المنصف لابن جني

ج / 2 ص -43-          1هذا باب ما يكسر عليه الواحد مما ذكرنا:
اعلم أنك إذا جمعت "فَوْعَلا" من "قُلْت" همزت فقلت: "قَوَائِل"

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 هذا: ساقط من ظ، ش.

 

 

ج / 2 ص -44-          وتهمز "فواعل" من: "عَوِرت وصَيِدت" وكذلك إذا جمعت "سيِّدا، وعَيِّلا" وعلى هذا المثال قلت1: "عَيائِل، وسَيائِد، وميائِت جمع ميّت" على التكسير، شبهوا هذا بـ"أوائل".
و"فُعَّل" من هذا يهمز جمعه2 أيضا من الياء، والواو. وسألت الأصمعي عن "عَيِّل" كيف تكسره العرب؟ فقال: "عَيائِل" يهمزون كما يهمزون في الواوين.
قال أبو الفتح: اعلم أنه إذا ورد جمع على مثال مفاعل، وقد اكتنف ألفه: واوان، أو ياءان، أو ياء وواوا3؛ وليس بين ألف الجمع، والطرف إلا حرف واحد، وهو: ياء، أو واو - كما ذكرنا- فإن الخليل وسيبويه يريان قلب الحرف الذي بعد الألف همزة, فيقولان في جمع "فَوْعَل" من "قلت، وبعت", و"فَيْعَل" منهما: "قَوائِل، وبَوَائِع4، وقَيائِل، وبَيائِع".
وأصل هذا كله: "قَوَاوِل، وبَوايِع، وقَياوِل، وبَيايِع" فلما وقعت الألف بين حرفي علة، وهي شبيهة بهما، والثاني من حرفي العلة يلي الطرف وذلك ما يضعفه، هربا5 من ذلك إلى الهمزة6, ولا يفصلان بين الواوين والياءين، 7وبين الياء7 والواو.
وأصل هذا التغيير إنما هو لما اجتمعت فيه واوان نحو: "أوائل" وأصلها "أوَاوِل"، فلما اجتمعت الواوان وليس بينهما إلا الألف8، وهو حرف

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ك: وذلك قولك.
2 جمعه: ساقط من ك.
3 ظ، ك، ع: أو واو. وهو خطأ.
4 ك: وبيائع.
5 ك: هربوا.
6 ظ، ش: الهمز.
7، 7 ظ، ش: والياء.
8 ك: ألف.

 

ج / 2 ص -45-          كالنفس ليس بحاجز حصين، ووليت الآخرة من الواوين1 آخر الكلمة همزوها كما يهمزون الأولى من الواوين1 إذا وقعتا2 في أول الكلمة نحو جمع "واصل3: أواصل" ثم شبهوا الياءين، والياء والواو: بالواوين؛ لأن فيهما ما فيهما من الاستثقال، فهمزوا لذلك.
وأما أبو الحسن فكان لا يرى الهمز إلا أن يكتنف الألف واوان نحو: "أوائل"، وأصلها: "أواوِل"، وكان4 يقول في جمع5 "فَيْعَل" من "قُلت: قَياوِل" هكذ يَفْعَل ما لم يجتمع واوان.
ويدل على صحة مذهب الخليل، وأن الهمز هو القياس: ما ذكره أبو عثمان في هذا الفصل عن الأصمعي من أنهم يقولون في جمع "عيّل: عيائِل" بالهمز. ولم يجتمع فيه واوان.
6فإن قال قائل منتصرا لأبي الحسن: إن همزهم "عيائل" من الشاذ، فلا ينبغي أن يقاس عليه؟
قيل: إنما كان7 يكون هذا شاذ لو كنت سمعتهم لم يهمزوا نظيره في كثير من المواضع، ثم رأيتهم قد8 همزوا "عيائل" فبهذا9 كان يمكن أن يقال: إن10 همزه شاذ؛ فأما ولم نرهم11 صححوا نظيره11 -والياء ما في الواو من الاستثقال في كثير من المواضع- فليس لك أن تحكم بشذوذه، 12بل إذا12 جاء

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ساقط من ظ، ش.
2 ظ، ش: وقعت.
3 في كعب الصفحة اليمنى من اللوح 60 من "ع" في هذا الموضع كلام ليس من الصلب، فأهملنا ذكره لعدم فائدته.
4 ظ، ش: فكان.
5 جمع: ساقط من ك.
6، 6 ظ، ش: فإن قيل معاونة.
7 كان: ساقط من ظ، ش، ك.
8 ظ، ش، ك: وقد.
9 ظ، ش، ك، ع: فهذا.
10 ك: بأن.
11، 11 ساقط من ظ، ش. وهو في ك: صححوا نظيره تصحيحا.
12، 12 ظ، ش: وإذا. وفي ك: فإذا.

 

ج / 2 ص -46-          السماع بشيء, وعضده القياس، فذلك ما لا نهاية وراءه. وسبيل من طعن فيه، سبيل من طعن في رفع الفاعل، وهذا ما لا يقول به أحد.1 نعم وقد حكى أبو زيد عنهم: "سَيِّقَة، وسَيائِق، وسَيِّدة وسَيائِد" بالهمز أيضا1.
"تصحيح ضيون، وضياون":
قال أبو عثمان: وأما2 قولهم: "ضَيْوَن وضياوِن" فلم يهمزوا: لأنها صحت في الواحد فجاءت على الأصل، فكذلك3 صحت في الجمع4.
قال أبو الفتح: اعلم أنه قد كان القياس5 همز "ضَياوِن" ما همز "عيائِل" ولكن الذي حسّن التصحيح فيه ما أذكره. وذلك أنه قد احتمل في واحد "ضياوِن" أغلظ مما احتمل في جمعه؛ لأن ثبات6 الواو في "ضَيون" مع أن قبلها ياء ساكنة أغلظ من احتمال صحة الواو في "ضياوِن".
يدلك7 على أن ذلك أغلظ8 من صحة الواو في "ضياون"8: أنك لو مددت "ضياون" لصحت الواو بلا خلاف: لبعدها عن الطرف، فكنت تقول: "ضياوين" ولو مددت "ضَيْوَنا" لكان القياس أيضا9 قلب الواو9 وأن تقول: "ضَيَّان"، وأصلها: "ضَيْوَان" ولو10 كان اجتماع الياء والواو في "ضياون" -في الاستكراه- على حد اجتماع الياء والواو في "ضَيْوَن" لوجب مع المد أيضا أن تقول11: "ضيائِين" 12 أو أن12 تستشذ "ضياوِين" وكلهم لا13 يستنكر "ضياوين" إذا مد. فهذا يدلك14 على أن تصحيح

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1، 1 ساقط من ظ، ش، ك، ع.
2 ك: فأما.
3 ظ: وكذلك. وفي ش: كذلك.
4 ظ، ش: الجميع. وفي ع: من الجمع، بدل: في الجمع.
5 ظ، ش: في القياس.
6 ش: بقاء.
7 ك: يدل - وفي "ع" ويدلك.
8، 8 ساقط من ظ، ش، ك، ع.
9، 9 ظ، ش: قلبه.
10 ك: فلو.
11 ك: يقال.
12، 12 ك، ع: وأن.
13 لا: ساقط من ظ، ش.
14 ك: يدل.

 

ج / 2 ص -47-          "ضَيْوَن" أشد من تصحيح "ضياوِن" فلما كان الأمر كذلك احتملوا تصحيح الجمع لتصحيح الواحد.
1وقد اطرد1 في كلامهم إجراء حكم الواحد على الجمع، ألا تراهم قالوا: "حُبِلَى وحَبَالى" فأمالوا في الجمع حرصا على الإمالة في الواحد؟
ونظير تصحيح2 "ضياون" لتصحيح3 "ضيون" قولهم في جمع "دِيمة، وقِيمة: دِيَم وقِيَم" فأعلوا الجمع لعلة الواحد، وإن لم يكن في الجمع ما4 في الواحد، من سكون الواو الذي إذا انضم إليه الكسر قبله5 أوجبا6 القلب، ولولا قلب الواحد لوجب تصحيح الجمع، كما صح "عِوَض، وطِوَل، وحِوَل" لما لم يكن واحد منهما جمعا لواحد معتل، فإعلال "دِيَم" لعلة "دِيمَة" بمنزلة تصحيح "ضياوِن" لصحة "ضَيْوَن" أو قريب منه، ولولا صحة "ضَيْوَن" لما صحت "ضياوِن".
وشيء آخر يدل على أن صحة "ضيون" أشد من صحة "ضياون" وهو7 أن أبا الحسن لا يرى همز مثل "ضياون" لأنه لم8 تجتمع فيه واوان، وكلهم يقول: إن القياس في "ضيون" أن يعل؛ فليس ما اجتمعوا على شذوذه بمنزلة ما اختلفوا فيه.
"عدم همز نحو: طواويس، ونواويس":
قال أبو عثمان: وإذا كان في9 هذا الجمع بين الياء, والواو التي بعد الألف ياء

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1، 1 ك: وهذا مطرد.
2 تصحيح: ساقط من ظ، ش.
3 ك: لصحة.
4 ما: ساقط من ظ، ش.
5 ك: قلبه.
6 ك: أو أوجبا.
7 وهو: ساقط من ظ، ش، ك، ع.
8 ك، ع: لا.
9 في: ساقط من ظ، ش، ك.

 

ج / 2 ص -48-          تحول بينها1، وبين آخر الكلمة2 لم تهمز, وذلك2 نحو: "طواويس ونواويس3"، والياء نحو: "سايور، وسَوايير".
قال أبو الفتح: هذا الفصل يدلك4 على صحة ما قدمته منه، من أن القرب من الطرف يوهن، ويضعف. ألا ترى أنها لما تباعدت صحت.
""فيعول" من بعت على "بيوع"":
قال أبو عثمان: وتقول في "فَيْعُول" من "بعت: بَيُّوع" وإذا5 جمعت قلت: "بَيايِيع" فلا تهمز؛ لأنها لما بعدت من الطرف قَوِيَت فلم يهمزوها: وشبهوا هذا "بصُوَّام" حين6 أثبتها من يقول: "صُيَّم".
قال أبو الفتح: بين هذا الباب، وباب7 "صُيَّم" فرق، وذلك أن لك أن تقول: "صُوَّم وصُيَّم" جميعا8، فإذا جاءت الألف لم يجز إلا "صُوَّام" بالتصحيح، وليس كذلك "عَيائِل" وبابه؛ لأنه ليس لك الاختيار في تصحيح "عيائل" وهمزه، كما لك الاختيار في تصحيح "صُوّم" وقلبه.
ولكن غرض أبي عثمان في هذا الموضع: أنك إذا مددت نحو: "طواويس" صَحّ للبعد عن الطّرَف، كما أنك إذا مددت نحو: "صُوّام" وجب تصحيحه للبعد. أو يكون يريد أن الخلاف الذي بين الخليل، وأبي الحسن يزول مع المد، ويجتمع الناس على التصحيح, كما يزول9 التخيير10 في التصحيح، والفك11

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ك: بينهما.
2، 2 ظ، ش: لم يهمزوا ذلك. وفي ك: لم يهمز ذلك. وفي ع: لم يهمزوا وذلك.
3 ك: ونواويس هذا في الواو.
4 ك: يدل.
5 ظ، ش، ك: فإذا.
6 ك: حيث.
7 ظ، ش، ع: وبين.
8 ظ، ش: جمعا، وجميعا ساقط من ع.
9 ش: يزيل.
10 ع: التحقير.
11 ظ، ش، ك، ع: والقلب.

 

ج / 2 ص -49-          مع1 مجيء2 الألف في "صُوّام"، والقول الأول أشبه3 عندي:
وعلى أن ابن الأعرابي قد أنشد لذي الرمة:

ألا طرقتنا مية ابنة منذر                        فما أرّق النُّيّام إلا سلامها

قال: أنشدنيه أبو الغمر بالياء3.
"ترك همز العواور":
قال أبو عثمان: وأما قول الشاعر:

وكَحَل العينين بالعواور

فإنما ترك الهمز؛ لأنه أراد "العواوير"، ولكنه احتاج فحذف الياء، وترك4 الواو على حالها.
قال أبو الفتح: اعلم أنه قد كان القياس أن يهمز "العواوِر" في كل قول؛ لأن الألف قد اكتنفها واوان، ولكنه لما أراد "العواوير" واضطر إلى قصر الممدود، ترك الواو بحالتها لتكون صحتها دلالة على إرادة ذلك المعنى وأمارة للمد5، وصارت نية الياء تمنع القلب؛ لأنها في تقدير الملفوظ به، كما6 كانت نية7 الهمزة كأنها7 في تقدير الملفوظ به في "رُوْيا، ونُوْى" تمنع القلب.
وكما تقول في تخفيف "جَيْئَل، ومَوْءَلة: 8جَيَل، ومَوَلة" فلا تقلب الياء، والواو -وإن تحركتا، وانفتح ما قبلها- لأن الهمزة في تقدير الملفوظ به فكما تصحان في "جَيْئَل، ومَوْءَلة"8 كذلك تصحّان في "جَيَل ومَوَلَة".
ولو اضطر شاعر إلى مد مثل9 "أوائل" لقال9: "أوائيل" فترك الهمزة

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 مع: ساقط من ظ، ش.
2 ك: غير.
3، 3 ساقط من ظ، ش، ك، ع، إلا الكلمة الأولى، وهي "عندي": فثابتة في ك، ع.
4 ك: فترك.
5 ك: المد.
6 ك: لما.
7، 7 ظ، ش: الهمز فكأنها.
8، 8 ساقط من ظ، ش.
9، 9 ظ، ش: أواول فقال.

 

ج / 2 ص -50-          بحالها، وإن كانت الياء المزيدة قد حجزت بين العين، واللام؛ لأنه إنما أراد "أوائل" ومد مضطرا فترك الهمزة بحالها؛ لأن الأصل القصر، كما ترك الواو صحيحة في عواوِر؛ لأنه أراد "عواوير" هذا هنا كذاك1 ثمة.
و"العواوير" جمع "عُوَّار": وهو الرمد.
"تكسير فيعول وفيعال":
قال أبو عثمان: وإذا كسرت "فَيْعُولا، وفَيْعالا" نحو: "قَيُّوم، وقَيَّام" لم تهمز. وذلك نحو: "قَياوِيم"، وفي "ديّار: دياوير" فيصح هذا، كما يصح "طواويس، ونواويس"، وسأبين اعتلال هذا الجمع فيما تعرض الهمزة فيه، ولم تكن في الواحد مما لامه معتلة في موضعه إن شاء الله.
قال أبو الفتح: قد تقدم القول في صحة ما بعدت واوه، وياوه من الطرف؛ وإنما ظهرت الواو في "قياوِيم، ودياوِير" لما زالت الياء الساكنة التي كانت قبلها في "قَيَّام، وديّار".

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ظ، ش: كذلك.