المنصف لابن جني

ج / 2 ص -111-        هذا باب الواو والياء اللتين هما لامان: وذلك نحو: "رَمَيْت, وغَزَوْت":
قال أبو عثمان:
اعلم أن "يفعل" من "رميت وغزوت": تكون حركة عينه منه؛ فيكون "يَفْعِل" من "رَمَيْت"، و"يَفْعُل" من "غزوت". ولم يلزمهما "يفعِل ويفعُل" كما كان ذلك في غير المعتل نحو1: "يضرب ويعبد" لاعتلاهما، وذلك نحو قولك: "يرمي ويغزو".
قال أبو الفتح: يقول: "إن رميت وغزوت: فَعَلت"، وقد تقدم القول في أن "فَعَلت" يجيء مضارعها بكسر االعين وضمها. فلو قالوا في "رميت: أفْعُل" بضم العين لقالوا: "أرْمُوُ"، فخرجوا2 من الأخف إلى الأثقل، ولو قالوا في "غزوت: أفْعِل" لقالوا: "أغْزِي"، فالتبس ذوات الواو بذوات الياء؛ ووقع هناك تخليط شديد، فعدلوا عن هذا كله، وألزموا3 عَيْن "يفعُل" من "غَزَوت" الضمة؛ لأنها من الواو، وألزموا3 عَيْن "يفعِل" من "رَمَيْت" الكسرة؛ لأنها من الياء، لتمتاز ذوات الياء من ذوات الواو، فأعلت العين، بأن رفض ما كان فيها جائزا من الضم والكسر4، واقتصر5 فيها على الضمة مع الواو، وعلى الكسرة مع الياء، وقَبِلَت الاعتلال لمجاورتها اللام التي هي معتلة كما اعتلت الفاء6 في "قُلت وبِعْت" بتغيير

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 نحو: ساقط من ظ، ش.
2 ظ، ش: فيخرجوا.
3, 3 ساقط من ظ، ش.
4 ظ، ش: والكسرة.
5 ظ، ش: فاقتصر.
6 الفاء: ساقط من ظ، ش.

 

ج / 2 ص -112-        حركتها، لاعتلال العين، فـ"قُلْت وبِعْت" مشبّهان1 بباب "غَزَوْت ورَمَيْت" وليس "غزوت ورميت" محمولا2 على باب2 "قُلْت وبِعْت" لأن أصل الاعتلال إنما هو للام3، ثم وليتها العين4 فاعتلت لقربها منها، ثم وليت الفاء العين فاعتلت5 لاعتلالها؛ فالآخر أبدا أدخل في الاعتلال من الأول، والأول أقرب إلى الصحة؛ فإن دخله ضرب من الاعتلال لقربه من الطرف، أو لقربه مما يقرب من الطرف فغير مستنكر.
"دخول "فعلت" بكسر العين على الناقص بالياء والواو":
قال أبو عثمان: واعلم أن "فَعِلْت" تدخل عليهما6 وهما لامان6، كما تدخل7 عليهما وهما عينان، وذلك نحو: "شَقِيت وغَنِيت" لأن "شَقِيت من الشِّقْوة، وغَنِيت من الغُنْية".
قال أبو الفتح: يقول: إن "فَعِلت" تدخل على ما لامه واو أو ياء، كما تدخل8 على ما عينه واو أو ياء لقرب ما بين العين واللام، فـ"شقيت" نظيره: "خِفْت، و"غَنِيت" نظيره: "هِبْت".
""فعلت" بضم العين تكون في الناقص بالواو ولا تكون في الناقص بالياء إلا في فعل التعجب":
قال أبو عثمان: وأما "فعُلت" فتكون في الواو نحو: "سَرُو يسْرو"، ولا تكون في الياء؛ لأنهم يفرون من الواو إلى الياء، ولا يفرون من الياء إلى الواو.
قال أبو الفتح: يقول: لم يقولوا في نحو: "رَمَيْت وسَعَيْت: فعُل". فيلزمهم: "رَمُو يرمُوُ ويسعُو9" فتنقلب الياء واوا.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ظ، ش: مشبه.
2، 2 ظ، ش، ع: بباب.
3 ظ، ش: اللام.
4 جعل أبو الفتح قصر هذه العين على أحد الجائزين إعلالا، وهو حسن، وعن أبي علي أخذه، كذا من كعب ع.
5 ظ، ش: فأعلت.
6، 6 ساقط من ظ، ش، ع.
7 ص، ظ، ش: دخلت.
8 ظ، ش، ع: تدخل فعلت.
9 ويسمو: ساقط من ظ، ش، ع.

 

ج / 2 ص -113-        فإن قلت: فقد قالوا: "لقضو الرجل" فأبدلوا الياء واوا، وقد قلت1: إن هذا غير موجود؟
قيل: هذا غير لازم لنا؛ لأن هذا فعْلُ التعجب وهو ملحق بالأسماء؛ لأنه لا يتصرف؛ كما أن الأسماء كذلك، وكما قالوا: "ما أطوله" فصححوا الفعل لما كان قريبا في المعنى من قولك: "هو أطول منك". فجرى ذلك مجرى "فَعُلَة" من "رميت" إذا بنيتها على التأنيث فقلت: "رَمُوَة"، فقلبت الياء واوا، فهذا غير مستنكر؛ لأنه لا يتصرف، وكذلك: "لَقَضُوَ الرجل" لما لم يقل فيه: "يَفْعُلُ" فيلزمك أن تقول: "يقضو"2 جاز أن يبني على "فَعُلَ" لأنه لما لزم موضعا واحد أشبه الأسماء.
فإن قلت: فقد قالوا في الواو: "سَرُوَ وسَخُوَ: يسرَوُ ويسخُو"، فجمعوا بين الضمة والواو في الماضي والمضارع؛ فهلا قالوا على هذا: "رمُوَ، يرمُوُ".
قيل: إن "سَرُوَ وسَخُوَ" إنما احتمل؛ لأنه لم تقلب فيه واو عن ياء، إنما3 هو من الواو في الأصل، فلم تأت بثقيل بعد خفيف، وأنت لو قلت: "رَمُوَ يَرْمُوُ" لكنت4 قد جمعت بين الضمة والواو بعد أن أبدلت الثقيل من الخفيف، فرفض ذلك لذلك، وكان اطراح هذا البناء أصلا أخف عليهم من أن يخرجوا من الخفة إلى الثقل.
"سكون الياء والواو إذا كانتا في موضع الرفع":
قال أبو عثمان: وتكون الواو والياء في موضع الرفع ساكنتين كقولك: "هو يرميْ ويغزوْ".

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ظ، ش: قالوا.
2 ظ، ش: يرمو، وفي هامش الأصل "في نسخة: يرمو" بضم الميم والواو في الموضعين.
3 ظ، ش، ع: وإنما.
4 ظ، ش: كنت.

 

ج / 2 ص -114-        قال أبو الفتح: إنما وجب تسكين هذه الواو والياء في موضع الرفع استثقالا للضمة عليهما لو قالوا: "هو يَرْمِيُ ويَغْزُوُ" على أن هذا هو الأصل.
ألا ترى أن الشاعر إذا اضطر أخرجهما على الأصل؟ قال الشاعر:

ألم يأتيك والأنباء تنمي        بما لاقت لبون بني زياد

فهذا من لغته أن يقول1: "يأتيك" كما تقول: "هو يضربك"، فسكون الياء في "يأتيك" علامة للجزم، كما أن سكون الباء في: "ألم نضربك" علامة للجزم. وعلى هذا قول جرير:

فيوما يجارين الهوى غير ماضي        ويوما ترى منهن غول تغول

فهذا على لغة من يقول: "هذا ماضِيٌ، وهو يمضِيُ".
ويدل على أن الضمة والكسرة مستثقلة في الواو والياء, وأنهم إنما أسكنوهما2 في الضم والكسر لذلك3: تحريكهم إياهما بالفتح لخفته, نحو قولك: "لن يَرْمِيَ، ولن يغزُوَ".
ومن العرب من يشبِّه4 الياء بالألف4 لقربها منها فيقول: "لن يَرْمِيْ" بإسكان الياء، ويقول على هذا: "رأيت قاض" فيجعل الاسم في الأحوال الثلاث على صورة واحدة, كما تقول: "هذه عصا, ورأيت عصا، ومررت بعصا".
بلفظ واحد. قال الشاعر أنشدناه أبو علي:

أكاشر أقوما حياء وقد أرى            صدورهم باد علي مِراضها

5يريد: باديا5. 6وقال رؤبة، أنشدناه أبو علي6:

سوى مساحيهن تقطيط الحقق      تفليل ما قارعن من7 سمر الطرق7


ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ظ، ش: يقول هو.
2 ظ: أسكنوها.
3 ظ: كذلك.
4، 4 ظ، ش: الألف بالياء.
5، 5 ساقط من ظ، ش، ع.
6، 6 ظ، ش: وأنشدناه أبو علي لرؤبة؛ مع سقوط الهاء من "أنشدناه" من ش.
7، 7 ضائع في التصوير من ص.

 

ج / 2 ص -115-        يريد: مساحيهن. وأنشدنا أيضا:

كفى بالنأي من أسماء كافي      وليس لحبها ما عشت شافي

يريد: كافيا, وقد شبهت الواو بالياء في هذا المعنى فسكنت في موضع النصب، قال الشاعر:

وأن يعرين إن كسي الجواري         فتنبو العين عن كرم عجاف

وقال الأخطل:

إذا شئت أن تلهو ببعض حديثها       رفعن وأنزلن القطين المولدا

إلا أن الموضع للياء, لقربها من الألف, والواو داخلة على الياء في هذا. ولهذا كان1 السكون في موضع النصب في الياء أكثر منه في الواو, كما2 شبهت الياء بالألف حتى سكنت في موضع النصب، مع أن الفتحة فيها غير ممتنعة في الجواز والاستعمال جميعا. كذلك شبهت الألف بالياء في أن ثبتت في موضع الجزم، أنشدنا3 أبو علي عن أبي زيد:

إذا العجوز غضبت فطلق             ولا ترضاها ولا تملق

فكأنه قدر الحركة فيها في موضع الرفع والنصب، فحذفها للجزم، وهذا بعيد؛ لأن الألف لا يمكن حركتها أبدا، ولكنه شبهها بالياء في قولهم:

ألم يأتيك والأنباء تنمي

وقد جاء هذا في الواو أيضا، قال الشاعر:

هجوت زبان ثم جئت معتذرا           من هجو زبان لم تهجو ولم تدع

قدره أن يكون في الرفع: "هو يهجو". فأسكن الواو4 في: "لم5 تهجو4" كما أسكن الياء في: "ألم يأتيك" للجزم، وهذا في الياء أسهل منه

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ظ، ش: كان هذا.
2 ظ، ش، ع: وكا.
3 ظ، ش: أنشدناه.
4، 4 ع: للجزم.
5 ظ، ش: ولم.

 

ج / 2 ص -116-        في الواو؛ لأن الواو, وفيها الضمة، أثقل من الياء, وفيها الضمة، فتفهم هذه الأصول1، فإنها غريبة!
"يبدل كل من الياء والواو ألفا إذا تحرك وانفتح ما قبله":
قال أبو عثمان: وإذا كانت الياء والواو قبلهما فتحة وأصلهما الحركة أبدلتا ألفين، ولم يجعلوهما وقبلهما الفتحة على الأصل، إذ لم يكونا على الأصل وقبلهما الكسرة والضمة، وذلك قولك: "رمى وغزا. ويُرْمى ويُغْزَى".
قال أبو الفتح: قد بينت في أول هذا الكتاب العلة التي وجب لها تغيير الواو والياء إذا تحركتا وانفتح ما قبلها، وأنهم استثقلوا من ذلك اجتماع الأشباه؛ لأن هذه الحروف مضارعة للحركات.
واعلم أن الحركة في الواو والياء المفتوح ما قبلهما، لا يفصل فيها بين حركة الإعراب وغيرها. ألا ترى أنك تقول: "عَصا" فتقلب الواو، وإن كانت الحركة فيها2 حركة إعراب، وتقول: "غَزا" فتقلب الواو، وإن كانت الحركة فيها حركة بناء؟
وقوله: "ولم يجعلوهما وقبلهما الفتحة على الأصل؛ إذ لم يكونا على الأصل وقبلهما الكسرة والضمة". كلام مجمل، غير مفصل وتلخيصه: لم تصح الواو والياء المتحركتان3 وقبلهما فتحة، كما لم تصح الياء الساكنة وقبلها الضمة في نحو: "موقن، وموسر"، وكما لم تصح الواو الساكنة وقبلها الكسرة في4 نحو: "ميقات وميزان" فاختصر وأوجز.
ألا ترى أنه لا يريد: أن الياء لا تصح وقبلها الكسرة؛ ولا أن الواو لا تصح وقبلها الضمة؟ هذا5 محال لوضوحه وانكشافه، وإنما معناه ما ذكرت لك.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ص، ظ، ش: الفصول.
2 فيها: ساقط من ظ، ش، ع.
3 ظ، ش: المتحركان.
4 في: ساقط من ظ، ش.
5 ظ، ش: وهذا.

 

ج / 2 ص -117-        ومثل هذا -من المجمل الذي يفصله العلم به- قول الله تعالى: {وَمِنْ رَحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ1}، 2وإنما تقديره والله أعلم: 3ومن رحمته3 جعل لكم الليل لتسكنوا فيه، والنهار لتبتغوا من فضله2، فترك التفصيل لعلم المخاطبين بوقت الابتغاء من وقت السكون. ومثله قول امرئ القيس:

كأن قلوب الطير رطبا ويابسا       لدى وكرها4 العناب والحشف البالي

وإنما تقديره: كأن قلوب الطير رطبا: العناب، ويابسا: الحشف، إلا أنه جمع بين الرطب واليابس؛ لأن المعنى مفهوم. وهذا في القرآن والشعر كثير، إذا تفطنت له وجدته.
"مجيء "رميت، وغزوت, ورمين، وغزون" على الأصل":
قال أبو عثمان: وأما قولهم: "رميت وغزوت، ورمين وغزون"، فإنما جئن على الأصل؛ لأنه موضع لا تتحرك فيه اللام، وإنما أصلهما في هذا الباب السكون، وإنما يقلبان ألفا إذا كان أصلهما الحركة.
قال أبو الفتح: يقول: إنما قلبت الياء والواو ألفا5 في "رمى وغزا" لتحركهما6 وانفتاح ما قبلهما، كأنهما كانا: "رَمَى وغَزَوَ"، فلما سكنت في: "غزوت وغزون، ورميت ورمين" لم يجتمع في الكلمة ما تقلب له اللام: فصحت.
"إبدال الواو ياء إذا كانت آخرا في اسم وقبلها ضمة":
قال أبو عثمان: واعلم أن الواو إذا كانت في اسم، وكانت حرف الإعراب،

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 الآية 73 من سورة القصص 28.
2، 2 ساقط من ظ، ش.
3، 3 ومن رحمته: ساقط من ع.
4 ظ: وكره.
5 الفا: ساقط من ظ، ش، ع.
6 ظ: لتحركها.

 

ج / 2 ص -118-        وقبلها ضمة أبدلت ياء، وجعل1 مكان الضمة كسرة، وذلك مثل: "أحْقٍ وأدْلٍ" وقلبوا لتكون أواخر الأسماء مخالفة لأواخر الأفعال، نحو: "يَغْزُو ويَسْرُو".
قال أبو الفتح: اعلم أن أصل2 "أحق وأدل: أحْقُوٌ وأَدْلُوٌ" فكرهت الواو -لما أذكره لك- فأبدلت ياء، وأبدل من الضمة التي كانت قبلها كسرة لتصح الياء فصارت: "أحْقِيٌ وأَدْلِيٌ"، ثم جرى عليها ما جرى3 على "غاز" ونحوه.
فإن قيل: وهلا4 تركت الواو بحالها فلم تغير5؟ وما الحاجة إلى تغييرها؟
قيل: لأن الأسماء يلحقها الجر وياء النسب، فلو قالوا: "مررت بأدْلُو" لاجتمع في آخر الكلمة: ضمة وواو وكسرة، وبعض هذا مكروه، وكان يلزم أن يقال في النسب: "هذا أدلُوِيّ"، فتجتمع أيضا: ضمّة وواو وكسرة وياءان. وكذلك إن قلت: "هذه6 أدْلُوِيَ" في الإضافة إليك، فاستثقل اجتماع هذا كله؛ فلما كان إقرار الواو يدعو إلى هذا كله قلبت ياء؛ لأن الواو على كل حال أثقل من الياء.
وأما الفعل فقد أُمِنَ7 أن يلحقه الجر، أو أن تقع بعده ياء إضافة8، أو ياء نسب9؛ فصحت الواو في آخره نحو: "يغزُوُ".
"لو سميت رجلا بـ"يغزو" ولا ضمير فيه":
ولكن لو سميت رجلا بـ"يغزو" ولا ضمير فيه لقلبت واوه ياء كما فعلت

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ص وهامش ظ: وجعل. وظ، ش: وجعلت.
2 ظ، ش: الأصل في.
3 ص، ظ، ش: يجري.
4 ظ، ش، ع: فهلا.
5 ظ، ش: يغيروا.
6 ظ، ش، ع: هذا.
7 ظ، ش: أمن من.
8 ظ، ش، ع: الإضافة.
9 ظ، ش، ع: النسب.

 

ج / 2 ص -119-        بـ"أدل" فكنت1 تقول: "هذا يَغْزٍ، ومررت بيغْزٍ. ورأيت يغزِيَ" فتصرفه2 في الرفع والجر، ولا تصرفه في النصب كما فعلت بـ"جوارٍ".
ولو3 سميت به3 وفيه ضمير الفاعل4 لقلت: "جاءني يغزو، ورأيت يغزو، ومررت بيغزو" فلا5 تغيره على وجه؛ لأنه إذا كان فيه ضمير فهو والضمير جملة.
"التسمية بالجملة":
والجملة إذا سمي بها بقيت على ما كانت6 عليه قبل التسمية.
7ألا تراهم7 قالوا في اسم رجل: "تأبط شرا، وبرق نحره، وذرى حيا، وأنا ابن جلا، وبني شاب قرناها" ونحو ذلك مما أقرت الجمل فيه بعد التسمية على ما كانت عليه قبلها.
وقوله: "وقلبوا ليكون أواخر الأسماء مخالفا لأواخر الأفعال" فيه تسامح؛ لأنه لا يجب8 أن يكون آخر الاسم أبدا مخالفا لآخر الفعل.
ألا ترى أن آخر "ضارب" كآخر "يضرب"؟
فإن قيل: إنه9 إنما عنى هنا المعتل دون الصحيح؟
قيل: فقد رأينا آخر "يرْمِي" كآخر "رامي10". ألا ترى أن في آخر كل واحد منهما ياء قبلها كسرة؟ والعلة في ذلك ما بدأت به، وهو أن الاسم يلحقه الجر وياء الإضافة والنسب, فكرهت الواو في آخره لذلك, والفعل لا يلحقه شيء من ذلك، فجرى على أصله.
وإنما يريد أنهم أرادوا أن يخالفوا بين أواخر الأسماء وأواخر الأفعال في هذا؛

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ظ، ش، ع: وكنت.
2 ظ، ش، ع: تصرفه.
3، 3 ظ، ش: سميته.
4 ظ، ش: للفاعل.
5 ظ، ش: ولا.
6 ظ: كان.
7، 7 ظ، ش: ألا ترى أنهم.
8 ظ، ش: لو وجب.
9 إنه: ساقط من ش، ع.
10 ظ، ش، ع: رام.

 

ج / 2 ص -120-        لما يلحق الأسماء من التغيير، لا1 لأن الفعل يجب أن يكون آخره مخالفا لآخر الاسم، ألا ترى أن "ينطلق" في وزن "مُنْطلِق" لا فصل بينهما في التركيب إلا اختلاف2 الميم والياء.
"تصح الواو إذا كانت "حشوا" في نحو "عنفوان"":
قال أبو عثمان: فإن كانت قبل الواو ضمة، ولم تكن حرف الإعراب3 ثبتت، وذلك نحو: "عُنْفُوان، وأُفْعُوان، وقَمَحْدُوة، وتَرقُوة"؛ لأن الإعراب وقع على ما بعد الواو.
قال أبو الفتح: هذا الفصل يؤكد ما ذكرت لك من أنهم إنما4 غيروا الواو في "أدْل" لما يلزم حرف الإعراب, ألا تراها لما صارت حشوا في "عُنْفُوان، وقَمَحْدُوَة": وصار الإعراب جاريا على غيرها صحت؛ لأنه قد أُمِن فيها أن تكسر، أو تأتي بعدها الهاء5؟
"قولهم في جمع "قلنسوة وعرقوة: قلنس وعرق"":
قال أبو عثمان: وقالوا: "قَلَنْسُوة وقَلَنس".
وأنشدني الأصمعي قال: أنشدني عيسى بن عمر:

لا مهل حتى تلحقي بعنس       أهل الرياط البيض والقلنسي

فقلب الواو ياء حيث صارت حرف الإعراب. وقال الآخر6:

حتى تفضي عرقي الدُّلِيّ

قال أبو الفتح: أصل "قلنس7: قَلَنْسُو" لأنه لما حذفت الهاء وقعت الواو حرف الإعراب8، فجرى عليها ما جرى على واو "أدْل" وكذلك "عَرْقِي

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 لا: ساقط من ظ، ش.
2 ظ، ش، ع: باختلاف.
3 ص، ظ: الإعراب. وش وهامش ظ: إعراب.
4 إنما: ساقط من ظ، ش.
5 ظ، ش: الياء.
6 ظ، ش: آخر.
7 ظ، ش: قلنسى.
8 ظ، ش: إعراب.

 

ج / 2 ص -121-        الدُّلي" أصله -بعد حذف الهاء: "عرقُوٌ" فغيرت الواو كما تقدم.
وقولهم في جمع "قَلَنْسُوَة وعَرْقُوَة: قَلَنْس وعَرْق" قليل النظير؛ لأن هذا الجمع الذي يجيء بحذف الهاء من الواحد إنما بابه لما كان معه من صنعة الباري تعالى، لا1 لما تولى صنعته المخلوقون نحو: "نَحْلة ونحل, وشَعِيرة وشَعير، وقَصَبَة وقَصَب"، وقد قالوا: "سَفِين" في جمع "سَفِينة" وهي من صنعة المخلوقين، قال طَرَفَة:

عَدولية أو من سفين ابن يامن      يجوز بها الملاح طورا ويهتدي

وقد قالوا في جمع "قلنسوة: قَلَوْنَس" فقدموا الواو؛ قرأت على أبي علي في كتاب القلب عن يعقوب:

يمضين2 تحت البيض والقلونس

بفتح النون.
فإن3 قال قائل3: فهلا ضموا النون؛ لأنها واقعة موقع السين في "قَلَنْسُوَة" أو كسروها؛ لأنها واقعة موقع السين أيضا في "قَلَنْس".
قيل: لأنها لما قدمت الواو أشبهت واو "فَدَوْكس وسَرَوْمط" ففتحت النون لوقوعها موقع الكاف من "فَدَوْكس" والميم من "سَرَوْمَط"، وقد فعلوا نظير هذا.. ألا ترى أنهم لما قلبوا الواو من وجه فجعلوها بعد الجيم في "جاه4" لم يقروها على سكونها، بل حركوها حتى انقلبت ألفا؟ فهذا هناك كذاك ثمة؛ وهذا نظير ما قلت لك في "أيْنُق" إن الياء هي عين الفعل قدمت، فلما قدمت اجترئ عليها فقلبت ياء.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 لا: ساقط من ظ. وفي ش: لا ما.
2 ص: يميض.
3، 3 ظ، ش: قيل.
4 ظ، ش: تجاه.

 

ج / 2 ص -122-        "إذا سكن ما قبل الواو والياء جرتا مجرى الصحيح":
قال أبو عثمان: وإذا كان قبل الياء والواو حرف ساكن جرى1 عليهما من الإعراب -إذا كانا حرفي إعراب2- ما يجري على سائر الحروف، وذلك نحو: "ظَبْي ورَمْي وغَزْو" ومن ثم قالوا: "مغزوّ ومعدوّ وعتوّ".
قال أبو الفتح: إنما جرت3 الواو والياء لما سكن ما قبلهما مجرى4 الصحيح؛ لأن أصل الاعتلال فيهما إنما هو لشبههما بالألف، وإنما يكونان كذلك إذا سكنتا وكان قبل الياء كسرة وقبل الواو ضمة، فإذا سكن ما قبلهما خرجتا عن شبه الألف؛ لأن الألف لا يكون ما قبلها إلا مفتوحا.
وقوله: ومن ثم قالوا: "مغزوّ" يقول: لأن في "مغزوّ" حرفا مشددا، والحرف المشدد أبدا حرفان من جنس واحد، الأول منهما ساكن، فالواو الأولى من "مَغْزُوّ ومَعْدُوّ وعُتُوّ"ساكنة بمنزلة الزاي من6 "غَزْو" كما أن7 الياء في7 "كُرْسِيّ وصَبِيّ" ساكنة بمنزلة الياء من "ظَبْي".
"إذا كان مثال "عتو" واحدا، فالوجه فيه إثبات الواو والقلب جائز":
قال أبو عثمان: وإذا كان مثال8 "عُتوّ" واحدا, فالوجه فيه إثبات الواو, والقلب جائز نحو: "مَعْدِيّ وعُتِيّ" إذا أردت مصدر "عتا يعتو عُتُوّا".
وبعض العرب ينشد هذا البيت:

وقد علمت عرسي مليكة أنني        أنا الليث معديا عليه وعاديا


ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ص وهامش ظ: جرى. وظ، ش، ع: يجري.
2 ظ، ش، ع: الإعراب.
3 ظ، ش: صحت.
4 ش: وجريا مجرى.
5 ظ، ش، ع: من.
6 ظ، ش، ع: في.
7، 7 ظ، ش، ع: الياء الأولى من.
8 ظ، ش: مثل.

 

ج / 2 ص -123-        قال أبو الفتح: اعلم أنه إنما جاز القلب في "عُتي" ونحوه على قلته؛ لأنه اجتمع في الطرف واوان، والأولى1 مدغمة فخفيت، فكأنه ليس بين الدال في "مَعْدُوّ" وبين الواو الآخرة حاجز لضعف الواو بالإدغام؛ فغيرت تشبيها بـ"أدْلٍ"، وليس مثله، وإنما هذا تطلب وجه بعد السماع؛ ويقوي قلبه أيضا أن الفعل قد قلب فيه2 نحو: "غُزِي، وعُدِي عليه".
"إذا كانت الواو ثقيلة كواو "عتو" وكانت في جمع كواو "عصي" قلبت ولم يجز ثباتها":
قال أبو عثمان: فإذا جاءت الواو3 ثقيلة مثل هذه الواو، وكان الذي هي فيه جمعا قلبت الواو ولم يجز4 ثباتها، وذلك نحو: "عصا وعِصيّ، وعات وعُتِيّ" وإن شئت كسرت أول الكلمة، وإن شئت ضممته، ولا يجوز بالواو إلا أن يشذ الحرف فيحكى ولا يجعل أصلا.
وقال بعض العرب: "إنكم لتنظرون في نُحوّ كثيرة" يريد: جمع "نَحْو"، وهذا شاذ مشبه بما ليس مثله نحو: "صُوّم" كما شبه الذين قالوا: "صُيَّم" بباب "عِصِيّ" إلا أن "صُيِّما" وما كان مثله مُطِّرِد، و"نحو" لا يطرد.
قال أبو الفتح: إنما كسروا فاء5 "عِصِيّ" اتباعا لكسرة العين ليكون العمل من وجه واحد، وكأنهم إنما أخرجوا6 "نُحُوّا" على7 أصله ليعلم بذاك8 أن أصل "عِصِي: عُصُوّ" فجاء "نُحُوّ" كالتنبيه على أصل هذا الباب كله، وقد ذكرت نظير هذا فيما تقدم.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ظ، ش: الأولى.
2 ظ، ش، ع: منه.
3 ع: الواو معتلة.
4 ظ: لم.
5 فاء: ساقط من ظ، ش.
6 ظ: أخرجوه.
7 ش، عن.
8 ظ، ش، ع: بذلك.

 

ج / 2 ص -124-        "لزم باب "عصي" القلب؛ لأن الجمع أثقل من الواحد":
قال أبو عثمان: وإنما لزم باب "عَصِي" القلب؛ لأن الجمع أثقل من الواحد، فإذا كان الواحد يقلب في نحو: "مَرْضِيّ ومَسْنِيّ"، وإنما هو من "سنوت"، ومن "الرضوان" ألزموا الجمع الإبدال، وشبهوا "عِصيّا ودُلِيّا" حين ألزمت الواو فيه البدل بـ"أدْل وأحْق" حيث لم يكن بين الضمة والواو إلا حرف ساكن، وكسروا موضع العين كما كسروا عين "أدْل".
قال أبو الفتح: يقول: إذا كان الواحد -على خفته وتمكنه- قد جاز فيه القلب نحو: "مَعْدي ومَسْني ومَرْضيّ" لم يكن من الإعلال في الجمع لثقله بد، وقد تقدم نظير هذا في موضعه.
ويعني بقوله: "إلا حرف ساكن" الواو الأولى المدغمة التي انقلبت ياءا في "عِصيّ". وهي في الأصل واو "فُعُول".
"إذا أسكنت عين "غزي وشقي" بقيا معلين":
قال أبو عثمان1: فإذا قلت: "غُزِىَ وشَقِيَ" ثم أسكنت موضع العين على قول من قال:

لو عصر منها2 البان يوما لا نعصر

لم تقل: إلا "غًُزُى وشقي" ولم ترددهما3 إلى الأصل؛ لأنك4 لم تبنهما4 على السكون، ولو رددت هذا الأصل لقلت في "قَضُوَ الرجل" إذا أسكنت -فيمن قال "ظَرْف" في "ظَرُف"- بالياء؛ وذا لا يقوله أحد لما ذكرت لك.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ظ، ش: أبو عثمان المازني.
2 ص وهامش ظ: منها. وفي ظ، ش، وبين السطور في ع: منه.
3 ظ، ش: تردهما.
4، 4 زادت ظ في هامشها قبلهما: لو بنيتهما، نسخة، فيكون الكلام فيها: "لو بنيتهما لم تبنهما".

 

ج / 2 ص -125-        قال أبو الفتح: يقول: إنك إنما قلبت الواو في "غُزِىَ وشَقِيَ" ياء لانكسار ما قبلها1، كما أنك إنما قلبت الياء في "قَضُوَ" لانضمام ما قبلها، فإذا أسكنت العين استخفافا، فإنك تنوي الكسر والضَّم كما تقول في: "فَخِذ وعَضُدٍ: فَخْذ وعَضْد" فكما يجب القلب في "شَقِيَ وقَضُوَ" للكسرة والضمة فكذلك2 إذا حذفتها استخفافا وأنت تريدهما، تبقي القلب بحاله؛ لأنك تريد الحركة الموجبة له، ولو لم تردها لكان الكلام محالا؛ لأنه ليس في الكلام فعل ماض أصل بنائه: "فَعْلَ" بإسكان العين.
يقول: فلو قلت في "شَقِيَ وغُزِيَ" إذا أسكنت: "شَقْوَ وغُزْو" لزوال الكسرة لوجب أن تقول في "قَضُوَ: قَضْيّ" لزوال الضمة، وهذا لا يقوله عربي، بل الذي جاء عنهم خلافه، قال الراجز:

تهزأ مني أخت آل طيسله          قالت: أراه دالفا قد دني له

يريد: "دني له" وهو من "دَنَوت" فأسكن النون، وأقر الياء بحالها.
ونظير هذا قولهم في تخفيف: "نؤي: نوي" فإقرارهم الواو -وإن كانت ساكنة قبل ياء- إنما هو لما فيها من نية الهمزة3؛ فكذلك4 تقر الياء في "شَقْى" لما في القاف من نية الحركة.
"بعض العرب يقول: "رضيوا" فيسكن الضاد ويثبت الياء ولا يردها واوا":
قال أبو عثمان: وبعض العرب يقول: "رَضْيُوا" فيسكن الضاد، ويثبت الياء؛ لأنه لم يلتق ساكنان.
قال أبو الفتح: يقول: إنما كان يجب أن يقال: "رَضُوا" كما قال تعالى:

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ظ، ش، قبلهما.
2 ظ، ش: كذلك.
3 ظ، ش، ع: الهمزة.
4 ظ، ش، ع: وكذلك.
5، 5 ظ، ش: قال الله تعالى. وفي ع: عز وجل.

 

ج / 2 ص -126-        {عَمُوا وَصَمُّوا}1، وأصلهما2: "رَضِيوا وعَمِيوا" فحذفت الضمة من الياء، ونقلت إلى ما قبلها، فالتقت الياء والواو وكلاهما ساكن فحذفت الياء، لالتقاء الساكنين، وكانت أحق بالحذف؛ لأنها3 كما أعلت بالإسكان كذا4 أعلت بالحذف.
وأيضا فإن الواو علامة الجمع، والضمير، والياء ليست علامة فكانت5 أحق بالحذف؛ فلما سكنت الضاد في "رَضْيُوا" للاستخفاف جرت الياء لسكون ما قبلها مجرى الصحيح فأقرت، ولم ترد إلى الواو -وإن كانت الكسرة قد زالت من قبلها- لما تقدم ذكره.
"فعل من "جئت: جيء" فإذا ضعف قيل: "جي"":
قال أبو عثمان: وقال أقول في "فُعْل" من "جئت: جيء" فإذا خففت الهمزة قلت: "جُي"6 فرددت الجيم إلى الضم.
قال أبو الفتح: الفاعل المضمر7 في "قال" هو الخليل، وإنما كسر الجيم في "جيء" -وإن كان يريد "فُعْلا"- لما تقدم ذكره من مذهبه، وأنه يقول في "فعل"8 من "البيع: بيع"8، كما قالوا: "بِيض" في جمع "أبيض" ولا9 يفصل بين الواحد والجمع في هذا الموضع.
وقياس قول أبي الحسن أن يقلب الياء فيقول في "فُعْل: جُوء"، فإذا خففت قلت: "جُيء"10 على المذهبين جميعا11.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 من الآية 71 من سورة المائدة، ونص الآية كلها:
{وَحَسِبُوا أَلَّا تَكُونَ فِتْنَةٌ فَعَمُوا وَصَمُّوا ثُمَّ تَابَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ ثُمَّ عَمُوا وَصَمُّوا كَثِيرٌ مِنْهُمْ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ}.
2 ظ، ش: وأصلها.
3 ظ: لأنهما.
4 ظ، ش: كذلك.
5 ظ، ش: وكانت.
6 ظ، ش: جيء.
7 المضمر: ساقط من ظ، ش.
8، 8 في ظ بين السطور فوقها: "بالضم في العين" ولم نفهمه.
9 ظ، ش: فلا.
10 ظ، ش: جيء.
11 جميعا: ساقط من ش.

 

ج / 2 ص -127-        أما الخليل فإنه رد ضمة الجيم لما تحركت الياء بحركة الهمزة المنقولة عليها للتخفيف فأمن انقلاب الياء لتحركها، وأنها عين.
وأما أبو الحسن فإنه رد الياء إلى أصلها وترك الواو؛ لأنه إنما كان يقلبها واوا لسكونها وانضمام ما قبلها، فلما تحركت بحركة الهمزة الملقاة عليها رجعت ياء لقوتها بالحركة، كما تقول في تحقير "مُوْسِر: مُيَيْسر" فترد الياء لتحركها وبقيت الجيم مضمومة كما كانت، فتأمل هذا!
"لولا التاء في نحو: "الشقاوة والنكاية" لانقلبت الواو والياء فيهما همزتين":
قال أبو عثمان: ومما يخرج من هذا الباب على الأصل إذا لم يكن حرف الإعراب "الشقاوة، والإداوة1، والنقاوة، والنهاية، والنكاية"، قويت هذه الحروف حيث لم تكن حروف الإعراب كما قويت الواو في "قَمَحْدُوة".
قال أبو الفتح: يقول: كما أنه لولا الهاء في "قَمَحْدُوة" وأن الإعراب صار جاريا عليها لوجب قلب الواو ياء، وأن يقول: "قَمَحْد" كما قالوا2 في جمع "قَلَنْسُوة: قَلَنْس" فكذلك لولا الهاء في "النكاية والإداوة" لوجب قلب الياء والواو همزتين كما انقلبتا3 في "رِداء وكِساء"، وسنذكر هذا الوجه في موضعه إن شاء الله.
"من يقول: مسني وعتي" لا يقلب "أبوة، وأخوة"":
قال أبو عثمان: ومن ذلك: "أبوة وأخوة" لا يقلبهما4 من يقول: "مسني وعتي"؛ لأنه لزم الإعراب غيرهما.
قال أبو الفتح: إنما لم يقلب هذا من يقول: "مسني"؛ لأنه لما كان

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1، 1 ظ، ش: الشقاوة والغباوة والإداوة، وهامش ظ: الشقاوة والإداوة قويت، نسخة.
2 ظ، ش، ع: تقول.
3 ش: انقلبت.
4 ظ: يقلبها.

 

ج / 2 ص -128-        حكم "مَسْنِي" ألا يقلب مع أنه لا هاء فيه1 لأنه واحد2، فهو إذا2 جاءت فيه الهاء لا يجوز فيه غير التصحيح؛ لأن الإعراب يجري عليها.
فإن قلت: فقد قالوا: "أرض مَسْنِيّة، وعيشة مرضيّة" فقلبوا الواو ياء مع أن بعدها هاء، فهلا قيل3 على هذا في: "أبوّة وأخوّة: أُبِيّة وأُخِيّة" كما قالوا في "مَسْنُوّة ومَرْضُوّة: مَسْنِيّة ومَرْضِية".
قيل: إن الهاء في "مَسْنِية ومَرْضِيّة" إنما دخلت على "مَسْنِيّ ومَرْضِيّ" للتأنيث بعد أن لزم المذكر القلب، فبقي بعد مجيء الهاء بحاله، و"أُبُوّة وأُخُوّة" لم تلحقهما الهاء بعد أن كان يقال في المذكر: "أُبِيّ وأُخِيّ" فيلزم أن يقال: "أُبِيّة وأُخِيّة" بل "أُبُوّة وأُخُوّة" مصدران أصلان جاءا على "فَعُولَة" بمنزلة "الحكومة والخصومة"4، فالهاء لازمة لهما في أول أحوال بنائهما على هذه الصيغة4، والهاء في "مفعولة" داخلة على "مفعول" فهي مفارقة، فهذا الفصل بينهما.
"همز "عظاءة، وصلاءة، وعباءة"":
قال أبو عثمان: قال -يعني سيبويه: وسألت الخليل عن "عظاءة وصلاءة وعباءة" فقال: جاءوا بهن على "العظاء والصلاء والعباء"5 كما قالوا: "مَسْنِيّة ومَرْضِيّة" فجاءوا بهما على "مَسْنِيّ ومَرْضِيّ"، وإنما لحقت الهاء حرفا يعرى منها، فلم يقو قوة ما الهاء فيه على ألا تفارقه.
قال أبو الفتح: يقول: إنما همزت "العباءة، والصلاءة، والعظاءة" -وإن كانت الهاء حرف الإعراب، ولم يجرين مجرى "النهاية والإداوة"- لأن الهاء

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ظ، ش: فيها.
2، 2 ظ، ش: فإذا.
3 ظ، ش: قالوا.
4، 4 ساقط من ظ، ش.
5 والعباء: ساقط من ظ، ش.

 

ج / 2 ص -129-        لحقت "العباء والصلاء والعَظاء" بعد أن وجب فيهن الهمز؛ لأن الإعراب جرى على الياء التي الهمزة بدل منها، فجرت الهاء في ذلك1 مجرى الهاء في "مسنيّة ومرضيّة" التي لحقت ما جاز قلبه قبل دخول الهاء؛ فلما دخلت بقي بحاله من القلب.
وقوله: "ولم تجر1 مجرى ما الهاء فيه على ألا تفارقه" يريد باب: "عَرْقُوَة وتَرْقُوة"، ألا ترى أن الهاء لازمة فيهما، ولم يؤت بها2 فيهما بعد أن قدرا منفصلين منها3 لأنه لو قدر دخولها4 بعد انفصالهما منها لوجب أن تقلب الواو فيقال: "تَرْقِيَة وعَرْقِيَة"؛ لأنك كنت تقدرهما أولا: "تَرْق وعَرْق"، ثم تدخل الهاء على ذلك.
وقد لاذ الفراء بقول الخليل هذا، وذلك أنه قال في بناء الفعل الماضي على الفتح: إنه كان حكمه أن يكون وقفا، إذ كان لا رافع له ولا نصاب؛ ولكن لما كانت ألف التثنية تفتحه، وواو الجمع تضمه اختاروا له الفتحة؛ لأنها أخف الحركات ففتحوه؛ أفلا ترى أنه بنى الواحد على التثنية كما بنى الخليل الواحد على الجمع في قوله: "إن العَظاءة"6 جاءت على "العظاء"، فكما ذهب الخليل إلى هذا كذلك قفاه الفراء.
ويدلك على أن "العظاء" جمع "عَظاية" قول الشاعر:

سوى عضرفوط حط بي فأقمته         يبادر سربا من عظاء قوارب

إلا أن لقول الخليل مزية على قول الفراء؛ لأنه وإن بنى الواحد على الجمع فإن هذا الواحد فيه هاء التأنيث، وهذا الجمع -أعني "عَظاء"- لا هاء فيه، وإنما7 بنى المؤنث على المذكر، وهذا هو القياس، أعني أن يبنى المؤنث على المذكر. وقول الفراء ليس فيه ما يقويه كالذي يقوي قول الخليل؛ لأنه

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1، 1 ساقط من ظ، ش.
2 بها: ساقط من ظ، ش.
3 ظ، ش: منهما.
4 ع: دخولهما.
5، 5 ظ، ش: تراه.
6 ظ، ش: عظاء.
7 ظ، ش، ع: فإنما.

 

ج / 2 ص -130-        لم يضم إلى أنه بنى الواحد على التثنية شيئا آخر كما ضم إليه الخليل: أنه بنى مؤنثا على مذكر.
وشيء آخر يقوي قول الخليل، وهو أن بين الواحد والجمع تناسبا في كثير من المواضع شديدا، ألا ترى أن جموع التكسير إعرابها جار على آخرها كإعراب الواحد نحو قولك: "رجل ورجال، وقصر وقصور"، والتثنية لا يكون إعرابها كإعراب الواحد، إنما هي بألف1 في الرفع، وياء في الجر والنصب أبدا.
وشيء آخر، وهو أن في الجموع مالم2 يكسر عليه الواحد، فجرت في ذلك مجرى الواحد الذي لم يكسر على وجه، وذلك نحو: "أشياء" في قول الخليل "والجامل والباقر".
ومنها أيضا ما يأتي من غير لفظ الواحد3 نحو: "إبل، وبقر، وقوم، ورهط" فكأنها آحاد، ليست بجموع؛ لأنها من غير لفظ الواحد3.
والتثنية لا يكون فيها شيء من ذلك؛ إنما هي فرع على الواحد من لفظه لا بد من ذلك، وبناء الأصل على الفرع مع وجود المندوحة عن ذلك قبيح؛ فإذا4 كان بين الجمع والواحد هذه المقاربة لم5 يمتنع أن يحمل الواحد عليه6 مع ما6 ذكرناه7 من قوة بناء المؤنث على المذكر، فأما التثنية فبعيدة من الواحد وهي لضرب واحد من العدد، والجمع قد يختلف ما تحته من الأعداد، كما يختلف ما تحت الواحد من المعاني، فهو به أشبه.
8وأقوى من ذلك كله أن "العَظاء والعباء" ونحوهما ليست جموعا -على الحقيقة- نكرة، بل هي آحاد بمنزلة "تمر" من "تمرة". وهذا هو المعتمد في الجواب، وإنما هي جموع في المعنى لا في اللفظ، فافهم ذلك8.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ظ، ش: بالألف.
2 ظ، ش: لا.
3، 3 ساقط من ظ، ش.
4 ظ، ش: وإذا.
5 ظ، ش: ولم.
6، 6 ظ، ش: كما.
7 ظ، ش: ذكرنا.
8، 8 ساقط من ظ، ش، ع.

 

ج / 2 ص -131-        "تصحيح "الصلاية والعباية"":
قال أبو عثمان: فأما1 "الصلاية والعباية" فلم يجئوا بهما على "الصلاء والعباء" كما أنهم حين قالوا: "خُصيان" لم يجئ على الواحد، ولو جاء على الواحد لقالوا2: "خُصْيتان".
قال أبو الفتح: يقول: "العباية والصلاية" بنيت في أول أحوالها على التأنيث، ولم تجئ على المذكر، ولو جاءت عليه قالوا: "عباءة وصلاءة" كما تقدم، كما أن "خُصيان" لو جاء على "خُصية" لقيل: "خُصيتان"3، ولكنه بني على التثنية في أول أحواله، وإن كانت فرعا، كما4 بنيت "العباية" على التأنيث في أول أحوالها وإن كانت فرعا4.
وقال أبو العباس: يقال: "خُصية وخُصْي" فمن قال: "خُصية" قال: "خُصيتان"3، ومن قال:"خُصْي" قال: "خُصيان".
ومثله: "أليْة وألْي" فمن قال: "أليْة" قال: "أليتان"، ومن قال: "ألْي" قال: "أليان". قال الراجز:

يرتج ألياه ارتجاج الوطب

وقال الآخر:

كأن خصيبه من التدلدل         ظرف عجوز5 فيه ثنتا حنظل

فهذا على قول الآخر:

أخصيي حمار بات يكدم نجمة        أتوخذ جاراتي وجارك سالم

فأما6 قول الراجز7:

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ظ، ش، ع: وأما.
2 ظ، ش: لقيل.
3، 3 ساقط من ظ، ش.
4، 4 ساقط من ع.
5 ظ، ش: جراب.
6 ظ، ش: وأما.
7 ظ، ش: الآخر.

 

ج / 2 ص -132-            لست أبالي أن أكون محمقه       إذا رأيت خصية معلقه

فهو1 في التثنية: "خُصيتان"1.
وقال الآخر2:

يا بأبي خصياك من خصي وزب

فشني "الخصي "على"3 خصيين".
""عقلته بثنايين"":
قال أبو عثمان: ومثل هذا قول العرب: "عقلته4 بثنايين"5 لا يهمز5، وهو بمنزلة "النهاية"؛ لأنه بني على التثنية كما بنيت "النهاية" على الهاء6.
قال أبو الفتح: يقول: لولا أن "ثنايين" بني على التثنية لوجب أن يهمز فيقال: "عقلته بثناءين" كما تقول: "التحفت بكساءين"؛ لأنك7 كنت تقدره أولا: "ثناء" كما تقول: "كساء"، ولكنه بني في أول أحواله على التثنية، كما بنيت "النهاية" في أول أحوالها على التأنيث، فجرت الياء التي هي حرف الإعراب في "ثنايين" مجرى هاء التأنيث في منع الهمز؛ لأن الياء قد وقعت حشوا لا طرفا، فصحت، كما صحت الواو في "قَمَحْدُوة" لوقوعها حشوا لا طرفا.
"مذروان":
قال أبو عثمان: ومثل: "مِذْرَوان"؛ لأنه8 لا يفرد له واحد.
قال أبو الفتح: يقول: لو أفرد "لمذروين" واحد لوجب أن يقال "مِذْرَيان"

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1، 1 ساقط من ظ، ش.
2 ظ، ش، ع: آخر.
3 الزيادة من ع.
4 ظ، ش: علقته.
5، 5 ساقط من ظ، ش، ع.
6 ظ، ش: النهاء.
7 ظ: لأنه.
8 لأنه: ساقط من ظ، ش، ع.

ج / 2 ص -133-        لأنك كنت تقدره قبل التثنية: "مِذْرًى" مثل "مِعْزًى"1، ثم تثنى فتقول: "مِذْريان" كما تقول: "مِعْزَيان"2، ولكن لما لم يفرد له واحد، جرت الألف فيه للزومها3 مجرى الألف في "عُنْفُوَان" في منعها انقلاب الواو.
ونظير هذا من الجمع الذي على حد التثنية4 مما لم ينطق له بواحد: قول عمرو بن كلثوم:

تهددنا وأوعدنا رويدا          متى كنا لأمك مقتوينا

فـ"مقتوين" مثاله: "مَفْعَلِين"، ولولا أنه بناه على الجمع في أول أحواله لوجب أن يقول: "مَقْتَيْن"، كما تجمع "مغزًى" اسم رجل في الجر والنصب: "مَغْزين" لأنه بمنزلة "مُصْطَفَيْن" وواحد "مَقْتَوِين" في القياس: "مَقْتًى: مَفْعَل" من "القَتْو" وهو الخدمة؛ فكما لا يجوز أن تقول في جمع "مَغْزًى: مَغْزَوِين" فتُصَحِّح الواو لتحركها وانفتاح ما قبلها "وإنما يقال: مَغْزَيْن"5 فكذلك كان يجب أن تقول: "مَقْتَيْن" فتحذف اللام لسكونها وسكون حرف الإعراب بعدها؛ ولكنه لما بناه على الجمع صحت الواو كما صحت في "مِذْرَوَان".
وفيه وجه آخر، قال سيبويه: وإن شئت قلت: جاءوا به على الأصل كما قالوا: "مَقاتِوَة" حدثنا بذلك أبو الخطاب، يريد: إن شئت قلت: صحت6 في جمع السلامة كما صحت7 في جمع التكسير.
قال أبو علي: ويحتمل عندي وجها ثالثا، وهو أن يكون صحح الواو ليكون ذلك أمارة لإرادة النسب كما صحت8 الواو في "عَوِر" ليكون ذلك أمارة لإرادة: "اعوَرّ".
قال: وقال9 أبو عثمان: لم يجئ في كلامهم مثل "مَقاتِوَة" إلا قولهم:

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 2 ع، ص: مغزى، مغزيان "بفتح الميم فيهما".
3 ظ، ش: للزوم هذا.
4 التثنية: ساقط من ظ، ش.
5 الزيادة من ع.
6، 7، 8 ظ، ش "صح" في المواضع الثلاث.
9 وقال: ساقط من ظ، ش، ع.

 

ج / 2 ص -134-        "قوم سَوَاسِوَة" سمعته من أبي عُبَيدة، وهذا1 من الشاذ لصحة الواو طرفا مكسورا ما قبلها.
"حكم الياء والواو إذا كان ما قبلهما مفتوحا والهاء لازمة لهما":
قال2 أبو عثمان2: وإذا كانت الياء والواو ما قبلهما مفتوح، وكانت الهاء لازمة لهما لم يكونا إلا بمنزلتهما لو لم تكن فيهما الهاء، وذلك نحو: "العَلاة والمنَاة3".
وليس4 هذا مثل "قَمَحْدُوَة" لأنها حين فتحت وقبلها الضمة بمنزلتها إذا انتصبت في الفعل نحو: "يريد أن يغزو" فاعلم.
وإذا كانت قبلهما5 فتحة قلبتا6 "ألفا"7 إذا كان أصلهما8 التحريك ولم يدخلهما9 تغيير البتة.
قال أبو الفتح: يقول: الهاء إذا كانت على هذا السبيل لم تمنع انقلاب الياء والواو قبلها إذا كان ما قبلهما مفتوحا، ولم يراع لها حكم "فَعَلاة ومَناة" بمنزلة "العصا والرَّحى"، وإنما كانت الهاء هنا كذلك؛ لأنها ليست تكون في الاتصال بما قبلها10 إلا على دون اتصال اللام بالعين.
وإذا كانوا قد قلبوا العين في "باب وناب" لتحركها وانفتاح ما قبلها -وإن كانت أقوى من اللام، واللام بعدها- فأن تقلب لام "عَلاة ومَناة" لأنها أضعف من العين، وأنه11 ليس بعدها شيء من الأصل: أولى وأحرى؛ فكأنها

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 في هامش ظ: وهو نسخة.
2، 2 ساقط من ظ، ش.
3 هنا، أمام: "والمناة" بهامش ص ما يأتي:
"كذا قرأت على أبي علي: "المناة" بالألف واللام، ورأيتها بخط الترمذي "مناة" بغير ألف ولام مصححة، وهو الوجه؛ لأنها علم".
وهذه الهامشة مطابقة لما ورد في صلب ع, وأبقينا "ال" في "والمناة" في الصلب, وإن كنا نرى حذفها, لاعتقادنا أنها نص عبارة المؤلف.
4 ش: ليس.
5 ظ، ش، قبلها.
6 ص، ظ، ش: قلبت.
7 الزيادة، من ع.
8 ظ، ش: أصلها.
9 ظ، ش: يدخلها.
10 ظ، ش، قبلهما.
11 ظ، ش: فإنه

 

ج / 2 ص -135-        في الأصل: "عَلَوَة ومَنَيَة"؛ لأن "العَلَاوة هي النِّدان، والمِطْرقة تعلوه أبدا".
و"مَناة: اسم صنم كانوا يعبدونه" فهي1 من منيت الشيء أي: قدرته؛ لأنهم كانوا يعتقدون أن تلك الأصنام ترزقهم، وتقدر الأشياء لهم؛ أو هي سبب لرزقهم2، وتقدير الأشياء لهم!
وقوله: "وليس هذا مثل قَمَحْدُوة" يقول: ليس مثله في ألا تُقلب واوه؛ لأن قبل الواو في "قَمَحْدوة" ضمة، والواو إذا كانت قبلها ضمة لم تمتنع أن تفتح, وإن وقعت طرفا.
ألا تراها مفتوحة في: "لن يغزُوَ" فإذا فتحت في "لن يغزو" ولا هاء3 بعدها -وصحت- فأن يجوز تصحيحها في "قَمَحْدوة" لوقوع الهاء بعدها أجدر.
وقوله: "ولم يدخلهما تغيير البتة" يقول: لا يتغير هذا الحكم فيهما، أي: لا بد من قلبهما متى وقعتا على هذه الصفة، وهذا يعني.
ألا4 ترى4 أن التغيير قد لحقهما بقلبهما ألفين؟ فمعناه ما عرفتك!
"تصحيح الياء والواو في "النفيان والنزوان" وما كان نحوهما":
قال أبو عثمان: فأما5 قولهم: "النَّفيان والغَثَيان6 والنزَوان والكرَوان"، فإنما دعاهم إلى التحريك أن ما بعدها ساكن فحركوا كما قالوا: "رَمَيا وغَزَوا" وكرهوا الحذف مخافة الالتباس، فيصير كأنه "فعال" من غير الياء والواو، وكرهوا في "رَمَيا وغَزَوا" الحذف مخافة أن يلتبس بالواحد.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ظ، ش: فهو.
2 ظ، ش: أرزاقهم.
3 ص: فاء.
4، 4 ع: إلا.
5 ظ، ش، ع: وأما.
6 ش: الغشيان.

 

ج / 2 ص -136-        قال أبو الفتح: يقول: فإن قال قائل: فهلا قُلبت الواو والياء في "النفَيان والكروان" وهما متحركتان1 وقبل كل واحدة2 منهما فتحة؟
قيل: لأنهما3 لو قلبتا ألفين وبعدهما ألف "فَعَلان" لوجب حذف إحدى الألفين فيقال: "نَفان وكَران" فيصير كأنه "فَعال" مما لامه نون؛ فتركوا ذلك مخافة الالتباس.
كما أنهم لو قلبوا الياء والواو في "رَمَيا وغَزَوا" ألفين وبعدهما ألف التثنية، لوجب حذف إحداهما لالتقاء الساكنين، وأن يقال: "رَمى وغَزا"4 بلفظ الواحد4 فكرهوا التباس الواحد بالتثنية، فتحملوا ما في ذلك لذلك!
"قلب الواو وهي لام ياء لانكسار ما قبلها أولى من قلبها وهي عين":
قال أبو عثمان: وإذا كان قبل هذه الواو كسرة، ولم تكن حرف الإعراب5، وكان ما بعدها لازما فهي مبدلة مكانها الياء؛ لأنهم قد قلبوا الواو للكسرة في المعتل الأقوى نحو: "ثِيَرَة، والقيام والسِّياط والحِياض" فألزموا الواو في هذا البدل نحو: "مَحْنِيَة"6؛ لأنها من "حَنَوْت" و"عادية"7.
قال أبو الفتح: قوله: "المعتل الأقوى" يريد: أن الواو قد انقلبت وهي عين في "ثِيَرَة" و"القيام" و"الحياض" لانكسار ما قبلها، مع أن العين أقوى من اللام، فالواو التي "كانت"8 في "محنية" أولى بالقلب، لانكسار ما قبلها؛ لأن الهاء بعدها لا تبلغ أن تكون في قوة الراء في "ثيرة"، والضاد

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ظ، ش: متحركان.
2 ظ، ش: واحد.
3 ص، ظ، ع: لأنه.
4، 4 ظ: بلفظ واحد الواحد.
5 ص وبين سطور ظ: الإعراب. وفي ظ، ش: إعراب.
6 في نسخة: "فألزموا موضع اللام بدل الياء نحو: محنية" كذا في هامش الأصل.
7 وعادية: ساقط من ظ، ش، ع.
8 زيادة من ظ، ش، ع.

 

ج / 2 ص -137-        في "حياض"1 وقد قلبت في الأقوى وهو العين، فوجب قلبها في الأضعف، وهو2 اللام لا محالة.
"قلب الواو والياء همزة بعد الألف الزائدة":
قال أبو عثمان: واعلم أن الياء والواو إذا وقعت قبلهما ألف زائدة ثالثة فصاعدا وكانتا حرفي الإعراب أبدلتا همزة، وجرى على الهمزة الإعراب، كما جرى على سائر الحروف، وذلك نحو: "كِساء وعَطاء وسِقاء وسَقّاء وغزّاء وعَدّاء" لأنهما ينقلبان ألفا إذا كانت قبلهما الفتحة.
والفتحة من الألف؛ فإذا جاءت الألف لم يكن من قلبهما بد فقلبتا ألفين وقلبهما ألف، فهمزوا الثانية؛ لئلا يجتمع ساكنان، ولم يحذفوا فيكون الممدود مقصورا، وتذهب الياء ويلتبس.
قال أبو الفتح: اعلم أنه إنما شرط أن تكون الألف التي تهمز بعدها الياء والواو ثالثة فصاعدا؛ لئلا يدخل عليه همز مثل: "غايَة وطايَة"، وسنذكرهما ونذكر3 ما فيها بحول الله "وقوته"4.
فأما "كِساء ورِداء"، فأصلهما: "كساو ورداي"؛ لأن "كِساء من كسوت" و"رداء من الرِّدْيَة؛ يراد بها التَّردِّي" وليس في قولهم: "تَرَدَّيْت" دلالة على أن "الرِّداء" من ذوات الياء دون الواو؛ لأن "ترديت" فِعْل قد جاوز الثلاثة؛ وإذا جاوز الفعل الثلاثة كان بالياء، وإن كان أصله من الواو.
ألا5 تراهم يقولون5: "تقصَّيت وتعدّيت" وهما من "قصا يقصو، وعدا يعدو"؟ ولكن "الرِّدْية" دلالة على أنه من الياء؛ لأنه لو كان من الواو لقيل فيها: "الرِّدْوَة"

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ظ، ش: الحياض.
2 ظ, ش: وهي.
3 ص، ظ، ش: وأذكر.
4 زيادة من ع.
5، 5 ظ، ش: ألا ترى أنهم قالوا.

 

ج / 2 ص -138-        كما قالوا: "الجِلْوة والقِدْوَة". ولا يجوز أن تحمل على باب "قِنية وصِبية وعِذْيٍ"؛ لأن ذلك شاذ لا يقاس عليه1، وقد تقدم ذكره.
فيقول أبو عثمان: لما كنت تقلب الياء والواو في "عَلاوة ومَناة" لتحركهما2 وانفتاح ما قبلهما3 -مع أن الفتحة بعض الألف- فأنت إذا وقعتا4 بعد الألف التي هي أكثر من الفتحة وأشبع: أحرى بقلبها5؛ لأن الكل أشد تأثيرا من البعض فصارا في التقدير كما ترى: "كِساا، ورِداا" فالتقت ألفان6 فحركت الآخرة7 فانقلبت همزة؛ لأن ذلك من شأن الألف؛ فكأن قائلا قاله له: فهلا حذفت إحداهما؟ فقال مجيبا له8: لأنهم كرهوا اللبس، لئلا يصير الممدود مقصورا.
وسألت أبا علي فقلت له: فإذا كان الأمر كذلك فهلا قلبوا الياء والواو في: "النهاية والإداوة" ألفا لوقوع الألف قبلهما، كما قلبوهما ألفين في: "العَلاة، ومَناة" إذ الألف عندك أشد إيجابا للقلب من الفتحة؛ لأنها أكثر منها؟
فقال: إنما المعنى أن الألف مثل الفتحة إذا وقع حرف اللين بعد الألف طرفا حرف إعراب.
وهذا القول منه ليس بمرضيّ عندي9؛ لأنهم قد قلبوا الياء والواو في: "حَصَاة وقَناة" لأجل الفتحة، وإن لم يكونا حَرْفي إعراب، وكانت الهاء بعدهما، فكان قلب الياء والواو في "نِهاية، وإداوة" لوقوع الألف التي هي أكثر من الفتحة همزة أولى على ما تقدم.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ظ، ش، مثله، وفي ع: على مثله.
2 ظ: لتحركها.
3 ظ: قبلها.
4 ظ، ع: وقعت.
5 ص، ش، بقلبهما.
6 ظ، ع: الألفان.
7 ظ، ش: الأخرى.
8 له: ساقط من ظ، ش.
9 ظ، ش: عندهم.

 

ج / 2 ص -139-        ووجدت في بعض تعليقات أصحابنا عن أبي1 على أنه إنما قلبت الواو والياء في "قَناة وحَصاة" لوقوع الفتحة قبلهما2، وتحركهما، وأن الكلمة التي3 هي فيهما3 على مثال الفِعْل4 نحو: "غزا ورمى"، فأما "النهاية، والإداوة" فليستا5 على مثال الفعل4 فهذا الفرق بينهما، وهذا عندي أشبه من الأول.
فإن6 قال قائل6: فكان يجب من هذا ألا تقلب الياء والواو في "رِداء وكِساء" همزة؛ لأن الكلمة ليست على مثال الفعل أيضا، وقد رأيناهم همزوهما7؟
قيل: هذا لا يلزم؛ لأن الإعراب كان على ذلك يجري عليهما، و"النهاية والإداوة" اجتمع فيهما: أن الإعراب جار على الهاء، وأنهما ليستا على مثال الفِعل؛ فهذا فرق ما8 بينهما، وهذا أقرب قليلا مما حكيته أنا عنه، على أن فيه شيئا، وذلك أنك لو بنيت مثل "سَفَرْجلة من قَوْقَيْت" لقلت: "قَوَقْياة"، فقلبت الآخرة -وإن لم تكن الكلمة على مثال الفعل!
ولكن القول عندي في هذا أن الألف لما كانت9 حرفا -في الحقيقة من وجه، ومشابهة للحركة من وجه آخر10- أُجريت مع الهاء في "النهاية، والإداوة"، مُجْرَى الباء من "ظبي"، والدال من "عَدْو" وأجريت في نحو: "الرِّداء، والكِساء، مجرى الفتحة ليتعاقب عليها الأمران، ولا تجري مجرى الحركة البتة؛ فتفهم11 هذا11 فإنه أشبه بمقاييس كلام12 العرب!

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 أبي: ساقط من ظ.
2 "في الأم: "قبلهما؛ لأنهما على مثال الفعل نحو: غزى ورمى"" كذا من هامش الأصل.
3، 3 هي: ساقط من ظ، ش، وفي ع: هما فيها، بدل: هي فيهما.
4، 4 ساقط من ظ، ش.
5 ص: فليسا.
6، 6 ظ، ش، قيل.
7 ظ، ع: همزوها.
8 ما: ساقط من ظ، ش، ع.
9 ظ: كان.
10 آخر: ساقط من ظ، ش.
11، 11 ظ، ش: فافهم ذلك.
12 كلام: ساقط من ظ، ش.

 

ج / 2 ص -140-        "إذا كانت الألف ثانية وبعدها ياء لا تهمز الياء":
قال أبو عثمان: وإذا كانت الألف ثانية وبعدها الياء لم تهمز الياء، وذلك نحو: "ثَاية، وطَاية, ورَاية" لأنهم لو همزوها1 جمعوا على الحرف إعلال العين وإعلال اللام؛ ففروا من ذلك؛ لأنهم رأوه إجحافا مفرطا.
قال أبو الفتح: اعلم أن هذه الأسماء خارجة عن القياس، وذلك أنه كان سبيلها أن تعل اللام وتصح العين فيقولوا: "ثَوَاة وطَوَاة ورَوَاة"، كما قالوا: "نَوَاة، وشَوَاة" وإن كان من الياء أن تظهر الياء؛ لأن اللام أحق بالإعلال من العين، إلا2 أنها2 خرجت عن القياس، فلا تجعل بابا يقاس عليه.
يقول: فلو همزوا الياء فقالوا: "ثاءة وراءة" لجمعوا على الكلمة إعلال العين واللام؛ وهذا قليل في بابه؛ وقد جاء منه3: "شاء وماء" وحروف المعجم فيمن مد فقال: "ياء وتاء وحاء وخاء4".
وسأذكر هذا كله في موضعه مستقصى بمشيئة الله5 عز وجل5.
وإنما قلت6: إنه كان حكم هذه الحروف أن يقال فيها: "ثَوَاة، وطَوَاة، ورَوَاة" من جهات:
إحداها: أن الألف إذا وقعت عينا فينبغي أن يحكم بأنها من الواو حتى تقوم دلالة على كونها من الياء، وذلك مما وصى به سيبويه؛ وقد مضى ذكره.
والأخرى: ظهور اللام ياء، وسبيل اللام إذا كانت ياء، وكانت العين معتلة أن تكون واوا، هذا هو7 الأمر العام الشائع عنهم، ألا ترى إلى كثرة باب

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ص: همزوهما.
2، 2 ظ، ش: لأنها.
3 منه: ساقط من ظ، ش.
4 وخاء: ساقط من ظ، ش.
5، 5 ساقط من ظ، ش، ع.
6 ظ، ش: قلنا.
7 هو: ساقط من ظ، ش.

 

ج / 2 ص -141-                                 فجمع "غاية"، وينبغي عندي أن يكون اشتقاقها من "غَوَى، يَغْوِي" وذلك لأن4 "الغاية" إنما جعلت لترشد الضال5 وتهديه، وتزيل عنه الغي، كما أن "أعجمت الكتاب" أزلت عنه الإعجام6، و"أشكيت الرجل": أزلت عنه ما7 يشكوه7؛ فهذه أيضا دلالة على أن العين منها واو.
وأما "راية" فاشتقاقها عندي من "رويت" الحديث، أي: أشعته وأظهرته؛ ومنه قيل: رجل راوية للشعر والحديث أي: مظهر لهما ومشيد بهما.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 وعييت: ساقط من ظ، ش.
2 ظ، ش: فأما.
3 ظ، ش: ويبنى.
4 ظ، ش: أن.
5 ص، ظ، ش: الطالب.
6 ص، ظ، ش: الاستعجام.
7، 7 ص، هامش ظ: ما يشكوه، وفي ظ، ش: الشكوى.

ج / 2 ص -142-        وكذلك "الراية" في الجيش إنما يرد بها إظهار السلطان والعزة والإشادة به؛ وقالوا: "راية" كما قالوا: "علم" لأن إظهار الشيء وإشاعته سبب لعلمه؛ والعلم1 من العلم أي: يعلم من رآه قوة أمر صاحبه، وعلو يده، ونفاذ أمره، فتأمل هذا، فإنه واقع صحيح لمتأمله!
ويجوز أيضا أن تكون "الراية من الرواء" وهو الحبل الذي يشد به الحِمْل؛ لأن الجيش يجتمع إلى الراية، وينضم إليها كاجتماع المتاع بالحبل وانضمامه2، فهذه3 أيضا دلالة على أن العين فيها واو3.
وأما4 "آية" فعينها ياء، وهي5 من مضاعف الياء نحو: "حَيِيت، وعَيِيت" ويدل على ذلك6: أن "الآية هي العلامة"7 وقد قال7 الشاعر:

قف بالديار وقوف زائر              وتأي إنك غير صاغر

فمعنى قوله: تَأي: تَشَبّت وتَنَظّر وتأمَّل آياتها وعلاماتها؛ ولو كانت من الواو لقال: "تأوّ" كما تقول في "تلوَّى وتَسَوَّى8: تَلَوَّ9 وتَسَوَّ".
وقولهم: "إيا الشمس" لضوئها يدل على أن "الآية" أيضا من الياء؛ وذلك أن "إيا الشمس: ضوءها، وضوءها: علامة10 طلوع القرص10".
ألا11 ترى أنك إذا كانت بحيث لا ترى القرص نفسه، ورأيت الضوء: دلك ذلك على طلوع القرص؛ فالضوء على هذا علامة طلوعه11؛ ولو كان من الواو لصحت الواو، ولقالوا: "إوًى" كما يصح12 نحو: "عِوَض وحِوَل".

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ظ، ش: فالعلم.
2 ظ: وانضمامه إليها، وفي ش، ع: وانضمامه إليه.
3، 3 ساقط من ظ، ش، ع.
4 ظ، ش: فأما.
5 وهي: ساقط من ظ، ش.
6 ذلك: ساقط من ظ، ش.
7، 7 ظ، ش: قول.
8 تسوى: ساقط من ظ.
9 ظ: تتاو.
10، 10 ش: طلوعها. وفي ظ: طلوعه.
11، 11 ساقط من ظ، ش.
12 ع: يصح في.

 

ج / 2 ص -143-        ويمنع1 أن يكون "إيا" من نحو: "ثِيَرَة" في الشذوذ قولهم: "إياء الشمس" بمعنى إياها؛ ولو كان من الواو لقالوا: "إواء" كما قالوا: "الطَّوَاء، والرّواء" قال ذو الرمة، أنشده أبو علي:

تنازعها لونان ورد وجؤوة      ترى لإباء الشمس فيها تحدرا2

وقد يقال: "إياه" بالهاء3 قال طرفة:

سقته إياة الشمس إلا لثاته       أسف -ولم تكدم عليه- بإثمد

وقال الراجر:

لم يبق هذا الدهر من آيائه              غير أتافيه وأرمدائه

"فالآياء4" وزنها: "أفعال5" وهي جمع آي، وآي جمع آية؛ وظهور العين ياء6 في "الآياء" يدل على أن "الآية" من الياء.
وقد يجوز أن تكون "راية، وطاية، وغاية" من الياء بمنزلة أختهن: "آية".
وقال الخليل: كأنهم قد تكلموا في "الغاية: بغَيَّيْت7"، ويقوِّي قوله أن أبا عمرو الشيباني حكى في نوادره فيما سمعته عنه: أنهم يقولون: "غاييت إليه بالشيء8" أي: أشرت إليه9؛ فهذا يقوي أن تكون "غاية" من الياء؛ لأنه إنما يشار بها10 "لترشد الطالب وتهديه"11.
والقول الأول فيه من الاحتجاج ما ذكرت لك.
وحكى أبو عبيدة12 أيضا: "أغْيَيت الغاية وغَيَّيْتها13" إذا نصبتها؛ فهذه دلالة -على كون العين ياء14- قاطعة، ولولا السماع لكانت من الواو.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ع: ويمنع من.
2 ظ، ش: تحدبا.
3 بالهاء: ساقط من ظ، ش.
4 ظ، ش: والإياء.
5 ظ، ش: فعال.
6 ياء: ساقط من ظ، ش، ع.
7 ص، ظ: بغيت.
8 ص، ظ، ش: بالسيف.
9 إليه: ساقط من ظ، ش.
10 ظ، ش: بهذا.
11 الزيادة من ع.
12 ظ، ش، ع: عبيد.
13 وغييتها: ساقط من ظ، ش.
14 ش: ياء نحو "آية قاطعة". وفي ظ: ياء نحو "قاطعة".

 

ج / 2 ص -144-        "إذا حذفت الهاء من: "ثاية، وطاية, وراية" لا يهمز كوجودها":
قال أبو عثمان: وكذلك إن1 حذفت الهاء فقلت: "ثاي، وراي، وطاي".
وقال الراجز:

راي إذا أورده الطعن صدر

قال أبو الفتح: يقول: لا فصل بين كون الهاء في هذا وألا تكون؛ لأنك متى همزت الياء أعللت العين واللام -وهذا قبيح- كانت الهاء أو لم تكن!
""شاء" معلة شذوذا":
قال أبو عثمان: فإن قلت: فقد قالوا: "شاء" فأعلوا العين واللام؟ فهذا من2 الشاذ الذي يحفظ2 حفظا، ولا يجعل أصلا.
قال أبو الفتح: اعلم أن "شاء" في ظاهر الأمر ينبغي أن يكون شاذا لا يقاس عليه؛ وذلك أنه جمع "شاة" كما أن "بقرا جمع بقرة"، فالهاء في "شاة" للتأنيث والألف قبلها منقلبة عن الواو التي هي عين الفعل، واللام محذوفة، وهي هاء -وسأدل على ذلك- فلما أردت جمع "شاة" على حد قولك: "بقرة وبقر" وجب حذف هاء التأنيث؛ فلزم أن يبقى الاسم على شيء وألف، وهما الفاء والعين فلم يجز تركه على ذلك كراهية3 أن يذهب التنوين -لسكونه- الألف3 كما يذهبها من قولك: "هذه عصا" فيبقى الاسم الظاهر على حرف واحد؛ وهذا محال؛ فوجب أن يضم إلى الكلمة ما يؤمن معه حذف الألف فكان4 رد الهاء الأصلية التي هي لام الفعل أولى؛ لأنها أحق من الأجنبي الغريب، فردت؛ فصار التقدير "شاة" في وزن "جاه" فكان5 سبيله أن يقر على ذلك!

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ش: إذا.
2، 2 ظ، ش: الشواذ التي تحفظ.
3، 3 ص: "كراهية أن يذهب التنوين لسكونه وسكون الألف" وبعد "يذهب" علامة قدرنا أنها تشير إلى كلمة "الألف" كانت مستدركة على الهامش الأيمن وضاعت في التصوير، وفي ع: "أن تذهب الألف التنوين لسكونها وسكون الألف".
4 ظ، ش: وكان.
5 ش: وكان.

 

ج / 2 ص -145-        إلا أن العرب أبدلت الهاء همزة، كما أبدلت الهمزة هاء في قراءة من قرأ: "هِيَّاك نَعْبُدُ1".
وكما قال الشاعر:

فهِيّاك والأمر الذي إن توسعت       موارده ضاقت عليك مصادره2

وبعضهم يقول: "هِن تفعل أفعل" يريدون: "إن".
وكما قالوا: "هَرَقت الماء" في "أَرَقْت" و"هَنرت الثوب" في "أَنَرت" و"هرحت" الدابة في "أَرَحت" و"هردت3 أفعل ذا3" في "أردت".
فكما أبدلت الهمزة في هذه المواضع كلها هاء؛ لأنهما من مخرج واحد، كذلك أبدلت الهاء في "شاة" همزة، فصارت "شاء" كما ترى؛ فجمعوا على الكلمة: قلب العين ألفا، وقلب اللام همزة؛ وهذا مكروه، وعليه أكثر الأقاويل؟
وفيه غير هذا، قال لي أبي علي, وقت القراءة: "شاء جمع شاة من غير لفظها" لئلا يجتمع فيها قلب الواو ألفا وقلب الهاء همزة، وتكون الهمزة على هذا أصلا؟
يريد بهذا: أن "شاء جمع شاة من غير لفظها"، ولكن فيها بعض حروف "شاة" كما أن "سواسِيَة جمع سواء من غير لفظه"،  وإن كان فيه بعض حروفه؛ لأن تركيب "سواء" من سين وواو وياء؛ و"سواسية" من مضاعف الواو؛ وأصله: "س، و، س".
ويدل4 على ذلك، وأنه ليس من باب "كوكب" ولا باب "سلس" قول بعضهم في "سواسية: سواسوة" وإخراج الواو على أصلها، وقد تقدم ذكرها.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 الآية 6 من سورة الفاتحة 1.
2 ص، هامش ظ: مصادره، وفي ظ، ش: "المصادر.
3، 3 ظ، ش: أن أفعل.
4 ظ، ش: ويدلك.

 

ج / 2 ص -146-        فقلت لأبي علي معترضا عليه1: ما تصنع بقولهم: "شَوِي" ألا تراه بغير همز2، ولو كانت الهمزة في "شاء" أصلية لوجب أن يقول: "شَوِيء"؟
فقال: قد يمكن أن يكون "شاء" من غير لفظ "شوي"؟ أيضا!
ويجوز أيضا3 أن يكون التخفيف فيه مجتمعا عليه, يقول: أجعله مثل: "النّبي، والبريّة".
وقال سيبويه: إجماعهم على "شاوي" في النسب إلى "الشاء" دلالة على أن اللام ليست بهمزة4, كأنه سيبويه لما رآهم يقولون: "شاوي وشوي" حمل الكلمة على أن لامها ياء، ولم يحملها على أنها واو؛ لأن باب "طويت، وشويت" أكثر من باب "جوّ وقوّ" قال الراجز:

لا ينفع الشاوي فيها شاته          ولا حماراه5 ولا علاته

وقد يجوز أن يكون "شاوي" اجتمع فيه على إبدال همزته واوا، حكى6 الكوفيون على جهة الشذوذ "شَرِبْت ما يا فتى" بلفظ "من" في الإدراج، ويحذفون الألف؛ أخبرني بذلك ابن مِقْسم عن ثعلب عن أشياخه.
وليس أحد من الفريقين يقيس ذلك7 ولا يراه؛ فلذلك لم يجز أن يقولوا في "جمع شاة: شا، يا فتى".
فأما "شاة" فوزنها "فَعْلَة" ساكنة العين؛ هذا هو الصواب!
وكلمت بعض الشيوخ من أصحابنا بمدينة السلام في العين منها، هل هي ساكنة أو متحركة؟ فادعى أنها متحركة.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 عليه: ساقط من ظ، ش.
2 ظ، ش: همزة.
3 أيضا: ساقط من ظ، ش.
4 ظ، ش: همزة.
5 ص: حماره.
6 ظ، ش: وحكى.
7 ظ، ش: هذا.

 

ج / 2 ص -147-        فسألته عن الدلالة على ذلك؟
فقال: انقلابها ألفا يدل على أنها متحركة؛ لأنها لو كانت ساكنة، لوجب إثباتها، لما تثبت1 في "ثَوْب وحَوْض".
فقلت له: أنا وأنت مُجمعان على أن سكون العين هو الأصل، وأن الحركة زيادة، وحكم الزيادة ألا تثبت إلا بدليل.
فأما قولك: انقلابها دليل على الحركة فغير لازم؛ لأن الحركة التي فيها إنما دخلتها لمجاورتها تاء التأنيث2 وقد أجمعنا: أن تاء التأنيث يفتح ما قبلها نحو: زاي "حمزة" وحاء "طَلْحة"، وأن سكون العين هو الأصل حتى تقوم دلالة على الحركة، فأما انقلاب العين فإنما هو لما حدث فيها من الفتح عند مجاورتها تاء التأنيث2 التي قد أجمعنا على أنه لا يكون ما قبلها إلا مفتوحا، فلا دليل لك على تحرك العين؟ فوقف الكلام هناك.
وكأنها كانت: "شَوْهَة" فلما حذفت الهاء بقيت "شَوْةً" "ففتحت الواو".
فإن قيل: ما تنكر أن تكون "فَعَلَة" لأن اللام لما ردت وأبدلت في "شاة" همزة بقيت الألف بحالها؛ ولو كانت إنما انفتحت العين لمجاورتها التاء؛ لوجب إذا رجعت اللام وزالت التاء أن تعود إلى سكونها، فيقال: "شَوْةٌ" أو "شَوْءٌ"4 إذا أبدلت الهمزة.
قيل: هذا لا يلزم؛ لأن العين لما تحركت لمجاورتها التاء ثم زدت اللام بعد ذلك تركت الفتحة في العين بحالها قبل الرد، وهذا مذهب سيبويه.
ألا ترى أنه لم يكن عنده في قول الشاعر:

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ظ، ش: ثبتت.
2 ساقط من ظ، ش.
3 الزيادة من ع.
4 ص: شوءة.

 

ج / 2 ص -148-            فلو أنا على حجر ذبحنا  جرى الدميان بالخبر اليقين

دليل1 على تحرك العين من "دم" لأنها لما جرى عليها الإعراب في قولهم: "دمٌ، ودمًا، ودمٍ" ثم رد اللام في التثنية بقي الحركة في العين على ما كانت عليه قبل الرد، كما قال الآخر:

يديان بيضاوان عند محلم         قد تمنعانك أن تضام وتضهدا

وقد أجمعوا على سكون العين من "يد" وقد تراه قال: "يديان" فحركها عند الرد؛ لأنها قد جرت متحركة قبل الرد، والقول فيه مثله في "الدَّمَيان".
وغيره من أصحابنا -وهو أبو العباس- يذهب إلى تحرك العين من "دم" لأنه مصدر "دَمِيت دَمًى" مثل:"هَوِيت هَوًى".
قال أبو بكر: وليس ذلك بشيء؛ لأن "دما" جوهر، والمصدر حدث، فهذا غير ذاك؛ قال: فقولهم2: "دَمِيَ دَمًى" إنما هو فعل ومصدر، اشتقا من "الدم" كما اشتق "تَرِبَ من التراب"، فأما قول الشاعر:

كأطوم فقدت برغزها            أعقبتها الغبس منه عدما

غفلت ثم أتت ترقبه       فإذا هي بعظام ودمى

فإنه3 أوقع المصدر موقع الجوهر، وتأويله عندي على حذف المضاف، كأنه قال: فإذا هي بعظام وذي "دمى"4.
وعلى هذا قول الآخر, أنشدنيه أبو علي:

فلسنا على الأعقاب تدمى كلومنا          ولكن على أقدامنا يقطر الدما

فـ"الدمى"5 في موضع رفع، وهو اسم مقصور على "فَعَل"، وتقديره -أيضا- على حذف المضاف.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ظ، ش، ع: دلالة.
2 ش: بعضهم.
3 ظ، ش: وإنه.
4 ص، ع: دما.
5 ظ، ش: "والدما.

ج / 2 ص -149-        ويحتمل عندي أيضا وجها ثانيا، وهو أن يكون رد المحذوف في الجوهر لا الحدث؛ فلما رده بقّى الحركة في العين على حد قوله: يديان بيضاوان..
فإن قلت: فقد قالوا: "غُد يا فتى" ثم ردوا اللام فقالوا:

لا تقلواها وادلواها دلوا          إن مع اليوم أخاه غدوا

وقال الآخر:

وما الناس إلا كالديار وأهلها          بها يوم حلوها وغدوا بلاقع

فقد كان يجب من هذا إذا ردت اللام من "دم" أن يقال: "دَمْيٌ" فيمن قال: "دَمَيان" و"دمْوٌ" فيمن قال: "دَمَوان" وما تنكر أن يكون هذا كاسرا لقول سيبويه في تبقية الحركة عند رد المحذوف؟
قيل: قد قال أبو علي في هذا: إن الذي يقول: "غَد" غير الذي يقول: "غَدْوٌ"، وإن الذي يقول: "غَدْو" لم يحذف اللام قط؛ فعلى هذا قلبت الواو من "شاء" ألفا لتبقية الحركة فيها عند رد المحذوف وهو اللام المبدلة همزة؛ فتأمل هذا، فإنه موضع لطيف!
فأما الدلالة1 على كون اللام من "شاة" هاء، فقولهم في تحقيرها: "شُوَيْهَة" وفي تكسيرها: "شياه". وحكى أبو زيد أنهم قالوا: "هذا شاء كثير، وهذه شَوِي كثيرة" و"الشِّيه2" بإسكان العين، وقالوا: "هذه شَواه كثيرة،3 وهذه أشاوهك3"، وقالوا: "تَشَوَّهت شاة" قيل: إذا اصطدتها؛ فظهور4 اللام هاء في هذا التصريف يدل على ما قدمته.
ومثل "شاء" في إعلال عينه ولامه قولهم: "ماء" وأصله: "مَوَهٌ" فانقلبت الواو ألفا لتحركها وانفتاح ما قبلها، فصار التقدير: "ماه" ثم قلبت

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ظ: الدلال.
2 ظن ش: والنسبة.
3، 3 ظ، وهذا شاوهك.
4 ظ، ش: وظهور.

 

ج / 2 ص -150-        الهاء همزة كما قلبت في "شاء"، ويدل على أن العين واو، وأن اللام هاء: ظهورها في تصريف الكلمة، وذلك قولهم في تحقيره: "مُوَيْه" وفي جمعه: "أمواه"، وأنشد1 سيبويه:

سقى الله أمواها عرفت مكانها         جرابا وملكوها وبذر والغمرا

وقالوا: "ماهت الركية، تمُوه، وتَماه، وأماهها الله".
فأما ما حكاه أبو زيد من قولهم: "ماهت الركية تَمِيه" بالياء، فلا يدل على أنه من الياء؛ لأنه سيبله أن يحمل على "فَعِل يفعَل" كمذهب الخليل في "طاح يطيح، وتاه يتيه".
وقد حكى غيره: "طِعت له أطيع، ورحت الدابة2 أريحها، وحاج الرجل يحيج, من الحاجة"، وهذا كله من الواو، وقد قيل: جميعه بالواو3: "يحوج ويطوع4" إلا "يروح" فلم5 أسمعه هنا بالواو. وأما قول امرئ القيس:

راشه من ريش ناهضة            ثم أمهاه على حجره

فإنما6 هو مقلوب من "أماهه" أي: كسبه ماء، لسنه إياه على الحجر7؛ فقدم اللام وأخر العين.
ومثال لفظ "أمهاه" على هذا القول: "أفْلَعَه" وقولهم: "مَوَّهت عليه" أي: جعلت للحديث ماء ونقاء8 حتى قبله، وهو فعّلت من الماء.
وكذلك قولهم للبلورة: "مَهاة" إنما هي مقلوبة وأصلها: "ماهة" وسميت بذلك للماء الذي عليها، والبريق الذي فيها.
وقد قالوا: "ماه" وهو قريب المعنى من: "ماء"9 أنشدنا أبو علي:

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ظ، ش، ع: أنشد، وأمامه في هامش ع: "إنما أنشده أبو الحسن في كتاب سيبويه".
2 ظ، ش: الرائحة.
3 ظ، ش: أيضا.
4 ظ، ش: ويطوح.
5 ظ، ش: فإنه لم.
6 ظ: وإنما. وش: إنما.
7 ظ، ش: الحجرين.
8 ظ، ش، ع: ونضارة.
9 ش: ماه.

 

ج / 2 ص -151-       إنك1 يا جهضم ماه القلب    ضخم عريض مجرئش الجنب

فمعنى قوله: "ماهُ القلب" أي: رقيق القلب كرقة الماء؛ يهجوه بضعف القلب وخوره.
وقد قالوا في جمع "ماء: أمْواء" فأقروا الهمزة في الجمع، أنشدنا أبو علي:

وبلدة قالصة أمواؤها2           ماصحة رأد الضحى أفياؤها

فهذه الهمزة في الجمع إما أن تكون الهمزة التي كانت في الواحد، وإما أن تكون بدلا من الهاء، التي تظهر في "أمواه3"، فكأنه لفظ بالهاء4 في الجمع، ثم أبدل منها الهمزة كما فعل في الواحد، وهمز اللام في "أمواه"5 ليس يجتمع فيه إعلال6 العين واللام، ألا ترى إلى صحة العين في "أمواه"؟
ويدل على تحرك7 العين من "ماء" "وشاء8" انقلابها9، وليس10 كـ "شاء" في سكون عينه؛ لأن اللام من "ماء"10 لم تحذف، فتلزم العين الحركة فتبقى عند رد اللام كما قدمنا!
فإن قلت: فقد قالوا: "شربت مًا11" مقصورا، فحذفوا اللام، فهلا جرى مجرى "شاة"؟
فقد تقدم القول في أن هذا شاذ عند الفريقين، فينبغي ألا يلتفت إليه.
فإن قلت: فهلا استدللت بجمع "ماء" على أفعال في قولهم: "أمواه" على تحرك عينه، وأجريته مجرى "جمل وأجمال، وقَتَب وأقْتاب"؟
قيل: هذا غير مستقيم؛ لأن عين "ماء": واو؛ والعين إذا كانت واوا،

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 أمام الشعر: إنك يا جهضم إلخ في هامش ع كلام لا قيمة له فأهملناه، وكذلك في كعبها في هذا الموضع أيضا.
2 ظ، ش: أمواهها.
3 "في نسخة: في "الجمع"" كذا من هامش الأصل.
4 ظ، ش: بلا هاء.
5 ص، ظ، ش: أمواء.
6 ع: إعلالان.
7 ظ، ش: تحريك.
8 زيادة من ع.
9 انقلابها: ساقط من ظ، وبدله في ش: أنها.
10، 10 ساقط من ظ، ش.
11 ظ: ماء.

ج / 2 ص -152-        وكانت ساكنة في هذا المثال كان بابه أن يُكسّر في القلة على أفعال نحو: "زوج وأزواج، وثوب وأثواب"، فمن هنا لم أقض بتحرك العين من "ماء" لجمعه1 على أفعال؛ بل حكمت بذلك لانقلاب عينه، فجرى ذلك مجرى "باب وأبواب، ومال وأموال" و"شاء، وماء" من الشاذ؛ فلذلك قال أبو عثمان: إنه لا2 يجوز حمل "راي، وغاي" عليه.
فأما قولهم: "الباءة والباهة" في النكاح فقد يمكن أن يكونا أصلين، وقد يجوز أن تكون الهاء بدلا من الهمزة؛ لأنه من المباءة والبواء، وهو الرجوع والتكافؤ؛ لأن الإنسان كأنه يرجع إلى أبيه، ويقوم مقامه، فيكون على هذا معتل العين واللام؛ وإن كانت الهاء فيه أصلا فهو من لفظ "بُوهة" والألف فيه منقلبة عن الواو؛ و"البوهة" الأحمق العاجز؛ فيكون من3 هذا؛ لأن النكاح مؤد إلى العجز والهَرَم والخَرَف؛ ولأن4 "البُوهة" لم يكمل ولم يتوفر عقله؛ فكأنه نيئ لم ينضج؛ فهو كالموات على حاله الأولى "وقت حصوله في الرحم"5.
[الألف في: "باء، وتاء، وثاء" ونحوها من حروف الهجاء لا أصل لها":

قال أبو عثمان: وأما قولهم: "باء وتاء" فإنما أصل هذا التهجي، أن6 يكون: "با، تا، ثا" فيكون على حرفين، ليس له أصل في الثلاثة، مثل: "لا"، ثم سموا به الحرف فزادوا ألفا أخرى، ثم همزوا7، وليس أن الألف "ياء، أو واو" ثم أعلت؛ فافهم ذا8، إن9 شاء الله9!

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ظ، ش: يجمعه.
2 لا: ساقط من ظ، ش.
3 ظ، ش: على.
4 ظ، ش: أو لأن.
5 الزيادة من ع.
6 ص، ع: وأن.
7 ظ، ش، ع: همز.
8 ظ، ش: ذلك.
9، 9 ساقط من ظ، ش.

 

ج / 2 ص -153-        وإنما كتبت لك هذا، لئلا يطعن طاعن1 بالحروف الشاذة1 فترى أن ذلك كسر للباب.
قال أبو الفتح: يقول: لا تتوهم أن: "باء وتاء" مثل "شاء"؛ لأنا نعلم أن الألف في "شاء" "من"2 واو لا محالة والألف في "باء، وتاء" لا أصل لها في "ياء" ولا "واو"، وإنما هي بمنزلة ألف "لا، وما"، ولو كان لها أصل في "ياء، أو واو" لظهرتا؛ لأنه كان ينبغي أن تكونا ساكنتين كدال "قد" ولام "هل"، وكان يجب أن يقال: "بي، تي" أو: "بو، تو" كما قلنا في أول الكتاب: إنه لو كان3 ألف "ما، ولا" من واو، أو ياء، لوجب أن يقال: "مَو، لَو" كما قالوا "لَو، أَو" أو: "مَيْ، لَيْ" كما قالوا: "كَيْ، أَيْ"، فلما أخرجوا "با، تا، ثا" من التهجي، وعطوفها4؛ أشبهت الأسماء بالعطف؛ لأن العطف نظير التثنية فدخلها الإعراب فلم يكن أن تكون على حرفين -الآخر منهما حرف لين- لئلا يذهبه التنوين فوجب5 أن يزاد على الحرف مثله؛ كما قال6.

ليت7 شعري7 وأين مني ليت             إن ليتا وإن لوا عناء

وكما قال الآخر, أنشدنيه أبو علي:

أفلا سبيل لأن يصادف روغنا        لو ولو كاسمها لا توجد

فكما زادوا على "لَوْ" واوا أخرى حين جعل اسما؛ لأنه لا أصل له في الثلاثة، فترد اللام بعينها، كذلك زادوا على "با، تا، ثا" ألفا أخرى، فالتقى ساكنان فلم يجز حذف أحدهما8؛ لئلا يعودوا إلى ما منه هربوا وهو القصر، فحركوا9 الثانية فانقلبت همزة!

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1، 1 ظ، ش، ع: بالحرف.
2 زيادة من ظ، ش، ع.
3 ظ، ش: كانت.
4 ظ: وعطفوهما.
5 ش: وجب.
6 ص، ظ، ش: قالوا.
7، 7 ظ، ش: إن ليتا.
8 ص، ظ، ش: إحداهما.
9 ظ، ش: فحولوا.

 

ج / 2 ص -154-        قال أبو علي: إلا أنك الآن بعد الهمز والمد تدخل هذه الحروف في أحكام الأسماء، وتقضي لها بحكم ما انقلبت عينه -وإن كنا نعلم أنها1 غير منقلبة- ولكنه قد صار إلى لفظ المنقلبة عينه.
"اشتقاقهم أفعالا من أسماء الحروف":
ويدل على صحة ما ذهب إليه: أن الألف في: "قاف، كاف2، دال"2 ونحوها لا يعلم لها أصل في الياء ولا في الواو؛ لأنها غير متصرفة؛ إلا أنهم لما أعربوها وعطفوها فقالوا3: "قاف، وكاف، ودال4" اشتقوا منها أفعالا كما يشتق من الأسماء الصريحة فقالوا5: "قَوَّفْت قافا، وكَوَّفْت كافا، ودَوَّلْت دالا"؛ وقالوا: "لويت لاء حسنة" فجعلوها من الواو؛ لأن الإمالة لم تسمع فيها.
وقال بعضهم: "يييت ياء" فجعلها من الياء؛ لأنهم قد سمعوا الإمالة في "ياء".
أفلا6 ترى أنهم7 أجروا7 ذلك مجرى: "بوبت الحساب بابا بابا، ومولته مالا". قال أبو علي8: ونظير ذلك قولهم في رجل اسمه "ضَرَب" معرى من الضمير "هذا ضَرَب" كما9 أعرب الماضي وأدخله10 الجر والتنوين؛ لأنه قد خرج إلى حكم الأسماء بالتسمية؛ كذلك قضى بأن الألف في: "قاف، وكاف" إذا جعلا11 اسما12 منقلبة، أو في حكم المنقلبة، لخروجهما13 إلى مذهب الأسماء؛ فكذلك نقضي بأن ألف "باء، وتاء" في حكم المنقلبة14 مما اجتمع فيه إعلالان.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ظ، ش: أنه.
2، 2 ظ، ش: "وكاف ودال".
3 ظ، ش: "قالوا.
4 ودال: ساقط من ظ، ص.
5 ظ، ش: وقالوا.
6 ظ: فلا، وع: ألا ترى.
7، 7 ظ، ش: أنهم قالوا أجروا، وفي هامش ش: "قد"، بدل: "قالوا".
8 أبو علي: ساقط من ظ، ش.
9 ظ، ش، ع: فكما.
10 ظ، ش: فأدخله.
11 ش: جعلتا.
12 اسما: ساقط من ظ، ش.
13 ظ، ش: لخروجها.
14 ظ: المنقلب.

 

ج / 2 ص -155-        قال: والصواب أن تقدر الألف منقلبة عن واو، ليكون من باب "طويت وشويت".
"مثال "جحمرش" من الياء":
وقال أبو الحسن: لو بنيت من "الياء" مثل "جَحْمَرِش" لقلت: "يَيوٍ" فجعل العين ياء؛ لأنه سمع الإمالة فيها، وهو وجه!
وحجة أبي علي ما ذكرت لك، وإنما جاء أبو عثمان بهذا؛ لأنه قد علم أنه لا أصل له في "ياء" ولا "واو" وإن كان بعد ذلك في حكم المنقلب؛ ولأنه لا يجري مجرى "شاء" الذي أصل ألفه الواو لا محالة!
وقوله: "لئلا يطعن طاعن بالحرف الشاذ" يريد به "شاء" ونحوه، مما اعتلت2 عينه ولامه؛ لأن "باء، وتاء" ليس بشاذ.
"تشبيه الألف في "العظايا" بهاء التأنيث في "عظاية"":
قال أبو عثمان: وأما قول الشاعر:

ولاعب بالعشى بني بنيه3      كفعل الهر يلتمس العظايا

فأبعده الإله ولا يؤبى        ولا يشفى من المرض الشفايا

ويروى4: ولا يشقى4. فإن الشاعر شبه ألف النصب بهاء التأنيث حين قال: "عَظاية، وصَلاية" وما أشبهه، وهذا مما يحفظ أيضا؛ ولولا أنه أخبرنا به من نثق بروايته وضبطه لما أجزاه، ولجعلناه همزا!
قال أبو الفتح: وجه الشبه بينهما أن الهاء ينفتح ما قبلها، كما أن الألف كذلك5؛ وأن6 الهاء تجيء لمعنى كما أن الألف كذلك6؛ وأن الألف زائدة كالهاء. فمن حيث قالوا: "النهاية والعَظاية" كذلك قالوا: "العظايا، والشفايا"، وهذا تشبيه بعيد، وهو كالخطأ منهم!

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 بهذا: ساقط من ظ، ش.
2 ظ، ش: أعلت.
3 ع: أبيه.
4، 4 ساقط من ظ، ش.
5 كذلك: ساقط من ظ.
6، 6 ساقط من ظ، ش.

 

ج / 2 ص -156-        قال أبو علي: والفرق بين الهاء والألف: لزوم الهاء، وزوال الألف.
فإن قلت: ما تنكر أن يكون الشاعر أراد "العَظاية" فأبدل الهاء ألفا للضرورة والتقارب الذي بينهما، كما أبدل الآخر الهاء من الألف في قوله:

قد وردت من أمكنه              من ههنا ومن هنه

إن لم أروها فمه

يريد: من هنا، و: فما1؛ فتكون2 الفتحة في "العَظايا" فتحة الهاء مثلها في "طلحة"، ولا يكون مثلها في "رأيت زيدا".
قيل: هذا محال، وذلك أن أول هذا الشعر3:

إذا ما الشيخ صم فلم يكلم        وأودى4 سمعه إلا ندايا

وفيه: "الشفايا"، ولم نسمعهم قالوا: "نداية، وشفاية" فنجوز أن تكون الألف بدلا من هاء التأنيث؛ فالألف إذا للنصب لا محالة.
وشيء آخر يدل على بطلان قوله، وهو: أن جميع ما جاء من هذا الضرب إنما جاء في موضع النصب نحو قول الآخر:

أهبى التراب فوقه أهبايا

ونحو قول الآخر:

عشية أقبلت من كل أوْب         كنانة عاقدين لهم لوايا

وكذلك جميع ما جاء منه؛ فهذا يقوى أن الألف للنصب بمنزلتها في قولهم: "رأيت زيدا"، وهذا واضح جلي.
وقد5 يمكن أن يكون "العظايا" جمع "عظاية" مكسرا كـ"دجاجة ودجائج" ويؤكده ذكره لـ "بنيه"، فهذا دليل الجمع، فاعرفه إن شاء الله5.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 وفما: سقط من ظ، ش.
2 ظ، ش، ع: وتكون.
3 ظن ش، ع: الشعر قوله.
4 ع: ولم يك.
5، 5 سقط من ظ، ش، ع.