المنصف لابن جني ج / 1 ص -233-
قال أبو عثمان:
باب ما الياء والواو فيه ثانية, وهما في موضع العين
من الفعل:
اعلم أن الأفعال منها ما1 تُعَلّ ويُسَكَّن موضع
العين وتُحَّول حركته وتُزَال عن أصله، كل هذا يُفعَل به,
وسأبين ذلك2 إن شاء الله.
اعلم أن "فَعَلْتُ، وفعُلتُ، وفَعِلْتُ" منها3 معتلات كما
تعتل "ياء يرمي، وواو يغزو", فإذا اعتلت هذه الحروف جُعلت
الحركة التي كانت في العين محولة على الفاء, ولم يُقروا
حركة الأصل حيث اعتلت العين4, كما أن "يفعَل" من "غزوت" لا
تكون حركة عينه إلا من الواو.
وكما أن "يفعَل" من "رميت" لا تكون حركة عينه إلا من
الياء، وهذه الأحرف حيث اعتلت جعلت حركتهن على ما قبلهن،
ألا ترى أن "خِفْت، وهِبْت: فَعِلْت", فألقوا الحركة على
الفاء وذهبت حركة الفاء5.
تجيء الأفعال
الثلاثية المعتلة العينات على ثلاثة أضرب:
قال أبو الفتح: اعلم أن الأفعال الثلاثية المعتلة
العينات تأتي على ثلاثة أضرب: "فَعَلْتُ، وفَعِلت،
وفَعُلت" كما أن الصحيح كذلك، فـ "فعَلت، وفعِلت"
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 "ما": زيادة من ش.
2 ظ، ش: لك.
3 ص، ظ: منهما.
4 حيث اعتلت العين: ساقط من ظ، ش.
5 ظ، ش: العين.
ج / 1 ص -234-
يجيئان فيما1 عينه واو وياء جميعا، فـ
"فَعَلت" من الواو والياء نحو "قُلْت، وبِعْت" و"فَعِلت"
منهما: "خِفْت، وهِبْت".
فأما "فعُلتُ", فلا يأتي إلا من الواو دون الياء نحو
"طُلت, فأنا طويل".
وسأدل وأبرهن على كل دعوى من هذه في موضعها2 إن شاء الله.
فأصل "قُلتُ، وبِعتُ: قَوَلْتُ, وبَيَعْتُ", فنقلت "قولت"
إلى "قَوُلت"؛ لأن الضمة من الواو، ونقلت "بَيَعت إلى
بَيِِعْت" لأن الكسرة من الياء، ثم قلبت العين لتحركها
وانفتاح ما قبلها, فصارت ألفا في التقدير، وبعدها لام
الفعل ساكنة لاتصالها بالضمير, أعني: التاء, فسقطت العين،
فنقلت حركتها المجتلبة لها إلى الفاء قبلها, فصارت "قلت،
وبعت".
فإن قيل: ولِمَ نُقلت "قُلْت" إلى "فَعُلت" و"بِعْت" إلى
"فَعِلت"؟
قيل: لأنهم أرادوا أن يغيروا حركة الفاء عما كانت3 عليه؛
ليكون ذلك دلالة على حذف العين وأمارة للتصرف. ألا ترى أن
"ليس" لما لم يريدوا فيها التصرف, لم يغيروا حركة الفاء
وذلك قولهم: "لستُ".
فلما كانت4 5 القاف في "قلت"5 مضمومة, والباء في "بعت"
مكسورة بعدما كانتا مفتوحتين في "قال، وباع", دلّك6 ذلك
على أن الفعل متصرف, وأنه قد حَدَثَ فيه لأجل التصرف
حَدَثٌ ما، وأنه ليس كالحروف التي تلزم ضربا واحدا من
الحكم كـ "ليت" ولا كـ "ليس" الذي ليس متصرفا.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ظ، ش: مما.
2 ظ، ش: مواضعها.
3 كانت: ساقط من ظ، ش.
4 ظ، ش: رأيت.
5، 5 ظ، ش: القاف في قولهم: قلت.
6 ظ، ش: دلّ.
ج / 1 ص -235-
ألا ترى أنك لو قلت: "قلت، وبعت" لجرى مجرى
"لَسْتُ" ولم تكن ثَمَّ حركة غريبة تدل على العين المحذوفة
وأن الفعل متصرف, ونُقلت "قلت" إلى "فَعُلت"؛ لأن الضمة من
الواو، و"بعت" إلى "فَعِلت" لأن الكسرة من الياء.
فأما "خِفت، وهِبت, وطُلت" فلم يحتاجوا إلى1 أن ينقلوهما2
إلى شيء؛ لأن حركة العين في أصل تركيب الفعل جاءت مخالفة
لحركة الفاء؛ لأن أصل "خفت: خَوِفت", وأصل "هبت: هَيِبت",
وأصل "طلت: طَوُلت", فنُقلت الضمة والكسرة الأصليتان من
العين إلى فاء الفعل.
وتشبيه أبي عثمان "قلت، وبعت" بـ "يغزو، ويرمي" صحيح؛ لأن
محل الفاء من العين محل العين من اللام، فلما اعتلت العين
في "يغزو" بأن قصرتَها على الضم وأعللتَها في "يرمي" بأن
قصرتها على الكسر3 ومنعتهما ما كان جائزا في غيرهما من
تعاقب الكسر والضم, نحو "يضرب، ويقتل, ويعكِف، ويعكُف،
ويعرِش، ويعرُش". كذلك أعللتَ الفاء في "قلت, وبعت" بأن
غيرت الفتحة التي لهما4 في أصل البناء4, وقصرت "قلت" على
الضم كما قصرت "يغزو" على الضم, و"بعت" على الكسر كما قصرت
"يرمي" على الكسر؛ لمشابهة الفاء العين فيما أريتك.
أصل قُلْتُ:
"فَعَلْتُ":
قال أبو عثمان:
وأما5 "قلت" فأصلها "فعلت" محولة إلى "فَعُلت" من
"فَعَلت"6
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 "إلى": زيادة من ظ، ش.
2 ش: ينقلوها.
3 ظ: الكسرة.
4، 4 ظ: "في أصل", وفي ش: "في الأصل".
5 ظ، ش: فأما.
6 من فعلت: ساقط من ظ، ش.
ج / 1 ص -236-
وفعلوا ذلك ليغيِّروا حركة الفاء، ولو
جعلوها محولة من "فَعَلت" لكانت الفاء إذا أُلقيت عليها
حركة العين كهيئتها لو لم تحول عليها، وكانت "فعُلت" أولى
بها؛ لأن الضمة من الواو.
قال أبو الفتح: يقول: لو لم تغير حركة العين, لكنت إذًا
حذفتها وألقيت حركتها على الفاء, وكلتاهما مفتوحة لم تغير
حركة الفاء عما كانت عليه فيكون ثم تنبيه على حذف العين،
وأن الفعل متصرف غير جارٍ مجري "ليس" المشبهة بـ "ليت".
الدليل على أن
أصل قلت: فَعَلْتُ:
قال أبو عثمان:
وقال الخليل: يدلك على أن أصله "فعلت", قولهم: "قُلته"؛
لأنه ليس في الكلام "فَعُلت" متعديا.
قال أبو الفتح: وجه استدلال الخليل على أن "قلت: فَعَلْت"
أنه لا يخلو من أن يكون "فعَلت" أو "فعُلت" أو "فعِلت"1
وليس قسم رابع1, فلا يمكن أن يكون "فعُلت"؛ لأن "فعُلت" لا
يكون متعديا, وقد قالوا: "قلته".
2 فإن قال قائل2: فهلا جعلت "قُلت: فَعِلت"؟
قيل: لو كان كذلك لقيل: "قِلْت" كما قالوا: "خفت" لما كان
"فَعِلت".
وشيء آخر يدل على أن "قُلت: فَعَلت" دون "فَعِلت" وهو
قولهم في المضارع: "يقول" و"يقول: يَفْعُل" و"يفعُل" إنما
بابه "فعُل، أو فعَل".
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1، 1 ظ، ش: "ولا قسمة رابعة".
2، 2 ظ، ش: "فإن قيل".
ج / 1 ص -237-
دون "فَعِلَ" وقد بطل أن يكون "قلت: فعُلت"
لقولهم: "قلته", فبقي أن يكون "فعَلت" دون "فعِلت،
وفعُلت".
وشيء آخر يدل على أن "قُلت: فعَلت" دون "فعُلت" وهو قولهم
في اسم الفاعل: "قائل" و"قائل: فاعل", و"فاعل" لا يجيء من
"فعُل" إلا شاذا1 نحو "حمُض فهو حامض، وفره فهو فاره، وخثر
فهو خاثر" وقد قالوا: "حمَض، وخثَر".
فأما قولهم: "طهُرت المرأة فهي طاهر، وعقرت فهي عاقر،
وطلقت فهي طالق", فليست هذه الأحرف ونحوها جارية على
الفعل، إنما هي بمعنى النسب كما تقول في "حائض وطامث".
ألا تراهم قالوا: "دارع, ونابل2، وتامر, ولابن", ولا
يقولون: "درع, ولا تمر، ولا لبن"؛ لأنه ليس بجارٍ على
الفعل، إنما هو بمعنى "ذو كذا".
فلما كان "فاعل" لا يجيء من "فعُل", وإنما يجيء من "فعُل:
فعيل" نحو "ظرُف فهو ظريف، وشرف فهو شريف" وقد بطل أن يكون
"فَعِل" لقولهم: "قُلت" بضم الفاء ولقولهم في "المضارع"
يقول دون "يقال", فلم3 يبق إلا أن يكون "فَعَلت", وهذا
الاحتجاج هنا يصلح كله أن يحتج به4 في "صغت، وزرت، وعجت"
وما كان نحوهن من المتعدي.
فأما "قُمت، وسُرت، وجُعت" وما كان نحوهن من غير المتعدي,
فلا يستمر فيه استدلال الخليل؛ لأنه لا يقال: "جُعته،
وقُمته" كما يقال: "صُغته،
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ظ، ش: نادرا.
2 ونابل: ساقط من ظ، ش.
3 ظ، ش: لم.
4 به: ساقط من ظ، ش.
ج / 1 ص -238-
وزرته", ولكن قولهم: "جعت, وقمت" -بضم
الفاء- وقولهم في المضارع1: "يجوع، ويقوم" دون "يجاع،
ويقام" يدلان على أنه ليس بـ "فَعِلت".
وقولهم في اسم الفاعل: "جائع، وقائم" دون "جَوِيع،
وقَوِيم" يدل على أنه ليس بـ "فَعُلت".
فأما "خِفت, وهِبت" فإنهما2 "فَعِلت" يدل على ذلك قولهم في
المضارع: "يخاف, ويهاب" لأن "يفعَل" إنما يجيء من فَعِل
نحو "شَرِب" فهو "يشرب", وقد مر3 ذكر هذا3.
ويدل على أن "خفت" أيضا "فَعِلت" كسرهم الخاء وليس من
الياء, فتجعله كـ "بعت", وهو من الواو لقولهم: "الخوف، وهو
أخوف منك", وقولهم: "خائف, وهائب" لا يدل على أنه "فَعَلت"
دون "فَعِلت"؛ لأن "فاعلا" قد يجيء من "فَعِل" كما يجيء من
"فَعَل", وذلك قولهم: "شرب فهو شارب، وركب فهو راكب".
ولكن قولهم: "خائف, وهائب" يدل على أن "خفت" ليس بـ
"فعُلت"؛ لأنه لا يقال: "فعُلت فأنا فاعل" إنما يجيء على
"فَعِيل" وقد مر ذكره.
فتأمل هذه المواضع، فإني قد استقصيت القول فيها, ولم أر
أحدا من أصحابنا بسطها هذا البسط.
أصل "طُلْتُ:
فَعُلْتُ":
قال أبو عثمان:
وأما "طلت" فهي "فَعُلت" أصلٌ، فاعتلت4 من "فعلت" غير
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 المضارع: ساقط من ظ، ش.
2 ظ: فإنها. وش: فإنما.
3، 3 ظ، ش: ذكرها.
4 ظ، ش: واعتلت.
ج / 1 ص -239-
محولة. الدليل على ذلك "طويل: وطُوَال"؛
لأن "فعلت" يجيء منه الاسم على "فَعِيل، وفُعَال" نحو
"ظرُف فهو ظَرِيف، وكرم فهو كريم" وهذا أكثر من أن يؤتى
عليه.
وقالوا: "سريع وسُرَاع، وخفيف وخفاف" فـ "فَعِيل، وفَعَال"
أختان في باب "فَعُلت".
قال أبو الفتح: قوله: فاعتلت1 من "فعُلت" غير محولة, يريد:
أنها لم تكن في الأصل "طَوَلْت", ثم نُقلت إلى "طَوُلت"
كما تقول: إن أصل "قُمت: قَوَمت" ثم حُوِّلت إلى "قوُمت",
بل أصل "طلت: طَوُلت", قال: لأنهم يقولون: "طويل", فجرى
ذلك مجرى "كرم فهو كريم".
ووجه آخر يقوي أن "طُلت: فَعُلت", وذلك أنها نقيضة
"قصُرت", فكما أن "قصرت: فعُلت" فكذلك "طلت"؛ لأنهم مما
يجرون الشيء مجرى نقيضه, وذلك قولهم: "قلما تقولن" فأدخلوا
النون لمكان النفي ثم قالوا في نقيضه: "كثر ما تقولن", ولا
نفي في كثر فأجري مجرى قَلّ الذي فيه معنى النفي.
ومن ذلك قولهم في الخبر: "كم رجل قام؟" فجروا رجلا؛ لأنهم
أجروا كم مجرى رب، "لأن" رُبّ للتقليل، و"كم" للتكثير.
وقالوا: "طويل" كما قالوا: "قصير، وحديث، وقديم، وضعيف،
وقوي" فهذا مطرد فاشٍ في اللغة.
فهذا أيضا يقوي أن "طُلت: فعُلت"؛ لأنها نقيضة "قصُرت".
فأما ذكره2: "خَفِيف، وخُفَاف" في هذا الموضع، فإنما أراد
به أن "فعيلا، وفعالا" كثيرا ما يصطحبان ، ولم يرد به أن
خفيفا فعله "فعُل" هذا
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ظ، ش: واعتلت.
2 ظ: فأما ما ذكره.
ج / 1 ص -240-
محال، ويدل على أنه محال1 قولهم: "خَفَفت1
على فلان" بفتح العين, وقالوا في المضارع: "يَخِف" هذا
"فعَل يفعِل", ونظيره2: "خف يخف", ولم يأت فيما عينه ولامه
من موضع واحد3 "فعُلت" إلا حرفان فيما علمت وهما4 "لَبُبْت
فأنت لَبِيب" حكاها يونس، قال لي أبو علي: قال أبو إسحاق:
سألت عنها ثعلبا فلم يعرفها، وحكى قطرب: "شرُرت في الشر".
وإنما تجنبوا "فعُلت" بالضم5 في المضاعف؛ استثقالا للضمة
مع التضعيف.
فأما "حبذا" فأصلها -لعمري- "حَبُب", إلا أنها لما لزمت
الإدغام -فلم يظهر تضعيفها- احتملت لذلك.
وقد قالوا أيضا6: "دَمُمْت فأنت تدم7 دَمامة", ولا يجب من
حيث كان "خف فهو خفيف" نقيض "ثقل فهو ثقيل" أن يكون "فعُل"
كما أن "ثقُل" كذلك؛ لأن هذه8 مقايسة, وقولهم: "خففت أخف"
مسموع والسماع يبطل القياس.
فأما "سريع، وسُرَاع" فهما لعمري من "فعُل"؛ لأنهم قد
قالوا "سرُع", وأنشدوا للأعشى:
واستخبري قافل الركبان وانتظري
أوب المسافر إن ريثا وإن سرعا
ويروى: سَرِعا.
وقوله: فـ "فَعِيل، وفُعَال" أختان في باب "فعُلت" هما
لعمري كذلك، إلا أن فعيلا "هو الأصل", وإنما يُخرَج به إلى
"فُعَال" إذا أريد المبالغة "وطُوَال
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1، 1 ظ، ش: قولهم: خفف فلان, وخففت.
2 ظ، ش: ونظير.
3 واحد: ساقط من ظ، ش، وسقوطه يفسد المعنى.
4 ص: وهي. ظ: وهو.
5 بالضم: زيادة من ظ، ش.
6 أيضا: ساقط من ظ، ش.
7 فأنت تدم: ساقط من ظ، ش.
8 ظ، ش: هذا.
ج / 1 ص -241-
وعُرَاض" أشد مبالغة من "طويل, وعريض"
و"فَعِيل وفُعَال" كلاهما1 من أبنية المبالغة، فإذا أرادوا
الزيادة في المبالغة ضعّفوا العين فقالوا: "كُرّام، وحسان،
ووضاء" وهم يريدون: "كريما، وحسنا، ووضيئا".
قال الشاعر:
دار الفتاة التي كنا نقول لها
يا ظبية عُطُلا حُسَّانة الجِيد
وربما بنوه على فُعَّال2 مضعّف العين وألحقوه الهاء
للمبالغة, قالوا: "رجل كُرّامة، ولُؤّامة" في الكريم
واللئيم، كما قالوا: "مِجْذامة" للمقطوع, و"مِطْرَابة"
للكثير الطرب, و"معزابة" للكثير التعزب, و"رجل عَذّالة"
إذا أكثر العَذْل. قال تأبط شرا:
يا من لعَذّالة خَذّالة أشِب
حرق باللوم جلدي أي تحراق
فوصفهم المذكر بما فيه هاء التأنيث إنما هو لشدة المبالغة،
وهم إذا أرادوا شدة المبالغة في الكلمة فمما يُخرجونها عن
أصلها.
ألا ترى أن أصل الأفعال أن تتصرف وقد منعوا "نعم، وبئس،
وحبذا، وفعل التعجب" التصرف لما أرادوا من شدة التوكيد في
المعنى الذي أمُّوه والنحو الذي قصدوه، وهذا باب واسع.
فلهذا كان "فعيل" هو الأصل، و"فعال" مدخل عليه؛ لأنه أشد
مبالغة منه.
تعدية "طلته من
طاولته، فطلته" يدل على أنه محول:
قال أبو عثمان:
وأما "طاولني فطلته" فهي محولة كما حولت "قلت", وفاعلها
طائل
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 كلاهما: ساقط من ظ، ش.
2 ظ، ش: فعالة.
ج / 1 ص -242-
لا يقال فيه: "طَوِيل", كما أن "قائلا" لا
يقال فيه: "قَوِيل", ولم يؤخذ هذا إلا عن الثقات.
قال أبو الفتح: يقول: تعديه1 في قولهم: "طلته" يدل على أنه
ليس بـ "يفعُل"؛ لأن "فعُل" لا يتعدى، وكذلك قولهم:
"طائل", فجرى مجرى "قلته, فأنا قائل".
فإن قيل: فلعله "فَعِل" فهذا محال؛ لأنه كان يلزم أن يقال
فيه: "طلته أطاله" كما قالوا: "خِفته أخافه". قال الشاعر:
إن الفرزدق صخرة عادية
طالت2 فقصر دونها2 الأوعالا
ويروى3: فليس تنالها3 الأوعالا4, يريد: طالت الأوعال.
وقوله: ولم يؤخذ هذا إلا عن الثقات، يريد به اللغة لا
العلة, وقد مضى تفسير مثل هذا.
أصل "بِعْتُ:
بَيَعتُ" ثم نقل إلى "بَيِعتُ":
قال أبو عثمان: وقصة "بعت" في التحويل من باب "فعَلت"
إلى "فعِلت" كقصة "قلت" من "فعَلت" إلى "فعُلت", وكانت
"فعِلت" أولى بها؛ لأن الكسرة من الياء كما كانت "فعُلت"
أولى بـ "قُلت"5؛ لأن الضمة من الواو.
قال أبو الفتح: يقول: إن أصل "بعت: بيعت" ثم نقلت إلى
"بيعت"
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ظ، ش: تعديهم.
2، 2 ظ، ش: فليس تنالها.
3، 3 ظ، ش: فقصر دونها.
4 الأوعالا: زيادة من ظ، ش.
5 ظ، ش: بها.
ج / 1 ص -243-
فلما حُذفت العين نُقلت حركتها إلى الفاء.
ويدل على أن أصل "بعت: فعلت" قولهم في المضارع: "يَبِيع"
و"يبِيع: يفْعِل" و"يفعِل" إنما بابه "فعَل" نحو: "ضرب
يضرب".
ولو كان "بِعْت: فَعِلت" في الأصل كـ "هِبت لقالوا في
مضارعه: يباع" كما قالوا: "يهاب". وسألت أبا علي وقت
القراءة, فقلت له: ما تنكر أن يكون1 "بعت أبيع: فعلت أفعل"
بمنزلة "حسِب يحسِب" في2 الصحيح؟
فقال: جميع ما جاء من "فعِل يفعِل" قد جاء فيه الأمران
"يفعِل، ويفعَل" نحو "حسِب يحسِب ويحسَب، ويبس ييبس
وييبس3, ونعم ينعم وينعم, وبئس يبئس ويبأس"3. قال:
فاقتصارهم بمضارع "بعت على أبيع" دلالة على أن أصله "فعَل"
دون "فعِل".
يريد أنه لو كان "بعت: فَعِلت", لجاز في مضارعه "يبِيع,
ويبَاع" جميعا كما جاء يحسِب "ويحسَب", فمن هنا ثبت أنه
"فعل" لا غير.
وفي قول أبي علي: إن جميع باب" فَعِل" يأتي مضارعه على
"يفعَل ويفعِل" جميعا4؛ شيء، وذلك أنه قد جاء مضارع "فعِل"
في بعض اللغة على "يفعِل" ليس غير، وذلك "ومق يمق، ووثق
يثق، وورم يرم" ونحو ذلك مما لزم مضارعه "يفعِل" وحدها،
وقد عرفت العلة في أن لزمت هذه الأفعال "يفعِل" في المضارع
فيما مضى، فيجوز أن يكون أبو علي استثنى بهذا في نفسه, لما
كان معروف الموضع واضح العلة، ولو قال جوابا عما سألته
عنه: إن "فعِل يفعِل" لا يقاس عليه؛ لأنه ليس الباب, لكان
أسلم من الاعتراض
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 يكون: ساقط من ظ، ش.
2 "يحسب في" غير مقروء في ص.
3، 3 ساقط من ظ، ش.
4 جميعا: ساقط من ظ، ش.
ج / 1 ص -244-
لم يجئ "فعل" فيما عينه أو
لامه ياء:
قال أبو عثمان:
وليس في باب الياء التي هي عين "فعلت" كما أنه ليس في باب
"رميت" "فعُلت"؛ لأن الياء عندهم أخف من الواو فكرهوا
الخروج من الأخف إلى الأثقل، ودخلت "فعِلت" على بنات الواو
كما دخلت في باب "غَزَوت" حين قلت: "شَقِيت, وغَبِيت" لأنك
نقلتَ الأثقل إلى الأخف, ولو قلت: "فعُلت" من الياء كنتَ
قد انتقلت من الأخف إلى الأثقل.
قال أبو الفتح: يقول: لو قلت من باب "بعت: فعُلت", للزمك
أن تقلب الياء واوا وكنت تقول: "بُعت أبوع" فرُفض ذلك كما
رُفض "رَمَوْتُ أَرْمُو" لو بنيته على "فعُل يفعُل" لئلا
يخرج من الياء وهي الأخف إلى الواو وهي الأثقل.
وقوله: ودخلت "فعِلت" على بنات الواو يعني: الواو التي هي
عين، يريد "خفت أخاف، ونمت أنام" كما دخلت فيما لامه واو
نحو "شقيت، وغبيت" لأنهما1 من الشقاوة والغباوة, لتنقلب
الواو ياء لانكسار ما قبلها.
ووجه2 الخفة في "خفت أخاف" أنك إذا بنيته3 على "فَعِل"
لزمه "يفعَل", فزالت الضمة والواو4 وصار موضع الضمة4 كسرة
في "خفت" وموضع الواو ألفا في "يخالف"؛ كما أنك إذا قلت:
"شقيت تشقى" صار موضع الواو التي هي لام, ياء مرة وألفا
أخرى، فهذا هو وجه الخفة.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ش، ظ: لأنها.
2 ظ، ش: وقوله، وهو خطأ.
3 ظ، ش: بنيتها.
4، 4 ظ، ش: صارت الضمة.
ج / 1 ص -245-
المضارع من قال على "يفعل",
ومن باع على "يفعل":
قال أبو عثمان:
وإذا قلت: "يفعَل" من "قلت" لزمه "يفعُل", وإذا قلت:
"يفعَل" من "بعت" لزمه "يفعِل", وصار "يفعِل" لهذا لازما
إذ1 كان "فعِل يفعِل" في غير المعتل نحو "حسِب يحسِب" وكما
وافق "فعَلت" من الياء "فعلْت" من الواو في تغيير حركة
الفاء, كذلك وافقه في لزوم "يفعِل".
قال أبو الفتح:
يقول: لا تنكر أن تقول: "بعت أبيع", فتجيء به على2 "فعِل
يفعِل2", فإن له نظيرا في الصحيح وهو "حسِب يحسِب".
وفيه عندي وجه آخر, وهو أن "بعت" وإن كان الآن "فعِلت",
فإن أصله "فَعَلت" ثم حُوِّل إلى "فعلت".
وإذا كان "حسِب" قد جاء على "يحسب" وإن لم يكن أصل "حسِب:
فعَل", بل الكسر في عينه أصل. فأن يجوز "أفعِل" في "فعِلت"
التي أصلها "فعَلت" أجدر.
وقوله: وكما وافق "فعَلت" من الياء "فعَلت" من الواو في
تغيير حركة الفاء، كذلك وافقه في لزوم "يفعِل".
يقول: لما أن كسرت الباء من "بِعت" كما ضممتَ القاف من
"قلت" -وأصل الباء والقاف الفتح- ثم لزم قلت أقول؛ لأنه
محمول على "يغزو" ومشبه به لأجل شبه العين باللام, كذلك
لزم "بعت أبيع" فجرى مجرى "قلت أقول"، ولأن "بعت" أيضا
مشبهة بـ "رميت" كما شبهت
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ظ، ش: إذا, وهو خطأ.
2، 2 ظ، ش: فعلت أفعل.
ج / 1 ص -246-
"قلت بغزوت" فجاء "يبيع على يفعِل" كما جاء "يرمي" أيضا
كذلك.
فالعلة إنما أتت الفاء من قِبَل العين، وأتت العين من قبل
اللام, فاللام هي الأصل في العلة إذن.
اعتل "هبت،
وخفت" من أصل بنائهما لا محولين:
قال أبو عثمان:
وأما "يفعَل" من "خفت، وهبت", فإنك تقول فيه: "يخاف
ويهاب"؛ لأن " فعِل" يلزمه "يفعَل", وإنما خالفتا1 "يبيع,
ويزيد"؛ لأنهما لم تعتلا محولتين، إنما اعتلتا من بنائهما
الذي هو2 لهما في الأصل. وكذلك اعتلتا في "يفعَل" من
بنائهما الذي هو لهما في الأصل.
قال أبو الفتح: يقول: ليس أصل "خفت، وهبت: فعَلت", ثم نقل
إلى "فعِلت", بل هما مبنيان في أصل تركيبهما على كسر العين
كما أن "طلت, فأنا طويل" لم تنقل من "فعَلت إلى فعُلت", بل
عينها في أصل التركيب مضمومة كعين "قصُرت", كما أن "خفت،
وهبت" بمنزلة "حذِرت، وفرقت", فمن هنا قالوا: "هبت أهاب"
ولم يقولوا: "بعت أباع"؛ لأن أصل "بعت: بَيَعت", ثم نقل
إلى "بَيِعت".
وهذا القول من أبي عثمان فيه تقوية وشهادة بصحة ما ذهبت
إليه من أنه إنما3 جاء "بعت أبيع" على4 "فعِلت أفعِل" لأن
أصل "بِعت: فَعَلت" مفتوح العين, فجرى مجرى "ضربت أضرب" ثم
بعد أن حول إلى "فُعِلت" جرى مجرى "حسِب يحسِب".
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ش: خالفت.
2 هو: ساقط من ش.
3 إنما: ساقط من ظ، ش.
4 ظ، ش: في.
ج / 1 ص -247-
وقوله: وكذلك اعتلتا في "يفعَل" من بنائهما
الذي هو لهما في الأصل، يقول: لم تعتلا في المضارع من بناء
نُقلتا إليه، بل اعتلتا من بنائهما الذي هو لهما في أصل
تركيبهما, وهو فتح عين "يفعَل" لأجل كسر عين الفعل من
"فعِلت" فيهما.
ومعنى قوله: اعتلتا في "يفعَل" يحتاج إلى فَسْر, وذلك أن
هذه الأفعال المعتلات أعينا إنما وجب فيها الإعلال في
المضارع لأجل اعتلال الماضي، ولولا اعتلال الماضي لم يجب
الاعتلال في المضارع.
ألا ترى أن أصل "يقول، ويبيع1: يَقْوُل، ويَبْيِع"1 وأصل
"يخاف ويهاب: يخوَف, ويهيَب" وأصل "يَطُول: يَطْوُل" وهذه
الصيغ لا توجب إعلالا؛ لأن الواو والياء إذا سكن ما قبلهما
جرتا مجرى الصحيح.
ولكن لما كان أصل الماضي من هذه ونظائرها إنما هو2
"قَوَمَ، وبيع، وخوِف، وهيِب، وطوُل" اعتلت العينات
لتحركهن وانفتاح ما قبلهن, فسُلبن ما فيهن3 من الحركات
هربا من جمع4 المتجانسات, فقُلبن ألفات لتحركهن في الأصل
وانفتاح ما قبلهن الآن.
فلما جاء المضارع أعلوه إتباعا للماضي؛ لئلا يكون أحدهما
صحيحا والآخر معتلا, فنقلوا الضمة والكسرة من الواو والياء
إلى ما قبلهما, وأسكنوهما فصار "يقُول, ويَبِيع، ويَطُول".
فأما "يخاف، ويهاب" فأصلهما: يخوَف ويهيَب" فأرادوا
الإعلال
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1، 1 يقول ويبيع: ساقط من ظ.
2 ظ، ش: هي.
3 فسلبن ما فيهن: ساقط من ظ، ش، وسقوطه يفسد المعنى.
4 ظ، ش: جميع.
ج / 1 ص -248-
فنقلوا الفتحة إلى الخاء والهاء فصارا1 في
التقدير: "يخَوْف, ويهَيْب" ثم قلبوا الواو والياء ألفين
لتحركهما في الأصل وانفتاح ما قبلهما الآن، ولأنهما قد
اعتلتا ضرورة في "خاف، وهاب" هذا هو الذي عليه حذاق أهل
التصريف.
فأما من ذهب إلى أن "يقول، ويبيع" ونحوهما إنما استُثقلت
الحركة فيهما في الواو والياء, فنقلت إلى ما قبلهما
فسكنتا, فغير معبوء بقوله؛ لأن الواو والياء إذا سُكِّن ما
قبلهما جرتا مجرى الصحيح, فلم تستثقل فيهما الحركة.
وحدثني بعض أصحابنا أن أبا عمر الجرمي -رحمه الله- دخل
بغداد، فكان2 بعض كبار الكوفيين يغشاه ويكثر عليه المسائل
وهو يجيبه, فقال له بعض أصحابه: إن هذا الرجل قد ألح عليك
بكثرة المسائل, فلِمَ لا تسأله؟
فلما جاء3 قال له: يا أبا فلان، ما الأصل في "قم"؟ فقال
له: "أُقْوَم" فقال له: فما الذي عملوا؟ فقال له: استثقلوا
الضمة على الواو فأسكنوها. فقال له: أخطأت؛ لأن القاف
قبلها ساكنة، قال: فلم يعد إليه الرجل بعدها.
"فُعِلَ" من
الأجوف بالواو والياء:
قال أبو عثمان:
فإذا قلت "فُعِل" من هذا كسرت الفاء وحولت عليها حركة
العين, كما فعلت ذلك في "فَعِلت" وذلك قولك: قد "خِيف،
وبِيع، وهِيب4، وقِيل" وهذه هي اللغة الجيدة، وبعض العرب
يشم موضع الفاء الضمة
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ظ، ش: فصار.
2 ظ، ش: وكان.
3 ظ، ش: جاءه.
4 وهيب: ساقط من ظ، ش.
ج / 1 ص -249-
إرادة أن يبين أنها1 "فُعِلَ" فيقول:
"خُيِف، وبيع، وقيل" وهذا إشمام وليس بالضم الخالص؛ لأنه
ممال. وبعض العرب يخلص الضمة ويجعل العين تابعا للفاء,
فيقول" بُوع, وخُوف, وقُول" كما قالوا: "مُوقِن، وموسر",
وهذه اللغات دواخل على "قِيل, وبِيع" والأصل الكسر كما
ذكرت لك.
قال أبو الفتح: اعلم أن أصل هذا كله "خُوِف, وبُيِع،
وقُوِل"؛ لأنه بوزن "ضُرِب", فأرادوا أن يعلّوا العين كما
أعلوها في "خاف, وباع، وقال", فسلبوها الكسرة ونقلوها إلى
الفاء؛ فانقلبت العين في "خِيف وقِيل" ياء2؛ لانكسار الفاء
قبلها وبقيت العين في "بِيع" بحالها ياء, فصار3 كله "خِيف،
وبِيع، وقِيل".
وأما من أشم, فإنه أراد البيان. وقد كان في الفاء ضمة
فأراد أن ينقل إليها كسرة العين, فلم يمكنه أن يجمع في
الفاء الكسرة والضمة، فأشم الكسرة فصارت الحركة في الفاء
بين الضمة والكسرة بمنزلة الحركة في "كافَِر، وجابَِر"؛
لأنها بين الفتحة والكسرة, ومن أخلص الضمة ولم يشمها
الكسرة فإنه أحرص على البيان ممن أشم، فأخلص الضمة كما
يخلصها في الصحيح نحو "ضُرِب".
وقوله: كما قالوا "موقن، وموسر" يريد أنهم قالوا: "بُوعَ",
فقلبوا الياء واوا لانضمام ما قبلها, كما قلبوها في
"موسِر, وموقِن" لذلك، وقد أجروا
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 أنها: ساقط من ظ، ش.
2 ياء: ساقطة من ظ، ش.
3 ظ، ش: فصارت.
ج / 1 ص -250-
المدغم مجرى المعتل في هذا الباب؛ لموافقته
إياه في سكون العين، قال الله تعالى:
{هَذِهِ بِضَاعَتُنَا رُدَّتْ إِلَيْنَا}
و"رِدَّت إلينا" و"رُِدّت إلينا"1.
وقال لي أبو علي: إنهم ينشدون بيت الفرزدق على ثلاثة أوجه:
وما حُلِ ّمن جهل حبى حلمائنا
ولا قائل المعروف فينا يعنف
"حُلّ، وحِلّ، وحُِل"2 فمن قال
"حل" فضم الحاء, فهو في الكثرة بمنزلة من قال: "قِيل"
فكسر، ومن كسر الحاء فقال "حل" فهو بمنزلة من أخلص الضمة
فقال: "بُوع وقُول", ومن أشم فقال "حُِلّ" فهو3 بمنزلة من
أشم أيضا فقال: "قُِيل"4.
وقرأ القراء: "وسُيِقَ الَّذِينَ كَفَرُوا"5, و"غُيِضَ
الْمَاء"6، و"سُيِئَتْ وُجُوه"7, ونحو ذلك.
وقال الراجز:
وابتذلت غضبى وأم الرحال
وقول: لا أهل له ولا مال
وقال الآخر:
نُوط إلى صلب شديد الخل
وعنق كالجذع متمهل
وقال الآخر:
حُوكت على نيرين إذ تحاك
تختبط الشوك ولا تشاك
يريد: "نِيط, وحِيك"8.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 من الآية 65 من سورة يوسف 12.
2 وحل، وحل: ساقط من ظ، ش.
3 فهو: ساقط من ظ، ش.
4 ظ: حيل.
5 أول الآية 71 من سورة الزمر 39.
6 من الآية 44 من سورة هود 11.
7 من الآية 37 من سورة الملك 67.
8 ص: "نيطت وحيكت" غير أن التاء من حيكت غير ظاهرة.
ج / 1 ص -251-
وإنما كان "قِيل، وخِيف، وبِيع" بإخلاص
الكسرة أقيس عنده؛ لأن سبيل المكسور إذا كان قبله مضموم
فأسكن, أن تُنقَل كسرته إلى المضموم.
ألا ترى أنك تقول للمرأة: "اُغْزِي" وأصله: "اُغْزُوِي"
فأصل الواو الكسر وأصل الزاي الضم، فلما أسكنت الواو
استثقالا للكسرة عليها، نقلت الكسرة إلى الزاي, فقيل:
"اغزي", فكذلك قياس "قيل، وبيع".
ومن قال: "قُيِل" فأشم, قال: "اُغْزِي" فأشمّ، ومن قال:
"قُوِل" لم يقل: "اغزو" لئلا يلتبس واحد المؤنث بجماعة
المذكر؛ فلذلك كان "قيل، وبيع" أكثر في اللغة، وهو اللغة
الجيدة.
نقل "باع، وقام"
إلى "بَيِعَ، وقَوُمَ":
قال أبو عثمان:
وإذا قلت: "فعَل" صارت العين تابعة للفاء وذلك "باع، وقال،
وخاف، وهاب"1, وإنما فعلوا ذلك كراهية أن يلتبس "فعَل2
يفعِل" وأخواتها حين3 أتبعوا العين الفاء, فقالوا: "قُول،
وبُوع، وخُوف"4.
قال أبو الفتح: هذا القول من أبي عثمان يدل على أنهم
ينقلون "باع، وقام" إلى "بَيِع، وقَوُم" كما ينقلون
"بَيَعْت، وقَوَمْت" إلى "بَيِعت، وقَوُمت" لا فصل بين
"فعَل، وفعِلت".
وسألت أبا علي عن هذا فقال: نعم, ينقلون "فَعَلَ" كما
ينقلون "فَعِلت"
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 هاب: ساقط من ظ، ش.
2 فعل: ساقط من ظ، ش.
3 ظ، ش: حيث.
4 وخوف: ساقط من ظ، ش.
ج / 1 ص -252-
يقول أبو عثمان: فإذا كانوا قد نقلوا
"بَيَعَ" إلى "بَيِعَ", و"قَوَمَ" إلى "قَوُمَ" ثم أسكنوا
العين، فلو نقلوا حركتها إلى الفاء لانضمت في قام1 وانكسرت
في "باع" وبعدها العين ساكنة, فكان يلزم أن تقول: "قد قُوم
زيد، وقد بِيع زيد الطعام" إذا كان زيد هو الذي باع, ولم
يرد به "فُعِل".
وكذلك كان يلزم في "طال" أن يقول: "طُول", وكان يلزم أن
تقول: "خِيف زيدا عمرا" وأنت تريد "خاف"؛ لأنك كنت تسكن
العين من "خاف" وتنقل كسرتها إلى الفاء فتنقلب العين ياء
لانكسار ما قبلها، فتقول: "خِيفَ في خاف".
يقول: "فكرهوا أن يلتبس "فعَل بفُعِل".
بعض العرب لا
يبالي الالتباس, فيقول: "كِيدَ زيد يفعل, وما زِيلَ يفعل":
قال أبو عثمان:
وبعض العرب لا يبالي الالتباس فيقول: "قد كيد زيد يفعل كذا
وكذا, وما زيل يفعل كذا وكذا" يريدون " كاد, وزال".
وأخبرني الأصمعي أنه سمع من ينشد:
وكِيدَ ضباع القف يأكلن جثتي
وكِيدَ خراش يوم ذلك ييتم
قال أبو الفتح: اعلم أن أصل "كِيد، وزِيل: كَيِد، وزَيِل"
على "فَعِل"؛ لأن المضارع على "يفعَل", وذلك قولهم: "يكاد،
ويزال", وقولهم2: "كاد يكاد، وزال يزال" بمنزلة "هاب
يهاب", وكله "فعِل يفعَل", إلا أن الذين قالوا: "كِيد,
وزِيل" نقلوا الكسرة من العين إلى الفاء وألقوا حركة الفاء
فصار "كِيدَ
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ظ، ش: قامت.
2 ظ، ش: فقولهم.
ج / 1 ص -253-
وزيل" ولم يخافوا التباسه "بفُعِل"؛ لأنك
لا تقول: "كِدْت زيدا يقوم، وما زلت زيدا يقوم" فيُخاف أن
يلتبس "كِيد زيد يقوم، وما زِيل زيد يقوم" بـ "فُعِل" منه
كما يلتبس "بِيع زيد الطعام" إذا كان هو الفاعل بـ "بِيع
زيد الطعام" إذا كان هو المفعول، فمن ههنا اجترءوا على
"كيد زيد يفعَل، وما زيل زيد يفعَل".
"كِلْتُ طعامي"
للفاعل، و"كِلْتُ طعامي" للمفعول:
قال أبو عثمان:
فإن قلت: هلا تنكبوا في "كلت طعامي" وما كان نحوها أن
يستوين بـ "فُعِلت" في حال؟
قيل: فإنهم1 مما يلزمون "فُعلت" الإشمام حتى يكون فرقا بين
"فَعلت، وفُعلت".
قال أبو الفتح: يقول: فإن قال قائل: هلا تنكبوا في: كلت
طعامي، وأنت الفاعل ونحوه أن يلتبس بـ "كلت طعامي إذا كان
غيرك كالك إياه" أي: كاله لك، نحو قوله تعالى:
{وَإِذَا كَالُوهُمْ}2 أي: كالوا لهم؟
قال: فالجواب عن هذا أنهم يقولون: "كلت طعامي" فيُخلصون
الكسرة3 في الكاف إذا كنت الفاعل ويقولون: "كُِلت طعامي",
فيشمون الكاف4 الضم5 إذا كنت المفعول، فرقا بين الفاعل
والمفعول.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 قيل: فإنهم: ساقط من ظ، ش. وفي هامش ظ: فإنهم مما
يلزمون، نسخة.
2 من الآية 3 من سورة المطففين 83.
3 ش: الكسر.
4 ظ: الطعام، وهو خطأ.
5 الضم: ساقط من ظ، ش.
ج / 1 ص -254-
من العرب من لا يشم "بِيعَ
الطعام" إذا أمن اللبس:
قال أبو عثمان:
ويفعل هذا من العرب من يقول: "بيع الطعام" ولا يشم حين أمن
الالتباس ويوافق غيره -ممن كان يشم في غير الالتباس- في
موضع الالتباس ويقول أيضا: "خُِفنا، وبُِعنا".
قال أبو الفتح: قوله: ويفعل هذا أي: يشم فيقول1: "بُِعت
الطعام" إذا خاف الالتباس, من يقول: "بِيع الطعام" فلا
يشم؛ لأنه قد أمن الالتباس لأن الطعام لا يكون إلا
المفعول, فاستغني بمعرفة أنه لا يكون إلا مفعولا عن
الإشمام مع "بِيع الطعام".
والتاء في "بِعْتُ" قد يجوز أن تكون فاعلة, كما يجوز أن
تكون مفعولة, فيحتاج معها إلى الإشمام الذي عنه يقع الفصل
بين الفاعل والمفعول.
وقوله: ويوافق غيره ممن كان يشم في غير الالتباس في موضع
الالتباس, يقول: من كان2 من لغته أن يقول: "بِيع الطعام"
فيخلص الكسرة إذا أمن الالتباس, ويخالف لأمنه الالتباس من
يشم على كل حال3, فإنه إذا3 صار إلى موضع الالتباس أشم
ضرورة؛ مخافة الالتباس فيقول: "خُِفنا، وبعنا" لئلا يلتبس
"فَعِلنا بفُعِلنا".
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ظ، ش: يقول.
2 من: ساقط من ظ، ش.
3، 3 ظ، ش: فإذا.
ج / 1 ص -255-
من العرب من يدع الكسرة في
"بعت، خفت", ولا يبالي الالتباس:
قال أبو عثمان:
ومنهم من يدع الكسرة ولا يبالي الالتباس.
قال1 أبو الفتح1: أهل هذه اللغة جروا على ضرب من القياس
ولم يلتفتوا إلى الالتباس, وذلك أنهم أخذوا بأصل هذا
الباب؛ لأن أصله وأكثر ما جاءت به العرب إخلاص الكسرة وذلك
"بِيعَ، وخيف", ثم إنهم أسكنوا اللام لاتصالها بالضمير,
فالتقى ساكنان: العين، واللام، فحذفت العين وبقيت الكسرة
في الفاء بحالها, ولم يعبئوا بالالتباس؛ لأنهم قد يصلون
إلى إبانة أغراضهم بما يُصحبونه الكلام مما يتقدم قبله أو
يتأخر بعده، وبما تدل عليه الحال.
ألا ترى أنك تقول في تحقير "عمرو: عُمَيْر" وكذلك تقول في
تحقير "عمر" وكلاهما مصروف في التحقير، وهذا باب واسع
وإنما يعتمد في تحديد الغرض فيه بما يصحب الكلام من أوله،
أو آخره، أو بدلالة الحال، فإن لها في إفادة المعنى تأثيرا
كبيرا، وأكثر2 ما يعتمدون في تعريف ما يريدون عليها.
من يقلب عين
"باع" واوا, فإنه يخلص الضمة:
قال أبو عثمان: وأما من قلبها واوا, فإنه يلزمه الضمة
في هذا كله.
قال3 أبو الفتح3: يقول: من قال: "بُوع، وخُوف" فأخلص
الضمة, فإنه يقول هنا: "بُعت وخُفت " مخلصا للضمة.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1، 1 ظ: الشيخ أبو الفتح.
2 ظ: وكثر.
3، 3 ظ: الشيخ.
ج / 1 ص -256-
إعلال "مت تموت، ودمت تدوم":
قال أبو عثمان:
وأما "مِتُّ تَمُوتُ", فإنما اعتلت من "فعِل يفعُل"
ونظيرها من الصحيح: "فضِل يفضُل".
وأخبرني الأصمعي قال: سمعت عيسى بن عمر ينشد لأبي الأسود:
ذكرت ابن عباس بباب ابن عامر
وما مر من عيشي ذكرت وما فضل
ومثل "مِتّ تموت: دِمْت تدوم" وهذا شاذ، ومثله في الشذوذ:
"كُدت أكاد".
قال أبو الفتح: إنما كان "مت تموت، ودمت تدوم" عنده على
"فعِل يفعُل" لكسرة الفاء في "دمت تدوم، ومت" وهما من
الواو, فجريا مجرى "خفت" وكان قياسه: "تدام، وتمات".
وقد حكي عن بعضهم1: "تَدَام وتَمَات".
فأما من قال: "تدوم وتموت" فإنه جاء بهما2 على "فعِل
يفعُل", ونظيرهما "فضل يفضل، ونعم ينعم".
فأما من قال: "مُت تموت ودُمت تدوم" فهو على القياس؛ لأنه
مثل "قُلت تقول".
وقد يجوز أن تكون هذه لغات تداخلت, فيكون بعضهم يقول:
"مِتّ تَمَات"، وبعضهم يقول: "مُت تمُوت". ثم سُمع من أهل
لغة3 الماضي، وسُمع من أهل لغة أخرى المضارع, فتركبت من
ذلك4 لغة أخرى5.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 عن بعضهم: زيادة عن ظ، ش.
2 ظ، ش: به.
3 ظ: اللغة.
4 في موضع هذا الرقم في ظ بين ذلك، لغة كلمة: من، وهي
زائدة، وكانت في ش في هذا الموضع: ورمجت.
5 أخرى: زيادة عن ظ، ش.
ج / 1 ص -257-
ويجوز أن يكون من قال: "ينعُم، ويفضُل"
يوافق في المضارع من يقول في الماضي: "نعُم، وفضُل"
ويخالفه في الماضي فيقول: "فضِل، ونعِم".
ونظير هذا ما حكاه أبو زيد فيما حكي عنه, وذلك أنه قال:
سألت من يقول في الماضي: "أحزَنَني" فقال في المضارع
"يحزُنُني"؟
فهذا قد وافق في المضارع من قال: "حَزَنَني" وخالفه في
الماضي فقال: "أحْزَنَني". ويجوز أن يكون للقبيلة الواحدة1
أو الحي الواحد لغتان: "نَعِم ينعَم, ونَعْم ينعُم", فيسمع
منهم ماضي إحداهما ومضارع الأخرى.
وكذلك من قال: "كُدت أكاد"2، إنما جاء بأكاد على كدت مثل
"هِبت تهاب", فإما أن يكون من لغة من قال ذلك "كُدت وكِدت
جميعا" فيكون "أكاد" على "كُدت", وإما أن يكون يوافق في
المضارع من يقول في الماضي "كِدت".
من العرب من
يقول: "لا أفعل ذاك ولا كَوْدًا ولا هَمًّا":
3 قال أبو عثمان3:
وزعم الأصمعي أنه سمع من العرب من يقول: "لا أفعل ذاك ولا
كودا ولا هما" فجعلها من الواو.
4 قال أبو الفتح4: هذه الحكاية تصلح أن تكون على اللغتين
جميعا5 "كُدت، وكِدت" جميعا، فمن قال: "كُدت" فأمره واضح؛
لأنه من الواو بمنزلة "قُلتُ قولا"، وأما6 من قال: "كُدت
أكاد" فقد يجوز أن يكون من
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 الواحدة: ساقط من ظ، ش.
2 ظ، ش: تكاد.
3, 3 ظ: قال الشيخ أبو عثمان.
4، 4 ظ: قال الشيخ.
5 جميعا: ساقط من ظ، ش.
6 أما: ساقط من ظ، ش.
ج / 1 ص -258-
الواو "فَعِلت أفعَل" بمنزلة "خِفت أخاف",
ويجوز أن يكون "كِدت أَكاد" من الياء بمنزلة "هِبت أَهاب"؛
لأنهم قد قالوا في المصدر: "كَيْدا", فالواو والياء فيه
لغتان.
أصل لَيْسَ
"لَيِسَ":
قال أبو عثمان: وأما "ليس" فأصلها "ليس"1, ولكنها
أُسكنت من نحو "صيد البعير" ولم يقلبوها؛ لأنهم لم يريدوا
أن يقولوا فيها "يفعَل" ولا شيئا من أمثلة الفعل2, فتركوها
على حالها بمنزلة "لَيْتَ"3.
قال أبو الفتح: قد صح أن "ليْس" فعل لقولهم: "لَسْتُ
ولسنا, كقُمتُ وقمنا" وإذا ثبت4 أنها فعل قد يخلو من أن
تكون في الأصل فعَل، أو فعُل، أو فعِل, فلا يجوز أن تكون
كانت "فعُل" لأنه ليس في ذوات الياء "فعُل", إنما ذاك في
الواو خاصة نحو "طال فهو طويل".
ولا يجوز أن تكون كانت "فَعَلَ"؛ لأن ما كانت عينه مفتوحة
لم يجز فيه إسكانها. ألا ترى أنه لا يسكن نحو "ضرب، وقتل"
كما يسكن "كرُم، وعلِم" فيقال: "كرْم زيد، وعلْم بكر",
وإنما ذاك لخفة الفتحة، وقد تقدم القول في هذا فلا بد من
أن يكون "فعِل" وأصلها "لَيِسَ" كما يقولون: "صَيْد
البعير" وأصلها "صَيِدَ", ويقولون أيضا: "صَيِدَ" على
الأصل.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 في هامش ص وحدها ما يأتي: حاشية: ليس فعل, و"فعل" قد
تسلب حركتها، و"فعل" لا توجد مسكنة.
2 ظ، ش: الأمر.
3 ش: ليست.
4 ظ: ثبتت, وهو خطأ.
ج / 1 ص -259-
وألزموا "ليس" الإسكان في كل قول؛ لأنها
لَمَّا لم تتصرف شبهت بـ "لميت", فقُصرت على سكون العين لا
غير.
مجيء "عَوِرَ،
وصَيِدَ، ونحوها على الأصل":
قال أبو عثمان:
وأما1 قولهم: "عوِر يعوَر, وحول يحول، وصيِد يصيَد" فإنما
جاءوا بهن على الأصل؛ لأنهن في معنى ما لا بد له من أن
يخرج على الأصل2 لسكون ما قبله2 نحو: "ابيضَضْتُ، واسوددت،
واعوررت، واحوللت" فلما كن في معنى ما لا بد له من3 أن
يخرج على الأصل لسكون ما قبله تحركن، ولو كن على غير هذا
المعنى لاعتللن4.
قال أبو الفتح: يقول: فإن قال قائل: هلا أعلوا "عور، وصيد"
كما أعلوا "خاف، وهاب" وأصلهما " خَوِف، وهَيِب"؟
فالجواب: أن "عور" في معنى "اعورّ", فلما كان "اعور" لا بد
له من الصحة؛ لسكون ما قبل الواو صحت العين في "عوِر,
وحوِل" ونحوهما؛ لأنها قد صحت فيما هو بمعناهما5, فجُعلت6
صحة العين في "فَعِل" أمارة؛ لأنه في معنى "افعَلّ".
وحكى أبو زيد: "أَوِد البعير7 يأْوَد أَوَدا" وإنما صح هذا
عندي؛ لأنه رَسِيل
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ظ، ش: فأما.
2, 2 ساقط من ظ، ش.
3 من: زيادة من ظ، ش.
4 ظ، ش: اعتللن.
5 ظ، ش: بمعناها.
6 ظ، ش: فجعل.
7 ظ، ش: العود.
ج / 1 ص -260-
"عَوِج يعوَج عَوَجًا", فأُجري مجرى نظيره, ولم أسمعهم
استعملوا من "أَوِد: افْعَلّ" ولو جاء لكان قياسه1:
"إيوَدّ".
فإن قال قائل: هلا صحت في "أقام، وأمال" وأصلهما:
"أقْوَمَ، وأمْيَلَ" لسكون ما قبلهما كما صحت في "اعورّ،
واحولّ" لسكون ما قبلهما؟
فلأن "أقام، وأمال"2 إنما اعتلا وإن كان قبل العين منهما
ساكن لاعتلال "فعَل" منهما قبل النقل.
ألا ترى أن الأصل: "قام، ومال"3 ثم نقلت الفعل بهمزة النقل
فقلت: "أقام, وأمال"4، و"اعور" لم ينقل من "عار", فيجب
إعلاله لاعتلال "أفعل" منه بغير زيادة، وقد قالوا5: "عارت
عينه تَعار" وهو قليل, لا تقول مثله: "حالت فهي تَحال"
وقال الشاعر:
نسائل بابن أحمر من رآه
أعارت عينه أم لم تعارا
فهذا الفصل بينهما.
وقوله: "ولو كن على غير هذا المعنى اعتللن"، يقول: لو لم
يكن معنى "عَوِر: اعْوَرّ" ومعنى "حول: احول" لوجب
إعلالهما كما أُعل "خاف، وهاب" لما لم يقل في معناهما:
"افعَلّ" نحو "اخوَفّ، واهيب".
مجيء "اجتوروا"
وبابه على الأصل:
قال أبو عثمان:
ومثل ذلك: "اجتوروا، واعتونوا" حيث كان معناهن6 ما الواو
فيه متحركة وقبلها ساكن7, ولا تعتل فيه نحو "تعاونوا،
وتجاوروا".
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 قياسه: ساقط من ظ، ش.
2 ظ: وأقال.
3 ظ: وقال.
4 ظ: وأقام.
5 ظ، ش: قال قوم.
6 ظ: معناه. ش: معناهما.
7 وقبلها ساكن: ساقط من ظ، ش.
ج / 1 ص -261-
قال أبو الفتح: يقول: "اعتَوَنُوا،
واجتَوَرُوا" في أنهما صحا؛ لأنهما بمعنى ما لا بد من
تصحيحه، وهو "تعاونوا وتجاوروا" بمنزلة "حَوِل، وعَوِر".
ألا ترى أن قبل الواو في "تعاونوا، وتجاوروا" ألفا، فلو
قلبت الواو ألفا لالتقى ساكنان, فحذفت1 إحداهما فصار اللفظ
"تعانُوا، تجارُوا"2 وزال بناء "تفاعلوا" فترك ذلك لذلك.
وكذلك صحت في "اجتوروا" لأنه بمعنى "تجاوروا", ولولا ذلك
لوجب إعلال "اجتوروا، واعتونوا" لأنهما بوزن "افتعلوا"
بمنزلة "اقتادوا, واعتادوا", ولو بنيت "افتعلوا" من لفظ "ج
و ر" وأنت لا تريد به معنى "تفاعلوا"؛ لوجب إعلاله فكنت
تقول: "اجتاروا"3.
باب "تَاهَ
يَتِيهُ, وطَاحَ يَطِيحُ":
قال أبو عثمان:
وأما "تاه يتيه, وطاح يطيح", فزعم الخليل أنهما4 "فَعِل
يفعِل" من الواو مثل "حَسِب يحسِب" من الصحيح، ويدلك على
ذلك "طوّحت وتوّهت، وهو أَتْوَه منه وأطوح منه".
قال أبو الفتح: إنما ذهب الخليل إلى هذا؛ لأنه لما رأى
العين واوا في "تَوّهَ وطوح" ورآهم يقولون: "تاه يتيه،
وطاح يطيح"5 ولم يمكنه أن يجعلهما5 من الياء كـ "باع
يبيع"؛ لأن الدلالة قد قامت على كون العين واوا، ذهب إلى
أنها "فعِل يفعِل" فكأنها في الأصل عنده "طوِح يطوِح، وتوه
يتوه"
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ص: فحذف.
2 ص، ظ: "تعاونوا وتجاوروا "بإثبات الواو بعد ألف تفاعل,
وهو مخالف للمثال الذي أراده الشارح، والصواب ما أثبتناه
عن ش وهو: "تعانوا، وتجاروا".
3 ظ، ش: اجتار.
4 ظ: أنها.
5, 5 ظ، ش: ولم يمكنهم أن يجعلوها.
ج / 1 ص -262-
فجرى "طِحْت، وتِهْت" مجرى "خِفت", ثم نقل
في المضارع الكسرة من عين الفعل إلى فائه, فسكنت وحصلت
قبلها الكسرة, فانقلبت ياء كـ "مِيقَات، ومِيزَان".
من العرب من
يقول: "تَيّه، وطَيّح":
قال أبو عثمان:
ومن العرب من يقول: "تيه, وطيح" فهو عند هؤلاء مثل "باع
يبيع", وأخبرني الأصمعي قال: حدثني عيسى بن عمر قال: سمعت
رؤبة ينشد:
تُيِّه في تِيهِ المتيهين
فجعلها من الياء.
قال أبو الفتح: إنما ذهب أبو عثمان1 إلى أن "تيه، وطيح"1،
2 من الياء؛ لأنهما لو كانا من الواو لقالوا: "توّه،
وطوّح"2 كما حكى الخليل.
ولمعترض أن يقول3 ما تنكر أن يكون3 "تيّه، وطيّح" من الواو
إلا أنه لم يأت بهما على "فعّل" فيلزمه "طوّح، وتوّه" بل
جاء بهما على "فَيْعَل" نحو "بَيْطَر، وبيقر", فكأنهما
كانا "طَيْوَح، وتيوه" ثم قلب الواو ياء لوقوع الياء
الساكنة قبلها, ويكون4 كقول الهذلي أنشدناه أبو علي:
فلما جلاها بالأيام تحيزت
ثبات عليها ذلها واكتئابها
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1، 1 ظ، ش: إلى أنه تيه وطوح.
2، 2 ساقط من ظ، ش.
3، 3 ساقط من ظ، ش.
4 ظ: ويقول, وهو خطأ.
ج / 1 ص -263-
وتحيّزت1: "تفيْعَلت"، من حاز يحوز، وأصلها
"تَحَيْوزت", ثم قلب الواو ياء لوقوع الياء الساكنة قبلها.
قيل: هذا فاسد من وجوه
أحدها: أن "فعّل" في الكلام أكثر من "فَيْعَل"، فحمله على
الأكثر أولى2 وأسوغ.
وثانٍ: أن معنى "تيّه، وطيّح" تكرر ذلك الفعل منه مجرى ذلك
مجرى "قطّع" وكسّر في أنهما لتكرير الفعل، فمن هنا حُمل
على "فعّل".
وثالث: يدل على أن "تيه فعل، دون فيعل" وهو ما أنشده عيسى
بن عمر3 عن رؤبة في هذه الحكاية من قوله:
تُيِّهَ في تيه المتيهين
فتيه بمنزلة "سُيِّر، وبُيِّع".
ولو كان "تَيَّهَ: فَيْعَل" من الواو, لوجب أن يقال فيه
إذا بني للمفعول "تُوْوِه" كما يقال4: "قُوْوِم زيد
وقُوْوِل". ألا ترى إلى قول جرير:
بان الخليط ولو طُوْوِعت ما بانا
وقول الراجز:
وفاحم دُوْوِيَ حتى اعلنكسا
فإن قلت: إن هذين إنما أصلهما "فاعَل: داوَى، وطاوَع". وتيه،
على قول خصمك "فيْعل" فأين "فاعل" من "فيعل"؟
قيل: لا فصل في هذا الموضع بين "فاعل، وفَيْعَل"، ألا ترى
أنك لو بنيت "فيعل" من "قلت" لقلت: "قَيَّلَ" فلو بنيته
للمفعول لقلت
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ظ، ش: فتخيرت.
2 ابن عمر: ساقط من ظ، ش.
2 أولى: زيادة من ظ، ش.
4 ظ، ش: يقول.
ج / 1 ص -264-
"قُووِل" كما تقول إذا بنيت "قاول" للمفعول: "قُووِل"، ومن
هنا قلت في "فُعِل" من "فَيْعَل" من "سرت: سُويِرَ" ولم
تدغم الواو في الياء وإن كانت ساكنة قبلها.
كما أنك لو بنيت "فُعل" من "فاعَلَ" من "سرت" لقلت
"سُوِيرَ". ألا ترى أنك تقول في "بيطر: بُوطِرَ" كما تقول
في "قاتل: قُوتِل", فلا فصل إذًا بين "فيعل, وفاعل" إذا
بنيتهما للمفعول؛ لأن الياء أشبهت الألف لانقلابهما جميعا
إذا بنيت الفعل للمفعول، وسيأتيك هذا في موضعه إن شاء
الله1.
فمن هنا قلت: إنه كان يجب أن لو كان "تيه: فيعل" أن يقال
فيه: "تووه", لو كانت عينه من الواو كما ذهب إليه الخصم.
ووجه رابع: وهو أنك إذا جعلت "تيه، وطيح" من الواو, وذهبت
إلى أن أصلهما: "تَيْوَهَ وطيوح" لزمك أن تقول: إن2 "طاح
يطيح، وتاه يتيه" على "فعِل يفعِل" من الواو, و"فعِل
يفعِل" ليس مما ينبغي أن يقاس عليه ما وُجد مندوحة عنه.
وههنا وجه ظاهر غير هذا.
فلهذه الأدلة ذهب أبو عثمان إلى أن "تيه وطيح" من الياء،
فالأظهر أن يكون "طاح يطيح، وتاه يتيه" من الياء، ويجوز أن
يكون من الواو كما ذهب إليه الخليل.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 إن شاء الله: زيادة من ظ، ش.
2 إن: زيادة من ظ، ش.
ج / 1 ص -265-
العرب تقول: "وقع في التُّوه،
والتِّيه":
قال أبو عثمان:
وأخبرني أبو زيد أنه سمع العرب تقول: "وقع في التوه،
والتيه", فعلى هذا يجري ما ذكرت لك.
قال أبو الفتح: اعلم أن قولهم: "التوه" لا يجوز أن يكون1
عند الخليل وسيبويه إلا من الواو دون الياء؛ لأنهما لو
بنيا مثل "بُرْد" من "بعت" لقالا: "بِيعٌ", وهما يجيزان في
"ديك وفيل" أن يكونا "فِعْلا وفُعْلا", ويجريان الواحد في
هذا المعنى مجرى الجميع نحو "بِيض" في جمع "أبيض", وإنما
هي2 "فُعْل"3.
4 فأما أبو الحسن, فيمكن4 أن تكون "التُّوه" عنده من الياء
والواو جميعا؛ لأنه كان يقول: إنه لو بنى مثل "بُرْد" من
"بِعت" لقال: "بُوع".
وكان يقول: إني إنما أبدل من الضمة كسرة في الجمع نحو
"بِيض" لا في الواحد، وإذا كان من الواو فلا إشكال فيه ولا
خلاف؛ لأنه مثل "الطُّول، والجُول".
وأما "التِّيه" فيمكن أن يكون على قول الخليل والأخفش5
فعلا من الواو نحو "عيد, وقيل" انقلبت واوه ياء لسكونها
وانكسار ما قبلها. ويمكن
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 أن يكون: ساقط من ظ، ش.
2 ظ، ش: هو.
3 أمام "فعل" في هامش ص: "في نسخة وإنما هي فعل".
4, 4 ظ، ش: أبو الحسن, قال فيمن.
5 ص: سيبويه.
ج / 1 ص -266-
على قول الخليل أن يكون من الياء, فيكون
"فِعْلا، وفُعْلا" جميعا, فيكون كـ "ديك، وفيل" وقد
ذكرتهما.
فأما على قول الأخفش, فإن كان "تِيه" من الياء, فلا يجوز
إلا أن يكون "فِعْلا" دون "فُعْل"؛ لأنه لو كان "فُعلا"
لقيل: "تُوه" لأنه واحد لا جمع, كما تقول في "فُعْل" من
العيش: "عُوش", والأظهر أن يكون "تيه" من الياء للأدلة
التي تقدمت. ولولا ما تقدم منها لاعتدل1 أن يكون من الياء
والواو جميعا. وقال رؤبة أيضا:
به تمطت غول كل مِتْيَه
فهذا من الياء لا محالة, ولا يسوغ حمله على باب "صِبْيَة،
وعِلْيَة" لقلته.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ص: لاعتل، وهو غير واضح. |