المنصف لابن جني

ج / 1 ص -341-        قال أبو عثمان المازني1:
باب ما2 تقلب فيه الواو ياء:
وذلك قولك: حالت حِيالا" حين كان قبلها كسرة وكان فعلها معتلا, ألزموها القلب.
قال أبو الفتح: يقول: لما اعتلت3 الواو في "حالت" فانقلبت ألفا, وجاءت في "حيال" وقبلها كسرة اجتمع فيها: أن فعلها معتل, وأن قبلها في المصدر كسرة، فانقلبت ياء. ولو كانت غير معتلة في الفعل لصحت في المصدر، كما قالوا: "قاومته قِوَاما، ولاوذته لواذا".
وقد مضى ذكر مثل هذا.
وقالوا: "سِيَاط، ورِيَاض" فأعلوا:
قال أبو عثمان:
ومثل ذلك: "سوط وسياط، وثوب وثياب4، وروضة ورياض" لما كانت الواو في الواحد ساكنة, وجاء الجمع وقبل الواو منه كسرة, قلبوها؛ لأن الجمع أثقل من الواحد، وما يعرض فيه أثقل مما يعرض في الواحد, والواو مع الكسرة تثقل، ومع هذا فإن حروف المد قد منعن كثيرا

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 المازني: زيادة من ظ، ش.
2 ما: زيادة من ظ، ش، ولعلها ضائعة في التصوير من ص.
3 ظ، ش: أعلت.
4 وثوب وثياب: ساقط من ظ، ش.

 

ج / 1 ص -342-        مما يكون في غيرهن، ألا ترى أن الذين يقولون في جمع "تَمْرة: تَمَرات" فيحركون الثاني "من تمرات", يقولون1: "لوْزة ولوْزات2، وجوزة وجوزات، وبيضة وبيضات" فيسكنون الثاني في الجمع؛ كراهة للحركات فيهما.
قال أبو الفتح: اعلم أن القلب إنما وجب في "سياط" ونحوه لأشياء تجمعت, لا لشيء واحد.
منها: سكون الواو في الواحد, والحرف الساكن ضعيف يقبل العلة.
ومنها: انكسار السين في "سياط".
ومنها: وقوع الألف بعد الواو, والألف قريبة الشبه من الياء.
ومنها: أن الكلمة جمع، والجمع أثقل من الواحد.
فلما تجمَّعت هذه الأشياء المستثقلة كلها, هربوا من الواو إلى الياء، ويدلك على أن مجموع هذه الأشياء3 هو الذي أوجب القلب, لا الواحد منها منفردا, قولهم في جمع "طويل: طِوَال" والكلمة جمع, وبعد الواو منها ألف, وقبلها كسرة، والواو مع ذلك صحيحة؛ لأنها كانت في الواحد قوية بالحركة4, فثبتت في الجمع، وقد جاء في الشعر "طِيَال" في جمع "طَوِيل", قال الشاعر:

تبين لي أن القماءة ذلة                        وأن أعزّاء5 الرجال طِيَالها

وإنما شبهه بـ "ثياب" وليس مثله، لما ذكرنا،

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1، 2 في هذين الموضعين من ظ بين السطور "في نسخة".
3 ظ، ش: الأسباب.
4 ظ، ش: في الحركة.
5 ظ، ش: أشداء.

 

ج / 1 ص -343-        فأما1 تسكينهم الواو2 والياء في "جَوْزات, وبَيْضات", فإنما كرهوا الحركة فيهما لئلا يصيروا إلى لفظ يجب معه القلب، وهو قولهم: "بَيَضات, وجَوَزات" ولو قلبوا فقالوا: "باضات, وجازات" لالتبس لفظه بلفظ ما واحده مقلوب نحو "دارات، وقارات"3 جمع: "دارة، وقارة4", وقد جاء في الشعر تحريك مثل هذا، قال الشاعر:

أبو بَيَضات رائح متأوب                  رفيق بمسح المنكبين سبوح5

وإنما قلّت الحركات في حروف اللين؛ لمضارعة هذه الحروف للحركات, فكرهوا اجتماع المتشابهات؛ ولذلك6 قلبوا نحو "باب, ودار" إلى حرف تؤمن معه الحركة أصلا -وهو الألف- ولذلك كانت الألف عندهم بمنزلة حرف7 متحرك؛ لأنها غير قابلة للحركة8, كما أن الحرف المتحرك غير9 قابل حركته9 ما دامت10 فيه حركة؛ لأنه لا يكون الحرف محركا11 بحركتين في وقت واحد, ولأن الألف في "باب، ودار" دلالة على أن الحرف متحرك في الأصل؛ فلذلك جعلوها بمنزلة حرف متحرك.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ظ، ش: وأما.
2 ظ، ش: للواو.
3 ظ، ش: تارات.
4 ظ، ش: وتارة.
5 في ص بعد البيت: وقال الآخر، وهو سهو من الكاتب.
6 ظ، ش: فلذلك.
7 حرف: ساقط من ظ، ش.
8 ظ، ش: الحركة.
9، 9 ظ، ش: الحركة، وهو خطأ.
10 ظ، ش: دام.
11 ظ، ش: متحركا.

 

ج / 1 ص -344-        قلب الواو ياء في الجمع؛ لانقلابها في الواحد إذا انكسر ما قبلها:
قال أبو عثمان:
وما كان واحده مقلوبا, فهو في الجمع مقلوب, إذا انكسر ما قبله نحو: "دِيمة ودِيَم, وحيلة وحيل, وقيمة وقيم".
قال أبو الفتح: إنما وجب قلب هذا الضرب في الجمع؛ لأنه قد كان في الواحد مقلوبا؛ لانكسار ما قبل عينه، فلما جاء الجمع ترك مقلوبا1 على حاله1 -وإن كانت الواو قد انفتحت- لأنه روعي في الجمع حكم الواحد, فترك على ما كان عليه في الواحد، ولهذا في كلامهم غير نظير.
ألا ترى أنهم قد2 قالوا في جمع: "حُبْلى: حَبَالى" فأمالوا في الجمع, كما كان في3 الواحد ممالا، وإنما الألف في الجمع بدل من ياء "فَعال" وكأنه كان4 "حبالٍ" بمنزلة: "جوارٍ" ثم أُبدل من الكسرة فتحة, فانقلبت الياء ألفا, فصار "حبالى" ثم أُميل كما كانت "حبلى" ممالة لضرب من المحافظة على ما كان في الواحد.
ونظيره أيضا قولهم في جمع "إِدَاوة, وهِرَاوة: أداوى، وهراوى", فأبدلوا همزة "فَعَائِل" واوا؛ لأنه قد كانت5 في الواحد واوا وقالوا:

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1، 1 ظ، ش: بحاله.
2 قد: ساقط من ظ، ش.
3 في: زيادة من ظ، ش.
4 كان: ساقط من ظ، ش.
5 ظ، ش: كان.

 

ج / 1 ص -345-        "خطايا، ورزايا", فأبدلوا همزة "فعائل" ياء1؛ لأنه قد كان2 في الواحد ياء، فهذا وغيره يدلك على أنهم قد يراعون في الجمع ما كان في الواحد, فكذلك3 قالوا: "دِيَم، وقيم، وحيل" بالقلب لما كان الواحد مقلوبا، فهذه وجه, وأيضا فإنهم أرادوا أن يكون بين "قيم، وحيل" وبين4 ما الواو ظاهرة في واحده نحو: "زوج وزوجة, وكوز وكوزة" فرق.
و"دِيمة" من: "دام يدوم" و"قيمة" من: "قام يقوم" و"حيلة" من: "حال يحول"، إلى هذا ترجع معاني هذه الحروف.
ظهور الواو في الجمع؛ لظهورها في واحده في نحو "زوج، وزوجة":
قال أبو عثمان:
فإذا5 كسّرت الواحد على "فِعَلة" وقد كانت الواو ظاهرة في الواحد, فأظهِرْها في "فِعَلة" نحو "زوج وزوجة, وكوز وكوزة، وعود وعودة".
وقالوا: "ثَوْر وثِيَرة" وهذا6 شاذ ليس بالمطرد.
قال أبو الفتح: هذا الفصل مما يدل على صحة ما عرفتك، من أن حكم الجمع مراعى في الواحد؛ ألا ترى أن الواو لما كانت ظاهرة في الواحد أظهروها في الجمع.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ياء: ساقط من ظ، ش.
2 ظ، ش: كانت.
3 ش: فلذلك.
4 وبين: ساقط من ظ، ش.
5 ظ، ش: وإذا.
6 ظ، ش: وهو.

 

ج / 1 ص -346-        وفي هذا الفصل أيضا دلالة على صحة ما عرفتك في باب "سِيَاط، وثِيَاب", وأن القلب إنما وجب لاجتماع الأسباب التي عددتها وحددتها، ألا ترى أن "زوجة" جمع كما أن "سياطا" جمع، وقبل واوها كسرة, كما أن السين من "سياط" مكسورة والواو ساكنة في "زوج" كما أنها ساكنة في سوط. ولكن1 لمّا لم يكن في الجمع بعد الواو من "زوجة" ألف مشابهة للياء لم تقلب؛ لأنه قد صار مجموع تلك الأسباب هو العلة، وإذا انفرد بعضها لم يؤثر لم يكن علة، ألا ترى أن ما لا2 ينصرف إذا كان فيه سبب واحد من شبه الفعل لم يمنع الصرف, فإذا3 انضم إليه سبب آخر4 امتنع من الصرف4, وهذا هو القياس ليكون بين السبب الأقوى والسبب الأضعف5 فرق.
فأما "ثِيَرة" فكان قياسه "ثِوَرة"؛ لأن "ثورا كزوج" وهو عندهم من الشاذ أعني في القياس، فأما في الاستعمال فمطرد كثير، كما أن "استحوذ" وإن6 كان شاذا في القياس فهو مطرد في الاستعمال.
وقد بينت أقسام7 الشاذ والمطرد فيما مضى.
وقال أبو العباس: إنما قالوا: "ثِيَرَة" ليفرقوا بين الثور من البقر, وبين الثور من الأقط. وقال أيضا: بنوه على "فِعْلَة" ثم حركوه فصار "ثِيَرَة".

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 لكن: ساقط من ظ، ش.
2 لا: ساقط من ظ، ش.
3 ظ، ش: وإذا.
4، 4 ظ، ش: كان الصرف امتنع منه.
5 ظ، ش: الأصغر.
6 وإن: ساقط من ظ، ش.
7 ظ، ش: انقسام.

 

ج / 1 ص -347-        يريد: أن أصله "ثِيرَة", فانقلبت الواو لسكونها وانكسار ما قبلها, ثم حركت الياء فأُقرت بحالها؛ لأن أصلها هنا1 السكون2.
وأخبرنا ابن مقسم عن ثعلب قال: جمع "ثَوْر: ثِوَرَة، وثِيَرَة, وأثوار, وثيران" وإذا كان الأمر هكذا فقد جمعوا "ثورا" من الحيوان على "ثيرة" وعلى كل حال فهو خارج عن القياس3.
وذهب أبو بكر فيما أخبرني أبو علي -رحمه الله3- في هذا إلى أنه مقصور من "فِعالة" كأنه في الأصل "ثِيَارة", فوجب القلب كما وجب في "سِيَاط", ثم قصرت الكلمة بحذف الألف, فبقي القلب بحاله. هذا آخر قول أبي بكر.
وكأنهم لما قصروا4 الكلمة بَقَّوا العين مقلوبة؛ ليكون قلبها دلالة على أنها مقصورة، وليكون5 بينها وبين ما أصله "فِعَلة" غير مقصور فرق, نحو: "زِوَجة".
قال أبو علي رحمه الله6: وقد أومأ سيبويه في "باب أسد" إلى أنه مقصور من "فُعول" كأنه "أُسود" ثم حذف الواو فبقي "أُسُد", ثم أسكن السين كما يسكنون المضموم في غير هذا الموضع.
فإن قلت: فإنا7 لم نسمعهم7 يقولون: "ثِيارة"؟

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ظ، ش: هناك.
2، 2 ساقط من ظ، ش.
3 رحمه الله: زيادة من ظ، ش.
4 ظ، ش: أقصروا، وهو خطأ.
5 ظ، ش: ليكون.
6 رحمه الله: زيادة من ظ، ش.
7، 7 ظ، ش: لا نسمع منهم.

 

ج / 1 ص -348-        قيل: لا ينكر أن يكون في كلامهم أصول غير ملفوظ بها -إلا أنها مع ذلك مقدرة1- وهذا واسع في كلامهم كثير.
ألا ترى أنهم قد أجمعوا على أن أصل "قَامَ: قَوَمَ", وهم مع ذلك لم يقولوا قط: "قَوَمَ", ويقولون: إن أصل "يَقُوم: يَقْوُم" ولم نرهم قالوا: "يَقْوُم" على وجه، فلا ينكر أن يكون هنا أصول مقدرة غير ملفوظ بها.
وكأن أبا بكر إنما ذهب إلى ذلك لما رأى العين مقلوبة, ولأنهم قد قالوا في جمع "حجر، وذكر: حجارة، وذكارة".
و"فَعْل" إذا كانت عينه واوا يجري في كثير من أحكامه مجرى "فَعَل" مما عينه سالمة2. ألا تراهم قالوا3: "سوط وأسواط، وثوب وأثواب" كما قالوا: "جَمَل وأجمال، وجبل وأجبال" وقالوا: "سِيَاط, وثِيَاب" في الكثرة, كما قالوا: "جمال، وجبال", فكذلك قدّروا جمع "ثور: ثِيَارة" كما قالوا: حجارة وذكارة" ثم قصروا كما بينت لك.
ونظير هذا القصر قول الأخطل:

كلمع أيدي مثاكيل مسلبة               يندبن فتيان ضرس الدهر والخطب

4 ويروى: ضرس بنات الدهر4.
قالوا: يريد: الخطوب.
وكقول الراجز:

حتى إذا بُلَّت حلاقيم الحلق


ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ظ، ش: مقدوره.
2 ظ: تقرأ ساكنة وسالمة. وش: سالمة.
3 ظ، ش: يقولون.
4، 4 ساقط من ظ، ش.

 

ج / 1 ص -349-        يريد: الحلوق.
وقال1 الآخر:

إن الفقير2 بيننا قاض حكم                      أن ترد الماء إذا غاب النجم

يريد: النجوم.
وقال آخر:

وكان ممن أرتجي وأدخر                       للدهر عند مُصَمْئِلات الأمر

يريد: الأمور.
وقالوا في جمع "ثور: ثِيَرَة", أنشدني أبو علي:

صدر النهار يراعي ثِيَرَة رُتُعا

وهذا لا نظر فيه؛ لأن العين ساكنة, فجرى مجرى "حيلة, وقيمة", وإليه ذهب أبو العباس في أن أصلها "ثِيَرَة".

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ظ، ش: وكقول.
2 ظ، ش: الحكيم.

 

ج / 1 ص -350-        1 تم المجلد الأول2 من تصريف المازني, ويتلوه في الثاني3: "قال أبو عثمان: وتقلب الواو ياء في "فُعَّل" إذا كان جمعا. قالوا: "صائم وصُيَّم، وقائل وقيل، ونائم ونيم" إن شاء الله.
والحمد لله رب العالمين, وصلواته على خير خلقه محمد النبي وآله أجمعين1.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1، 1 لم يرد في ص؛ لأن الرسالة وشرحها فيها جزء واحد لا جزآن كما في ظ، ش.
2 ظ: المجلدة الأولى.
3 ظ: الثانية.