الممتع الكبير في التصريف

ص -463-      بَاب: مَا قِيسَ مِنَ الصَّحيح عَلىَ صَحيح مِثْله وَمَا قِيسَ مِنَ المُعتَلِّ عَلىَ نظيرهِ مِنَ الصَّحيح
هذا الباب نُبيِّن1 فيه كيفيَّة بنائك من الكلمة مثلَ نظائرها2. فإذا قيل لك: ابنِ من كذا مثلَ كذا، فإنَّما معناه: فُكَّ صيغةَ هذه3 الكلمة، وصُغ4 من حروفها الأمثلة التي قد سئلت أن تبني مثلها, بأن تضعَ الأصلَ في مقابلة الأصل، والزائدَ في مقابلة الزائد إن كان في الكلمة التي تَبني5 مثلَها زوائدُ، والمتحرِّكَ في مقابلة المتحرِّك، والساكنَ في مقابلة الساكن، وتجعلَ حركاتِ المبنيِّ على حَسَب حركات المبنيّ مثلُه الذي صيغ عليه، مِن ضمٍّ أو فتح أو كسر، على ما يُبيَّن بعدُ6، إن شاء الله تعالى.
وللنحويِّين في هذا الباب ثلاثة مذاهب: منهم من ذهب إلى أنه لا يجوز شيء من7 ذلك، وأنَّ ما يصنع8 من ذلك فإنَّما القصد به أن يُبيَّن أنه لو كان من كلام العرب، كيف كان يكون حكمه. ومنهم من ذهب إلى أنَّ ذلك جائز9 على كلِّ حال. ومنهم من فصَّل فقال: إن كانت العرب10 قد فعلتْ مثل ما فعلتَه من البناء، وكثُرَ ذلك في كلامها واطَّردَ، جاز لك ذلك. وإِلَّا لم يجز.
فالذي مَنع من ذلك جملةً حجَّتُه أنَّ في ذلك ارتجالًا11 للُّغة؛ ألا ترى أنه، إذا بَنى من

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ف: "يتبين". وانظر شرح الشافية 3: 294.
2 م: على مثل نظيرها.
3 م: فله صيغة منها.
4 في النسختين: "وضع". والتصويب من المبدع.
5 سقط "التي تبني" من م.
6 سقط من م.
7 م: لا يجوز بشيء نص.
8 م: ما يضع.
9 م: جاز.
10 سقط من م.
11 م: "ارتجال". وفي حاشية ف أن في إحدى النسخ: انتحالًا.

 

ص -464-      الضَّرْب مثل جَعفَر، فقال: "ضَرْبَبٌ"، قد أحدث لفظًا ليس من كلام العرب؟ والذي يجيز ذلك1 حجَّتُه أنَّ العرب قد أدخلت2 في كلامها الألفاظ الأعجميَّة كثيرًا، ولم تمتنع من شيء من ذلك. وسواء كان بناء اللفظ الأعجميِّ3 مثل بناءٍ من أبنية كلامهم، أو لم يكن نحو: إِبراهيم ومَرْزَنجُوش4 وأشباه ذلك. فقاس على ذلك إِدخال هذه الأبنية المصنوعة في كلامهم، وإن5 لم تكن منه.
وذلك باطل؛ لأنَّ العرب إذا أدخلت اللفظ العجميَّ في كلامها6 لم يرجع بذلك عربيًّا، بل تكون قد تكلَّمت بلغة غيرها. وإذا تكلَّمنا نحن بهذه الألفاظ المصنوعة كان تكلُّمنا بما لا يرجع إلى لغة من اللغات7.
والذي فصَّل حجَّتُه أنَّ العرب إذا فعلت مثل ذلك باطِّراد كان هذا الذي صنعناه نحن لاحقًا به، ومحكومًا له بأنه عربيٌّ؛ لأنه على قياس كلام العرب8. فإن لم تفعلِ العرب مثله، أو فعلته بغير اطِّراد، لم يجز لأنه ليس له ما يقاس عليه. فإذا بنينا9 من الضرب مثل جَعْفَر فقلنا: "ضَرْبَبٌ"، كان "ضَرْبَبٌ" عربيًّا. وجاز لنا التكلُّم به في النظم والنثر؛ لأنَّ العرب قد ألحقتِ الثُّلاثيَّ بالرباعيِّ بالتضعيف كثيرًا، نحو: قَرْدَد10 ومَهْدَد11 ومَحْبَب12 وعُنْدَد13 ورِمْدِد14 وأمثال ذلك. إذ لا فرق بين قياس الألفاظ على الألفاظ وبين قياس الأحكام على الأحكام.
ألا ترى أنك تقول: طابَ الخُشكُنانُ15، فترفعه إذا كان فاعلا16 وإن لم تَسمَعِ العربَ

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 م: والذي يميز فله.
2 م: أخلَّت.
3 م: الأحمر.
4 المرزنجوش: نبت.
5 م: فإن.
6 م: كلامهم.
7 انظرالاقتراح ص13.
8 م: على قياس كلامهم.
9 م: بنيا.
10 القردد: ما ارتفع وغلظ من الأرض.
11 مهدد: اسم امرأة.
12 محبب: اسم رجل.
13 في حاشية ف: أبو زيد: مالي عنه عندد ومعلندد أي: بدّ.
14 الرمدد: الرماد الكثير الدقيق جدًّا.
15 الخشكنان: ضرب من الطعام.
16 سقط من م.

 

ص -465-      رَفعتْه، بل لم نسمع1 العرب تكلَّمت به أصلًا. لكن لَمَّا رفعَتْ نظائره من الفاعلينَ قستَه عليها فرفعتَه؟ فكما لا شكَّ في جواز ذلك، فكذلك لا ينبغي أن يُشكَّ في بناء مثل "جَعْفَر" من "الضَّرب" أو غيره، ممّا له في كلامهم نظير باطِّراد.
وينبغي أن تعلم أنه لا يجوز إِلَّا أن تكون الأُصول من حروف الكلمة، التي يُبنى منها مثلُ غيرها، مساويةً لأُصول2 المبنيِّ مثلُه أو أقلَّ. وأمَّا أن تكون أكثر فلا. فيجوز3 أن تبني من سَفَرجَل مثل: عَضْرَفُوط4، فتقول5: "سَفْرَجُولٌ"؛ لأنَّ الأُصول منهما متَّفقة؛ ألا ترى أنَّ كلَّ واحدٍ منهما أُصوله6 خمسة؟ وتقول في مثل جَعْفَر من الضَّرْب: "ضَرْبَبٌ"؛ لأنَّ أُصول الضرب أقلُّ من أُصول "جَعفر".
ولا يجوز أن تَبني من سَفَرْجَل مثل عَنكبوت؛ لأنَّ الأُصول من عنكبوت أربعة ومن سفرجل خمسة، فأنت إذا بنيتَ منه مثل عنكبوت احتجتَ إلى7 حذفِ حرف من الأصل، فلا يصل8 إلى أن يكون مثله إِلَّا بحذف حرف، وحذفُ حرف من الأصل لا يجوز بقياس. وأيضًا فإنه، وإن كان محذوفًا، منويّ9 مراد. وإذا كان كذلك كان بالضرورة أكثر أُصولًا من الذي يُبنى عليه، فلا يحصل التوافق.
وينبغي أن تعلم10 أنه لا يجوز أن يدخل البناء إِلَّا فيما يدخله الاشتقاق والتصريف. فإن بنيتَ مِمَّا لا يدخله اشتقاق ولا تصريف، مثلَ أن تبني من الهمزة مثلًَا مثل: سَفرجل أو غير ذلك، فإنَّما ذلك على طريق أنْ، لو جاء، كيف11 يكون حكمه، لا لأنَّ [69أ] تُلحقه بكلام العرب؛ لأنَّ العرب لا تتصرَّف في مثل الهمزة.
فينبغي أن تُجعل مسائل هذا الباب على قسمين:
قسم يُبنى مِمَّا يجوز التصرُّف فيه.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
10 سقط "العرب رفعته بل لم نسمع" من م.
2 م: "للأصل". ف: "للأصول". والتصويب من المبدع.
3 م: فلا يجوز.
4 العضرفوط: ذكر العظاء.
5 م: فنقول.
6 م: أصول.
7 سقط من م.
8 سقط حتى قوله: "حرف من الأصل" من م.
9 م: منهن.
10 م: يعلم.
11 م: أو لو جاء فكيف.

 

ص -466-      وقسم يُبنى مِمَّا لا يجوز ذلك فيه.
فالذي يُبنى مِمَّا يجوز التصرُّف فيه لا يخلو من أن يُبنى مِمَّا أُصوله كلُّها صحاح، أو مِمَّا هو معتلُّ اللام خاصَّةً، أو العينِ خاصَّةً، أو الفاءِ خاصَّةًَ، أو العينِ واللامِ، أو الفاءِ واللامِ، أو من مهموز، أو مضعَّف. فأمَّا ما أُصوله كلُّها معتلَّة فلم يجئ منه إِلَّا "واو" خاصَّةً. وما اعتلَّت عينه وفاؤه لم يجئ منه فِعل، بل جاء في أسماء قليلة نحو: وَيل ويَوم وأَوَّل. فلمَّا لم تتصرَّف فيها العرب لذلك لم يحسن لنا أن نبني منها، ونتصرَّفَ فيها. وأمَّا المعتلُّ الفاء واللام فلم يكثر منه إِلَّا ما فاؤه واو ولامه ياء، نحو: وَقَيتُ1. فإذا بُني من2 مثل هذا شيء جاز، لتصرُّف العرب فيه.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 م: وفيت.
2 سقط من م.

 

ص -467-      مسائل من الصحيح:
فإذا قيل لك: ابنِ من الضَّربِ مثل دِرهَم قلتَ: "ضِرْبَتٌ". فتجعل الأصل في مقابلة الأصل، فإذا فَنِيَت1 أُصولُ الضرب كرَّرتَ اللام. وكذلك إن قيل لك: ابنِ منه مثل: فُلْفُل قلت: "ضُرْبُبٌ". ومثال فِطَحْل2: "ضِرَبٌّ"3، فتُدغِم الباء الأُولى في الثانية لسكونها. ولا تُدغِم في شيء4 مِمَّا تَقَدَّمَ؛ لأنك لو أدغمت لاحتجت إلى تسكين الأوَّل فيتغيَّر البناء عمَّا أُلحق به، وهذا مَقيس5؛ لأنه قد كثر وجوده في كلامهم.
فإن قيل لك: ابنِ من الضَّرْب مثل جَعْفَر بالياء أو بالواو، قلت: "ضَيْرَبٌ"6 و"ضَوْرَبٌ". ولا يجوز إلحاق مثل هذا7 بكلام العرب، لقلَّة مثل صَيرَف وكَوثَر في كلامهم، وإنَّما تَبني من ذلك ما تبنيه لتُرِيَ حكمه كيف كان يكون، لو جاء.
وكذلك لو قيل لك: ابنِ من الضَّرب مثل "سَفَرْجَل" قلت: "ضَرَبَّبٌ"، على نحو ما ذكرت لك. إِلَّا أنَّ هذا لا يجوز إلحاقه بكلام العرب؛ لأنه لم يجئ في كلامهم نظيره، أعني: خماسيًّا لاماته الثلاثة من جنس واحد، وإنَّما بنيتَه لتُبيِّن وجه الصِّيغة8 فيه.
وينبغي أن تعلم أنه لا يتعذَّر بناء شيء من الصحيح، إِلَّا أن يؤدِّي ذلك إلى وقوع نون [ساكنة] قبل راء أو لام. فإنَّ ذلك لا يجوز، نحو بنائك من الضَّرْبِ أو الجلوس مثل عَنْسَل9.فإنه يجب أن تَقول: "جَنْلَسٌ" أو "ضَنْرَبٌ". وذلك ليس من10 كلامهم. أعني:

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 م: قست.
2 الفطحل: الضخم من الإبل.
3 م: ضربت.
4 م: بشيء.
5 م: مغير.
6 م ضير.
7 في م زيادة عدة أسطر، كررها الناسخ سهوًا.
8 الصيغة: الهيئة التي بني عليها.
9 العنسل: الناقة القوية السريعة.
10 م: في.

 

ص -468-      وقوع النون [ساكنة] قبل الراء أو اللام1، في كلمة واحدة. والسبب في أنْ لم يوجد في كلامهم أنَّهُ إذا وجد لم يخلُ من أن يُدغَم أو لا يُدغَم. فالإدغام يُفضي إلى اللَّبس بأن يكون من قَبيل إدغام المِثلين، والفكُّ يُفضي إلى الاستثقال؛ لأنَّ النون كثيرةُ الشَّبه بالراء واللام فيصعب إظهارها2.
أو3 يؤدِّي إلى وقوع النون الثالثة الساكنة الزائدة التي بعدها حرفان مدغمةً في نون تليها، أو مقرونةً بحرف حلق من بعدها. والسبب في ذلك أنَّ النون إذا كانت على ما وصفْنا كانت زائدة أبدًا.
والعِلَّة في أن كانت زائدة أنها وقعت موقع حروف العِلَّة الثلاثة الزوائد, نحو واو فَدَوكَس وياء سمَيدَع وألف عُذافِر, وأشبَهَتْها في أنها زائدة كما أنَّ هذه الحروف كذلك، وفيها غُنَّة كما أنَّ هذه الأحرف فيها لِين. والغُنَّة واللِّين فضلُ صوت في الحرف، كما تَقَدَّمَ. ولذلك تُبدل النون ألفًا في نحو: رأيت زيدًا، في الوقف، وياءً وواوًا إذا أُدغمت فيهما4 نحو: "مَن يُّؤمِن" و"مِن وّالٍ"5.
فلمَّا كانت من جملة ما أشبهَتِ النونُ به حروفَ العِلَّة الغُنَّة لم يجز أن يقع بعدها حرف حلق؛ لأنها تُبيِّن عند حروف الحلق فتصير من الفم وتذهب الغُنَّة، ولا أن تكون مدغمة في نون بعدها؛ لأنها تُقلب إذ ذاك إلى جنس النون المتحرِّكة التي أُدغمت فيها -والنون المتحرِّكة من الفم- فتذهب الغُنَّة. ولذلك ما جُعلت النون من6 عَجَنَّس وهَجَنَّع7 كباء عَدَبَّس8،ولم تُجعل منهما9 كنون جَحَنْفَل10.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 م: واللام.
2 م: إظهارهما.
3 سقط حتى قوله: "جحنفل" من م ومن نسخة أخرى كما جاء في حاشية ف. وعلَّق عليه في الحاشية أبو حيان بنص اخترم بعضه، وفيه أنَّ النص الساقط من النسخة ثابت في طرة الأصل عنده، بخط ابن عصفور مصححًا عليه ومعلمًا كونه من الأصل، وأنَّ ابن مالك علَّق نقودًا, منها لما جاء في الفقرة هنا لابن عصفور.
4 ف: فيها.
5 الآية 11 من سورة الرعد.
6 قوله: "ما جعلت" ما: زائدة. والعجنس: الجمل الضخم.
7 الهجنع: الطويل الضخم.
8 العدبس: الضخم الغليظ.
9 ف: منها.
10 الجحنفل: الغليظ الشفة. وانظر ص176.

 

ص -469-      مسائل من المعتلِّ اللام1:
إذا قيل لك: ابنِ من الرَّمي مثل2 "اغدَوْدَنَ" قلت: "ارْمَومَى". فتجعل الأصل في مقابلة الأصل، فتكون الراء في مقابلة الغين، والميم التي تليها في مقابلة الدال، والواو زائدة3 في مقابلة الواو من "اغدَوْدَنَ"، ثمَّ تُكرّر الميم كما كُرِّرتْ في "اغدَوْدَنَ" الدالُ التي هي في مقابلتها، ثمَّ تأتي بعد ذلك بالياء وتقلبها ألفًا لتحرُّكها وانفتاح ما قبلها4.
وإذا قيل لك: ابنِ من الرَّمي مثل حَمَصِيصة قلت: "رَمَوِيَّةٌ". والأصل "رَمَيِيْيَةٌ"5، [69ب] فأدغمتَ الياء الثانية في الياء التي بعدها، فصار "رَمَيِيَّة" فاجتمع ثلاث ياءات ما قبل6 الأُولى متحرِّك، فقُلبت واوًا استثقالًا، كما فعلتَ ذلك في النسب إلى رَحًى حين قلت: رَحَوِيٌّ.
فإذا قيل لك: ابنِ من الرَّمْي مثل7 عَنكَبُوت قلت: "رَمْيَوْتٌ"8. تُكرِّر اللام فتقول: "رَمْيَيُوتٌ"، ثمَّ تقلب الياء الثانية ألفًا لتحرُّكها وانفتاح ما قبلها، ثمَّ تحذف الألف لالتقائها ساكنةً مع الواو، وتدع الياء الباقية9 على فتحها فتصير بمنزلة "مُصطَفَونَ".
فإذا قيل [لك]10: ابنِ من الرَّمْي مثل11 بُهْلُول قلت: "رُمْيِيٌّ". والأصل "رُمْيُوْيٌ"، فقلبتَ

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 الكتاب 2: 392-397 وشرح الشافية 3: 297-311.
2 المنصف 2: 242.
3 م: الزائدة.
4 المنصف 2: 272-274.
5 م: رميية.
6 م: وما قبل.
7 المنصف 2: 257.
8 م: رميُوت.
9 م: الثانية.
10 من م.
11 المنصف 2: 257-276.

 

ص -470-      الواو ياء لوقوع الياء بعدها وهي ساكنة، وأَبدلتَ الضَّمَّةَ قبلها كسرة لتصحَّ الياء، ثمَّ أدغمتَ الياء في الياء. ولا يُستثقل هنا اجتماع ثلاث ياءات كما استُثقل في مثل حَمَصِيصة من الرَّمْيِ؛ لسكون1 ما قبل الياء الأُولى.
وتقول في2 "مَفْعُلَة" من الرَّمْي: "مَرْمُوَةٌ" إن بَنيتَها على التأنيث، وإن بنيتَها على التذكير قلتَ: "مَرْمِيَةٌ"3. وذلك أنَّ الأصل "مَرْمُيَةٌ"4, فوقعت الياء بعد ضمَّةٍ غيرَ متطرِّفة لأجل التاء، فقُلبت واوًا استثقالًا لها بعد الضَّمَّة، كما قالوا: "لقَضُوَ"5 فأبدلوا الياء واوًا. هذا إذا اعتَدَدْتَ بالتاء6. فإن لم تَعتدَّ بها، وجعلت7 التاء كأنها لحقت البناء بعد كمال المذكَّر8، قلبتَ الضَّمَّةَ كسرةً؛ لأنَّ الياء إذا وقعت طرفًا وقبلها ضمَّة قلبت الضَّمَّة كسرة، ثمَّ أَلحقتَ بعد ذلك التاء.
وتقول في مثل9 قَمَحْدُوَة10 من الرِّمي: "رَمَيُّوةٌ"، إن بنيتَ الكلمة على التأنيث. وإن بنيتَها على التذكير قلت: "رَمَيِّيَةٌ". وذلك أنَّ الأصل "رَمَيْيُوَةٌ"، فصحَّت الواو كما صحَّت في قَمحدُوة؛ لأنها غيرُ متطرِّفة، وأدغمتَ الياء في الياء. فإن قدَّرتَ التاء11 لحقتْ بعد استعمال اللفظ بغير تاء، كأنه12 قبل لحاق التاء "رمَيُّوٌ"، قلبتَ13 الواو ياء لتطرُّفها، والضَّمَّةَ قبلها كسرةً، كما فُعِل ذلك بـ"أَدْلٍ"، ثمَّ أَلحقتَ التاء14 بعد ذلك فصار "رَمَيِّيَة". ولا تحذف هنا إحدى الياءات15؛ لأنهم إنَّما يفعلون ذلك إذا كانت الأُولى زائدة.
وتقول في مثل16 "اطمأنَنْتُ" من رَمَيتُ:17 "ارمَيَّيْتُ" و"ارمَيَّا". والأصل "ارمَيَّيَ"18،

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 م: بسكون.
2 المنصف 2: 288-289.
3 م: مرميّة.
4 م: مرميّة.
5 م: لقضوا.
6 م: الياء.
7 سقطت الواو من م.
8 م: بعد كماله للمذكر.
9 المنصف 2: 289.
10 القمحدوة: فأس الرأس المشرفة على النقرة.
11 ف: "الهاء". م: الياء.
12 م: لغير يا كانه.
13 م: فقلبت.
14 م: الياء.
15 م: الياءين.
16 المنصف 2: 263.
17 ف رميتا.
18 كذا. والأصل: ارمَيْيَيَ.

 

ص -471-      فتَقلب المتطرِّفة ألفًا لتحرُّكها وانفتاح ما قبلها. ولم تَنقل الحركة من الياء المتوسِّطة إلى الساكن قبلها، ثمَّ تدغم إِحدى الياءين في الأُخرى، فتقولَ "ارمَيَيَّ"، على قياس "اطمأَنَّ"؛ لأنَّ الياء المتوسطة لمَّا سكن ما قبلها لم تُعلَّ1 بنقل حركتها، كما لم تُعلَّ2 في: ابيَضَّ.
وتقول في مثل3 "اغدَودنَ" من الغَزْو: "اغزَوْزَيْتُ" و"اغزَوْزَى". والأصل "اغزَوْزَوْتُ"، فقلبتَ الواو ياء كما قلبت في: أَغزَيْتُ وغازَيتُ4. أعني: حملًا على المضارع في القلب الذي هو "يَغزَوزِي"، كما قُلبت في: أَغزَيْتُ وغازَيْتُ، حملًا على: يُغْزِي ويُغازِي.
وتقول في مثل5 عَنكبوت من الغزو: "غَزْوَوْتٌ"6. والأصل "غَزْوَوُوْتٌ"، فقلبتَ الواو المتوسِّطة7 ألفًا لتحرُّكها وانفتاح ما قبلها، ثمَّ حذفت الألف لالتقائها ساكنة مع الواو. وكانت المحذوفة الألفَ، ولم تكن واو "فَعْلَلُوت"؛ لأنَّ الواو زيدت مع التاء، فلم يجز أن تُحذف إحداهما وتبقى الأُخرى؛ ألا ترى أنَّ كلَّ زيادتين زيدتا معًا فإنهما تحذفان معًا، في الترخيم والتصغير؟
وتقول في مثل قَرَبُوس مِن الغَزْو8: "غَزَوِيٌّ". والأصل "غَزَوُوْوٌ"، فاجتمعت9 ثلاث واوات في الطرف مع الضَّمَّة10، فاستُثقل ذلك -بل إذا كانوا يستثقلون الواوين11 في الطرف في مثل: عَتا عُتِيًّا، فالأحرى أن يستثقلوا الثلاثَ- فقَلبتَ الواو الأخيرة ياء؛ لأنها أَوْلى بالإعلال12، ثمَّ قَلبتَ المتوسِّطة ياء لسكونها وبعدَها الياء، وقَلبتَ الضَّمَّة قبلها كسرة لتصحَّ

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ف: لم تَعتلّ.
2 ف: لم تعتلّ.
3 المنصف 2: 234.
4 ف: غازينا.
5 المنصف 2: 257-258.
6 م: غزوؤت.
7 في حاشية ف بخط أبي حيان أن ابن مالك علَّق على هذا بقوله: "القياس ألَّا تقلب هذه الواو لسكون ما بعدها كما صحت في النزَوان والغلَيان فتقول: غزوَوُوت. لكن سيبويه شبهها بفعلوا ويفعلون. يعني فعلوا من رمى، تقول: رمَوا. ويفعلون من رضي، تقول: يرضَون. والأصل...".
8 المنصف 2: 274-275.
9 م: فاجتمع.
10 م: مع الضمير.
11 ف: الواو.
12 م: "بالإدغام".وفي حاشية ف بخط أبي حيان أن ابن مالك علَّق على هذه المسألة بقوله: "بل يجوز قلبُ الأخيرة أوَّلًا ياء أو الأُولى، على ما تَقَدَّمَ من كلام الشيوخ. وقد بيَّناه قبل".

 

ص -472-      الياء، ثمَّ أدغمتَ الياء في الياء1.
وتقول في مثل2 بُهْلُول من الغَزْو: "غُزْوِيٌّ". والأصل "غُزْوُوْوٌ"، فاستثقلت الواوات كما استثقلت في المسألة التي قبلها، فقلبتَ المتطرِّفة منها ياء، ثمَّ قلبتَ الواو المتوسِّطة ياء لسكونها وبعدها الياء، وقلبتَ الضَّمَّة قبلها كسرة لتصحَّ الياء، ثمَّ أدغمت الياء في الياء.
وتقول في مثل3 قَمَحْدُوة من الغَزْو: "غَزَوِّيَةٌ"4. والأصل "غَزَوْوُوَة"، فاجتمع ثلاث واوات الوسطى مضمومة، فقَلبتَ المتطرِّفة ياء، كما فعلت أيضًا في المسألتين المتقدِّمتين قبلها، ثمَّ قَلبتَ الضَّمَّة التي في الواو التي قبلها كسرةً لتصحَّ الياء، ثمَّ أدغمت الواو الأُولى في [70أ] الواو الثانية.
وتقول في مثل5 تَرْقُوَة من الغَزْو: "غَزْوِيَةٌ"، سواء بنيتَ على التذكير أو على التأنيث. وأصل هذه المسألة "غَزْوُوَة"، فاجتمع واوان6 في الطرف وضمَّة، فصار ذلك كثلاث واوات، فقلبتَ المتطرِّفة ياء، والضَّمَّة [قبلها]7 كسرة لتصحَّ الياء8, فصار "غَزْوِيَة". وإنَّما استوى البناءُ على التذكير والتأنيث9، لوجود الاستثقال في الحالتين.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 وزاد ابن جني في المنصف قولَه: "فصارت غَزَوِيًّا. ثمَّ أبدلت من الواو ألفًا لتحرُّكها وانفتاح ما قبلها فصارت في التقدير غزايًّا. وأرادوا كسر ما قبل الياء كما يكسر ما قبل ياء النسب فأبدلوا الألف واوًا... فصارت: غزوِيًّا. فالواو التي في غزويّ إنَّما هي بدل من الألف التي كانت في التقدير بدلًا من الواو".
2 المنصف 2: 276.
3 المنصف 2: 290.
4 في المنصف: "غزويّة". والصواب ما أثبتنا.
5 المنصف 2: 290-291.
6 في حاشية ف بخط أبي حيان أن ابن مالك علَّق على هذا بقوله: "قد قال سيبويه في فَعُلان من القوَّة: قَوُوان. فجمع بين واوين وضمَّة. وقد منع ذلك الزَّجَّاج لما ذكر. وقال سيبويه في منع غزوُوة: لأنه ليس في كلامهم قوُوتُ. وبه تعلَّق الزَّجَّاج...". قلت: سيبويه يدغم "فَعُلان" قوَّان. انظر الكتاب 2: 396 و394.
7 من م.
8 سقط من م.
9 ف: على التذكير وعلى التأنيث.

 

ص -473-      مسائل من المعتلِّ العين:
تقول في مثل1 "افعَوْعَلَ" من البَيع "ابيَيَّعَ". والأصل "ابيَوْيَعَ"، فقَلبتَ الواو المتوسِّطة بين الياءين ياء، لسكونها ووقوع الياء بعدها، وأدغمتَ في الياء.
وإذا بنيتَه للمفعول قلت2: "ابيُوْيِعَ" على الأصل. وإنَّما لم تُدغِم؛ لأنَّ الواو مدَّة تشبه3 الألف؛ لأنها في فِعلٍ متصرِّف. فكما لا تُدغِم الألف في الياء التي بعدها [في]4 نحو "بايَعَ"، فكذلك ما أَشبهتها5.
وتقول في مثل6 "افعَوْعَلَ" من القول: "اقوَوَّلَ". هذا مذهب سيبويه. وأمَّا أبو الحسن فيقول: "اقوَيَّل"؛ لأنه يَستثقل ثلاث واوات. وإلى ذلك ذهب أبو بكر، واحتجَّ بأنهم إذا كانوا يستثقلون الواوين والضَّمَّة في مثل مَصُوغ7، فلا يكمِّلون البناء إِلَّا فيما شَذَّ، فالأحرى فيما اجتمع فيه ثلاث واوات.
وهذا الذي احتجَّ به لا يلزم؛ لأنَّ مَصُوغًا8 وأمثاله إنَّما استثقل فيه الواوان والضَّمَّة، لجريانه على الفعل المعتلِّ. وإِلَّا فإنهم يُتِمُّون في مثل "قَوُوْل"9 في فصيح الكلام؛ لأنه غيرُ جار على معتلٍّ.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 المنصف 2: 243-244.
2 المنصف 2: 245-246.
3 م: لشبه.
4 من م.
5 م: ما أشبهها.
6 المنصف 2: 243-244.
7 م: "مصوع". وفي حاشية ف بخط أبي حيان عن ابن مالك: "هذا الذي قال أبو... في الكلام ممنوع، وهو جائز لو جاء كما في مبيوع ومخيوط. وخطأته في ذلك وفرقت بابهما. فإمَّا نسيتَ ما فات، أو ألهمك الله إلى الصواب".
8 م: مصوعًا.
9 ف: قَووُل.

 

ص -474-      فإن قيل: فإنكم تقولون في عَرْقُوة من الغزو: "غَزْوِيَةٌ"، كما تَقَدَّمَ1 استثقالًا للواوين والضَّمَّة، مع أنه ليس بجار [على مُعْتلٍّ]. فالجواب أنَّ الطَّرَف يُستثقل فيه ما لا يُستثقل في الوسط؛ لأنه مَحلُّ التغيير؛ ألا ترى أنهم يقلبون مثل عصِيّ، ولا يلزم ذلك في مثل صُوَّم.
فإن قيل: فأين وَجدتم ثلاث واوات مُحتمَلة في كلام العرب؟ فالجواب أنه لا يُعلم من كلامهم ما اجتمع فيه ثلاث واوات حَشوًا، لا مصحَّحًا ولا مُعلًّا2، فيحملَ هذا عليه، والتصحيح هو الأصل فالتزم هذا، مع أنَّ ما يقرب منه موجود في كلامهم وهو مثل: "قَوُوْل"؛ ألا ترى أنَّ فيه واوين وضمَّة، والضَّمَّة بمنزلة الواو، ولم يُغيَّر شيء من ذلك؟
وأمَّا ما ذهب إليه ابن جنِّي3 من أنه لقائل أن يفرق بين "غَزْوِيَة" و"اقوَوَّلَ" بأن يقول: قد يُستثقل في الاسم فيُعلُّ4 ما يصحّ في الفعل، واستدلالُه بصحَّة "يُغْزو" وأمثاله واعتلال "أَدْلٍ" وأمثاله، ففي نهاية الفساد؛ لأنَّ الفعل أثقلُ من الاسم بلا خلاف، وأكثرُ إعلالًا. فكيف يصحُّ فيه ما يعتلُّ في الاسم الذي هو أخفُّ. وأمَّا صحَّةُ "يغزو"5 وإعلال "أَدلٍ" فلأمرٍ عَرَض6 قد بُيِّنَ في موضعه.
فالصحيح عندي ما ذهب إليه سيبويه.
فإن بنيته للمفعول قلت7: "اقوُوْوِلَ"، على القولين جميعًا. فلا تُدغِم ولا تَستثقل اجتماع الواوات؛ لأنَّ الواو المتوسِّطة مدَّة محكوم لها بالألف. فكأنَّه ليس في الكلمة إِلَّا واوان بينهما ألف. وقد حُكي عن الأخفش أنه قلب الأخيرة ياء فقال: "اقوُوْيِلَ"8. والأوَّل أشهر عنه وهو

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 م: وقد تقدم.
2 ف "ولا معتلًّا". وفي الحاشية بخط أبي حيان أن ابن مالك علَّق على هذه المسألة بقوله: "قد قالوا: احوُوْوِيَ، مبنيًّا لما لم يسمَّ فاعله من: احواوَى يَحواوِي. والألف من احواوى أصلها واو؛ لأنَّه من الحوّة كاحمارّ من الحمرة. واحواوَيتُ كعادَيتُ من العداوة، قلبت الواو فيهما ياء... [والواوان في البناء] على التاء في حكم الحشو، فكان يجب أن يصحَّ. فليرجع لما قاله سيبويه من عدم قَوُوتُ, لما يلزم فيه من يقوُو. وما رُفض في الفعل رُفض فيما يجري على حدِّه. وهذا هو الصحيح. فإن قال: احوُوْوي الثانية مدة منقلبة عن ألف فكأنهما واوان. قيل له: اجعلهما بمنزلة واوين الثانية كتلكم الثانية المبنية على ما بعدها".
3 المنصف 2: 290-291.
4 سقط من م.
5 م: أغزو.
6 في حاشية ف بخط أبي حيان أنَّ ابن مالك علَّق على هذا بقوله: "ذلك الأمر المعلوم الذي عرض جعلُ آخر الاسم أضعف من آخر الفعل، وأكثر اعتلالًا. ألا ترى أنه يلحقه من تغيير النسب والتثنية والجمع والإضافة لياء الضمير، ما لا يكون في الفعل؟ فلذلك كان الفعل بجملته أشدُّ اعتلالًا من الاسم، وآخِرُ الاسم على الخصوص أشدُّ اعتلالًَا من آخر الفعل؛ ألا ترى ما يلحقه، في الوقف والنداء من الترخيم وغيره ومن التنوين وحذفه، وغير ذلك ممَّا لا يكون في الفعل"؟
7 المنصف 2: 245-246.
8 م: اقوَويل.

 

ص -475-      الصحيح1.
وتقول في مثل2: "فَعْلَلُوت" من البَيع والقَول: "بَيْعَعُوتٌ" و"قَوْلَلُوتٌ". وفي الجمع: "بَياعِعُ" و"قَوالِلُ". وإن عَوَّضتَ قلت: "بَياعِيعُ" و"قَوالِيلُ". ولا تُدغم في شيء من ذلك, لئلَّا يبطل الإلحاق؛ لأنَّ "بَيعَعُوت" و"قَولَلُوت" ملحقان بعَنكبُوت، و"بَياعِعُ" و"قَوالِلُ" ملحقان بعَنَاكِب.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ف: صحيح.
2 المنصف 2: 258-259.

 

ص -476-      مسائل من المعتلِّ الفاء1:
تقول في مثل: "فُعْلُول" من الوَعْد: "وُعدُودٌ"، وإن شئت "أُعْدُودٌ"، فتهمز الواو لانضمامها.
وتقول في مثل طُومار2 منه: "أُوْعادٌ". ولا يجوز غير ذلك3 لاجتماع واوين في أوَّل الكلمة.
وتقول في مثل إِخرِيط4 من الوعَد: "إِيعِيدٌ". والأصل "إِوعِيدٌ"، فقَلبتَ الواو ياء لسكونها وانكسار ما قبلها، كما فُعِل ذلك بمِيعاد.
وتقول في مثل بُهلُول من اليُمْن: "يُمنُونٌ"، ولا تَهمِز كما هَمزتَ الواو؛ لأنَّ الضَّمَّة في الواو أثقلُ منها في الياء.
وتقول في مثل "أُفعُول" منه: "أُوْمُونٌ".والأصل "أُيْمُونٌ"، فقَلبتَ الياء واوًا5 لسكونها وانضمام ما قبلها.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ألحق بحاشية ف نصّ منقول عن خط المصنف؛ وقد اخترم كثير منه.
2 الطومار: الصحيفة.
3 في حاشية ف بخط أبي حيان أن ابن مالك علَّق عليه بقوله: "باطل. يجوز وُوعاد؛ لأنَّ الثانية [مزيدة كالثانية في] العُوُود والقُوُول. وإنَّما يلزم ذلك إذا كانت الثانية أصليَّة كالأولى أو متحرِّكة كأواقٍ".قلت: الأواقي: جمع واقية.
4 الإخريط: بقلة.
5 م: الواو ياء.

 

ص -477-      مسائل من المعتلِّ العين مع اللام1:
تقول في "فَيعُول" من "حَيِيتُ"2: "حَيَوِيٌّ". والأصل "حَيْيُوْيٌ"3، فقَلبتَ الواو [70ب] ياء لسكونها وبعدَها الياء، ثمَّ قلبتَ الضَّمَّة التي قبلها4 كسرةً لتصحَّ الياء، ثمَّ أَدغمتَ الياء في الياء، فصار كالنسب إلى حَيَّة، فكُرِه اجتماع أربع ياءات ففُعل به ما فُعل بحَيَّة، ففَتحتَ الياء الأُولى الساكنة، وقَلبتَ الياء التي بعدها ألفًا, ثمَّ قلبتَ الألف واوًا. ومن احتمل أربع ياءات في النسب إلى حَيَّة احتملها هنا فقال: "حَيِّيٌّ".
وتقول في "فَيْعَلٍ" من "حَيِيتُ"5: "حَيًّا", والأصل "حَيْيَيٌ"6، فأدغمتَ الياء الأُولى في الثانية، وقلبتَ الياء المتطرِّفة ألفًا لتحرُّكها وانفتاح ما قبلها7. وكان ينبغي أن يُبنى هذا على "فَيْعِل" بكسر العين؛ لأنه معتلُّ العين، ولم يجئ "فَيْعلٌ" من المعتلِّ العين إِلَّا بالكسر، إِلَّا لفظة واحدة وهي العَيَّنُ، فبنيتَ هذا على قياس العَيَّن8.
وتقول في9 "فَيْعِل" المكسور10 العين منها: "حَيٌّ". والأصل "حَيِّيٌ"11، فكرهوا اجتماع ثلاث ياءات في الطرف، الأُولى زائدة، فحذفوا كما قالوا في تصغير أَحوَى: أُحَيٌّ. ومن لم يحذف في "أُحَيّ" إِلَّا في الرفع والخفض وأَثبتَ الياء في النصب فَعَل ذلك هنا، فقال: هذا حَيٍّ12 ومَررَرْتُ بِحَيٍّ ورأيتُ حَيِّيًا.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 الكتاب 2: 393-397.
2 المنصف 2: 279.
3 م: حييو.
4 م: تليها.
5 المنصف 2: 297-280. والمصوغ منه هناك هو: حَوِيت.
6 م: حيي.
7 أغفل حذف الألف لفظًا لالتقائها بالتنوين.
8 م: العيْن.
9 المنصف 2: 280-281. والمصوغ منه هناك هو: حَوِيت.
10 م: المكسورة.
11 الصواب: حيْيِيٌ.
12 ف: حيٌّ.

 

ص -478-      وتقول1 في "فَعُلان" من "حَيِيتُ": "حَيُوانٌ2". والأصل "حَيُيَان"، فتَقلبُ الياء التي هي لام واوًا لانضمام ما قبلها.
فإن قيل: فإنَّ الضَّمَّة لا تُوجب قلب الياء المتحرِّكة واوًا؛ ألا تراهم قالوا: عُيَبَةٌ3، فأثبتوا الياء؟ فالحواب أنَّ الياء التي هي عين إذا كانت متحرِّكة مضمومًا ما قبلها لا تُقلب لقوَّة العين، أمَّا اللام إذا كانت ياء على هذه الصورة فإنها تُقلب؛ ألَا تراهم قالوا: لَقَضُوَ الرَّجلُ! والأصل "لَقَضُيَ"، فأبدلوا الياء واوًا؟
ومن سكَّن الضَّمَّة تخفيفًا قال: "حَيْوانٌ"، فأبقى الواو ولم يردَّ الكلمة إلى أصلها من الياء.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 المنصف 2: 238.
2 علَّق ابن مالك على هذه المسألة مستطردًا إلى ما يليها من مسائل، وأثبتَ أبو حيان تعليقته على طيارة أُلحقت بنسخة ف. وقد نُقلت إلى غير موضعها من النسخة، فأعدناها إلى موضعها هنا على الصواب. وفيها ما يلي: "سيبويه يقول في هذه المسألة: حيَّان بالإدغام. [انظر الكتاب 2: 394]. فهذا الرجل خالفه وأخذ بقول غيره. قال [سيبويه]: وتقول في فَعُلان من قَوِيتُ: قَوَّانٌ. وكذلك فَعُلان من حييت: [حَيّانٌ]. تدغم لأنك تدغم فعُلان من رددت -يريد أنك لا تعتدّ بالألف والنون في ترك الإدغام، فتقولَ: حَيَيان، كما تقول: طلَل، بالفتح. فإن ضممت الياء أدغمت كما تدغم فَعُلًا في القياس. وكذلك فَعِلان بالكسر تقول: حَيّانٌ، كما تدغم صَبًّا وبَرًّا- قال: ومن قال حَيِيَ عن بيِّنة، قال: قَوُوانٌ وحَيُيانٌ. هذا كلام سيبويه. وهذا المؤلف بمعزل عنه.
ومن تعليق أبي عليٍّ هنا: فَعُلان من حييت حَيُيان، وقيل حَيُوان. فهذا هو الذي قال هذا المؤلف هنا.
[وقال] أبو العباس: قَوُوان غلط، ينبغي أن يكون قَويان بكسر الواو وتقلب الثانية ياء؛ لأنه لا تجتمع واوان في إحداهما ضمَّة والأخرى متحرِّكة. وهذا قول أبي عمر وجميع أهل العلم. ويدلُّ على صحته قول سيبويه بعد في فَعلُوة من غزوت: غَزْوِية.
فهذا أبو العباس، ومن رأى من أهل العلم، جعل الألف والنون كالتاء في أحد وجهيها، ولم يبن عليهما، فقياس فَعُلان عندهم من حييت: حَيِيان، بالكسر؛ لأنَّ الياء إذا تطرَّفت وقبلها ضمَّة قلبت الضَّمَّة كسرة، كقولهم: أظبٍ وتسلٍّ وتقضٍّ وترامٍ. وهذا كقول سيبويه في فَعلُوة كترقُوة من غزوت: غَزْوِيةٌ. الأصل غَزْوُوة. وكأنها غزوُوٌ كأدلُو، فتقول: غزوٍ كأدلٍ. فإن اعتبرت التاء قلتَ: غَزْوُوة، في القياس كما قالوا: قلنسوة وعرقوة وقمحدوة. وكذلك قياس الألف والنون فإنهم قد اعتدُّوا بهما، فقالوا: أقحوان وعنظوان وأفعوان.
إِلَّا أبا العباس ومن ذكر من شيوخه لا تُجمع عندهم واوان إحداهما مضمومة، وبهذا قال أبو إسحاق، فالتزموا قَوِيان. وكذلك التزم سيبويه غَزْوِية، والوجه غزووة فيمن بنى على التاء. قال سيبويه: ولا تقول: غَزْوُوة؛ لأنك إذا قلت غزووة إنَّما تجعلها كالواو في سَرُوَ [ولغَزُوَ]. فإذا كانت قبلها واو مضمومة لم تثبت كما لا يكون فعُلت مضاعفًا من الواو نحو: قوُوت. [الكتاب 2: 396].
فمن هنا قال من تقدّم قَوِيان، بُنيت على الزيادتين أو لم تُبن. وسيبويه لم يجعلهما كالتاء، ولا يُشبَّه ما ذكروه بغزوِية؛ لأنَّ الأُولى في قووان عين والثانية لام، وهي في غزووة لام والثانية زائدة. وليس تعليل اللام كتعليل العين، وليست الألف والنون كالتاء؛ ألا تراهم صحَّحوا نَزَون وغلَيان، وأعلُّوا قناة وقطاة وشواة الرأس ودواة؟ فهذا فرق بيِّن. وقال سيبويه في فَعُلة من رميت: رَمُوةٌ، إذا بُنيتْ على التاء، ورَمِيةٌ إذا لم تبن، وقال في حَيُيان بالإدغام، ولم يجعله كحيي الذي [لا] يلزم فيه حيّ؛ لأنه لم يجعل الزيادتين كالتاء" اهـ.
قلت: والصحيح أنَّ ابن عصفور أخذ بمذهب المازني وابن جني. انظر المنصف 2: 283.
3 م: عيّية.

 

ص -479-      ولم يُدغِم1؛ لأنَّ التخفيف عارض والأصل الحركة.
وتقول في2 "فَعِلان" من "حَيِيتُ": "حَيِيانٌ". ولم تُدغِم؛ لأنه لا يخلو أن تَعتدَّ بالألف والنون أو لا تَعتدَّ. فإن اعتددتَ3 لم تُدغِم لخروج البناء بهما4 عن شَبه الفعل. وإن لم تعتدَّ لم تُدغِم أيضًا، كما كان لا يُدغَم لو ذَهبتِ الألف والنون5.
وزعم ابن جنِّي6 أنَّ الإدغام هو الوجه، قياسًا على "فَعِلان" من "رَدَدْتُ". ولا حُجَّة فيه؛ لأنَّ "رَدَّان" إذا لم يُعتدَّ فيه بالألف والنون جاز الإدغام بخلاف7 "حَيِيان"، فبُنِي الإدغام على ترك الاعتداد.
فإن سَكَّنتَ تخفيفًا أَدغمتَ فقلت: "حَيَّان". وذلك أنَّ المِثلين إذا التقيا، وكان الأوَّلُ منهما ساكنًا، لزم إدغام الأوَّل في الثاني، كانت الكلمة على وزن الفعل أو لم تكن، وكان المثالان حرفي عِلَّة8 أو لم يكونا.
وتقول في "فَيعِلان" منه9: "حَيَّانٌ. والأصل "حَيْيِيانٌ"، فحذفتَ المتطرِّفة لاستثقال ثلاث ياءات في الطرف؛ لأنَّ الألف والنون لا يُعتدُّ بهما10، كما لا يُعتدُّ بتاء التأنيث. فكما أنك لو بنيتَ مثل "فَيْعِلة" من "حَيِيتُ" لقلت: "حَيَّةٌ"، فتحذف فكذلك هذا.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ف: ولم تدغم.
2 المنصف 2: 287.
3 م: اعتد.
4 ف: بها.
5 في حاشية ف بخط أبي حيان أن ابن مالك علَّق عليه بقوله: "هذا عجب. رجلٌ حَي، يجوز فيه الإدغام فتقول: حيّ. وكذلك عي وعيٌّ. وهو بمنزلة حَيِيَ الرجل فهو حيّ، وقد ذكره قبل. وذكر في أحيّة وأعيّة وأحيّاء الإدغامَ والإظهارَ، والتاء والهمزة للتأنيث يبعدان عن شبه الفعل. ولم يذكر سيبويه إِلَّا الإدغام أوَّلًا كما حكيت عنه قال: ومن قال حيي قال: قَوُوان وحَيِيان".
6 المنصف 2: 287.
7 في حاشية في بخط أبي حيان أنَّ ابن مالك علَّق عليه بقوله: "خطأ. يجب فيه الإدغام؛ لأنَّ فعِلًا من المضاعف لا يجوز فيه إِلَّا الإدغام في الفعل والاسم. [وقوله]: بخلاف حييان، قول طريف. حييان هو الذي يجوز فيه الإدغام ولا يلزم. وهذه المسألة من أوَّلها إلى آخرها لا يَفهم منها شيئًا إن شاء الله. وقول ابن جنِّي ضعيف لا بما ذكره. لكن فعِل بكسر العين في المضاعف من غير الياء يدغم، وفي الياء يجوز الوجهان. وذكر سيبويه أنَّ الإظهار أكثر في كلامهم".
8 كذا. وانظر ص291 و308-309.
9 المنصف 2: 283-284. والمصوغ منه هناك هو: حويت.
10 في حاشية ف بخط أبي حيان أنَّ ابن مالك علَّق عليه بما يلي: "قد يعتدّ بكلِّ واحدةٍ منهما. وقد قالوا: طيلِسان، بكسر اللام، وليس في الصحيح فيعِل بكسر العين. ولذلك لا يجوز ترخيمه في لغة من يقول يا حارُ. وقد قالوا: ترجُمان وضيمُران. وصحَّ عُنفوان وأفعوان...".

 

ص -480-      وتقول في 1 "فَيْعَل" من "القُوَّة": "قَيًّا". والأصل "قَيْوَوٌ"، فقلبتَ الواو ياء لسكون الياء قبلها، وأدغمتَ الياء في الياء، وقلبت الواو المتطرِّفة ألفًا لتحرُّكها وانفتاح ما قبلها2. وبنيتَ "فَيْعَل" من المعتلِّ العين على حدِّ العَيَّن، وإن كان ذلك قبيحًا.
وتقول في3 "فَيعِلٍ"4 منها: "قَيٌّ". والأصل "قَيْوِوٌ"، فقلبتَ الواو الأُولى ياء لسكون الياء قبلها، وأدغمتَ الياء في الياء، وقلبتَ الواو المتطرِّفة ياء لانكسار ما قبلها، فاجتمع ثلاث ياءات فحَذفتَ المتطرِّفة استثقالًا. ومن لم يحذف في تصغير أَحوَى إِلَّا في حال الرفع والخفض خاصَّةً فكذلك هنا.
وتقول في5 "فَعُلان" منها: "قَوُوانٌ". وإن شئت أسكنتَ الواو الأولى6 تخفيفًا وأدغمت، فقلت: "قَوَّانٌ". هذا مذهب سيبويه.
وقال أبو العبَّاس: يَنبغي لمن لا يدغم أن يقول "قَوِيَانٌ"،فيقلب الواو الثانية ياء، والضَّمَّة التي قبلها كسرةً، لئلَّا تجتمع واوان في إحداهما ضمَّةٌ والأُخرى متحرِّكة. قال: وهذا قول أبي عُمَر7 وجميعِ أهل العلم.
وقال أبو الفتح: الوجه عندي إدغامه، ليسلم8 من ظهور الواوين مضمومة إحداهما؛ لأنه إذا قال: "قَوِيَانٌ"9 التبس بـ"فَعِلان". فمن هنا قوي الإدغام. ثمَّ اعترض نفسه بأن قال: فإن قيل: إذا أُدغم لم يُعلم: أ "فَعُلان" هو أم "فَعِلان" مكسور العين؟ قيل: هذا محال10؛ لأنك لو أردتَ بناء "فَعِلان" لقلبتَ الواو الأخيرة ياء11 لانكسار ما قبلها، فيختلف الحرفان، [71أ] فتقول:

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 المنصف 2: 279-280.
2 أغفل حذف الألف لفظًا لالتقائها بالتنوين.
3 المنصف 2: 280-281.
4 م: فيعَل.
5 المنصف 2: 281-282.
6 ف: "وإن شئت أسكنت العين". وفي الحاشية بخط أبي حيان: "الواو" عن  إحدى النسخ، دون إثبات "الأولى". وفيها أيضًا بخطه: "قال ابن مالك: لو بني مثل سَبُعان من القوة [كان قَوُوان]. ومذهب المبرد معاملتها مع الألف والنون معاملتها مع هاء التأنيث، فتثبتُ الأولى وتقلب الثانية ياء، فتقول: قَوِيانٌ، بلا إدغام؛ لأنهما في مثال كان في مثال يوجد في الأفعال؛ لأنَّ قَوُوان كظرُف. واختيار سيبويه ترك التغيير وترك الإعلال؛ لأنهما غير زائدتين... فأوجبنا التصحيح هنا وما أوجبناه في الفعل. وذلك لأنَّ المثال قرَّبهما من الفعل. وإنَّما يعل ويدغم ما أشبه الفعل لا ما خالفه". وانظر الكتاب 2: 394.
7 في حاشية ف: هو الجرمي.
8 م: لتسلم.
9 م: قويّان.
10 م: "الحال". وقد قومها أحدهم بقلم مخالف.
11 المنصف: لقلبت اللام.

 

ص -481-      "قَوِيَان"، فلا تُدغِم1.
والصحيح ما ذهب إليه سيبويه. أمَّا ما ذهب إليه ابن جنِّي، من أنَّ قلب الضَّمَّة كسرةً، والواو ياء، يؤدِّي إلى الإلباس فالإلباس غير محفول به؛ ألا ترى أنَّ كلامهم يجيء فيه البناء المُحتمِل لوزنين كثيرًا، كمُختار فإنه متردِّد بينَ "مُفتَعِل" و"مُفتَعَل"، وكدِيك على مذهبنا فإنه متردِّد بين "فِعْل" و"فُعْل"، إلى غير ذلك ممَّا لا يحصى كثرة؟2 وأيضًا فإنه إذا أُدغم لم يُدرَ: هل البناء "فعُلانٌ" في الأصل، أو "فَعْلانٌ" بسكون العين؟
وأمَّا ما ذهب إليه أبو العبَّاس من أنَّ اجتماع واوين، الأُولى منهما مضمومة والثانية متحرِّكة، لا يجوز لثقله، فباطل؛ لأنه قد وُجد في كلامهم نظيره؛ ألا ترى أنك إذا نسبتَ إلى صُوًى3 بعد التسمية به قلتَ: صُوَوِيٌّ؟ لا خلاف في ذلك، مع أنه قد اجتمع لك واوان الثانية متحرِّكة وقبل الأُولى ضمَّة، والحركةُ بعد الحرف في التقدير فكأنها في الواو4، فكذلك "قَوُوانٌ".
فهذا الذي ذهب إليه سيبويه هو الصحيح؛ لأنَّ مثل "قَوُوان" لم يجئ في كلامهم مصحَّحًا ولا معلَّلًا. فإذا بنيته فالقياس أن تحمله على أشبه الأشياء به، وأشبه الأشياء به صُوَوِيٌّ5.
وتقول في6 "فَعَلانٍ" منها: "قَوَوانٌ". صحَّت العين كما صحَّت في جَوَلان, وصحَّت اللام كما صحَّت في نَزَوان.
وتقول في7 "مَفعُول" منها: مكانٌ مَقْوِيٌّ فيه8. والأصل "مَقْوُوْوٌ"9، فقلبتَ الواو المتطرِّفة ياء، لاستثقال اجتماع ثلاث واوات وضمَّة في الطرف، ثمَّ قلبتَ الواو التي قبلها ياء لسكونها وبعدَها الياء، وقلبتَ الضَّمَّة قبلها كسرة لتصحَّ الياء، ثمَّ أدغمت الياء في الياء. ومن قال: مَغْزُوٌّ، ولم يَقلب لم يُجز هنا إِلَّا القلب10؛ لأنه أثقل11.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 المنصف: لانكسار ما قبلها، فقلت: قويان، ولم تدغم لاختلاف الحرفين.
2 سقط من م.
3 الصوى: جمع صوّة. م: صوّي.
4 في حاشية ف بخط أبي حيان أنَّ ابن مالك علَّق على هذا بما يلي: "كثير بين قولك كأنها في الواو وقوله الأُولى منهما مضمومة؛ ألا ترى أنك لا تقول الواو مضمومة، ولا تهمزها كما تهمز أنور، ولا تصح الياء بعدها في مُوسر كما تصح في بَيُوع وبَيوض. ومن الدليل على قول أبي العباس أنَّ الواوين متى أدَّى قياس إلى اجتماعهما متحرِّكين [قلبت الأُولى همزة] ولم تثبت أصلًا نحو أولى". كذا. والصواب. أُوَل جمع أُولى.
5 ف: طووي.
6 المنصف 2: 282.
7 المنصف 2: 277.
8 ف: منها مقوي.
9 في النسختين: مقووّ.
10 في حاشية ف: قلب الواو ياء.
11 يريد: لأنَّ "مقووو" أثقل من "مغزوو" فيه ثلاث واوات. انظر المنصف2: 277.

 

ص -482-      وتقول في1 "فُعْلُول" من "طَوَيتُ": "طُوَوِيٌّ". والأصل "طُوْيُوْيٌ"، فقُلبت الواوان2 ياءين لسكونهما وبعدهما الياء، وقُلبت الضَّمَّةُ التي كانت قبل الواو الأخيرة كسرةً لتصحَّ الياء، ولم تُقلب الضَّمَّةُ التي قبل الأُولى، لبُعدها عن الطَّرف؛ ألا ترى أنهم يقولون: عُصِيٌّ، فيقلبون ضمَّة الصاد كسرة؛ لأنها عين فهي تلي اللام فقربت بذلك من الطرف، ويقولون: لُيٌّ، في جمع أَلوَى، فلا يقلبون الضَّمَّة التي في اللام كسرةً؛ لأنها في فاء الكلمة فبعدت من3 الطرف؟ ثمَّ أُدغمت الياء في الياء فصار "طُيِّيّ"4 فاجتمع أربع ياءات، ففُعل به ما فُعل بـ"أُمَيِّيّ" حتى قلتَ "أُمَوِيٌّ"، من تحريك5 الياء الساكنة الأُولى. فلمَّا6 حُرِّكت عادت إلى أصلها وهو الواو؛ لأنها إنَّما كانت قُلبت لأجل الإدغام. فلمَّا زال الإدغام رجعت، وقُلبت الياء التي بعدها ألفًا، ثمَّ قُلبت واوًا على قياس النسب.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 المنصف 2: 277-278.
2 م: الواوين.
3 م: عن.
4 في حاشية ف بخط أبي حيان أنَّ ابن مالك علَّق عليه بما يلي: "عجب من هذا الكلام. قد قال سيبويه في فُعلول من طويت: طِيِّيّ... وكسرت الطاء كما كسرت تاء عُتِيّ، وصاد عُصِيّ، كراهية الضمِّ مع الياء. ثمَّ قال: وقد ضمَّ بعض العرب الأولَ. وذلك: قرنٌ ألوَى وقرونٌ لُيٌّ. ثمَّ قال: ومثل ذلك: رُيَّا ورُيَّة. حيث قلب الواو المبدلة من الهمزة. وقد قال بعضهم: رِيَّا ورِيَّة، بالكسر كما قالوا: لِيٌّ، بالكسر". انظر الكتاب 2: 393.
5 ف: تحرّك.
6 م: لما.

 

ص -483-      مسائل من المعتلِّ الفاء بالواو واللام بالياء:
تقول في مثل: "فُعْلُول" من "وَقَيتُ": "وُقْيِيٌّ"، و"أُقْيِيٌّ" إن شئت. وذلك أنَّ الأصل "وُقْيُوْيٌ"، فقلبتَ الواو ياء لسكونها والياءُ بعدها، ثمَّ قلبتَ الضَّمَّة التي قبلها كسرة لتصحَّ الياء، ثمَّ أدغمتَ الياء في الياء فصار "وُقْيِيٌّ". فجاءت الواو المضمومة في أوَّل الكلمة، فكنت في همزها بالخيار.
وتقول في مثل إِخرِيط من "وَقَيتُ": "إِيْقِيٌّ". والأصل "إِوْقِيْيٌ"، فأدغمتَ الياء في الياء، وقلبتَ الواو الأُولى1 ياء لسكونها وانكسار ما قبلها.
وتقول في مثل طُومار من "وَقَيتُ": "أُوْقاءٌ". والأصل "وُوْقايٌ"، فقلبتَ الواو الأُولى همزة على اللزوم2، لاجتماعها مع واو "فُوعال" في أوَّل الكلمة، وقلبتَ الياء همزة3 لوقوعها متطرِّفة بعد ألف زائدة.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 كذا.
2 كذا. وإبدال هذه الواو همزة جائز غير لازم؛ لأنَّ الواو التي بعدها حرف مدٍّ زائد.
3 الياء تقلب ألفًا ثمَّ تبدل الألف همزة. وهذا مذهبه.

 

ص -484-      مسائل من المعتلِّ الفاء بالياء والعين بالواو1:
لو بنيت من اليوم "أُفْعِلَ"2 لقلتَ: "أُيِّمَ". والأصل "أُيْوِمَ"، قلبتَ الواو ياء فأدغمتَ الياء في الياء. هذا قول النحويِّين أجمعين، إِلَّا الخليلَ فإنه يقول: "أُوْوِمَ" كـ"سُوْيِرَ"؛ لأنَّ حرف المدِّ...3 جرى عنده وإن كان منقلبًا عن أصل مجرى حرف المدِّ الزائد...4.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 سقط هذا العنوان مع ما بسط تحته من النسختين، وألحقه أبو حيان بحاشية ف مخرومًا كثير منه. وهو في المبدع ملخَّصًا. وإسقاطه أَولى لما جاء في ص466. وانظر المقتضب 1: 178 والخصائص 3: 16 والمنصف 2: 35.
2 جعل أبو حيان المثال: "أفعَل". ووهم في البناء منه.
3 كلمات مخرومة لم أتبينها.
4 بقية النص مخرومة.

 

ص -485-      مسائل من المهموز:
لو بَنيتَ من1 "قَرأَ" مثل: "دَحرَجتُ" لقلت: "قَرْأَيتُ". والأصل "قَرأَأْتُ"، فلزم الثانيةَ البدلُ2 لئلَّا تجتمع همزتان في كلمة. وكانت الثانية أحقَّ بالتغيير؛ لأنها طَرَفٌ.
وتقول في مثل3 قِمَطْرٍ من "قَرأتُ": "قِرَأْيٌ". والأصل "قِرَأْأٌ"، فأبدلتَ الثانية ياء -فإن قيل: هلَّا أدغَمتَ فقلتَ: "قِرَأٌّ"، ورفعتَ لسانك بالهمزتين رفعة واحدة, كما فعلت العرب في سأّال ورأّاس. فالجواب أنَّ الهمزتين ثقيلتان4، فمهما أدَّى قياسٌ إلى اجتماعهما في كلمة واحدة فلا بُدَّ من إبدال إحداهما؛ إلا أن يمنع من ذلك مانع، إذ قد كانوا يستثقلونها وحدها، فلمَّا لم يكن مانع من إبدال إحدى5 الهمزتين ياء أُبدلت. وكذلك كان قياس سأّال ورأّاس، لولا ما منع من إبدالها. [وهو] كونُ عينيِ الكلمة لا يختلفان أبدًا نحو: ضَرَّبَ وقَتَّلَ، واللامان قد يكونان مختلفين نحو: هِدَمْلَة6 وسِبَطْر- وكان إبدال الأخيرة أَولى؛ لأنها متطرِّفة كما تَقَدَّمَ.
وتقول7 في مثل "مِفعَل" من "وألتُ": مِيئلٌ. فتقلب الواو ياء لسكونها وانكسار ما قبلها. فإن خفّفَت الهمزة قلتَ: مِوَلٌ. فتردّها واوًا لمَّا تحرَّكت. هذا قول جميع النحويِّينَ، إِلَّا [الخليلَ] فإنه [يجعل الهمزة بينَ بينَ8؛ لأن مذهبه أنَّ حرف المدِّ] واللِّين إذا كان منقلبًا جرى، وإن كان

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 سقط من م. وانظر المنصف 2: 251-252.
2 في حاشية ف بخط أبي حيان عن ابن مالك تعليق اخترم أكثره.
3 المنصف 2: 252-254.
4 ف: ثقيلتين.
5 سقط من.
6 الهدملة: الرملة المستوية. م: هذملة.
7 سقطت الفقرة من النسختين، وألحقها أبو حيان بحاشية ف عن خط ابن عصفور، قبالة "مسائل من المعتلِّ الفاء"، فأثبتناها هنا؛ لأنها من المهموز. وانظر المقتضب 1: 178 والمنصف 2: 38-40.
8 يعني أن يكون لفظها بين الهمزة وحرف العِلَّة الذي من جنسِ حركتها.

 

ص -486-      منقلبًا عن أصل، مجرى حرف المدِّ واللِّين الزائد. [فيرى] تليين الهمزة [بعد الياء] وجعلها بينَ بينَ... ويقول في تخفيف مُوئس1 بجعل الهمزة بينَ بينَ. والنحويُّون أجمعون يقولون: مُيِسٌ. فيطرحون حركة الهمزة على حرف الواو، ويردُّونه لمَّا تحرَّك إلى أصله. وهو الياء.
وتقول2 في مثل [71ب] "اغدَودَنَ" من "وَأَيتُ": "ايْئَوءَى". والأصل "اوْءَوْءَيَ"، فقلبتَ الواو ياء لسكونها وانكسار ما قبلها. فإن خفَّفتَ الهمزة الثانية قلتَ: "ايْئَوَى". ألقيتَ حركتها على3 الساكن قبلها وحذفتَ الهمزة. وإن خفَّفت الأُولى وتركتَ الثانية قلتَ: "أَوْءَى". أَلقيتَ حركة الهمزة التي في العين على الفاء، وكانت واوًا في الأصل، فرجعت إلى أصلها، وحذفتَ ألف الوصل لَمَّا تحرَّك ما بعدها. فلمَّا رجعت واوًا، وبعدها الواو الزائدة، لزم همز4 الأُولى لئلَّا تجتمع واوان في أوَّل الكلمة. فإن خَفَّفتهما جميعًا قلت: "أَوَى"؛ لأنه لَمَّا صار بتخفيف5 الأُولى "أَوْءَى" أَلقيتَ حركة الهمزة الثانية على الواو قبلها وحذفتَها.
وقد أجاز أبو عليٍّ6، إذا سَهَّلتَ الهمزة الأُولى وأَبقيتَ الثانية، أن تقول: "وَوْءَى"، وإذا سَهَّلتهما معًا أن تقول: "وَوَى"، ولا تَقلب الواو همزة؛ لأنَّ نِيَّة الهمز [فاصلة] بين الواوين7. فجُعل ترك الهمز هنا نظيرَ تصحيح الواو في رُوْيا وأمثالها فلم تُقلب, وإن كانت ساكنة وبعدها الياء.
وتقول فيها8 من "أَوَيتُ"9: "ايوَوَّى". والأصل "ائْوَوْوَيَ"، فقلبتَ الهمزة الثانية ياء لانكسار 10 ما قبلها، وأدغمتَ الواو الساكنة في الواو المتحرِّكة، وقلبتَ الياء ألفًا لتحرُّكها وانفتاح ما قبلها. ولم تُدغِم الياءَ في الواو؛ لأنَّ همزة الوصل إذا زالت رجعت الياء إلى أصلها من الهمز نحو: قام فائْوَوَّى11، فصارت نيَّة الهمزة مانعةً من القلب. ومن رأى التغيير في "اقوَوَّل".

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 موئس: مُفْعِل من اليأس.
2 المنصف 2: 246-249.
3 م: على الواو.
4 في حاشية ف بخط أبي حيان أنَّ ابن مالك علَّق على هذا بقوله: "هذا مما تَقَدَّمَ". يشير إلى تعليقته التي كانت على مستهل مسائل الهموز، وقد أشرنا إليها ولم نستطع إثباتها؛ لأنها مخرومة. وعلَّق هنا أيضًا بما يلي: "هذا فيه خلاف...".
5 ف: تخفيف.
6 المنصف 2: 248.
7 ف: "لأنَّ نية الهمزتين الواوان". م: "لأنَّ نية الهمزتين الواوين". والتصويب من المنصف.
8 ف: فيهما.
9 المنصف 2: 249-250.
10 م: بانكسار.
11 ف: نحو أووّى.

 

ص -487-      رآه هنا فقال: "ايْوَيّا".
وتقول في مثل إِوَزَّة من "وَأَيتُ": "إِيْئاةٌ"؛ لأنَّ إِزَوَّة: "إِفْعَلَةٌ"1 بدليل قولهم: وَزٌّ. والأصل "إِوْءَيَةٌ"، فقلبتَ الواو ياء لسكونها وانكسار ما قبلها، وقلبتَ الياء ألفًا لتحرُّكها وانفتاح ما قبلها2.
وتقول في مثل3 إِجْرِد4 من "وَأَيتُ": "إِيْءٍ". والأصل "إِوْئِيٌ"، ثمَّ5 أبدلتَ الواو لسكونها وانكسار ما قبلها6.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 كذا. وأجاز في ص74 أن يكون إوزّ على فِعَلّ والهمزة فيه أصليَّة.
2 في حاشية ف بخط أبي حيان أنَّ ابن مالك علَّق على هذا بقوله: "ينقصه: فإن سهلت الهمزة قلت إيَاة وإواة على القولين؛ لأنه إذا صار إيئاة نقلت حركة الهمزة إلى الياء إن شئت". وانظر المنصف2: 271 وشرح الشافية 3: 299 وابن عصفور والتصريف ص281-282.
3 المنصف 2: 297. وفي الأسطر 13 -15 من المطبوعة منه إقحام يخالف ما قبله.
4 الإجرد: بقل له حب.
5 م: يم.
6 أغفل تسكين الياء وحذفها لالتقاء الساكنين: الياء والتنوين.

 

ص -488-      مسائل من المضعَّف1:
تقول في مثل "اغدَودَنَ" من "رَدَدتُ": "ارْدَوَدَّ". والأصل "ارْدَوْدَدَ"، فنقلتَ حركة الدال الأُولى2 إلى الساكن قبلها وأدغمت. ولم يمتنع الإدغام؛ لأنه ليس بملحق؛ ليس في كلامهم مثل: "احْرَوْجَمَ"، فيكونَ هذا ملحقًا به.
وتقول فيه من "وَدِدْتُ": "ايْدَوَدَّ". والأصل "اوِدَوْدَدَ"، فقلبتَ الواو الأُولى ياء لسكونها وانكسار ما قبلها، ثمَّ فعلتَ3 به ما فعلتَ بـ"ارْدَوَدَّ".
وتقول في مضارع "ايدَوَدَّ": "يَوْدَوِدُّ"، فتردُّ الواو لزوال الكسرة قبلها.
وتقول في المصدر: "ايْدِيدادًا"، فتَقلبُ الواو الأُولى ياء لانكسار الهمزة قبلها، وتَقلبُ الواو "افعَوْعَلَ"4 ياءً لانكسار الدال قبلها.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 الكتاب 2: 402-404. والمنصف 2: 296-270.
2 يعني الأولى من الأخيرتين.
3 ف: وتفعل.
4 ف: وتقلب الثانية.

 

ص -489-      ذكر المسائل المبنية مما لا يجوز التصرُّف فيه:
تقول في مثل1 أُترُجَّة2, إذا بنيتَه من الهمزة3: "أُوْءُوْءَةٌ"4. والأصل "أُؤْأُؤْأَةٌ"، فاجتمعت خمس هَمَزات، فقَلبتَ الثانية واوًا لسكونها وانضمام ما قبلها، فحجزتْ بين الأُولى والثالثة5, وقَلبتَ الرابعة أيضًا واوًا لسكونها وانضمام ما قبلها، فحجزتْ بين الثالثة والخامسة. فإن خفَّفتَ الهمزة الثالثة6 قلتَ "أُوُوْءَةٌ"، ألقيتَ حركتها على الساكن قبلها وحذفتها7.
فإن قيل: فهلَّا أَبدلت الهمزتين واوين، وأَدغمت الواوين اللتين قبلهما فيهما كما تقول في مَقْرُوءَة: مَقْرُوَّةٌ، فكنتَ تقول فيها: "أُوُّوَّةٌ". فالجواب أنَّ الواو في مَقْروءة إنَّما زيدت للمدِّ، وليست منقلبة عن8 حرف أصليٍّ ولا غير أصليٍّ، فلا يمكن تحريكها لئلَّا تخرج من المدِّ الذي جيء بها من أجله، والواوان في "أُوْءُوْءَة" لم تزادا9 للمدِّ، بل هما بدل من حرفين أصليَّين وهما الهمزتان، فاحتملتا الحركة لذلك ولم تجريا مَجرى ما زِيد للمدِّ، كما تحرَّكت الواو10 في: هذا أَوَمُّ منك، ولم تقل: هذا آمُّ منك11، فتُجرَى مُجرى ألف "فاعَلَ"، بل حَملتِ الحركة؛ لأنها بدل من حرف أصليٍّ.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 المنصف 3: 106-109.
2 الأترجة: ثمرة شجر معروف.
3 م: الهمز.
4 م: أوءودة.
5 في النسختين: والثانية.
6 في م ومطبوعة المنصف: الثانية.
7 زاد في المنصف: وجهٌ بتخفيف الهمزة الخامسة. وذكر في المطبوعة أنها الثالثة.
8 المنصف: من.
9 م: لم يزادا.
10 في النسختين: "الألف". المنصف: الفاء.
11 ف: في أومّ ولم يقل: هذا آم.

 

ص -490-      وتقول في مثل مُحْمَرّ1 من الواو: "مُوَّوٍ"2. وأصله "مُوْوَوِوٌ"، فأدغمتَ الواو الأُولى في الثانية، وقلبت الرابعة ياء لتطرُّفها وانكسار ما قبلها فصار "مُوَّوِيًا"3.
فإن قال قائل: فهلَّا قلبتَ الواو الثالثة ألفًا لتحرُّكها وانفتاح ما قبلها. فالجواب أنَّ الذي منع من ذلك ما تَقَدَّمَ ذكره في التصريف، من أنَّ حرفَ العِلَّة إذا كان لامًَا ثمَّ ضُعِّف فإنَّ اللام الأُولى تجري مَجرى العين، والثانية مَجرى اللام. فكما أنَّ العين إذا كانت معتلَّة، [72أ] واللامُ كذلك، جرت العين مَجرى الحرف الصحيح فلم تعتلَّ4 فكذلك اللام الأُولى. ومن كره اجتماع ثلاث واوات أبدل الواو الثالثة5 ياءً؛ لأنها أقرب إلى الطرف، فسَهُل تغييرها لذلك أكثرَ من تغيير غيرها، فيقول: "مُوَّيٍ"6.ولا تُقلب الياء أيضًا ألفًا، لتحرُّكها وانفتاح ما قبلها، للعِلَّة التي تَقَدَّمَ ذكرها في الواو.
وتقول في مثل7 جالَينُوس من أَيُّوب: "آوَيْبُوب". فأظهرت العين؛ لأنها في القياس واو؛ لأنَّ أيُّوب إذا8 حُمِل على كلام العرب أشبه العَيُّوق فمثاله على هذا "فَيْعُول"، وهمزته9 أصل من: آبَ يَؤوبُ. فلذلك لَمَّا بنيتَ منه مثل: جالينُوس أَظهرتَ الواو، لزوال موجب قلبها ياء10. وهو إدغام ياء "فَيعُول" الساكنة فيها.
قال أبو عليٍّ11: ويجوز أن تكون العين ياء ساكنة كأنه من "أَيْب"، وإن لم تكن في كلام العرب كلمة من همزة وياء وباء؛ لأنه لا يُنكَر أن تأتي في كلام العجم لفظة12، ليس مثلها في اللغة العربيَّة. فإذا بنيتَ مثل: جالَينوس، على هذا، قلت: "آيَيْبُوب"13.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 م: محمد.
2 ف: "موّوّ". م: موّر.
3 م: موَوّيًا.
4 في النسختين: فلم يعتلّ.
5 ف: الثانية.
6 ف: "موّيٌ". وصوبت في الحاشية كما أثبتنا.
7 المنصف 3: 144. م: مثال.
8 م: إذ.
9 م: وهمزة.
10 م: واوًا.
11 المنصف 3: 144.
12 م: لفظ.
13 م: "آييوب". وفي حاشية ف عن نسخة أُخرى: "آييّوب" وعلَّق ابن مالك على ابن عصفور في حاشية ف بقوله: "كما ذكر الهمزة والواو كان ينبغي أن يذكر الياء والألف ويُكثر من الأمثلة كما فعل غيره لكنه...".

 

ص -491-      فهذه جملة من المسائل يتدرَّب بها المتعلِّم1، وله فيها غُنيةٌ وكفاية.
كمل كتاب التصريف، والحمد لله حقَّ حمده،
وصلَّى الله على محمَّد نبيِّه وعبده،
وعلى عباده الذين اصطفى2.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ف: المتكلم.
2 م: "كمل، والحمد لله ربِّ العالمين، وصلَّى الله على سيِّدنا محمَّد وآله. وكان الفراغ منه يوم الخميس الخامس عشر لشهر شوال من عام خمسة وثلاثين وسبعمائة". وعلَّق أبو حيان في حاشية ف ما يلي: "قابلتُ جميع هذا الكتاب مع شيخنا الإمام اللغويِّ الحافظ حجَّة العرب أوحد العصر رضيِّ الدين أبي عبد الله محمد بن علي بن يوسف الأنصاريِّ الأندلسيِّ، الشاطبيِّ. قاله كاتبه أبو حيَّان محمد بن يوسف بن عليٍّ بن حيَّان النفزيُّ الأندلسيُّ الجيَّانيُّ نزيل القاهرة".