المنصف لابن جني

ج / 2 ص -157-        هذا باب تقلب فيه الياء واوا1ليفرق بين الاسم والصفة:
قال أبو عثمان:

وذلك "فَعْلَى" إذا كانت اسما أبدلوا من الياء واوا2، وذلك نحو: "الشَّرْوَى والتّقْوى والفَتْوى والرَّعْوى والعَدْوى3"، والصفة تترك على حالها نحو: "خَزْيا، وصَدْيا، وريِاّ".
قال أبو الفتح4: يريد أنهم يبدلون الواو من الياء إذا كانت لاما، ولم يذكر ذلك؛ لأنه قد مثل بعد فعلم ما الغرض.
وقد استطرف أبو عثمان هذا الباب، واعتمد فيه على أنه محكي عن العرب، وليست5 فيه حجة قاطعة، وأنا أذكر ما فيه من6 العلة6.
وذلك أن الياء أخف من الواو، وقد غلبت الواو في أكثر المواضع حتى أبرت عليها، فأرادوا أن يعوضوا الواو من كثرة دخول7 الياء عليها8 فقلبوا9 الياء واوا9؛ وإنما خصوا به اللام دون الفاء والعين؛ لأنها أقبل للتغير لتأخرها وضعفها.
فإن قيل: فهلا كان هذا10 القلب في الضمة دون الاسم؟

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ظ، ش: والواو.
2 ظ، ش: "الواو"، وفي هامش ظ: "والواو... نسخة".
3 والعدوى: ساقط من ظ، ش، ع.
4 أمام قوله: أبي الفتح في كعب ع ورأتها كلام لكاتب ينتقد فيه أبا الفتح منه وهو خلاصته: وقد ذكرت أن من عيوب هذا الشرح شيئين: أحدهما الإخلال بعقود الأبواب التي يجب أن يقدر عقد يحصرها بأقسامه وحدوده، والآخر: إخلاله بذكر أغراض صاحب الكتاب في ترتيبه.
5 ظ، ش، ع: ليست.
6، 6 ظ، ش: "ومن الحجة والعلة" الواو في العلة ساقطة من ظ.
7 ظ، ش: دخولها.
8 عليها: ساقط من ظ، ش.
9، 9 ظ، ش: الواو.
10 هذا: ساقط من ظ، ش.

 

ج / 2 ص -158-        قيل: لأن الواو أثقل من الياء؛ فلما اعتزموا على قلب الأخف -إلى الأثقل لضرب من التوسع في اللغة- جعلوا ذلك في الأخف؛ لأنه أعدل من أن يجعلوا الأثقل في الأثقل؛ والأخف هو1 الاسم، والأثقل هو الصفة لمقاربتها الفعل، فتأمل هذا فهو أقرب ما يقال في هذا!
وقيل: إنما جاءت الصفة على الأصل نحو: "خَزْيا" كما قالوا في جمع "صعبة: صعبات" ولم2 يحركوا  كما حركوا "جفنات"؛ لأن الصفة تشبه الفعل، والفعل لا يكسر، فلم تحرك العين من "صَعْبات"، فلذلك3 جرت "خَزْيا" على الأصل لأنها صفة4؛ كذا قال لي أبو علي، وهو صواب إن شاء الله4.
و"الشّرْوى من "شَرَيْت"، و"التّقْوى" من "وَقَيْت5".
و"الفتوى" من الياء لقولهم فيها: "الفُتْيا" بالياء. و"الرّعْوى من رَعَيْت"، ولا تحمل "الفُتْيا" على القُصْيا" لأنا لا نعلم لها6 أصلا في الواو، ومع هذا فإن في "الفتيا" تقوية لنفس المستفتي، فهو من معنى الفتاء والفتى.
"لو كانت "ريا" اسما، لكانت "روى"":
قال أبو عثمان: ولو كانت "رَيّا" اسما، لكانت: "رَوَّى" لأنك كنت تبدل اللام واوا، كما قلبتها في "شَرْوَى" وتبقى الواو التي هي عين "فَعْلَى"، فأما7 "فَعْلَى" من الواو فعلى7 الأصل؛ لأنها إن كانت صفة تركت على الأصل كما تركت الياء، وإن كانت اسما لم تغير؛ لأن الواو تغلب على الياء في هذا الباب، وهي فيما هي فيه أثبت، وذلك: "شَهْوَى، ودَعْوَى"، فـ"شهوى صفة، ودعوى اسم؛ وعَدْوى كدَعْوى".

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 هو: ساقط من ظ، وفي ش: في.
2 ظ، ش: فلم.
3 ش: فكذلك.
4، 4 ظ، ش: "وهو صواب إن شاء الله تعالى"، كذا قال أبو علي. وفي ع كالصلب بزيادة واو قبل "كذا" وسقوط "لي".
5 ص: تقيت.
6 ظ، ش: له.
7، 7 ظ، ش، ع: على.

 

ج / 2 ص -159-        قال أبو الفتح: إنما ذكر "شهوى وعدوى1" ليريك أن لام "فَعْلَى" إذا كانت واوا لم تُغيّر، بل تترك في الصفة بحالها كما تركت "الياء"2 في "خزيا" وإذا كانوا قد قلبوا الياء واوا في "شَرْوَى" لأنها اسم؛ فهم بأن يقروا الواو فيما هي فيه أصليّة -أعني "دعوى"- أجْدَر؛ فكأن "روّى" كان أصلها: "رَوْيا"، ثم قلبت اللام واوا، وأدغمت فيها لعين، فصارت "رَوَّى".
ومثل ذلك من كلامهم: "العَوّى" لهذا النجم، قال لي أبو علي وقت القراءة: إنها3 في الأصل: "عَوْيا" لأنها كواكب مُلْتَوِية؛ قال: واشتقاقها من: "عَوَيْت يده" أي: لويتها، فقلبوا الياء واوا، وأدغموا فيها الواو الأولى، فصارت "عَوّى" مثل "رَوّى" والعلة واحدة.
وقد مد بعضهم4 "العَوّى" فقال: "العَوّاء4" وذلك قليل.
فإن كانت "فعلاء" فقياسها عندي: "عَيّاء"، وكأن أصلها: "عَوْياء"، فاجتمعت الياء والواو، وسبقت الأولى بالسكون، فقلبت الواو ياء، وأدغمت في الياء بعدها، كما قالوا: "شويت شيّا، وطويت طيّا"، وقد تقدم القول في هذا5، ونظيره قولهم: "امرأة لياء العنق"، وأصله: "لَوْياء"5.
فإن قيل: فهلا قلت: إنهم قلبوا اللام واوا، وأدغموا فيها العين، كما قالوا: "غَوّى" مقصورة؟
قيل: هذا إنما فعلوه في "فَعْلَى" المقصورة لا غير6 فنحن نتبعه، ولا نقيسه في الممدودة، ولكن القول عندي فيه إن كان "فَعْلاء": أن يكون مده من "فَعْلى" المقصورة بعد أن وجب قلب لامها واوا؛ وكأنه أقر اللام واوا ليدل أنها ممدودة من7 المقصورة، فجعل ذلك أمارة لهذا المعنى.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ظ، ش، ع: ودعوى.
2 زيادة من ع.
3 ظ، ش: وإنها.
4، 4 كذا ظ، ش، وفي ص: العواء. والجميع ساقط من ع.
5، 5 ساقط من ظ، ش، ع.
6 ع: غيره.
7 ظ، ش: من فعلى.

 

ج / 2 ص -160-        على أنه قد أخبرني ابن مِقْسم عن ثعلب أن بعضهم قال: "عَوَى الكلب عَوّة"، وأصلها: "عَوْيَة"، وكان قياسه: "عَيّة" مثل: "طوَيْت طَيّة" ولكنه شاذ في بابه؛ فيكون "العواء" -فيمن مد وجعله1 "فَعلاء"- مثله في الشذوذ.
ومثله في الشذوذ قولهم في2 العلم2: "رجاء بن حَيْوَة"، وأصله: "حَيّة"، وإن اختلفت العينان.
وقالوا أيضا: "عوى الكلب عَوْيَة"، وهو شاذ وإن كان3 "العواء" فيمن مده4 "فَعَّالا" كأنه ذهب بالتذكير فيه إلى المنزل، فلا نظر فيه؛ لأن الواو المشددة تكون عينا مدغمة، وتكون الهمزة منقلبة عن الياء التي هي لام الفعل، بمنزلة همزة "شواء".
وأقول: إن الهمزة في5 "العواء" فيمن جعله5 "فَعْلاء" منقلبة عن ألف التأنيث التي في "عوى" المقصورة؛ لأنها وقعت بعد ألف المد فانقلبت بعدها همزة كما تقول في "حمراء وصفراء"؛ إن الهمزة فيها6 منقلبة عن ألف التأنيث؛ وهو مذهب سيبويه، ولا أعرف لأحد من أصحابنا فيه خلافا7 إلا أبا الحسن؛ فإنه كان يرى أن الهمزة هنا زائدة غير منقلبة7.
فإن قلت: فهلا جعلت الألف التي قبل الهمزة في8 "عواء" فيمن جعلها "فَعْلاء" هي الألف التي كانت في "فَعْلَى" المقصورة، وجعلت الهمزة التي8 بعدها منقلبة عن ألف مزيدة بعد ألف التأنيث؟
قيل: هذا محال؛ لأن علامة التأنيث لا تكون حَشْوًا، إنما تكون آخرا، فافهم9 ذلك إن شاء الله9!

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ظ، ش: وجعلها.
2، 2 ساقط من ظ، ش.
3 ظ، ش: كانت.
4 ظ، ش: مد.
5، 5 ساقط من ظ، ش.
6 ش: فيهما.
7، 7 ساقط من ظ، ش، ع.
8، 8 ساقط من ظ، ش.
9، 9 ساقط من ش، و"ذلك" ساقط من ظ.

 

ج / 2 ص -161-        "إذا كانت "فعلى" اسما من الواء، أبدلت الياء مكان الواو":
قال أبو عثمان: وأما "فُعْلَى" فإذا كانت اسما أبدلت الياء مكان الواو، وذلك: "العُليا والدُّنيا والقُصيا"، وقالوا: "القُصْوى"، فجاءوا بها على الأصل، كما قالوا1: "حَيْوَة، وضَيْوَن، وبنات ألبيه، ولَحَحَت عينه".
قال أبو الفتح: إنما ذكر "العليا والدنيا والقصيا" في موضع الأسماء؛ لأنها وإن كان2 أصلها الصفة، فإنها الآن قد أخرجت إلى مذاهب الأسماء بتركهم إجراءها وصفا في أكثر الأمر، واستعمالهم إياها استعمال الأسماء، كما تقول في "الأجْرع، والأبْطح، والأبْرق": إنها الآن أسماء؛ لأنهم قد استعملوها استعمال الأسماء، وإن كانت في الأصل صفات، ألا تراهم قالوا: "أبرق وأبارق، وأجرع وأجارع" فصرفوا "أبرقا وأجرعا" وجمعوهما3 على مثال: "أحمد وأحامد" وأبدلوا اللام في "فُعْلَى" كما أبدلوها في "فَعْلَى" لضرب من التعادل وكانت الأسماء أحمل لهذا4 من الصفات لخفة الأسماء.
ألا ترى أنهم قالوا: "شَرْبَة وشَرَبات" فحركوا العين؛ وقالوا: "صَعْبَة وصَعْبات" فأسكنوها؛ لأن الفعل لا يحتمل التغيير من هذا الوجه؟
فأما "القُصْوى" فشاذ5.
"إجراء "فعلى" من الياء اسما وصفة على الأصل":
قال أبو عثمان: وتجري "فُعْلُى" من هذا6 الباب من الياء على الأصل7 اسما وصفة، كما جرت "فَعْلَى" من الواو على الأصل اسما وصفة.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ص، هامش ظ: قالوا، وفي ظ، ش: جاء.
2 ظ، ش: كانت.
3 ظ: جمعوها.
4 ظن ش: لها.
5 أمام آخر قولة أبي الفتح، في كعب ع ورأسه كلام لا قيمة له فأهملناه.
6 ظ، ش: ذا.
7 على الأصل: ساقط من ظ، ش، ع.

 

ج / 2 ص -162-        قال أبو الفتح: قوله: "من ذا الباب" يريد به1 من باب ما لامه معتلة يقول: فكما قلت في الاسم: "عَدْوى"، وفي الصفة: "شَهْوَى" فأجريتهما2 على الأصل في الاسم, والصفة من باب "فَعْلَى"3 كذلك تجري "فُعْلَى" من الياء على الأصل اسما وصفة؛ لأن "فُعْلَى"3 في هذه الجهة نظيرة "فَعْلَى" في تلك الجهة4.
فإذا كانوا قد5 قلبوا الواو إلى الياء في "الدنيا، والعليا"، فهم بأن يقروها فيما هي فيه أصل، أجدر.
هذا مع أن القياس ألا يقلب الأخف إلى الأثقل؛ فإذا جاء الشيء على ما ينبغي فلا مسألة فيه، ولا اعتراض عليه.
"مجيء "فعل" صفة على الأصل":
قال أبو عثمان: فإذا قلت: "فُعْلَى" من هذا صفة6 جرت على الأصل، وإن جاء "القصوى".
قال أبو الفتح: قوله: "وإن جاء القصوى" يقول: لا تنكر أن تأتي "فُعْلَى" اسما أيضا7 على الأصل، فإنها8 شاذة، وأصلها أيضا: الوصف9؛ فيجوز أن تكون خرجت على الأصل8؛ لأنها في الأصل صفة، فجعل ذلك تنبيها على أنها في الأصل صفة.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 به: ساقط من ظ، ش، ع.
2 ظ، ش، ع: وأجريتهما.
3، 3 ساقط من ظ، ش.
4 زادت ظ، ش في هذا الموضع بين "الجهة" و"فإذا كانوا" ما يأتي: "لأن فعلى من هذه الجهة: شهوي، فأجريتهما على الأصل اسما وصفة؛ لأن فعلى في هذه الجهة نظيرة فعلى في تلك الجهة" غير أن ش رجته؛ لأن بعضه مكرر، وهو مضطرب ولا معنى له ولا محل هنا.
5 قد: ساقط من ظ، ش.
6 صفة: ساقط من ع.
7 أيضا: ساقط من ظ، ش.
8، 8 ساقط من ظ، ش.
9 الوصف: ساقط من ع.

 

ج / 2 ص -163-        وجرت "فُعْلَى" من هذا على الأصل إذ1 كانت صفة كما جرت "خَزْيا، وصَدْيا" على الأصل.
فأما قولهم في الاسم العلم: "حُزْوَى" فنظير: "مَكْوَزَة، ومَحْبَب" لأن الأعلام كثيرا ما تخرج على الأصل. وقالوا: "خُذِ الحلوى وأعطه المُرّي"، فيجوز أن يكون صفة أقيمت مقام الموصوف؛ لأنهم يريدون: الحَلاوة2 والمرارة؛ فمعنى الفعل فيهما3.
""فعلى" من هذا على الأصل":
قال أبو عثمان: "وأما "فِعْلَى" من هذا فهي على الأصل ما لم نعلم أنهم غيروه، وهذا الباب حكاية عن العرب وهو طريف فافهمه!
قال أبو الفتح: اعلم أن ما جاء من هذا على أصله فلا كلام فيه؛ وإنما سبيل ما خرج عن أصله أن ينظر إلى علته: ما هي؟ وقوله: "إن هذا الباب حكاية عن العرب4، وهو طريف" يدلك على أنه ليس5 له6 عنده علة قوية توجب التغيير أكثر مما ذكرته لك!

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ظ، ش: إذا.
2 ظ: الحرارة.
3 ص، ظ: فيها.
4 عن العرب: ساقط من ظ.
5 ظ، ش: ليست.
6 له: ساقط من ظ، ش.