَدغمتَه في الثاني من غير تغيير، نحو:
ضَرَّبَ وقَطَّعَ. وإن كان الأوَّل منهما متحرِّكًا
فإمَّا2 أن يكون أوَّلًا في الكلمة أو غير أوَّل.
فإن كان غير أوَّل سكَّنته بحذف الحركة منه -إن كان ما
قبله متحرِّكًا أو ساكنًا3 هو حرف مدٍّ ولين- أو بنقلها
إلى ما قبله، إن كان ساكنًا غير حرف مدٍّ ولين4. وحينئذ
تدغم، نحو: رَدَّ واحمَرَّ واستَقَرَّ واحمارَّ. الأوَّل
من المثلين في الأصل متحرِّك؛ ألا ترى أنك إذا رددت الفعل
إلى نفسك تقول: رَدَدْتُ وشَمِمْتُ ولَبُبْتُ5
واستَقرَرْتُ واحمرَرْتُ واحمارَرْتُ6، فتُحرِّك لمّا زال
الإدغام؟ وإنَّما سكَّنته؛ لأنَّ النيَّة بالحركة أن تكونَ
بعد الحرف، فتجيءَ فاصلة بين المِثلين، ولا يمكن الإدغام
في المِثلين مع الفصل.
هذا ما لم تكن الكلمة مُلحَقة، ويكونَ الإدغام مُغيّرًا
لها، ومانعًا من أن تكون على مثل ما أُلحقت به. فإنك حينئذ
لا تُدغم، نحو: جَلبَبَ واسحَنكَكَ7؛ لأنهما ملحقان
بـ"قَرْطَسَ" و"احرَنْجَمَ"8.
فلو أدغمتَ، فقلت: "جَلَبَّ" و"اسحَنَكَّ"، لكنت قد حرَّكت
ما في مقابلته من بناء الملحق به ساكنٌ، وسكَّنتَ ما في
مقابلته متحرِّكٌ؛ ألا ترى أنك كنت تُحرِّك العين من
"جَلْبَبَ" وهي في مقابلة الراء من "قَرْطَسَ"، وتسكّن
الباء9 الأُولى وهي في مقابلة طاء "قَرْطَسَ"، وتُحرّك
النون من "اسحَنْكَكَ" وهي في مقابلة نون "احرَنْجَمَ"،
وتُسكّن الكاف الأُولى منها وهي في مقابلة الجيم من
"احرَنْجَمَ"؟
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 سقط من م. وفي حاشية ف بخط أبي حيان عن ابن مالك شذوذ
الفك في: لَحِحَ وصَكِكَ وقَطِطَ وألِلَ وضَبِبَ. وزاد في
الارتشاف 1: 163: مَشِشَ. قلت: وسمع الفك في دَبَبَ
وذَبِبَ وعَزُزَ ولَخِخَ وألبَبَ. وما لم يرد فيه الإدغام
من هذه الأفعال وجب الفك في مصدره وسائر مشتقاته من
الأسماء والأفعال؛ لأنَّ المضعَّف في حكم المعتلِّ في
الشذوذ. الكتاب 1: 10 والخصائص 1: 380. وقد وردت بعض
مشتقات من ذلك. اللسان "لحح" ومتن اللغة "مشش"....
2 سقط من م حتى قوله "غير أول".
3 م: متحرك أو ساكن.
4 سقط من م.
5 سقط "وشممت ولببت" من النسختين، وألحقه أبو حيان بحاشية
ف، ولم يلحق ما يلزم قبل.
6 سقط من م.
7 اسحنكك الليل: اشتدت ظلمته.
8 احرنجم القوم: اجتمعوا.
9 م: الياء.
ص -406-
أو يكن1 أحد المِثلين في أوَّل الكلمة2 أو
تاءَ "افتَعَلَ". فإن كان أحد المثلين في أوَّل الكلمة
فإنه لا يخلو [59ب] من أن يكون الثاني إذ ذاك زائدًا، أو
غير زائد. فإن كان زائدًا لم تُدغِم، نحو: تَتَذكَّرُ؛
لأنك إذا استثقلت اجتماع المثلين حذفت الثاني فقلت
تَذكَّرُ؛ لأنه زائد وليس في حذفه لَبس. وإن كان الثاني
أصليًّا فإن شئت أدغمت -وذلك بتسكين الأوَّل، وتحتاج إذ
ذاك إلى الإتيان بهمزة الوصل؛ إذ لا يُبتدأ بساكن- وإن شئت
أَظهرت. وذلك نحو: تَتابَعَ واتَّابَعَ.
فإن قيل: ولأيِّ شيء لم تَحذِف إحدى التاءين3 كما فعلت ذلك
في: تَذكَّرُ؟ فالجواب أنَّ التاء4 هنا أصلٌ، فلا يسهل
حذفها. وأيضًا فإنَّ حذفها يؤدِّي إلى الالتباس5؛ ألا ترى
أنك لو قلت: "تابَعَ"6، لم يُدْرَ: أهو "فاعَلَ" في الأصل
أو "تَفاعَلَ"؟.
فإن قال قائل: فلأيِّ شيء لم يُدغَم في "تَتَذكَّرُ"
وأمثاله؟ فالجواب أنَّ الذي منع من ذلك شيئان:
أحدهما: أنَّ الفعل ثقيل. فإذا7 أَمكن تخفيفه كان أَولى.
وقد8 أمكن تخفيفه بحذف أحد9 المثلين، فكان ذلك أَولى من
الإدغام الذي يؤدِّي إلى جلب زيادة.
والآخر: أنك لو أَدغمت لاحتجت إلى الإِتيان بهمزة الوصل،
وهمزة الوصل لا تدخل على الفعل المضارع لاسم الفاعل أصلًا،
كما لا تدخل على اسم الفاعل10. وليس كذلك "تَتابَعَ" لأنه
ماض، والماضي قد تكون في أوَّله همزة الوصل، نحو: انطلَقَ
واستَخرَجَ واحمَرَّ.
فإن قال قائل: فلأيِّ شيء لم يُلزَم11 "تَتابَعَ" الإدغامَ
و"تَتَذكَّرُ" الحذفَ، ويُرفَضِ12 اجتماع المثلين كما رُفض
ذلك في: رَدَّ؟13 فالجواب أنَّ التاء في مثل "تَفاعَلَ"
و"تَفَعَّلَ" لا
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 العطف على "لم يكن". وفي النسختين والمبدع: أو يكون.
2 كذا. وفيه اضطراب؛ لأنه فرع مما مضى في الفقرتين قبل،
وهما فيما لم يقع أحد المثلين أول الكلمة كما جاء في مطلع
التي قبلهما.
3 م: الياءين.
4 م: الياء.
5 م: الإلباس.
6 م: بايع.
7 م: فمهما.
8 م: فإن.
9 م: إحدى.
10 في النسختين: "على الفعل المضارع أصلًا". وقد ضرب أبو
حيان عليها في نسخة ف، وصوبها كما أثبتنا.
11 سقط "لم يلزم" من م.
12 م: ورفض.
13 م: رُدّ.
ص -407-
تَلزَم؛ لأنها دخلت على "فاعَلَ"
و"فَعَّلَ"؛ ألا ترى أنَّ الأصل في "تَتابَعَ": "تابَعَ"،
وفي "تَذَكَّرَ": "ذَكَّرَ"؟1 فلمَّا لم يلزم صار اجتماع
المثلين غير لازم. وما لا يلزم، وإن كان ثقيلًا، قد يُحتمل
لعدم لزومه؛ ألا ترى أنَّ جَيَلًا لم يُعلَّ؛ لأنَّ الأصل
"جَيْئَلٌ"2، والتخفيف المؤدِّي إلى النقل عارض فلذلك لم
يُلحظ؟
ومن أَدغم في "اتَّابَعَ" وحذفَ في "تَذَكَّرُ" اعتدَّ
باجتماع المِثلين، وإن كان ذلك غير لازم؛ لأنَّ العرب قد
تَعتدُّ بغير اللَّازم؛ ألا ترى أنَّ الذي قال "لَحْمَرُ
جاءني"، فحذف همزة الوصل اعتدَّ بالحركة التي في اللام،
وإن كان التخفيف عارضًا والأصل "الأحمرُ"؟
وإن3 كان أحد المِثلين تاء "افتَعَلَ"، نحو: اقتَتَلَ،
فإنه يجوز4 فيه الإظهار5 والإدغام. أمَّا الإظهار؛ فلأنه
يُشبه اجتماع المِثلين من كلمتين، في أنه لا يلزم تاءَ
"افتَعَلَ" أن يكون ما بعدها مثلها كما لا يلزم ذلك في
الكلمتين؛ لأنك تقول: اكتَسَبَ، فلا يجتمع لك مِثلان.
وإنَّما يجتمع المِثلان في "افتَعَلَ" إذا بُنيت من كلمة
عينها تاء، نحو: اقتَتَلَ وافتَتَحَ. فكما لا تُدغِم إذا
كان ما قبل الأوَّل من المِثلين المنفصلين ساكنًا صحيحًا،
فكذلك لا تُدغِم في "افتَعَلَ". وأمَّا الإدغام فلأنَّ
المِثلين، على كلِّ حال، في كلمة واحدة. فتُدغِم كما
تُدغِم في الكلمة الواحدة.
فإن أظهرتَ جاز لك في الأوَّل من المِثلين البيانُ،
والإخفاءُ؛ لأنه وسيطة بين الإظهار والإدغام. وإذا أدغمتَ
جاز لك ثلاثة أوجه:
أحدها أن تنقل الفتحة إلى فاء "افتَعَلَ"، فتُحرّك الفاء
وتُسقط ألف الوصل ثمَّ تُدغِم، فتقول "قَتَّلَ" بفتح
القاف.
والثاني أن تحذف الفتحة من تاء "افتَعَلَ" فتلتقي ساكنة مع
فاء الكلمة، فتُحرّك الفاء بالكسر على أصل التقاء
الساكنين، فتَذهب همزة الوصل لتحرّك الساكن، ثمَّ تُدغِم
فتقول: "قِتَّلُوا". بكسر القاف وفتح التاء.
والثالث -وهو أقلُّها- أن تكسر التاء في هذه اللغة الثانية
إتباعًا للكسرة التي قبلها، فتقول: "قِتِّلُوا" بكسر القاف
والتاء، وقد حُكي عنهم: فِتِّحُوا، في "افتَتَحُوا".
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ف: وفي تتبّع تَبَّع.
2 الجيئل: الضخم من كل شيءٌ.
3 في م خرم يبدأ هنا وينتهي بقوله "على ثلاثة أحرف أو على
أزيد" في ص409.
4 الكتاب 2: 410 وشرح الشافية 3: 283-285 والمنصف 2:
222-226 وشرح المفصل 10: 122.
5 كذا. وينقضه نحو: اتَّخَذَ واتَّعَدَ واتَّبَعَ، إذ لا
يجوز فيه إِلَّا الإدغام. وكان عليه أن يجعل أوَّل الفقرة
كما يلي: وإن كان أوَّل المِثلين تاء افتعل...
ص -408-
فإن قال قائل: فلأيِّ شيء لمَّا تحرَّكت
فاء الكلمة ذهبت همزة الوصل؟ وهلَّا جاز فيها الأمران من:
الحذف لأجل تحريك الساكن، والإثبات رعيًا للأصل؛ لأنَّ
الحركة عارضة كما قالوا "الَحْمَرُ" تارة، و"لَحْمَرُ"
بإذهاب الهمزة أُخرى. فالجواب أنَّ الذي سهَّل إثبات
الهمزة في مثل "الَحمر" أنها مفتوحة فأشبهت همزة القطع؛
لأنَّ همزة الوصل بابها أن تكون مكسورة أو مضمومة إن
تَعذَّر كسرها.
فمن فتح التاء والقاف قال في المضارع: يَقَتِّلُ، بفتح
القاف وكسر التاء؛ لأنَّ الأصل "يَقْتَتِلُ" فنقل الفتحة
في المضارع كما نقلها في الماضي. ويقول في اسم الفاعل:
مُقَتِّل؛ بفتح القاف وكسر التاء، [60أ] وفي اسم المفعول:
مُقَتَّل، بفتحهما؛ لأنَّ الأصل مُقْتَتِل ومُقْتَتَل،
فنُقلت الفتحة إلى الساكن قبلها كما نُقلت في الفعل.
ومن قال "قِتَّلَ" بكسر القاف وفتح التاء قال في المضارع:
يَقِتِّلُ، بكسر القاف والتاء؛ لأنَّ الأصل "يَقْتَتِلُ"
فسكَّن التاء الأُولى وكسر القاف لالتقاء الساكنين، كما
فعل ذلك في الماضي، ومنهم من يكسر حرف المضارعة إتباعًا
للقاف، أو على لغة من يقول في مضارع "افتعَلَ":
"يِفْتَعِلُ" فيكسر حرف المضارعة. ومنه قول أبي النجم1:
تَدافُعَ الشِّيبِ, ولم تِقِتِّلِ
ويقول في اسم الفاعل: مُقِتِّل، بكسر القاف والتاء. والأصل
مُقْتَتِل فكسر القاف، بعد تسكين التاء الأُولى، لالتقاء
الساكنين. ومنهم من يستثقل الخروج من ضمٍّ إلى كسر، فيضمُّ
القاف إتباعًا للميم فيقول: مُقُتِّل ولا يستثقل الخروج من
ضمَّة القاف إلى كسرة التاء؛ لأنَّ بينهما حاجزًا. وهو
التاء الساكنة.
و[يقول] في اسم المفعول: مُقِتَّلٌ، بكسر القاف وفتح
التاء؛ لأنَّ الأصل مُقْتَتَلٌ، فسكَّن التاء الأُولى،
وحرَّك القاف بالكسر على أصل التقاء الساكنين. ومنهم أيضًا
من يستثقل الخروج من ضمٍّ إلى كسر فيضمُّ القاف إتباعًا
للميم، فيقول:2 مُقُتَّلٌ، بضمِّ القاف وفتح التاء.
ومن قال: "قِتِّلَ" بكسر القاف والتاء فإنَّ قياس المضارع
منه واسم الفاعل واحد، وإنَّما يخالفه في اسم المفعول.
فتقول في المضارع: يَقِتِّلُ، بكسر القاف والتاء؛ لأنَّ
الأصل: يَقْتَتِلُ، فتُسكَّّن التاء الأُولى، وتُحرَّك
القاف بالكسر على أصل التقاء الساكنين. ولا تحتاج إلى
إتباع حركة ما بعد3 القافِ؛ لأنها مكسورة مثلها. وإن شئتَ
أيضًا كسرتَ حرف المضارعة إِتباعًا، أو على لغة
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 المنصف 1: 225 والطرائف الأدبية ص66 والمحتسب 1: 49
والخزانة 1: 49.
2 ف: فتقول.
3 ف: "قبل". وقد صوب في الحاشية كما أثبتنا.
ص -409-
من يكسر حرف المضارعة من "افتَعَلَ"،
فتقول1: يِقِتِّلُ، بكسر القافِ والتاءِ التي بعدها2 وحرفِ
المضارعة.
وتقول في اسم الفاعل: مُقِتِّلٌ، بكسر القافِ والتاءِ.
والأصل مُقْتَتِلٌ، فسكَّنت التاء الأُولى وكسرت القاف
لالتقاء الساكنين ثمَّ أدغمت. ولم تحتج إلى إتباع التاء؛
لأنَّ حركتها من جنس حركة القاف. وإن شئتَ ضممت القاف
إتباعًا لحركة الميم، كراهية الخروج من ضمٍّ إلى كسرة،
فتقول: مُقُتِّلٌ.
و[تقول] في اسم المفعول: مُقِتِّلٌ، كما تقول في اسم
الفاعل؛ لأنَّ الأصل مُقْتَتَلٌ، فسكَّنتَ التاء الأُولى
وكسرتَ القاف لالتقاء الساكنين وأدغمت، ثمَّ كسرت التاء
الثانية إتباعًا لحركة القاف. فلا يقع فرق بين اسم الفاعل
على هذه اللغة واسم المفعول إِلَّا بالقرائن. فيكون نظير
"مُختار"، في أنه يحتمل أن يكون اسم فاعل واسم مفعول،
حتَّى يتبيَّن بقرينة تقترن به. ومن استثقل الخروج من ضمٍّ
إلى كسر، من غير حاجز، ضمَّ القاف فقال: مُقُتِّلٌ.
وقياس3 المصدر في اللغات الثلاث "قِتَّالًا" بفتح التاء
وكسر القاف، والأصل اقْتِتال. فمن فتح القاف4 نقل كسرة
التاء إليها. ومن كسرها سكَّن التاء الأُولى وكسر القاف
لالتقاء الساكنين. ومن كسر التاء إتباعًا للقاف فقال:
قِتِّلَ، ينبغي له أن يقول في المصدر: قِتِّيلًا، فيكسر
التاء5 إتباعًا للقاف، فتنقلب الألف لانكسار ما قبلها.
وإن اجتمعا في اسم فلا يخلو من أن يكون على ثلاثة أحرف أو
على أزيدَ6. فإن كان على ثلاثة أحرف فلا يخلو من أن يكون
الأوَّل ساكنًا أو متحرِّكًا. فإن كان ساكنًا فالإدغام ليس
إلَّا، نحو7: رَدٍّ
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ف: فيقول.
2 كذا.والصواب: التاء الثانية؛ لأنَّ التاء بعد القاف
ساكنة.
3 في حاشية ف طرَّة بخط أبي حيان: "وقياس المصدر أن يقال
فيه قَتَّالًا بفتح التاء والقاف في لغة من قال قَتَّلَ
بفتحهما، وقِتَّالًا بفتح التاء وكسر القاف في لغة من [قال
قِتَّلَ بكسر] القاف وفتح التاء, [وقِتِّيلًا] بكسر القاف
والتاء فتنقلب الألف ياء [لإظهار] الكسرة التي قبلها، في
لغة من قال قِتِّلَ بكسر القاف والتاء. فأمَّا قولهم تقَى
يَتقي.. في اتَّقى يتَّقي... بحذف الفاء وإبقاء تاء افتعل
ويفتعل [فشاذٌّ] لا يقاس عليه. وإن اجتمعا في اسم. ثبت هذا
في نسخة الخفَّاف, رحمه الله". وفوف هذه الطرّة ما يلي:
"ثبت المكتوب طرّة عوض ما عُلّم عليه في المتن في نسخة،
وثبت في نسخة الكرمانيّ مثل ما في الأصل". يريد أو حيان أن
هذا النص الذي في الطرّة ثبت في نسخة بدل ما أثبتناه نحن
عن نسخة ف، وقد اختلفت النسخ في ذلك. وقوله "قَتَّالًا"
فيه نظر.
4 يريد: القاف من قتّل.
5 علق عليه في حاشية ف بما يلي: "لا ينبغي أن يكسر التاء
في المصدر فيقول قِتِّيلًا؛ لأنَّ ذلك يؤدِّي إلى قلب
الألف ياء فيكثر التغيير. وإن اجتمعا".
6 ينتهي ههنا الخرم في م. انظر ص407.
7 في حاشية ف بخط أبي حيان: "فأمَّا قَصُّ الشاة وقَصَصُها
فليس من فكِّ الإدغام, بل هما لغتان بسكون العين وفتحها".
قلت:وقصص الشاة هو ما قُصّ من صوفها، وهو مصدر أيضًا.
ص -410-
ووُدٍّ وأمثالهما. إِلَّا أن يُضطرَّ شاعر
فيفكّ ويحرِّك الأوَّل، نحو قوله1:
[ثمَّ استَمَرُّوا, وقالُوا إِنَّ مَوعِدَكُم
ماءٌ بِشَرقِيِّ سَلمَى], فَيدُ أو رَكَكُ
يريد: ركًّا.
وإن كان متحرِّكًا فلا يخلو من أن يكون على وزن من أوزان
الفعل، أو لا يكون. فإن لم يكن على وزن من أوزانها فلا
يُدغَم نحو: سُرُرٍ2 ودُرَرٍ3؛ لأنَّ الأسماء بابها ألَّا
تعتلَّ، لخفَّتها بكثرة دورها في الكلام, وأخفُّها ما كان
على ثلاثة أحرف لأنَّه أقلُّ أصول الكلمة عددًا. ولهذه4
[الخفّة لم يُعَلَّ مِثل]: ثِوَرة وبِيَع وصِيَر، وأشباهُ
ذلك. فلو بنيتَ من "ردّ" مثلَ "إِبِل" صحَّحته؛ تقول فيه:
رِدِدٌ.
فإن كان على وزن من أوزان الأفعال5 فلا يخلو من أن يكون
على "فَعَلٍ" أو "فَعُلٍ" أو "فَعِلٍ". فإن كان على وزن
"فَعَلٍ" لم تُدغِم لخفّة6 البناءِ [60ب] نحو: طَلَلٍ
وشَرَرٍ. فإن كان على وزن "فَعِلٍ" أو "فَعُلٍ"أدغمتَ
لشَبَه الفعل في البناء مع ثقل البناء. فتقول في "فَعُلٍ"
و"فَعِلٍ" من "رَدَدْت": رَدٌّ.
والدليل، على أنَّ "فَعِلًا" يُدغَم، قولُهم: طَبٌّ7
وصَبٌّ. والأصل "طَبِبٌ"8 و"صَبِبٌ"9،
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 زهير بن أبي سلمى. ديوانه ص167 ومعجم البلدان 4: 279
ومعجم ما استعجم ص15 والمنصف 2: 309-310 واللسان والتاج
"ركك". وفيد وركّ: موضعان. وسلمى: اسم جبل في بلاد طيئ.
وعُلِّق عليه في حاشية ف بما يلي: "قال أبو عثمان عن
الأصمعيِّ: سألت أعرابيًّا ونحن بالموضع الذي ذكره زُهير
في قوله:
ثُمَّ استَمَرُّوا, وقالُوا: إنَّ مَوعِدَكُم
ماءٌ بِشَرقيِّ سَلمَى, فَيدُ أو رَكَكُ
أتعرف رككًا هذا؟ فقال: قد كان ههنا ماء يسمى ركًّا. فعلمتُ
أنَّ زهيرًا احتاج إليه فحركه.
وقد يجوز أن يكونا لغتين: ركّ وركك، كالقصِّ والقصص. وقد
كان يجب على الأصمعيِّ ألَّا يسرع إلى أنه ضرورة". انظر
المنصف 2: 309-310 ومعجم البلدان ومعجم ما استعجم واللسان
والتاج "ركك".
2 السرر: جمع سرير.
3 الدرر: جمع درة.
4 سقط من النسختين حتى قوله "ردد", وألحقه أبو حيان بحاشية
ف، نقلًا عن خط المصنف.
5 م: من أوزانها.
6 ألحق بعده بحاشية ف ما يلي: "البناءِ وخفّةِ الاسم نحو:
طلل وشرر. وأمَّا قولهم في المصدر: قَصّ وقَصَص، فليس قصّ
مدغمًا من قصص، ولكنهما لغتان كشَعْر وشَعَر. وإنَّما لم
يدغموا في الاسم وأدغموا في الفعل لخفَّة الاسم؛ ألا ترى
أنَّ الاسم الذي [يُبنى] على هذا البناء قد [يصحّ] فيما لا
يصح فعله نحو القَوَد والخونة والحوكة؟ فإن كان على وزن
فَعِل أو فَعُل". وكأن هذه الطرّة ثبتت في بعض النسخ بدل
"البناءِ نحو: طلل وشرر, فإن كان على وزن فعِل أو فعُل"
ممّا أثبتناه نحن من النسختين.
7 في حاشية ف: "الطبّ: العالم. وقال كراع: الحاذق الرفيق".
8 م: "طببَ". وفي حاشية ف بخط أبي حيان: "جاء شاذًّا: رجلٌ
ضَفِفُ الحال. والقياس إدغامه. وسُمع مدغمًا". قلت: والرجل
الضفف الحال هو الرقيق الحال. وانظر المنصف 2: 301-302
وشرح الشافية 3: 241.
9 م: صببَ.
ص -411-
لأنَّ الفعل منهما على وزن "فَعِلَ". تقول:
صَبِبتُ وطَبِبتُ، واسم الفاعل من "فَعِلَ"، إذا كان على
ثلاثة أحرف، إنَّما يكون على وزن "فَعِلٍ" نحو: حَذِرٍ1
وأَشِرٍ2.
والدليل، على أنَّ "فَعُلًا" [أيضًا]3 يُدغَم، أنه لم يجئ
مُظهَرًا في موضع من كلامهم؛ لا يُحفظ من4 كلامهم مثل:
رَدُدٍ. فإمَّا أن تقول: إنَّ "فَعُلًا" لم يأت في
المضعَّف، وإمَّا أن تقول: إنه موجود في المضعَّف، إِلَّا
أنه لزمه الإدغام. فالأَولى أن يُدَّعى أنه يلزمه الإدغام؛
لأنَّ المعتلَّ والمضعَّف الغالبُ فيهما أن يجيء فيهما من
الأوزان ما يجيء في الصحيح. وأيضًا فإنَّ "فَعُلًا" مثلُ
"فَعِلٍ"، في أنه5 على بناء الفعل الثقيل، وقد قام الدليل
على أنهم يُدغمون "فَعِلًا" لقولهم: صَبٌّ وطَبٌّ، فكذلك
"فَعُلٌ".
وزعم6 أبو الحسن بن كَيسانَ أنَّ ما كان على وزن "فَعِلٍ"
أو "فَعُلٍ" لا يُدغَم. واستدلَّ على ذلك بأنك لو أدغمت
لأدَّى ذلك إلى الإلباس؛ لأنه لا يُعلم هل هو في الأصل
متحرِّك العين أو ساكنه. وهذا الذي ذهب إليه فاسد؛ لأنه
إذا أدَّى القياس إلى ضرب ما من الإعلال استُعمل، ولم
يُلتفت إلى التباس إحدى البِنيتين بالأُخرى؛ ألا ترى أنَّ
العرب قد قالت: مُختار، في اسم الفاعل واسم المفعول، ولم
يُلتفت إلى اللَّبس. وأيضًا فإنه قد قام الدليل على أنَّ
صَبًّا وطَبًّا: "فَعِلٌ" في الأصل، وقد أُدغم. فدلَّ ذلك
على فساد مذهبه.
فإن7 كان الاسم على أزيدَ من ثلاثة أحرف فلا يخلو من أن
يكون الذي زاد به على ثلاثة أحرف: تاءَ التأنيث، أو علامتي
التثنية أو جمع السلامة، أو ياءيِ النسب، أو الألفَ والنون
الزائدتين، أو ألفيِ التأنيث, أو غيرَ ذلك. فإن كان شيئًا
ممّا ذُكر أُجري مُجراه قبل لحاقه إِيَّاه. فتقول: شَرَرةٌ
وشَرَرانِ وطَلَلانِ ومَلَليّ، فلا تدغم كما لا تدغم في
شَرَر وطَلَل ومَلَل.
وقالوا: الدَّجَجانُ، من الدَّجيج فلم يدغموا. أنشد
القاليُّ8:
تَدعُو بذاكَ الدَّجَجانَ الدَّارِجا
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 م: حذرَ.
2 م: أشرَ.
3 من م.
4 ف: في.
5 م: فإنه.
6 سقط من م حتى قوله "على فساد مذهبه".
7 سقط من النسختين حتى قوله "زاد به على ثلاثة غير ذلك"
وألحقه أبو حيان بحاشية ف.
8 لهميان بن قحافة. الأمالي 3: 313 والسمط ص960 واللسان
والتاج "دجج" و"رجج" و"سمهج". والدججان: الدبيب في السير.
والقالي هو أبو علي إسماعيل بن القاسم البغدادي، أعلم
الناس، بنحو البصريين, وأحفظ أهل زمانه للغة والشعر، توفي
سنة 356. بغية الوعاة 1: 453.
ص -412-
ولو بنيتَ "فَعُلان" من "رَدَدت" لقلت:
رَدَّانٌ، فأدغمتَ ولو بنيتَ "فَعَلًا" من "ردَّ" لقلت
"رَدَدًا"، فلم تدغم كما تُدغِم في "فَعِل". وقالوا:
خُشَشاءُ1, فلم يُدغموا؛ لأنه لا يدغم "فُعَلٌ" نحو:
غُرَر.
فإن كان الذي زاد به على ثلاثة غيرَ ذلك أدغمت، كان الاسم
على وزن من أوزان الفعل أو لم يكن، وسواء كان الأوَّل
ساكنًا أو متحرِّكًا. إِلَّا أنك تسكِّن المتحرِّك، لما
ذكرنا في الفعل، بنقل حركته لما2 قبله إن كان ساكنًا غيرَ
حرف مدٍّ ولين، أو بحذفها إن كان ما قبله متحرِّكًا أو
حرفَ مدٍّ ولين. نحو: خِدََبَّ ومَكَرّ ومُستقَرّ وفارّ
وضارّ3.
فأمَّا خِدَبٌّ فالأوَّل من المثلين ساكن في الأصل. والأصل
في مَكَرّ ومُستَقَرّ: "مَكْرَرٌ" و"مُستَقْرَرٌ"، فنقلتَ
الحركة إلى ما قبله؛ لأنه ساكن غيرُ حرف مدٍّ ولين. والأصل
في فارّ وضارّ: "فارِرٌ" و"ضارِرٌ", فسَكَّنتَ ولم تَنقل
الحركة؛ لأنَّ الساكنَ حرف مدٍّ ولين. ولو4 بنيتَ مثل
"فَعِلانٍ"5 من "رَدَدتُ" لقلتَ "رَدَّانٌ" فأدغمت، ولم
تنقل الحركة إلى ما قبلها؛ لأنه متحرِّك.
هذا ما لم يمنع من الإدغام أن يكون الأوَّل6 مدغمًا فيه
[ما قبله نحو مُرَدِّد]؛ لأنهم لو أدغموا وجعلوا الحركة
على الساكن الذي هو العين لم يخرجه ذلك في إدغامه وتضعيف
آخره. فلمَّا كان الأمر [كذلك] امتنعوا من تحريك العين
التي لم تكن في الكلام قطّ إِلَّا ساكنة، أو يمنع منه أن
يكونَ الإدغام7 مؤدِّيًا إلى تغيير بناء8 الملحَق عمَّا
أُلحِقَ به، نحو: قَرْدَدٍ9. فإنه ملحق بجَعْفَر، ولو
أدغمت فقلت "قَرَدٌّ" لحرَّكت الراء وهي في مقابلة العين
من جَعْفَر، وسَكَّنتَ
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 الخششاء: عظم دقيق ناتئ خلق الأذن.
2 كذا.
3 ف: ومارّ.
4 سقطت بقية الفقرة من إحدى النسخ كما جاء في ف. ووضعها
ههنا من وهم المؤلف, وإسقاطها أَوْلى. وفي حاشية ف بخط أبي
حيان عن ابن مالك أنَّ بناء مثل: ظَرِبان وضَبُعان يجوز
فيه الفك والإدغام. فالفك لمخالفة وزن الفعل كما صح نحو:
فوران وصورى، والإدغام؛ لأنَّ العناية به أشد من العناية
بالقلب. ولذا أدغموا نحو: أشَدُّ وما أشَدَّه! وأعدَّ
واستعدَّ، وصححوا نحو: أطْوَلُ وما أطوله! وأغيلتْ
واستحوذَ. حتى رأى ذلك بعض النحاة مقيسًا في مزيد الأفعال
على: أفعل واستفعل.
5 وبضمِّ العين أيضًا. انظر المنصف 2: 30-313 وشرح الشافية
3: 243. وفي حاشية ف بخط أبي حيان عن اللباب أنَّ المصدر
على "فَعَلان": ردَدان, والمكسور العين والمضمومها يدغمان،
وأنَّ الأخفش يوجب الفك في الجميع. وانظر الارتشاف1: 164.
6 سقط حتى "أو يكون" من النسختين، وألحقه أبو حيان بحاشية
ف، فانخرمت بعض كلماته. وانظر الارتشاف 1: 164.
7 سقط من النسختين, وألحق بنسخة ف بين السطرين.
8 م: تغير بنا.
9 القردد: ما ارتفع وغلظ من الأرض.
ص -413-
الدال الأُولى وهي في مقابلة الفاء من
جَعْفَر. فكنتَ تضع متحرِّكًا في مقابلة ساكن، وساكنًا في
مقابلة متحرِّك.
أو يكونَ أحد1 المثلين التاء من اسم جار على "افتَعَلَ"
فإنه لا يلزم [فيه] الإدغام، بل يجوز في الاسم من الأوجه
ما تقدَّمَ ذكره.
أو يكونَ أيضًا أحد المثلين من اسم جار على "تفاعَلَ" نحو:
"تَتَابَعَ"، فإنه لا يلزم أيضًا فيه الإدغام، بل يجوز فيه
الفكُّ والإدغام كما جاز في فعله. فتقول. مُتَتابِعٌ
ومُتَّابِعٌ، وتَتابُعًا واتَّابُعًا، كما يجوز: تَتابَعَ
واتّابَعَ.
أو يَشِذَّ شيء، فيُحفظَ ولا يقاسَ عليه، نحو: مَحْبَبٍ
وتَهْلَلٍ2، أو تدعوَ إلى ذلك ضرورةٌ، نحو قوله3:
الحَمدُ للهِ, العَلِيِّ, الأجلَلِ
وقوله4:
تَشكُو الوَجَى, مِن أَظلَلٍ, وأَظلَلِ
فإن التقيا في كلمتين فلا يخلو من أن يكونا مُعتلَّين أو
صحيحين. فإن كانا صحيحين فلا يخلو من أن يكون الأوَّل
منهما ساكنًا أو متحرِّكًا. فإن كان ساكنًا فالإدغام ليس
إلَّا نحو: اضرِب بَّكرًا؛ لأنَّه لا فاصل بين المثلين,
فهو5 أثقل من أن لو فَصَلتْ بينهما حركة. وأيضًا فإنَّ
الإدغام لايؤدِّي إلى تغيير شيء.
وإن كان الأوَّل متحرِّكًا فإنه لا يخلو من أن يكون ما
قبله ساكنًا أو متحرِّكًا6 فإن كان ما قبله متحرِّكًا جاز
الإدغام والإظهار. وإذا أدغمتَ فلا بدَّ من حذف الحركة،
لِما ذكرناه قبل.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 كذا. والصواب "أول". انظر ص407. وسقط من م حتى قوله "كما
يجوز تتابع واتّابع".
2 سقط من م. ف: شملل.
3 مطلع أرجوزة لأبي النجم. الطرائف الأدبية ص67 والخزانة
1: 401 والمنصف 1: 339 و2: 302 واللسان والتاج "جلل" وشرح
شواهد الشافية ص491. والأجلل: الأجَلّ.
4 من أرجوزة للعجاج، ونسبه البغدادي خطأ إلى أبي النجم.
وفي حاشية ف بخط أبي حيان عن ابن بري أنَّ البيت للعجاج،
مع إيراد البيت الذي بعده. انظر شرح شواهد الشافية
ص490-491 وديوان العجاج ص47 والمنصف 1: 399 وشرح الشافية
3: 244 والكتاب 3: 161. والوجى: الحفى. والأظلل: الأظلّ.
وهو باطن خف البعير. وفي حاشية ف بخط أبي حيان عن المحكم
لابن سيده: "الأظل من الإنسان... جمعه ظُلّ"، وعن خط الرضي
أنَّ هذا الجمع شاذٌّ؛ لأنَّ "فُعْل" هو جمع "أفعل" مما
مؤنثه فعلاء. فقياسه: أظالُّ، مثل: أراقم وأجادل، وأنَّ
التبريزي قال: الأظل: باطن الخف. وإنَّما سمي بذلك لأنه في
ظل دائم. قلت: فهو منقول من الصفة المشبهة إلى اسم الذات،
فجمعه على "فُعْل" قياسي، وإن لم يسمع له مؤنث.
5 أي: الإظهار.
6 م: أن يكون قبله ساكن أو متحرك.
ص -414-
وكلاهما حسن، والبيان لغة أهل الحجاز.
وإنَّما لم يُلتزم الإدغام [61أ] هنا؛ لأنَّ الأوَّل من
المِثلين لا يلزم أن يكون ما بعده من جنسه، ويلزم ذلك في
الكلمة الواحدة. فكأنَّ1 اجتماع المِثلين [فيهما]2 عارض،
فلذلك اعتُدَّ به مرَّة3، ولم يُعتدَّ به أُخرى. وذلك نحو:
"يُكَذِّب بّالدِّينِ"4 و"جَعَل لَّكَ"5 ويَد دَّاودَ،
وخاتَم مُّوسَى. وأقوى ما يكون الإدغام وأحسنه إذا أدَّى
الإظهار إلى اجتماع خمسة أحرف بالتحريك فأكثرَ، نحو: جَعَل
لَّكَ، وفَعَل لَّبيدٌ، لثقل6 توالي الحركات. وكلَّما كان
توالي الحركات أكثر كان الإدغام أحسن.
وإن كان ما قبله ساكنًا -أعني ما قبل الأوَّل من المِثلين-
فلا يخلو من أن يكون الساكن حرف علَّة، أو لا يكون. فإن
كان الساكن حرف عِلَّة حذفتَ الحركة من المِثلين وأدغمته
في الثاني، وإن شئتَ أظهرت. وذلك نحو: دار رَّاشدٍ، وثَوب
بَّكرٍ، وجَيب بَّشيرٍ، ويَظلِمونِّي7.
وإنَّما جاز الجمع بين ساكنين8 لِما في الساكن الأوَّل من
اللِّين9 ولِما في الحرف المشدَّد من التشبُّث بالحركة؛
ولأنَّ التقاء الساكنين فيها غير لازم إذ قد يزول
بالإظهار. والبيان هنا أحسن من البيان في مثل "جَعَل
لَّك"، لسكون ما قبله، فلم يتوالَ10 فيه من الحركات ما
توالى في "جَعَل لَّك". وأيضًا فإنَّ الإدغام يؤدِّي إلى
اجتماع ساكنين.
فإن كان الساكن حرفًَا صحيحًا لم يجز الإدغام، نحو: اسمُ
مُوسَى، وابنُ نُوح. وإنَّما لم يجز الإدغام فيه؛ لأنَّ
الإدغام في الكلمتين أضعف منه في الكلمة الواحدة؛ ألا ترى
أنه يلزم في الكلمة الواحدة ولا يلزم في الكلمتين. فلمَّا
كان أضعفَ لم يقوَ لعى أن يُغيَّر له الحرف الساكن
بالتحريك. إذ لو أَدغمتَ لم يكن بدٌّ من تحريك سين11 "اسم"
وباء "ابن"12. ولكنَّك تُخفي إن شئت، وتُحقِّق إن شئت.
والمُخفَى بزِنة المحقَّق، إِلَّا أنك تختلس الحركة
اختلاسًا.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 م: فكان.
2 من م.
3 م: تارة.
4 الآية 1 من سورة الماعون.
5 الآية 10 من سورة الفرقان.
6 في حاشية ف: "ليقلَّ". وفوقها: كذا.
7 ف: ويظلمونني.
8 م: الساكنين.
9 م: اللبس.
10 م: فلم يتوالى.
11 م: بين.
12 سقطت بقية الفقرة من النسختين، وألحقها أبو حيان بحاشية
ف.
ص -415-
فأمَّا قول بعضهم [في القراءة]
{نِعِمَّا}1: [فحَرَّكَ]، فلم يُحرِّكِ2
العينَ للإدغام. بل جاء على لغة من يقول "نِعِمَ"،
فيُحرِّك العين، وهي لغة هذيل.
فإن كانا معتلَّين فإنه لا يخلو من أن يكون الأوَّل منهما
ساكنًا، أو متحرِّكًا. فإن كان ساكنًا فلا يخلو من أن يكون
حرف لين، أو حرف مدٍّ ولين: فإن كان حرف لين أَدغمتَ، إذ
لا مانع من الإدغام، نحو: اخشَي يَّاسرًا، واخشَوا
وَّاقدًا.
وإن كان حرف مدٍّ ولين لم تدغِم، نحو: يَغزو واقدٌ3،
واضرِبِي ياسِرًا، لئلَّا يذهب المدّ بالإدغام، مع ضعف
الإدغام في الكلمتين -فأمَّا مثل "مَغْزُوّ" فاحتملوا فيه
ذهاب المدِّ لقوَّة الإدغام- وأيضًا فإنه يُشبه
"قُوْوِلَ"4، في أنَّ الأوَّل حرف مدٍّ ولين، ولا يلزم
المِثلانَ [فيهما] كما لا يلزمان في "قُوْوِلَ"، إذ قد
يزول المِثلان في "قُوْوِلَ" إذا أسندتَه5 إلى الفاعل6،
كما يزول المِثلان في "يغزو واقدٌ" إذا لم تأت بعد "يغزو"
بكلمة أوَّلها واو، نحو: يغزو راشدٌ.
وإن 7 كان الأوَّل متحرِّكًا فلا يخلو من أن يكون ما قبله
ساكنًا أو متحرِّكًا: فإن كان ما قبله متحرِّكًا جاز
الإدغام والإظهار، على حسب ما ذُكر في مثله من الصحيح،
نحو: وَلِي يَّزيدُ، ولَقَضُو وَّاقدٌ!
وإن كان ما قبله ساكنًا فلا يخلو من أن يكون حرف عِلَّة،
أو حرفًا صحيحًا: فإن كان حرفًا صحيحًا8 لم تُدغِم، كما
فعلتَ في مثله من الصحيح، نحو: ظَبْيُ ياسرٍ, وغَزْوُ
واقدٍ.
وإن كان حرفَ عِلَّة فلا يخلو [من]9 أن يكون مدغمًا, أو
غير مدغم: فإن كان غير مدغم جاز الإظهار والإدغام, كما جاز
في نظيره من الصحيح, نحو: واوُ وَّاقدٍ، وآيُ يّاسِين10.
وإن كان مدغمًا لم يجز الإدغام،؛ لأنَّ المدَّ الذي كان
فيه قد زال بالإدغام، فصار بمنزلة
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 الآية 58 من سورة النساء.
2 انظر الكتاب 2: 408. والزيادتان منه.
3 م: واحد.
4 م: "قؤول".وانظر الكتاب 2: 209 وشرح الشافية 3: 237
-238.
5 م: أسند.
6 أي إذا بني على الفاعل: قاول.
7 م: أو إن.
8 سقط "فإن كان حرفًا صحيحًا" من م.
9 من م.
10 ف: "ياياسين" م: "أي ياسر". والمراد بياسين: سورة يس.
والآي: الآيات.
ص -416-
الساكن الصحيح. فكما لا تُدغِم1 إذا كان
الساكن صحيحًا فكذلك لا تدغم2 إذا كان معتلًّا.وذلك نحو:
وَلِيُّ يَزيدَ، وعدُوُّ واقدٍ.
والدليل على أنَّ المدَّ قد زال بالإدغام وقوعُ "لَيّ"
و"قَوّ" في القوافي مع ظَبْي وغَزْو. ولو كانت غير مدغمة3
لم يجز ذلك، كما لا يجوز4 وقوع "عَيْن" في قافية مع
"جَوْن"5. فدلَّ ذلك على أنَّ الإدغام يُصيِّرها بمنزلة
الحرف الصحيح.
فإن6 كان الثاني ساكنًا فلا يخلو من أن يجتمعا في كلمتين،
أو في كلمة واحدة. فإن اجتمعا في كلمتين لم يجز الإدغام
أصلًا، نحو: اضربِ ابْنَ زيدٍ؛ لأنَّ سكون الحرف الثاني من
المِثلين إذ ذاك لا تصل إليه الحركة، فلا يُتصوَّر فيه
الإدغام، بل7 يكونان مفكوكين.
وقد شذَّ العرب في "عَلْماءِ بَنُو فُلانٍ"8، فحُذفت الألف
لالتقاء الساكنين9, فاجتمعت اللَّامان: لام "على" مع لام
التعريف. واستثقل ذلك، مع أنه قد كثر استعمالهم [61ب] له
في الكلام -وما كثر استعماله فهو أدعى للتخفيف ممّا ليس
كذلك- فحُذفت لام "على" تخفيفًا، لمَّا تعذَّر التخفيف
بالإدغام.
وإن اجتمعا في كلمة واحدة فلا يخلو الثاني من أن يكون حرف
عِلَّة، أو حرفًا صحيحًا. فإن كان حرف عِلَّة فقد تَقدَّمَ
حكمه في باب القلب، فأغنى ذلك عن إعادته. وإن كان حرفًا
صحيحًا فلا يخلو من أن يكون تصل إليه الحركة في حال، أو لا
تصل:
فإن وصلت إليه الحركة فإنَّ أهل الحجاز لا يُدغمون؛ لأنَّ
الإدغام يؤدِّي إلى التقاء الساكنين؛ لأنك لا تدغم الأوَّل
في الثاني حتَّى تسكِّنه، لئلَّا تكون الحركة فاصلةً بين
المِثلين كما تَقَدَّمَ، والثاني ساكن فيجتمع ساكنان.
فلمَّا كان الإدغام يؤدِّي إلى ذلك رفضوه. وذلك نحو: إن
تَردُدْ أَردُدْ. ولا تُضارَرْ، واشدُدْ.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ف: لا يدغم.
2 ف: لا يدغم.
3 م: غير مدغم.
4 م: ذلك فلا يجوز.
5 م: حزن.
6 سقط من م حتى قوله "عن إعادته".
7 سقط من نسخة الكرمانيّ حتى قوله "التخفيف بالإدغام".
8 سيورده ابن عصفور بعد في خاتمة هذا الباب ص420. وموضعه
هنا هو الصواب؛ لأنه هنا في تخفيف المِثلين في كلمتين،
وليس كذلك هناك.
9 أغفل سقوط همزة الوصل في اللفظ أيضًا.
ص -417-
فإن قلت: فهلَّا حرَّكوا الثاني من
الساكنين إذا التقيا، ثمَّ أدغموا الأوَّل فيه. فالجواب
أنَّ حركة التقاء الساكنين عارضة فلم يُعتدَّ بها، كما لم
يُعتدَّ بها في نحو1:
{قُمِ اللَّيْلَ}؛ ألا ترى أنهم لا
يردُّون الواو المحذوفة من "قُم"2 لالتقاء الساكنين، وإن
كانت الميم قد تحرَّكت؛ لأنَّ الحركة عارضة؟
وأمَّا غيرهم من العرب فيُدغم ويَعتدُّ بالعارض؛ لأنَّ
العرب قد تعتدّ بالعارض في بعض الأماكن. وأيضًا فإنَّ3
الثاني أصله الحركة وليس السكون، [ويحرك إذا اتصل بالضمائر
نحو: رُدّا وردُّوا] وردِّي. ولذلك لم يدغموا في: أشدِدْ
بحمرة ثوبه! لأنَّ تلك الضمائر لا تلحقه أصلًا. [وأيضًا]
فإنه حَملَ ما سكونُه جزمٌ على المُعرَب بالحركة؛ لأنه
مُعرَب مثله. فكما أنَّ المُعرَب بالحركة تدغمه نحو:
يَفِرُّ4, فكذلك المُعرَب بالسكون. وحَملَ ما سكونُه بناء
على ما سكونُه جزم؛ لأنه يُشبهه؛ ألا ترى أنَّ العرب قد
تحذف له5 آخر الفعل في المعتلِّ كما تحذفه للجزم، فتقول:
"اغزُ" كما تقول: لم يَغزُ؟
وأيضًا فإنك6 قد تُحرِّك لالتقاء الساكنين فتقول: اردُدِ
القومَ. فصار بذلك يُشبه المُعرَبَ بتعاقب الحركة والسكون
على آخره، كما أنّ المُعرَب كذلك في نحو: يَضرِبُ ولم
يَضرِبْ. فلمَّا أشبه المُعرَبَ في ذلك حُمِل في الإدغام
عليه.
والذين من لغتهم الإدغام7 يختلفون في تحريك الثاني:
فمنهم من يُحرِّكه أبدًا بحركة ما قبله إِتباعًا، فيقول:
رُدُّ وفِرِّ وعَضَّ، ما لم تتَّصل به الهاءُ والألف التي
للمؤنث فإنه يَفتح على كلِّ حالٍ نحو: رُدَّها وعَضَّها
وفِرَّها8، أو الهاءُ التي هي للمذكَّر فإنه يَضمُّه نحو9:
رُدُّهُ وفِرُّهُ وعَضُّهُ -وذلك؛ لأنَّ10 الهاء خفيَّة
فكأنك قلت: رُدَّا أو رُدُّوا. فكما أنك تفتح مع الألف
وتضمُّ مع الواو فكذلك تفعل هنا؛ لأنَّ الهاء خفيَّة- أو
لم
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 الآية 2 من سورة المزمل.
2 م: من فيه.
3 سقط حتى "أصلًا" من النسختين، وألحقه أبو حيان بحاشية ف،
وانخرم بعض كلماته.
4 م: نفر.
5 أي: للبناء.
6 ف: فإنه.
7 في حاشية ف بخط أبي حيان: سمع الكسائيُّ من عبد القيس:
ارُدَّ وافِرَّ واعَضَّ. بهمزة الوصل وبالإدغام.
8 فَرَّ الدابةَ يفِرُّها: إذا كشف عن أسنانها ليعرف
عمرها. فالفاء مكسورة في المضارع والأمر. وقيل إنها
مضمومة. القاموس واللسان والتاج "فرر".
9 سقط من م.
10 ف: أنّ.
ص -418-
تجئ1 بعد الفعل بكلمة أوَّلها ساكن2 فإنه
يَكسر أبدًا نحو: رُدِّ ابنَكَ، ورُدِّ القَومَ.
وذلك؛ لأنك قد كنت تُحرِّك الآخِر قبل الإدغام بالكسر على
أصل التقاء الساكنين نحو: "اردُدِ القومَ". فلمَّا أَدغمتَ
في هذا الموضع حرَّكت بالحركة التي كانت له قبل الإدغام,
كما أنهم لمَّا حرَّكوا "مُذ" لالتقاء الساكنين فقالوا:
مُذُ اليوم، ضمُّوا؛ لأنَّ الأصل فيه "مُنْذُ". فلمَّا
حرَّكوا أتَوا بالحركة التي [كانت]3 له في الأصل.
ومنهم من يفتح على كلِّ حال، إِلَّا إذا كان بعده ساكن
-وذلك لأنه آثر التخفيفَ- واعتدَّ بالهاء في مثل: رُدَّهُ،
ولم يلتفت إلى خفائها، إِلَّا إذا كان بعده4 ساكن؛ لأنه
آثر حركة الأصل على التخفيف. ومنهم من يفتح على كلِّ حال،
كان بعده5 ساكن أو لم يكن. وذلك لأنه آثر التخفيف في جميع
الأحوال. ومنهم من يكسر ذلك أجمعَ على كلِّ حال. وهؤلاء
حرَّكوا بالحركة التي هي لالتقاء الساكنين في الأصل.
هذا ما لم يتَّصل بشيء من ذلك ألفٌ أو واو أو ياء6. فإنَّ
الحركة إذ ذاك تكون من جنس الحرف المتَّصل به، لا خلافَ
بينهم في شيء من ذلك، نحو: رُدَّا7 ورُدِّي ورُدُّوا.
فأمَّا "هَلُمَّ" فللتركيب8 الذي دخلها التزمت العرب فيها
التخفيفَ لذلك، فحرَّكوها بالفتح على كلِّ حال، إِلَّا مع
الألف9 والواو والياء، نحو: هلُمَّا وهلُمُّوا وهلُمِّي.
وإن لم تصل الحركة إلى الساكن الثاني فإنَّ العرب
الحجازيين وغيرهم لا يدغمون ذلك10, نحو: رَدَدْتُ، وكذلك:
اردُدْنَ؛ لأنَّ سكون الدال هنا لا يُشبه سكون الجزم،
ولا11 سكون الأمر والنهي، وإن كان "اردُدْنَ" أمرًا؛ لأنها
إنَّما سُكِّنت من أجل النون كما سُكِّنت من أجل التاء في
"رَدَدْتُ.
والسبب في أنْ لم يُدغَم مثل هذا كما أُدغم "رُدَّ" أنَّ
السكون في "اردُدْ"، وإن كان بناءً،
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 معطوف على قوله "لم تتصل به الهاء".
2 في حاشية ف بخط أبي حيان: "همزة وصل". وفوقها: صح.
3 من م.
4 م: بعد.
5 ف: "بعد". م: بعدها.
6 م: أو لام.
7 م: رَدًّا.
8 م: فللترتيب.
9 كذا. والحركة مع الألف هي الفتح أيضًا.
10 م: وذلك.
11 م: وكذلك.
ص -419-
أَشبهَ المُعرَبَ من الوجهين المتقدِّمَين،
فحُمل عليه في الإدغام. وليس بين سكون الدال في "رَدَدْتُ"
وأمثاله وبين [62أ] المُعرَب شَبَه، فلم يكن له ما يُحمل
عليه.
إِلَّا ناسًا من بكر بن وائل فإنهم يُدغمون في مثل هذا,
فيقولون: رَدَّتُ ورُدَّنَ. كأنهم قدَّروا الإدغام قبل
دخول النون والتاء. فلمَّا دخلتا أبقوا اللفظ على ما كان
عليه قبل دخولهما1.
فإن2 كان الثاني من المِثلين ساكنًا فالإظهار. ولا يجوز
الإدغام؛ لأنَّ ذلك يؤدِّي إلى اجتماع الساكنين. وقد شذَّ
العرب في شيء من ذلك، فحذفوا أحد المِثلين تخفيفًا، لمَّا
تعذَّرَ التخفيف بالإدغام. والذي يُحفظ من ذلك: أَحَسْتُ
وظَلْتُ3 ومَسْتُ4. وسبب ذلك أنه لمَّا كُره اجتماع
المِثلين فيها حُذف الأوَّل منها تشبيهًا بالمعتلِّ العين.
وذلك أنك قد كنت تُدغم قبل الإسناد للضمير، فتقول:
أَحَسَّ5 ومَسَّ وظَلَّ. والإدغام ضرب من الاعتلال؛ ألا
ترى أنك تُغيِّر العين من أجل الإدغام بالإسكان، كما
تغيِّرها إذا كانت حرف عِلَّة. فكما تُحذف العين إذا كانت
حرف عِلَّة، في نحو: قُمتُ وخِفتُ وبِعتُ، كذلك حُذفت في
هذه الألفاظ تشبيهًا بذلك.
وممَّا يُبيِّن ذلك أنَّ العرب قد راعت هذا القَدْر من
الشَّبه؛ لأنهم يقولون: مِسْتُ، بكسر الميم، فينقلون حركة
السين المحذوفة إلى ما قبلها كما يفعلون ذلك في: خِفتُ؛
ألا ترى أنَّ الأصل "خَوِفْتُ"، فنقلوا حركة الواو إلى
الخاء، وحذفوها لالتقاء الساكنين، على حسب ما أُحكم في
بابه؟
وأمَّا "ظَلْت6، و"مَسْتُ" في لغة من فتح الميم فحذفوا،
ولم ينقلوا فيهما7 الحركة، تشبيهًا لهما بـ"لَسْتُ", لمَّا
كان لا يُستعمل لهما مضارع إذا حُذفا كما لا يستعمل
لـ"لَيسَ"
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 م: دخولها.
2 سقط من م حتى قوله "هذه الأسماء التي شذت". وهو ثابت في
نسخة ف، وعلى حاشيته: "عُلّم على هذا المكتوب طرَّة في
كتاب الكرمانيّ..." فهو ثابت أيضًا في نسخة الكرمانيّ. ولو
كان ساقطًا في غيرها لنص عليه في الحاشية كما نص على سقوط
غيره. وقول المؤلف: "فإن كان الثاني من المِثلين... يؤدِّي
إلى اجتماع الساكنين" هو تكرار لما جاء في ص416. وهو أيضًا
منقوض بنحو: شُذَّ وفِرَّ وعَضَّ ورَدَّتُ ويَرُدَّنَ
ورُدَّنَ. وإسقاطه خير من إثباته، إِلَّا إذا أراد بالساكن
ما لا يحرك أبدًا.
3 زاد أبو حيان بحاشية ف: وهَمْتُ في هَمَمْتُ. قاله ابن
الأنباري.
4 علق عليه أبو حيان بحاشية ف بما يلي: "وعلماءِ بنو فلان.
أما أحست وظلت ومست فلمَّا كُره". قلت: وكأن هذه العبارة
ثابتة في بعض النسخ موضع "وسبب ذلك أنه لما كره". أمَّا
قوله "علماء بنو فلان" فهو من باب التخفيف في المِثلين
المجتمعين في كلمتين، لا في كلمة واحدة، وقد تَقَدَّمَ
قبل. انظر ص416 و420.
5 ف: حسّ.
6 علق عليه أبو حيان في حاشية ف بقوله: "ظلت: كسر الظاء
لغة الحجاز، وفتحها لغة تميم. قاله أبو الفتح".
7 ف: فيه.
ص -420-
مضارع؛ ولأنَّ المشبَّهَ بالشيء لا يقوى
قوَّة ما يُشبَّه به.
وأمَّا1 "عَلماءِ بَنُو فُلانٍ" فأصله "على الماء" فحُذفت
الألف لالتقاء الساكنين2، فاجتمع اللَّامان: لام "على" مع
لام التعريف، فاستُثقل ذلك، مع أنَّ ذلك قد كَثُرَ
استعمالهم له في الكلام -وما يكثر استعماله فهو أدعى
للتخفيف ممّا ليس كذلك- فحُذفت لام "على" تخفيفًا لمَّا
تعذَّر التخفيف بالإدغام.
فهذا وجه هذه الأسماء 3 التي شذَّت.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ورد هذا من قبل في ص416 في تخفيف المِثلين في كلمتين,
وذكره هنا سهو من المصنف وتكرار لِما مضى.
2 وسقطت همزة الوصل لفظًا.
3 كذا. والشواذ المذكورة قبل ليست من الأسماء.
ص -421-
ذكر إدغام المتقاربين:
اعلم أنَّ التقارب الذي يقع الإدغام بسببه قد
يكون في المخرج خاصَّةً، أو في الصِّفة خاصَّةً، أو في
مجموعهما1. فلا بُدَّ إذًا، قبل الخوض في هذا الفصل، من
ذكر مقدِّمة في مخارج الحروف وصفاتها.
فحروف2 المعجم الأصول تسعةٌ وعشرون3, أوَّلها الألف4
وآخرها الياء، على المشهور من ترتيب حروف المعجم. لا خلاف
في ذلك بين أحد من العلماء، إِلَّا أبا العباس المبرّد
فإنها عنده ثمانية وعشرون، أوَّلها الباء وآخرها الياء،
ويُخرِجُ الهمزة من حروف المعجم، ويستدلُّ على ذلك بأنها
لا تثبت على صورة واحدة. فكأنَّها عنده من قبيل الضبط، إذ
لو كانت حرفًا من حروف المعجم لكان لها شكل واحد، لا تنتقل
عنه كسائر حروف المعجم.
وهذا الذي ذهب إليه أبو العباس فاسد؛ لأنَّ الهمزة لو لم
تكن حرفًا لكان "أَخَذَ" و"أَكَلَ" وأمثالهما5 على حرفين
خاصَّةً؛ لأنَّ الهمزة ليست عنده حرفًا6. وذلك باطل؛ لأنه
أقلُّ أصول الكلمة ثلاثة أحرف: فاء وعين ولام.
فأمَّا عدم استقرار صورتها على حال واحدة فسبب ذلك أنها
كُتبت على حسب تسهيلها. ولولا ذلك لكانت على صورة واحدة
وهي الألف. وممّا يدلُّ على ذلك أنَّ الموضع الذي لا
تُسهَّل فيه تُكتب فيه ألفًا، بأيِّ حركة تحرَّكت؟ وذلك
إذا كانت أوَّلًا, نحو: أَحمد وأُبلُم وإِثمد.
وممّا يُبيِّن أيضًا أنَّها حرف أنَّ واضع أسماء حروف
المعجم وضعها على أن يكون في أوَّل
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 م: مجموعها.
2 الكتاب 2: 404 وسر الصناعة 1: 46-51 وشرح الشافية 3:
250-257 وشرح المفصل 10: 125-128 والمقتضب 1: 192-194.
3 زاد في م: حرفًا.
4 أي: الهمزة.
5 م: وأمثالها.
6 م: حرف.
ص -422-
الاسم1 لفظ الحرف المُسمَّى بذلك الاسم،
نحو: جيم ودال وياء وأمثال ذلك. فـ"الألف" اسم للهمزة،
لوجود الهمزة في أوَّله. فأمَّا الألف التي هي مدَّة فلم
يتمكَّن ذلك في اسمها؛ لأنها ساكنة ولا يُبتدأ بساكن،
فسُمِّيت ألفًا باسم أقرب الحروف إليها في المخرج، وهو
الهمزة.
وممّا يُبيِّن أيضًا أنَّها حرف، وليست من قبيل الضبط،
أنَّ الضبط لا يُتصوَّر النطقُ به إِلَّا في حرف، والهمزة
يُتصوَّر النطق بها وحدها كسائر الحروف. فدلَّ ذلك على
أنها حرف.
وقد تبلغ الحروف خمسةً وثلاثين حرفًا بفروع حسنة تلحقها،
يؤخذ بها في القرآن وفصيح الكلام. وهي: النون الخفيفة2
-وهي النون [62ب] الساكنة إذا كان بعدها حرف من الحروف
التي تخفى معه- والهمزة المخفَّفة، وألف التفخيم، وألف
الإمالة، والشين التي كالجيم نحو: أَجْدَق في أشْدَق،
والصاد التي كالزاي في نحو مَصْدر. وسيُبيَّن بعدُ، إن شاء
الله [تعالى]3.
وقد تبلغ ثلاثة وأربعين حرفًا بفروع غيرِ مُستحسنة، ولا
مأخوذٍ بها في القرآن ولا في الشعر، ولا تكاد4 توجد إِلَّا
في لغة ضعيفة مرذولة. وهي:
الكاف التي كالجيم: وقد أخبر أبو بكر بن دريد5 أنها لغة في
اليمن، يقولون في كَمَل: جَمَل6. وهي كثيرة في عوامِّ أهل
بغداد.
والجيم التي كالكاف: وهي بمنزلة ذلك، فيقولون في "رَجُل":
رَكُل، فيُقرِّبونها من الكاف.
والجيم [التي]7 كالشين: نحو: اشتَمَعوا وأَشدَر، يريدون8:
اجتَمَعُوا وأَجدَرُ.
والطاء التي كالتاء: نحو: "تالَ" تريد9: طالَ. وهي تسمع من
عجم أهل المشرق كثيرًا؛ لأن10 الطاء في أصل لغتهم معدومة.
فإذا احتاجوا إلى النطق بها ضعف نطقهم بها.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 أي: اسم الحرف.
2 وهي الخفيَّة أيضًا. انظر شرح الشافية 2: 254-255 وشرح
المفصل 10: 126. وقد صحح على كل من: الخفيفة وهي والنون
والساكنة وكان ومعه، في ف، ووضع فيها الحر ف "خ" على كل
من: هي والنون وكان وحرف والحروف ومعه: إشارة إلى أن ذلك
في نسخة أيضًا. وفي حاشية ف تفسير لذلك.
3 من م. وقد ذكر ابن عصفور إبدال الزاي من الصاد في ص272.
ولن يذكر الصاد التي كالزاي.
4 م: ولا يكاد.
5 الجمهرة 1: 5 وشرح المفصل 10: 127.
6 في مطبوعة الجمهرة: مثل جَمَل إذا اضطروا إليه قالوا:
كَمَل، بين الجيم والكاف.
7 زيادة من الكتاب 2: 404 وسر الصناعة 1: 51 وشرح المفصل
10: 127.
8 م: يريد.
9 ف: في.
10 م: إِلَّا أن.
ص -423-
والضاد الضعيفة: يقولون في "اثْرُدْ لَهُ":
اضْرُدْ لَهُ1. يُقرِّبون الثاء من الضاد. وكأنَّ ذلك في
لغة قوم ليس في أصل حروفهم الضاد. فإذا تكلَّفوها ضعف
نطقهم بها لذلك.
والصاد التي كالسين: نحو: "سائر" في صائر. قُرِّبت منها؛
لأنَّ الصاد والسين من مخرج واحد.
والباء التي كالفاء: وهي كثيرة في لغة الفُرس2 وغيرهم من
العجم. وهي على لفظين: أحدهما لفظ الباء أغلب عليه من لفظ
الفاء، والآخر بالعكس نحو: بَلَح وبِرطِيل.
والظاء التي كالثاء: يقولون في "ظالم": ثالم.
وكأنَّ الذين تكلَّموا بهذه الحروف المسترذلة خالطوا
العجمَ، فأخذوا من لغتهم3.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 م: "اضر دلة". ف: "يقولون في أثر ذلك: أضر ذلك".
والتصويب من شرح الشافية 3: 256. واثرد: من الثريد. وما
ذكره ابن عصفور لا يلائم قوله بعد: "ليس في أصل حروفهم
الضاد...".
2 م: في لغة أهل الفرس.
3 م: من لغاتهم.
ص -424-
تبيين مخارج حروف العربيَّة
الأُصول:
وهي ستَّةَ عَشَرَ مخرجًا1:
فللحلق منها ثلاثة:
فأقصاها مخرجًا: الهمزة والألف والهاء. هكذا2 هي هذه
الثلاثة عند سيبويه. وزعم أبو الحسن3 أنَّ الهمزة أوَّلًا،
وأنَّ الهاء والألف بعدها، وليست واحدة عنده أسبقَ من
الأخرى. ويدلُّ على فساد مذهبه، وصِحَّة ما ذهب إليه
سيبويه، أنه متى احتيج إلى تحريك الألف اعتُمِد بها على
أقرب الحروف إليها4 إلى أسفل الفم، فقُلبت همزةً نحو:
رِسالة ورَسائل. فلو كانت الهاء معها من مخرج واحد لقلبت
هاء؛ لأنها إذ ذاك أقرب إليها من الهمزة.
ومن وسط الحلق مخرج: العين والحاء.
وأدنى مخارج الحلق إلى اللسان مخرج: الغين والخاء.
ومن أقصى اللسان وما فوقه من الحنك الأعلى مخرج: القاف.
ومن أسفلَ من موضع القاف [من اللسان]5 قليلًا، وممّا يليه
من الحنك الأعلى، مخرج: الكاف.
ومن وسط اللسان، بينه وبين وسط الحنك الأعلى، مخرج: الجيم
والشين والياء6.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 الكتاب 2: 405 وسر الصناعة 1: 52-53 وشرح الشافية 3:
250-254 والنشر 1: 198-202 والمقتضب 1: 192 وشمس العلوم 1:
20-21 وشرح المفصل 10: 123-125 والارتشاف 1: 4-10.
2 هذا ما ذكره ابن جني. وفي مطبوعة الكتاب: "الهمزة والهاء
والألف".وكذلك في شرح الشافية وشرح المفصل. وقد جاءت في
الكتاب 2: 404 كما ذكر ابن عصفور، ولكنها في غير موضع
مخارج الحروف.
3 سقط "أبو الحسن" من م.
4 كذا. والمراد: منها. انظر سر الصناعة. وسقط "إلى أسفل
الفم" من النسختين، وألحقه أبو حيان بحاشية ف. فكان هذا
القلق في العبارة.
5 من الكتاب.
6 في حاشية ف بخط أبي حيان: جعل المبرد الشين تلي الكاف،
والجيم والياء يليانها.
ص -425-
ومن بين أوَّل حافَّة اللسان وما يليها1 من
الأضراس مخرج: الضاد، إِلَّا أنك إن شئتَ تكلَّفتها من
الجانب الأيمن، وإن شئتَ من الأيسر.
ومن أوَّل حافَّة اللسان2، من أدناها إلى منتهى طرف
اللسان، [ما]3 بينها وبين ما يليها من الحنك الأعلى، ممّا
فُويق4 الضاحك والناب والرَّباعِيَة والثنيَّة، مخرج:
اللام.
ومن طرف اللسان، بينه وبين ما فُويق الثنايا، مخرج: النون.
ومن مخرج النون؛ غير أنه أدخل في ظهر اللسان قليلًا،
لانحرافه إلى اللام، مخرج: الراء.
ومن5 بين طرف اللسان وأُصول الثنايا مخرج: الطاء والدال
والتاء.
ومن6 بين طرف اللسان وفُويق الثنايا مخرج: الصاد والزاي
والسين7.
ومن 8 بين طرف اللسان وأطراف الثنايا مخرج: الظاء والثاء
والذال9.
ومن باطن الشفة وأطراف الثنايا العُلى10 مخرج: الفاء.
ومن11 بين الشفتين مخرج: الباء والميم والواو.
ومن الخياشيم مخرج: النون الخفيفة12.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 الكتاب: وما يليه.
2 في حاشية ف: "ومن حافة اللسان. في كتاب سيبويه". قلت:
وكذلك في سر الصناعة.
3 من الكتاب. وفي سر الصناعة: من.
4 م: "مما فوق". وفي مطبوعة الكتاب: "وما فويق". ولكن ما
نقله عنه شارح الشافية هو مثل ما أثبتنا.
5 في الكتاب وسر الصناعة: ومما.
6 في الكتاب وسر الصناعة: ومما.
7 في مطبوعة الكتاب: "الزاي والسين والصاد". وكذلك فيما
نقله عنه شارح الشافية. وما أثبته ابن عصفور هو في الشافية
وسر الصناعة.
8 في الكتاب وسر الصناعة: ومما.
9 في الكتاب وسر الصناعة وشرح الشافية: الظاء والذال
والثاء.
10 م: والثنايا العليا.
11 في الكتاب وسر الصناعة: ومما.
12 ويقال لها الخفيَّة أيضًا. انظر ص417.
ذكر تقسيمها بالنظر إلى صفاتها1:
فمن ذلك انقسامها إلى مجهور ومهموس: فالمهموسة عشرة أحرف
يجمعها "ستَشحَثُكَ
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 الكتاب 2: 405-406 وسر الصناعة 1: 68-75 وشرح الشافية 3:
257-264 والنشر 1: 202-205 والمقتضب 1: 194-196 وشمس
العلوم 1: 22 وشرح المفصل 10: 128-131.
ص -426-
خَصَفَهْ"1 وباقي الحروف مجهورة.
والمجهور: حرف أُشبع الاعتماد2 عليه في موضعه، فمنَع
النَّفَس أن يجري معه حتَّى ينقضي الاعتماد3. غير أنَّ
الميم [63أ] والنون، من جملة المجهورة، قد يُعتمد لهما في
الفم والخياشيم، فتصير فيهما غُنَّةٌ.
والمهموس4: حرف أُضعف الاعتماد عليه في موضعه، حتَّى جرى
معه النَّفَسُ. واعتبار ذلك بأن تكرَّر الحرف وحده، أو
بحرف اللِّين معه، نحو: سَسَس كَكَكَكَ سِيسِيسِي
كِيكِيكِيكِي5، فتجد النَّفَس يجري مع الحرف. ولو رُمتَ في
المجهور لَما أمكنك.
وتنقسم أيضًا إلى شديد، ورِخْو، وبين الشِّدَّة
والرَّخاوة. فالشديد ثمانية أحرف يجمعها "أَجِدُك
قَطَبْتَ". والتي بين الشديدة والرِّخوة أيضًا ثمانية أحرف
يجمعها "لم يَروِعَنَّا"6. وباقي الحروف رِخو.
والشديد: حرف يمتنع7 الصوت أن يجري فيه لانحصار الصوت؛ ألا
ترى أنك لو قلت: الحقّْ والشطّ ْ8، ثمَّ رُمت مدّ الصوت في
القاف والطاء، لكان ممتنعًا؟
والرِّخو9: هو الذي يجري فيه الصوت من غير ترديد10، لتجافي
اللسان عن موضع الحرف؛ ألا ترى أنك تقول: المَسّْ
والرَّشّْ والشُّحّْ ونحوَ ذلك، فتجد الصوت جاريًا مع
السين والشين والحاء؟
والذي بين الشديدة والرِّخوة11. هو الذي لا يجري الصوت في
موضعه عند الوقف،
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 أي: ستتكدّى عليك خصفة. وهي امرأة. وفي حاشية ف: ويجمعها
أيضًا: سكت فحثه شخص. ويجمع المجهور: ظلّ قند يضغم دزطًا
وإذا بعج. انظر الارتشاف1: 10.
2 م: للاعتماد.
3 زاد في سر الصناعة: "ويجري الصوت". وزاد في الكتاب:
"عليه، ويجري الصوت".
4 علق أبو حيان بحاشية ف ما يلي: ابن الأنباري: سميت
الحروف المهموسة مهموسة؛ لأنَّ الاعتماد يضعف في موضعها،
فيجري النَّفَس قبل انقضاء الاعتماد، ويخرج صوت الصدر
مهموسًا، أي خفيًّا.
5 م: بأن تكرر نحو سسس كككك.
6 م: لم يروَّعنا.
7 م: "ممتنع". وفي الكتاب: يمنع.
8 ف: البسط.
9 علق أبو حيان بحاشية في ما يلي: ابن الأنباري: إنَّما
سميت رخوة؛ لأنَّ الاعتماد يضعف في موضع الحرف، ولا يضغط
ضغطًا يمنع الصوت من أن يخرج، فيخرج الحرف رِخوًا لذلك.
10 سقط "من غير ترديد" من م.
11 م: الشديد والرخو.
ص -427-
ولكن يعرض له أعراض توجب خروج الصوت،
باتِّصاله بغير مواضعها1:
فأمَّا العين فإنك قد تصل إلى الترديد فيها كما2 تصل إلى
ذلك في الرِّخوة، لشبهها بالحاء كأنَّ صوتَها يَنسلُّ عند
الوقف إلى الحاء، فليس لصوتها الانحصار التامُّ، ولا جريُ
الرِّخو.
وأمَّا اللام فإنَّ الصوت قد يَمتدُّ فيها؛ لأنَّ ناحيتي
مُستدَقِّ اللسان تتجافيان3، فيخرج الصوت منهما، وليس
[يخرج]4 الصوت من موضع اللام؛ لأنَّ طرف اللسان لا يتجافى
فليس للصوت جري تامٌّ5. وبيان ذلك أنك لو شَددْتَ جانبي
موضع اللَّام لانحصر الصوت، ولم يجر البتَّة.
وأمَّا النون والميم فيجري معهما الصوت في الأنف6؛ لأنَّ
الغُنَّة صوت، ولا يجري في الفم؛ لأنَّ اللسان لازم لموضع
الحرف من الفم.
وأمَّا الراء فللتكرار الذي فيها قد يتجافى اللسان بعض
تجافٍ، فيجري معه الصوت إذ ذاك.
وأمَّا الياء والواو فلأنَّ مخرجهما اتَّسع لهواء الصوت،
فجرى لذلك الصوتُ بعضَ جري، وأمَّا الألف فلأنَّ مخرجها
اتَّسع لهواء الصوت أشدَّ من اتِّساع مخرج الياء والواو؛
لأنك تضمُّ شفتيك في الواو وترفع في الياء لسانك قِبَلَ
الحنك، وليس في الألف شيء من ذلك. فهذه الأحرف الثلاثة لها
أصوات في غير موضعها من الفم. فصارت بذلك مُشبِهة
للرِّخوة، وهي تشبه الشديدة للزومها مواضعها، وليس للصوت
جري في مواضعها كالرِّخوة.
وتنقسم أيضًا إلى مُطْبَق ومُنفتِح. فالمطبَقة أربعة أحرف:
الطاء والظاء والصاد والضاد. وباقي الحروف منفتح.
والإطباق: أن تَرفعَ ظهر لسانك إلى الحنك الأعلى مُطْبِقًا
له. ولولا الإطباق لصارت الطاء دالًا والصاد سينًا والظاء
ذالًا؛ لأنَّ الفارق بينها إنَّما هو الإطباق، ولخرجت
الضاد من الكلام؛ لأنه ليس من موضعها حرف غيرُها، فترجعَ
الضاد إليه إذا زال الإطباق. والانفتاح ضدُّ ذلك.
وتنقسم الحروف أيضًا إلى مُستَعْل ومُنخفِضٍ. فالمستعلية
سبعة: الأربعة المطبقة، وثلاثة
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 كذا بالجمع وتأنيث الضمير. فالمواضع ههنا مضافة إلى ضمير
الحروف التي بين الشديدة والرِّخوة، لا إلى ضمير حرف واحد.
انظر شرح الشافية 3: 26.
2 م: فما.
3 ف: "يتجافيان". م: يتجافى.
4 من م.
5 م: تمام.
6 ف: الألف.
ص -428-
من غيرها وهي الخاء والغين1 والقاف.
والمنخفض ما عدا ذلك. والاستعلاء: أن يَتصعَّد اللسان2 إلى
الحنك الأعلى، انطبق اللسان أو لم ينطبق، والانخفاض ضدُّ
ذلك.
وتنقسم إلى مكرَّر وغير مكرَّر. فالمكرَّر: الراء. وما
عداها غير مكرَّر. وأعني بالتكرار: أنك إذا وقفت عليها
رأيتَ طرف اللسان يَتعثَّرُ فيها. ولذلك احتُسبت في
الإمالة بحرفين على ما ذُكر3 في باب الإمالة4،
وتنقسم أيضًا إلى مُتقَلقِل، ومُشْرَب، وما ليس فيه قلقلة
ولا إشراب.
فالمتقلقلة: القاف والجيم والطاء والدال والباء. وذلك أنها
تُضغَط عن مواضعها، وتُحفَز5 في الوقف، فلا تستطيع6 الوقف
عليها إِلَّا بصوت. نحو: الحقْ واخرجْ واهبطْ واذهبْ
وامدُدْ7.
والمُشْرَبة:الزاي والظاء والذال والضاد8 والراء.
والمُشْرَب: حرف يخرج معه عند الوقف عليه نحو النفخ.
إِلَّا أنه لم يُضغط ضغط المقلقل.
ومن المُشْرَب9 ما لا يخرج بعده شيء من ذلك [63ب] نحو
الهمزة، والعين، والغين، واللام، والنون، والميم.
وجميع الحروف التي تَسمع معها في الوقف صوتًا متى أدرجتها
ووصلتها زال ذلك الصوت؛ لأنَّ أخذك في صوت آخر وحرف سوى
الأوَّل يشغلك عن إتباع الحرف الأوَّل صوتًا، نحو10:
خُذْهُ واخفِضْهُ واحفظْهُ.
وتنقسم11 إلى مهتوت وغير مهتوت. فالمهتوت الهاء12, وذلك
لما فيها من الضعف
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 م: والعين.
2 سقط من م.
3 م: على ما ذكرت.
4 كذا. ولم يتقدم للإمالة باب. وانظر ص270-271 و421.
5 م: "تخفى". ف: "تحقق". والتصويب من حاشية ف ومن سر
الصناعة 1: 73.
6 م: فلا يستطيع.
7 ألحق به في حاشية ف نص اخترم أكثره. وفيه أن الوقف على
هذه الأحرف يصحبه نبرة لضغط اللسان في مخرجها، وأن بعضها
أشد قلقلة من بعض.
8 م: والضاد والذال.
9 كذا في ف. م: "والمشرب". وفي سرِّ الصناعة: "ومن
الحروف". وهو الصواب؛ لأنَّه يذكر الحروف التي ليس فيها
قلقلة ولا إشراب.
10 سقط من م.
11 في النسختين: وينقسم.
12 م: التاء.
ص -429-
والخفاء. وما عداها فليس بمهتوت.
وتنقسم1 أيضًا على ذَلْقِيَّة2 وغير ذَلْقِيَّة.
فالذَّلْقِيَّة ستَّة، وهي اللام والراء والنون والفاء
والباء3 والميم. وما عداها فهو المُصْمَت. وسُمِّيت
ذَلْقِيَّةً؛ لأنها يُعتمد عليها بذَلْق اللسان4، وهو صدره
وطرَفه. وفي الحروف الذَّلْقِيَّة سِرٌّ طريفٌ5 يُنتفع به
في اللغة؛ وذلك أنك6 متى رأيت اسمًا رباعيًّا أو خماسيًّا
غير ذي زوائد فلا بُدَّ فيه من حرف منها أو حرفين أو
ثلاثة، نحو: جَعفَر وقَعضَب7 وسَلهَب8 وفَرَزدَق
وسَفَرجَل9 وقِرطَعْب10.
فمتى وَجدتَ كلمة رباعيَّة أو خماسيَّة معرَّاة من حروف
الذَّلاقة فاقضِ بأنَّه دخيل في كلام العرب وليس منه.
ولذلك سُمِّي ما عدا هذه الحروف مُصْمَتًا أي: صُمِتَ عن
أن تبنى منه11 كلمة رباعيَّة أو خماسيَّة. وربَّما جاء بعض
ذوات الأربعة مُعرًّى من حروف الذَّلاقة، وذلك قليل جدًّا،
نحو: العَسجَد والعَسَطُوس12 والدَّهدَقة13
[والزَّهزقة]14.
وتنقسم أيضًا على مُستطيل وما ليس15 كذلك. فالمستطيل
الضاد؛ لأنها استطالت في مخرجها على حسب ما ذُكر في
المخارج. وغير المُستطيل ما عداها.
وتنقسم أيضًا إلى مُنحرف وغير مُنحرف. فالمُنحرف اللام،
وما عداها ليس بمنحرف.
وتنقسم16 أيضًا إلى أَغَنَّ وغير أغنّ. فالأغنُّ الميم
والنون. والغُنَّة: صوت في الخياشيم.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ف: وينقسم.
2 الضبط في ف بفتح الذال وضمها وسكون اللام. وفي الحاشية:
يجمعها: ملَّ فنبّرَ.
3 م: "والفاء والفاء". ف: والباء والفاء.
4 زاد بعده في ف: والفم.
5 في حاشية ف: "ذكر هذا ابن جني في سر الصناعة". انظر سر
الصناعة 1: 74.
6 ف: أنه.
7 القعضب. الجريء الضخم. م: "قعصب". ف: مصب.
8 السلهب: الطويل.
9 م: "همرجل". وكلاهما في سر الصناعة.
10 القرطعبة: قطعة خرقة.
11 في سر الصناعة: "صمت عنها أن تبنى منها". وفي شرح
الشافية: أصمت عن أن يبنى منْها وحدها.
12 العسطوس: شجر كالخيزران.
13 مصدر دهدق اللحم: كسره وقطعه وكسر عظامه.
14 من م. وفي حاشية ف أنها رواية بدل "الدهدقة" في إحدى
النسخ. والزهزقة: شدَّة الضحك.
15 م: وإلى ما ليس.
16 ف: وينقسم.
ص -430-
وما عدا ذلك فليس بأغنَّ.
وإنَّما ذكرتُ صفات الحروف؛ لأنَّ إدغام المتقاربَينِ
يُبنَى1 عليها أو على أكثرها، على ما يُبيَّن بعدُ، إن شاء
الله عزَّ وجلَّ2 وإذ قد3 فرغنا من المقدِّمة، فينبغي أن
نرجع إلى تبيين حكم إدغام المتقاربات في المخارج أو في
الصفات4.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 سقط من م.
2 سقط "عز وجل" من م.
3 م: "وإذ وقد". وانظر ص150 و204 و265 و329.
4 م: أو في الصفة.
ص -431-
ذكر أحكام حروف الحلق في الإدغام1:
قد تَقَدَّمَ أنَّ للحق ثلاثة مخارج: فمن أقصاه الألف
والهمزة والهاء، ومن وسطه العين والحاء، ومن أدنى مخارج
الحلق إلى اللسان مخرج الغين والخاء.
أمَّا الألف والهمزة فلا يدغمان في شيء، ولا يدغم فيهما
شيء، والسبب في ذلك أنَّ إدغام المتقارِبَينِ محمول على
إدغام المِثلين. فلمَّا امتنع فيهما إدغام المِثلين، كما
ذكرنا في فصل إدغام المِثلين، امتنع فيهما إدغام
المتقارِبَينِ.
وأمَّا الهاء فليس لها من مخرجها ما يُدغم [فيها]2 أو
تُدغم فيه؛ لأنها من مخرج الألف والهمزة، فلم يبق لها ما
تُدغم فيه إِلَّا ما هو من المخرج الذي يلي مخرجها.
فإذا اجتمعت مع الحاء فلا يخلو أن تتَقَدَّمَ3 الحاءَ أو
تتقَدَّمَها الحاءُ. فإن تقَدَّمَت على الحاء جاز الإدغام
والبيان نحو: اجبَهْ حاتِمًا4. إن شئت لم تدغم، وإن شئت
قلبت الهاء حاء وأدغمت الحاء في الحاء فقلت: اجبَحَّاتمًا؛
لأنهما5 متقاربان ليس بينهما شيء، إِلَّا أنَّ الحاء من
وسط الحلق، وهما مهموسان.
وإنَّما قَلبتَ الأوَّل إلى جنس الثاني ولم تقلب الثاني
إلى جنس الأوَّل؛ لأنَّ الذي ينبغي أن يُغيَّر بالقلب
الأوَّل كما غُيِّر بالإسكان؛ ألا ترى أنَّ الذي يُسكَن
لأجل الإدغام إنَّما هو الأوَّل؟ فإن قُلِب الثاني إلى جنس
الأوَّل في موضعٍ ما فلِعِلَّةٍ، وسيُبيَّن ما جاء من ذلك
في موضعه. والبيان وتركُ الإدغام أحسن لاختلاف المخرجين؛
ولأنَّ حروف الحلق ليست بأصل للإدغام لقِلَّتها،
والتصرُّفُ بابه أن يكون فيما يكثر.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 الكتاب 2: 411-426 وشرح الشافية 3: 276-278 وشرح المفصل
10: 134-138 والمقتضب 1: 207-209 والهمع 2: 228-231.
2 من م.
3 ف: تقدم.
4 م: أحبه حاتمًا.
5 سقط من النسختين حتى قوله "وهما مهموسان" وألحقه أبو
حيان بحاشية ف نقلًَا عن خط المصنف.
ص -432-
وإن تَقَدَّمتها الحاء نحو: امدَحْ
هِلالًا؛ فالبيانُ ولا يجوز الإدغام. والعِلَّة في ذلك
أنَّ المخرجين، كما تقَدَّمَ، قد اختلفا مع أنَّ الإدغام1
في حروف الحلق ليس بأصل. وأيضًا فإنك لو أدغمت لوجب أن
تقلب الأوَّل إلى الثاني على أصل الإدغام، فكنت تقلب الحاء
هاء. وذلك لا يجوز؛ لأنَّ الهاء أدخل في الحلق من الحاء،
ولا يُقلَب الأخرجُ إلى الفم إلى جنس الأدخل في الحلق.
والسبب في ذلك أنَّ حروف الفم أخفُّ من حروف الحلق. ولذلك
يقلُّ اجتماع الأمثال في حروف الحلق. وما قرب من حروف
الحلق إلى الفم كان أخفَّ من الذي هو أدخل منه في الحلق.
فكرهوا لذلك [64أ] تحويل الأخرج إلى جنس الأدخل؛ لأنَّ في
ذلك تثقيلًا.
فإن أردت الإدغام قلبت الهاء حاء وأدغمت، فقلت: امدَ
حِّلالًا2. وجاز قلب الثاني لمَّا تعذَّر قلب الأوَّل،
وليكون الإدغام فيما هو أقرب إلى حروف الفم التي هي أصل
للإدغام. والإدغام في مثل هذا أقلُّ من الإدغام في مثل
"اجبَهْ حاتمًا"3؛ لأنَّ الباب -كما تقَدَّمَ- أن يُحوَّل
الأوَّل إلى الثاني.
فإن اجتمعت مع العين فالبيانُ، تقَدَّمتِ العينُ أو
تأخَّرتْ، ولا يجوز الإدغام إِلَّا أن تَقلِب العين والهاء
حاء، ثمَّ تُدغِم الحاء في الحاء. وذلك نحو [قولك]4:
اجبَجُّتْبةَ واقطَحَّاذا وذَهَبَ مَحُّمْ5، تريد: اجبَهْ
عُتْبةَ6 واقطَعْ هذا وذَهَبَ مَعْهُم. وهي كثيرة في كلام
بني تميم7.
وإنَّما لم تُدغِم إِلَّا بتحويل الحرفين؛ لأنك لو قلبت
العين إلى الهاء كنت قد قلبت الأخرج إلى جنس الأدخل. وقد
تَقَدَّمَ ذلك, ولو قلبت الهاء إلى العين لاجتمع لك عينان.
وذلك ثقيل؛ لأنَّ العين قريبة من الهمزة. فكما أنَّ اجتماع
الهمزتين ثقيل8، فكذلك اجتماع العينين.
وأيضًا فإنها بعيدة من الهاء؛ لأنها ليست من مخرجها،
وتُباينُها9 في الصفة؛ لأنَّ العين مجهورة والهاء مهموسة،
والعين بين الشِّدَّة والرَّخاوة والهاء رِخوة. فكرهوا أن
يقلبوا واحدة.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 م: والإدغام.
2 م: "امد هلالًا". ف: امدح حلالًا.
3 م: احبه حاتمًا.
4 من م.
5 سقط "وذهب محم" من النسختين، وألحقه أبو حيان بحاشية ف،
وعلق عليه بما يلي: أي: معهم.
6 م: أحبه عينه.
7 سقط "وذهب معهم وهي كثيرة في كلام بني تميم" من
النسختين، وألحقه أبو حيان بحاشية ف، نقلًا عن خط المصنف.
8 ف: "قليل". وصوب في الحاشية عن نسخة أخرى كما أثبتنا.
9 م: ونباينها.
ص -433-
منهما إلى الأُخرى، للتباعد الذي بينهما.
فلذلك أبدلوا منهما الحاء؛ لأنَّ الحاء من مخرج العين,
وتُقارب الهاء في الهمس والرَّخاوة.
وأمَّا العين إذا اجتمعت مع الحاء فلا يخلو أن تتقَدَّمَ
أو تَتَقدَّمَ الحاءُ. فإن تَقَدَّمتْ كنتَ بالخِيار: إن
شئتَ أدغمتَ فقلبتَ العينَ حاء، وإن شئتَ لم تُدغِم، نحو:
اقطَعْ حَّبلًا1. وحَسَّنَ الإدغام هنا كونُهما من مخرج
واحد.
وإن تقَدَّمتِ الحاءُ بَيَّنتَ ولم تدغمها في العين؛ لأنَّ
العين أدخلُ في الحلق، ولا يُقلَب2 الأخرج إلى الأدخل لِما
تَقدَّم. وأيضًا فإنَّ اجتماع العينين ثقيل كما تَقَدَّم.
فإن أردتَ الإدغام قلبت العين حاء، وأدغمت الحاء في الحاء؛
لأنه قد تقدَّمَ أنَّ الثاني قد يُقلب إذا تعذَّر قلب
الأوَّل.
وأمَّا الغين مع الخاء فإنه يجوز فيهما البيان والإدغام،
وكلاهما حَسَنٌ؛ لأنهما من مخرج واحد. وإذا أَدغمتَ قلبتَ
الأوَّل منهما إلى الثاني، كائنًا ما كان، نحو: اسلِخْ
غَّنمَكَ وادمَغْ خَّلَفًا. وإنَّما جاز قلب الخاء غينًا،
وإن كانت أخرج إلى الفم منها؛ لأنَّ الغين والخاء لقرب3
مخرجهما من الفم أُجريا مُجرى حروف الفم. وحروفُ الفم يجوز
فيها قلب الأخرج إلى الأدخل.
وممّا يُبيّن أنهما يُجرَيان مُجرى حروف الفم أنَّ العرب
قد تُخفي معهما النون، كما تفعل بها مع4 حروف الفم، على ما
يُبيَّن بعدُ5.
ولهذه العِلَّة بنفسها لم يجز إدغام واحد من الحاء والعين6
والهاء في الغين والخاء أعني: لكونهما قد أُجريا مُجرى
حروف الفم. فكما أنَّ حروف7 الحلق لا تُدغَم في حروف الفم،
فكذلك لا تُدغَم الهاء ولا الحاء ولا العين8 فيهما.
هذا9: مذهب سيبويه. وحكى المبرّد أنَّ من النحويِّين من
أجاز إدغام العين والحاء في
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 م: "حملًا". وكذلك في الكتاب 2: 413.
2 م: ولا تقلب.
3 م: بقرب.
4 سقط من م. وانظر ص435، 441، 443.
5 سقط من م. وانظر ص435، 441، 443.
6 سقط "والعين" من النسختين، وألحقه أبو حيان بحاشية ف.
7 سقط "الفم فكما أن حروف" من م.
8 سقط "ولا العين" من النسختين، وألحق بحاشية ف.
9 ألحق أبو حيان هذه الفقرة والتي تليها بحاشية ف نقلًا عن
خط المصنف. وقد اخترم بعض الثانية فتعذر إثباته. وانظر
المقتضب 1: 208-209.
ص -434-
الغين والخاء، نحو قولك: امدَ غّالبًا
وامدَ خَّلَفًا واسمَغَّالبًا واسمَخَّلَفًا. تريد: امدحْ
غالبًا وامدحْ خلفًا واسمعْ غالبًا واسمعْ خلفًا. وزعم
أنَّ ذلك مستقيم في اللغة معروف، جائز في القياس؛ لأنَّ
الخاء والغين أدنى حروف الحلق إلى الفم. فإذا كانت الهاء
تدغم في الحاء، والهاء من المخرج الأوَّل من الحلق، والحاء
من الثاني، وليست حروف الحلق بأصل للإدغام، فالمخرج الثالث
أَوْلى أن يدغم فيما كان بعده؛ لأنَّ ما بعده متصل بحروف
الفم، التي هي أصل للإدغام؛
ألا ترى أنهم أدغموا الباء في الفاء -والباءُ من الشفة
محضة، والفاءُ من الشفة السفلى وأطراف الثنايا العُلى-
فقالوا: اذْهَفِّي ذلك واضرِ فَّرَجًا، لقرب الفاء من حروف
الفم؟ وسيبويه يأبى ذلك، لِما ذكر من أنَّ العرب كما لا
تُدغِم حروف الحلق في حروف اللسان, ولا حروف اللسان في
حروف الحلق... ولا إدغامهما فيها للتراخي الذي بينها؛ ألا
ترى أنَّ الهاء من المخرج الأوَّل، وهما من المخرج الثالث؟
[وكذلك لا يجوز] إدغام الخاء والغين في الحاء والعين، لما
يلزم ذلك من قلب الأخرج إلى الفم إلى جنس الأدخل في الحلق.
وذلك لا يجوز...
ص -435-
ذكر حكم حروف الفم1 في الإدغام:
فأوَّلها ممّا يلي [حُروف]2 الحَلق، كما تَقَدَّم، القاف
والكاف. وكلّ واحد منهما يُدغَم في صاحبه فتقول: الحَق
كَّلَدَةَ3 وانهَك قَّطَنًا، تَرفع4 اللسان بهما رفعة
واحدة.
والبيانُ والإدغامُ في "الحقْ كَّلَدَة"5 حسنانِ؛ فالبيان
حسن والإدغام أحسن6. والبيانُ في "انهكْ قطَنًا" أحسن من
الإدغام، لقُرب القاف والكاف من حُروف الحلق7، وحُروف
الحلق كما تقَدَّمَ لا يجوز إدغام الأخرج منها في الأدخل.
فلذلك ضعف إدغام الكاف التي هي الأخرج، في القاف التي هي
أدخل، كما شُبّه أقرب حروف الحلق إلى اللسان -وهما الغين
والخاء- بحروف اللسان، كذلك شُبّه أقرب حروف الفم بحروف
الحلق، ولا يجوز البيان8، فأخفيت النون الساكنة عندهما كما
تقَدَّم9.
ولا يجوز إدغام كلِّ واحد من10 القاف والكاف في غيرهما،
ولا غيرهما فيهما.
ثمَّ الجيم والشين والياء:
أمَّا الجيم فإنها تُدغم في الشين خاصَّة، كقولك: ابعَج
شَّبثًا11. ويجوز البيان، وكلاهما
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 الكتاب 2: 411-426 وشرح الشافية 3: 279-292 والمقتضب 1:
209-224 وشرح المفصل 10: 138-153. وفي م وإحدى النسخ كما
جاء في حاشية ف: "حروف اللسان". وفي المبدع: "اللسانية".
2 من م.
3 ومثله في الكتاب 2: 214. ف: كندة.
4 م: انهك قطب وترفع.
5 ومثله في الكتاب 2: 214. ف: كندة.
6 سقط "فالبيان... أحسن" من النسختين، وألحقه أبو حيان
بحاشية ف. وانظر شرح الشافية 3: 278 وشرح المفصل 10: 138.
7 سقط "حروف الحلق" من م.
8 سقط "كذلك... البيان" من النسختين، وألحقه أبو حيان
بحاشية ف عن إحدى النسخ.
9 في ص 433.
10 سقط "كل واحد من" من م.
11 م: اخرج شيئًا.
ص -436-
حسن. وإنَّما جاز إدغامها1 فيها لكونهما من
حروف وسط اللسان.
ولم يجز إدغامها2 في الياء، وإن كانت3 من مخرجها؛ لأنَّ
الياء حرف عِلَّة. وحروف العِلَّة4 بائنة من جميع الحروف،
بأنها لا يُمدّ صوت إِلَّا بها؛ ولأنَّ الحركاتِ بعضُها،
ولذا كانت منفردة بأحكام لا توجد لغيرها؛ ألا ترى أنك
تقول: عَمْرُو وبكْرُ ونصْرُ، وما أشبه ذلك في القوافي،
فيعادِل الحروفُ بعضُها بعضًا، ولو وقعت ياء أو واو بحذاء
حرف من هذه الحروف نحو: "جَوْر" و"خَيْر" لم يجز؟
وكذلك تكون القافية مثل سَعِيد وقُعُود، ولو وقع مكان
الياء والواو غيرُهما لم يصلح. وتحذف لالتقاء الساكنين في
الموضع الذي يحرّك فيه غيرها، نحو: يَغزو القومُ ويرمي
الرجلُ ومَثنَى القومِ. فصارت لذلك قِسمًا برأسه5. فلذلك
لم تدغم في غيرها، ولا أُدغم غيرها فيها، ما عدا النون
فإنها أُدغمت فيها، لعِلّة تُذكر في موضعها6.
ولا يدغم في الجيم من مخرجها شيء: أمَّا الشين فلم تدغم
فيها [64ب] لأن7 فيها تفشِّيًا، فكرهوا إذهابه بالإدغام.
وأيضًا فإنَّ الشين8 بتفشِّيها لحقت بمخرج الطاء والدال،
فبعُدت عن الجيم. وأمَّا الياء فلم تدغم لِما تقَدَّم. من
ذكر9 العِلَّة المانعة من إدغام الياء والواو في حروف
الصحَّة.
ويدغم فيها من غير مخرجها ستَّة أحرف. وهي: الطاء والدال
والتاء والظاء والذال والثاء، نحو: لم يربِط جَّملًا وقد
جَّعَلَ و"وَجَبَت جُّنُوبُها"10 واحفظ جّابرًا وانبِذ
جَّعفرًا وابَعث جَّامعًا. وإنَّما جاز إدغام هذه الأحرف
في الجيم، وإن لم تكن من مخرجها؛ لأنها أخت الشين وهي معها
من مخرج واحد. فكما أنَّ هذه الأحرف تدغم في الشين، فكذلك
أدغمت في أختها -وهي الجيم- حملًَا عليها.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 م: إدغامهما.
2 م: إدغامهما.
3 م: كانتا.
4 سقط من النسختين حتى قوله: "ومثنى القوم". وألحق بنسخة ف
على طيارة، نقلًا عن خط المصنف. وقد نُقلت الطيارة جهلًا
إلى موضع آخر، فأرجعناها نحن إلى موضعها هنا على الصواب.
وانظر المقتضب 1: 210.
5 م: برأسها.
6 في ص441. م: ولا أدغم غيرها فيها فلم يدغم فيها ما عدا
النون.
7 م: أمَّا الشين فلأن.
8 م: فإنها.
9 م: وذكر.
10 الآية 36 من سورة الحج. والجنوب: جمع جنب. ووجبت: سقطت.
أي: سقطت جنوب الإبل إلى الأرض بعد نحرها.
ص -437-
والبيانُ في جميع ذلك أحسن للبعد الذي
بينها1 [وبينهنّ]. وإذا أدغمتَ الطاء والظاء في الجيم
فالأحسن أن تُبقي الإطباق الذي فيهما، لئلَّا تُخِلَّ2
بهما وتُضعِفَهما، بزوال الإطباق منهما. وقد يجوز أن تُذهب
الإطباق جملةً.
وأمَّا الشين فإنها لا تُدغَم في شيء3. وسبب ذلك أنها
متفشِّية، كما تقَدَّم. والإدغام في مقاربها يُذهبه، فيكون
ذلك إخلالًَا بها.
وتُدغَم4 فيها الجيمُ -وقد تقَدَّم ذكر ذلك- والطاءُ
والدال والتاء والظاء والذال والثاء واللام. أمَّا إدغام
الجيم فيها فلكونهما من مخرج واحد. وأمَّا إدغام سائر
الحروف فيها؛ فلأنها استطالت بالتفشِّي الذي5 فيها، حتَّى
اتَّصلت بمخرجها، فجرت لذلك مجرى ما هو من مخرج واحد.
والبيان عربيُّ جيِّد، لِبُعد ما بينه وبينهنّ.
وأمَّا الياء فلا تُدغَم في حرف صحيح [أصلًَا]6. وقد
تقَدَّم سبب ذلك, وتُدغَم في الواو؛ لأنها شابهتها في
اللِّين والاعتلال. إِلَّا أنَّ الواو هي التي تُقلب لجنس
الياء، تقدَّمت أو تأخَّرت؛ لأنَّ القصد بالإدغام التخفيف،
والياء أخفُّ من الواو، فقلبوا الواو ياء على كلِّ حال
-وأيضًا فإنَّ الواو من الشِّفة، والياء من حروف الفم،
وأصل الإدغام أن يكون في حروف الفم7- نحو: سَيِّد ومَيِّت
-الأصل فيهما "سَيْوِدٌ" و"مَيْوِتٌ"8- وطَيّ ولَيّ. الأصل
فيهما "طَوْيٌ" و"لَوْيٌ".
ولا يُدغَم فيها حرف صحيح أصلًا، إِلَّا النون نحو: مَن
يُّوقِنُ -والسبب في أن أُدغمت9 النون وحدها, من بين سائر
الحروف الصحاح، في الياء أنَّ النون غَنَّاءُ فأشبهت
بالغُنَّة التي فيها الياءَ10؛ لأنَّ الغُنَّة فَضْلُ صوتٍ
في الحرف، كما أنَّ اللِّين فضل صوت في حروف11 العِلَّة.
وأيضًا فإنَّ النون قريبة في المخرج من الواو التي هي أخت
الياء- ويُدغَم فيها الواو لتشاركهما في الاعتلال
واللِّين، كما تقَدَّم. وذلك نحو: طَوَيتُ طَيًّا ولَوَيتُ
لَيًّا.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 م: بينهما.
2 م: يخل.
3 علق عليه أبو حيان في حاشية ف بما يلي: تدغم في الجيم
نحو أعطِش جَّحدرًا.
4 م: ويدغم.
5 م: التي.
6 من م.
7 سقط ما بين معترضين من النسختين، وألحقه أبو حيان بحاشية
ف نقلًا عن خط المصنف.
8 سقط بقية الفقرة من النسختين، وألحقت بحاشية ف. وسيرد
بعدُ ما هو تكرار لها تقريبًا.
9 م: أن أدغمت إلى.
10 م: للياء.
11 م: حرف.
ص -438-
ثمَّ1 الضاد، ولا تُدغَم في شيء من
مقارباتها2. وسبب ذلك أنَّ فيها استطالة وإطباقًا
واستعلاء، وليس في مقارباتها ما يَشركها في ذلك كُلِّه.
فلو أُدغمت لأدَّى ذلك إلى الإخلال بها، لذهاب هذا الفضل
الذي فيها.
فأمَّا إدغام بعضهم لها في الطاء بقوله: مُطَّجِع، يريد:
مُضطجِعًا3، فقليل جِدًّا ولا ينبغي أن يقاس. والذي شجَّعه
على ذلك أشياء، منها: موافقةُ الضاد للطاء في الإطباق الذي
فيها4 والاستعلاءِ، وقربُها5 منها في المخرج، ووقوعُها
معها في الكلمة الواحدة أكثر من وقوعها في الانفصال؛ لأنَّ
الضاد التي تكون آخر كلمة6 لا يلزمها أن يكون أوَّل الكلمة
التي تليها طاء، ولا يكثر ذلك فيها بخلاف مضطجع. فلمَّا
اجتمعت هذه الأسباب أدغموا، واغتفروا لها ذهاب الاستطالة
التي في الضاد.
وتُدغَم فيها الطاء والدال والتاء والظاء7 والذال والثاء
واللام. وذلك نحو: هل ضَّلَّ زيدٌ؟ وابَعث ضَّرمَةَ -قال
سيبويه8: "وسَمِعنا من يُوثَق بعربيَّته قال9:
ثارَ, فضَجَّت ضَّجَّةً رَكائبُهْ
فأدغم التاء في الضاد" -واضبِط ضَّرَمةَ واحفَظ ضَّرمَةَ10
وخُذ ضَّرمَةَ وقَد ضَّعُفَ11.
أمَّا اللام فأدغمت فيها، لقربها منها في المخرج. وأمَّا
سائر الحروف فإنَّ الضاد، بالاستطالة التي فيها، لحقت مخرج
الطاء والدال والتاء؛ لأنها اتَّصلت بمخرج اللام، وتطأطأت
عن اللام حتى خالطت أصولَ ما اللامُ فوقه، إِلَّا أنها لم
تقع من الثنيَّة موقع12 الطاء13 لانحرافها؛ لأنك
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 م: وثم.
2 في النسختين: متقارباتها.
3 انظر الكتاب 2: 422. م: مضطجعها.
4 سقط "الذي فيها" من م.
5 في النسختين: وقريبة.
6 سقط "التي تكون آخر كلمة" من م.
7 م: والضاد.
8 الكتاب 2: 420 م: قال س.
9 أبو خالد القناني. وسيرد الشاهد بعد. انظر ص446 والكتاب
2: 420 وشرح أبياته 2: 416 وأسرار العربية ص99-100
والإنصاف ص68 والمقرب 2: 12 والخزانة 4: 106. وصف رجلًا
ثار ليرحل إبله فجعلت تضجّ.
10 زاد في م: وابعث ضرمة.
11 سقط المثال من النسختين، وألحقه أبو حيان بحاشية ف.
فكأن ابن عصفور أغفل التمثيل لإدغام الدال في الضاد، تبعًا
لسيبويه في الكتاب 2: 420، ثمَّ استدرك فألحقه فيما بعد.
12 م: موضع.
13 م: الظاء.
ص -439-
تضع [لسانك]1 للطاء2 بين الثَّنيَّتَين.
وقرُبت بسبب ذلك من الظاء والذال والثاء؛ لأنهنّ من حروف
طرف اللسان والثنايا، كالطاء وأختيها. والبيان عربيّ جيّد،
لتباعُد ما بينها [وبينهنّ].
ثمَّ اللام والنون والراء.
أمَّا اللام فإنها تدغم في ثلاثةَ [65أ] عَشَرَ حرفًَا3.
وهي: التاء والثاء والدال والذال والراء والزاي والسين
والشين والصاد والضاد والطاء والظاء والنون. وإنَّما
أُدغمت في هذه الحروف لموافقتها لها. وذلك أنَّ اللام من
طرف اللسان. وهذه الحروف: أحدَ عَشَرَ حرفًا منها حروفُ
طرفِ اللسان. وحرفان منها -وهما الضاد والسين- يخالطان طرف
اللسان. وذلك أنَّ الضاد لاستطالتها اتَّصلت بمخرج اللام،
وكذلك الشين بالتَّفشِّي الذي فيها لحقت أَيضًا مخرجها.
فإن كانت اللام للتعريف التُزم الإدغام ولم يجز البيان4.
والسبب في ذلك أنه انضاف إلى ما ذكرناه من الموافقة كثرةُ
لام المعرفة في الكلام؛ ألا ترى أنَّ كُلَّ نكرةٍ أردتَ
تعريفها أدخلت عليها اللام التي للتعريف إِلَّا القليلَ
منها. وكثرة دور5 اللفظ في الكلام تستدعي التخفيف.
وأيضًا فإنَّ لام المعرفة قد تَنزَّلت منزلةَ الجزء ممّا6
تدخل عليه، وعاقبها7 التنوين، واجتماع المتقاربين فيما هو
كالكلمة الواحدة أثقل من اجتماعهما فيما ليس كذلك. فلمَّا
كان فيها ثلاث مُوجبات للتخفيف -وهي: ثِقلُ اجتماع
المتقاربات، وكثرة التكلُّم بها، وأنها مع ما بعدها
كالكلمة الواحدة- التُزم فيها الإدغام.
وإن كانت لغير تعريف أُدغمت لأجل المقاربة، وجاز البيان؛
لأنها لم يكثر استعمالها ككثرة لام التعريف، ولا هي مع ما
بعدها بمنزلة كلمة واحدة كما أنَّ لام التعريف كذلك.
والإدغام8 إذا كانت اللام ساكنة أحسن منه، إذا كانت
متحرِّكة نحو: جَعَل رَّاشدٌ. وإدغامها في بعض هذه الحروف9
أحسنُ منها في بعض:
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 من م.
2 ف: الطاء.
3 الكتاب 2: 416.
4 في حاشية ف بخط أبي حيان عن شرح السيرافي على كتاب
سيبويه: "قال الفرَّاء: قال الكسائيُّ: سمعت العرب تظهر
لام التعريف عند هذه الحروف، إِلَّا عن اللام والراء
والنون فقط. يقولون: لونُ الْصامتِ... وكان صدوقًا في
روايته. يعني الكسائيَّ. وهذا لم يحفظه البصريون ولا
الفرَّاء".
5 م: دورة.
6 م: فيما.
7 م: وعاقبه.
8 سقط "والإدغام إذا... جعل راشد" من النسختين، وألحقه أبو
حيان بحاشية ف.
9 يريد: الحروف الثلاثة عشر المذكورة من قبل، إذا لم تكن
اللام قبلها للتعريف.
ص -440-
فإدغامها في الراء نحو: هل رَّأيتَ؟ أحسنُ
من إدغامها في سائرها؛ لأنها أقرب الحروف إليها وأشبهها1
بها، حتَّى إنَّ بعض من يصعب عليه إخراج الراء يجعلها2
لامًا.
وإدغامها في الطاء والتاء والدال والصاد والسين والزاي يلي
في الجودة إدغامَها في الراء؛ لأنها أقرب [الحروف]3 إليها
بعد الراء.
وإدغامها في الثاءِ -نحو:4 "هَل ثُّوِّبَ" وقد قرأ به أبو
عمرو- والذالِ والظاءِ يلي5 ذلك؛ لأنَّ هذه الثلاثة من
أطراف الثنايا، و[قد]6 قاربن مخرج ما يجوز إدغام اللام
فيه.وهو الفاء.
وإدغامها في الضاد والشين يلي ذلك؛ لأنهما ليسا من حروف
طرف اللسان كاللام، وإنَّما اتصلتا7 بحروف طرف اللسان،
بالاستطالة التي في الضاد، والتَّفشِّي الذي في الشين، كما
قدَّمنا. ومن إدغامها في الشين قول طريف بن تميم8:
تَقُولُ، إِذا استَهلكتُ مالًَا لِلَذَّةٍ,
فُكَيهةُ: هَشَّيءُ بِكَفَّيكَ لائقُ؟
يريد:هل شَيءٌ؟
وإدغامها في النون دون ذلك كلِّه، والبيانُ أحسنُ منه.
وإنَّما قَبُحَ إدغامها في النون، وإن كانت أقرب إلى اللام
من غيرها من الحروف التي تقَدَّمَ ذكرها؛ لأنه قد امتنع أن
يُدغم في النون من الحروف التي أُدغمت هي فيها إِلَّا
اللام. فكأنهم استوحشوا الإدغام فيها وأرادوا أن يُجروا
اللام مُجرى أخواتها من الحروف التي يجوز إدغام النون
فيها9. فكما أنه لا يجوز إدغام شيء منها في النون، كذلك10
ضعف إدغام اللام فيها.
ولا يُدغم فيها إِلَّا النون، على ما يُبَيَّنُ في فصل
النون.
وأمَّا النون فلها خمسة مواضع: موضع تُظهر فيه، وموضع
تُدغم فيه، وموضع تَخفى فيه11، وموضع تُقلب فيه ميمًا،
وموضع تُظهر فيه وتَخفى:
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ومثله في الكتاب 2: 416. ف: ولشبهها.
2 م: يجعل.
3 من م.
4 الآية 36 من سورة المطففين.
5 م: والطاء تلي.
6 من الكتاب 2: 417.
7 م: اتصلنا.
8 الكتاب 2: 417 وشرح أبياته 2: 417 واللامات ص155 والمقرب
2: 114 وسر الصناعة ص348 وتخليص الشواهد ص352. والمفصل 2:
296 وشرحه 10: 141 واللسان والتاج "ليق" و"هلك" و"فكه".
واللائق: المستقر المحتبس.
9 م: إدغامها فيها.
10 في النسختين: لذلك.
11 سقط من م.
ص -441-
فالموضع الذي تُظهر فيه خاصَّةً إذا كان
بعدها هاء أو همزة أو حاء أو عين1، نحو: مِنها ويَنأى
ومِنحار ومِنْعَب2.
والموضع الذي تُظهر فيه وتَخفى إِذا وقعت بعدها الغين أو
الخاء، نحو: مُنْغَلّ3 ومَنْخُل.
والموضع الذي تُدغم فيه إذا كان بعدها حرف من حروف
"ويرمل".
والموضع الذي تُقلب فيه إذا كان بعدها باء.
والموضع الذي تَخفى فيه إذا كان بعدها حرف من سائر حروف
الفم الخمسةَ عَشَرَ.
فأُدغمت في خمسة الأحرف المتقدِّمَة الذكر لمقاربتها لها:
أمَّا مقاربتها للرَّاء واللام ففي المخرج4. وأمَّا
مقاربتها للميم ففي الغُنَّة، ليس حرف من الحروف له غُنَّة
إِلَّا النون والميم. ولذلك5 تُسمع النون كالميم، ويقعان
في القوافي المُكْفأة فلا يكون ذلك عيبًا، نحو قوله6:
ما تَنقِمُ الحَربُ العَوانُ مِنِّي؟
بازِلُ عامَينِ, حَدِيثٌ سِنِّي
لِمِثل هذا, وَلَدتْنِي أُمِّي
وأمَّا مقاربتها للياء والواو؛ فلأنَّ في النون غُنَّة
تُشبِه7 اللِّين في الياء والواو؛ لأنَّ الغُنَّة فضلُ صوت
في الحرف كما أنَّ اللِّين كذلك. وهي8 من حروف الزيادة كما
أنَّ الياء والواو كذلك, وتزاد في موضع زيادتهما. تقول:
عَنسَل وجَحَنفَل ورَعْشَن، كما تقول: كَوثَر وصَيقَل
وجَدوَل وعِثْيَر وتَرقُوة وعِفْرِية. وأيضًا فإنها قد
أُدغمت فيما قارب الواو في المخرج -وهو الميم- وفيما هو
على طريق الياء. وهو الراء؛ ألا ترى أنَّ الألثغ بالراء
يجعلها ياء؟ فأُدغمت [النون] في الياء
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 م: أو عين أو حاء.
2 المنعب: الفرس الجواد يمد عنقه كالغراب.
3 في المقتضب: "مُنْغُل". وهو لغة في مُنخل. والمنغلّ من
مصدر انغلّ.
4 علق عليه أبو حيان في حاشية ف بما يلي: "لا يعرف في
اللغة كلمة فيها نون ساكنة بعدها راء ولا لام. فلم يقولوا
مثل: قنر وعنل. وسبب ذلك أنَّ الساكنة فيها غُنَّة، وهي
تقارب الحرفين جِدًّا. فلمَّا تقاربت في المخرج، واختلفت
في الصفة، ثقل الجمع بينها" وانظر ص446.
5 سقط من النسختين حتى نهاية الرجز، وألحقه أبو حيان
بحاشية ف نقلًا عن خط المصنف.
6 الرجز لأبي جهل وينسب إلى الإمام علي. ديوان الإمام علي
ص192 والجمهرة ص616 والمغني ص46 و759 وشرح شواهده ص960
وشرح أبياته 1: 254 وسيرة ابن هشام 1: 634 ومجمع الزوائد
6: 77 ومعجم الأدباء 5: 110. واللسان "بزل" و"عون" والتاج
"عون" والعقد الفريد 6: 310 وإنباه الرواة 2: 371 والكامل
ص810 والمقتضب 1: 218. وتنقم: تعيب وتكره. والعوان:
المتكررة المتتابعة. والبازل: البعير دخل في السنة
التاسعة. وبازل عامين أي: مر عليه بعد بزوله عامان. يعني
أنه مستجمع الشباب مستكمل القوة.
7 م: يشبه.
8 سقط من النسختين حتى قوله: "كما أدغمت في الميم والراء"،
وألحقه أبو حيان بحاشية ف. وانظر المقتضب 1: 219.
ص -442-
والواو كما أُدغمت في الميم والراء. فلمَّا
قاربتِ النونُ هذه الحروف الخمسة أُدغمت فيها [65ب].
ولا يجوز البيان1 إن كانت النون ساكنة. فإن كانت مُتحرِّكة
جاز، لفصل الحركة بين المتقاربين؛ لأنَّ النيَّة بالحركة
أن تكون بعد الحرف. وذلك نحو: خَتَنُ مُّوسَى.
وإذا أُدغمت2 في الراء واللام والواو والياء كان إدغامها
بغُنَّة، وبغير غُنَّة. أمَّا إدغامها بغير غُنَّة فعلى
أصل الإدغام؛ لأنك إذا أدغمتها صار اللفظ بها من جنس ما
تُدغَم فيه. فإذا كان ما بعدها غيرَ3 أغنّ ذهبت الغُنَّة،
لكونها تصير مثله. ومن أَبقى الغُنَّة؛ فلأنها فصلُ صوتٍ
فكرهَ إبطالها، فحافظَ عليها بأن أدغم، وأبقى بعضًا من
النون وهو الغُنَّة، وإبقاؤها عندي أجود، لما في ذلك من
البيان للأصل والمحافظة على الغُنَّة.
وإذا أُدغمت في الميم قُلبت إلى جنسه، ولم يبق لها أثر،
ولستَ بمحتاج4 إلى غُنَّة النون؛ لأنَّ الميم فيها غُنَّة.
فإذا قلبتها ميمًا محضة لم تُبطِلِ الغُنَّة.
وزعم5 سيبويه أنها مع ما تُدغَم فيه مخرجُها من الفم لا من
الخياشيم؛ لأنها لو كانت تدغم في حروف الفم، وهي من
الخياشيم، لتفاوتَ6 ما بينها، ولا يُدغم الأبعد في الأبعد.
ووافقه المبرّد في جميع ذلك، إِلَّا الميمَ؛ لأنها من
الشفة. فلو كانت النون المدغمة فيها من الفم لبعدت من
الميم. قال: ولكن مخرجها مع الميم7 من الخياشيم؛ لأنَّ
الميم تخرج8 من الشفة، وتصير إلى الخياشيم للغُنَّة التي
فيها، فأُدغمت فيها النون لتلك المجاورة.
ومذهب سيبويه عندي أَوْلى؛ لأنَّ النون التي في الفم تصير
أيضًا إلى الخياشيم، للغُنَّة التي فيها، كما كان ذلك في
الميم9... وما أخلَّت به.
وقُلِبت مع الباء ميمًا ولم تدغم فيها؛ لأنَّ الباء لا
تقارب النون في المخرج كما قاربتها الراء
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 أي: إذا كان الإدغام من الإدغام في الكلمتين.
2 م: وأدغمت.
3 م: عين.
4 ف: محتاجًا.
5 سقط من النسختين حتى قوله: "كما كان ذلك في الميم"،
وألحقه أبو حيان بحاشية ف نقلًا عن خط المصنف. وانظر
الكتاب 2: 415.
6 ف: "لتفاوته". وانظر المقتضب 1: 221.
7 ف: اللام.
8 ف: يخرج.
9 بضع كلمات مخرومة.
ص -443-
واللام1، ولا فيما يُشبِه الغُنَّة وهو
اللِّين، ولا في الغُنَّة كما قاربتها الميم. فلمَّا
تعذَّر إدغامها في الباء قُلبت معها ميمًا؛ لأنَّ الباء من
مخرج الميم فعوملت معاملتها. فلمَّا قُلبت النون مع الميم
ميمًا قلبت ميمًا أيضًا مع الباء. وأُمِنَ2 الالتباس؛ لأنه
ليس في الكلام ميم ساكنة قبل باء.
وأُظهرت مع الهمزة والهاء والعين والحاء، لبعد ما بينها
وبينهنَّ، فلم3 تُغيَّرِ النونُ بإدغام، ولا بشِبهه الذي
هو الإخفاء. وأيضًا فإنَّ حروف الحلق أَشدُّ علاجًا وأصعبُ
إخراجًا، وأحوج إلى تمكين آلة الصوت من غيرها. فإخراجها4
لذلك يحتاج5 إلى اعتمادات تكون في اللسان، والنونُ الساكنة
الخفيَّة مخرجها من الخيشوم. فلا علاج في إخراجها ولا
اعتماد، فإذا كانت قبل حروف الحلق تعذَّر النُّطق بحروف
الحلق؛ لأنَّ النون تستدعي ترك الاعتماد, وحروف الحلق
تطلب6 الاعتماد. فإذا بيَّنتَ النون قبلها أمكن إخراجها؛
لأنَّ النون البيِّنة مخرجها من اللسان. فهي أيضًا تطلب
الاعتماد7 كسائر حروف اللسان.
وأمَّا جواز خفائها وإظهارها مع الخاء والغين؛ فلأنهما من
أقرب حروف الحلق إلى الفم. فمن أجراهما8 مُجرى ما
تقدَّمهما9 من حروف الحلق أظهر النون معهما. ومن أجراهما
مُجرى ما يليهما10 من حروف الفم -وهو القاف والكاف- أخفى
النون معهما كما يخفيها مع القاف والكاف.
وأمَّا إخفاؤها مع الخمسةَ عَشَرَ حرفًا من حروف الفم
الباقية؛ فلأنها11 اشتركت معها، في كونها من [حروف] الفم.
وأيضًا فإنها، وإن كانت من حروف اللسان، فبالغُنَّة التي
فيها التي خالطت الخياشيم اتَّصلت بجميع حروف الفم.
فلمَّا12 أشبهتها فيما ذكرنا، وكانت قد أُدغمت في بعض حروف
الفم. غيَّروها بالإخفاء معها كما غيَّروها بالإدغام
والقلب مع
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 سقط من النسختين حتى "وهو اللين"، وألحقه أبو حيان
بحاشية ف.
2 سقط حتى "ساكنة قبل باء" من النسختين، وألحقه أبو حيان
بحاشية ف.
3 م: ولم.
4 م: وإخراجها.
5 ف: بذلك محتاج.
6 م: وحرف الحلق يطلب.
7 ف: اعتمادًا.
8 في النسختين: أجراها.
9 ف: "ما تقدم". م: ما تقدمها.
10 في النسختين: ومن أجراها مجرى ما يليها.
11 ف: فإنها.
12 سقط من م حتى قوله: "في بعض حروف الفم".
ص -444-
حروف "ويرمل" من حروف الفم؛ لأنَّ الإخفاء
شبيه بالإدغام، ولم يغيِّروها بالإدغام؛ لأنهم أرادوا أن
يفرِّقوا بين ما يقاربها من حروف الفم في المخرج كاللام
والراء، وفي الصفة كالميم والياء والواو، وبين ما ليس
كذلك. فجعلوا الغييرَ الأكثر1 للأقرب، والتغييرَ الأقلَّ
للأبعد.
ولم يُسمع من كلامهم تسكين النون المتحرِّكة، إذا جاءت قبل
الحروف التي تَخفى معها، كما تُسكَّن مع الحروف التي
تُدغَم معها. فلم يقولوا: خَتَنْ2 سُليمان، كما قالوا:
خَتَنْ مُّوسى، لكن إن جاء ذلك لم يُستنكر؛ لأنَّ الإخفاء
نوع من الإدغام.
ولا يُدغم في الون شيء إِلَّا اللام. وقد تَقَدَّمَ ذلك في
فصل اللام.
وأمَّا الراء فلا تُدغَم في شيء؛ لأنَّ فيها تكريرًا؛ ألا
ترى أنك إذا نطقت بها تكرَّرت في النطق؟ فلو أدغمتها فيما
يقرب منها -وهو اللام والنون- لأذهب الإدغام ذلك الفضل
الذي فيها من التكرير3؛ لأنها تصير من جنس ما تُدغَم فيه،
وما تُدغَم فيه ليس فيه تكرير. فلمَّا كان الإدغام يُفضي
إلى انتهاكها بإذهاب ما فيها من التكرار لم يجز. وقد رُوي
إدغامها في اللام، وسأذكر وجه ذلك في إدغام القرآن4، إن
شاء الله تعالى.
ولا يُدغَم فيها إِلَّا اللام والنون، وقد تَقَدَّمَ ذكر
ذلك في فصليهما.
ثمَّ الطاء والدال والتاء والظاء والذال والثاء، كلُّ
واحد5 منهنّ يُدغَم في الخمسة الباقية، وتُدغَم الخمسة
الباقية فيه. وتُدغَم أيضًا هذه الستَّة في الضاد والجيم
والشين والصاد والزاي والسين. ولم يحفظ سيبويه إدغامها
[66أ] في الجيم. ولا يُدغَم فيهنّ من غيرهنّ إِلَّا اللام.
وسواء كان الأوَّل منهما6 متحرِّكًا أو ساكنًا. إِلَّا
أنَّ الإدغام إذا كان الأوَّل [منهما]7 ساكنًا أحسن منه
إذا كان الأوَّل متحرِّكًا؛ لأنه يلزم فيه تغييران: أحدهما
تغيير الإدغام، والآخر تغيير بإسكان الأوَّل8.
وإنَّما جاز إدغامها فيما ذُكر لتقاربها في المخرج بعضها
من بعض، ولمقاربتها حروفَ الصفير في المخرج أيضًا، كما
بُيِّن في مخارج الحروف.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 م: للأكثر.
2 الكتاب 2: 415: حين.
3 ف: التكرر.
4 انظر ص453.
5 م: واحدة.
6 م: منها.
7 من م، وفيها: منها.
8 م: تغيير إسكان الأوَّل.
ص -445-
وأمَّا الضاد والشين فإنهما، وإن لم
تقاربهما في المخرج، فإنَّ التقارب بينهما وبينها من حيث
لحقت الضادُ باستطالتها، والشينُ بتفشِّيها، مخرجَها.
والضاد أشبه بها من الشين؛ لأنَّ الضاد قد أشبهتها1 من وجه
آخر. وهو أنها مُطبقة كما أنَّ الطاء والظاء كذلك.
وأمَّا إدغامها في الجيم فحملًا على الشين؛ لأنهما من مخرج
واحد.
والإدغام في جميع ما ذُكر أحسنُ من البيان. والسبب في ذلك
أنَّ أصل الإدغام لحروف طرف اللسان والفم، بدليل أنَّ حروف
الحلق يُدغَم منها الأدخل في الأخرج؛ لأنه يَقرب بذلك من
حروف الفم، ولا يُدغَم الأخرج في الأدخل؛ لأنه يبعد بذلك
من حروف الفم، ويتمكَّن في الحلق.
وإنَّما كان الإدغام في حروف الفم و[طرف] اللسان أولى
لكثرتها. وما كَثُرَ استدعى التخفيف. وأكثر حروف الفم من
طرف اللسان؛ لأنَّ حروف الفم تسعةَ عَشَرَ، منها اثنا
عَشَرَ حرفًا من طرف اللسان. فلذلك حسن الإدغام في هذه
الحروف.
والبيان في بعضها أحسن منه في بعض، وذلك مبنيٌّ على القرب
بين الحرفين. فما كان أقرب إلى ما بعده كان إدغامه أحسن2.
وذلك أنَّ الإدغام إنَّما كان بسبب التقارب. فإذا قوي
التقارب قوي الإدغام3، وإذا ضعف ضعف .الإدغام:
فتبيين هذه الستة الأحرف إذا وقعت قبل الجيم أحسنُ من
بيانها4 إذا وقعت قبل الشين؛ لأنَّ إدغامها في الجيم
بالحمل على إدغامها في الشين. بل لم يحفظ سيبويه إدغامها
في الجيم كما تَقَدَّمَ.
وتبيينها إذا وقعت قبل الشين5 أحسنُ من تبيينها إذا وقعت
قبل الضاد؛ لأنَّ الشين أبعد منها من الضاد؛ لأنَّ الشين6
أشبهتها من جهة واحدة -وهو اتصالها بمخرجها بالتفشِّي الذي
فيها، كما7 تَقَدَّمَ- والضاد أشبهتها من وجهين. وهما8:
اتصالها بها بسبب الاستطالة، والآخر9
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 م: أشبهت.
2 م: أقوى.
3 سقط من م.
4 م: ثباتها.
5 سقط من م حتى "وقعت قبل".
6 م: السين.
7 سقط من م.
8 في النسختين: وهو.
9 سقط "الآخر" من النسختين، وألحقه أبو حيان بحاشية ف.
ص -446-
شبهها بالطاء والظاء بسبب الإطباق، كما
ذُكر.
وتبيينها قبل الضاد أحسنُ من تبيينها قبل الصاد والسين
والزاي؛ لأنَّ الضاد أبعد منها؛ لأنها لا تقاربها في
المخرج، وحروف الصفير تقاربها في المخرج.
وتبيينها قبل حروف الصفير أحسنُ من تبيين بعضها قبل بعض؛
لأنَّ بعضها أقربُ إلى بعض في المخرج من حروف الصفير
إليها.
وتبيين الطاء والدال والتاء، إذا وقعت قبل الظاء والثاء
والذال، أو وقعت الظاء والثاء والذال قبلها، أحسنُ من
تبيين الطاءِ والدالِ والتاءِ إذا وقع بعضها قبل بعض، و1
الظاءِ والثاء والذال إذا وقع بعضها قبل بعض؛ لأنَّ الظاء2
وأُختيها بعضُها أقربُ إلى بعض منها إلى الطاء3 وأُختيها،
وكذلك الطاء4 وأختاها بعضها أقرب إلى بعض منها إلى الظاء5
وأختيها.
وتبيين الظاء وأُختيها6، إذا وقع بعض منها قبل بعض، أحسن7
من تبيين الطاء وأُختيها إذا وقع بعض منها قبل بعض؛ لأنَّ
في الظاء وأُختيها رخاوة, فاللسان يتجافى عنهنّ؛ ألا ترى
أنك إذا وقفت عليهنّ رأيت طرف اللسان خارجًا عن أطراف
الثنايا، فكأنها خرجت عن حروف الفم إذ قاربت الشفتين؟8
والطاء وأُختاها ليست كذلك؛ ألا ترى أنَّ الأسنان العليا
منطبقة على الأسنان السفلى، واللسانُ من وراء ذلك9 فلم
يتجاوز الفم؟ والإدغام، كما تَقَدَّمَ، أصله أن يكون في
حروف الفم.
وإذا أُدغمت التاء والدال والثاء والذال10 في شيء، ممّا
تَقَدَّمَ أنهنَّ11 يدغمن فيه, قُلبت إلى جنسه. قال12:
ثارَ, فَضَجَّت ضَّجَّةً رَكائبُهْ
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 سقط من م حتى "بعضها قبل بعض".
2 م: الطاء.
3 م: الظاء.
4 م: الظاء.
5 م: الطاء.
6 ف: "وكذلك الظاء وأختاها". وفي الحاشية أن "تبيين" موضع
"كذلك" في إحدى النسخ. أثبت أبو حيان هذا. ولم يتنبه إلى
جر أختيها.
7 سقط من النسختين حتى "منها قبل بعض"، وألحقه أبو حيان
بحاشية ف.
8 م: السين.
9 سقط من م.
10 م: الياء والذال والثاء.
11 م: أيهن.
12 انظر ص438.
ص -447-
فقلب1 التاء ضادًا. وقال ابن مُقبل:
وكأنَّما اغتَبَقَت صَّبيرَ غَمامةٍ
بِعَرًا, تُصَفِّفُه الرِّياحُ, زُلالا2
فقلب التاء صادًا3.
وإذا أُدغمت الطاء والظاء في مُطبَق، مِثلَ أن يُدغما في
الصاد والضاد4، أو يُدغم5 أحدهما في الآخر، قُلب المدغم
إلى جنس ما يدغم فيه. وإذا أُدغما في غير [66ب] مُطبَق،
مِثلَ6 أن يُدغما في الدال والتاء, فالأفصح ألَّا يُقلبا
إلى جنس ما يُدغمان فيه بالجملة، بل يبقى الإطباق. وبعض
العرب يُذهب الإطباق.
وإذهاب الإطباق7 منهما، مع ما كان من غير المطبقات أَشبَهَ
بهما، أحسنُ من إذهابه مع ما لم يكن كذلك. فإذهاب الإطباق8
من الطاء مع الدال؛ لأنهما قد اجتمعا في الشِّدَّة، أحسن
من إذهابه مع التاء9؛ لأنها مهموسة. وإذهاب الإطباق من
الظاء10 مع الزاي؛ لأنهما مجهوران، أحسنُ من إذهابه مع
الثاء؛ لأنها مهموسة، وتمثيل الإدغام في ذلك بيِّن لا
يُحتاج إليه.
ولا يُدغم11 في الحروف المذكورة من غيرها إِلَّا اللام.
وقد تبيَّن ذلك في فصل اللام.
ثمَّ الصاد والسين والزاي: كلّ واحدة12 منهنّ تُدغم في
الأُخرى، لتقاربهنَّ في
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ف: فقلبت.
2 كذا. والبيت من قصيدة مجرورة الروي في ديوانه ص260،
وروايته: "زُلالِ". الكتاب 2: 419 واللسان والتاج "صفق"
و"عرو" و"قرح". واغتبقت: شربت عشيًّا. والصبير: ما تراكب
من السحاب. والعرا: الفناء أو المكان العاري. وتصفقه:
تضربه. والزلال: العذب الصافي البارد. وهو هنا صفة لصبير،
والصواب أن يكون للغمامة ولا يؤنث بالتاء. وصف امرأة بطيب
ماء الفم وبروده ورقته، فجعلها كالمغتبقة ماء غمامة في أرض
بارزة للرياح.
3 م: ضادًا.
4 ف: أو الضاد.
5 في النسختين: أو تدغم.
6 م: قبل.
7 ف: وإذهابه.
8 م: فإذهابه.
9 م: الياء.
10 م: الطاء.
11 سقط من م حتى "في فصل اللام". وهو تكرار لما مضى في
ص444.
12 م: واحد.
ص -448-
المخرج، واجتماعهنّ1 في الصَّفير.فإذا
قَلبتَ الأوَّل منهما إلى جنس الثاني قلبته إلى مقاربه2 في
المخرج وصفيريّ مثله، فلم يكن في الإدغام إخلال به. وسواء
كان الأوَّل متحرِّكًا أو ساكنًا. إِلَّا أنَّ الإدغام إذا
كان الأوَّل ساكنًا أحسنُ منه إذا كان الأوَّل متحرِّكًا؛
لأنه يلزم فيه تغييران: أحدهما تغيير الحرف بقلبه إلى جنس
ما يدغم فيه، والآخر تغييره بالإسكان. وإذا كان الأوَّل
ساكنًا لا يلزم فيه إِلَّا تغيير واحد. وهو قلب الأوَّل
حرفًا من جنس ما يُدغم فيه.
والإدغام أحسن فيهنّ3 من الإظهار؛ لأنهنّ4 من حروف طرف
اللسان والفم. والإدغام، كما تَقَدَّمَ, أصله أن يكون في
حروف الفم و[طرف] اللسان. وذلك نحو قولك: احبِس صّابرًا
وحَبَس صّابرٌ، واحبِس زَّيدًا وحَبَس زَّيدٌ5، وأَوجِز
صّابرًا وأَوجَز صّابرٌ، وأوجِز سَّلمةَ [وأوجَز
سَّلمةُ]6، وافحَص زَّردةَ وفَحَص زَّردةُ، وافحَص
سَّالِمًا وفَحَص سَّالِمٌ.
وإذا أَدغمتَ الصاد في الزاي أو في السين قلبتها حرفًا من
جنس ما أَدغمتها فيه، فتقلبها مع السين سينًا، ومع الزاي
زايًا7. إِلَّا أنك تُبقي الإطباق الذي8 في الصاد محافظة
عليه. وقد يجوز ترك الإطباق، حملًا على الأصل في الإدغام،
من أن تَقلِب9 الحرفَ إلى جنس ما يُدغم فيه البتَّة.
وإذهاب10 الإطباق منها مع السين أحسنُ من إذهابه مع الزاي؛
لأنَّ السين تُشاركها في الهمس، ولا11 تُخالفها الصاد
بأكثر من الإطباق.
وإذا أَدغمتها في الصاد قَلبتهما صادين12 البتَّة؛ لأنه
ليس في ذلك إخلال بهما. وكذلك إذا أَدغمتَ السينَ في
الزاي، والزايَ13 في السين, قلبتَ كلَّ واحدة منهما إلى
جنس ما يُدغم فيه البتَّة؛ لأنه ليس في ذلك إخلال.
ولا يُدغم شيء من هذه الصفيريَّات في شيء ممّا يقاربها من
الحروف؛ لأنَّ في ذلك إخلالًا
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 م: واجتماعها.
2 م: مقاربة.
3 م: فيها أحسن.
4 م: كون.
5 م: زيدًا.
6 من م.
7 في النسختين: ومع الصاد صادًا.
8 م: والذي.
9 م: ينقلب.
10 في حاشية ف بخط أبي حيان أن إحدى النسخ فيها: وترك
إذهاب.
11 م: في المهموس وليست.
12 م: صادًا.
13 م: أو الزاي.
ص -449-
بها؛ لأنها لو أُدغمت لقُلبت من جنس ما
تدغم1 فيه فيذهب الصفير. وهو فضلُ2 صوت في الحرف.
ويُدغم فيها من3 غيرها اللامُ -وقد تَقَدَّمَ ذلك في فصل
اللام- والطاء والدال والتاء والظاء والذال والثاء. وقد
تَقَدَّمَ ذلك4 في فصل الطاء وأخواتها.
ثمَّ الفاء: ولا تُدغم في مُقاربها؛ لأنَّ فيها تفشِّيًا.
فلو أدغمتها لذهب ذلك التفشِّي. ويُدغم فيها ممّا
يُقاربها5 الباءُ, فتقول: اذهَب فّي ذلك؛ لأنه ليس في ذلك
إخلال بالباء6, بل تقوية بقلبها حرفًا متفشِّيًا.
فأمَّا الميم7 والواو، وإن كانتا تقاربان الفاء8 في
المخرج؛ لأنهما من الشَّفتَين كالفاء، فلم تُدغما في
الفاء9؛ لأنَّ الميم فيها غُنَّة والواو فيها10 لِينٌ.
والغُنَّة واللِّين فضلُ صوت في الحرف. فلو أَدغمتَهما11
فيها لقلبتهما12 فاء، فتذهب الغُنَّةُ واللِّينُ، فيكون
ذلك إخلالًا بهما13.
ثمَّ الباء: وهي تُدغم في الفاء والميم14، لقربهما منها في
المخرج -وذلك نحو: اذهَب فّي ذلك واصحَب مَّطرًا- ولا
يُدغم15 فيها شيء، وسبب ذلك أنَّ الذي يُقاربها في المخرج
إنَّما هو الفاء والميم والواو: فأمَّا الفاء فلم تُدغم
فيها للعِلَّة التي تَقَدَّمَ ذكرها في فصل الفاء. وأمَّا
الميم والواو فلم تُدغما في الباء16 للعِلَّة التي مَنعتْ
من إدْغامِهما17 في الفاء. وأيضًا فإنِّ النون
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 م: ما يدغم.
2 م: فصل.
3 م: مع.
4 سقط من م.
5 م: من ما تقاربها.
6 م: بالياء.
7 ف: فالميم.
8 ف: تقاربانها.
9 ف: لم تدغم فيها.
10 م: وفي الواو.
11 م: أدغمتها.
12 م: لقلبتها.
13 ف: والغنة واللين فضل صوت في الحرف فكرهوا إذهابهما
بالإدغام في الفاء.
14 م: الميم والفاء.
15 م: ولا تدغم.
16 م: الياء.
17 في النسختين: إدغامها.
ص -450-
الساكنة تُقلب قبل الباء ميمًا. فإذا كانوا
يفرُّون من النون الساكنة إلى الميم قبل الباء1 فالأحرى أن
يُقِرُّوها إذا وجدوها.
ثمَّ الميم: ولا تُدغم في شيء ممّا يقاربها؛ لأنها إنَّما
يُقاربها في المخرج الفاء والباء والواو. وقد تَقَدَّمَ
ذكر السبب المانع من إدغام الميم في هذه الأحرف الثلاثة.
ولا يُدغم2 فيها إِلَّا النونُ -وقد تَقَدَّمَ ذلك في فصل
النون وأخواتها- والياء. وقد تَقَدَّمَ ذلك في فصل الياء
وأخواتها3.
ثمَّ الواو: وهي لا تُدغم [67أ] إِلَّا في الياء،
لاجتماعها معها في الإعلال واللِّين، ولا تُدغم4 في شيء
ممّا يُقاربها؛ لأنها5 حرف عِلَّة والمقارب لها حروف
صحَّة. وهي6 الميم والباء والفاء. وقد تَقَدَّمَ أنَّ حروف
العِلَّة لا تُدغم في حروف الصحَّة، وإعطاءُ السبب في
ذلك7. ولا يُدغم فيها من غيرها إِلَّا النون. وقد تقَدَّمَ
ذلك في فصلها8.
واعلم أنَّ الإدغام في المتقاربَينِ9 إنَّما يجوز إذا كانا
من كلمتين؛ لأنه لا يلتبس إذ ذاك بإدغام المِثلين؛ لأنَّ
الإدغام فيما هو من كلمتين لا يلزم، بل يجوز الإظهار فيكون
في ذلك بيانٌ للأصل. فإن اجتمع المتقاربان في كلمة واحدة
لم يجز الإدغام10 لِما في ذلك من اللَّبس بإدغام المِثلين؛
لأنَّ الإدغام في الكلمة الواحدة لازم. فإذا أدغمتَ لم يبق
ما يُستدلُّ به على الأصل؛ ألا ترى أنك لو أَدغمتَ النون
من أَنمُلَة في الميم11, فقلت "أَمُّلَة"، لم يُدرَ: هل
الأصل أنْمُلة أو12 "أمْمُلة"؟
ولأجل اللَّبس، الذي في إدغام المتقاربين من كلمة واحدة،
بيَّنتِ العربُ النونَ الساكنة، إذا
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ف: فإذا كانوا يفرون إليها.
2 م: ولا تدغم.
3 ف: إِلَّا النون والياء وقد تَقَدَّمَ في فصليهما.
4 م: ولا يدغم.
5 سقط من م حتى "حروف صحة".
6 م: وهو.
7 م: وقد تقدم ذكر السبب في ذلك.
8 أي: فصل النون. انظر ص440-441. م: في فصل النون و
أخواتها.
9 ف: إدغام أحد المتقاربين في الآخر.
10 كذا. وانظر في ص197 و453: امّحي.
11 م: في اللام.
12 م: أم.
ص -451-
وقعت قبل الميم أو الواو أو الياء1 في
كلمة، نحو: زُنْم2 [وأَنْمُلة]3 وقَنْواء4 وكُنْية5. ولم
تُخفِها كما6 تفعل بها مع سائر حروف الفم؛ لأنَّ الإخفاء
يُقرِّبها من الإدغام، فخافوا أن يلتبس الإخفاء بالإدغام،
فقلبوا لذلك.
ولذلك7 أيضًا لم يوجد في كلامهم نون ساكنة قبل راء أو لام
نحو: "عَنْل" و"قنْر", في كلمة واحدة8؛ لأنَّك إن بَيَّنت
ثَقُل لقرب النون من الراء واللام9, وإن أَدغمت التبس
بإدغام المِثلين.
إِلَّا أن يجتمع المتقاربان في "افتَعَلَ" أو "تَفَاعَلَ"
أو "تَفَعَّلَ"، نحو: اختَصَمَ وتَطَيَّرَ وتَطايَرَ، فإنه
يجوز الإدغام فيها10.والسبب في ذلك ما ذكرناه في إدغام
المِثلين11، من أنَّ التاء من هذه الأبنية الثلاثة
تَنزَّلت ممّا بعدها منزلةَ المنفصل؛ لأنه لا يلزم أن يكون
بعدها مثلها.وكذلك أيضًا لا يلزم أن يكون بعدها مقاربها
كما لا يلزم ذلك في الكلمتين. فلمَّا أشبهَ اجتماع
المُتقاربين فيها12 اجتماعهما في الكلمتين لم يلزم الإدغام
كما لا يلزم13 ذلك في الكلمتين، فأُمنَ التباس إدغام
المتقاربين في هذه الأبنية14 بإدغام المِثلين؛ لأنَّ
الإظهار يُبيِّنُ الأصل، كما كان ذلك في الكلمتين.
فإذا أردتَ الإدغام قلبتَ أحد المتقاربين إلى جنس الآخر،
على15 حسب ما أحكم في الفصول المتقدِّمة، ثمَّ أَدغمت.
فتقول في "تَطيَّرَ" و"تَدارأَ"16 إذا أردت الإدغام:
اطَّيَّرَ
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 سقط "أو الياء" من النسختين، وألحقه أبو حيان بحاشية ف.
2 زنم: جمع زنماء. وهي الشاة التي لها زنمة. م: رنم.
3 من م.
4 القنواء. المحدودبة الأنف.
5 سقط من النسختين وألحقه أبو حيان بحاشية ف.
6 سقط من م.
7 م: وكذلك.
8 سقط "في كلمة واحدة" من م.
9 ف: لقرب النون منهما.
10 م: فيهما.
11 في الورقة 59.
12 م: فيهما.
13 م: كما لم يلزم.
14 م: إدغام المتقاربين فيها.
15 يبدأ ههنا في م خط مغاير ويستمر حتى الخرم الذي سنشير
إليه في ص452 و455.
16 م: ندار.
ص -452-
وادَّارأَ1، فتَقلِبُ التاء2 حرفًا من جنس
ما بعدها وتسكِّنه بسبب الإدغام، ثمَّ تُدغم وتجتلب همزة
الوصل، إذ لا يمكن الابتداء بالساكن3.
وتقول في "اختَصمَ" إذا أردت الإدغام: خَصَّمَ، فتقلب
التاء صادًا وتسكِّنها بنقل حركتها إلى ما قبلَها ثمَّ
تُدغم. هذا في لغة من قال "قَتَّلَ" بفتح القاف والتاء.
ومن قال "قِتَّلَ" بفتح التاء4 وكسر القاف قال: خِصَّمَ,
بكسر الخاء وفتح5 الصاد. ومن6 قال: "قِتِّلَ" بكسرهما قال:
خِصِّمَ، بكسر الخاء والصاد, والعِلَّة في ذلك كالعِلَّة
في "قتَّل" وأمثاله.
وحكم اسم الفاعل والمفعول والمصدر والمضارع أن يكون مثلَه7
من "قتَّل" وأمثاله -وقد تقَدَّمَ- إذ ليس بين إدغام
التاء8 من هذه الأمثلة فيما بعدها، إذا9 كان مماثلًا لها،
وبين إدغامها فيه إذا كان مقاربًا لها فرق أكثر من أنك
تقلب التاء إلى10 جنس ما يقاربها، ولا تحتاج إلى ذلك إذا
أدغمتها في مثلها.
فإن قال قائل: فهلَّا أُجريت التاء من "استَفعَلَ" مُجرى
التاء من "افتَعَلَ" فأدغموها فيما يقاربها، كما فعلوا
بتاء "افتَعَلَ"؛ لأنها لا يلزمها أن تكون بعدها ما
يُماثلها11 ولا ما يُقاربها، كما لا يلزم ذلك بتاء
"افتَعَلَ". فالجواب أنَّ الذي منع من ذلك أنَّهم12 لو
أدغموا لاحتاجوا إلى تحريك السين كما احتاجوا إلى تحريك
فاء "افتَعَلَ". فكرهوا أن يحرِّكوا حرفًا لم تدخله الحركة
في موضع؛ لأنَّ السين لا تُزاد في الفعل إِلَّا ساكنة.
وأمَّا فاء "افتَعَلَ" فإنها قد كانت واسع".
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 م: "ادار". وانظر الكتاب 2: 425.
2 م: الياء.
3 م: بساكن.
4 م: القاف.
5 سقط من م.
6 سقط حتى "بكسر الخاء والصاد" من م.
7 انظر الورقتين 59 و60. م: واسم الفاعل والمفعول والمصدر
والمضارع الحكم في جميع ذلك كالحكم فيه.
8 م: الياء.
9 م: إذ.
10 م: من.
11 يبدأ ههنا خرم في م وينتهي بمستهل الباب التالي. انظر
ص455.
12 في حاشية ف بخط أبي حيان أن ابن مالك علق على هذا بما
يلي: "الوجه أن يقال: ما بعد التاء هنا يسكن نحو: استثنَى
واستصلحَ. ولا يدغم متحرِّك في ساكن حشوًا. ولا يتحرَّك ما
بعدها إِلَّا بحركة عارضة، منقولة مما بعده، لإدغام أو
إعلال نحو: استتبَّ واستطارَ. فإن شئت قلت: لمَّا كان
الأكثر والأصل السكون، ولا يصحّ فيه الإدغام, حُمل هذا
عليه. فإن شئت قلت: لَمَّا كانت الحركة عارضة [لم] تُعتبر.
وما ذكر لا يظهر؛ لأنه مصادرة على المطلوب؛ لأنه لا مانع
من تحرُّكها إِلَّا عدم المسوّغ. وهنا المسوّغ، إِلَّا
أنَّ الحركة منقولة، فهي كجَيَلٍ وضوٍ والحَمرِ، لَمَّا
كانت منقولة لم تعتبر كما أنه لم تحذف الهمزة في الحَمر.
وهذا الباب
ص -453-
متحرِّكة قبل لحاق الفعل الزيادة، فلم
تُكره الحركة فيها لذلك؛ ألا ترى أنَّ الخاءَ من
"اختَصَمَ" متحرِّكة في "خَصِمَ".
ولأجل1 تعذّر الإدغام شَذَّ بعضهم، فحذف التاء من
"يَستَطِيعُ" لمَّا استثقل اجتماع المتقاربين، فقال:
يَسطِيعُ.
وكذلك أيضًا يجوز الإدغام في المتقاربين، وإن كانا في كلمة
واحدة، إذا كان بناء الكلمة مبيِّنًا أنَّ الإدغام لا يمكن
أن يكون من قَبيل إدغام المِثلين. وذلك نحو: "انفَعَلَ" من
المحو. فإنك تقول فيه: امَّحَى؛ لأنه لا يمكن أن يكون من
قبيل إدغام المِثلين؛ لأنه [67ب] ليس في الكلام
"افَّعَلَ"، فعُلم أنه "انمَحَى" في الأصل.
فهذا جميع ما يجوز فيه إدغام المتقاربين، ممّا هو في كلمة
واحدة، إِلَّا ما شَذَّ من خلاف ذلك، فيُحفظ ولا يقاس
عليه. فمن ذلك2: سِتٌّ ووَدٌّ وعِدَّانٌ.
أمَّا سِتٌّ فأصلها "سِدْسٌ"، بدليل قولهم في الجمع:
أَسداسٌ، فأبدلوا من السين تاء؛ لأنَّ السين مضعَّفة وليس
بينهما حاجز إِلَّا الدال، وهي ليست بحاجز قويٍّ لسكونها.
وأيضًا فإنَّ مخرجها من أقرب المخارج إلى مخرج السين،
فكأنه قد اجتمع فيه ثلاث سينات. وكرهوا إدغام الدال في
السين؛ لأنهم لو فعلوا ذلك لقالوا: "سِسٌّ"، فيزداد اللفظ
سينًا. فأبدلوا من السين حرفًا يقرب منها ومن الدال -وهو
التاء- لأنَّ التاء تقارب الدالَ في المخرج والسينَ في
الهمس، فقالوا: "سِدْتٌ".
فكرهوا أيضًا اجتماع الدال ساكنة مع التاء، لِما بينهما من
التقارب [حتَّى] كأنهما مِثلان، مع أنَّ الكلمة قد كثُرَ
استعمالها، فيه مستدعية للتخفيف من أجل ذلك. فأدغموا الدال
في التاء، ليخفَّ اللفظ، فقالوا: سِتٌّ.
وأمَّا3 وَدٌّ وعِدَّانٌ فأصلهما: وَتِدٌ وعِتْدانٌ جمع
عَتُود4. فاستثقلوا في عِتدان اجتماع التاء الساكنة مع
الدال، للتقارب الذي بينهما حتَّى كأنهما مِثلان، ليس
بينهما حاجز كما تقَدَّمَ. وكذلك أيضًا وَتِدٌ لَمَّا سكنت
التاء في لغة بني تميم، كما يقولون في فَخِذ: فَخْذ،
اجتمعت التاء ساكنة مع الدال، فاستثقلوا ذلك كما استثقلوا
في عِتْدانٍ البيان5 حين أدغموا فقالوا: عِدَّانٌ،
والبيانُ فيه جائز. ولو كانت التاء متحرِّكة لم تُدغَم؛
لأنَّ الحركة في النيَّة بعد الحرف, فتجيء
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 سقط حتى قوله: "يسطيع" من المتن، وألحقه أبو حيان
بالحاشية.
2 في الحاشية بخط أبي حيان أن إحدى النسخ فيها موضع "فمن
ذلك": "والذي شذَّ من خلاف ذلك".
3 شرح الشافية 3: 268-269.
4 سقط "جمع عتود" من المتن، وألحقه أبو حيان بالحاشية.
والعتود: الجذع من أولاد المعز.
5 سقط من المتن حتى "فيه جائز"، وألحقه أبو حيان بالحاشية.
ص -454-
فاصلة بينهما.
وممّا يبيِّن استثقالهم التاء ساكنة قبل الدال اجتنابُهم1
وَتْدًا ووَطْدًا في مصدر: وَتَدَ ووَطَدَ، وعُدُولُهم عن
ذلك إلى تِدَة وطِدَة، كعِدَة.
فإن كان الثاني من المتقاربين2 ساكنًا بُيِّنا ولم يجزِ
الإدغام. وقد شذَّت العرب في شيء من ذلك، فحذفوا أحد
المتقاربين، لَمَّا تعذَّر التخفيف بالإدغام؛ لأنه يؤدِّي
إلى اجتماع ساكنين؛ لأنه لا يُدغم الأوَّل في الثاني حتَّى
يسكن كما تَقَدَّمَ، فقالوا: بَلْحارِثِ3 وبَلْعَنبَرِ
وبَلْهُجَيمِ4، في بني الحارثِ وبني العنبر وبني
الهُجَيمِ5. وكذلك يفعلون في كلِّ قبيلة ظهر فيها لام
المعرفة نحو: بَلْهُجَيمِ6 وبَلْقَينِ، في بني الهُجَيمِ6
وبني القَينِ. فإن لم تظهر فيها لام المعرفة لم يحذفوا،
نحو: بني النَّجَّار وبني النَّمِر وبني التَّيم، لئلَّا
يجتمع عليه علَّتانِ: الإدغام والحذف.
وذلك أنه لَمَّا حُذفت الياء من "بني" لالتقائها ساكنة مع
لام التعريف اجتمعت النون مع اللام -وهما متقاربان- فكُره
اجتماعهما لِما في ذلك من الثقل، مع أنه قد كثر استعمالهم
لذلك -وكثرة الاستعمال مدعاة للتخفيف- فخفَّفوا بالحذف، إذ
لا يمكن التخفيف بالإدغام.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 أي: اجتناب بني تميم.
2 يريد: من المتقاربين في كلمة واحدة أو كلمتين.
3 في الحاشية بخط أبي حيان أن ابن مالك علق على هذا بما
يلي: "ليس هذا موضع بلحارث؛ لأنه من كلمتين". قلت: ولم يخص
ابن عصفور هذه الفقرة بالإدغام أو التخفيف في كلمة واحدة
دونه في كلمتين، وإن كان ظاهر النصِّ قد يوهم بذلك. وانظر
التعليقة المتقدمة.
4 سقط من المتن وألحق بالحاشية.
5 زاد أبو حيان في حاشية ف قوله: "وحذفوا نون "مِن" مع لام
التعريف فقالوا: مِلْمالِ". وقد سقط "وبني الهجيم وكذلك...
الإدغام والحذف" من المتن وألحقه أبو حيان بالحاشية.
6 كذا، بتكراره مع ذكره قبل.
ص -455-
ما أدغمته القراء على غير قياس:
يُذكر فيه ما أدغمتْه القُرَّاءُ، ممّا ذُكر أنه
لا يجوز1 إدغامه. فمن ذلك قراءة أبي عمرو: "الرُّعْب
بِّما"2 بإدغام باء "الرُّعب" في الباء التي بعدها، مع
أنَّ قبل الباء حرفًا ساكنًا صحيحًا، وقد تقَدَّمَ أنه لا
يجوز عند البصريِّين3، وحملوا قراءة أبي عمرو على الإخفاء.
وقد تقَدَّمَ أنَّ الإخفاء4 يُسمَّى إدغامًا.
ومن ذلك قراءته: "مَريَم بُّهتانًا"5 و"بأعلَم
بِّالشَّاكِرِينَ"6 و"لِكَيلا يَعلَم بَّعدَ عِلمٍ
شَيئًا"7 وأمثالَ ذلك، بإدغام الميم في الباء. وقد
تَقَدَّمَ أنَّ الميم من الحروف التي لا تدغم في مقاربها.
وينبغي8 أن يُحمل ذلك على الإخفاء. وعلى ذلك كان يتأوَّله
أبو بكر بن مجاهد, رحمه الله9. وينبغي أن يكون الإدغام في
ذلك محفوظًا عن أبي عمرو. ويُحكى عن البصريِّين أنَّ أبا
عمرو كان يختلس الحركة في ذلك، فيرى من يسمعه ممَّن لا
يضبط سمعُه أنه أسكن الحرف الأوَّل، وإن كان لم يُسكِن.
ومن ذلك إدغام الكسائيِّ وحده الفاء من: "نَخْسِف
بِّهِم"10 في الباء. وقد تَقَدَّمَ أنها من الحروف التي لا
تُدغَم في مقاربها، ولا يُحفظ ذلك من كلامهم. وهو مع ذلك
ضعيف في
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ينتهي ههنا الخرم في م ويعود الخط المغاير.
2 الآية 151 من سورة آل عمران. م: والرعب بما.
3 كذا. ولم يتقدم شيء من هذا. انظر ص414.
4 انظر ص454 وسر الصناعة 1: 64-68.
5 الآية 156 من سورة النساء.
6 الآية 53 من سورة الأنعام. وفي النسختين. أعلم
بالشاكرين.
7 الآية 70 من سورة النحل.
8 زاد في م: أيضًا.
9 م: "رحمة الله عليه". وأبو بكر هو: أحمد بن موسى التميمي
الحافظ البغدادي، شيخ القرَّاءِ وأوَّل من صنف في القراءات
السبع. توفي سنة 234. غاية النهاية 1: 139.
10 الآية 9 من سورة سبأ. م: ردف بهم.
ص -456-
القياس، لِما فيه من إذهاب التفشِّي الذي
في الفاء.
ومن ذلك ما1 رُوي عن ابن كَثير من إدغام التاء التي في
أوَّل [الفعل]2 المستقبل في تاء بعدها في أحرف كثيرة، منها
ما فيه3 قبلها متحرِّك، ومنها ما فيه4 قبلها ساكن من حروف
المدِّ واللِّين ومن5 غيرها. فأمَّا ما قبله متحرِّك فنحو
قوله: "فتَّفَرَّقَ بِكُم"6 و"هِيَ تَّلَقَّفُ"7. وأمَّا
ما كان قبله ساكن من حروف المدِّ واللِّين فقوله تعالى8:
"ولا تَّيَمَّمُوا9 الخَبِيثَ"10 و"لا تَّفَرَّقُوا"11
و"لا تَّنازَعُوا"12. وأمَّا ما كان قبله ساكن من غير حروف
المدِّ واللِّين فقوله تعالى: "فإِن تَّوَلَّوا"13 و"إذ
تَّلَقَّونَهُ"14.
وقد تقَدَّمَ أنَّ سيبويه15 لا يجيز إسكان هذه التاء في
"تَتَكلَّمون" ونحوه؛ لأنها إذا سُكِّنت احتيج لها ألف
[68أ] وصل، وألفُ الوصل لا تَلحق الفعل المضارع. فإذا
اتَّصلت بما قبلها جاز؛ لأنه لا يُحتاج إلى همزة وصل.
إِلَّا أنَّ مثل "فإِن16 تَّوَلَّوا" و"إذ تَّلَقَّونَهُ"
لا يجوز عند البصريِّين، على حال، لِما في ذلك من الجمع
بين الساكنين، وليس الساكن الأوَّل حرفَ مدٍّ ولِين.
ومن ذلك قراءة أبي عمرو: "والحَرْث ذّلِكَ"17 بإدغام
الثاء18 في الذال وما قبلها ساكنٌ صحيح. ولكن يَتخرَّج على
مثل ما تَقَدَّمَ من الإخفاء.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 م: ومن ذلك قوله.
2 من م.
3 سقط من النسختين، وألحقه أبو حيان بحاشية ف.
4 سقط من النسختين، وألحقه أبو حيان بحاشية ف.
5 ينتهي ههنا الخط المغاير في م.
6 الآية 153 من سورة الأنعام.
7 الآية 117 من سورة الأعراف والآية 45 من سورة الشعراء.
8 سقط "فقوله تعالى" من م.
9 م: ولا تمموا.
10 الآية من 267 من سورة البقرة.
11 الآية 103 من سورة آل عمران والآية 13 من سورة الشورى.
12 الآية 46 من سورة الأنفال.
13 الآيات: 32 من سورة آل عمران و57 من سورة هود و54 من
سورة النور.
14 الآية 5 من سورة النور.
15 الكتاب 2: 426. ولم يتقدم ما ذكر. انظر ص406.
16 في النسختين: إن.
17 الآية 14 من سورة الأنعام.
18 م: الثاني.
ص -457-
ومن ذلك ما رَوى اليزيديُّ عن أبي عمرو، من
إدغام الجيم في التاء في مثل1: "ذِي المَعارِج تَّعرُجُ"،
وسيبويه2 لم يذكر إدغامها إِلَّا في الشين خاصَّة. فينبغي
أن يُحمل ذلك على إِخفاء الحركة أيضًا.
ومن ذلك إدغام أبي عمرو الحاء في العين من قوله تعالى3:
"فمَن زُحْزِح عَّنِ النَّارِ" في إحدى الروايتين. وذلك
أنَّ اليزيديُّ روى عنه أنه لم يكن يدغم الحاء في العين
إِلَّا في قوله تعالى: "فَمن زُحْزِح عَّنِ النّارِ".
وروَى عنه أنه قال: مِن العرب مَن يُدغِم الحاء في العين,
كقوله تعالى: "فمَن زُحزِح عَّنِ النَّارِ". قال: وكان أبو
عمرو لا يرى ذلك. والصحيح أنَّ إِدغام الحاء في العين لم
يثبت. وإن جاء من ذلك ما يوهم أنه إدغام فإنَّما يُحمل على
الإخفاء.
ومن ذلك قراءة أبي عمرو: "ولا تَنقُضُوا الأيمانَ بَعْد
تَّوكِيدِها"4 بإدغام الدال في التاء، فينبغي أن يُحمل ذلك
أيضًا على الإخفاء.
وعلى ذلك أيضًا ينبغي أن تُحمل قراءته: "مِن بَعْد
ضَّرَّاءَ مَسَّتْهُ"5 و"مِن بَعْد ضَّعفٍ"6 و"المَهْد
صَّبيًّا"7، على أنه أخفى8 حركة الدال في جميع ذلك ولم
يُدغِم.
ومثل ذلك أيضًا قراءته: "شَهْر رَّمَضانَ"9 و"عَتَوا عَن
أَمْر رَّبِّهِم"10 و"ذِكْر رَّحْمَةِ"11 و"البَحْر
رَّهْوًا"12، أَخفى13 حركة الراء الأولى في جميع ذلك ولم
يُدغِم.
ومن ذلك ما رُوي عن يعقوب الحضرميِّ من إدغام الراء14 في
اللام15. وكذلك أيضًا
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 الآيتان 3، 4 من سورة المعارج.
2 الكتاب 2: 414.
3 الآية 185 من سورة آل عمران.
4 الآية 91 من سورة النحل.
5 الآية 50 من سورة فصلت.
6 الآية 54 من سورة الروم.
7 الآية 29 من سورة مريم.
8 في النسختين: إخفاء.
9 الآية 158 من سورة البقرة.
10 الآية 77 من سورة الأعراف.
11 الآية 2 من سورة مريم.
12 الآية 24 من سورة الدخان.
13 م: خفى.
14 علق عليه في حاشية ف بنص اخترم بعضه.
15 بعده في ف: "في جميع ذلك". وصوابه: "وكذلك" كما في م.
ويعقوب الحضرمي هو أحد القراء العشرة وإمام أهل البصرة
ومقرئها، توفي سنة 205. غاية النهاية 2: 386.
ص -458-
روى أبو بكر1 بنُ مجاهدٍ عن أبي عمرو أنه
كان يُدغِم الراء2 في اللام، متحرِّكةً كانت الراء أو
ساكنة، نحو: "فاغفِر لَّنا"3 و"استَغفِر لَّهُم"4
و"يَغْفِر لَّكُم". فإن سَكَنَ ما قبل الراء أدغمها في
اللام في موضع الرفع والخفض نحو: "حِينٌ مِنَ الدَّهْر
لَّم يَكُنْ"5. ولا يُدغِم إذا كانت الراء مفتوحة كقوله:
{مِنْ مِصْرَ لِامْرَأَتِهِ}6
و{الذِّكْرَ لِتُبَيِّن}7
وأمثال ذلك.
وفصلُه بين الراء المفتوحة وغيرها إذا سكن ما قبلها دليل
على أنَّ ذلك ليس بإدغام، وإنَّما هو رَومٌ لا إِدغام،
والرَّوم لا يُتصوَّرُ في المفتوح8 وهذا مخالف لما ذكره
سيبويه9 من أنَّ الراء لا تُدغَم في مقاربها لما فيها من
التكرار. وهو القياس. ولم يحفظ سيبويه الإدغام في ذلك.
وروى أبو بكر بن مجاهد عن أحمد بن يحيى عن أصحابه عن
الفرَّاء أنه قال: كان أبو عمرو يروي عن العرب إدغام الراء
في اللام. وقد أجازه الكسائيُّ أيضًا، وله وُجَيه من
القياس. وهو أنَّ الراء إذا أُدغمَت في اللام صارت لامًا,
ولفظُ اللام أسهل من الراء لعدم التكرار10 فيها، وإذا لم
تُدغَم الراءُ كان في ذلك ثقل؛ لأنَّ الراء فيها تكرار
فكأنها راءانِ، واللامُ قريبة من الراء، فتصير كأنك قد
أتيت بثلاثة أحرف من جنس واحد.
ومن ذلك قراءة أبي عمرو: "الشَّمْس11 سَّراجًا"12 بإدغام
السين في السين، و"لِبَعْض شَّأنِهِم"13 بإدغام الضاد في
الشين، و"نَحْن لَّهُ مُسلِمُونَ"14 بإدغام النون في
اللام، و"مِن
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ف: "روي عن أبي بكر". وفي حاشيتها: روى أبو بكر.
2 في حاشية ف بخط أبي حيان أنَّ إدغام الراء في اللام
إظهارها مثل ما ذكره ابن عصفور، إِلَّا ما روي عنه من
إظهار الراء الساكنة، وأنَّ الخليل وسيبويه لا يجيزان
إدغام الراء ف اللام، وأجازه الكسائي والرؤاسي والفراء
حكاية عن العرب، وكذلك أبو عمرو وتابعه يعقوب الحضرمي.
3 الآيتان 147 من سورة آل عمران و10 من سورة الحشر.
4 الآية 80 من سورة التوبة.
5 الآية 1 من سورة الإنسان.
6 الآية 21 من سورة يوسف.
7 الآية 44 من سورة النمل. ف: ليبين.
8 في حاشية ف بخط أبي حيان أن ابن مالك علق على هذا بما
يلي: "غير صحيح. الروم يكون في المفتوح, وإنَّما يمتنع منه
الإشمام. وصوابه: لا يكون فيه إخفاء واختلاس؛ لأنَّ الفتحة
خفيفة. فإن كان أراد هذا فلم يعبر بالمألوف".
9 الكتاب 2: 412.
10 في حاشية ف بخط أبي حيان أن ابن مالك علق عليه بما يلي:
"عدم التكرار هو الذي أوجب ترك الإدغام؛ لأنَّ الأصل أنَّ
كل حرف فيه زيادة يؤدِّي الإدغام إلى إذهابها فإدغامه
ممتنع". وانظر ص444.
11 في النسختين: والشمس.
12 الآية 16 من سورة نوح.
13 الآية 62 من سورة النور.
14 الآيات: 133 و136 من سورة البقرة و84 من سورة آل عمران
و64 من سورة العنكبوت.
ص -459-
خِزْي يَّومَئذٍ"1 و"فهْي يَّومَئذٍ"2
بإدغام الياء في الياء. جميع ذلك ينبغي أن يحمل على
الإخفاء، لِما في الإدغام من الجمع بين ساكنين، وليس
الأوَّل3 حرف مدٍّ ولِين. وأيضًا فإنَّ الضاد لا تُدغَم في
الشين.
وأمَّا "واشتَعَلَ الرَّأْس شَّيبًا"4، بإدغام السين في
الشين5، فإنَّ الرواية عن أبي عمرو اختلفت في ذلك: فمنهم
من روى أنه أَدغم، ومنهم من روى أنه منع. والذي عليه
البصريُّون أنَّ إدغام السين في الشين لا يجوز. وأيضًا
فإنَّ الإدغام يؤدِّي إلى الجمع بين ساكنين، وليس [قبل]
الأوَّل حرف مدٍّ ولِينٍ.
ومن ذلك ما رُوي عنه من أنه قرأ: "إِلهَه هَّواهُ"6
وأمثالَه بإدغام الهاء في الهاء، وبين الهاءين7 فاصل -وهو8
الواو التي هي صلة الضمير- فحَذفَ الصِّلَة وأَدغم.
وإدغام9 هذا مخالف للقياس؛ لأنَّ هذه الواو إنَّما تُحذف
في الوقف، وأمَّا في الوصل فتثبت. وأنت10 إذا أَدغمتَ في
حال وصل فينبغي ألَّا تَحذفها. وإذا لم تَحذفها لم يمكن
الإدغام. لكن وجه ذلك أمران:
أحدهما11: تشبيه الإدغام بالوقف، في أنَّ الإدغام يوجب
التسكين للأوَّل كما أنَّ الوقف يوجب له ذلك. فحَذَف
الواو12 في الإدغام على حدِّ حذفها في الوقف، فساغ
الإدغام.
والآخر: أن يكون حذف الواو في الوصل كما حذفها [68ب]
الشاعر في قوله، أنشده الفرَّاء13:
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 الآية 66 من سورة هود.
2 الآية 16 من سورة الحاقة. وسقطت من م؛ لأنَّ الهاء قبل
الياء لا يلزمها السكون.
3 ف: في الأول.
4 الآية 4 من سورة مريم.
5 م: في السين.
6 الآية 43 من سورة الفرقان والآية 23 من سورة الجاثية.
7 ف: بين الهاء والهاء.
8 م: وهي.
9 سقط "وإدغام" من م.
10 ف: وأما.
11 سقط "أمران أحدهما" من النسختين، وألحقه أبو حيان
بحاشية ف.
12 في حاشية ف بخط أبي حيان أنَّ ابن مالك علق عليه بما
يلي: "هذا خطأ بيِّنٌ؛ لأنَّ الإدغام كيف يسبب الحذف، وهو
لا يكون إِلَّا بعد الحذف؟"
13 الصحاح واللسان والتاج "غطي" والإنصاف ص518. والمغطي:
المستور لذلته. والمجتلي، النابه الذكر المحمود الأثر.
ص -460-
أنا ابنُ كِلابٍ وابنُ أوسٍ, فمَن يَكُنْ
قِناعُهُ مَغْطِيًّا
فإِنِّي لَمُجتَلِي
فلمَّا حذف الواو أدغم. والأوَّل أحسن؛ لأنَّ
حذف الواو وصلًا في مثل هذا ضرورة. |