المنصف لابن جني

ج / 1 ص -267-        قال أبو عثمان:
باب ما لحقته الزوائد1 من هذه الأفعال من بنات الثلاثة:
"إذا وقع حرف معتل متحرك بعد صحيح ساكن, حرك الصحيح وسكن المعتل وأعل":
فإذا كان الحرف الذي قبل الحرف المعتل من بنات الثلاثة2, ساكنا في الأصل ولم يكن ألفا ولا واوا ولا ياء، فإنك تسكن المعتل وتحول حركته على الساكن الذي قبله, وذلك مطرد في كلامهم، وسأبينه إن شاء الله، وذلك نحو "أجاد, وأقال3، وأبان, وأخاف3، واسْتَراثَ, واستعاذ" وأصله: "أجْوَدَ، وأقول4, وأبين، وأخوف، واسْتَرْيَث، واستعوذ", ولكنهم ألقوا حركة الواو والياء على الساكن الذي قبلهما؛ فانفتح ثم أبدلت الواو والياء ألفين لذلك.
قال أبو الفتح: الدلالة على صحة دعواه في أن أصل "أجاد وأخاف: أجْوَد وأخْوَف، واستراث واستعاد: استَرْيَث واستَعْوَد" ما ظهر من هذه الأمثلة المعتلة على أصله, وهو قوله تعالى:
{اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ}5.
وقولهم:

صددت فأطْوَلْتِ الصدود


ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ص، ظ: الزوائد, وش وهامش ظ: الزيادة.
2 من بنات الثلاثة: زيادة من ظ، ش.
3، 3 ظ: وأبان, وأباع، وأخاف.
4 وأقول: ساقط من ظ، ش.
5 من الآية 19 من سورة المجادلة 58.

 

ج / 1 ص -268-        وقولهم: "استَنْوَق الجمل", ولكنهم أرادوا إعلال هذه الأمثلة؛ لأنها كانت معتلة في الثلاثي، فنقلوا حركة الواو والياء إلى الساكن قبلهما, فقلبوهما ألفا لتحركهما1 في الأصل وانفتاح ما قبلهما. ولولا اعتلالهما في الثلاثي2 لما وجب إعلالهما الآن؛ لأن الواو والياء إذا سكن ما قبلهما جريا مجرى الصحيح.
المضارع مما تقدم يجري مجراه إلا أن الساكن يكسر:
قال أبو عثمان:
فإذا قلت: "هو يفعَل" من هذا أجريته ذلك المجرى, إلا أنك تحول على الساكن كسرة؛ لأن المعتل كان مكسورا في الأصل وذلك قولك: "هو يُخِيف" وأصله: "يُخْوِف", وكذلك "يسترِيث" وأصله: "يستَرْيِث", فأُلقيت3 حركتها على ما قبلها3 ثم قلبت الواو ياء؛ لأنها ساكنة قبلها كسرة. وما كان من الياء من هذا, فعلى هذا اللفظ مجراه نحو "هو يُبِين" وأصلها4: "يُبْيِن", ففعلت بها ما فعلت بأختها.
قال أبو الفتح: يقول من حيث وجب نقل الحركة من عين الفعل إلى فائه في "أقام، واستعاذ", وجب أيضا نقل الحركة من العين إلى الفاء في المضارع, إلا أن الذي تنقله في المضارع كسرة؛ لأن العين كانت مكسورة.
وقوله أخيرا: ففعلت بها ما فعلت بأختها، وهو يعني "يُبِين", يقول: نقلت الكسرة من الياء إلى ما قبلها, كما نقلتها من الواو في "يُخْيِف"5 إلى

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ظ: لتحركها.
2 ظ، ش: الثاني, وهو خطأ.
3، 3 ظ، ش: "حركتهما على ما قبلهما".
4 ش: وأصله. وهامش ظ: والأصل.
5 "في يخيف" غير واضح في ص.

 

ج / 1 ص -269-        ما قبلها وبقيت الياء بحالها؛ لأن الياء لا تبدل للكسرة قبلها, فهذا الذي صح ما قبل عينه.
فأما ما اعتلت فاؤه, فإنك لا تنقل إليها حركة العين, وذلك قولك في "أفعَلْتُ" من "آم، وآل: آيَمْتُ، وآوَلْتُ"؛ لأنه لما اعتلت الفاء وهي همزة فقلبت ألفا صحت العين. وعلى ذلك قول الشاعر:

يُنْبِي تجاليدي وأقتادها                           ناوٍ كرأس الفَدَن المُؤْيَد

فهذا "مُفْعَل" من الأيْد وهو القوة, ولم يقل: المُؤَاد.
وقال1 طرفة:

يقول وقد تر الوظيف وساقها                   ألست ترى أن قد أتيت بمُؤيد

وهي الداهية, وهي من الأيد أيضا ولم يقل: المُئِيد.
وقالوا: "آيدته" في "أفعلته" من الأيد، و"أيّدته" فعّلته, و"آيَدْتُه" قليلة مكروهة؛ لأنك إن صححت فهو ثقيل، وإن أعللت جمعت بين إعلالين.
فعُدِل عن "أفْعَلته" إلى "فعَّلته" في غالب الأمر.
جميع الأسماء المبدوءة بميم، الجارية على الأفعال المعتلة العينات، يجب إعلالها:
قال أبو عثمان:
والأسماء من هذه الأفعال إذا كانت في أوائلها الميم, فُعل بها ما فُعل بالمضارع من إلقاء الحركة على الساكن وقلب الساكن2 المعتل إلى ما قبله, وذلك قولهم: "مُقِيم، ومخيف، ومبين" وأصله: "مُقْوِم، ومخوف، ومبين"

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ظ، ش: قال.
2 الساكن: ساقط من ش.

 

ج / 1 ص -270-        فأُلقيت الحركة على الساكن وقُلبت الواو ياء؛ لسكونها وانكسار ما قبلها والياء تركتها ياء؛ لأنها ساكنة وقبلها كسرة.
قال أبو الفتح: اعلم أن جميع الأسماء الجارية على الأفعال المعتلة العينات يجب إعلالها, بتسكين الواو والياء منها, ونقل حركتهما إلى ما قبلهما, لا فصل بين الأسماء في هذا والأفعال.
وأسماء الفاعلين في هذا والمفعولين1 والظروف والمصادر سواء؛ لأنها كلها جارية على الأفعال، فيجب إعلالها؛ لاعتلال أفعالها، فاسم الفاعل "مُخِيف, ومبين" قد جريا مجرى "يُخِيف، ويقيل" والظروف قولك: "هذا مُقَام شأْز", إذا أخذته من "أقام" فجرى "مُقام" مجرى "يُقام".
ومن قال: "هذا مَقَام شأز" ففتح الميم, أخذه من "قام يقوم", وأصله "مَقْوَم", فجرى مجرى "يخاف" لأن أصله "يَخْوَف" كما أن أصل "مُقام: مُقْوَم" فجرى مجرى قولك: "هذا رجل مُقام عن موضعه".
وكذلك المصادر؛ لأنه إذا كان هذا الاعتلال سائغا في الظرف, فالمصدر أحق به, وذلك قولك: "عجبت من مَقامك على زيد، وقمت مَقاما" كما تقول: "قمت قياما".
اسم المفعول من هذا الباب يعل كالمضارع المبني للمفعول:
قال أبو عثمان:
وإذا كان الاسم مفعولا وفي أوله الميم, كان على مثل "يُفْعَل" إذا قلت: "هو يُخَاف، ويقال في بيعه، ويقام للناس" وذلك قولك: "هو مُخَاف،

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 والمفعولين: ساقط من ظ، ش.

 

ج / 1 ص -271-        ومُقال في بيعه، ومُقام للناس". والعلة في هذا وفي "يُفْعَل" واحدة؛ لأن "يُخاف "ويقام ويقال""1 أصله: "يُخْوَف2, ويقوم للناس، ويقيل في بيعه"2, فألقيت حركة المعتل على الساكن الذي قبله وقلبت المعتل ألفا لانفتاح ما قبله. وكذلك "مُقال، ومُخاف" أصله: "مُخْوَف، ومقيل في بيعه" ففعلوا به ما فعلوا بالفعل الذي هو في مثاله ولم يفرقوا ههنا3 بين الأسماء والأفعال؛ لأن الزيادة التي في أوائل4 الأسماء الميم, والميم ليست من زوائد الأفعال, فلم يخافوا التباسا5 فأجريا مجرى واحدا.
قال أبو الفتح: قوله6: وإذا كان الاسم مفعولا وفي أوله الميم, كلام فيه تسامح؛ لأن اسم المفعول لا يكون أبدا من جميع الأفعال إلا وفي أوله الميم، وإنما مخرج هذا الكلام منه على ضرب من التوكيد, وفيه من التسامح ما ذكرته.
وكان أجود من هذه7 العبارة أن يقول: واعلم أن اسم المفعول من هذا الباب يجري مجرى8 الفعل المضارع الذي لم يسم فاعله من هذا الباب؛ لأن "مُخافا" جرى مجرى8 "يُخاف" في الإعلال، وقد تقدم القول في مشاركة الأسماء -من هذه الأفعال- الأفعال التي جرت عليها.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ويقام ويقال: لم يرد في النسخ الثلاث, والمقام يقتضيه فزدناه ووضعناه بين معقوفين؛ للدلالة على زيادته.
2، 2 ساقط من ش، وكتب في ظ ثم رمج، وفيها "يقال" بدل "يقيل".
3 ههنا: ساقط من ظ، ش.
4 ظ، ش: أوله.
5 ظ، ش: الالتباس.
6 قوله: ساقط من ظ.
7 ظ: هذا، وهو خطأ.
8، 8 ساقط من ظ، ش.

 

ج / 1 ص -272-        وقوله: ولم يفرقوا بين الأسماء والأفعال؛ لأن الزيادة في أولها ليست من زوائد الأفعال.
يقول: فقد أمنوا الالتباس لمجيء الميم في أول الاسم, فالميم من خواصّ الزيادة في الأسماء, وحروف المضارعة نظيرة الميم في الأسماء، وإنما بابها الأفعال.
مجيء حروف المضارعة في أوائل الأسماء:
فإن قلت: فهلا قُصِرت حروف المضارعة على الأفعال, كما قصرت الميم على الأسماء, وقد سمعناهم يقولون: "أفْكَل, وأيْدَع, وتَنْضُب، وتَتْفُل", وغير ذلك مما في أوله الهمزة والنون والتاء والياء؟
قيل: إنما زيدت هذه الحروف التي بابها الأفعال في أوائل الأسماء؛ لقوة1 الأسماء وتمكنها وغلبتها للأفعال, فشاركت الأسماء في هذا الموضع الأفعال لقوتها2 ولم تشارك الأفعالُ الأسماءَ في زيادة الميم أولا في الأفعال؛ لضعف الأفعال عن الأسماء، وأكثر زيادة حروف المضارعة إنما هي في الأفعال.
ويدلك على أن أصل3 هذه الزيادات -أعني: حروف المضارعة- أن4 تكون في أول الأفعال, أن الأسماء التي جاءت على "أفْعَل" أكثرها صفات نحو "أحمر, وأصفر، وأخضر، وأسود5, وأبيض" والأسماء التي في أولها الهمزة على هذا البناء من غير الصفات قليلة.
ألا ترى أن باب "أحمر، وأصفر، وأسود، وأبيض6" أكثر من

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ظ, ش: بقوة.
2 لقوتها: ساقط من ش.
3 أصل: ساقط من ظ، ش.
4 ش: إنما.
5 وأخضر، وأسود: ساقط من ظ، ش.
6 وأسود وأبيض: زيادة من ظ، ش.

 

ج / 1 ص -273-        باب "أيْدَع، وأزْمَل، وأفْكَل", فلما أرادوا أن يكثر هذا المثال الذي في أوله الهمزة, جعلوه صفات لقرب ما بين الصفة والفعل.
ألا ترى أن كل واحد منهما ثانٍ للاسم, وأن الصفة تحتاج إلى الموصوف، كما أن الفعل لا بد له من الفاعل.
لو بني اسم على وزن الفعل صح, ولم يعل:
قال أبو عثمان:
فإذا كانت الزوائد التي في أوائل الأسماء هي الزوائد1 التي تكون في الفعل, وكان الاسم على زنة الفعل بالزوائد, فإن الأسماء تصحح2 ولا تعل. وذلك أنك لو بنيت من "قال: يقول" اسما على مثال "يفعَل، أو يفعُل, أو يفعِل" أو من باب "باع يبِيع", كنت قائلا: "يَقْوَل, ويَقْوِل, ويَقْوُل, ويبيِع, ويبيُع، ويبيَع", وإنما فعلت هذا لتفرق بين الأسماء والأفعال وكانت الأسماء أخف من الأفعال ولم يكن فيها "أفعَلُ، ونفعَلٌ، وتفعَلٌ، ويفعَلٌ" على معنى ما يكون في الأفعال, فصححوها لذلك حيث كانت الزيادة التي في أوائلها هي الزيادة التي تكون للأفعال, ولم يفعلوا ذلك بالأسماء التي في أوائلها الميم حين قالوا: "مَقَام، ومَبَاع، ومَقَاد3" وما أشبه ذلك؛ لأن الميم لا تكون من زوائد الأفعال.
قال أبو الفتح: سألت أبا علي وقت القراءة عن هذا الموضع, فقلت له: هلا أعللت هذه الأسماء التي في أوائلها زوائد الأفعال فأجريتها4

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 الزوائد عن ظ، وهي ساقطة من ص، ش وفوقها في ظ: نسخة.
2 ص وهامش ظ: "تصحح"، وظ، ش: تصح.
3 ظ، ش: مغار.
4 هامش ظ، ش: فأجريتها, وص، ظ: فجريتها.

 

ج / 1 ص -274-        مجرى1 الأفعال كما أعللت الثلاثي من الأسماء, فأجريته مجرى1 الأفعال الثلاثية, وذلك قولك: "باب، ودار، وناب2" كما قلت في الأفعال: "قام، وباع"؟
فقال: إنما أُعل "باب، ودار" ولم يصح فيفرق بينه وبين الفعل؛ لأنه ثلاثي فهو أصل، ولأن التنوين يدخله؛ فيفرق بينه وبين الفعل.
وأما3 غيره من ذوات الأربعة, فقد4 يشبه الفعل إذا سمي به5 بالزوائد التي في أوله, فيفارقه التنوين فيشبه الفعل, فصحح للفرق.
يقول: "باب ودار" ثلاثي مثل "قام، وباع", فليس الفعل أحق في هذا الموضع بالإعلال6 من الاسم. ألا ترى أن أصل "باب: بَوَب" كما أن أصل "قام: قَوَمَ" فالعلة فيهما واحدة، وباب ما في أوله زيادة الفعل وهو بها على أربعة أحرف، إنما هو للفعل دون الاسم, والاسم داخل عليه, فأعل الفعل كما يجب فيه, ثم دخل عليه الاسم, فأريد الفرق بينهما فصحح الاسم، ولأنك لو بنيت من "قام" اسما على "يَفْعُلٍ" فأعللته فقلت: "يَقومٌ" لالتبس بالفعل.
فإن قلت: إن التنوين يفصل بينهما، فالتنوين ليس بلازم. ألا ترى أنك لو بنيت من "قام" اسما على "يفعُلٍ" فأعللته فقلت: "يقوم", ثم سميت به رجلا أو امرأة, فجعلته عَلَما لزال التنوين والجر, فأشبه الفعل بالإعلال7 وسقوط التنوين والجر, و"باب، ودار" إذا جعلته عَلَما

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1، 1 ساقط من ظ، ش.
2 وباب: زيادة من ظ، ش.
3 أما: ساقط من ظ، ش.
4 فقد: ساقط من ش، وهو في ظ: فيه, وهو خطأ.
5 به: ساقط من ظ، ش.
6 ظ: الإعلال.
7 ظ، ش: بالاعتلال.

 

ج / 1 ص -275-        فالتنوين لازم له, فجرت إبانة التنوين أن الكلمة اسم لا فعل، مجرى إبانة الميم المزيدة في أول الاسم الجاري على الفعل, أن الكلمة اسم لا فعل، فمن هنا وجب تصحيح "يَفْعُل" اسما من "قام" ونحوه، ووجب إعلال "باب، ودار".
مجيء "مَزْيَد، ومحبب، وبنات ألببه" من الأسماء شواذ:
قال أبو عثمان:
فإن قلت: فقد1 جاء "مزيد", فإنما هذا شاذ كما شذ "محبب, وبنات ألببه" فإنما يحفظ هذا.
قال أبو الفتح: هذه زيادة زادها على نفسه, يقول: فإذا كان الأمر كما ذكرت, فهلا قالوا في "مَزْيَد: مَزَاد"؛ لأن في أوله الميم كما قالوا: "مَقام، ومَباع" وأصلهما: "مَقْوَم، ومَبْيَع"؟
قال: فالجواب: أن هذا اسم شذ عن القياس كما شذ "محبب", وكان قياسهما عنده "مزادا، ومحبا" وقد ذكرت هذا فيما تقدم, وأريت من أين كثر التغيير في الأعلام.
فأما "بنات ألببه" فذكر أبو عثمان2 عن أبي العباس أن الهاء عائدة فيه على الحي، أي: بنات ألبب الحي، وإذا كان كذلك فليس "ألبب" عَلَما، ولو كان علما لكان أقرب قليلا.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ظ، ش: قد.
2 ظ، ش: أبو بكر.

 

ج / 1 ص -276-        وأخبرني أبو علي أن الكوفيين يروُونه "بنات ألببه" يريدون: جميع "لب", ومعناه: بنات ألب الحي، كما يقال1: بنات أعلمه.
وذهب أبو العباس إلى أن نحو "مَقام، ومَباع" إنما اعتل؛ لأنه مصدر للفعل، أو مكان، دون أن يكون فُعِل ذلك به؛ لأنه على وزن الفعل.
وأنكر ذلك أبو علي, وقال: ألا ترى إلى2 إعلالهم نحو "باب، ودار" ولا نسبة بينه وبين الفعل أكثر من الوزن. فأما اعتلاله "بمَزْيَد, ومَرْيَم" فاسمان عَلَمان, والأعلام تغير كثيرا عن القياس.
وأما اعتلاله بمَقْوَدَة فعليه لا له؛ لأنها مصدر، وإنما هي شاذة.
وحكى أبو زيد: "وقع الصيد في مَصْيَدتنا" بفتح الميم, فهذا شاذ مثل "مَقْوَدة".
وحكى: "هذا شيء مَطْيَبَة للنفس" و"هذا شراب مَبْوَلَة" وهذا كله شاذ.
مجيء "استحوذ، وأغيلت المرأة" من الأفعال شواذ:
قال أبو عثمان:
ونظير هذا من الفعل
{اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ}3, و"أَغْيَلَت المرأة، وأجْوَد، وأطْيَب" إلا أن هذا يكون فيه الاعتلال، ويجري على قياس الباب المطرد, إلا في "استحوذ, وأغيلت", فإنا لم نسمعهما معتلين4 في اللغة، ورُبّ حرف هكذا، فاحفظ ما جاء من هذا ولا تقسه، فإن مجرى بابه على خلاف ذلك.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ص: يقول.
2 ظ، ش: أن, وهو خطأ فاحش.
3 من الآية 19 من سورة المجادلة 58.
4 ص وهامش ظ: معتلين. وظ، ش: معتلتين.

 

ج / 1 ص -277-        قال أبو الفتح: يقول: نظير "مزيد, ومحبب" في أنهما خرجا1 عن القياس, قولهم في الفعل: "استحوَذ، وأغْيَلت، وأجود، وأطيب"2 وقياسه: "استحاذ، وأغالت, وأجاد، وأطاب".
وقد ذكرت العلة في أن خرج بعض المعتل على أصله, وأنه إنما جعل تنبيها على باقي المعتل. واقتصارهم على تصحيح "استحوذ، وأغيلت" دون الإعلال مما يؤكد اهتمامهم بإخراج ضرب من المعتل على أصله, وأنه إنما جعل3 تنبيها على الباقي ومحافظة على إبانة الأصول المغيرة. وفي هذا ضرب من الحكمة في هذه اللغة العربية.
وقوله: فاحفظ هذا ولا تقسه، أي: لا تقل في "استقام: استَقْوَم" ولا في "استعان: استعون", فإن هذا خارج عن القياس والاستعمال جميعا.
وأخبرنا ابن مقسم عن ثعلب قال: يقال: "استَصْوَبت4 الشيء" ولم يقل: "استَصَبْتُ5"، و"استنوق الجمل، واستتيست الشاة" ولو يقولوا: "استناق" ولا "استتاست6" وقد كرر ذكر7 المطرد والشاذ في غير موضع من هذا الكتاب، وأنا أشرح أحوالهما.
اعلم أن المطرد والشاذ عند أهل العربية على أربعة أضرب: مطرد في القياس والاستعمال جميعا، ومطرد في القياس شاذ في الاستعمال، ومطرد في الاستعمال شاذ في القياس، وشاذ في القياس والاستعمال جميعا.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ص، هامش ظ: خرجا. وظ، ش: خارجان.
2 وأطيب: ساقط من ظ، ش.
3 وأنه إنما جعل: زيادة من ظ، ش.
4 ظ، ش: استوصيت.
5 ظ، ش: استأصيت.
6 ظ، ش: استاس.
7 ذكر: ساقط من ظ، ش.

 

ج / 1 ص -278-        فالمطرد في القياس والاستعمال جميعا, هو الذي لا نهاية وراءه, نحو رفع الفاعل ونصب المفعول.
والمطرد في القياس الشاذّ في الاستعمال, نحو الماضي من "يَذَر، ويَدَع" لا يقال فيهما: "وَذَرَ، ولا وَدَعَ" وليس هنا شيء يدفعهما من طريق القياس.
قال سيبويه: استغني عنهما بترك, وهذه ليست حجة قاطعة ولكن فيها ضربا من التعلل.
والمطرد في الاستعمال الشاذ في القياس، قولهم: "استحْوَذ، وأغيلت المرأة" القياس يوجب إعلالهما؛ لأنهما بمنزلة "استقام، وأبانت", ولكن السماع أبطل فيهما القياس. وحكى ابن السكيت: "أغالت المرأة, وأغيلت" إذا سقت ولدها الغَيْل، ولا يعرف أصحابنا الاعتلال.
قال أبو علي: والشاذ في القياس والاستعمال جميعا, ما أجازه أبو العباس من تَتْميم "مفعول" من ذوات الواو التي هي عين؛ لأنه أجاز في "مَقُول: مَقْوُول", وفي "مصوغ: مصووغ" قال: لأن ذلك ليس بأثقل من "سُرْت سُوورا, وغارت عينه غوورا" قال أبو علي: فسبيله في هذا سبيل من قال "قام زيدا"؛ لأنه خارج عن القياس والاستعمال.
وكذلك قول الآخر:

يا صاحبي فدت نفسي نفوسكما                وحيثما كنتما لاقيتما رشدا

إن تقضيا حاجة لي خف محملها                  تستوجبا نعمة عندي بها ويدا

أن تقرأان علي أسماء ويحكما                     مني السلام وألا تعلما أحدا

فسألت أبا علي عن ثبات النون في "تقرأان" بعد "أن"؟
فقال: "أن" مخففة من الثقيلة, وأولاها الفعل بلا فصل للضرورة،

 

ج / 1 ص -279-        فهذا أيضا من الشاذ عن القياس والاستعمال جميعا، إلا أن الاستعمال إذا ورد بشيء أُخذ به وتُرك القياس؛ لأن السماع يبطل القياس.
قال أبو علي: لأن الغرض فيما ندونه من هذه الدواوين, ونثبته من هذه القوانين, إنما هو ليلحق من ليس من أهل اللغة بأهلها، ويستوي من ليس بفصيح ومن هو فصيح. فإذا ورد السماع بشيء لم يبق غرض مطلوب, وعُدل عن القياس إلى السماع.
إذا سميت بالفعل "يَزِيد" بعد إعلاله, بقي على إعلاله:
قال أبو عثمان:
فأما "يزيد" اسم رجل، فإنما اعتل من قِبَل أنه كان فعلا لزمه الاعتلال، ثم نُقِل من الفعل فسمي به, فهو المعتل نظير "يَشْكُرُ" في الصحيح, فأجرِ الباب1 على ما ذكرت لك.
قال أبو الفتح: يقول: إن "يزيد" هذا منقول من الفعل، وإنما هو مضارع "زاد", فصار كـ "باع، يبيع", ثم نقل بعد أن لزمه الاعتلال، فكذلك لو نقلت "يبيع" لتركته معتلا كـ "يزيد".
فأما لو ارتجلت اسما على "يفعِل" من "باع، وزاد" لقلت: "يَبْيِع، ويَزْيِد" فصححتهما ولم تعلهما.
ونظير "يزيد" في النقل: "يشكر، وتغلب".
وقد سموا أيضا "تَزِيد" بالتاء، قال أبو ذؤيب:

يعثرن في حد الظبات كأنما                  كُسيت برود بني "تزيد" الأذرع


ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 الباب: عن ص وهامش ظ. وفي صلب ظ، ش: ذلك.

 

ج / 1 ص -280-        والقول في "تزيد، ويزيد" واحد.
إذا بنيت من "يخاف" ونحوه اسما على "يفعل" صححته:
قال أبو عثمان:
فإن قلت: ابن "يُفْعِل" من "يخاف" اسما؟
قلت: "يُخْوِف", وكذلك أخواته لا تعل إذا صغته اسما.
قال أبو الفتح: قد تقدم مثل هذا وشرحه, ومن أين وجب تصحيح هذه الأمثلة إذا بنيت أسماء1.
إعلال اسم الفاعل من "قام، وباع" ونحوهما:
قال أبو عثمان:
وأما فاعلٌ من "قام، وباع", فإنه يعتل ويهمز موضع العين منه، فتقول: "بائع، وقائم"2, وجميع ما أعل فعله, ففاعل منه3 معتل4.
قال أبو الفتح: إنما وجب همز عين اسم الفاعل إذا كان على وزن فاعل نحو "قائم، وبائع"؛ لأن العين كانت قد5 اعتلت فانقلبت في "قام6، وباع" ألفا، فلما جئت إلى اسم الفاعل وهو على فاعل, صارت قبل عينه ألف فاعل, والعين قد كانت انقلبت ألفا في الماضي، فالتقت في اسم الفاعل ألفان، وهذه صورتهما "قَاْاْم" فلم يجز حذف إحداهما، فيعود إلى لفظ "قام"

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ظ، ش: اسما.
2 في النسخ الثلاث: "قائل" وهو خطأ، والصواب: "قائم" كما أثبتناه؛ لأنه اسم فاعل من قام الذي مثل به.
3 ففاعل منه: ساقط من ظ، ش.
4 ظ، ش: معل.
5 قد: ساقط من ظ، ش.
6 ص: قال.

 

ج / 1 ص -281-        فحرّكت الثانية التي هي عين, كما حرّكت راء "ضارِب", فانقلبت همزة؛ لأن الألف إذا حركت صارت همزة، فصارت1 "قائم، وبائع" كما ترى؛ ويدل على أن الألف إذا تحركت انقلبت همزة, قراءة أيوب السختياني: "غيرِ المغضوب عليهم ولا الضَّألِّين"2 لما حرك الألف لسكونها وسكون اللام الأولى3 بعدها انقلبت همزة.
وحكى أبو العباس, عن أبي عثمان, عن أبي زيد أنه قال: سمعت عمرو بن عبيد يقرأ4: "فيومئذ لا يْسأل عن ذنبه إنس ولا جان"5, فظننته قد لحن, إلى أن سمعت العرب تقول6: "شَأَبَّة، ودَأَبَّة"!
قال أبو العباس: فقلت لأبي عثمان: أتقيس هذا؟ قال: لا، ولا أقبله.
وقال الراجز:

خاطمها زَأَمَّها أن تذهبا

وجاءت في شعر كثير: "احْمَأَرّت" يريد "احمارّت".
كما أراد الأول "زَأَمَّها".
فهذه الهمزات في هذه7 المواضع، إنما وجبت عن تحريك الألف؛ لسكونها وسكون ما بعدها.
فكذلك قُلبت الألف المنقلبة عن عين الفعل في اسم الفاعل من "قام" همزة، وذلك قولهم: "قائم" وكذلك "خائف، وبائع، ونائم".

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ظ، ش: فصار.
2 من الآية السابعة, وهي الأخيرة من سورة الفاتحة 1.
3 الأولى: ساقط من ظ، ش.
4 يقرأ: ساقط من ظ.
5 الآية 39 من سورة الرحمن 55.
6 ظ، ش: يقولون.
7 ظ: هذا، وهو تصحيف.

 

ج / 1 ص -282-        إعلال اسم الفاعل من "أَفْعَلَ واسْتَفْعَلَ":
قال أبو عثمان:
و"فاعِلٌ" من "أَفْعَلَ" مُعَلّ, وإعلاله إسكان عينه وطرح حركتها على الساكن، وأما الفاعل من "استقام، واستفاد", فإنه "مستقيم، ومستفيد", وقد ذكرت لك أصل هذا, وإلقاء الحركة على ما قبل المعتل, وإسكان المعتل في هذا1 في صدر هذا2 الباب.
قال أبو الفتح: يريد: اسم الفاعل من أفعل "مقيم، ومريد".
وقد تقدم ذكر هذا كله وشرحه, ومن أين وجب إعلاله؟
إعلال اسم المفعول من نحو "قيل، وبيع":
قال أبو عثمان:
و"مفعول" من هذا معتل3 كما اعتل "فاعل"4 إلا أن اعتلاله بحذف حرف منه، فإن كان "مفعول" من "فُعِل" وكان5 من الواو, ظهرت فيه الواو نحو "مَقُول، ومَصُوغ"؛ لأنه من "القول، والصوغ" وإن كان من "فُعِل" وكان من الياء, ظهرت فيه الياء نحو "مَعِيب، ومبيع، ومسير به".
قال أبو الفتح: إنما وجب إعلال "مفعول" من حيث وجب إعلال "فاعل", وكلاهما من قبل الفعل وجب إعلاله؛ لأنهما جاريان عليه وهو معتل

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 في هذا: ساقط من ظ، ش.
2 هذا: زيادة من ظ، ش.
3 ظ، ش: يعتل.
4 ظ، ش: الفاعل.
5 ظ: فكان.

 

ج / 1 ص -283-        فأرادوا1 أن يكون العمل من وجه واحد, فألزموا تصريف الفعل الاعتلال2, وعلى أن "فاعلا" أجري على الفعل من "مفعول"؛ لأنه بوزنه3 وليس "مفعول" كذلك.
وقوله: فإن4 كان "مفعول" من "فُعِلَ" إنما قال هذا؛ لأنه قد يكون من "فُعل" ومن "أُفعل" ومن "استُفعل" وغير ذلك، وإنما قصد هنا ذكر بناء "مفعول", و"مفعول" إنما يجيء من "فُعل" نحو "ضُرب فهو مضروب, وقتل فهو مقتول" ولهذا5 ذكر "فعل" ولم يهمل البيان.
وسيذكر أبو عثمان ما عرض في "مقول, ومبيع" من التغيير والحذف, ويذكر الخلاف بين الخليل وأبي الحسن, وأُتبعه ما عندي فيه، إن شاء الله.
إتمام بني تميم "مفعولا" من نحو "بيع، وعيب":
قال أبو عثمان:
وبنو تميم -فيما زعم علماؤنا- يتمون مفعولا من الياء, فيقولون: "مبيوع، ومعيوب6, ومسيور به" فإذا7 كان من الواو لم يتموه، لا يقولون في "مَقُول: مَقْوُول" ولا في "مصوغ8: مصووغ" البتة.
وإنما أتموا في9 الياء؛ لأن الياء وفيها الضمة, أخف من الواو وفيها الضمة,

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ظ، ش: فأراد.
2 الاعتلال: ساقط من ظ، ش.
3 ظ، ش: يوازنه.
4 ظ، ش: وإن.
5 ظ، ش: فهذا.
6 ومعيوب: ساقط من ظ، ش.
7 ظ، ش: وإذا.
8 في مصوغ: زيادة من ظ، ش.
9 في: ساقط من ظ، ش.

 

ج / 1 ص -284-        ألا ترى أن الواو إذا انضمّت فروا منها إلى الهمزة, فقالوا: "أَدْؤُر، وأَثْؤُب، وأنؤر1". قال الراجز:

لكل دهر قد لبست أثؤبا

فالهمز في الواو إذا انضمت مطرد، فأما إذا كانت كذلك وبعدها واو, كان ذلك أثقل لها؛ فلذلك ألزموها الحذف في "مفعول"، والياء إذا انضمت لم تهمز ولم تغير، فهذا يدلك ويبصرك أن الياء أخف.
قال أبو الفتح: قد ذكر أبو عثمان العلة في جواز تتميم بني2 تميم لـ "مفعول" من الياء, وأن الياء خفيفة ليست في ثقل الواو، فاحتملت الضمة لذلك.
ووجه حذف من حذف الياء فقال: "مَعِيب"؛ أنها لما اعتلت في "عِيبَ" أراد أن يعلها في اسم المفعول.
ومن أتم فقال: "مَعْيُوب" شجّعه على ذلك سكون ما قبل الياء، فجرت لذلك مجرى الصحيح.
ولا تنكر أن يصححوا اسم المفعول وإن كان الفعل معتلا، ألا ترى أنهم قالو: "غُزِيَ" فقلبوا اللام, وقالوا: "مَغْزُوّ" فصححوها.
وإنما جاز التصحيح في اسم المفعول؛ لأنه وإن كان جاريا على الفعل فإنه ليس على وزن المضارع، ألا ترى أن قائما3 لما كان على وزن المضارع في الأصل بالحركة والسكون والعدة, لم يكن إلا معتلا، وقد تحجّر أنه لا يتم مفعول من ذوات الواو، وهذا هو الأشهر.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 وأنؤر: ساقط من ظ، ش.
2 ظ: من.
3 ظ، ش: قام، وهو خطأ.

 

ج / 1 ص -285-        وقد حكى غيره أنهم يقولون: "ثوب1 مَصْوُون" والأكثر "مَصُون". وأنشدوا قول الراجز:

والمسك في عنبره المَدْوُوف

والأشهر "مَدُوف", وقالوا: "رجل مَعْوُود، وفرس مقْوُود، وقول مقْوُول".
وأجاز أبو العباس إتمام "مفعول" من الواو خلافا لأصحابنا كلهم, وقال: ليس بأثقل2 من "سُرت سُوورا, وغرت3 غوورا"؛ لأن في "سوور, وغوور" واوين وضمتين وليس في4 "مصوون" مع الواوين إلا ضمة واحدة.
قال أبو علي: وهذا خطأ5؛ لأنه يجيز5 شيئا ينفيه القياس وهو6 غير مسموع. فقياسه6 قياس من قال: "ضربت زيد", فأما "سرت سوورا"7 فلو لم7 يسمع لما قيل.
وأيضا: فلو أعلّوا في "سوور" لأسكنوا الواو الأولى وبعدها واو ساكنة, فيجب حذف إحداهما, فيصير8 على وزن "فُعْل"، فكرهوا التباس مثال: فعول بفُعْل، واسم المفعول من فُعِل8 وزنه "مفعول" أبدا نحو "ضرب فهو مضروب", فأُمن الالتباس في "مصوغ، ومقول", فجرى على ما يجب فيه من الإعلال.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ثوب: ساقط من ظ، ش.
2 ظ، ش: بأقل.
3 غرت: ساقط من ظ، ش.
4 في: ساقط من ظ.
5، 5 ظ، ش: "لأنه ليس يجيز".
6، 6 ظ، ش: "غير مسموع, قال: فقياسه".
7، 7 ظ، ش: "فلم".
8، 8 ساقط من ظ، ش.

 

ج / 1 ص -286-        وإنما لم يتم "مفعول" من الواو إلا في الحروف الشاذّة التي ذكرنا1؛ لأنه اجتمع فيه مع اعتلال فعله أنه من الواو, وأنه تجب ضمة واوه وبعدها واو "مفعول", فتجتمع واوان وضمة.
و"معيوب"2 إنما اجتمع فيه ياء وواو وضمة، وإذا كان القياس في "معيوب"3 الإعلال مع أن الياء دون الواو في الثقل, فمفعول من الواو لثقله أحرى ألا يجوز فيه التصحيح.
وهذا طريق مستمر4 في العربية لا ينكسر أن يُحتمَل أمر واحد, فإذا انضمّ إليه سبب آخر لم يحتملا، وعليه باب ما لا ينصرف أجمع.
وسيأتي في هذا الكتاب منه5 ما أنبه عليه بمشيئة الله.
ما ورد عن العرب من نحو "مغيوم، ومطيوبة":
قال أبو عثمان:
وسمعت الأصمعي يقول: سمعت أبا عمرو بن العلاء يقول: سمعت في شعر العرب:

وكأنها تفاحة مَطْيوبة

وقال علقمة بن عبدة:

يوم رَذَاذ عليه الدجن مغيومُ

أخبرني أبو زيد أن تميما تقول ذلك، ورواه الخليل وسيبويه عن العرب.
قال أبو الفتح: هذه شواهد لجواز إتمام "مفعول" من ذوات الياء، وقد

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ظ، ش: ذكرناها.
2، 3 ظ، ش: معيوف, في الموضعين.
4 ظ، ش: مستقيم.
5 منه: ساقط من ظ، ش.

 

ج / 1 ص -287-        قالوا: "طعام مَزِيت ومَزْيُوت, ورجل مدين ومديون" وهو واسع فاشٍ.
اختلاف الأئمة في المحذوف من "مفعول" من نحو "بيع، وقيل":
قال أبو عثمان:
وزعم الخليل، وسيبويه أنك إذا قلت: "مَقُول ومَبِيع", فالذاهب لالتقاء الساكنين واو "مفعول".
وقال الخليل: إذا قلت: "مبيوع" فألقيت حركة الياء على الباء, سكنت1 الياء التي هي2 عين الفعل وبعدها واو "مفعول", فاجتمع ساكنان, فحُذفت واو "مفعول" وكانت أولى بالحذف؛ لأنها زائدة، وكان حذفها أولى ولم تحذف الياء؛ لأنها عين الفعل.
وكذلك "مَقُول" الواو الباقية عين الفعل والواو3 المحذوفة واو "مفعول".
وكان أبو الحسن يزعم أن المحذوفة عين الفعل والباقية، واو "مفعول" فسألته عن "مبيع".
فقلت: ألا ترى أن الباقي في "مبيع" الياء، ولو كانت واو "مفعول" لكانت: "مَبُوع"؟
فقال: إنهم لما أسكنوا ياء "مبيوع" وألقوا حركتها على الباء, انضمت الباء, وصارت بعدها ياء ساكنة فأبدلت مكان الضمة كسرة للياء التي بعدها، ثم حذفت الياء بعد أن ألزمت الباء كسرة للياء التي حذفتها، فوافقت واو "مفعول" الباء مكسورة، فانقلبت ياء للكسرة التي قبلها، كما انقلبت واو

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ظ، ش: وسكنت.
2 هي: ساقط من ظ.
3 الواو: عن ظ وفوقها بين السطور: نسخة، وهي ساقطة من ص، ش.

 

ج / 1 ص -288-        "ميزان، وميعاد" ياء للكسرة التي قبلها، وكلا الوجهين حسن جميل، وقول الأخفش أقيس.
قال أبو الفتح: إنما وجب إسكان عين الفعل من "مبيوع, ومقوول" عندهم جميعا؛ لأن "قيل، وبيع" عندهم1 معتلان, فأرادوا إعلال اسم المفعول منهما.
ولأن الضمة مستثقلة في الياء والواو، كما ذكر أبو عثمان قبل, ثم حدث2 من التغيير ما ذكره أبو عثمان عن الخليل, وسيبويه، والأخفش. ولكل واحد من الاعتلال لصحة مذهبه، وما يمكن أن يحتج به عنه, ما3 أذكره.
فأما الخليل, فيقوي مذهبه في أن المحذوف واو مفعول -فيما ذكره أبو علي- قول الشاعر:

سيكفيك صَرْب القوم لحم معرض                 وماء قدور في القصاع مشيب

فقال: قوله: "مَشِيب" أصله "مَشُوب"؛ لأنه من "شُبْتُ الشيء أشوبه" إذا خلطته بغيره. فلو كانت الواو في "مشوب" واو "مفعول" لما جاز أن تقول فيها "مَشِيب"؛ لأن واو "مفعول" لا يجوز قلبها إلا أن تكون لام الفعل معتلة نحو قولهم: "رُمي فهو مرمِيّ، وقضي فهو مقضي" ولكن الواو في "مشوب" عين الفعل فقلبها4 ياء, كما قلبها الآخر في قوله:

أزمان عيناء سرور المسرور

عيناء حوراء من العين "الحير"

وأصله "الحُور"؛ لأنه جمع حَوْراء.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 عندهم: ساقط من ظ، ش.
2 ظ، ش: حذف، وهو خطأ.
3 ظ: عما, وش: مما.
4 فقلبها: ساقط من ظ، ش.

 

ج / 1 ص -289-        فالواو في "مَشُوب" عين الفعل بمنزلتها في "الحُور"؛ ألا ترى أنه قلبها في "مشوب" كما قلبها في "الحور".
وقد جاء مثل "مَشِيب" مما قلبت فيه عين الفعل, وهو قولهم: "أرض مَمِيت عليها" يريدون: مَمُوت عليها, و"غار مَنِيل" وهو من الواو وأصله1: "مَنُول".
قال أبو علي: معناه: ينال ما2 فيه. وقال الراجز:

دار لأسماء يعفِّيها المور                     والدجن يوما والسحاب المهمور

قد درست غير رماد مكفور                  مكتئب اللون مريح ممطور

يريد بـ "مريح: مَرُوحا" لأنه3 من الروح.
فهذا كله يشهد بصحة قول الخليل: إن المحذوف من "مقول، ومبيع" واو "مفعول".
وأما4 ما ذهب إليه أبو الحسن وزيادة أبي عثمان عليه, وانفصاله من الزيادة فعجب من العجب, وقوله في هذا يكاد يرجح عندي على مذهب الخليل وسيبويه؛ وذلك أن له أن يقول: إن واو "مفعول" جاءت لمعنى وهو المد5, والعين لم تأت لمعنى6, فحذف العين6 التي لم تأت لمعنى, وتبقية7 ما جاء لمعنى وهو الواو الزائدة أولى، كما تقول: "مررت بقاضٍ" فتحذف الياء؛ لأنها لم تأت لمعنى, وتبقي التنوين الذي جاء لمعنى الصرف.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ظ، ش: وأصلها.
2 ما: زيادة من ظ، ش.
3 لأنه: ساقط من ظ، ش.
4 ظ، ش: فأما.
5 وهو المد: ساقط من ظ، ش.
6، 6 ظ، ش: فحذفت العين.
7 ظ، ش: في تبقية.

 

ج / 1 ص -290-        وشيء آخر يدل على صحة مذهب أبي الحسن، وهو أن هذه العين قد اعتلت في "قال، وباع، وقيل، وبيع" وفي أصل: "مَبِيع، ومَقُول", فكما أُعلت بالإسكان والقلب، كذلك أعلت أيضا بالحذف, وواو "مفعول" لم تنقلب من شيء ولم تعتل في الفعل1, فكان تركها وحذف المعتل أوجب.
ألا ترى إلى قولهم: "اتقّى" وأصله: "اوْتَقَى", فلما أعلت الفاء بقلبها تاء, أعلت بالحذف فيما أنشدناه أبو علي, وقرأته عليه في النوادر عن أبي زيد:

تَقُوه أيها الفتيان إني                       رأيت الله قد غلب الجدودا

وأنشدنا أيضا عنه:

قصرت له القبيلة إذ تجهنا                        وما ضاقت بشدته ذراعي

وأصل هذين: "اتّقوه, واتّجهنا".
قال أبو علي: ولكنه لما أعل الفاء بالقلب، أعلها بالحذف, فكذلك لما أعلت عين "مفعول" بالإسكان والقلب، أعلت أيضا2 بالحذف.
وأيضا فإن العين في "مقول, ومبيع" قد حذفت في قولهم: "قل, وبع" ونحو ذلك، فكما3 حذفت في غير هذا الموضع، كذلك حذفت هنا.
وللخليل أن يقول: إن الساكنين إذا التقيا في كلمة واحدة4, حرك الآخر منهما، فكذا يحذف الآخر منهما.
ولأبي الحسن أن يرد هذا ويقول: إنهما إذا التقيا في كلمة واحدة4، حذف الأول نحو "خَفْ، وقُلْ، وبِعْ", لا سيما إذا كان الثاني منهما جاء لمعنى,

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ظ، ش: العين.
2 أيضا: ساقط من ظ، ش.
3 ظ، ش: وكما.
4، 4 ساقط من ظ، ش.

 

ج / 1 ص -291-        نحو التنوين "غازٍ" ونحوه، وكما أعلت العين بالقلب مع ألف "فاعل" نحو "قائم", كذلك أعلت بالحذف مع واو "مفعول".
وللخليل أن يقول: إن الميم في أوله يدل على أنه اسم المفعول, فتحذف الواو؛ لأنها زائدة.
ولأبي الحسن أن يقول: إن "مَبِيعا" يشبه" مَقِيلا، ومسيرا" وهما مصدران.
فلهذه العلل المتكافئة, قال أبو عثمان: "وكلا الوجهين حسن جميل", ولقوة قول أبي الحسن قال: "وقول الأخفش أقيس".
وقوله في هذا عجيب، وإن كان قد ناقض فيه فيما1 يجيء، وستراه بُعَيد إن شاء الله.
اختلاف الأئمة في المحذوف من مصدر "أقام، وأخاف" ونحوهما:
قال أبو عثمان:
فإذا قلت من "أفعَلْت" مصدرا نحو "أقام إقامة، وأخاف إخافة", فقد حذفتَ من "إقامة، وإخافة" ألفا؛ لالتقاء الساكنين.
فالخليل وسيبويه يزعمان أن المحذوفة هي الألف التي تلي آخر الحرف، وهي نظيرة واو "مفعول" في "مقول, ومخوف".
وأبو الحسن يرى أن موضع العين هو المحذوف، وقياسه على2 ما ذكرت لك.
قال أبو الفتح: أصل "إقامة، وإخافة، وإبانة: إِقْوَامة، وإِخْوَافة،

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ظ، ش: بما.
2 على: ساقط من ش.

 

ج / 1 ص -292-        وإِبْيَانة", فأرادوا أن يعلوا المصدر؛ لاعتلال "أقام، وأبان", فنقلوا الفتحة من الواو، والياء، إلى ما قبلهما، ثم قلبوهما ألفين, وبعدهما ألف "إفعالة"، فصار كما ترى: "إقاامة، وإباانة"1.
فذهب أبو الحسن إلى أن المحذوفة هي2 الألف الأولى، وذهب الخليل إلى أن المحذوفة هي3 الألف الثانية, وهي الزائدة -على ما تقدم من مذهبهما- والكلام ثم، والاحتجاج وهو الكلام، والاحتجاج هنا.
ما لا يعتل من محول إليه وهو "اختار، وانقاد" ومضارعهما، وما كان نحوهما:
قال أبو عثمان:
وإذا كان الحرف الذي قبل المعتل متحركا في الأصل لم يغيروه, ولم يعتل الحرف من محول إليه4 كما اعتلت "قُلت, وبِعت" من محول إليه4؛ كراهية أن يحول إلى ما ليس من كلامهم، وذلك قولهم: "اختاروا, واعتادوا، وانقادوا" وكذلك المضارعة5 من هذا تجري هذا المجرى نحو "يختارون، ويعتادون، وينقادون".
قال أبو الفتح: أصل "اختار، واعتاد، وانقاد: اختَيَر، واعتَوَد، وانقَوَد".
يقول: فلم يحول "افتَعَل، وانفَعَل"6 من الياء إلى "افتَعِل، وانفَعِل" ولا حُوِّل "افتَعَل، وانفَعَل"6 من الواو إلى "افتعُل، وانفعُل"

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ظ، ش: إقامة وإبانة.
2، 3 هي, في الموضعين: ساقط من ظ، ش.
4، 4 ساقط من ظ، ش.
5 ص: المضارع.
6، 6 ساقط من ظ، ش.

 

ج / 1 ص -293-        كما حُوِّل "قُلت، وبِعت" من "فعَلت" إلى "فعُلت, وفعِلت"؛ لأن في كلامهم "فعِلت، وفعُلت" وليس في كلامهم "افتعُل، وانفعُل" ولا "افتعِل، وانفعِل".
فهذا معنى قوله: "كراهية أن يخرج إلى ما ليس في كلامهم" وقد كان القياس إذ غيروا "فعَلت" أن يغيروا "افتعلت، وانفعلت" ولكن امتنعوا من ذلك كراهية أن يخرجوا إلى ما لا نظير له، ولو فعلوا ذلك لكان قياسه أن يقولوا: "اخْتِرْت، واعْتُدْت، وانقُدْت" ولكن هذا لا يقال لما ذكرنا.
وقوله: وكذلك المضارعة من هذا تجري هذا المجرى.
يقول: إنما يقولون: يختارون، وينقادون, ولا يقولون1: "يختَيِرون، وينقَوِدون" كما قالوا: "يبيع، ويقوم" لأن هذا لم يحول كما يحول2 "قُمت، وبِعت".
وأصل "يختارون، وينقادون: يختَيِرون، وينقَوِدون" فأسكنت الياء والواو ثم قلبتا3 لانفتاح ما قبلهما وتحركهما في الأصل كما فعل في الماضي.
المبني للمجهول من "اختار، وانقاد" ونحوهما:
قال أبو عثمان:
وإذا4 قلت: "فُعِل من هذا" قلت: "اُخْتِير, واُنْقِيد", فتحول الكسرة على التاء والقاف، كما فعل ذلك بـ "بيع، وقيل".

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ظ: ولا يقولوا.
2 ظ، ش: حول.
3 ظ: قلبت, وهو خطأ.
4 ظ، ش: فإذا.

 

ج / 1 ص -294-        فأما1 "اعتاد" فتُركت حركة الأصل وتَبِعت العين ما قبلها، كما كان ذلك في "قال، وباع".
ومن يقول من العرب: "قُِيل" فيُشم الفاء الضمة2 تحقيقا لـ "فُعِل", فإنه يقول ههنا: "اُخْتُِير وانقُِيد" فيشم لأن قولك: "تُِير" من "اختير" و"قُِيد" من "انقيد" كـ "قُِيل، وبُِيع" ومن أبدل الياء واوا قال3 هنا: "اُخْتُور، وانْقُود" ولم يؤخذ هذا إلا عن العرب.
قال أبو الفتح: اعلم أن "تَادَ" من "اعتاد", و"تار" من "اختار", و"قاد" من "انقاد" كـ "قام، وباع", واشتبها من حيث كان ما قبل العين مفتوحا وهي محركة, كما كان ذلك في "فعَل" فاشتركا في العلة الموجبة للقلب، فجميع ما يجوز في "قال، وباع" جائز "اختار، وانقاد" إلا التحويل إلى الضم والكسر, وقد مضى ذكره.
فـ "تار" من "اختار" و"قاد" من "انقاد" بمنزلة "قال، وباع" و"تير" من "اختير" و"قيد" من "انقيد" كـ "قيل، وبيع"4 و"تُِير" من "اُختُِير" و"قُِيد" من "انقيد" كـ "قُِيل, وبُِيع"4, و"تُور" من "اختُور" و"قُود" من "انقُود" كـ "قُول، وبُوع".
وقوله: ومن أبدل الياء واوا معناه: من5 كان من لغته أن يقول: "خَوِف

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ظ، ش: وأما.
2 ظ، ش: للضمة.
3 ظ: وقال.
4، 4 ساقط من ظ، ش.
5 ظ، ش: ومن.

 

ج / 1 ص -295-        وقَوِل"1, فيجعل مكان الياء في "قيل، وخيف" واوا, فإنه يقول هنا "اختور"؛ لأن من قال "قُول، وخُوف"1 فليس أصل هذه الواو عنده ياء ثم قلبها2 واوا؛ لأنهما عنده3 من "القول، والخوف" ولا تقل4: إنه قلب الياء في "قيل، وخيف" واوا؛ لأنه لو كان ممن يقول: "قِيل، وخِيف" لما قال: "قُول، وخُوف"؛ لأن هذه لغات لقوم شتى.
أو يكون أراد: من قال "بُوع" فأبدل الياء واوا5, فإنه يقول "اختُور, وانقُود" والمذهب الأول أعم؛ لأنه يدخل فيه" قيل, وبيع" جميعا.
وقوله: "ولم يؤخذ هذا إلا عن6 العرب" يقول: لم يقدم على7 هذه الأقوال بالقياس، بل هي8 مسموعة عن العرب.
مجيء "مَقْوَدَة، ومَكْوَزَة، ومَزْيَد" على الأصل:
قال أبو عثمان:
ومثل من الأمثال: "إن9 الفكاهة مقودة إلى الأذى" جاءوا بها على الأصل، كما قالوا: "مكوزة, ومزيد" فجاءوا بهن على الأصل.
وليس هذا بالمطرد في الكلام، وقد قرأ بعض القراء: "لَمَثْوَبَة من عند الله خير10", لا تقول على هذا: "مَقْوَلة، ولا مَبْيَعة".

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1، 1 ساقط من ظ، ش.
2 ظ، ش: قلبه.
3 عنده: ساقط من ظ، ش.
4 ظ، ش: ولم تقل.
5 ظ، ش: الواو ياء، وهو خطأ.
6 ظ، ش: من.
7 على: ساقط من ظ، ش.
8 هي: ساقط من ظ، ش.
9 إن: ساقط من ش.
10 من الآية 103 من سورة البقرة 2.

 

ج / 1 ص -296-        قال أبو الفتح: قد1 كان القياس في هذه كله أن يعل؛ لأن "مزيدا، ومكوزة، ومقودة، ومثوبة" على وزن "يخاف، ويهاب" وأصلهما "يَخْوَف، ويَهْيَب" وهذه الأسماء جارية على أفعال معتلة، وقد كان2 قياسها3 "مقادة ومكازة ومزادة ومثابة" كقوله تعالى: {وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِلنَّاسِ وَأَمْنًا}4 ولكنها شذت.
يقول: لا ينبغي أن يقاس على هذا، ولكن يقال: "مَقالة، ومَباعة" وقد جاءت مثل "مَكْوَزة، ومَزْيد, ومريم, ومصيدة, ومطيبة، ومبولة" وهذه شواذ كلها.
""مَفْعُلة" بضم العين من "عشت، وبعت" كـ "مَفْعِلة" بكسرها فيهما عند الخليل":
قال أبو عثمان: وكان الخليل يقول في "مَفْعُلة" من "عشت، وبعت" لفظها5 كلفظ "مَفْعِلة" كما كان "فُعْل" من الياء في هذا الباب على لفظ "فِعْل" من الواو، فيقول: "مَعِيشة" تصلح أن تكون "مَفْعُلة" وتصلح أن تكون "مَفْعِلة".
قال أبو الفتح: أصل "مَعِيشة" إذا كانت "مفعُلة" عند الخليل: "مَعْيُشَة" فنقل الضمة إلى العين فانضمت وبعدها ياء ساكنة، فأبدل الضمة كسرة؛ لتسلم بعدها6 الياء, فصارت "مَعِيشة" وإذا كانت

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 قد: ساقط من ظ، ش.
2 ظ، ش: فكان.
3 ظ: قياسهما, وهو خطأ.
4 من الآية 125 من سورة البقرة 2, "وأمنا" لم يرد في ظ، ش.
5 ظ، ش: لفظهما.
6 بعدها: ساقط من ظ، ش.

 

ج / 1 ص -297-        "مفعِلة" فإنما نقل الكسرة إلى العين حسب.
وكذلك "عِيش" يصلح أن يكون عند الخليل "فِعْلا، وفُعْلا" جميعا، فإذا كان أصله "فُعْلا" فكأنه كان "عُيْشا", فأبدل الضمة كسرة لتسلم الياء فصارت "عِيشا" كما ترى.
كما1 قالوا: "بِيض" وأصله "بُيْض", فأبدلوا من الضمة كسرة، لا يفصل الخليل بين الواحد والجمع.
وكذلك كان يجيز في "ديك، وفيل" أن يكونا "فِعْلا, وفُعْلا" جميعا؛ لأنهما من الياء لقولهم: "فيول, وديوك" وكان أبو الحسن يخالفه، وها هو ذا عقيب هذا:
"مفعلة" من العيش، و"فعل" من البيع عند الأخفش:
قال أبو عثمان:
وكان أبو الحسن الأخفش يخالفه ويقول في "مَفْعُلة" من "العيش: مَعُوشة" وفي "فُعْل" من "البيع: بُوع" ويقول في "بِيض: هو فِعْل", ولكنه2 جمع والواحد ليس على مذهب الجمع.
وقوله في "مَعِيشة: مَعُوشة" ترك لقوله في "مبيع، ومكيل"3, وقياسه على "مبيع، ومكيل: مَعِيشة" لأنه يزعم أنه حين ألقى حركة عين "مفعول" على الفاء, انضمت الفاء ثم أبدل مكان الضمة4 كسرة؛ لأن

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 كما: ساقط من ظ، ش.
2 ظ، ش: لكنه.
3 ومكيل: ساقط من ظ، ش.
4 ظ: للضمة.

 

ج / 1 ص -298-        بعدها ياء ساكنة, وكذلك يلزمه في "معيشة" هذا, وإلا رجع إلى قول الخليل في "مَبِيع".
قال أبو الفتح: إنما كان قياسه عند أبي عثمان "مَعِيشة"؛ لأن أصلها: "مَعْيُشة", فيجب نقل الضمة إلى العين, ثم تبدل كسرة لتسلم الياء بعدها، كما قال أبو الحسن في "مبيع": إن أصله "مبيوع" ثم نقل الضمة من الياء إلى الباء، ثم أبدل الضمة كسرة لتسلم الياء بعدها.
وكذلك كان يجب على قياسه في "معيشة" أن يبدل الضمة المنقولة من الياء إلى العين كسرة فيقول: "مَعِيشة" كما قال الخليل قياسا على "مَبِيع". وكذلك1 قياسه على "مبيع" في "فُعْل" من "البيع" أن يقول: "بِيع" كقول الخليل، فيبدل من الضمة كسرة, كما أبدلها في "مبيع"؛ لأن "مبيعا، ومعيشة، وبيعا" كل واحد منها2 واحد ليس بجمع، فإن كان يقول: "معوشة, وبوع" فيلزمه أن يقول في "مبيع: مَبُوع" فيخالف العرب أجمعين.
وإذا قال: "مَبِيع" فقياسه "مَعِيشة, وبِيع" في "مَفْعُلَة وفُعْل" لا فصل بينهما؛ لأن "مفعولا" واحد، كما أن "مفعُلة، وفُعْلا" كل3 واحد لا جمع4, وهذه هي4 المناقضة التى قدمت ذكرها.
ولو قال في "مَفْعُلة، وفُعْل: مَعِيشة، وبِيع" كقول الخليل،

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ظ، ش: وكان كذلك.
2 ظ: منهما.
3 كل: زيادة من ظ، ش.
4، 4 ظ، ش: وهذه المبالغة هي.

 

ج / 1 ص -299-        لكان مذهبه لا نهاية وراءه، ووافق قوله في "مَبِيع" واستمرّ مذهبه على الاطراد.
وحكى الأصمعي أن الريح الحارة يقال لها: "هَيْف، وهُوف" وليس في "هوف" حجة لأبي الحسن في أن يقول في "فُعْل" من البيع: "بُوع"1؛ لأنه يجوز أن يكونا لغتين، فيكون "هيف" من الياء و"هوف" من الواو1, ويجوز أن يكون "هيف" محذوفا من "فَيْعِل" كأنه كان هيوفا مثل "مَيْوِت" ثم قلبت الواو وحذفت, كما فعل ذلك بـ "مَيْت", فعلى هذا يكونان جميعا من الواو، فتأمل هذا.
وقوله: وكذلك يلزمه2 في "معيشة" هذا, وإلا رجع إلى قول الخليل في "مَبِيع".
يقول: يلزمه2 أن تكون "معيشة: مفعُلة، ومفعِلة" عنده جميعا، كما قال الخليل، وإنما يجب عليه من هذا, الرجوع إلى مذهب الخليل في "مبيع"؛ لأنه كان يجب على قياسه في "بوع، ومعوشة" أن يقول في "مفعول: مَبُوع", وهذا لم يقله أحد من العرب، فلو كان الياء في "مبيع" هو الزائد كما يقول أبو الحسن؛ لوجب أن يقول: "مَبوع" كما يقول "مَعُوشة".
وأما فصله بين الواحد والجمع في "فُعْل" مما عينه ياء، وأنه يقول في الواحد: "بوع" ويقول في جمع "أبيض: بِيض" فهو قول.
قال أبو علي: ويقويه أن الجمع أثقل من الواحد, والواو أثقل من الياء,

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1، 1 ساقط من ظ، ش.
2، 2 ساقط من ظ، ش.

 

ج / 1 ص -300-        فهرب من الواو1 في الجمع وأقرها في الواحد؛ فلذلك2 قالوا: "بِيض" ولم يقولوا: "بُوض".
3 ألا ترى أنهم3 يقولون في الواحد: "عَتَا، عُتُوًّا، وعُتِيًّا" و"عسا العود, عسوا، وعسيا", فإذا صاروا إلى الجمع, فكلهم يقلب.
ألا تراهم يقولون: "عُِصِيّ، ودلي", ولا يجيزون التصحيح كما أجازوا في الواحد!
ويدل على صحة ما ذهبوا إليه في "بيض" وأنهم لم يقولوا: "بُوض"؛ أنهم قد قالوا في "الحُور: الحِير" وأصله الواو، فإذا كانوا قد هربوا مما أصله الواو إلى الياء, فألا تقلب الياء واوا في الجمع، وأن يصححوها ياء أجدر!
ووجه آخر: وهو أنهم قد قلبوا الواو ياء في الواحد فقالوا "مَشِيب" في "مَشُوب" و"غار منيل" في "منول" و"أرض مميت عليها" في "مموت" و"غصن مريح" في "مروح"؛ فإذا كانوا قد قلبوا الواو ياء في الواحد مع أنه أخف من الجمع، فهم بألا يقلبوا الياء -التي هي أخف إلى الواو, التي هي أثقل في الجمع، الذي4 هو أثقل من الواحد- أجدر!
ولولا قول5 العرب: "مَبِيع" بالياء دون "مَبُوع"؛ لكان قول أبي الحسن في "فُعْل، ومَفْعُلة: بُوع، ومَعُوشة" قولا حسنا. ولكن قولهم: "مبيع" هو الذي أفسد هذا المذهب على أبي الحسن.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ظ، ش: الياء, وهو خطأ.
2 ظ، ش: فكذلك.
3، 3 ظ، ش: ألا تراهم.
4 ظ: التي.
5 قول: ساقط من ظ.

 

ج / 1 ص -301-        فأما قول الشاعر:

وكنت إذا جاري دعا لمَضُوفة                أشمر حتى ينصف الساق مِئْزري

ففيه تعلق لأبي الحسن في قوله في "مفعُلة" من "عشت: معوشة1"؛ لأن "مَضُوفة: مَفْعُلة" من "ضفت الرجل: إذا نزلت به"؛ لأن معناها ما ينزل بالإنسان ويضيفه من نوائب الدهر، وأصلها "مَضْيُفة" ثم نقلت الضمة إلى الضاد, وانقلبت الياء واوا لسكونها وانضمام ما قبلها.
فيشبه أن يكون أبو الحسن بهذا تعلق وعليه عقد هذا الخلاف، إلا أن هذا حرف شاذ لا نعلم له نظيرا، فينبغي ألا يقاس عليه، وقول الخليل في "معيشة، ومبيع2" أقوى؛ لقولهم كلهم3: "مبيع" ولم يقولوا: "مبوع" كما قالوا: "مضوفة", ومن "مبيع" يشبه أن يكون الخليل أخذ قوله في "مَعِيشة"؛ لأن عين "مفعول" مضمومة.
فأما "مئُونة" فلا حجة فيها لأبي الحسن؛ لأنه يجوز أن يكون من "الأون" وهو "العِدْل"؛ لأنها ثقيلة على متكلفها كما أن "العدل" ثقيل على حامله، وقالوا: إنها "فَعُولة" من "مُنْتُ". وأجاز الفراء أن تكون "مفعلة" من "الأين" وهو "التعب", وهذا كقول4 أبي الحسن في5 "معوشة" والاحتجاج عليه مثله على أبي الحسن، لا فرق بينهما.
وقد شرحت هذا الخلاف في موضع آخر في مسألة سُئلتُ عنها مجردة!

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 معوشة: ساقط من ظ، ش.
2 ومبيع: عن ظ، ش. وفي ص وهامش ظ: وبيع.
3 كلهم: ساقط من ظ، ش.
4 ظ: تقول.
5 في: ساقط من ظ، ش.

 

ج / 1 ص -302-        تصحيح "فَاعَلْت, وتَفَاعَلْنا، وفَعَّلت، وتَفَعَّلنا" ومصادرهن وعدم إعلالهن:
قال أبو عثمان:
واعلم أن "فاعلت، وتفاعلنا، وفعلت, وتفعلنا" يصححن ولا يعللن, وذلك قولك1: "قاولت زيدا وبايعته, وتقاولنا, وتبايعنا" وتصح المصادر كما صحت الأفعال, وذلك "التقاول, والتبايع, والقِوال, والبِياع" و"فعّلت" مثل "حوّلته، وحولت عليه, وشوهته2, وزينت له3 الأمر, وتحولته، وتشوّقته, وتزيّنت".
وإنما صحت في "تفاعلت"؛ لأن التاء دخلت على "فاعلت".
وكذلك "تفعّلت" دخلت على "فعّلت" فلم تغير عن حالها.
قال أبو الفتح: إنما صحت هذه الأفعال كلها لسكون ما قبل الواو والياء المتحركتين, فلو قلبت الياء والواو في "قاولت، وبايعت" كما قلبتهما4 في "قام، وباع" وقبلهما ألف ساكنة؛ لوجب حذف إحداهما ولزال البناء.
وكذلك لو قلبت الياء والواو الأخيرتين في "زينت، وشوقت" ألفين؛ لتحرك ما قبلهما وزال بناء "فعّلت" كما كان يزول في الأول بناء "فاعلت", فتجنبوا ذلك لما يدخل الكلام من كثرة التغيير.
وكذلك "تفعّلت, وتفاعلنا"؛ لأن التاء إنما دخلت على "فعّلت,

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 قولك: ساقط من ظ، ش.
2 ظ، ش: شوقته.
3 له: ساقط من ظ، ش.
4 ظ، ش: قلبتما.

 

ج / 1 ص -303-        وفاعلت" بعدما وجب فيهما1 التصحيح. فلما صحت هذه الأفعال صحت مصادرها؛ فلذلك قالوا: "قاولته قِوَالا" فصحّحوا الواو ولم يقولوا: "قيالا" كما قالوا: "قمت قِياما" فقلبوها ياء لما انقلبت في2 "قام" ولما صحت في "قاومت, وقاولت" صحت في "القِوَام والقِوَال"3, وقال الله تعالى3: {قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الَّذِينَ يَتَسَلَّلُونَ مِنْكُمْ لِوَاذًا}4؛ لأنه مصدر "لاوذت", قالوا في اللغة: "لذت به لياذا".
فأما قول الراجز:

يخلطن بالتأنُّس النِّوَارا

وهو من نار يَنُور: إذا نفر, فيمكن أن يكون اسما لا مصدرا فصح لذلك.
وأما قولهم في القطعة من المسك: "صِوَار, وصِيار" فيمكن أن يكونا لغتين, ويمكن أن يكون قلب الواو ياء للتخفيف والشبه بالمصدر أو الجمع، وهذا القول كأنه أمثل لقولهم في جمعه: "أَصْوِرَة" ولم نسمعهم يقولون: "أصيرة5". قال الأعشى:

إذا تقوم يضوع المسك أصْوِرَة                  والعنبر الورد من أردانها شمل

وكذلك "التقاول, والتبايع" صحتا فيه6؛ لصحتهما في الفعل.
وقد قدمت القول في أن صحة المصدر لصحة الفعل واعتلاله لاعتلاله؛ لا يدل على أن المصدر مشتق من الفعل.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ظ، ش: فيها.
2 في: مكرر في ص.
3، 3 ظ، ش: وقال تعالى.
4 من الآية 63 من سورة النور 24.
5 ظ: أصورة.
6 ظ، ش: فيهما.

 

ج / 1 ص -304-        ومما جاء على أصله "افعَلَلْت، وافعَالَلْت":
قال أبو عثمان:
ومما يجيء على أصله "افعللت, وافعاللت" وذلك1 "ابْيَضَضْت واسوددت2, واحوللت,وابياضَضْت، واسواددت2".
وإنما جاء هذا على أصله من قِبَل أنهم لو أسكنوا المعتل هنا, ذهب المعنى وصرت إلى حذف بعد الإسكان, وعلة بعد علة، فتجنبوا هذا الحمل على الفعل كله, فأقروه3 على أصله.
قال أبو الفتح: يقول: لو أسكنوا الياء والواو في "ابْيضضت، واسْوددت" وقبل الياء الباء, وقبل الواو السين، وهما ساكنتان؛ لوجب4 حذف الياء والواو, ولزال البناء, وهذا مثل ما تقدم.
وقوله: "لو أسكنوا المعتل هنا5" معناه: لو أسكنوا هنا الحرف الذي من شأنه أن يعتل, لكان كيت وكيت؛ "فهنا" ظرف لأسكنوا، وهو6 منصوب به لا بالمعتل؛ لأنه ليس ههنا بمعتل, ولكنه أطلق عليه لفظ الاعتلال وإن كان صحيحا؛ لأن من شأن الواو والياء أن يعتلا فسمى الحرف معتلا بما هو في أكثر أحواله جارٍ عليه، أو بما يصير إليه من الاعتلال.
كما تقول: "هذه حَلُوبتنا, وركوبتنا", فتطلق عليها اسم "الحلب,

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 وذلك: عن ص, ظ. وفي ش، وهامش ظ: مثل.
2، 2 ساقط من ظ، ش.
3 ظ، ش: وأقروه.
4 ظ, ش: أوجب.
5 ظ: هما، وهو خطأ.
6 وهو: زيادة من ظ، ش.

 

ج / 1 ص -305-        والركوب", وإن لم يكن في الوقت "حلب, ولا ركوب" لأن من عادتهما أن يكون هذا جاريا عليهما، وكما قال الله تعالى حكاية عن إبراهيم عليه السلام: {فَقَالَ إِنِّي سَقِيمٌ}1, ولم يكن في الوقت سقيما، ولكن السقم للموت جارٍ عليه لا محالة.
وكما قال الشاعر:

إذا ما مات مَيْت من تميم                     فسرّك أن يعيش فجئ بزاد

فسماه "ميتا"، وإن كان حيا قبل موته؛ لأنه سيموت لا محالة، وهذا مطرد في كلامهم فاشٍ.
ومما جاء على أصله "اجتوروا، وازدوجوا، واعتوروا، واهتوشوا":
قال أبو عثمان:
ومما يجيء على أصله -لأن معناه معنى ما لا يعتل كما جاء "عَوِر، وحَوِل"2؛ لأنه في معنى "اعورّ، واحولّ"- "اجتوروا، وازدوجوا, واعتوروا3, واهتوشوا"؛ لأن معناها4 "تجاوروا، وتزاوجوا، وتهاوشوا2"، ولولا ذلك لاعتل.
ألا تراهم قالوا: "اختاروا، وابتاعوا" حين لم يكن في معنى "تفاعلوا".
قال أبو الفتح: يقول: لما وجب5 تصحيح "تجاوروا، وتزاوجوا" لسكون ما قبل

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 من الآية 89 من سورة الصافات 37.
2، 2 ما بينهما عن ص، ظ، ش. وفي هامش ظ، ش ما يأتي: "لأنه في معنى اعور: اجتوروا، وازدوجوا؛ لأن معناهما: تجاوروا، وتزاوجوا، ولولا" نسخة.
3 اعتوروا: زيادة من ظ، ش.
4 معناه عن ص، ظ. وفي ش وهامش ظ: معناها.
5 ظ، ش: أوجب.

 

ج / 1 ص -306-        الواو -كما قدمنا شرحه- وكان "ازدوجوا, واجتوروا" بمعناهما صححوهما ليكون التصحيح أمارة لكون كل واحد منهما بمعنى الآخر, وكذلك ما أشبه هذا.
وإنما أعلوا "اختاروا، وابتاعوا" لأنهما ليسا بمعنى "تخايروا, وتبايعوا", فجاءا على ما ينبغي لهما من الإعلال الذي تقدم شرحه في فصل "اعتاد وانقاد".
لو بنيت افتعلوا من "ازدوجوا" على غير معنى "تفاعلوا" لأعللت:
قال أبو عثمان:
وقال الخليل: لو بنيت "افتعلوا" من قولك: "ازدوجوا" على غير معنى "تفاعلوا"؛ لأعللت فقلت: "ازداجوا" كما قلت: "اختاروا, وابتاعوا".
قال أبو الفتح: يقول: لما زال معنى "تفاعلوا" الذي يوجب التصحيح, خرج إلى باب "اختار, وابتاع"1, فلم يجز إلا إعلاله كما لم يجز إلا إعلال "اختار، وابتاع"1.
جمع "مقال، ومباع, ومعاش" على "مَفَاعِل" لا يعل:
قال أبو عثمان:
واعلم أن "مقالا، ومباعا، ومعاشا" إذا جمعته على "مفاعل" لم تعلل الياء ولا الواو في الجمع، وذلك قولك: "مَقَاوِل، ومبايع، ومعايش".
وإنما أعلّوا الواحد؛ لأنهم شبّهوه بـ "يفعَل", فلما جمعوه ذهب شبهه من "يفعَل" فردوه2 إلى أصله. قال الشاعر:

وإني لقوّام مَقَاوِم لم يكن                     جرير ولا مولى جرير يقومها

فقال: "مقاوم".

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1، 1 ساقط من ظ، ش.
2 ظ، ش: فردوا.

 

ج / 1 ص -307-        قال أبو الفتح: وجه شَبَه "مقام، ومباع" بـ "يفعَل"؛ أن أصلهما "مَقْوَم، ومَبْيَع" فجريا مجرى "يخاف ويهاب" اللذين أصلهما "يخوَف، ويهيَب" فأعلوهما؛ لأنهما جاربان على الفعل وهما بوزنه, وقد تقدم شرح هذا.
وقوله: فلما جمعوه ذهب شبهه من الفعل، يريد أن الفعل لا يجمع, فلما جُمع "مقام" ونحوه بعُد عن الفعل وزال البناء الذي1 ضارع به الفعل فصح، وصحته أن تظهر ياؤه وواوه, وذلك قولهم: "مقاوم، ومبايع".
همز "مَعَايِش, ومَصَاوِب" خطأ:
قال أبو عثمان:
فأما قراءة2 من قرأ من2 أهل المدينة: "معائش" بالهمز فهي خطأ, فلا يلتفت إليها، وإنما3 أخذت عن نافع بن أبي نعيم، ولم يكن يدري ما العربية, وله أحرف يقرؤها لحنا نحوا من هذا4.
وقد قالت العرب: "مصائب" فهمزوا وهو غلط, كما قالوا: "حلّأت السويق" وكأنهم5 توهموا أن "مصيبة5: فَعِيلة"6, فهمزوها حين جمعوها كما همزوا جمع "سفينة: سفائن", وإنما "مصيبة: مفعِلة"6 من "أصاب يصيب", وأصلها: "مُصْوِبة", فألقوا حركة الواو على الصاد فانكسرت الصاد وبعدها واو ساكنة, فأبدلت ياء للكسرة7 قبلها -وقد

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ظ، ش: والذي.
2، 2 زيادة من ظ، ش.
3 ظ، ش: فإنما.
4 في هامش ظ: إن كان محفوظا عنه نسخة, ومحلها بين هذا وقد.
5، 5 عن ص وهامش ظ بزيادة "قد" قبله في هذا الهامش. وفي ظ، ش: يتوهمون أن مصيبة.
6، 6 ساقط من ش.
7 ظ، ش: لكسرة.

 

ج / 1 ص -308-        كتبنا تفسير هذا فيما مضى- وأكثر العرب يقول: "مَصَاوِب", فيجيء بها على القياس، وما ينبغي.
قال أبو الفتح: قد اختلفت1 الرواية عن نافع، فأكثر أصحابه يروي عنه: "مَعَايِش" بلا همز، والذي روى عنه بالهمز خارجة بن مصعب.
وإنما كان همزها خطأ عنده؛ لأنها لا تخلو من أن تكون جمع "معاش، أو معيشة, أو معيش" فقد قال رؤبة:

إليك أشكو شدة المَعِيش

يريد "المعاش".
وكل واحد من هذه, فعينه متحركة في الأصل.
فأصل "معاش: مَعْيَش".
وأصل "مَعِيشة: مَعْيِشة، أو مَعْيُشة" على مذهب الخليل.
وأصل "مَعِيش: مَعْيِش" مكسور العين ليس2 غير؛ لأنه ليس في الآحاد اسم على "مفعل" بضم العين.
فأما قول الشاعر:

بثين الزمي "لا", إن "لا" إن لزمته                 على كثرة الواشين أي مَعُون

فجمع "معونة" وليس بواحد.
وكذلك قول الآخر:

ليوم روع أو فعال مَكْرُم

إنما هو جمع "مكرُمة".

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ظ: اختلف.
2 ظ، ش: لا.

 

ج / 1 ص -309-        وكذلك قول الآخر:

أبلغ النعمان عني مَأْلُكا                   أنه قد طال حبسي وانتظاري

فقد يجوز أيضا أن يكون جمع "مَأْلُكة" وهي الرسالة، أو يكون حذف الهاء ضرورة وهو يريدها.
وإن كان "مَعِيش" جمع "مَعِيشة" فجائز فيه "مفعُل، ومفعِل" جميعا، وإذا كان الأمر كذلك فحق "معاش, ومعيش1، ومعيشة" ألا تهمز2 في الجمع؛ لأنه قد كانت عينه متحركة في الأصل، فإذا احتاج إلى حركتها2 في الجمع حرَّكها3 ولم يقلبها واحتملت الحركة؛ لأنها قوية وهي من الأصل، وقد كانت متحركة في الواحد، وإنما يهمز في الجمع حروف المد واللين التي لا حظ لها في الحركة في الواحد نحو ألف: "رسالة"، وياء: "صحيفة", وواو: "عجوز" إذا قلت: "رسائل، وصحائف، وعجائز".
فأما قول العرب: "مصائب" فغلط؛ لأن الياء في "مصيبة" عين الفعل وهي منقلبة عن واو وأصلها "مُصْوِبة" وأصلها الحركة وقياسها "مصاوب".
وقد كان أبو إسحاق ذهب إلى أن الهمزة في "مصائب" إنما هي بدل من الواو في "مصاوب" كما قالوا: "إسادة" في "وسادة" وأنكر ذلك عليه أبو علي، وقال: إن الواو لا تقلب همزة وسطا إذا كانت مكسورة، وقد بينت هذا.
وذكر أبو الحسن أن الذي شجعهم على أن شبهوا "مصيبة" بـ "صحيفة" حتى همزوها في الجمع، أنها قد اعتلت في الواحد بأن قلبت الواو ياء, فتوهنت العين بالقلب, فأشبهت الياء الزائدة؛ لأنها في الحقيقة ليست من الأصل، وإنما هي بدل

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 معيش: زيادة من ظ، ش.
2، 2 ساقط من ظ، ش.
3 ش: حركتها.

 

ج / 1 ص -310-        من العين، فلما لم تكن الأصل بعينه أشبهت الزائد فقلبت في الجمع همزة.
وأنكر ذلك عليه أبو إسحاق وقال: يلزمه في "مقام: مقائم", يريد أبو إسحاق أن أصل "مَقَام: مَقْوَم" كما أن أصل "مُصِيبة: مُصْوِبة" وكلاهما قد قلب، يقول: فلو جاز لذلك1 أن يهمز جمع "مصيبة" لجاز أيضا أن يهمز جمع "مقام" وهذا يلزم أبا الحسن لو2 كان يقطع بهذه الحجة، وإنما تعلل بهذا القول وتأنس به، وليس عنده بعلة قاطعة, فيلزمه أن يقول في جمع "مقام: مقائم", ولكنه لما سمع "مصائب" احتال بعد السماع بما3 يكون فيه بعض العذر، ولا يقطع بأن هذا خطأ من العرب ما وجد له وجيها ما. ألا ترى أن سيبويه قال في باب ما يضطر إليه الشاعر: وليس شيء مما يضطرون إليه إلا وهم يحاولون به وجها.
وكذلك قولهم4: "حَلَّأتْ السويق، ورَثَّأتْ زوجي بأبيات" إنما هو مشبه في اللفظ بغيره وإن لم يكن من معناه، فكأن "حلأت" من قولهم5: "حلأته": إذا طردته عن الماء.
وقولهم: "رَثّأته: فَعّلته، من الرثيئة" وليس من معناه.
وقالوا: "اسْتَلأمت الحجر": يريدون استلمت, فهمزوا.
وقالوا: "لبّأت بالحج": يريدون "لبّيت".
وقالوا: "الذئب يستنشئ الريح" يريدون "يستنشي".
قال6 أبو عبيدة: وكان7 رؤبة يهمز "سِيَة8 القوس" وسائر العرب

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 جاز لذلك: ضائع في التصوير من ص.
2 لو: ضائع في التصوير من ص.
3 ظ، ش: ما.
4 قولهم: ساقط من ظ، ش.
5 ظ، ش: قوله.
6 ظ، ش: وقال.
7 ظ، ش: كان.
8 رسمت في النسخ الثلاث هكذا: سئة.

 

ج / 1 ص -311-        لا يهمزها، وإنما يجوز مثل هذا الغلط عندهم1 لما يستهويهم من الشبه؛ لأنهم2 ليست لهم قياسات يستعصمون بها2. وإنما يخلدون إلى طبائعهم، فمن أجل ذلك قرأ الحسن البصري3 رحمة الله عليه3: "وما تنزلت به الشَّيَاطون"4؛ لأنه5 توهم أنه جمع التصحيح5 نحو "الزيدون" وليس منه.
وكذلك قراءته: "ولا أَدْرَأْتُكُم به"6 جاء به كأنه من "درأته" أي: دفعته وليس منه7, وإنما هو من "دريت بالشيء" أي: علمت به7, وكذلك قراءة من قرأ "عادَ للُّؤلى8", فهمز وهو خطأ منه. وهو بمنزلة قول الشاعر:

لحب9 المؤقدان إلى مُؤْسَى

فهمز الواو الساكنة؛ لأنه توهم الضمة قبلها فيها.
ومن ذهب إلى أن "أَوّل من وَألَ" فهو عندنا مخطئ؛ لأنه لا حجة له عليه -وقد ذكرته قبل- ولهذا الغلط نظائر في كلامهم، فإذا جاءك10 فاعرفه لتسلمه كما سمعته ولا تقس عليه.
اختلاف العرب والعلماء في "مدائن":
قال أبو عثمان:
وأما "مدائن11" فقد اختلفت العرب فيها والعلماء، فجعلها بعضهم "فعائل" فهمز، وقال بعضهم: هي "مَفَاعِل" فلم يهمزوا.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ص: عليهم.
2، 2 ظ: ليست لهم قياس يستعصمون بها. ش: ليس لهم قياس يستعصمون به.
3، 3 ظ، ش: رحمه الله.
4 الآية 210 من سورة الشعراء 26.
5، 5 ظ، ش: توهمه جمع التصحيح.
6 من الآية 16 من سورة يونس 10.
7، 7 ساقط من ظ، ش.
8 من الآية 50 من سورة النجم 53.
9 ص: أحب.
10 ص: جاء، ظ: جاءه.
11 ظ، ش: المدائن.

 

ج / 1 ص -312-        فالذين جعلوها "فعائل" احتجوا بـ "مُدن" فقالوا: "مُدْن" يدل على أن الميم من الأصل وليست بزائدة.
وقال غير هؤلاء: هي "مفاعل"1 والميم زائدة؛ لأنه1 من "دان يدين", وهؤلاء الذين لم يهمزوا، وكلا الاشتقاقين مذهب.
قال أبو الفتح: أما من قال: "مُدن" فاشتقاقه واضح و"مَدِينة" عندهم كسفينة, و"مدائن" كـ "سفائن".
وأما من أخذها من "دان يدين" فمعناه أنها أطاعت صاحبها وتذللت له والدين: الطاعة، وهكذا أخذت عن أبي علي وقت القراءة. فأما قول الأخطل:

ربت وربا في حجرها ابن مدينة                     يظل على مسحاته يتركل

فالمدينة فيه: أمة، يصف الأكَّار الذي يعمل في الكرم يقول: هو ابن أمة. وقال لها "مدينة"؛ لأنها2 من "دنت" أي: جزيت، كأن مولاها يجزيها بعملها3، فهذا مثل المذهب الثاني في "مدينة" كما4 حكاه أبو عثمان.
وقوله: إن العرب قد اختلفت فيها والعلماء, معناه أن العرب منهم من يهمز، ومنهم من لا يهمز, فهذا وجه اختلاف العرب.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1، 1 ساقط من ظ، ش.
2 لأنها: ساقط من ظ، ش.
3 يجزيها بعملها: عن ص، وهامش ظ، وفي ظ، ش: يجريها, أي بعملها.
4 ظ، ش: ما.

 

ج / 1 ص -313-        وأما اختلاف العلماء فيها، فكأن بعضهم سمعها مهموزة, وبعضهم سمعها غير مهموزة1, وبعضهم سمعها مهموزة وغير مهموزة1.
فالذين سمعوها مهموزة خالفوا تأول من سمعها غير مهموزة.
والذين سمعوها مهموزة وغير مهموزة -وأبو2 عثمان واحد منهم- قد أخذوا فيها بالقولين.
ولو كان كلهم سمعوها مهموزة وغير مهموزة، كما سمعها أبو عثمان المازني بالوجهين؛ لزال الخلاف ولم يقع أصلا.
واختلاف العلماء إنما كان من أجل اختلاف العرب فيها3, فهذا معنى قوله: "إن العرب قد اختلفت4 هي والعلماء فيها".
رواية "مداين" بلا همز عن بعض العرب:
قال أبو عثمان:
وقد روي ترك الهمز في "مداين" عن بعض العرب.
قال أبو الفتح: إنما كرر هذا القول بعد ذكره في أول الفصل الذي قبله اختلاف العرب, وأن بعضهم يهمز، وبعضهم لا يهمز, فكرره هنا توكيدا، وليريك أن من يهمز أكثر ممن لا يهمز، ولو اقتصر على الفصل الأول لتُوُهم أن من لا يهمز في الكثرة كمن يهمز, فأراد أن يريك أن الهمز فيها أشهر وأنه عن اختلاف العرب فيها قد5 اختلفت العلماء.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1، 1 ساقط من ظ، ش.
2 ص: أبو.
3 فيها: زيادة من ظ، ش.
4 ظ: اختلف.
5 قد: زيادة من ظ، ش.

 

ج / 1 ص -314-        ما صح لسكون ما قبله، أو لسكون ما بعده، أو لسكون ما قبله وما بعده معا:
قال أبو عثمان: فقد1 فسرت لك موضع الفاء في الواو والياء، وموضع العين فيما2 لامه صحيحة، وسأبين لك موضع العين إذا اعتلت اللام، أو كانت همزة في موضعه -إن شاء الله3- وأذكر الأسماء التي جاءت تامة من هذا مما لامه صحيحة.
فمما4 أُتم فيه الاسم لسكون ما قبله وما بعده:
"فُعَّل، وفُعَّال" نحو: "حول، وحوال5".
و"فَعَّال" نحو: "صوام، وقوام".
و"مِفْعال" نحو: "مشوار، ومقوال".
وكذلك "التَّفْعال" نحو: "التجوال6، والتطراب7، والتقوال، والتزيار".
و"أفْعال" نحو: "أقوال، وأميال، وأعيان، وأفواج".
و"إِفْعال" نحو: "إرواء8".
و"فَعُول" نحو: "قوول، وكيول9، وبيوع".
و"فُعُول" نحو: "شيوخ، وحوول، وسووق".
و"فَعَال" نحو: "نوار، وجواب، وهيام".

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ظ، ش: وقد.
2 ظ، ش: مما.
3 إن شاء الله: زيادة من ظ، ش.
4 ظ، ش: ومما.
5 ص: وعوار.
6 ظ، ش: التجواب.
7 التطراب: زيادة من ظ، ش.
8 إرواء: غير واضح في ص.
9 وكيول: ساقط من ظ، ش.

 

ج / 1 ص -315-        و"فَعِيل" نحو: "طويل".
و"فُعَال" نحو: "طوال، وهيام".
و"فِعَال" نحو: "خوان، وعيان، وخيار".
و"فَاعُول" نحو: "طاووس، وناووس، وسايور".
و"أفْعِلاء" نحو: "أهوناء، وأغيلاء، وأبيناء".
قال أبو الفتح: اعلم أن هذه الأمثلة1 تنقسم على ثلاثة أضرب:
منها ما صح لسكون ما قبله2 نحو: "حُوَّل، وأهْوِناء".
ومنها ما صح لسكون ما بعده نحو: "قُوُول، وشيوخ، ونَوَار، وطويل، وطِوَال، وخوان".
ومنها ما صح لسكون ما قبله وما بعده, وهو أبلغ في معناه نحو: "صُوّام، وقوام، وأمْيال، وأقْوال" وما أشبه ذلك.
فلو أسكنت هذه الحروف لالتقى ساكنان, فوجب الحذف أو الحركة وزال3 المثال, فترك ذلك لذلك.
فعل التعجب بصيغتيه مشبه بالأسماء فيما تقدم:
قال أبو عثمان:
وفعل التعجب مشبه بالأسماء نحو: ما أقولَه للحق، وما أبيعه، وما أصونه لنفسه، وكذلك "أَبْيِع به، وأطول به، وأجود به، وأسير به"،

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ظ، ش: الأسماء.
2 ظ: بعده, وهو خطأ.
3 ظ، ش: فزال.

 

ج / 1 ص -316-        لأن هذا في معنى: ما أفعله؛ وهو مشبه بقولهم: "هذا1 أقول منه، وأبيع منه، وأسير منه" لقرب معناه منه.
ويدلك على إلحاقهم فعل التعجب بالأسماء قولهم: "ما أُمَيْلحه، وما أحيسنه" حقروه كما تحقر الأسماء, والأفعال لا تحقر.
قال أبو الفتح: إنما أشبه فعل التعجب الأسماء؛ لأنه لا يتصرف كما أن الأسماء كذلك2؛ فلذلك صحح، فقيل: "ما أقومه" وأنت لا تقول: "أقْوَمَ زيد عمرا" في معنى "أقامه", ومن هنا لحقه التحقير كما يلحق الأسماء في قولهم: "ما أميلحه, وما أحيسنه" والأسماء إذا كانت في أوائلها3 الزوائد التي تكون في أوائل الأفعال, صححت ولم تعل.
وقد مضى ذكر هذا وستراه أيضا.
وإنما صح "أَفْعِلْ به" نحو: "أَسْيِرْ به، وأقوم به"؛ لأنك مخبر لا آمر, ومعناه "ما أفْعَلَه" نحو قوله تعالى: {أَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِرْ}4 إنما معناه: ما أسمعهم، وما أبصرهم، وهو لفظ الأمر في معنى الخبر.
ويدل على أنه ليس أمرا كونه للواحد والواحدة، والاثنين والاثنتين, والجماعة، بلفظ واحد.
وذلك قولهم: "يا زيد أكرِمْ بعمرو، ويا هند أكرم بعمرو5، 6 ويا رجلان أكرم بزيد6, ويا امرأتان أكرم به, ويا رجال أكرم بزيد، ويا نساء أكرم بزيد"

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ظ، ش: هو.
2 ظ، ش: لا تتصرف.
3 ظ، ش: أولها.
4 من الآية 38 من سورة مريم 19.
5 ظ، وش: ببكر.
6، 6 ساقط من ظ، ش.

 

ج / 1 ص -317-        ولا تقول: "يا امرأة أكرمي بزيد" ولا: "يا رجلان أكرما بزيد" ولا: "يا رجال أكرموا بزيد" ولا: "يا نساء أكرمن بزيد".
لأنك لست تأمر أحدا بإيقاع فعل، وإنما تخبر عن إفراط كرم زيد1, كما تقول: "يا امرأة ما أكْرَمَ زيدا، ويا2 رجال3 ما أكرم زيدا3".
وذهب بعض متأخري أصحابنا4 إلى أن هذا لفظ الأمر ومعناه, وأن المأمور هنا هو المحدث عنه في قولهم: "ما أكرم زيدا" يعني "ما"5, فكأنه قال: "يا امرأة أكرم يا شيء بزيد" وهذا تعسف وتخليط وعدول عن الصواب؛ لأن معنى قولك: "أكرم بزيد" إنما هو إخبار عن زيد بالكرم, فكأنك قلت: "لكرُم زيد" كما تقول: "لقَضُو الرجل" إذا بالغت في الخبر عنه بجودة القضاء, ولست تأمر أحدا بإيقاع فعل عليه، وإنما حمله على هذا التعسف لفظ الأمر في هذه6 المواضع.
وقد جاءت ألفاظ الأمر ويراد بها الخبر، كما جاءت ألفاظ الخبر ويراد بها الأمر.
فمن ألفاظ الأمر المراد بها الخبر قول الله تعالى:
{قُلْ مَنْ كَانَ فِي الضَّلَالَةِ فَلْيَمْدُدْ لَهُ الرَّحْمَنُ مَدًّا}7 إنما معناه: فسيمد له الرحمن مدا، أو فليمدن الرحمن مدا. ومنه قوله تعالى: {أَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِرْ}8.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ص: يزيد.
2 ص: أو يا.
3، 3 ظ: أكرم زيد. ص: لكرم زيد.
4 ظ: لصحابنا، وهو خطأ.
5 "ما": ساقط من ظ، ش.
6 ظ: هذا، وهو خطأ.
7 من الآية 75 من سورة مريم 19.
8 من الآية 38 من سورة مريم 19.

 

ج / 1 ص -318-        ومن ألفاظ الخبر المراد بها الأمر قوله تعالى: {يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ}1 فهذا في معنى قوله2: "آمنوا", ألا تراه أجابه بقوله عز وجل: {يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُم وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ}3 فهذا معناه: "آمنوا يغفر لكم ذنوبكم"4, كما تقول: "إن تؤمنوا يغفر لكم ذنوبكم"5, ولا يكون قوله: "يغفر لكم" جواب6: {هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ}7, وإن كان أبو العباس -رحمه الله8- قد ذهب إليه.
قال أبو علي: لأن المغفرة لا تجب بالدلالة إنما تجب بالإيمان. ألا ترى أنه ليس كل من دُل غُفر له، إنما يُغفر لمن آمن, فمعنى: "أكرِمْ به: ما أكرَمَه" قال أبو علي: والباء9 وما عملت فيه في قولك: "أكرم به" في موضع رفع؛ لأنها مع ما عملت فيه الفاعل، كما تقول "كفى بالله" أي: كفى الله.
قال أبو علي: فكأنه قال: "أكرم زيد" أي: صار ذا كرم، كما تقول: "أجرب زيد" أي: صار ذا إبل جربى, و"أنحز" أي: صار ذا إبل بها نُحاز, و"ألهج" أي: صار ذا فصال قد لهجت بالرضاع. قال الشماخ:

رعى بأرض الوسمي حتى كأنما              يرى بسفى البهمى أخلة ملهج

فلما كان "أفعل به" في معنى "ما أفعله" صح صحته.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 من الآية 11 من سورة الصف 61.
2 قوله: ساقط من ص.
3 من الآية 12 من سورة الصف 61، "ويدخلكم جنات" لم يذكر في ظ، ش.
4، 5 "ذنوبكم" لم يذكر في ص في الموضعين.
6 ظ: بجواب.
7 من الآية 10 من سورة الصف 61.
8 رحمه الله: ساقط من ظ، ش.
9 ظ، ش: فالباء.

 

ج / 1 ص -319-        وقوله: وهو1 مشبه بقولهم: "هو أقول منه، وأبيع منه", وجه الشبه بينهما أن "أفْعَل" إذا وصلت بها "من", فإنها للمبالغة والتفاضل نحو قولهم: "أنت كريم، وأنا أكرم منك, وأنت ظريف, وأنا أظرف منك" فمعناه: أنهما قد اشتركا في الصفة وزاد أحدهما على الآخر فيها، وعلى هذا لا يجوز أن تقول: "العسل أحلى من الخل"؛ لأنهما لم يشتركا في الحلاوة، وإنما ينبغي أن يقال: "العسل أحلى من التمر"2 لاشتراكهما في الحلاوة وزيادة العسل على التمر3 فيها، وإذا كان "أفعل منك" إنما هو للتفاضل والمبالغة كان قولهم: "أفعل به" قريبا منه؛ لأن معنى "أفعل به" المبالغة أيضا4 إلا أن4 "أفعِل به" فعل, و"أفعَل منك" اسم5 بدلالة دخول5 علامات الأسماء عليه نحو قولهم6: "مررت بأفضل منك, وبأعلم منك" ونحو ذلك، فصح "أفعل منك" لأنه اسم، وصح "أفعِل به" لأنه في معناه، ولولا إلحاق فعل التعجب بالأسماء ومشابهته لها، لقلت في التعجب: "ما أقام زيدا، وما أطاله، وأقم به, وأطل به".
فإن قال قائل: فهلا قالوا: "ما أشدد زيدا, وما أقلل مالك", فأظهروا هنا كما صححوا في قولهم: "ما أطوله، وما أقوله"؟
قيل: لأن "ما أفعله" محمول على "هو أفعل منك", وأنت قد تدغم: "هو أشدّ منك" لأنه على مثال الفعل، يدل على ذلك7: أن المدغم إذا جاء

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ظ، ش: هو. والصواب ما نقلناه عن ص؛ لأنه مطابق لما ورد في قول أبي عثمان.
2، 3 ظ، ش "الدبس" في الموضعين.
4، 4 ظ, وش: لأن.
5، 5 ظ، ش: بدخول.
6 "قولهم": ساقط من ظ، ش.
7 ذلك: ساقط من ظ، ش.

 

ج / 1 ص -320-        مخالفا لبناء الفعل أُظهر تضعيفه نحو قولهم: "سُرُر، وجدد، ومِرَر, وخطط" لأنه ليس في الأفعال "فُعُل، ولا فِعَل، ولا فُعَل".
ثم إنهم قالوا: "رجل صَبّ، ويوم قَرّ" فأصلهما: "صَبِب، وقَرِر"؛ لأنك تقول: "صَبِبت يا رجل, وقررت يا يومنا" فهذا كقولك: "حَذِر فهو حذر، وبطر فهو بطر" فأدغم هذا؛ لأنه على بناء الفعل نحو: "علم، وشرب" فقد علمنا من هذا أن مجيء المضاعف على مثال الفعل يوجب إدغامه، فمن هنا وجب إدغام "هو أشد منك", فكان إدغام "ما أشده" أوجب؛ لأن ما فيه من مشابهة الاسم لا تخرجه من أن يكون فعلا، بل أقصى أحواله أن يكون اسما، ولو كان اسما لوجب إدغامه؛ لأنه على وزن الفعل, فكيف وهو "فعل"! ألا ترى إلى إدغامهم "الأظَلّ، والأمَرّ" وهما اسمان لا فعلان، ولا صفتان أيضا.
وإنما وجب تصحيح الاسم الذي في أوله الزيادة التي تكون في أول الفعل؛ للفرق بينهما نحو "هو أطول منك" ثم أشبهه "ما أطوله، وأطول به", فأجريا في الصحة مجرى "هو أطول منك".
فأما قولهم: "أشدِدْ به" فإنما ظهر تضعيفه لسكون لامه, فجرى ذلك مجرى "شددت، ومددت".
1 فإن قال قائل1: فهلا أظهروا "هو أشد منك" ثم ألحقوه "ما أشده"؟
قيل: لأنه على وزن الفعل فيجب2 إدغامه, وليس ما جاء من المضاعف بوزن الفعل بواجب إظهاره, كما يجب تصحيح ما في أوله زيادة الأفعال من الأسماء

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1، 1 ظ، ش: فإن قيل.
2 ظ، ش: فوجب.

 

ج / 1 ص -321-        ألا ترى إلى إدغامهم "رجل صَبّ، ويوم1 قَرّ" وهما بوزن الفعل, فقد علمت أن مجيء المضاعف على وزن الفعل يوجب إدغامه, فمن هنا أدغم "هو أشد منك" ولم2 يكن لـ "ما أشده" ما يشبه به فيُظهَر, فبقي مدغما كما يجب فيه.
وقوله: "والأفعال لا تحقّر" إنما لم تحقر الأفعال؛ لأن التحقير في معنى الوصف، ألا ترى أن قولك: "هذا رُجَيل" معناه: هذا رجل صغير، والأفعال لا توصف3؛ فلذلك لم يجز تحقيرها، وإنما لم توصف3 لأن الصفة ذكر حال الموصوف، والأفعال لا أحوال لها، وكذلك الحروف؛ فلذلك لم يوصفا، ولم يصغرا, ولذلك أيضا لم تصغر الأسماء المبنية نحو "كم، وأين، وكيف" لمضارعتها الحروف.
ما لا يعل, وما يعل من الأسماء التي تبنيها على أمثلة الأفعال:
قال أبو عثمان: وكل اسم بنيته4 من هذا في أوله زوائد الفعل المضارع، وهو بها على مثال المضارع فصححه ولا تعلله -وقد بيَّنت لك هذا فيما مضى- وإن كان فيه أحد حروف المضارع، ولم يكن على مثال المضارع، فأعلله.
ولو بنيت مثل "تِحْلِئ" من "بعت" لقلت: "تِبِيع", فأسكنت5 الياء وألقيت حركتها على الساكن الذي قبلها، وكذلك هو من "قلت" تقول

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 يوم: ساقط من ظ، ش.
2 ظ، ش: فلم.
3، 3 ساقط من ظ، ش.
4 ظ، ش: تبنيه.
5 ظ، ش: وأسكنت.

 

ج / 1 ص -322-        فيه: "تِقِيل"، وكذلك "تُفْعُل" تقول1 فيه2: "تُقُول" تسكن3 الواو, وتلقي حركتها على ما قبلها.
قال أبو الفتح: إنما وجب إعلال هذه الأبنية وإن كانت في أولها التاء وهي من زوائد المضارع؛ لأنه قد أُمن الشبه بينهما، ألا ترى أنه ليس في المضارع "تِفْعِل" ولا "تُفْعُل" فقد وقع الفصل بالضم والكسر, ولكنك لو بنيت مثل "تِفْعِل" لصححت؛ لأنهم يقولون: "أنت تِرْكَب، وتِذْهَب". وكنت تقول فيها من "بعت: تِبْيَع" ومن "قلت: تقول", فتصحح لئلا يلتبسا بالفعل نحو قولهم: "تِخال، وتِخاف" في مضارع "خِلت، وخِفت". قال أبو ذؤيب:

فغبرت بعدهم بعيش ناصب                       وإخال أني لاحق مستتبع

وأنشدني عقيلي فصيح لنفسه:

فقومي هم تميم يا مماري                        وجوثة ما إِخَاف لهم كثارا

بكسر الهمزة من "أخاف".
فأما قولهم: "الأسود بن يعفر" فإنما ضموا الياء لضمة الفاء إتباعا, كما قالوا: "يُسْرُوع " فضموا الياء لضمة الباء.
و"التحلئ" إنما صار "تِفْعِلا"؛ لأنه من "حلأت" الأديم: إذا قشرته، وما سقط منه فاسمه: "التحلئ".

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 تقول: ساقط من ظ، ش.
2 ظ، ش: منه.
3 ظ، ش: وتسكن.

 

ج / 1 ص -323-        يصحح "مِفْعَل"؛ لأنه منقوص من "مِفْعَال":
قال أبو عثمان:
ويتم "مفعل" منهما، قال الخليل: إنما تم؛ لأنه منقوص من "مفعال", قالوا: "مِفْتَح ومِفْتَاح، ومخيط ومخياط، ومنسج ومنساج".
قال أبو الفتح: يقول: لما وجب تصحيح "مخياط" لسكون ما بعد الياء, وكان "مخيط" منقوصا منه صحح؛ لأن بناء "مفعال" هو المقصود هنا، وجعل التصحيح في "مخيط" دلالة على أنه منقوص من مخياط, وأنه بمعناه كما جعل تصحيح "عَوِر، وحول" دلالة على أن معناهما معنى "اعورّ، واحولّ" وقد مضى ذكر هذا.
ولم يعتل الخليل في تصحيح "مِخْيَط" بسكون ما قبل الياء, كما صح نحو "حول" لسكون ما قبله؛ لأن "مِفْعلا" بوزن "تِفْعَل" و"حول" ليس على وزن الفعل, فكان يجب إعلال "مِفْعَل" كما أعلوا "مَفْعَلا" لولا ما ذكره الخليل.
إعلال "مَفْعِل، ومَفْعُل" من "قال، وباع":
قال أبو عثمان:
ويعتل "مفعل, ومفعل" منهما, فتقول في "مفعِل" من الواو: "مَقِيل", و"مفعُل" "مَقُول", ومثل ذلك "المَشُورة، والمثوبة، والمعونة".
قال أبو الفتح: إنما اعتل هذان البناءان ولم يفرق بينهما وبين الفعل

 

ج / 1 ص -324-        بالتصحيح1؛ لأن الميم في أوائلهما تختص2 بالأسماء, فوقع الفصل بذلك، وقد تقدم ذكر هذا.
رأي الخليل في أن "مَفْعُلة، ومَفْعِلة" من الياء سواء:
قال أبو عثمان: وزعم الخليل أن "مفعلة" من الياء من هذا و"مفعلة" سواء، وقد بينا هذا فيما مضى.
قال أبو الفتح: قوله: "من هذا" يعني مما اعتلت عينه وهي ياء، يريد به باب "معيشة"، وأنها تصلح أن تكون "مفعِلة، ومفعُلة" وقد شرحت هذا.
تصحيح "أَفْعِلة" نحو "أَسْوِرة وأَعْيِنة":
قال أبو عثمان: ويتم "أفعلة" نحو: "أسورة، وأخونة، وأحورة، وأعينة".
قال أبو الفتح: إنما صح هذا؛ لأن الزيادة في أوله همزة وهي من زوائد الأفعال، فأرادوا الفرق بين القبيلين فصححوا3، وقد مضى ذكر مثله.
مجيء "تَدْوِرَة" على أصلها:
قال أبو عثمان:
ومما جاء على أصله مما قد ذكرنا علته, قول الشاعر:

بتنا بتَدْوِرَة يضيء وجوهنا                  دسم السليط على فتيل ذبال


ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ظ، ش: بالصحيح، وهو خطأ.
2 ظ، ش: مما يختص.
3 ظ، ش: فصححوه.

 

ج / 1 ص -325-        وقالوا: "التَّتْوبة" يريدون "التَّوْبة"1.
قال أبو الفتح: قوله: "قد ذكرنا علته، فيما مضى2" يعني: أنه صحت الواو في "تَتْوِبة، وتدورة3" لأن في أول الكلمة التاء وهي من زوائد المضارع، فلو قال: "تَدِيرة، وتتيبة" فأعلوا لالتبس بـ "تبيع وتعيش", فصححوا الواو للفصل بين الاسم والفعل.
فإن قلت: إن الهاء في آخر الكلمة تفصل بينها وبين الفعل؛ لأن الهاء من زوائد الأسماء خاصة, فهلا أعلت "التتوبة، وتدورة4" كما أعل "مقام، ومعاش" لاجتماعهما في أن الزوائد فيهما مما يختص بالأسماء دون الأفعال؟
قيل: إن الهاء في تقدير الانفصال, فكأنك قلت: "تَدْوِر، وتتوب".
فإن قلت: إن "تَدْوِرة" اسم عَلَم والهاء فيها ليست مثلها في "قائمة، وقاعدة" فتقدر انفصالها، كما5 لا يمكنك تقدير هاء "طلحة" كهاء "قائمة"؛ لأنه5 لا يمكنك نزع هاء "طلحة" وهي معرفة؟
قيل: إن التعريف ثانٍ، فلم يعتد به؛ لأن التنكير هو الأصل، والهاء على كل حال -لانفتاح ما قبلها- تشبه "موت" من "حضرموت", فهي على تصرف الأمر في تقدير الانفصال.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 فوقها في ظ: موضع, ولا معنى له.
2 فيما مضى: ساقط من ظ، ش.
3 ظ: تدروه.
4 ظ: وتدروه. وش: والتدورة.
5، 5 ساقط من ظ، ش.

 

ج / 1 ص -326-        قلب ألف "رسالة", وياء "صحيفة", وواو "عجوز" في الجمع همزة:
قال أبو عثمان:
وقال الخليل في واو "عجوز" وألف "رسالة" وياء "صحيفة": إنما هُمزن في الجمع ولم يكن بمنزلة "معاون" و"معايش" إذا قلت: "صحائف" و"رسائل" و"عجائز"؛ لأن حروف اللين فيهن ليس1 أصلهن الحركة, وإنما هي حروف مَيْتَة لا تدخلها الحركات, ووقعن بعد ألف فهمزن ولم يظهرن, إذ كن لا أصل لهن في الحركات, ولو ظهرن في الجمع متحركات كانت الحركة ستدخلهن في غير الجمع في بعض المواضع.
قال أبو الفتح: اعلم أن الهمز في باب "فعائل" إنما أصله لباب "رسالة، وكنانة" وذلك أنك لما جمعت "رسالة" على "فعائل", جاءت ألف الجمع ثالثة ووقعت بعدها ألف "رسالة"؛ فالتقت ألفان, فلم يكن بد من حذف إحداهما أو تحريكها2، فلو حذفت3 الألف الأولى لبطلت دلالة الجمع، ولو حذفت4 الثانية لتغير بناء الجمع؛ لأن هذا الجمع لا بد له من أن يكون بعد ألفه5 الثانية حرف مكسور بينها وبين حرف الإعراب فيكون6 "كمفاعل".
ولم يجز أيضا تحريك7 الألف الأولى مخافة أن تزول دلالتها على الجمع؛ لأنها إنما تدل عليه ما دامت ساكنة على لفظها، ولو حُرّكت أيضا لانقلبت

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ظ، ش: لسن.
2 ظ، ش: حركته.
3، 4 ظ، ش: خذفوا، في الموضعين.
5 ظ: ألف، وش: الألف.
6 ظ، ش: ليكون.
7 ظ، ش: حركة.

 

ج / 1 ص -327-        همزة وزالت دلالة الجمع، فلم يبق إلا تحريك1 الألف الثانية بالكسر؛ ليكون كعين "مَفَاعِل", فلما حُرِّكت انقلبت همزة فصارت "رسائل وكنائن" كما ترى.
ثم شُبِّهت الياء في "صحيفة" والواو في "عجوز" بألف "رسالة"؛ لأن قبل كل واحدة2 منهما بعضها وهي ساكنة, فجرتا من هذا مجرى الألف, وأصل الباب في هذا الهمز إنما هو للألف؛ لأنها أقعد في المد منهما3 وقد مضى شرح هذا.
ولم تكن "الألف، والياء، والواو" في هذه المواضع مثلها في "مَقَام, ومَعِيشة, ومَعُونة" فتُرَد في الجمع إلى أصلها في احتمال الحركة؛ لأنهن في "رسالة, وصحيفة, وعجوز" زوائد لم يتحركن قط, فاجتنبت فيهن الحركة فهمزن.
وقوله: "ولو ظهرن في الجمع متحركات كانت الحركة ستدخلهن في غير الجمع في بعض المواضع" يريد أنك لو لم تهمز في الجمع فقلت "عجاوز, وصحايف" بلا همز؛ لوجب أن تقول إذا خفّفت4 مثل "خطيئة، ومقروءة" أن تلقي الحركة على الواو والياء, وتحذف5 الهمزة كما تفعل في الصحيح, فكنت تقول: "خَطِيَة، ومَقْرُوَة" كما تقول في "مَنْ أبوك: مَن بُوك", وهذا لا يجوز في شيء من هذه الحروف؛ لأنها زِيدت للمد، فلو حركت لبطل

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ظ، ش: حركه.
2 ظ، ش: واحد.
3 ظ، ش: منها.
4 ص: خففت، بخاء معجمة وفاءين، وهو الصواب. وظ، ش: حققت، بحاء مهملة وقافين.
5 ص وهامش ظ: وتحذف. وظ: فحذفت. وش: فتحذف.

 

ج / 1 ص -328-        الغرض فيها؛ لأن الحركة تخرجها عن المد، وقد قرأ بعض القراء: "خَطِيَة"1 2 فحرك الياء2 للتخفيف وهذا خطأ.
فإن قلت: فقد تقول في تخفيف "خطيئة, ومقروءة: خَطِيَّة، ومَقْرُوَّة" فتدغم3 الياء والواو, والإدغام يبطل المد, فهلا جاز طرح الحركة عليها كما جاز إدغامها؟
قيل: إن إدغام الواو, والياء لا يخرجهما من المد كل الإخراج كما تخرجهما الحركة. ويدلك4 على أن الحركة في الياء, والواو أشد إخراجا لهما من إدغامهما أنهما إذا وقعتا مدغمتين في حرف الروي لم يحز موضع كل واحد منهما غيرهما نحو: "وليّ، وعدوّ" لا يجوز مع "ولي ظبي"5 ولا مع "عدو علو" ولو كان إدغامهما يخرجهما من المد أصلا لجاز "ظبي"6 مع "ولي" و"عدو" مع "عدو" كما أن الحركة لما كانت تخرجهما من المد أصلا7 جاز مع7 كل واحدة منهما إذا وقعت قبل حرف الروي غيرها8 من سائر الحروف الصحاح. ألا ترى أنه يجوز مع "الغِيَر: الخبر، والسمر" ويجوز مع "الطِّوَل: العمل, والسَّمَل9، والشمل". فلهذا جاز أن تدغم إذا أردت تخفيف "خطيئة, ومقروءة" فتقول: "خطية، ومقروة"

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 من قوله تعالى:
{وَمَنْ يَكْسِبْ خَطِيئَةً أَوْ إِثْمًا ثُمَّ يَرْمِ بِهِ بَرِيئًا فَقَدِ احْتَمَلَ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا} الآية 112 من سورة النساء رقم 4.
2، 2 في ظ، ش: فحرك للمد الياء.
3 ظ، ش: وتدغم.
4 ظ، ش: ويدل ذلك.
5، 6 ظ، ش: طبي، في الموضعين.
7، 7 ظ، ش: جاز طبي مع, بزيادة "طبي" وهو خطأ.
8 ظ، ش: وغيرها، بزيادة الواو، وهو خطأ.
9 السمل: زيادة من ظ، ش.

 

ج / 1 ص -329-        ولم يجز أن تلقي حركة الهمزة عليهما فتقول: "خَطِيَة, ومَقْرُوَة".
فإن قلت: فهلا قالوا في تخفيف "خطيئة، ومقروءة: خطييـ/ـئة ومقروو/ءة", فجعلوا الهمزة بعد1 الواو، والياء بين بين، كما يقولون في تخفيف "هباءة، وألاءة: هباا/ءة وألاا/ءة" فيجعلون الهمزة بعد الألف بين بين؛ لأن الواو والياء تجريان في هذا الموضع مجرى الألف كما قدمت؟
قيل: إن الياء، والواو وإن كانتا مضارعتين للألف بسكونهما, وكان بعض كل واحدة منهما قبلها2, فليس لهما3 تمكن الألف في المد وإنما هما مشبهتان بها4, وليس يلزم إذا أشبه الشيءُ الشيءَ من وجه أو وجهين أن يشبهه من جميع وجوهه؛ لأنه لو أشبهه من جميع وجوهه لم تكن بأن تجعل أحدهما داخلا على الآخر أولى من أن تجعل الآخر داخلا عليه، ولكن لما5 أشبهت الياء والواو الألف اجتنبوا تحريكهما في تخفيف "خطيئة، ومقروءة" ونحوهما لما بينهما وبينها6 من الشبه وأدغموها7 لما بينهما من الخلاف.
فإن قيل: فهلا عكسوا هذا الذي فعلوه, فأجازوا تحريكهما في "خطيئة، ومقروءة" ولم يجيزوا إدغامهما بضد ما فعلوا؟
قيل: الذي فعلوه هو القياس؛ لأنهم لو حركوهما لخرجتا من المد أصلا

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ظ، ش: بين.
2 يريد بـ "بعض كل واحدة منهما قبلها": الكسرة قبل الياء, فإنها بعض الياء، والضمة قبل الواو فإنها بعض الواو.
3 ظ: لها.
4 ظ: بهما، وهو خطأ.
5 ش: إذ. وظ: إذا.
5 ظ، ش: وبين الألف.
7 ظ، ش: فأدغموهما.

 

ج / 1 ص -330-        وهم إذا أدغموهما1 في "خطية، ومقروة2" فالياء ساكنة وقبلها كسرة والواو ساكنة وقبلها ضمة, وهذا هو شرطهما إذا كانتا مدا, فليس ههنا ما3 ينقص4 المد أكثر من الإدغام، فلما لم يبلغ الواو والياء في "خطيئة، ومقروءة" منزلة الألف بكمالها لم يجعلوا الهمزة بعدهما بين بين، ولما كانت الحركة فيهما تخرجهما من المد أصلا وهم قد اعتزموا فيهما5 على المد لم يحركوهما, ولكن طلبوا لهما حالا وسطا بين جعل الهمزة بعدهما بين بين، وبين تحريكهما وهو الإدغام فأدغموهما.
فهذا الذي فعلوه أحوط وأقيس مما عدلوا عنه من جعل الهمزة بعدهما بين بين أو تحريكهما، فلما كان تركهم في "عجائز، وصحائف، ورسائل" يُلزمهم أو يسوّغ لهم تحريكهن في غير ذلك, همزوهن ولم يحملوهن الحركة.
فأما الألف, فمعلوم أنها لا تتحرك أبدا لئلا تصير همزة، فقد كُفينا بهذا القول فيها.
تصحيح اسم الفاعل من "حَوِر، وصِيدَ"؛ لتصحيح الفعل عند الخليل:
قال أبو عثمان:
وقال الخليل: من قال: "عَوِر وحول" قال: "هو عَاوِر غدا6 وحاول" فأجراهن مجرى الفعل. وكذلك "فاعل" من "صَيِدت" لا يهمز7.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ظ: أدغموها.
2 ش: خطيئة ومقروءة.
3 ظ، ش: مما.
4 ص: يقص أو يقصر.
5 ظ: فيها.
6 غدا: ساقط من ظ، ش.
7 ظ، ش: لا تهمزه.

 

ج / 1 ص -331-        قال أبو الفتح: إنما صح اسم الفاعل في هذا عند الخليل؛ لصحة الفعل بظهور الواو والياء فيه, ولما اعتلت العين في "قام، وباع" اعتلتا في "قائم وبائع" بالهمز، وقد مر ذكر هذا.
وقوله: "فأجراهن مجرى الفعل" يريد: في الصحة.
"بقاء الواو والياء متحركتين في "تقاول، وتبايع" جمعين لتقول و"تبيع" اسمين منقولين عن الفعل بعد إعلاله":
قال أبو عثمان: ولو سميت رجلا "بتَقُول, وتَبِيع" منقولا من الفعل "كيزيد" ثم كسرته؛ لأظهرت الواو والياء متحركتين وكنت تقول: "تقاوِل، وتبايِع" خلافا لباب "رسالة، وصحيفة، وعجوز".
قال أبو الفتح: قوله1: منقولا من الفعل "كيزيد" يريد به2: أنك3 تنقله بعد أن لزمه الاعتلال؛ لأنه فعل كما أن "يزيد" كذلك, ولو بنيته اسما غير منقول لصححته فكنت تقول: "تَقْوُل, وتَبْيِع" وقد مضى ذكر هذا.
وإنما ظهرت الواو، والياء متحركتين في الجمع؛ لأن "تَقُول" أصله "تَقْوُل"، و"تبيع" أصله "تبيِع" فالحركة جارية على العين في الأصل، فلما احتجتَ إليها في الجمع حمّلتها العين فجرى "تقول، وتبيع" مجرى "معونة، ومعيشة", فكما لم تهمز في قولك: "مَعَاوِن، ومَعَايِش" كذلك لا تهمز في "تَقَاوِل، وتبايِع" لا فصل بينهما.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 قوله: ساقط من ظ.
2 به: ساقط من ظ، ش.
3 ظ، ش: أنه، وهو خطأ.