أوضح المسالك إلى ألفية ابن مالك ج / 3 ص -317-
[باب عطف النسق]
هذا باب عطف
النسق1:
[تعريف عطف
النسق]:
وهو "تابع يتوسط بينه وبين متبوعه أحد الأحرف الآتي
ذكرها"2.
[نوعا أحرف
العطف]:
وهي نوعان: ما يقتضي التشريك في اللفظ والمعنى3؛ إما
مطلقا؛ وهو الواو
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 النسق، بالفتح: اسم مصدر، يقال: كلام نسق إذا جاء على
نظام واحد.
أما النسق: بفتح النون وسكون السين؛ فهو مصدر قولك: "نسقت
الكلام" إذا عطفت بعضه على بعض، ولم يقل أحد من النحاة إلا
بفتح النون والسين وكأنهم أخذوه من قولهم: "كلام نسق"؛ أي:
على نظام واحد، والنظام الواحد؛ هو علامات الإعراب التي
يشترك فيها المعطوف والمعطوف عليه؛ ولهذا، المعنى سماه
سيبويه: "باب الشركة".
التصريح، وحاشية يس: 2/ 134.
2 أخرج المصنف بقوله: "يتوسط" التوابع كلها ما عدا عطف
النسق؛ بالقيد بالحروف المخصوصة ما بعد "أي" التفسيرية؛
فإنه عطف بيان، وهذا مذهب البصريين، وليس في العربية
-عندهم- عطف بيان يتوسط بينه وبين متبوعه حرف إلا نحو
"لقيت الغضنفر أي الأسد"؛ وقد ذهب الكوفيون: إلى أن "أي"
حرف عطف كسائر الحروف؛ فمدخولها -عندهم- عطف نسق.
التصريح: 2/ 134.
3 أما في اللفظ فبوجوه الإعراب. وأما في المعنى؛ فباحتمال
كل من المتعاطفين للمعنى المراد.
ج / 3 ص -318-
والفاء و"ثم" و"حتى"1؛ وإما مقيدا؛ وهو
"أو" و"أم"2؛ فشرطهما: أن لا يقتضيا إضرابا3، وما يقتضي
التشريك في اللفظ دون المعنى؛ إما لكونه يثبت لما بعده ما
انتفى عما قبله؛ وهو "بل" عند الجميع، و"لكن" عند سيبويه
وموافقيه4؛ وإما لكونه بالعكس؛ وهو "لا" عند الجميع،
و"ليس" عند البغداديين؛ كقوله5: [الرمل]
412- إنما يجزي الفتى ليس الجمل6
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 خالف في "حتى" الكوفيون؛ فعندهم لا تكون حرف عطف؛ بل هي
حرف ابتداء دائما، ويقدرون عاملا لما بعدها، تتم به
الجملة؛ ففي مثل: قدم الحجاج حتى المشاة، يقدرون: حتى قدم
المشاة.
التصريح: 2/ 134، ورصف المباني: 180، والجنى الداني: 542.
2 ذهب أبو عبيدة إلى أن "أم" حرف استفهام؛ كالهمزة، فإذا
قلت: أقادم أبوك أم أخوك"؛ فأخوك -عنده- ليس معطوفا على
السابق؛ بل هو مبتدأ، وخبره محذوف. وتقدير الكلام -عنده-
أقادم أبوك أم أخوك قادم، وتقدر في النصب والجر عاملا
مناسبا.
مغني اللبيب: 66، والجنى الداني: 204، ورصف المباني: 93.
3 فإن اقتضيا إضرابا؛ كانا مشركين في اللفظ فقط؛ مثل:
"بل".
4 ذهب يونس بن حبيب؛ إلى أن "لكن": حرف استدراك، ولا تكون
حرف عطف؛ وتأتي الواو قبلها عند إرادة العطف؛ فتكون هذه
الواو عاطفة لمفرد على مفرد. وإلى هذا، ذهب ابن مالك؛ في
التسهيل. واختلف القائلون بأنها حرف عطف؛ فذهب الفارسي
وأكثر النحويين: إلى جواز ذلك بشرط؛ ألا تقدمها الواو. وما
ذهب إليه ابن عصفور من أنها عاطفة لا تستعمل إلى بالواو
الزائدة قبلها لزوما؛ وزعم أن كلام سيبويه والأخفش محمول
عليه؛ وذهب ابن كيسان إلى أنها عاطفة تقدمتها الواو أم لم
تتقدمها.
مغني اللبيب: 386، والتصريح: 2/ 135، الجنى الداني: 586،
رصف المباني: 474.
5 القائل: هو لبيد بن ربيعة العامري، وقد مرت ترجمته.
6 تخريج الشاهد: هذا عجز بيت، وصدره قوله:
وإذا أقرضت قرضا فاجزه
وهو من شواهد: التصريح: 1/ 191، 2/ 135، وسيبويه: 1/ 370،
والمقتضب: =
ج / 3 ص -319-
[أحكام الواو]:
فصل: أما الواو فلمطلق الجمع1؛ فتعطف متأخرا في الحكم؛
نحو:
{وَلَقَدْ
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
= 4/ 410، ودلائل الإعجاز: 299، والخزانة: 4/ 68، 477،
والعيني: 4/ 176، ومجالس ثعلب: 515، وديوان لبيد: 179.
المفردات الغريبة: أقرضت قرضا: أعطيت شيئا من المال على
سبيل القرض لتؤديه بعد، والمراد: إذا قدمت إليك معونة ما،
أو صنع معك معروف؛ فاجزه: كافئ صاحبه. الفتى: الإنسان.
الجمل: الحيوان المعروف، وقد يراد بالفتى الشاب الذي في
طراوة الشباب، وبالجمل: الرجل الذي تقدمت به السن. المعنى
إذا أسدى إليك أحد يدا، أو صنع معك معروفا، فكافئه بمثله،
أو بخير منه، فإن هذا شأن الشاب القادر الخير؛ أما من كان
كالجمل في اللؤم والخداع، أو من ضعف وقعدت به السن، فلا
يجازي على المعروف إلا مضطرا.
الإعراب: إذا ظرف لما يستقبل من الزمان، خافض لشرطه، منصوب
بجوابه، مبني على السكون في محل نصب على الظرفية الزمانية.
أقرضت: فعل ماضٍ مبني للمجهول، مبني على السكون؛ لاتصاله
بضمير رفع متحرك، والتاء: ضمير متصل مبني على الفتح، في
محل رفع نائب فاعل. قرضا: مفعولا مطلق منصوب، وعلامة نصبه
الفتحة الظاهرة؛ وجملة "أقرضت قرضا": في محل جر بالإضافة
بعد إذا. فاجزه: الفاء واقعة في جواب الشرط غير الجازم،
اجز: فعل أمر مبني على حذف الياء، والفاعل: ضمير مستتر
وجوبا؛ تقديره: أنت؛ والهاء: ضمير متصل مبني على الكسر، في
محل نصب مفعولا به؛ وجملة "اجزه": جواب شرط غير جازم، لا
محل لها. إنما: أداة حصر، لا محل لها. يجزي: فعل مضارع
مرفوع، وعلامة رفعه الضمة المقدرة على الياء للثقل. الفتى:
فاعل مرفوع، وعلامة رفعه الضمة المقدرة على الألف للتعذر.
ليس: حرف عطف بمعنى "لا" على مذهب البغداديين. الجمل: اسم
معطوف على الفتى مرفوع مثله، وعلامة رفعه الضمة، وسكن
لضرورة الروي.
موطن الشاهد: "ليس الجمل".
وجه الاستشهاد: استعمال "ليس" حرف عطف بمعنى "لا"؛ لتنفي
صنع الخبر الذي ثبت لما قبلها؛ وهذا على رأي البغداديين،
تبعا لابن عصفور؛ ونقله أبو جعفر النحاس، وابن بابشاذ عن
الكوفيين، وجرى عليه الناظم في التسهيل. ويخرج المانعون
الشاهد كما يلي: ليس: فعل ماضٍ ناقص، والجمل: اسمها،
وخبرها: محذوف؛ والتقدير: ليس الجمل جازيا. انظر شرح
التصريح: 2/ 135.
1 أي: الاجتماع والاشتراك بين المتعاطفين في المعنى
والحكم، من غير دلالة على مصاحبة، أو ترتيب زمني، أو مهلة،
أو نحو ذلك.
وقد خالف في ذلك بعض الكوفيين وقطرب وثعلب والربعي والفراء
والكسائي وابن =
ج / 3 ص -320-
أَرْسَلْنَا نُوحًا
وَإِبْرَاهِيمَ}1، ومتقدما؛ نحو:
{كَذَلِكَ يُوحِي إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ}2، ومصاحبا؛ نحو:
{فَأَنْجَيْنَاهُ وَأَصْحَابَ السَّفِينَةِ}3.
[ما تنفرد به
الواو]
وتنفرد الواو4 بأنها تعطف اسما على اسم لا يكتفي الكلام به
كـ"اختصم
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
= درستويه؛ فذهبوا جميا إلى أنها تفيد الترتيب؛ والتعبير
بمطلق الجمع مساوٍ للتعبير بالجمع المطلق من حيث المعنى.
التصريح: 2/ 135.
1 57 سورة الحديد، الآية: 26.
موطن الشاهد:
{نُوحًا وَإِبْرَاهِيمَ}.
وجه الاستشهاد: مجيء الواو حرف عطف لمطلق الجمع، عطف
المتأخر في الحكم "إبراهيم" على "نوحا" المتقدم.
2 42 سورة الشورى، الآية: 3.
موطن الشاهد:
{إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ
مِنْ قَبْلِكَ}.
وجه الاستشهاد: مجيء الواو حرف عطف لمطلق الجمع، عطف متقدم
في الحكم على متأخر؛ لأن "الذين" معطوف على "الكاف" في
إليك مع إعادة الجار.
3 29 سورة العنكبوت، الآية: 15.
موطن الشاهد:
{فَأَنْجَيْنَاهُ وَأَصْحَابَ}.
وجه الاستشهاد: مجيء الواو حرف عطف لمطلق الجمع، عطف أصحاب
السفينة على الهاء عطف مصاحب، والسفينة: مضاف إليه.
4 أي: من بين سائر حروف العطف؛ ومن المواضع التي انفردت
بها الواو:
أ- عطف سببي على أجنبي -في باب الاشتغال-؛ نحو قولك: زيد
ضربت عمرا وأخاه.
ب- عطف المرادف على مرادفه؛ نحو قوله تعالى:
{شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا}.
ج- عطف عامل قد حذف وبقي معموله، نحو قوله تعالى:
{وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ}.
د- جواز الفصل بين المتعاطفين بها بالظرف أو "الجار
والمجرور"؛ نحو قوله تعالى:
{وَجَعَلْنَا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا
وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا}.
هـ- جواز العطف بها على الجواز في الجر خاصة؛ نحو قوله
تعالى:
{وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ} في قراءة جر "الأرجل". =
ج / 3 ص -321-
..................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
= و- جواز حذفه عند أمن اللبس؛ نحو قول الشاعر:
كيف أصبحت كيف أمسيت مما
يغرس الود في فؤاد الكريم
ز- وقوع "لا" بينها وبين المعطوف بها؛ وذلك إذا عطفت مفردا
على مفرد، بعد النهي والنفي، أو ما هو في تأويل النفي؛
فالأول؛ كقوله تعالى:
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا
تُحِلُّوا شَعَائِرَ اللَّهِ وَلا الشَّهْرَ الْحَرَامَ
وَلا الْهَدْيَ وَلا الْقَلائِدَ}، والثاني: كقوله تعالى:
{فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا
جِدَالَ فِي الْحَجِّ}، والثالث: كقوله جل جلاله:
{غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ}.
ح- وقوع "إما" بينها وبين معطوفها، إذا عطفت مفردا على
مفرد، ويغلب أن تكون مسبوقة بـ"إما" أخرى -نحو قوله-
تباركت أسماؤه:
{إِمَّا الْعَذَابَ وَإِمَّا السَّاعَةَ}؛ ونحو قوله تعالى:
{إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا
كَفُورًا}.
ط- عطف "لفظ العقد" على "النيف"؛ نحو قولك: أعطيته ثلاثة
وعشرين قلما.
ي- عطف النعوت المتفرقة، نحو قول الشاعر:
بكيت وما بكا رجل حزين
على ربعين مسلوب وبال
ك- عطف ما كان حقه أن يثنى أو يجمع؛ فالأول، كقول الفرزدق:
إن الرزية لا رزية بعدها
فقدان مثل محمد ومحمد
فمن حقه أن يقول: فقدان مثل المحمدين -بالتثنية- ولكنه عطف
أحدهما على الآخر. ومثال الثاني؛ كقول أبي نواس:
أقمنا بها يوما ويوما وثالثا
ويوما له يوم الترحل خامس
فالأصل أن يقول: أقمنا بها ثمانية أيام.
ل- عطف العام على الخاص؛ كقوله تعالى:
{رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِمَنْ دَخَلَ
بَيْتِيَ مُؤْمِنًا وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ} فـ"المؤمنين" و"المؤمنات" أعم
ممن دخل بيته مؤمنا.
وأما عطف الخاص على العام؛ أن يكون بالواو، كما في قوله
تعالى:
{حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطَى}، ويجوز أن يكون بـ"حتى"؛ نحو قولك: مات الناس حتى الأنبياء.
م- امتناع الحكاية مع وجودها: فإن قيل: رأيت زيدا؛ جاز في
الإجابة القول: من زيدا؟ بالحكاية من غير الواو؛ فإذا جئت
بالواو؛ لم تجز الحكاية، ووجب أن ترفع زيدا، فتقول: ومن
زيد؟ وفي هذا الموضع نقد؛ حاصله: أن الفاء، تشارك الواو
فيه.
ن- العطف في بابي "التحذير والإغراء"؛ نحو قوله تعالى:
{نَاقَةَ اللَّهِ وَسُقْيَاهَا}.
=
ج / 3 ص -322-
زيد وعمرو" و"تضارب زيد وعمرو" و"اصطف زيد
وعمرو" و"جلست بين زيد وعمرو"، إذ الاختصام والتضارب
والاصطفاف والبينية من المعاني النسبية التي لا تقوم إلا
باثنين فصاعدا، ومن هنا قال الأصمعي1: الصواب أن يقال2:
[الطويل]
413- بين الدخول وحومل3
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
= س- عطف "أي" على مثلها؛ نحو قول الشاعر:
فلئن لقيتك خاليين لتعلمن
أيي وأيك فارس الأحزاب
انظر التصريح: 2/ 135-138.
1 مرت ترجمته.
2 القائل: هو امرؤ القيس بن حجر الكندي، وقد مرت ترجمته.
3 تخريج الشاهد: هذا جزء من مطلع معلقة امرئ القيس، وهو
بتمامه:
قفا نبك من ذكرى حبيب ومنزل
بسقط اللوى بين الدخول فحومل
وهو من شواهد: التصريح: 2/ 136، والأشموني: 813/ 2/ 417،
ومجالس ثعلب: 127، ومجالسي العلماء للزجاجي: 273، والمنصف:
1/ 224، والمحتسب: 2/ 49، ودلائل الإعجاز: 265، وأمالي ابن
الشجري: 2/ 39، والإنصاف: 656، وشرح المفصل: 4/ 15، 9/ 33،
78، 10/ 21، والخزانة: 4/ 379، وشرح شواهد الشافية: 242،
والهمع: 2/ 129، والدرر: 2/ 166، وسيبويه: 2/ 298،
والمغني: 291/ 214، 661/ 466، والسيوطي: 158.
المفردات الغريبة: قفا: فعل أمر من الوقوف، والألف فيه
للاثنين؛ وقيل: منقلبة عن نون التوكيد الخفيفة، والمخاطب
واحد، وعوملت الكلمة في الوصل؛ كما تعامل في الوقف. ذكرى:
مصدر بمعنى التذكر. سقط اللوى: السقط -بتثليث السين وسكون
القاف: منقطع الرمل حيث يستدق طرفه. واللوى: رمل يتلوى
وينحني. الدخول: اسم موضع، وكذلك: حومل.
المعنى: قفا يا صاحبي وشاركاني في البكاء وإرسال الدموع،
من أجل تذكر حبيب، كان يقيم هنا، ومنزل كان عامرا به بين
هذين الموضعين.
الإعراب: قفا: فعل أمر مبني على حذف النون؛ لاتصاله بألف
الاثنين، والألف ضمير متصل في محل رفع فاعل. نبك: فعل
مضارع مجزوم؛ لوقوعه في جواب الطلب، وعلامة جزمه حذف
الياء، والفاعل ضمير مستتر وجوبا؛ تقديره: نحن. "من ذكرى":
متعلق بـ"نبك"، وذكرى مضاف. حبيب: مضاف إليه مجرور. ومنزل:
الواو حرف عطف، منزل: اسم معطوف على حبيب. "بسقط": متعلق
بمحذوف صفة لـ"منزل"، وسقط مضاف. اللوى: مضاف إليه مجرور
وعلامة جره الكسرة المقدرة =
ج / 3 ص -323-
بالواو1؛ وجحة الجماعة أن التقدير: بين
أماكن الدخول فأماكن حومل2؛ فهو بمنزلة "اختصم الزيدون
فالعمرون"3.
[الفاء
ومعناها]:
وأما الفاء فللترتيب4 والتعقيب5، نحو:
{أَمَاتَهُ فَأَقْبَرَهُ}6، وكثيرا ما
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
= على الألف؛ للتعذر. "بين": متعلق بمحذوف صفة ثانية
لـ"منزل". الدخول: مضاف إليه مجرور. فحومل: الفاء حرف عطف،
حومل: اسم معطوف على الدخول مجرور وعلامة جره الكسرة
الظاهرة على آخره.
موطن الشاهد: "بين الدخول فحومل".
وجه الاستشهاد: معلوم أن بين لا تضاف إلا إلى متعدد سواء
أكان التعدد بسبب التثنية، أم الجمع أم العطف؛ ومعلوم أن
الفاء العاطفة تدل على الترتيب من غير مهلة؛ فالبينية غير
متحققة -هنا- وإنما تتحقق بالعطف بالواو التي تدل على
اشتراك العاطف والمعطوف معا دفعة واحدة في مدلول العامل؛
ولهذا، خطأ الأصمعي امرأ القيس، وعُني العلماء بتصحيح
عبارته كما بين المصنف.
1 لأن البينية، لا يتحقق معناها بواحد، ولا يعطف فيها
بالفاء؛ لأن الفاء تدل على الترتيب.
2 أي: أن كلمتي "الدخول" و"حومل" -هنا- لا يراد بهما جزئي
مشخص، وإنما يراد بهما أجزاء هذين المكانين؛ وهنالك مضاف
محذوف، يفيد هذا التعدد مثل: أماكن، أو مواضع، أو أجزاء
الدخول وحومل. وقد قدر يعقوب: بين أهل الدخول فحومل...
إلخ. انظرالتصريح: 2/ 136.
3 يقال هذا؛ إذا كان كل فرد، من كل فريق خصما لمن هو من
فريقه؛ فيكون اختصام العمرين بعضهم مع بعض، عقب اختصام
الزيدين؛ بعضهم مع بعض. ضياء السالك: 3/ 167-168.
4 بنوعيه: المعنوي، والذكري؛ والمعنوي: أن يكون زمن تحقق
المعنى في المعطوف متأخرا عنه في المعطوف عليه؛ نحو: من
الخير الإنصات؛ فالسماع؛ فمحاولة الفهم. وأما الترتيب
الذكري؛ فهو: وقوع المعطوف بعد المعطوف عليه بحسب التحدث
عنهما لا بحسب زمان وقوع المعنى على أحدهما؛ نحو: حدثنا
المعلم عن أبي بكر، فعثمان، فعمر.
مغني اللبيب: 213، والتصريح: 2/ 138.
5 هو اتصال المعطوف بالمعطوف عليه بلا مهلة وقصر المدة
التي بين وقوع المعنى عليهما، والتعقيب في كل شيء بحسبه.
6 80 سورة عبس، الآية: 21. =
ج / 3 ص -324-
تقتضي أيضا التسبب1 إن كان المعطوف جملة؛
نحو:
{فَوَكَزَهُ مُوسَى فَقَضَى عَلَيْهِ}2، واعترض على الأول بقوله تعالى:
{أَهْلَكْنَاهَا فَجَاءَهَا بَأْسُنَا}3؛ ونحو: "توضأ فغسل وجهه ويديه" الحديث4؛ والجواب: أن المعنى أردنا
إهلاكها، وأراد الوضوء، وعلى الثاني بقوله تعالى:
{فَجَعَلَهُ غُثَاءً}5،
والجواب: أن التقدير:
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
= موطن الشاهد:
{أَمَاتَهُ فَأَقْبَرَهُ}.
وجه الاستشهاد: مجيء الفاء حرف عطف مفيدا الترتيب
والتعقيب؛ لأن دفن الإنسان في القبر، يعقب موته عادة.
1 أي الدلالة على السببية؛ بأن يكون المعطوف متسببا عن
المعطوف عليه؛ ولكنها لا تسمى فاء السببية إلا إذا دخلت
على مضارع منصوب بأن المصدرية المضمرة.
2 28 سورة القصص، الآية: 15.
موطن الشاهد:
{فَوَكَزَهُ مُوسَى فَقَضَى
عَلَيْهِ}.
وجه الاستشهاد: وقوع الفاء حرف عطف يفيد التعقيب والترتيب
ومقتضيا التسبب؛ لأن جملة
{قَضَى عَلَيْهِ} متسببة عن الجملة الأولى:
{وَكَزَهُ مُوسَى}؛ فالمعطوف عليه سبب في حصول المعطوف.
3 7 سورة الأعراف، الآية: 4.
موطن الشاهد:
{أَهْلَكْنَاهَا فَجَاءَهَا
بَأْسُنَا}.
وجه الاستشهاد: اعترض الفراء على كون الفاء للترتيب
المعنوي بهذه الآية؛ لأن الهلاك متأخر عن مجيء الباس في
المعنى، وهو متقدم في التلاوة، وذلك ينافي الترتيب الذي في
الفاء، ورد عليه بما جاء في المتن؛ أو بأن الفاء للترتيب
الذكري لا المعنوي.
4 حديث شريف.
موطن الشاهد: "توضأ فغسل وجهه ويديه".
وجه الاستشهاد: اعترض بهذا الحديث على كون الفاء للترتيب
المعنوي كما في الآية الكريمة السابقة، ورد على هذا
الاعتراض، بأحد وجهين؛ الأول: أن المعنى: على إضمار
الإرادة؛ والتقدير: أراد الوضوء؛ فغسل وجهه وغسل الأعضاء
الأربعة مترتب على إرادة الوضوء.
والثاني: أن الفاء للترتيب الذكري لا المعنوي. انظر شرح
التصريح: 2/ 139.
5 87 سورة الأعلى، الآية: 5.
موطن الشاهد:
{فَجَعَلَهُ غُثَاءً أَحْوَى}.
وجه الاستشهاد: اعترض بهذه الآية على كون الفاء للتعقيب،
في قوله تعالى:
{الَّذِي أَخْرَجَ الْمَرْعَى فَجَعَلَهُ غُثَاءً أَحْوَى}؛ لأن إخراج المرعى، لا يعقبه جعله غثاء =
ج / 3 ص -325-
فمضت مدة فجعله غثاء1، أو بأن الفاء نابت
عن ثم كما جاء عكسه وسيأتي.
[ما تختص به
الفاء]:
وتختص الفاء بأنها تعطف على الصلة ما لا يصح كونه صلة
لخلوه من العائد2؛ نحو: "اللذان يقومان فيغضب زيد أخواك"3؛
وعكسه؛ نحو: "الذي يقوم أخواك فيغضب هو زيد"، ومثل ذلك
جارٍ في الخبر والصفة والحال4؛ نحو:
{أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً
فَتُصْبِحُ الْأَرْضُ مُخْضَرَّةً}5؛
وقوله6: [الطويل]
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
= أحوى؛ أي: يابسا أسود؛ ورد على هذا الاعتراض بأن جملة
"جعله..." معطوفة على جملة محذوفة؛ والتقدير: فمضت مدة
فجعله غثاء، أو: بأن الفاء نابت عن "ثم"؛ والمعنى: "ثم
جعله غثاء". انظر التصريح: 2/ 139.
1 فيكون المعطوف عليه محذوفا. وقد قيل: إن هذا لا يدفع
الاعتراض؛ لأن مضي المدة، لا يعقب الإخراج. وأجيب بأنه
يكفي أن يكون أول أجزاء المضي متعقبا للإخراج، وإن لم يحصل
بتمامه إلا في زمن طويل؛ نحو قوله تعالى:
{أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ
مَاءً فَتُصْبِحُ الْأَرْضُ مُخْضَرَّةً}؛ فإن اخضرار الأرض يبتدئ بعد
نزول المطر، لكن يتم في مدة ومهلة.
2 وذلك؛ لأن ما فيها من معنى السببية؛ التي تجعل ما قبلها
وما بعدها في حكم جملة واحدة يغني عن الرابط.
3 "اللذان": مبتدأ. "يقومان": الجملة صلة "فيغضب زيد"
الجملة معطوف بالفاء على جملة يقومان الواقعة صلة؛ وكان
القياس عدم صحة العطف؛ لخلوها من ضمير يعود إلى الموصول؛
لأنها رفعت الظاهر، وهو "زيد" ولكن عطفها بالفاء سوغ ذلك؛
لما في الفاء من معنى السبب "أخوك" خبر المبتدأ.
4 أي: تعطف جملة تصلح لتلك الأشياء، على جملة لا تصلح.
5 22 سورة الحج، الآية: 63.
موطن الشاهد:
{فَتُصْبِحُ الْأَرْضُ
مُخْضَرَّةً}.
وجه الاستشهاد: عطف جملة "فتصبح" على جملة "أنزل" الواقعة
خبرا لـ"أن"، وكان القياس أن لا يصح العطف؛ لخلوها من ضمير
يعود على اسم "أن"؛ لأن الجملة المعطوفة على الخبر خبر؛
ولكنها لما قرنت بالفاء ساغ ذلك.
التصريح: 2/ 139.
6 القائل: هو غيلان بن عقبة، المعروف بذي الرمة. وقد مرت
ترجمته.
ج / 3 ص -326-
414- وإنسان عيني يحسر الماء تارة
فيبدو1.........
[ثم ومعناها]:
وأما "ثم" فللترتيب والتراخي2، نحو:
{فَأَقْبَرَهُ ثُمَّ إِذَا شَاءَ أَنْشَرَهُ}3، وقد
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 تخريج الشاهد: البيت بتمامه:
وإنسان عيني يحسر الماء تارة
فيبدو وتارات يجم فيغرق
وهو من شواهد: التصريح: 2/ 139، والأشموني: 537/ 2/ 288،
والعيني: 1/ 578، 4/ 178، ومجالس ثعلب: 612، والمحتسب: 1/
150، والمقرب: 13، والهمع: 1/ 89، والدرر: 1/ 74، وديوان
ذي الرمة: 395.
المفردات الغريبة: إنسان عيني: هو النقطة السوداء اللامعة
وسط سواد العين. يحسر: ينكشف وينزاح. فيبدو: فيظهر. يجم:
يكثر.
المعنى: أن إنسان العين ينكشف عنه الماء ويزول أحيانا،
فيظهر الإنسان للرائي وأحيانا يكثر الماء في العين فيغرق
إنسانها ويستتر، ولا يرى.
الإعراب: إنسان: مبتدأ مرفوع، وهو مضاف. عيني: مضاف إليه،
وهو مضاف، والياء في محل جر بالإضافة. يحسر: فعل مضارع
مرفوع. الماء: فاعل مرفوع.
تارة: مفعول مطلق منصوب. فيبدو: الفاء عاطفة، يبدو: فعل
مضارع مرفوع وعلامة رفعه الضمة المقدرة على الواو للثقل،
والفاعل ضمير مستتر جوازا تقديره هو. وتارات: الواو عاطفة،
تارات: اسم معطوف على تارة منصوب وعلام نصبه الكسرة لأنه
جمع مؤنث سالم. يجم: فعل مضارع مرفوع، والفاعل ضمير مستتر
جوازا؛ تقديره: هو يعود إلى الماء. فيغرق: الفاء عاطفة،
يغرق: فعل مضارع مرفوع، والفاعل ضمير مستتر جوازا؛ تقديره:
هو يعود إلى إنسان عيني.
موطن الشاهد: "فيبدو".
وجه الاستشهاد: عطف جملة "يبدو" التي تصلح لأن تكون خبرا
عن المبتدأ "إنسان"؛ لاشتمالها على ضمير يعود إليه على
جملة لا تصلح لذلك لخلوها من ذلك الضمير؛ وهي جملة: "يحسر
الماء".
2 التراضي هو "انقضاء مدة زمنية بين وقوع المعنى على
المعطوف عليه، ووقوعه على المعطوف وتحديد هذه المدة متروك
للعرف. و"ثم" تعطف المفردات والجمل، وقد تدخل عليها تاء
التأنيث لتأنيث اللفظ. فتخص بعطف الجمل؛ نحو: من ظفر
بمطلوبه ثمت أهمل في الحفاظ عليه فلا يلومن إلا نفسه.
وتكتب بتاء غير مربوطة. مغني اللبيب: 160، والتصريح: 2/
140، والجنى الداني: 426.
3 80 سورة عبس، الآية: 21، 22. =
ج / 3 ص -327-
توضع موضع الفاء؛ كقوله1: [المتقارب]
415- جرى في الأنابيب ثم اضطرب2
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
= موطن الشاهد:
{فَأَقْبَرَهُ ثُمَّ إِذَا شَاءَ
أَنْشَرَهُ}.
وجه الاستشهاد: مجيء "ثم" حرف عطف يفيد الترتيب والتراخي؛
لأن نشر الموتى يوم القيامة؛ وبين دفن الإنسان وبين نشره
مدة طويلة لا يعلمها إلا الله.
القائل هو: أبو دؤاد الإيادي، واسمه حارثة بن الحجاج؛ وقد
مرت ترجمته.
1 تخريج الشاهد: هذا عجز بيت، وصدره قوله:
كهز الرديني تحت العجاج
والبيت من قصيدة يصف فيها فرسه، وينشد قبله قوله:
إذا قيد قحم من قاده
وولت علابيبه واجلعب
والشاهد من شواهد: التصريح: 2/ 140، والأشموني: 814/ 2/ 417،
والمغني: 186/ 160، والسيوطي: 124، ومعاني ابن قتيبة: 1/
58، والعيني: 4/ 131، والهمع: 2/ 131، والدرر: 2/ 174،
وديوان أبي دؤاد الإيادي: 292.
المفردات الغريبة: الرديني: الرمح المنسوب إلى ردينة؛ وهي
امرأة اشتهرت بصنع الرماح بهجر. العجاج: الغبار، والمراد:
ما تثيره أقدام المتحاربين أو خيولهم. الأنابيب: جمع
أنبوب؛ وهو ما بين كل عقدتين من القصب.
المعنى: أن اهتزاز هذا الفرس وسرعة عدوه ذهابا وجيئة في
أثناء القتال، يشبه اهتزاز الرمح واضطرابه، في سرعة وخفة،
في كل ناحية تحت غبار المعركة.
الإعراب: "كهز": متعلق بخبر لمبتدأ محذوف؛ وبعضهم علقه
بمحذوف واقع صفة لمفعول مطلق محذوف عامله "اجعلب" في بيت
"سابق، وهو مضاف. الرديني: مضاف إليه من إضافة المصدر إلى
مفعوله. "تحت": منصوب متعلق بـ"هز"، وهو مضاف. العجاج:
مضاف إليه مجرور. جرى: فعل ماضٍ مبني على الفتحة المقدرة
على الألف للتعذر؛ والفاعل ضمير مستتر جوازا؛ تقديره: هو.
"في الأنابيب": متعلق بـ"جرى". ثم: حرف عطف. اضطرب: فعل
ماضٍ مبني على الفتح، وسكن لضرورة الروي.
موطن الشاهد: "ثم اضطرب".
وجه الاستشهاد: مجيء ثم -هنا- بمعنى الفاء؛ لأن اضطراب
الرمح يحدث عقب اهتزاز أنابيبه مباشرة، في لحظات من غير
مهلة. وفي معنى الفاء وثم، يقول ابن مالك:
والفاء للترتيب باتصال
وثم للترتيب بانفصال
=
ج / 3 ص -328-
[حتى وشروطها]:
وأما "حتى" فالعطف بها قليل؛ والكوفيون
ينكرونه1، وشروطه أربعة أمور: أحدها: كون المعطوف اسما2.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
= ومعنى باتصال؛ أي: من غير مهلة زمنية؛ وهو ما عبر عنه
بالتعقيب.
ومعنى بانفصال؛ أي: بمهلة زمنية، وهي ما عبر عنها
بالتراخي.
فائدة: قد ترد "ثم" للترتيب الذكري الإخباري؛ الذي يقصد به
مجرد الإخبار وسرد المعطوفات من غير ملاحظة ترتيب كلامي
سابق، ولا ترتيب زمني حقيقي؛ كقول الشاعر:
إن من ساد ثم ساد أبوه
ثم قد ساد قبل ذلك جده
انظر ضياء السالك: 3/ 172-173.
توجيهان: أ- قد ترد "ثم" للترتيب الذكري الإخباري؛ أي الذي
يقصد به مجرد الإخبار وسرد المعطوفات من غير ملاحظة ترتيب
كلامي سابق، ولا ترتيب زمني حقيقي؛ كقول الشاعر:
إن من ساد ثم ساد أبوه
ثم قد ساد قبل ذلك جده
الأشموني: 2/ 418.
ب- وقد تدخل همزة الاستفهام على "ثم"، و"الواو"، و"الفاء"،
مثل:
{أَثُمَّ إِذَا مَا وَقَعَ
آمَنْتُمْ بِهِ} {أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا مَا
بِصَاحِبِهِمْ مِنْ جِنَّةٍ}
{أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي
الْأَرْضِ}.
فقيل: إن الهمزة تقدمت على العاطف لأصالتها في التصدير؛
وقيل: إن هذا حروف استئناف داخلة على جمل مستأنف.
1 ويجعلونها ابتدائية في مثل: جاء القوم حتى محمد، وما
بعدها على إضمار عامل. وحتى تفيد ترتيب أجزاء ما قبلها
ذهنا.
مغني اللبيب: 173.
2 هذا مذهب جمهور النحاة، وحجتهم أنها منقولة من "حتى"
الجارة، وحرف الجر لا يدخل إلا على الاسم؛ فبقي لحتى بعد
نقلها ما كان لها قبل النقل. وخالف بذلك ابن السيد، وكأنه
نظر إلى ما طرأ عليها من النقل للعطف، وقاسها على غيرها من
حروف العطف، فإذا قلت: "أكرمت زيدا بكل ما أقدم عليه حتى
جعلت نفسي له حارسا" أو قلت: "بخل علي زيد بكل شيء حتى
منعني دانقا"؛ جاز في هذين المثالين اعتبار حتى عاطفة عند
ابن السيد، والجمهور يمنعون ذلك؛ فالمثالان عندهم إما خطأ،
وإما على تأويل الفعل التالي لحتى بمصدر مجرور بها. هذا
ولا يصح أن يكون المعطوف =
ج / 3 ص -329-
والثاني: كونه ظاهرا1؛ فلا يجوز "قام الناس
حتى أنا" ذكره الخضراوي2.
والثالث: كونه بعضا من المعطوف عليه، إما بالتحقيق3؛ نحو:
"أكلت السمكةَ حتى رأسَها"، أو بالتأويل؛ كقوله4: "الكامل"
416- ألقى الصحيفة كي يخفف رحله
والزاد حتى نعله ألقاها5
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
= بحتى حرفا؛ لأن الحرف لا يدخل على نظيره غالبا إلا في
التوكيد اللفظي أو الضرورة الشعرية، ولا يصح أن يكون جملة.
مغني اللبيب: 172، والتصريح: 2/ 141، ورصف المباني: 180،
والجنى الداني: 542.
1 ذكر ابن هشام أنه لم يقف عليه لغيره، ووجه قول الخضراوي:
أن أصل "حتى": أن تكون جارة، فاستصحبوا بعد نقلها إلى
العطف حالها بعد النقل؛ ولهذا، لا يجوز أن تقول: "حضر
الناس حتى أنا"؛ لأن حتى الجارة لا تجر إلا الأسماء
الظاهرة؛ هذا، وقد حقق الصبان عدم اشتراط ذلك.
مغني اللبيب: 171، وحاشية الصبان: 3/ 67.
2 مرت ترجمته.
3 يعتبر بعضا من المعطوف عليه بالتحقيق ثلاثة أمور هي:
الأول: أن يكون جزءا من كل؛ نحو: أكلت السمكة حتى رأسها.
الثاني: أن يكون فردا من جمع؛ نحو قولهم: قدم الحجاج حتى
المشاة.
الثالث: أن يكون نوعا من جنس؛ نحو: أعجبني التمر حتى
البرين.
التصريح: 2/ 141.
4 القائل: هو أبو مروان النحوي، ولم أعثر له على ترجمة.
تخريج الشاهد: البيت من كلمة يحكي فيها قصة المتلمس،
وفراره من عمرو بن هند، وبعده قوله:
ومضى يظن بريد عمرو خلفه خوفا، وفارق أرضه وقلاها.
والبيت من شواهد: التصريح: 2/ 141، 214، والأشموني: 538/
2/ 289، والمغني: 199/ 167، 203/ 171، 262/ 175، وسيبويه:
1/ 50، والجمل: 81، والعيني: 4/ 134، والهمع: 2/ 24، 136،
والدرر: 2/ 16، 188، وحاشية يس على التصريح: 1/ 302.
المفردات الغريبة: ألقى: رمى إلى الأرض. الصحيفة: ما يكتب
فيه من ورق وغيره. =
ج / 3 ص -330-
.........................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
= رحله، الرحل: ما يستصحبه المرء من المتاع وهو أيضا: ما
يوضع على ظهر الناقلة بمنزلة السرج للفرس. الزاد: كل ما
يستصحبه المسافر ليبلغه مقصده.
المعنى: أن المتلمس رمى بالصحيفة؛ ليخفف ما معه من متاع،
وألقى كذلك ما معه من زاد يتبلغ به، حتى نعله التي يلبسها
رمى بها. وكان من أمر هذه الصحيفة: أنه وطرفة هجيا عمرو بن
هند -الملك-؛ ثم مدحاه بعد ذلك، فكتب لكل منهما صحيفة إلى
عامله بالحيرة وختمهما، وأمره فيهما بقتلهما، وأوهمهما،
بأنه كتب لهما بصلة، فلما بلغا الحيرة، فتح المتلمس
صحيفته، وعلم بما فيها؛ فألقاها في النهر، وفر إلى الشام،
وأبى طرفة أن يفتح صحيفته ودفعها إلى العامل فقتله.
الإعراب: ألقى: فعل ماضٍ مبني على الفتح المقدر على الألف
للتعذر، والفاعل: هو. الصحيفة: مفعول به منصوب. كي: حرف
تعليل. يخفف: فعل مضارع منصوب بـ"أن" المضمرة بعد "كي"؛
والمصدر المؤول من "أن وما بعدها": مجرور بـ"كي"؛ و"الجار
والمجرور": متعلق بـ"ألقى"؛ والتقدير: ألقى الصحيفة؛
لتخفيف رحله؛ وجملة "يخفف رحله": صلة للموصول الحرفي، لا
محل لها. رحله: مفعول به منصوب، وهو مضاف، و"الهاء": في
محل جر بالإضافة. والزاد: الواو عاطفة، الزاد: اسم معطوف
على رحله، منصوب. حتى: حرف عطف، لا محل له من الإعراب.
نعله: مفعول به منصوب لفعل محذوف، يفسره المذكور بعده؛
والهاء: مضاف إليه. وتقدير الكلام: حتى ألقى نعله؛ وعلى
هذا التقدير: "فحتى" عطفت جملة "ألقى فعله" على جملة "ألقى
الصحيفة". ألقاها: فعل ماضٍ، والفاعل: ضمير مستتر جوازا؛
تقديره: هو، و"ها": في محل نصب مفعولا به؛ وجملة "ألقاها":
تفسيرية، لا محل لها؛ ويجوز أن تكون "حتى": حرف عطف بمعنى
الواو، ويكون "نعله" معطوفا على الزاد؛ عطف مفرد على مفرد،
وجملة "ألقاها": توكيد لجملة "ألقى الصحيفة"؛ ويكون ضمير
"ها" البارز في ألقاها عائدا إلى الصحيفة؛ وهذا الوجه
والذي سبقه على رواية النصب في "نعله"؛ وقد وردت بالجر
والرفع؛ وتخريجهما؛ كالآتي: تخرج رواية الجر على أن "حتى"
حرف جر، و"نعله" مجرور بها، ومضاف إليه؛ و"الجار
والمجرور": متعلق بـ"ألقى" السابق؛ وجملة "ألقاها":
توكيدية. وتخرج رواية الرفع في "نعله" على أنها مبتدأ
مرفوع، ومضاف إليه؛ وخبره: جملة "ألقاها"؛ وعليها فـ"حتى"
ليست عاطفة، وإنما هي حرف ابتداء؛ وجملة "نعله ألقاها":
ابتدائية لا محل لها.
موطن الشاهد: "حتى نعله".
وجه الاستشهاد: عطف "نعله" بـ"حتى" على ما قبله؛ لأنه بعض
من المعطوف عليه -بالتأويل- كما بين المصنف؛ ويجوز أن يكون
"نعله" منصوبا بفعل محذوف، يفسره =
ج / 3 ص -331-
فيمن نصب "نعله"، فإن ما قبلها في تأويل
ألقى ما يثقله، أو شبيها بالبعض؛ كقولك: "أعجبتني الجاريةُ
حتى كلامُها"، ويمتنع "حتى ولدُها"1 وضابط ذلك أنه إن حسن
الاستثناء حسن دخول حتى2.
والرابع: كونه غاية في زيادة حسية؛ نحو: "فلان يهب
الأعدادَ الكثيرةَ حتى الألوفَ" أو معنوية؛ نحو: "مات
الناسُ حتى الأنبياءُ، أو الملوكُ"، أو في نقص كذلك؛ نحو"
المؤمن يجزى بالحسناتِ حتى مثقالِ الذرةِ"، ونحو: "غلبك
الناس حتى الصبيان، أو النساء"3.
[أم المتصلة
ومعناها]:
وأما "أم" فضربان: منقطعة وستأتي، ومتصلة: وهي المسبوقة
إما بهمزة
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
= المذكور -كما بينا في الإعراب- وهذا على رواية النصب؛
وعلى روايتي الرفع والجر، أوضحنا تخريجهما بما لا يستلزم
الإعادة؛ والذي يهمنا -هنا- ما الذي سوغ العطف بـ"حتى" على
رواية النصب؟ والجواب هو: لما كان النعل بعض ما يثقله،
ويضعف حركته في الهرب؛ كان من ضمن ما يثقله؛ لأنه يشترط
بالعطف بـ"حتى" أن يكون المعطوف بعض المعطوف عليه.
1 لأن الولد ليس جزءا منها ولا شبيها بالجزء؛ بخلاف
كلامها، فإنه لشدة اتصاله بها؛ صار كجزئها.
2 المراد: الاستثناء المتصل؛ لأن شرط الاستثناء المتصل؛ أن
يتناول ما قبل أداته ما بعدها نصا.
3 إذا لم يكن ما بعد "حتى" من جنس ما قبلها -إما تحقيقا
وإما تأويلا وإما تشبيها- أو كان ما بعدها من جنس ما قبلها
على أحد الوجوه الثلاثة؛ ولكنه لم يكن غاية لما قبلها، أو
كان ما بعدها غاية وطرفا لما قبلها؛ لكنه ليس دالا على
زيادة، أو نقص حسيين، أو معنويين؛ فإنه لا يجوز أن تجعلها
عاطفة، ويتفرع على هذا، أنك لو قلت: صادقت العرب حتى
"العجم"؛ لم يصح؛ لأن العجم ليس من جنس العرب؛ ولو قلت:
"خرج الفرسان إلى القتال حتى بنو فلان"، وكان بنو فلان
هؤلاء في وسط الفرسان؛ لم يصح؛ لأن ما بعد حتى -حينئذ- ليس
غاية لما قبلها؛ إذ الغاية، ليست إلا في الأطراف -عاليها
وسافلها- ولو قلت: "زارني القوم حتى زيد"، ولم يكن زيد
متميزا بفضل، أو منفردا بخسيسة؛ لم يصح؛ لأن ما بعد حتى
-حينئذ- ليس ذا زيادة ولا نقص.
انظر التصريح: 2/ 142.
ج / 3 ص -332-
التسوية1؛ وهي الداخلة على جملة في محل
المصدر2، وتكون هي والمعطوفة عليها فعليتين؛ نحو:
{سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لا
يُؤْمِنُونَ}3، أو اسميتين؛ كقوله4:
[الطويل]
417- أموتي ناءٍ أم هو الآن واقعُ5
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 سميت بذلك؛ لوقوعها غالبا بعد لفظ "سواء" أو: لا أبالي،
أو: لا أدري، أو ما يشبهها؛ في الدلالة على أن الجملتين
بعدها متساويتان في الحكم عند المتكلم؛ كقول الشاعر:
ما أبالي أنب بالحزن تيس
أم لحاني بظهر غيب لئيم
2 من علاماتها: أن تتوسط بين جملتين خبريتين؛ قبلهما همزة،
وكلتا الجملتين يصلح أن يحل محلها هي والهمزة، مصدر مؤول
منهما معا.
3 2 سورة البقرة، الآية: 6، 36 سورة يس، الآية: 10.
موطن الشاهد:
{أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ
تُنْذِرْهُمْ}.
وجه الاستشهاد: وقوع "أم" حرف عطف؛ عطف جملة فعلية على
جملة فعلية مثلها؛ والتقدير: إنذارك وعدم إنذارك سواء؛ بعد
تأويل الجملة بمصدر؛ وهذا من مواضع سبك الجملة بلا سابك
على تقدير "أن". انظرالتصريح: 2/ 142.
4 لم ينسب البيت إلى قائل معين، ويظهر أنه لمتمم بن نويرة
في رثاء أخيه مالك.
5 تخريج الشاهد: هذا عجز بيت، وصدره قوله:
ولست أبالي بعد فقدي مالكا
وهو من شواهد: التصريح: 2/ 142، والأشموني: 821/ 2/ 421،
والعيني: 4/ 136 والهمع: 2/ 132، والدرر: 2/ 175، والمغني:
55/ 61، والسيوطي: 49.
المفردات الغريبة: أبالي: أكترث وأعبأ. ناء: بعيد. وهو اسم
فاعل من نأى ينأى: أي: بعد.
المعنى: لست مهتما ولا مكترثا بشيء في الحياة، بعد أن فقدت
أخي مالكا، ولا يعنيني -وقد فقدته- أن يكون موتي بعيدا أو
ينزل بي الآن.
الإعراب: لست: فعل ماضٍ ناقص مبني على السكون؛ لاتصاله
بضمير رفع متحرك، والتاء: ضمير متصل مبني على الضم في محل
رفع اسم "ليس". أبالي: فعل مضارع مرفوع، وعلامة رفعه الضمة
المقدرة على الياء للثقل، والفاعل: ضمير مستتر وجوبا؛
تقديره: أنا؛ وجملة "أبالي": في محل نصب خبر "ليس". "بعد":
متعلق بـ"أبالي"، وهو مضاف. فقدي: مضاف إليه مجرور، وهو
مضاف، والياء: في محل جر بالإضافة؛ من إضافة المصدر إلى
فاعله. مالكا: مفعول به منصوب، وعلامة نصبه =
ج / 3 ص -333-
أو مختلفتين؛ نحو:
{سَوَاءٌ عَلَيْكُمْ أَدَعَوْتُمُوهُمْ أَمْ أَنْتُمْ صَامِتُونَ}1، وإما بهمزة يطلب بها وبأم التعيين2، وتقع بين مفردي متوسط بينهما
ما لا يسأل عنه؛ نحو:
{أَأَنْتُمْ أَشَدُّ
خَلْقًا أَمِ السَّمَاءُ}3، أو متأخرا عنهما؛ نحو:
{وَإِنْ أَدْرِي أَقَرِيبٌ
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
= الفتحة الظاهرة. أموتي: الهمزة حرف استفهام، موتي: مبتدأ
مرفوع وعلامة رفعه الضمة المقدرة على ما قبل الياء،
والياء: في محل جر بالإضافة. ناءٍ: خبر المبتدأ مرفوع،
وعلامة رفعه الضمة المقدرة على الياء المحذوفة للتخلص من
التقاء الساكنين؛ وجملة "موتي ناءٍ": في محل نصب مفعولا به
لـ"أبالي"؛ المعلق عن العمل في اللفظ بالاستفهام. أم: حرف
عطف. هو؛ ضمير رفع منفصل مبني على الفتح في محل رفع مبتدأ.
الآن: مفعول فيه ظرف زمان منصوب بقوله: "واقع" الآتي.
واقع: خبر مرفوع، وعلامة رفعه الضمة الظاهرة؛ وجملة "هو
الآن واقع": معطوفة على الجملة السابقة "موتي ناءٍ": في
محل نصب.
موطن الشاهد: "أموتي ناءٍ أم هو واقع".
وجه الاستشهاد: وقوع "أم" بين جملتين اسميتين؛ وقد عطفت
إحداهما على الأخرى؛ والمعنى: لست أبالي؛ بعد موتي أو حصل
الآن.
1 7 سورة الأعراف، الآية: 193.
موطن الشاهد:
{سَوَاءٌ عَلَيْكُمْ
أَدَعَوْتُمُوهُمْ أَمْ أَنْتُمْ صَامِتُونَ}.
وجه الاستشهاد: عطفت "أم" جملة اسمية على جملة فعلية؛
والتقدير -بعد التأويل: سواء عليكم دعاؤكم إياهم -أي
الأصنام- وصمتكم؛ ومن هذه الآية وما قبلها، يتضح لنا، أن
"أم" المتصلة المسبوقة بهمزة التسوية، لا تعطف إلا جملة
على جملة، وعطفها للمفرد نادر لا يقاس عليه.
2 همزة التعيين: هي الواقعة بعد ما أدري، ولا أعلم، وليت
شعري ونحوها، وتسد، "أي" مسدها مع "أم" في طلب التعيين،
وتخالف همزة التسوية؛ فتتطلب جواب بتعيين أحد الشيئين؛
لأنها لم تنسلخ عن الاستفهام.
3 79 سورة النازعات، الآية: 27.
موطن الشاهد:
{أَأَنْتُمْ أَشَدُّ خَلْقًا
أَمِ السَّمَاءُ}.
وجه الاستشهاد: وقوع "أم" حرف عطف مسبوقا بهمزة يراد بها
معها التعيين؛ لأن الاستفهام -هنا- توبيخي، والسؤال عن
المبتدأ: "أنتم"، والمعادل: "السماء" المعطوفة على "أنتم"؛
وهما مفردان، وقد توسط بينهما غير المسئول عنه؛ وهو "أشد
خلقا" الواقع خبرا تقديرا عن المتعاطفين.
ج / 3 ص -334-
أَمْ بَعِيدٌ مَا تُوعَدُونَ}1، وبين فعليتين؛ كقوله2: [البسيط]
418- فقلت أهي سرت أم عادني حلم3
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 21 سورة الأنبياء، الآية: 109.
موطن الشاهد:
{وَإِنْ أَدْرِي أَقَرِيبٌ أَمْ
بَعِيدٌ مَا تُوعَدُونَ}.
وجه الاستشهاد: السؤال في هذه الآية عن الخبر؛ وهو قريب
وبعيد؛ والمسئول عنه متأخر؛ وهو ما توعدون؛ وذلك؛ لأن شرط
الهمزة المعادلة لـ"أم" أن يليها أحد الأمرين المطلوب
تعيين أحدهما، ويلي "أم" المعادل الآخر؛ ليفهم السامع من
أول الأمر ما يطلب تعيينه؛ ويرى سيبويه: أن إيلاء المسئول
عنه الهمزة أولى، لا واجب. انظر التصريح: 2/ 143.
2 قيل هو: زيادة بن حمل، وقيل: زياد بن منقذ العدوي؛
المعروف بالمرار الحنظلي، وقد مرت ترجمته.
3 تخريج الشاهد: هذا عجز بيت، وصدره قوله:
فقمت للطيف مرتاعا فأرقني
وهو من كلمة يحن فيها الشاعر إلى وطنه؛ وقبله قوله:
زارت رقية شعثا بعد ما هجعوا
لدى نواحل في أرساغها الخدم
والشاهد من شواهد: التصريح: 2/ 143، والأشموني: 823/ 2/ 421،
والخصائص: 1/ 305، 2/ 330، والخزانة: 2/ 391، وشرح المفصل:
7/ 179، والهمع: 1/ 61، 2/ 132، والدرر: 1/ 37، 2/ 175،
ومجالس العلماء للزجاجي: 1396 وشرح شواهد الشافعية
للبغدادي: 190، والمغني: 56/ 62، 705/ 495، والسيوطي: 49
وشرح التبريزي على ديوان الحماسة: 3/ 324.
المفردات الغريبة: الطيف: المراد به خيال المحبوبة الذي
يراه في النوم. مرتاعا: خائفا، يقال: راعه فارتاع؛ أي:
أفزعه ففزع، ولا ترع: أي لا تخف. أرقني: أسهرني. أهي
"بسكون الهاء": إجراء لهمزة الاستفهام مجرى واو العطف
وفائه. سرت: من السرى؛ وهو السير ليلا. عادني: زارني
وأتاني بعد إعراض.
المعنى: استيقظت من النوم فزعا خائفا؛ لما رأيت في نومي
خيال المحبوبة وقلت في نفسي -وقد أطار ذلك النوم من عيني:
أهي المحبوبة جاءت إلي ليلا؟ أم ذلك حلم ومنام؟!
الإعراب: فقلت: الفاء عاطفة، قلت: فعل ماضٍ مبني على
السكون؛ لاتصاله بضمير رفع متحرك، والتاء: ضمير متصل مبني
على الضم في محل رفع فاعل. أهي: الهمزة حرف استفهام. هي:
فاعل لفعل محذوف، يفسره المذكور بعده "سرت". سرت: =
ج / 3 ص -335-
لأن الأرجح كون "هي" فاعلا بفعل محذوف،
واسميتين1؛ كقوله2: [الطويل]
419- شعيث بن سهم أم شعيث بن منقر3
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
= فعل ماضٍ مبني على الفتح المقدر على الألف المحذوفة؛
لالتقاء الساكنين، والتاء للتأنيث، لا محل لها من الإعراب،
والفاعل: ضمير مستتر جوازا؛ تقديره: هي؛ وجملة "سرت":
تفسيرية، لا محل لها؛ وجملة "الفعل المحذوف وفاعله": في
محل نصب مفعولا به بعد القول. أم: حرف عطف، لا محل له من
الإعراب. عادني: فعل ماضٍ مبني على الفتح، والنون:
للوقاية، والياء: في محل نصب مفعولا به. حلم: فاعل مرفوع،
وعلامة رفعه الضمة الظاهرة؛ وجملة "عادني حلم": معطوفة على
جملة "الفعل المحذوف وفاعله" في محل نصب.
موطن الشاهد: "أهي سرت أم عادني حلم".
وجه الاستشهاد: وقوع "أم" المعادلة لهمزة الاستفهام بين
جملتين فعليتين؛ لأن "هي" فاعل لفعل محذوف على الأرجح -كما
بينا في الإعراب- لأن الأصل في الاستفهام أن يكون عن أحوال
الذوات المتجددة؛ لأنها تتجدد وتحصل بعد أن لم تكن؛ والدال
على هذه الأحوال، هو الفعل؛ وأما الاستفهام عن نفس الذوات
التي تدل عليها الأسماء فقليل؛ والقليل لا يحمل عليه
الكثير، ما دام الكثير صحيح المعنى.
1 وقد تكون الجملتان مختلفتين؛ أولاهما: اسمية، والثانية:
فعلية؛ نحو: قوله تعالى:
{قُلْ إِنْ أَدْرِي أَقَرِيبٌ مَا تُوعَدُونَ أَمْ
يَجْعَلُ لَهُ رَبِّي أَمَدًا}؛
ومن مجيء الأولى فعلية، والثانية اسمية قوله تعالى:
{أَأَنْتُمْ تَخْلُقُونَهُ أَمْ نَحْنُ الْخَالِقُونَ}؛ لأن "أنتم": فاعل بفعل محذوف يفسره المذكور لما علمت من أن همزة
الاستفهام أولى بالفعل من حيث إن الأصل في الاستفهام؛ أن
يكون عما من شأنه أن يكون محل شك أو تردد وذلك هو أحوال
الذوات التي تعبر عنها الأفعال، فأما الذوات أنفسها فيقل
أن تكون محل تردد أوشك.
مغني اللبيب: 61، حاشية يس على التصريح: 2/ 143.
2 ينسب البيت إلى الأسود بن يعفر التميمي، وينسب إلى
اللعين المنقري، وقد مرت ترجمة كل منهما.
3 تخريج الشاهد: هذا عجز بيت، في هجاء قبيلة شعيث بأنها لا
تعزى إلى أب معين؛ وصدره قوله:
لعمرك ما أدري وإن كنت داريا
=
ج / 3 ص -336-
............................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
= وهو من شواهد: التصريح: 2/ 143، والأشموني: 824/ 2/ 421،
والمغني: 57/ 62، والسيوطي: 51، وسيبويه: 1/ 485، وفيه
منسوب إلى الأسود بن يعفر، والكامل للمبرد: 1/ 357، 380،
وفيه منسوب إلى: اللعين المنقري، والمحتسب: 1/ 50،
والخزانة: 4/ 450، والعيني: 4/ 138، والهمع: 2/ 132،
والدرر: 2/ 175.
المفردات الغريبة: ما أدري: ما أعلم. داريا: أي: من أهل
الدراية والعلم بالأنساب. شعيث: اسم حي من بني تميم. سهم:
اسم حي من قيس عيلان. منقر: حي ينتهي إلى زيد مناة بن
تميم.
المعنى: يقسم الشاعر بأنه لا يعلم -وإن كان من أهل العلم
والمعرفة بالأنساب- أي نسبي شعيث هو الصحيح والحق؛ أنسبتها
إلى سهم؟ أم نسبتها إلى منقر؟.
الإعراب: لعمرك: اللام لام الابتداء، عمر: مبتدأ مرفوع،
وعلامة رفعه الضمة الظاهرة، وهو مضاف، والكاف: في محل جر
بالإضافة؛ والخبر محذوف وجوبا؛ والتقدير: لعمرك قسمي. ما
أدري: ما نفية، لا محل لها من الأعراب. أدري: فعل مضارع
مرفوع، وعلامة رفعه الضمة المقدرة على الياء، والفاعل:
ضمير مستتر وجوبا؛ تقديره أنا. وإن: الواو اعتراضية، إن:
شرطية جازمة؛ ويجوز أن تكون الواو حالية، فتكون "إن"
زائدة. كنت: فعل ماضٍ ناقص، والتاء: في محل رفع اسمه.
داريا: خبر كان منصوب؛ وجملة "كنت داريا": في محل نصب على
الحال؛ إن عدت الواو حالية؛ وإن عدت الواو اعتراضية؛
فالجملة معترضة، لا محل لها. شعيث: مبتدأ مرفوع، وعلامة
رفعه الضمة الظاهرة. ابن: خبر مرفوع، وهو مضاف. سهم: مضاف
إليه مجرور. أم: حرف عطف. شعيث: مبتدأ مرفوع، وعلامة رفعه
الضمة الظاهرة. ابن: خبر المبتدأ وهو مضاف. منقر: مضاف
إليه مجرور؛ وجملة "شعيث بن سهم": في محل نصب مفعولا به
لـ"أدري" وقد علق فعل أدري عن العمل في اللفظ بالهمزة
المحذوفة؛ وجملة "شعيث بن منقر": معطوفة على الجملة
السابقة في محل نصب.
موطن الشاهد: "شعيث بن سهم أم شعيث بن منقر".
وجه الاستشهاد: وقوع "أم" المعادلة للهمزة بين جملتين
اسميتين؛ ولهذا، ثبتت همزة "ابن"؛ لأنها تحذف إذا كان
"ابن" صفة لعلم، ومضافا إلى علم؛ والثاني أبو الأول؛ وهو
-هنا- خبر.
فائدة: ذكر سيبويه: أنه إذا جاءت همزة التسوية بعد كلمة
"سواء" فلا بد من ذكر "أم" العاطفة؛ فإن لم تأت الهمزة بعد
"سواء" عطف الثاني على الأول بـ"أو"؛ نحو: سواء =
ج / 3 ص -337-
الأصل: "أشعيث" فحذفت الهمزة والتنوين
منهما1.
[أم المنقطعة
ومعناها]:
والمنقطعة هي الخالية من ذلك2، ولا يفارقها معنى
الإضراب3، وقد
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
= علينا رضي العدو أو سخط. وجاء في المغني: أنه لا يصح
العطف بـ"أو" بعد "سواء"؛ سواء ذكرت همزة التسوية أم حذفت.
انظر ضياء السالك: 3/ 179.
1 أما حذف التنوين فللضرورة؛ بناء على أن "شعيثا" مصروف
نظرا إلى الحي، ويحتمل أنه ممنوع من الصرف نظرا إلى
القبيلة، ولا ينافي ذلك الوصف بابن؛ لجواز رعاية التذكير
والتأنيث باعتبارين. وأما حذف الهمزة؛ فجائز اختيارا. ونقل
الدماميني اطراد حذفها اخيتارا قبل أم المتصلة؛ لكثرته
نظما ونثرا، وذلك إن علم أمرها، ولم يوقع حذفها في لبس.
التصريح، وحاشية التصريح: 2/ 143.
هذا، وقد تحذف "أم" مع معطوفها على قلة؛ كقول الشاعر:
دعاني إليها القلب إني لأمره
سميع فما أدري أرشد طلابها
يريد: أرشد أم غي؟
وقيل: إن الهمزة للتصديق؛ فلا تحتاج لمعادل.
2 يريد أنها هي التي لا تتقدم عليها همزة التسوية، ولا
الهمزة التي يطلب بها وبأم التعيين: وإنما سميت منقطعة
-والحالة هذه-؛ لوقوعها بين جملتين مستقلتين في معناهما؛
لكل منهما معنى خاص يخالف معنى الأخرى، ولا يتوقف أداء
أحدهما وتمامه على الآخر، التصريح: 2/ 144.
3 الإضراب -هنا: إبطال الحكم السابق ونفي مضمونه والانصراف
عنه إلى ما بعدها، ويسمى هذا: الإضراب الإبطالي. وقد يراد
الانتقال من غرض إلى آخر يخالفه، وحينئذ؛ يسمى: الإضراب
الانتقالي.
هذا، ويذهب البصريون إلى أن "أم" المنقطعة تدل على الإضراب
والاستفهام معا، في كل مثال؛ فلا تكون في مثال ما للإضراب
وحده، ولا تكون في مثال ما للاستفهام وحده. ويذهب
الكوفيون: إلى أنها تدل على الإضراب في كل مثال، وقد تدل
-مع دلالتها على الإضراب- على الاستفهام الحقيقي، أو
الإنكاري، وقد لا تدل على الاستفهام أصلا، ولا تأتي
للدلالة على الاستفهام وحده في مثال ما، وعلى هذا جرى
المؤلف هنا. ويذهب أبو عبيدة إلى أن "أم" المنقطعة على
ثلاثة أوجه: =
ج / 3 ص -338-
تقتضي مع ذلك استفهاما؛ حقيقيا نحو: "إنها
لإبلٌ أم شاءٌ"1؛ أي: بل أهي شاء، وإنما قدرنا بعدها
مبتدأ؛ لأنها لا تدخل على المفرد2، أو إنكاريا؛ كقوله
تعالى:
{أَمْ لَهُ الْبَنَاتُ}3؛ أي: أله البنات، وقد لا
تقضيه البتة؛ نحو:
{أَمْ هَلْ تَسْتَوِي
الظُّلُمَاتُ وَالنُّورُ}4؛ أي: بل هل تستوي؛ إذ لا
يدخل استفهام على استفهام5؛
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
= 1- دالة على الإضراب وحده. 2- دالة على الاستفهام وحده.
3- دالة على الإضراب والاستفهام معا.
ويذكر بعض العلماء: أنه لا خلاف بين الكوفيين والبصريين في
مجيء "أم"؛ للدلالة على الإضراب وحده، وإنما الخلاف في
تسميتها؛ هل تسمى منقطعة أو لا؟.
مغني اللبيب: 66، التصريح: 2/ 144، ورصف المباني: 93،
والمقتضب: 3/ 286.
1 أخبر أولا بأنها إبل، ثم تحقق غير ذلك، فاضرب عنه
مستفهما عن كونها شاء.
2 لأنها غير عاطفة؛ بل هي بمعنى بل الابتدائية، وحرف
الابتداء، لا يدخل إلا على جملة، فـ"شاء" خبر لمبتدأ
محذوف، وقيل: لعطف المفرد بقلة.
التصريح: 2/ 144، ومغني اللبيب: 68.
3 52 سورة الطور، الآية: 39.
موطن الشاهد:
{أَمْ لَهُ الْبَنَاتُ}.
وجه الاستشهاد: مجيء "أم" مفيدة الاستفهام الإنكاري؛ ولا
يصح أن تقدر هنا للإضراب المحض؛ لأن ذلك يجعل الكلام
إخباريا بنسبة البنات إليه تعالى والله سبحانه منزه عن
ذلك.
انظر شرح التصريح: 2/ 144.
4 13 سورة الرعد، الآية: 16.
موطن الشاهد:
{أَمْ هَلْ تَسْتَوِي
الظُّلُمَاتُ وَالنُّورُ}
غير مقتضية الاستفهام؛ لا الحقيقي، ولا الإنكاري؛ لأن
التقدير: "بل هل تستوي الظلمات والنور؟" ولا يقدر: بل أهل؛
لأنه لا يدخل استفهام على استفهام. التصريح: 2/ 144.
5 عرفنا سابقا أن مذهب البصريين في "أم" المنقطعة أنها تدل
على الإضراب والاستفهام معا، وأن مذهب الكوفيين أنها تدل
على الإضراب دائما، وقد تدل على الاستفهام مع دلالتها على
الإضراب، وقد لا تدل على الاستفهام. وعلمنا أن ابن هشام،
اختار مذهب الكوفيين؛ لأن الآية التي تلاها:
{أَمْ هَلْ تَسْتَوِي الظُّلُمَاتُ وَالنُّورُ}
ترجح مذهب الكوفيين وذلك؛ لأن "أم" خالية من الدلالة على
الاستفهام؛ لوقوع حرف =
ج / 3 ص -340-
[العطف بـ"أو". معنى "أو" وأنواعها]:
وأما "أو" فإنها بعد الطلب1 للتخيير؛ نحو: "تزوج
زينب أو أختها" أو للإباحة2؛ نحو: "جالس العلماء أو
الزهاد"، والفرق بينهما: امتناع الجمع بين المتعاطفين في
التخيير، وجوازه في الإباحة.
وبعد الخبر للشك3؛ نحو:
{لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
= بـ"ضجيعتي"، واللام: للبعد، الكاف: للخطاب. أم: حرف دال
على الإضراب بمعنى: "بل" لا محل له من الإعراب. "في جنة":
متعلق بمحذوف واقع خبرا لـ"ليت" المحذوفة مع اسمها؛
والتقدير: بل ليت سليمى ضجيعتي في جنة. أم: حرف دال على
الإضراب بمعنى: "بل" لا محل له من الإعراب. "في جنة":
متعلق بمحذوف واقع خبرا لـ"ليت" المحذوفة مع اسمها؛
والتقدير: بل ليت سليمى ضجيعتي في جنة. أم: حرف عطف دال
على الإضراب. "في جهنم": متعلق بمحذوف واقع خبرا لـ"ليت"
المحذوفة مع اسمها كما سبق؛ والتقدير: بل ليت سليمى ضجيعتي
في جهنم.
موطن الشاهد: "أم".
وجه الاستشهاد: مجيء "أم" في الشاهد منقطعة متمحضة
للإضراب؛ بمعنى "بل"، فهي لا تدل على الاستفهام، ولا
تقتضيه أصلا؛ لأن الشاعر، لا يريد الاستفهام، وإنما ساقه
مساق التمني؛ ولهذا، قدر بعدها "جملة"؛ لأن "أم" التي
بمعنى "بل" لا يقع بعدها إلا الجمل.
1 المراد بالطلب: الصيغة التي تدل على معنى الأمر؛ سواء
كانت فعل الأمر، أو لام الأمر الداخلة على المضارع؛ لأن
الإباحة والتخيير لا يتأتيان في الاستفهام، ولا في باقي
الأنواع الطلبية على الصحيح، ولا فرق بين الأمر الملفوظ
والملحوظ؛ كقوله تعالى:
{فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ
نُسُكٍ}؛ أي: فليفعل أي الثلاثة.
2 المراد: الإباحة بحسب العقل، أو العرف في أي وقت، وعند
أي قوم لا الإباحة الشرعية.
3 المراد بالخبر: ما يحتمل الصدق والكذب لذاته. والشك: أن
يكون المتكلم نفسه واقعا في الشك والتردد، وأما التشكيك؛
فهو أن يوقع المتكلم المخاطب في الشك والتردد. وأما
الإبهام: فهو أن يكون المتكلم عالما بحقيقة الأمر غير شاك
ولا متردد فيه؛ ولكنه يخرج كلامه في صورة الاحتمال؛ ليكون
المخاطب أقبل لما يلقى إليه من الكلام؛ ولكنه يخرج كلامه
في صورة الاحتمال؛ ليكون المخاطب أقبل لما يلقى إليه من
الكلام, فإذا سمع الكلام وتفهمه؛ ظهر له الأمر؛ ومثال
المؤلف يبين ذلك، فقد أورد الكلام في صورة الاحتمال؛
ليسترعي انتباه المخاطب، ويحمله على السماع والتفهم، ولم
يورده في صورة الخبر القاطع مع أن المتكلم، يعلم علم
اليقين أن من عبد الله، وأفرده بالألوهية والتوجه إليه؛ هو
الذي يكون على هدى وأن من أشرك معه غيره؛ هو الذي يكون في
ضلال مبين.
حاشية يس على التصريح: 2/ 145، وحاشية الصبان: 3/ 106.
ج / 3 ص -341-
يَوْمٍ}1، أو للإبهام؛ نحو:
{وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدىً أَوْ فِي ضَلالٍ
مُبِينٍ}2، وللتفصيل، نحو:
{وَقَالُوا كُونُوا هُودًا أَوْ نَصَارَى}3، أو للتقسيم؛ نحو:
"الكلمة اسم أو فعل أو حرف"4،
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 18 سورة الكهف، الآية: 19.
موطن الشاهد:
{لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ
يَوْمٍ}.
وجه الاستشهاد: وقوع "أو" مفيدة معنى الشك؛ لوقوعها بعد
كلام خبري؛ وهو قوله تعالى: {لَبِثْنَا} و"أو" للشك من
القائلين ذلك؛ في الآية الكريمة.
التصريح: 2/ 144.
2 34 سورة سبأ، الآية: 24.
موطن الشاهد:
{وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ
لَعَلَى هُدىً أَوْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ}.
وجه الاستشهاد: وقوع "أو" مفيدة معنى الإبهام على المخاطب؛
{وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدىً أَوْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ}.
للإبهام؛ فيكون الشاهد في الثانية، وقال في "المغني": الشاهد في
الأولى؛ وقال الدماميني: الشاهد في الأولى والثانية. انظر
شرح التصريح: 2/ 145.
3 2 سورة البقرة، الآية: 135.
موطن الشاهد:
{وَقَالُوا كُونُوا هُودًا أَوْ
نَصَارَى}.
وجه الاستشهاد: وقوع "أو" مفيدة التفصيل؛ لأن "قالوا" كلام
خبري، وهو مشتمل على الواو العائدة على اليهود والنصارى؛
فذكر الفريقين على الإجمال، بالضمير العائد إليهما، ثم فصل
ما قاله كل فريق؛ أي: قالت اليهود: كونوا هودا، وقالت
النصارى: كونوا نصارى "فأو" لتفصيل الإجمال في فاعل
"قالوا" وهو الواو.
التصريح: 2/ 145.
4 قيل: الفرق بين التفصيل والتقسيم، أن الأول: تبيين
للأمور المجتمعة بلفظ واحد؛ وأما التقسيم؛ فهو: تبيين لما
دخل تحت حقيقة واحدة، وقد مثل المؤلف لكل منهما، ويرى
المحققون: ألا فرق بينهما، ولا ضرر من توحيد معناهما
وجعلهما مترادفين، والمسألة اصطلاحية محضة.
ج / 3 ص -342-
وللإضراب، عند الكوفيين وأبي علي1؛ حكى
الفراء2 "اذهب إلى زيد أو دع ذلك فلا تبرح اليوم"، وبمعنى
الواو، عند الكوفيين3؛ وذلك عند أمن اللبس؛ كقوله4:
[الكامل]
421- ما بين ملجم مهره أو سافع5
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ممن ذهب إلى أن "أو" تفيد الإضراب: ابن برهان، وابن جني
ومن معهما؛ وهؤلاء ذهبوا إلى أنها تفيد الإضراب مطلقا؛ أي
سواء كان المتقدم خبرا مثبتا، أو منفيا، أم كان المتقدم
عليها أمرا، أو نهيا؛ وسواء أعيد معها العامل في الكلام
المتقدم عليها أم لم يعد. تقول: "أنا مسافر اليوم" ثم يبدو
لك، فتقول: "أو مقيم" تريد الإضراب عن الكلام الأول،
وإثبات ما بعد أو؛ ومنه قول الشاعر:
كانوا ثمانين أو زادوا ثمانية
لولا رجاؤك قد قتلت أولادي
ونسب ابن عصفور القول بإفادة "أو" الإضراب إلى سيبويه؛ لكنه
قرر أن سيبويه يشترط في إفادتها للإضراب؛ أن يتقدمها نفي
أو نهي، وأن يعاد معها العامل ومثال ذلك: قولك: لا يقم بكر
أو لا يقم خالد.
التصريح: 2/ 145-146، مغني اللبيب: 91، رصف المباني: 131،
الجنى الداني: 227.
2 مرت ترجمته.
3 أي: تكون للدلالة على الاشتراك ومطابق الجمع بين
المتعاطفين، ويصح أن يحل محلها الواو؛ ووافق الكوفيين على
ذلك: الجرمي، والأخفش، بالشرط الذي ذكره المؤلف.
مغني اللبيب: 88-89، والتصريح: 2/ 146.
4 القائل: هو: حميد بن ثور الهلالي، وقد مرت ترجمته.
5 تخريج الشاهد: هذا عجز بيت، وصدره قوله:
قوم إذا سمعوا الصريخ رأيتهم
وهو من شواهد: التصريح: 2/ 146، والأشموني: 828/ 2/ 424،
والعيني: 4/ 146، والسيرة: 200، والمغني: 99/ 90،
والسيوطي: 72، وديوان حميد بن ثور: 111.
المفردات الغريبة: الصريخ: صوت المستصرخ المستغيث، ويطلق
على المستغيث نفسه؛ وكلا المعنيين يصلح هنا، وقد يطلق
الصريخ على المغيث، قال تعالى:
{فَلا صَرِيخَ لَهُمْ}؛
أي: لا مغيث. ملجم: جاعل اللجام في موضعه من الفرس. مهره:
أصله الحصان الصغير، والمراد هنا: الحصان. سافع: قابض على
ناصية فرسه. =
ج / 3 ص -343-
وزعم أكثر النحويين1: أن "إما" الثانية في
الطلب والخبر، نحو: "تزوج إما
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
= المعنى: يصف القوم بالشجاعة والنجدة، فيقول: إنه إذا
سمعوا استغاثة من أحد؛ أسرعوا لإجابته ونجدته؛ فترى من
يلجم فرسه، ومن يأخذ بناصية فرسه حتى يحضر له غلامه اللجام
للإسراع في نجدة المستغيث... إلخ.
الإعراب: قوم: خبر لمبتدأ محذوف؛ والتقدير: هم قوم. إذا:
ظرف متضمن معنى الشرط. سمعوا: فعل ماضٍ مبني على الضم؛
لاتصاله بواو الجماعة، والواو: فاعل، والألف: للتعريف.
الصريخ: مفعول به منصوب؛ وجملة "سمعوا الصريخ": في محل جر
بالإضافة. رأيتهم: فعل ماضٍ، والتاء: فاعل، و"هم": مفعول
به؛ وجملة "رأيتهم": جواب شرط غير جازم، لا محل لها. ما:
زائدة، لا عمل لها. "بين": متعلق بـ"رأى"، وهو مضاف. ملجم:
مضاف إليه مجرور، وهو مضاف. مهره: مضاف إليه مجرور، وهو
مضاف، والهاء: في محل جر بالإضافة، أو: حرف عطف، لا محل له
من الإعراب. سافع: اسم معطوف على ملجم مهره مجرور مثله.
موطن الشاهد: "بين ملجم مهره أو سافع".
وجه الاستشهاد: استعمال "أو" بمعنى الواو العاطفة؛ وذلك؛
لأن "بين" لا تضاف إلا لمتعدد لفظا ومعنى؛ ولو أبقيت "أو"
على معناها -وهو أحد الشيئين أو الأشياء- لأضيفت "بين" إلى
واحد، وهو غير سائغ في اللغة.
ونظير البيت الشاهد قول امرئ القيس:
فظل طهاة اللحم ما بين منضج
صفيف شواء أو قدير معجل
فـ"أو" هنا بمعنى الواو أيضا.
فائدة: تكون "أو" للتخيير والإباحة بعد الأمر، وتكون للشك
والإبهام بعد الجمل الخبرية. وتكون بمعنى التفصيل
والإضراب، والواو بعد الطلب وبعد الخبر؛ والأفضل في
الإضراب: أن يسبقه نفي أو نهي، وأن يتكرر العامل معه؛
ومعلوم أن هذه المعاني المسموعة خاضعة للسياق، والقرائن
لتبين نوع كل منها.
ضياء السالك: 3/ 185.
1 فوائد وتوجيهات:
فائدة أولى: لغة أكثر العرب كسر همزة "إما"، ولغة تميم
وقيس وأسد فتح همزتها.
فائدة ثانية: يغلب في "إما" تكرارها، وقد تحذف الثانية
ويؤتى في الكلام ما يقوم مقامها؛ كما يقال: "إما أن تتكلم
بخير وإلا فاسكت"، وقد تحذف الأولى ويُكتفى بالثانية؛ كقول
الشاعر:
تلم بدار قد تقادم عهدها
وإما بأموات ألم خيالها
فالمعنى تلم إما بدار قد تقادم عهدها وإما بأموات. =
ج / 3 ص -344-
هندا وإما أختها" و"جاءني إما زيد وإما
عمرو"، بمنزلة "أو" في العطف والمعنى، وقال أبو علي وابنا
كيسان1 وبرهان2: هي مثلها في المعنى فقط، ويؤيده قولهم:
إنها مجامعة للواو لزوما، والعاطف لا يدخل على العاطف؛
وأما قوله3: [البسيط]
422- أيما إلى جنة أيما نار4
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
= فائدة ثالثة: اتفق النحاة على أن "إما، لا تأتي بمعنى
الواو، ولا بمعنى "بل"، وإنما تأتي لما تأتي له "أو" من
المعاني المشهورة المتفق عليها؛ وهي التخيير والإباحة بعد
الطلب، والشك والإبهام بعد الخبر.
فائدة رابعة: اختلف النحاة في "إما" أمركبة هي أم بسيطة؟
فذهب سيبويه: إلى أنها مركبة من "إن" و"ما"، وذهب غيره من
النحاة إلى أنها بسيطة، وضعت هكذا من أول الأمر؛ وهذا
الرأي؛ هو الراجح؛ لأن البساطة -أي: عدم التركيب- هي
الأصل.
فائدة خامسة: لا خلاف بين النحاة في أن "إما" الأولى غير
عاطفة؛ لأنها تقع بين العامل ومعموله؛ نحو: تزوج إما هندا،
وإما أختها، واختلفوا في "إما" الثانية؛ فذهب أكثر النحاة:
إلى أنها عاطفة والواو قبلها زائدة؛ لكيلا يلزم دخول
العاطفة على العاطف. وذهب أبو علي الفارسي وابن كيسان وابن
برهان: إلى أن العاطف هو الواو و"إما": دالة على الإباحة،
أو التخيير، أو الشك، أو الإبهام. فـ"إما" -عند هؤلاء- مثل
"أو" في الدلالة على المعنى فقط؛ وليست مثلها في عطف ما
قبلها على ما بعدها، وزعم ابن عصفور: أن النحاة مجمعون على
أن "إما" غير عاطفة وزعمه مخالف لما ذهب إليه العلماء.
انظر التصريح: 2/ 146، والمغني: 84-87، وحاشية الصبان: 3/
109-110.
1 ابن كيسان مرت ترجمته.
2 ابن برهان هو أبو القاسم، عبد الواحد بن علي بن برهان
الأسدي العكبري، عالم في اللغة والتاريخ، وأيام العرب،
تصدر للتدريس ببغداد، ويعرف بشراسة خلقه، على من يقرأ عليه
ولا يلبس السراويل، ولا يغطي رأسه؛ له من المصنفات:
الاختيار في الفقه، وأصول اللغة، واللمع في النحو، مات
سنة: 456هـ.
البلغة: 133، إنباه الرواة: 2/ 213، وبغية الوعاة: 2/ 120،
ومعجم المؤلفين: 6/ 210، والأعلام: 4/ 326.
3 القائل: هو سعد بن قرظ.
4 تخريج الشاهد: هذا عجز بيت، يهجو فيه الشاعر أمه وكان
عاقا شريرا؛ وصدره قوله:
يا ليتما أمنا شالت نعامتها =
ج / 3 ص -345-
فشاذ، وكذلك فتح همزتها وإبدال ميمها
الأولى.
[معنى لكن وشروط
عطفها]:
وأما "لكن" فعاطفة خلافا ليونس1، وإنما تعطف بشروط: إفراد
معطوفها، وأن تسبق بنفي أو نهي، وأن لا تقترن بالواو؛ نحو:
"ما مررت برجل صالح، لكن
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
= وهو من شواهد: التصريح: 2/ 146، والأشموني: 830/ 2/ 426،
والعيني: 4/ 153، والمحتسب: 1/ 41، 284، وشرح المفصل: 6/
75، والخزانة: 4/ 431، الهمع: 5/ 135، والدرر: 2/ 182،
والمغني: 88/ 85، والسيوطي: 67.
المفردات الغريبة: شالت نعامتها: كناية من كنايات العرب،
ومعناها: ماتت؛ وأصل شالت: ارتفعت، والنعامة: باطن القدم،
ومن مات ترتفع رجلاه وينخفض رأسه فتظهر نعامته. وقيل
النعامة هنا: النعش. أيما: لغة في "إما".
المعنى يتمنى هذا الشاعر العاق لأمه، أن تكون قد ماتت،
وسيان -عنده- بعد ذلك، أن يكون مصيرها الذهاب إلى الجنة،
أو إلى النار.
الإعراب: يا: حرف تنبيه؛ أو يا: حرف نداء والمنادى محذوف.
ليتما: كافة ومكفوفة، لا عمل لها. أمنا: مبتدأ مرفوع، وهو
مضاف، و"نا": مضاف إليه. شالت: فعل ماضٍ مبني على الفتح،
والتاء: للتأنيث. نعامتها: فاعل مرفوع، وهو مضاف، و"ها":
في محل جر بالإضافة؛ وجملة "شالت نعامتها": في محل رفع خبر
المبتدأ. ويجوز إعراب ليت: حرف مشبه بالفعل عاملة، و"ما"
زائدة غير كافة وأمنا: اسم ليت ومضاف إليه؛ وجملة "شالت
نعامتها": في محل رفع خبر "ليت". أيما: حرف دال على
التقسيم، لا محل له من الإعراب؛ أو دال على التفصيل. "إلى
الجنة": متعلق بـ"شالت". أيما: حرف عطف، لا محل له من
الإعراب. "إلى نار": بـ"أيما" على "إلى الجنة".
موطن الشاهد: "أيما".
وجه الاستشهاد: مجيء "أيما" عاطفة غير مسبوقة بالواو؛ وهذا
شاذ، وكذلك فتح همزتها مع قلب ميمها ياء -كما ذكر المصنف-
وأما فتح همزتها وحده؛ فلا شذوذ فيه، وإنما هو لغة جماعة
من العرب كـ"تميم وقيس وأسد"؛ كما ذكر المؤلف في المتن.
1 فإنها -عنده- مخففة من الثقيلة؛ ومعناها: الاستدراك، وما
بعدها معمول بمحذوف يدل عليه المذكور قبلها، وإذا ذكرت
معها الواو فالعطف بالواو لا بها.
انظر مغني اللبيب: 385-386، التصريح: 2/ 146-147.
ج / 3 ص -346-
طالح" ونحو: "لا يقم زيد، لكن عمرو" وهي
حرف ابتداء إن تلتها جملة؛ كقوله1: [البسيط]
423- إن ابن ورقاء لا تخشى بوادره
لكن وقائعه في الحرب تنتظر2
أو تلت واوا؛ نحو:
{وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ}3؛ أي: ولكن كان رسول الله،
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 القائل: هو زهير بن أبي سلمى المزني، وقد مرت ترجمته.
2 تخريج الشاهد: البيت من قصيدة، يمدح فيها الشاعر الحارث
بن ورقاء الصيداوي. وهو من شواهد: التصريح: 2/ 147،
والأشموني: 836/ 2/ 427، والعيني: 4/ 178، والهمع: 2/ 137،
والدرر: 2/ 189، والمغني: 544/ 385، والسيوطي: 239، وديوان
زهير: 306.
المفردات الغريبة: ورقاء: اسم رجل. بوادره: جمع بادرة؛ وهي
ما يبدر من الإنسان عند الغضب. وقائعه: جمع وقيعة؛ وهي
إنزال الشر بالأعداء. تنتظر: تخشى ويرتقب وقوعها.
المعنى: أن هذا الرجل، لا يخاف منه -عند غضبه وحدته-؛ لأنه
يملك نفسه عند الغضب، فلا يغدر ولا يخون؛ ولكن فتكه
بأعدائه في الحرب، يرتقب ويخشى منه.
الإعراب: أن: حرف مشبه بالفعل. ابن: اسم "إن" منصوب،
وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة، وهو مضاف. ورقاء: مضاف إليه
مجرور، وعلامة جره الفتحة؛ لأنه ممنوع من الصرف. لا:
نافية، لا محل له من الإعراب. تخشى: فعل مضارع مبني
للمجهول مرفوع، وعلامة رفعه الضمة المقدرة على الألف
للتعذر. بوادره: نائب فاعل مرفوع، وهو مضاف، والهاء: مضاف
إليه؛ وجملة "تخشى بوادره": في محل رفع خبر "إن". لكن: حرف
ابتداء يفيد الاستدراك، لا محل له من الإعراب. وقائعه:
مبتدأ مرفوع، وعلامة رفعه الضمة الظاهرة، وهو مضاف،
والهاء: في محل جر بالإضافة. "في الحرب": متعلق بقوله
"تنتظر" الآتي؛ أو بمحذوف حال من "وقائعه" أو من الضمير
المستتر في "تنتظر"؛ العائد إلى "وقائعه". تنتظر: فعل
مضارع مبني للمجهول مرفوع، ونائب الفاعل: ضمير مستتر
جوازا؛ تقديره: هو، يعود إلى وقائعه؛ وجملة "تنتظر": في
محل رفع خبر المبتدأ.
موطن الشاهد: "لكن".
وجه الاستشهاد: وقوع "لكن" حرف ابتداء، لا حرف عطف؛ لأن
الواقع بعدها جملة لا مفرد.
3 33 سورة الأحزاب، الآية: 40.
موطن الشاهد:
{وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ}. =
ج / 3 ص -347-
وليس المنصوب معطوفا بالواو1؛ لأن متعاطفي
الواو المفردين لا يختلفان بالسلب والإيجاب2، أو سبقت
بإيجاب؛ نحو: "قام زيد لكن عمرو لم يقم"، ولا يجوز "لكن
عمرو" على أنه معطوف؛ خلافا للكوفيين.
["بل" معناها
وشروط عطفها]:
وأما "بل" فيعطف بها بشرطين؛ إفراد معطوفها3، وأن تسبق
بإيجاب أو أمر أو نفي أو نهي؛ ومعناها بعد الأولين: سلب
الحكم عما قبلها وجعله لما بعدها؛ كـ"قام زيد بل عمرو"،
و"ليقم زيد بل عمرو"؛ وبعد الأخيرين: تقرير حكم ما قبلها
وجعل ضده لما بعدها4؛ كما أن لكن كذلك؛ كقولك: "ما كنت في
منزل
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
= وجه الاستشهاد: وقوع "لكن" حرف ابتداء، ورسول الله: خبر
لكان المحذوفة، ومضاف إليه؛ والتقدير: ولكن كان رسول الله؛
وليس "رسول" معطوفا على "أبا" بالواو الداخلة على "لكن"
عطف مفرد على مفرد، خلافا لـ"يونس"؛ الذي يعد "الواو"
عاطفة، و"لكن" حرف استدراك. التصريح: 2/ 147.
1 أي: على أنه من عطف مفرد؛ وهو: "رسول الله"؛ علم مفرد؛
وهو: "أبا أحد".
2 فإن المعطوف عليه؛ وهو: "أبا أحد" منفي، والمعطوف؛ وهو:
"رسول الله" مثبت. أما عطف الجملتين بالواو: فيجوز
تخالفهما، نفيا وإيجابا؛ تقول: حضر محمد، ولم يحضر علي.
3 فإن وقع بعد "بل" جملة؛ لم تكن عاطفة، وكانت -حينئذ- حرف
ابتداء دال على الإضراب؛ ويكون هذا الإضراب إبطاليا؛ أي:
الدلالة على أن ما قيل قبلها كلام باطل، وذلك؛ نحو قوله
تعالى:
{وَقَالُوا اتَّخَذَ
الرَّحْمَنُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ بَلْ عِبَادٌ
مُكْرَمُونَ}؛ ونحو قوله سبحانه:
{أَمْ يَقُولُونَ بِهِ جِنَّةٌ بَلْ جَاءَهُمْ بِالْحَقِّ}؛ وقد يكون نحو قوله تعالى:
{قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ
فَصَلَّى بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا}. وقد تزاد "لا" قبل "بل"، بعد
الإيجاب؛ للدلالة على توكيد الإضراب؛ نحو قوله:
وجهك البدر لا بل الشمس لو لم
يقض للشمس كشفة أو أفول
وقد تزاد "لا" قبل "بل" بعد النفي؛ لتقرير ما قبلها؛ نحو قول
الشاعر:
وما هجرتك لا بل زادني شغفا
هجر وبعد تراخى لا إلى أجل
وهذا البيت رد على ابن درستويه الذي ادعى أن "لا" لا تزاد
قبل بل بعد النفي. مغني اللبيب: 151-153، ورصف المباني:
153، والجنى الداني: 235.
4 هذا مذهب جمهور النحاة؛ وأجاز المبرد هذا المعنى، كما
أجاز أن تكون "بل" بعد =
ج / 3 ص -348-
ربيع بل في أرض لا يهتدى بها"، و"لا يقم
زيد بل عمرو"، وأجاز المبرد1 كونها ناقلة معنى النفي
والنهي لما بعدها؛ فيجوز على قوله: "ما زيد قائما بل
قاعدا"2؛ على معنى بل ما هو قاعدا، ومذهب الجمهور: أنها لا
تفيد نقل حكم ما قبلها لما بعدها إلا بعد الإيجاب والأمر؛
نحو: "قام زيد بل عمرو"، و"اضرب زيدا بل عمرا".
[لا، معناها
وشروط عطفها]:
وأما "لا" فيعطف بها بشروط: إفراد معطوفها3، وأن تسبق
بإيجاب أو أمر اتفاقا؛ كـ"هذا زيد لا عمرو"، و"اضرب زيدا
لا عمرا"، أو نداء؛ خلافا لابن سعدان4؛ نحو: "يابن أخي لا
ابن عمي" وأن لا يصدق أحد متعاطفيها على
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
= النفي والنهي ناقلة حكم ما قبلها لما بعدها؛ فقولك: "ما
زيد قائم بل عمرو" معناه -عند الجمهور: انتفاء القيام عن
زيد، والحكم بثبوت القيام لعمرو. ولا معنى للكلام سوى هذا
عندهم؛ ويحتمل هذا الكلام عند المبرد معنيين؛ أحدهما: ما
حكيناه عن الجمهور، والثاني: أن يكون زيد المذكور قبل "بل"
غير محكوم عليه بشيء؛ لا بانتفاء القاسم، ولا بثبوته؛
وعمرو المذكور بعد "بل" محكوم عليه بانتفاء القيام عنه؛
الذي كان حكم ما قبل "بل"، وقد بين ذلك المؤلف.
مغني اللبيب: 152، والتصريح: 148، المقتضب: 1/ 12 و4/ 298.
1 مرت ترجمته.
2 قال بعضهم: إن مثل هذا الاستعمال، لم يسمع عن العرب؛
لأنه يلزم -عليه- أن "ما" لا تعمل في -قائما- شيئا؛ لأن
شرط عملها بقاء النفي، في المعمول، وقد انتقل عنه؛ وقد رد
نحاة آخرون: بأن الانتقاض، جاء بعد مضي العمل، فلا يضر.
انظر التصريح: 2/ 148، وحاشية الصبان: 3/ 112-113.
3 أي: ولو تأويلا؛ فيجوز أن يقال: قلت: محمد قائم لا قاعد.
ولا يعطف بها جملة لا محل لها من الإعراب. ويشترط في
المفرد؛ ألا يكون صالحا؛ لأن يكون صفة لموصوف مذكور، أو
يكون خبرا، أو حالا؛ فإن صلح لشيء من ذلك؛ كانت "لا" للنفي
المحض، وليست عاطفة، ووجب تكرارها؛ نحو قوله تعالى:
{لا فَارِضٌ وَلا بِكْرٌ}
محمد لا كاتب، ولا شاعر؛ كما يشترط ألا تقترن بعاطف، وإلا
كان العطف به؛ وهي لإفادة نفي ما قبلها؛ نحو: جاء محمد لا
بل علي.
مغني اللبيب: 318، الجنى الداني: 294، ورصف المباني: 275.
4 هو أبو جعفر؛ محمد بن سعدان الضرير، كان من النحاة
الكوفيين الموثوق بهم؛ عالما بالعربي والقراءة، وقد أخذها
عن أهل مكة والمدينة وغيرهما، وكان يقرأ بقراءة حمزة، وصنف
كتابا في النحو والقراءات؛ له ولد اسمه إبراهيم، كان من
أهل العلم والفضل. مات ابن سعدان يوم الأضحى سنة: 231هـ.
بغية الوعاة: 1/ 111.
ج / 3 ص -349-
الآخر، نص عليه السهيلي1؛ وهو حق؛ فلا يجوز
"جاءني رجل لا زيد"، ويجوز "جاءني رجل لا امرأة".
وقال الزجاجي2: وأن لا يكون المعطوف عليه معمول فعل ماضٍ؛
فلا يجوز "جاءني زيد لا عمرو"3 ويرده قوله4: [الطويل]
424- عقاب تنوفى لا عقاب القواعل5
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 هو: عبد الرحمن بن عبد الله السهيلي، وقد مرت ترجمته.
2 هو: عبد الرحمن بن إسحاق، وقد مرت ترجمته.
3 وحجته: أن العامل يقدر بعد العاطف، ولا يصح أن يقال: لا
جاء عمرو إلا على سبيل الدعاء. حروف المعاني: 71.
4 القائل: هو امرؤ القيس بن حجر الكندي، وقد مرت ترجمته.
5 تخريج الشاهد: هذا عجز بيت، وصدره قوله:
كان دثارا حلقت بلبونه
وهو من شواهد: التصريح: 2/ 150، والأشموني: 837/ 2/ 427،
والعيني: 4/ 154، والخزانة: 4/ 471، والخصائص: 3/ 191،
والمغني: 439/ 318.
المفردات الغريبة: دثار: اسم رجل كان راعيا لامرئ القيس.
حلقت: ذهبت وارتفعت. بلبونه: اللبون: الإبل ذوات اللبن.
عقاب: طائر معروف من الطيور الكواسر. تنوفى: اسم موضع
مرتفع في جبال طيئ، أغير على إبل امرئ القيس من ناحيته.
القواعل: موضع دون تنوفى.
المعنى: كأن هذا الراعي -حين أغار عليه الأعداء وشردت إبله
بعيدا- طارت بها عقبان ذلك الجبل العظيم، وارتفعت بها
فوقه؛ فهو لا يستطيع ردها، ولا الوصول إليها، لا عقبان هذا
الجبل الصغير.
الإعراب: كأن: حرف مشبه بالفعل. دثارا: اسم "كأن" منصوب،
وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة. حلقت: فعل ماضٍ مبني على
الفتح، والتاء: للتأنيث. "بلبونه": متعلق بقوله: "حلقت"،
و"لبون" مضاف، والهاء: في محل جر بالإضافة. عقاب: فاعل
"حلقت" مرفوع، وعلامة رفعه الضمة الظاهرة، وهو مضاف. =
ج / 3 ص -350-
[جواز العطف
على الظاهر والضمير]:
فصل: يعطف على الظاهر والضمير المنفصل والضمير المتصل
المنصوب بلا شرط؛ كـ"مقام زيد وعمرو" و"إياك والأسد"؛
ونحو:
{جَمَعْنَاكُمْ وَالْأَوَّلِينَ}1.
[لا يعطف على
الضمير المرفوع إلا بعد توكيده]:
ولا يحسن العطف على الضمير المرفوع المتصل؛ بارزا كان أو
مستترا إلا بعد توكيده بضمير منفصل2؛ نحو:
{لَقَدْ كُنْتُمْ أَنْتُمْ
وَآبَاؤُكُمْ}3، أو وجود فاصل؛ أي
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
= تنوفى: مضاف إليه مجرور، وعلامة جره الكسرة المقدرة على
الألف للتعذر؛ وجملة "حلقت": في محل رفع خبر "كأن".
لها: حرف عطف، لا محل له من الإعراب.
عقاب: معطوف على عقاب الأول، وهو مضاف.
القواعل: مضاف إليه مجرور، وعلامة جره الكسرة الظاهرة.
موطن الشاهد: "لا".
وجه الاستشهاد: عطف "لا" لـ"عقاب القواعل" على "عقاب
تنوفى" والمعطوف عليه معمول لفعل ماضٍ "حلقت"؛ وفي هذا رد
على الزجاجي الذي يمنع ذلك؛ حيث يشترط أن يكون المعطوف
عليه بـ"لا" غير معمول للفعل الماضي.
1 77 سورة المرسلات، الآية: 38.
موطن الشاهد:
{جَمَعْنَاكُمْ وَالْأَوَّلِينَ}.
وجه الاستشهاد: عطف "الأولين" بالواو على الضمير المتصل
الواقع في محل نصب مفعولا به لـ"جمعنا"؛ وهو "كم"؛ وحكم
هذا العطف الجواز اتفاقا.
2 قيل في سبب ذلك: إن المتصل المرفوع؛ كالجزء من عامله
المتصل به لفظا ومعنى؛ فالعطف عليه يكون كالعطف على جزء
الكلمة؛ فإذا أكد دل على انفصاله فحصل له نوع استقلال.
هذا، ومثل توكيد الضمير المرفوع -توكيدا لفظيا بالضمير
المنفصل- توكيده توكيدا معنويا؛ بلفظ من ألفاظ التوكيد
المعنوي؛ التي مرت في باب التوكيد؛ ومن ذلك قول الشاعر:
ذعرتم أجمعون ومن يليكم
برؤيتنا وكنا الظافرينا
فقوله "ومن يليكم": معطوف على تاء المخاطبين في قوله:
"ذعرتم"؛ وهذه "التاء" نائب فاعل؛ لأنها، قد أكدت بقوله:
"أجمعون".
3 21 سورة الأنبياء، الآية: 54. =
ج / 3 ص -351-
فاصل كان بين المتبوع والتابع؛ نحو:
{يَدْخُلُونَهَا وَمَنْ صَلَحَ}1،
أو فصل بـ"لا" بين العاطف والمعطوف؛ نحو
{مَا أَشْرَكْنَا وَلا آبَاؤُنَا}2،
وقد اجتمع الفصلان في نحو:
{مَا لَمْ تَعْلَمُوا
أَنْتُمْ وَلا آبَاؤُكُمْ}3، ويضعف بدون ذلك،
كـ"مررت بردل سواء والعدم"4؛ أي: مستوٍ هو والعدم، وهو
فاشٍ في الشعر، كقوله5: [الكامل]
425- ما لم يكن وأب له لينالا6
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
= موطن الشاهد:
{لَقَدْ كُنْتُمْ أَنْتُمْ
وَآبَاؤُكُمْ}.
وجه الاستشهاد: عطف "آباؤكم" على الضمير المتصل الواقع في
محل رفع اسم "كان" بعد أن أكد الضمير المتصل "التاء"
بالضمير المنفصل "أنتم".
1 13 سورة الرعد، الآية: 23.
موطن الشاهد:
{يَدْخُلُونَهَا وَمَنْ صَلَحَ}.
وجه الاستشهاد: عطف "من صلح" بالواو على الضمير المتصل
الواو؛ الواقع في محل رفع فاعل لفعل "يدخلونها" بعد أن فصل
بين المتعاطفين بضمير النصب "ها".
2 6 سورة الأنعام، الآية: 148.
موطن الشاهد:
{مَا أَشْرَكْنَا وَلا
آبَاؤُنَا}.
وجه الاستشهاد: عطف "آباؤنا" على "نا" المتصلة بفعل أشرك،
بالواو، وفصل بين العاطف والمعطوف بـ"لا" كما هو واضح:
"ولا آباؤنا".
3 6 سورة الأنعام، الآية: 91.
وجه الاستشهاد:
{مَا لَمْ تَعْلَمُوا أَنْتُمْ
وَلا آبَاؤُكُمْ}.
موطن الشاهد: عطف "آباؤكم" بالواو على الضمير المتصل بفعل
تعلم؛ وهو "الواو" بعد أن فصل بين المتعاطفين بالتوكيد
"أنتم"؛ وفصل بين العاطف "الواو"، والمعطوف "آباؤكم"
بـ"لا".
4 هذه عبارة مأثورة عن العرب، فقد رفع "العدم" بالعطف على
الضمير المستتر في "سواء"؛ لأنه مؤول بالمشتق فيتحمل
الضمير؛ وليس بينهما فاصل.
5 القائل: هو جرير بن عطية الخطفي، وقد مرت ترجمته.
6 تخريج الشاهد: هذا عجز بيت يهجو فيه الشاعر الأخطل
التغلبي وقومه؛ وصدر. قوله:
ورجا الأخيطل من سفاهة رأيه
وهو من شواهد: التصريح: 2/ 151، والأشموني: 840/ 2/ 429،
والعيني: =
ج / 3 ص -352-
[العطف على الضمير المخفوض]:
ولا يكثر العطف على الضمير المخفوض إلا بإعادة الخافض،
حرفا كان أو
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
= 4/ 160، والإنصاف: 2/ 476، والمقرب: 50، والهمع: 2/ 138،
والدرر: 2/ 181 والكامل للمبرد "الخيرية": 1/ 119، 2/ 39،
وديوان جرير: 451.
المفردات الغريبة: رجا: أمل؛ من الرجاء، وهو الأمل في
الحصول على الشيء. سفاهة رأيه: ضعف رأيه وفساده.
المعنى: أن الأخطل يرجو ويتمنى -لخفته وضعف رأيه وعدم
حصافته- ما لا يمكن أن يناله هو وأبوه من الآمال والأحلام.
الإعراب: رجا: فعل ماضٍ مبني على الفتح المقدر على الألف
للتعذر. الأخيطل: فاعل مرفوع، وعلامة رفعه الضمة الظاهرة.
"من سفاهة": متعلق بـ"رجا"، وسفاهة مضاف. رأيه: مضاف إليه،
وهو مضاف، والهاء: في محل جر بالإضافة. ما: نكرة بمعنى
شيء؛ أو اسم موصول بمعنى الذي في محل نصب مفعولا به
لـ"رجا" لم: حرف نفي وجزم وقلب. يكن: فعل مضارع ناقص
مجزوم، وعلامة جزمه السكون؛ واسمه: ضمير مستتر جوازا؛
تقديره: هو، يعود إلى الأخيطل. وأب: الواو عاطفة، أب: اسم
معطوف على الضمير المستتر في "يكن" والعائد إلى الأخطل.
"له": متعلق بمحذوف صفة لـ"أب". لينالا: اللام لام الجحود،
لا محل له من الإعراب. ينالا: فعل مضارع منصوب بأن المضمرة
وجوبا بعد لام الجحود؛ وعلامة نصبه حذف النون؛ والألف:
ضمير متصل في محل رفع فاعل؛ وجملة "ينالا": صلة للموصول
الحرفي، لا محل لها؛ والمصدر المؤول من "أن وما بعدها":
مجرور باللام؛ و"الجار والمجرور"؛ متعلق بخبر يكن؛ وجملة
"يكن واسمها وخبرها": في محل نصب صفة لـ"ما" إذا عددناها
نكرة تامة بمعنى شيء؛ وصلة للموصول إذا عددناها اسما
موصولا بمعنى الذي؛ وعلى هذا التقدير: فالعائد إلى الاسم
الموصول محذوف؛ وتقديره: رجا الأخيطل شيئا لم يكن هو وأبوه
لينالاه.
موطن الشاهد: "يكن وأب له".
وجه الاستشهاد: عطف "أب" بالواو على الضمير المرفوع
المستتر في "يكن" -على رأي الكوفيين- والبصريون لا يجيزون
ذلك، ويشترطون تأكيده؛ فلو جاء بالكلام على ما التزمه
البصريون؛ لقال: ما لم يكن هو وأب له؛ أو لفصل بين المعطوف
والمعطوف عليه بشيء؛ ومثل هذا الشاهد السابق قول الراعي
النميري:
فلما لحقنا والجياد عشية
دعوا يا لكلب واعتزينا لعامر
انظر الدرر اللوامع: 2/ 191.
ج / 3 ص -353-
اسما؛ نحو:
{فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ}1،
{قَالُوا نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ آبَائِكَ}2 وليس بلازم، وفاقا ليونس والأخفش والكوفيين، بدليل قراءة ابن عباس
والحسن3 وغيرهما: "تساءلون به والأرحامِ"4، وحكاية قطرب5
"ما فيها غيره..............
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 41 سورة فصلت، الآية: 11.
موطن الشاهد
{فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ}.
وجه الاستشهاد: عطف "للأرض" على "الهاء" في "لها" المجرورة
باللام، وأعيدت الأم مع المعطوف؛ وحكم إعادة الخافض؛
الجواز مع الكثرة.
2 2 سورة البقرة، الآية: 133.
موطن الشاهد:
{نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ
آبَائِكَ}.
وجه الاستشهاد: وقوع "آبائك" معطوفا على الكاف المخفوضة
بإضافة "إله" إليها، وأعيد المضاف؛ وهو "إله" مع المعطوف؛
وأعيد الخافض في هذه الآية والتي قبلها؛ لأن الضمير
المخفوض؛ كالتنوين في شدة اللزوم -كما قال الحوفي- وكما لا
يعطف على التنوين؛ لشدة لزومه؛ لا يعطف على ما أشبهه.
التصريح: 2/ 151.
3 عبد الله بن عباس، والحسن البصري؛ وقد مرت ترجمتهما.
4 4 سورة النساء، الآية: 1.
أوجه القراءات: قرأ ابن عباس، والحسن البصري، وحمزة:
"والأرحام"، بالجر عطفا على الضمير المتصل الواقع في محل
جر بالباء في قوله تعالى:
{تَسَاءَلُونَ بِهِ}.
وقرأ نافع، وابن كثير، وأبو عمرو، وابن عامر: "
تَسَاءَلُونَ بِهِ "، وقرأ ابن مسعود: "تسألون". البحر
المحيط: 3/ 157، والتيسير: 93، والحجة: 188.
موطن الشاهد:
{تَسَاءَلُونَ بِهِ
وَالْأَرْحَامَ}.
وجه الاستشهاد: جر "الأرحام" وعطفه على الضمير المجرور
بالياء -على هذه القراءة- من دون إعادة الجار؛ لأن
التقدير: تساءلون به وبالأرحام؛ فدل ذلك على أنه يجوز
إعادة الجار، وعدم إعادته.
5 هو أبو علي، محد بن المستنير البصري النحوي، لازم
سيبويه، وأخد عنه كثيرا، وكان يدلج إليه، فإذا خرج سيبويه
سحرا رآه على بابه، فقال له: ما أنت إلا قطرب ليل؛ فلقب
به؛ والقطرب: دويبة تسعى طول الليل لا تفتر.
وقد أخذ كذلك، عن عيسى بن عمر، وجماعة من علماء البصرة؛ له
مصنفات كثيرة؛ منها: الاشتقاق، والأضداد، ومعاني القرآن،
والعلل في النحو، وغير ذلك. مات سنة 206هـ.
البلغة: 247، إنباه الرواة: 3/ 219، بغية الوعاة: 1/ 242،
الفهرست: 52، الأعلام: 7/ 315.
ج / 3 ص -354-
................................ وفرسه"1، قيل: ومنه
{وَصَدٌّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ
الْحَرَامِ}2 إذ ليس العطف على السبيل؛ لأنه صلة
المصدر3، وقد عطف عليه
{كُفْرٌ} ولا يعطف على المصدر حتى تكمل معمولاته4.
[عطف الفعل على
الفعل]:
ويعطف الفعل على الفعل بشرط اتحاد زمانيهما؛ سواء اتحد
نوعاهما؛ نحو:
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 هذه قولة لبعض العرب؛ وقد جرت "فرسه" بالعطف على الهاء
المجرورة بإضافة "غير" إليها، من غير إعادة الجار، وهو
المضاف.
2 2 سورة البقرة، الآية: 217.
موطن الشاهد:
{كُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ
الْحَرَامِ}.
وجه الاستشهاد: عطف "المسجد" على "الهاء" المجرور محلا
بالباء، من غير إعادة الخافض؛ لأنه لو أعيد؛ لقيل:
وبالمسجد؛ وذكر صاحب التصريح: "وقال في المغني: والصواب أن
خفض المسجد بباء محذوفة؛ لدلالة ما قبلها عليها، لا
بالعطف؛ ومجموع "الجار والمجرور" عطف على "به".
انظر التصريح: 2/ 152.
3 أي: وهو "صد"؛ لأنه متعلق به.
4 وذلك، لئلا يلزم الفصل بين المصدر ومعموله بأجنبي؛ فلو
عطف "المسجد" على "سبيل"؛ لكان من جملة معمولات "صد"؛ لأن
المعطوف على معمول المصدر، من جملة معمولاته؛ وفي العطف
على الضمير المخفوض، يقول الناظم:
وعود خافض لدى عطف على
ضمير خفض لازما قد جعلا
وليس عندي لازما إذ قد أتى
في النثر والنظم الصحيح مثبتا
والمعنى: أن عود الخافض -عند العطف، على الضمير- أمر لازم
عند النحاة؛ ولكنه ليس بلازم، عند ابن مالك؛ لأن عدم
إعادته، قد ورد مثبتا في النظم، وفي النثر معا. هذا، وقد
استدل من أجاز العطف على الضمير المجرور من دون إعادة
الجار، بقول الشاعر:
فاليوم قربت تهجونا وتشتمنا
فاذهب فما بك والأيام من عجب
حيث عطف "الأيام" على الضمير المخاطب المتصل في قوله: "بك"،
من غير إعادة "الجار" مع المعطوف؛ لأنه لو أعاد؛ لقال: فما
بك وبالأيام؛ والأمثلة على هذا كثيرة.
انظر التصريح: 2/ 152، والمغني: 700، وحاشية الصبان: 3/
114-115.
ج / 3 ص -355-
{لِنُحْيِيَ بِهِ بَلْدَةً مَيْتًا وَنُسْقِيَهُ}1؛ ونحو:
{وَإِنْ تُؤْمِنُوا وَتَتَّقُوا
يُؤْتِكُمْ أُجُورَكُمْ وَلا يَسْأَلْكُمْ أَمْوَالَكُمْ}2، أم اختلفا؛ نحو:
{يَقْدُمُ قَوْمَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَأَوْرَدَهُمُ
النَّارَ}3؛ ونحو:
{تَبَارَكَ الَّذِي إِنْ شَاءَ
جَعَلَ لَكَ خَيْرًا مِنْ ذَلِكَ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ
تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَيَجْعَلْ لَكَ قُصُورًا}4 الآية.
[عطف الفعل على
الاسم المشبه له في المعنى]:
ويعطف الفعل على الاسم المشبه له في المعنى5؛ نحو:
{فَالْمُغِيرَاتِ صُبْحًا
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 25 سورة الفرقان، الآية: 49.
موطن الشاهد:
{لِنُحْيِيَ بِهِ بَلْدَةً
مَيْتًا وَنُسْقِيَهُ}.
وجه الاستشهاد: عطف فعل "نسقيه" على فعل "نحيي"؛ وكلاهما
فعل مضارع منصوب؛ وحكم هذا العطف الجواز باتفاق.
2 47 سورة محمد، الآية: 36.
موطن الشاهد:
{وَإِنْ تُؤْمِنُوا وَتَتَّقُوا
يُؤْتِكُمْ أُجُورَكُمْ وَلا يَسْأَلْكُمْ أَمْوَالَكُمْ}.
وجه الاستشهاد: عطف "تتقوا" على "تؤمنوا"، و"يسألكم" على
"يؤتكم"؛ من عطف الشرط على الشرط، والجواب على الجواب؛
وكلاهما فعل مضارع مجزوم؛ وحكم هذا العطف الجواز باتفاق.
3 11 سورة هود، الآية: 98.
موطن الشاهد:
{يَقْدُمُ قَوْمَهُ يَوْمَ
الْقِيَامَةِ فَأَوْرَدَهُمُ النَّارَ}.
وجه الاستشهاد: عطف فعل "أورد" على فعل "يقدم"؛ وأورد ماض،
ولكنه مستقبل المعنى؛ لأنه بمعنى يورد؛ والثاني: مضارع؛
وحكم هذا العطف جائز باتفاق.
4 25 سورة الفرقان، الآية: 10.
موطن الشاهد:
{تَبَارَكَ الَّذِي إِنْ شَاءَ
جَعَلَ لَكَ خَيْرًا مِنْ ذَلِكَ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ
تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَيَجْعَلْ لَكَ قُصُورًا}.
وجه الاستشهاد: عطف "يجعل" وهو مضارع مجزوم على "جعل"
الماضي؛ لأنه في محل جزم؛ وهو مستقبل بسبب دخول أداة الشرط
عليه؛ التي تستلزم أن يكون زمن فعل الشرط وجوابه مستقبلا،
وحكم العطف -هنا- جائز باتفاق.
هذا، ويلاحظ -هنا: أن المصنف مثل للماضي والمضارع ولم يمثل
للأمر؛ وذلك لأن فعل الأمر بدون فاعله، لا يكون معطوفا،
ولا معطوفا عليه -على الصحيح-؛ لأنه لا يفارق فاعله لا
لفظا، ولا تقديرا. ويعرف عطف الفعل وحده على آخر كذلك؛ إذا
نصب الفعلان، أو جزما بغير تكرار الناصب، أو الجازم. أما
في حالة الرفع في المضارعين؛ فيجوز أن يكون من عطف المفرد،
أو الجملة؛ والقرينة هي التي توضح المراد. ضياء السالك: 3/
196.
5 هو الاسم المشتق العامل؛ كاسم الفاعل، واسم المفعول،
والصفة المشبهة والمصدر الصريح أيضا، واسم الفعل في بعض
أحواله.
ج / 3 ص -356-
فَأَثَرْنَ}1؛ ونحو:
{صَافَّاتٍ وَيَقْبِضْنَ}2؛ ويجوز العكس كقوله3: [الرجز]
426- أم صبي قد حبا أو دارج4
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 100 سورة العاديات، الآية: 3، والآية 4.
موطن الشاهد:
{فَالْمُغِيرَاتِ صُبْحًا
فَأَثَرْنَ}.
وجه الاستشهاد: عطف "أثرن" وهو فعل ماض على "المغيرات"؛
وهو اسم فاعل مشبه للفعل؛ لأنه في تأويل الفعل؛ والتقدير:
واللائي أغرن؛ وقيل: إن "أثرن" لا محل لها؛ لأنها معطوفة
على صلة أل؛ وهو الرأي الأرجح.
2 67 سورة الملك، الآية: 19.
موطن الشاهد:
{صَافَّاتٍ وَيَقْبِضْنَ}.
وجه الاستشهاد: عطف فعل "يقبضن" على "صافات"؛ وهو اسم
فاعل؛ لأنه في معنى "يصففن"؛ ومعنى صافات: ناشرات أجنحتهن
في الجو؛ ومعنى يقبضن: يضممن الأجنحة إلى الأجسام.
3 القائل هو: جندب بن عمرو؛ ولم أعثر له على ترجمة وافية.
4 تخريج الشاهد: هذا عجز بيت، يذكر فيه امرأة الشماخ بن
ضرار الغطفاني الشاعر المعروف؛ وصدره قوله:
يا رب بيضاء من العواهج
وهو من شواهد: التصريح: 2/ 152، والأشموني: 844/ 2/ 430.
المفردات الغريبة: العواهج: جمع عوهج؛ وهي في الأصل:
الطويلة العنق من الظباء والنوق والنعام؛ والمراد هنا:
المرأة التامة الخلق. حبا: زحف ومشى على عجزه. دارج: اسم
فاعل، من درج الصبي إذا مشى هينا متقارب الخطو.
المعنى: يريد الشاعر امرأة تامة الخلق، تشبه الظباء في طول
عنقها، ولا يكون معها غير صبي يحبو، أو قريب عهد بالمشي لا
يكاد يدرك، حتى لا ينم عن اتصاله بها.
الإعراب: يا: للتنبيه. رب: حرف جر شبيه بالزائد. بيضاء:
اسم مجرور لفظا بـ"رب" وعلامة جره الفتحة؛ لأنه ممنوع من
الصرف، في محل رفع مبتدأ. "من العواهج": متعلق بمحذوف صفة
لـ"بيضاء". أم: بالجر بدل أو عطف بيان على "بيضاء" باعتبار
اللفظ؛ وبالرفع باعتبار المحل؛ أو خبر لمبتدأ محذوف، أم:
مضاف. صبي: مضاف إليه مجرور، وعلامة جره الكسرة الظاهرة.
قد: حرف تحقيق، لا محل له من الإعراب. حبا: فعل ماض مبني
على الفتح المقدر على الألف للتعذر، والفاعل: ضمير مستتر
جوازا؛ تقديره: هو، يعود إلى "صبي"؛ وجملة "حبا": في محل
جر صفة لـ"صبي". أو: حرف عطف. دارج: معطوف على =
ج / 3 ص -357-
وجعل منه الناظم:
{يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَمُخْرِجُ الْمَيِّتِ مِنَ
الْحَيِّ}1 وقدر الزمخشري عطف "مخرج" على "فالق"2.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
= "حبا"؛ لتأويله بـ"درج"؛ مجرور بالكسرة الظاهرة؛ لأن محل
المعطوف عليه "حبا" جر؛ لكونه -كما علمنا- صفة لـ"صبي"؛
وفي هذا شيء من التساهل؛ لأن الذي هو في محل جر، إنما هو
الفعل وفاعله معا، وليس للفعل وحده محل.
موطن الشاهد: "دارج". وجه الاستشهاد: عطف الاسم المشبه
للفعل "دارج" على الفعل "حبا"؛ وفي هذا تساهل -كما
أسلفنا-؛ لأن المعطوف عليه: محل جملة "حبا"؛ لأنها صفة
للنكرة؛ فهو من العطف على الجملة؛ لا على الفعل.
وقيل: إن قبل هذا الرجز:
يا ليتني علقت غير حارج
قبل الصباح ذات خلق بارج
فيكون قوله: "أم صبي" بدلا أو عطف بيان من "ذات خلق بارج"
ومعنى غير حارج: غير آثم، ولا واقع في الحرج. وبارج: حسن
وجميل.
انظر ضياء السالك: 3/ 197.
1 6 سورة الأنعام، الآية: 95.
موطن الشاهد:
{يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ
الْمَيِّتِ وَمُخْرِجُ الْمَيِّتِ مِنَ الْحَيِّ}.
وجه الاستشهاد: استشهد المؤلف بهذه الآية على عطف اسم
الفاعل "مخرج" على الفعل "يخرج" -تبعا لابن مالك-؛ ويرى
الزمخشري: أن "مخرج" معطوف على "فالق"؛ فيكون من عطف الاسم
على الاسم؛ ولكل منهما مرجحان، فمرجح الأول: سلامته من
الفصل بين المتعاطفين بجملة، وذكر الشيء ومقابله؛ ومرجح
الثاني: عدم التأويل، والتوافق بين نوعي المتعاطفين.
التصريح: 2/ 153.
2 فيكون من عطف الاسم على الاسم.
هذا، ويجوز عطف الجملة الاسمية على نظيرتها؛ كما يجوز عطف
الجملة الفعلية على مثلها؛ بشرط اتفاقهما خبرا أو إنشاء.
ويمتنع إن اختلفا في ذلك على الصحيح. أما عطف الاسمية على
الفعلية، والعكس؛ فجائز على الراجح. ومن الحكم المأثورة:
"للباطل جولة ثم يضمحل"؛ فالجملة المضارعة معطوفة على
الجملة الاسمية قبلها. وقد تعطف الجملة على المفرد، أو
العكس؛ إذا كانت الجملة في الحالتين مؤولة بالمفرد؛ كأن
تكون نعتا، أو خبرا، أو حالا؛ كقوله تعالى:
{وَكَمْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا فَجَاءَهَا
بَأْسُنَا بَيَاتًا أَوْ هُمْ قَائِلُونَ}؛ أي: أو قائلين. وقوله تعالى:
{وَإِذَا مَسَّ الْإِنْسَانَ الضُّرُّ دَعَانَا لِجَنْبِهِ أَوْ
قَاعِدًا أَوْ قَائِمًا}؛ فقاعدا معطوف على قوله
"لجنبه".
ج / 3 ص -358-
[ما تختص به الفاء والواو]:
فصل: تختص الفاء والواو بجواز حذفهما مع معطوفهما لدليل1؛
مثاله في الفاء:
{أَنِ اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْحَجَرَ فَانْبَجَسَتْ}2؛ أي: فضرب فانبجست، وهذا الفعل المحذوف معطوف على "أوحينا"؛
ومثاله في الواو قوله3: [الطويل]
427- فما كان بين الخير لو جاء سالما
أبو حجر إلا ليال قلائل4
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 وتشاركهما في ذلك "أم" المتصلة؛ كقول الشاعر:
دعاني إليها القلب إني لأمره
سميع فما أدري أرشد طلابها
والتقدير: أرشد طلابها أم غي؟ فحذف أم ومعطوفها؛ لانفهام ذلك
من همزة الاستفهام. وقيل: إن الهمزة للتصديق؛ فلا تحتاج
لمعادل.
ونظير ذلك قول أبي ذؤيب أيضا:
وقال صحابي قد غبنت وخلتني
غبنت فما أدري أشكلكم شكلي
وتقدير الكلام: فما أدري أشكلكم شكلي أم غيره؟
وإنما اقتصر المؤلف -هنا- على ذكر الواو والفاء -كما اقتصر
ابن مالك في الألفية عليهما-؛ لأن حذفهما مع معطوفهما أكثر
من ذلك الحذف مع غيرهما.
التصريح: 2/ 154.
2 7 سورة الأعراف، الآية: 160.
موطن الشاهد:
{فَانْبَجَسَتْ}
وجه الاستشهاد: عطف "فانبجست" على "ضرب"
المحذوف؛ والتقدير: فضرب فانبجست؛ والفعل المحذوف "ضرب":
معطوف على "أوحينا" من قوله تعالى في سورة الأعراف:
{وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى إِذِ اسْتَسْقَاهُ قَوْمُهُ أَنِ اضْرِبْ
بِعَصَاكَ الْحَجَرَ فَانْبَجَسَتْ}؛
وتسمى الفاء العاطفة على مقدر فاء الفصيحة. التصريح: 2/
153.
3 هو: النابغة الذبياني، وقد مرت ترجمته.
4 تخريج الشاهد: هذا بيت من قصيدة للنابغة، يرثي فيها أبا
حجدر النعمان بن الحارث بن أبي شمر الغساني. وهو من شواهد:
التصريح: 2/ 153، والأشموني: 844/ 2/ 430، والعيني: 4/
167، وديوان النابغة الذبياني: 62.
المعنى: لم يكن بيني وبين ما كنت أرجو وأطمع فيه، من خير
ونعمة، إلا مدة قليلة؛ لو سلم النعمان، وجاء إلينا؛ ولكن
القدر كان له بالمرصاد؛ فذهبت آمالي.
الإعراب: ما: نافية، لا محل لها من الإعراب. كان: فعل ماض
ناقص. "بين": متعلق بمحذوف خبر "كان" تقدم على اسمه، وهو
مضاف. الخير: مضاف إليه مجرور. لو: حرف شرط غير جازم. جاء:
فعل ماض مبني على الفتح. سالما: حال =
ج / 3 ص -359-
أي: بين الخير وبيني؛ وقولهم: "راكب الناقة
طليحان"؛ أي: والناقة.
وتختص الواو بجواز عطفها عاملا قد حذف وبقي معموله1؛
مرفوعا كان؛ نحو؛
{اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ}2؛ أي: وليسكن زوجك، أو منصوبا؛ نحو:
{وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ}3؛ أي: وألفوا الإيمان، أو مجرورا، نحو: "ما كل سوداءَ تمرة ولا
بيضاءَ شحمة"؛ أي، ولا كل بيضاء.
وإنما لم يجعل العطف فيهن على الموجود في الكلام لئلا يلزم
في الأول: رفع
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
= منصوب، وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة؛ تقدم على صاحبه "أبو
حجر". أبو: فاعل جاء مرفوع، وعلامة رفعه الواو؛ لأنه من
الأسماء الستة، وهو مضاف. حجر: مضاف إليه مجرور، وعلامة
جره الكسرة الظاهرة؛ وجواب "لو" محذوف؛ لدلالة سياق الكلام
عليه؛ وجملة "لو وفعلها وجوابها": اعتراضية، لا محل لها؛
لاعتراضها بين خبر كان واسمها. إلا: أداة حصر، لا محل لها
من الإعراب. ليال: اسم كان مرفوع وعلامة رفعه الضمة
المقدرة على الياء المحذوفة للتخلص من التقاء الساكنين.
قلائل. صفة لـ"ليال" مرفوعة، وعلامة رفعه الضمة الظاهرة.
موطن الشاهد: "وبيني".
وجه الاستشهاد: حذف "الواو" ومعطوفها وهو "وبيني"؛ لأن
التقدير: بين الخير وبيني؛ كما ذكر المصنف، والدليل على
ذلك: أن "بين" يجب أن تضاف إلى متعدد، كما أسلفنا.
1 انظر هذا الموضوع في مباحث المفعول معه.
2 2 سورة البقرة، الآية: 35.
موطن الشاهد:
{اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ
الْجَنَّةَ}.
وجه الاستشهاد: مجيء "زوجك" فاعلا لفعل محذوف، معطوف على
"سكن"؛ والتقدير: اسكن أنت ولتسكن زوجك؛ فهو من عطف الأمر
على الأمر؛ وحكم هذا العطف الجواز باتفاق.
3 59 سورة الحشر، الآية: 9.
موطن الشاهد:
{تَبَوَّءُوا الدَّارَ
وَالْإِيمَانَ}.
وجه الاستشهاد: وقوع "الإيمان" مفعولا به؛ لفعل محذوف،
معطوف على تبوءوا؛ والتقدير: تبوءوا الدار وألفوا الإيمان؛
فهو من عطف جملة على جملة؛ وحكم هذا العطف الجواز.
ج / 3 ص -360-
فعل الأمر للاسم الظاهر1؛ وفي الثاني: كون
الإيمان متبوأ، وإنما يتبوأ المنزل2؛ وفي الثالث: العطف
على معمولي عاملين3؛ ولا يجوز في الثاني أن يكون الإيمان
مفعولا معه؛ لعدم الفائدة في تقييد الأنصار بمصاحبة
الإيمان؛ إذ هو أمر معلوم.
[جواز حذف
المعطوف عليه بالفاء والواو]:
ويجوز حذف المعطوف عليه بالفاء والواو4؛ فالأول كقول
بعضهم: "وبك وأهلا وسهلا"، جوابا لمن قال له: مرحبا،
والتقدير: ومرحبا بك وأهلا5، والثاني؛ نحو:
{أَفَنَضْرِبُ عَنْكُمُ الذِّكْرَ صَفْحًا}6؛ أي: أنهملكم فنضرب، ونحو:
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 أي: لو جعل "وزوجك" معطوفا على فاعل اسكن المستتر؛ لكان
شريكه في عامله؛ والأمر لا يرفع الظاهر.
2 أي: لو جعل "الإيمان" معطوفا على "الدار"؛ لكان معمولا
لتبوءوا؛ والتبوء؛ معناه: التهيؤ. وقيل: إنه يقال: تبوأ
فلان الدار، إذا لزمها، وعلى هذا يصح العطف، ولا يحتج إلى
تقدير عامل.
3 ذلك؛ لأن "سوداء": معمول لـ"كل"، و"تمرة" معمول "ما" فلو
عطف بيضاء على سوداء، وشحمة على تمرة؛ لزم ذلك المحذور،
وهو غير جائز على الأصح عند الجمهور.
التصريح: 2/ 154.
4 ومثلهما "أم" المتصلة، وذلك عند أمن اللبس في الجميع.
5 الجار والمجرور وهو "بك" متعلقان بكلمة "مرحبا" المحذوفة
"وأهلا" الواو عاطفة، و"أهلا" معطوف على مرحبا المحذوفة؛
عطف مفرد على مفرد؛ فالمعطوف عليه محذوف؛ وهو محل الشاهد،
و"سهلا" معطوف على مرحبا المحذوفة؛ فالمعطوف عليه محذوف.
وسيبويه يجعل "مرحبا" و"أهلا" منصوبين على المصدر. ونظير
هذه العبارة قول القائل: "وعليكم السلام"؛ جوابا لمن قال:
"السلام عليكم"، فالواو في الجواب؛ لعطف كلام المتكلم
المجيب، على كلام المخاطب؛ مثلها في العبارة السابقة.
التصريح: 2/ 155، كتاب سيبويه: 1/ 295.
6 43 سورة الزخرف، الآية: 5.
موطن الشاهد:
{أَفَنَضْرِبُ عَنْكُمُ
الذِّكْرَ صَفْحًا}.
وجه الاستشهاد: عطف جملة "نضرب" على جملة محذوفة؛
والتقدير: أنهملكم فنضرب عنكم الذكر صفحا؟.
ج / 3 ص -361-
{أَفَلَمْ يَرَوْا إِلَى مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ}1؛ أي: أعموا فلم يروا.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 34 سورة سبأ، الآية: 9.
موطن الشاهد:
{أَفَلَمْ يَرَوْا إِلَى مَا
بَيْنَ أَيْدِيهِمْ}.
وجه الاستشهاد: عطف كل من جملتي "نضرب"، و"لم يروا" بالفاء
على جملة محذوفة بينها وبين الهمزة؛ لأن المعطوف عليه
بالفاء خاص بالجمل؛ والهمزة في الموضعين في موضعها الأصلي؛
وهذا رأي الزمخشري ومن تبعه، واختاره المصنف. غير أن
سيبويه والجمهور، يرون: أن الهمزة قدمت من تأخير؛ تنبيها
على أصالتها في التصدير؛ ومحلها الأصلي بعد الفاء؛ والأصل:
فأنضرب، فألم يروا. والأول أرجح.
ومثال الحذف مع بقاء "أم" المتصلة، قوله تعالى:
{أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ
اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ}؛
فالتقدير: أعلمتم أن الجنة حفت بالمكاره؟ أم حسبتم أن
تدخلوا الجنة... وقد أشار ابن مالك إلى ما تقدم بقوله:
"وحذف متبوع بدا هنا استبح".
والمعنى: أي استبح حذف معطوف عليه ظهر، وذكر في هذا
الموضع، وهو العطف بالواو والفاء وأم.
انظر التصريح: 2/ 154-155.
حاشية الصبان: 3/ 117.
فوائد وملحقات: أ- لا يجوز تقديم المعطوف على المعطوف
عليه، وما ورد من ذلك؛ فهو شاذ يقتصر فيه على المسموع؛
ومنه قول الأحوص:
ألا يا نخلة من ذات عرق
عليك ورحمة الله السلام
ب- يجوز الفصل بين الواو ومعطوفها بظرف، أو جار ومجرور؛ ومنه
قوله تعالى:
{وَجَعَلْنَا مِنْ بَيْنِ
أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا}،
ولا يجوز بين الفاء ومعطوفها إلا في الضرورة الشعرية.
ج- الأصل في عطف النسق: المغايرة بين المتعاطفين، فلا يصح
عطف الشيء على نفسه. وأجاز بعضهم ذلك إذا اختلف اللفظان
لغرض بلاغي، أو لقصد التفسير والتوضيح، ومنه قول الشاعر:
وألفى قولها كذبا ومينا
انظر ضياء السالك: 3/ 201. |