أوضح المسالك إلى ألفية ابن مالك ج / 4 ص -112-
[باب ما لا ينصرف1]:
هذا باب ما لا ينصرف
[بين المعرب
والمبني من الأسماء]:
الاسم إن إشبه الحرف بني كما مر، وسمي غير متمكن2، وإلا
أعرب، ثم المعرب إن أشبه الفعل3 منع الصرف4، كما سيأتي،
وسمي غير
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 اختلف النحاة في مأخذ هذه الكلمة؛ فقيل: من الصريف؛ وهو
التصويت، ولا شك في أن التنوين تصويت في آخر الاسم
المنصرف؛ وقيل: من الانصراف؛ وهو الرجوع؛ فكأن الاسم
انصرف، ورجع عن مشابهة الفعل والحرف؛ أو انصرف عن طريقهما
إلى طرق الاسمية المحضة. والأصل في الاسم: أن يكون معربا
منصرفا؛ أما الإعراب؛ فلأنه تتوارد وتتعاقب عليه معانٍ لا
تتميز إلا بالإعراب؛ كالفاعلية والمفعولية؛ وأما الصرف؛
فلخفته في النقط. ولا يخرج عن أصله إلا إذا أشبه الفعل، أو
الحرف. ووجود هذا التنوين في الاسم المعرب؛ يجعله أشد
تمكُّنًا في الاسمية، وأقوى فيها من غيره؛ ولهذا يسمى
تنوين الأمكنية؛ كما يسمى تنوين الصرف.
التصريح: 2/ 209، الأشموني: 2/ 506.
2 أي لعدم تمكنه في باب الاسمية، بسبب عدم قبوله الحركات.
3 أي: في علتين فرعيتين؛ ترجع إحداهما إلى اللفظ، والثانية
إلى المعنى، أو في علة واحدة، تقوم مقام العلتين
المذكورتين.
4 أي: التنوين كما منع "افعل"، وإيضاح ذلك؛ كما يقول
النحاة: إن الفعل فرع عن الاسم في اللفظ؛ لأنه مشتق من
المصدر؛ والفرع أضعف من الأصل؛ وفرع عنه في المعنى؛ لأن
الفعل محتاج دائمًا إلى فاعل، والفاعل لا يكون إلا اسما؛
والحاجة ضعف. فإذا وجدت في بعض الأسماء هذه الفرعية، وهذا
الضعف بنوعين، أو بنوع واحد آخر يقوم مقامهما؛ فقد شابه
الفعل؛ فيعطى حكمه في المنع من التنوين، ويمتنع تبعا لذلك
جره بالكسرة؛ لتآخيهما في الاختصاص بالأسماء؛ فيجر بالفتحة
نيابة عنها؛ بشرط ألا يكون مضافا، ولا مقترنا بـ "أل" كما
سيأتي. هكذا يعلل النحويون سبب منع بعض الأسماء من الصرف،
والعلة الحقيقية: هي السماع من العرب؛ لأن العربي ما كان
يعرف شيئا من تلك العلل.
التصريح وحاشية يس: 2/ 209، الهمع: 1/ 24.
ج / 4 ص -113-
أمكن1، وإلا صرف، وسُمِّيَ أمكن.
[معنى الصرف]:
والصرف: هو التنوين2 الدال على معنىً يكون الاسم به أمكن؛
وذلك المعنى: هو عد مشابهته للحرف وللفعل؛ كـ "زيد"
و"فرس".
وقد علم من هذا أن غير المنصرف؛ هو الفاقد لهذا التنوين؛
ويستثنى من ذلك؛ نحو: "مسلمات"3؛ فإنه منصرف مع أنه فاقد
له؛ إذ تنوينه لمقابلة4 نون جمع المذكر السالم.
[الممنوع من
الصرف نوعان]:
ثم الاسم الذي لا ينصرف نوعان:
[ما يمنع من
الصرف لعلة واحدة]:
أحدهما:
ما يمتنع صرفه لعلة واحدة5؛ وهو شيئان:
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 أي: غير قوي التمكن في باب الاسمية؛ لاشتماله على علامة
واحدة؛ هي الإعراب، وحرمانه من العلامة الثانية؛ وهي
التنوين.
2 أي: وحده، كما هو رأي المحققين. أما عدم الجر بالكسرة،
فتابع له؛ لتآخيهما في الاختصاص بالأسماء.
3 أي: من جمع المؤنث السالم غير المسمى به، والباقي في
دلالته على الجمع: أما ما سُمِّيَ به منه؛ نحو: "عرفات"
فغير منصرف، ولا كلام فيه.
4 وليس من تنوين الأمكنية أيضا تنوين "العوض"، ولا تنوين
"التنكير"؛ لأنهما يدخلان الأسماء المنصرفة، وغير
المنصرفة.
5 تكون العلة الواحدة -في هذين الشيئين- كافية في منع
الاسم من الصرف؛ لأن في كل علة جهتين، جهة ترجع إلى اللفظ،
وجهة ترجع إلى المعنى؛ فقامت الواحدة منهما مقام علتين؛
فألف التأنيث لها جهتان؛ الأولى: الدلالة على أن مدخولها
مؤنث؛ والمؤنث فرع عن المذكر؛ والثانية: لزوم هذه الألف
لمصحوبها؛ بخلاف تاء التأنيث؛ فإنها غير لازمة لمدخولها،
فقد تحذف، فيصير مصحوبها مذكرا والجمع الموازن لـ "مفاعل"،
و"مفاعيل"؛ وهو ما يسمى صيغة "منتهى الجموع"؛ فيه جهتان
دالتان على الفرعية:
الأولى: خروجه عن صيغ الآحاد العربية. والثانية: دلالته
على الجمع؛ وأولى هاتين الجهتين: راجعة إلى اللفظ،
وثانيتهما: راجعة إلى المعنى.
ج / 4 ص -114-
أحدهما: ما فيه ألف التأنيث مطلقا؛ أي: مقصورة كانت أو ممدودة1، ويمتنع صرف
مصحوبها، كيفما وقع؛ أي: سواء وقع نكرة؛ كـ "ذكرى"
و"صحراء"؛ أم معرفة كـ "رضوى" و"زكرياء"، أم مفردا كما
تقدم، أو جمعا كـ "جرحى" و"أنصباء"، أم اسما، كما تقدم، أم
صفة كـ "حبلى"، و"حمراء".
والثاني:
الجمع الموازن لمفاعل، ومفاعيل2؛ كـ "دراهم" و"دنانير".
وإذا كان "مفاعل" منقوصا؛ فقد تبدل كسرته فتحة؛ فتنقلب
ياؤه ألفا، فلا ينون، كـ "عذارى"، و"مدارى"، والغالب: أن
تبقى كسرته؛ فإذا خلا من "أل" والإضافة أُجرِيَ في الرفع
والجر مجرى: قاضٍ وسارٍ في حذف يائه4، وثبوت تنوينه، نحو:
{وَمِنْ فَوْقِهِمْ
غَوَاشٍ}،
{وَالْفَجْرِ، وَلَيَالٍ
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 يقصد بألف التأينث المقصورة: الألف التي تجيء في نهاية
الاسم المعرب؛ لتدل على تأنيثه؛ ومثلها الممدودة؛ غير أن
الممدودة لا بد من أن تسبقها ألف زائدة للمد؛ فتنقلب ألف
التأنيث همزة؛ وسيأتي إيضاح هذا في موضعه، وإنما استقلت
هذا بالمنع؛ لأن وجود ألف التأنيث وزيادتها في آخر الاسم
علة لفظية؛ لدلالتها على أن مدخولها مؤنث؛ والتأنيث: فرع
التذكير؛ كما أسلفنا؛ وملازمتها له في حالاته كلها علة
معنوية. انظر حاشية الصبان: 3/ 230.
2 المراد بـ "مفاعل" هنا: كل اسم بعد ألف جمعه حرفان؛ سواء
أكان مبدوءًا بـ "ميم"؛ نحو: مساجد، أم لم يكن؛ نحو:
صيارف، وجواهر؛ والمراد بـ "مفاعيل": كل اسم بعد ألف تكسير
ثلاثة أحرف وسطها ساكن؛ سواء أكان مبدوءًا بالميم؛ نحو:
مصابيح، أم لم يكن؛ نحو: عصافير، وقراطيس. التصريح: 2/
211.
3 أي في حالتي الرفع والجر مع بقاء الكسرة قبلها، ومجيء
التنوين عوضا عنها، ويكون مجرورا بفتحة مقدرة؛ وتنوينه
للعوض، بخلاف "قاضٍ"؛ فإنه مجرور بكسرة مقدرة؛ وتنوينه
للصرف.
4 "7" سورة الأعراف، الآية: 31.
موطن الشاهد:
{مِنْ فَوْقِهِمْ غَوَاشٍ}.
وجه الاستشهاد: مجيء "غواشٍ": مبتدأ مؤخر؛ خبره الجار
والمجرور قبله، مرفوع، وعلامة رفعه الضمة المقدرة على
الياء المحذوفة؛ لالتقاء الساكنين؛ والتنوين في غوشا: بدل
الياء المحذوفة.
ج / 4 ص -115-
عَشْرٍ}1 وفي النصب مجرى دراهم في سلامة آخره؛ وظهور فتحته؛ نحو:
{سِيرُوا فِيهَا لَيَالِيَ}2.
و"سراويل" ممنوع من الصرف مع أنه مفرد3: فقيل: إنه أعجمي،
حمل على موزانة من العربي وقيل: إنه منقول عن جمع سروالة؛
ونقل ابن الحاجب4 أن
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 "89" سورة الفجر، الآية: 1، 2.
موطن الشاهد: {وَلَيَالٍ عَشْرٍ}.
وجه الاستشهاد: وقوع "ليال" معطوفا على الفجر، مجرورا
مثله، وعلامة جره الفتحة المقدرة على الياء المحذوفة؛
لالتقاء الساكنين، منع من ظهورها الثقل، نيابة عن الكسرة؛
لأنه ممنوع من الصرف لصيغة منتهى الجموع تقديرا. التصريح:
2/ 212.
2 "34" سورة سبأ، الآية: 18.
موطن الشاهد:
{لَيَالِيَ}.
وجه الاستشهاد: انتصاب "ليالي" الممنوع من الصرف بالفتحة
من دون التنوين؛ لأن الاسم الممنوع من الصرف لا يظهر عليه
التنوين في الحالات كلها.
3 ذهب أبو العباس المبرد: إلى أن "سراويل" جمع حقيقة؛ وله
مفرد مستعمل؛ وهو سروالة، وأنشد دليلا على ذلك قول الشاعر:
عليه من اللؤم سروالة
فليس يرق لمستعطف
ويقال: مفرده "سروال" بدون تاء؛ وممن ذكر أن "سراويل" جمع له
مفرد مستعمل: الأخفش، وأبو حاتم، والحريريّ.
وقيل: إن "سراويل" مفرد أعجمي، جاء على زنة الجمع العربي؛
فعامله العرب معاملة الجمع تبعا للفظه. والذي صححه كثير من
العلماء؛ هو ما ذهب إليه المبرد، ومن ذكرنا من حملة اللغة؛
إذ هم نقلة أثبات؛ وقد نقلوا هذا، كما نقلوا غيره مما
أخذناه عنهم؛ ولهذا فلا معنى لرد قولهم في هذا الموضوع
وادعاء أن البيت الذي استشهدوا به مصنوع.
التصريح: 2/ 212، والهمع، 1/ 25، المقتضب: 3/ 346.
4 هو جمال الدين، أبو عمرو؛ عثمان بن عمر بن الحاجب، نحوي
فقيه، ولد بمصر سنة 57هـ برع في النحو واللغة والأصول؛ وله
في النحو: الكافية، وشرحها، وفي التصريف الشافية، وشرحها،
وشرح المفصل، بشرح سماه "الإيضاح". تأدب على الشاطبي، وأخذ
عنه بعض القراءات، وتصدَّر للتدريس بالقاهرة في مدرستها
الفاضلية، ودرس بجامع دمشق، وتوفي بالاسكندرية سنة 646هـ.
البلغة: 140، بغية الوعاة: 2/ 134، وفيات الأعيان: 1، 314،
الأعلام، 4/ 374.
ج / 4 ص -116-
من العرب من يصرفه، وأنكر ابن مالك عليه
ذلك1.
وإن سمي بهذا الجمع؛ أو بما وازنه من لفظ أعجمي: سراويل
وشراحيل2 أو لفظ ارتجل للعلمية مثل: كشاجم3، منع الصرف.
[ما يمنع صرفه
لعلتين]:
النوع الثاني:
ما يمتنع صرفه بعلتين؛ وهو نوعان:
أحدهما:
ما يمتنع صرفه نكرة ومعرفة؛ وهو ما وضع صفة4، وهو إما مزيد
في آخره ألف ونون5؛ أو موازن للفعل، أو معدول.
أما ذو الزيادتين؛ فهو: "فَعلان" بشرط أن لا يقبل التاء؛
إما لأن مؤنثه فعلى؛ كـ "سكران وغضبان وعطشان"؛ أو لكونه
لا مؤنث له كـ "لحيان"6، بخلاف نحو:
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 وردَّ بأنه ناقل، ومن نقل حجةٌ على من لم ينقل.
2 اسم لعدة أشخاص؛ من المحدثين والصحابة. قال صاحب
القاموس: لا ينصرف عند سيبويه في معرفة، ولا نكرة وعند
الأخفش؛ ينصرف في النكرة. فإن حقرته انصرف عندهما.
التصريح: 2/ 213.
3 كشاجم: لقب شاعر عباسي من شعراء دولة بني حمدان؛
والمشهور أنه بضم الكاف.
4 الوصفية، هي العلة المعنوية؛ لأنها فرع عن الجمود
لاحتياجها إلى موصوف تنسب إليه بخلاف الجامد، وما عداها
علة لفظية.
5 بشرط أن تكونا مشبهتين لألفي التأنيث في "حمراء"، في
الاختصاص، وعدم لحاق التاء.
6 أما فعلان الذي جاء له مؤنث على وزن فعلى كـ "سكران
وغضبان"، فقد اتفق العرب على منعه من الصرف، ووجه ذلك وجود
العلتين الفرعيتين اللتين ترجع إحداهما إلى لفظه، وترجع
الأخرى إلى معناه؛ أما فرعية المعنى فهي الوصفية؛ لأنها
فرع الجمود، إذا كانت الصفة تحتاج إلى موصوف، وأما "فعلان"
الذي لا مؤنث له؛ كـ "لحيان"، فقد اختلف فيه، والصحيح فيه
المنع من الصرف على تقدير: أن له مؤنثا على "فعلى"؛ وحكى
قومٌ أن من العرب من يصرف هذا النوع، بدعوى أنه لو كان له
مؤنث؛ لكان بالتاء.
التصريح: 2/ 213، والأشموني: 2/ 510.
ج / 4 ص -117-
مصَّان للئيم، وسيفان للطويل، وأليان لكبير
الألية، وندمان: من المنادمة لا من الندم؛ فإن مؤنثاتها
فعلانة.
وأما ذو الوزن فهو: "أفعل" بشرط أن لا يقبل التاء؛ إما لأن
مؤنثه "فعلاء"؛ كـ "أحمر"، أو فعلى كـ "أفضل"؛ أو لكونه لا
مؤنث له؛ كـ "أكمر" و"آدر"، وإنما صرف أربع في نحو: "مرت
بنسوة أربع"؛ لأنه وضع اسما؛ فلم يلتفت لما طرأ له من
الوصفية، وأيضا فإنه قابل للتاء، وإنما منع بعضهم صرف باب
"أبطح وأدهم" للقيد، و"أسود وأرقم"؛ للحية، مع أنها أسماء؛
لأنها وضعت صفات؛ فلم يلفت إلى ما طرأ لها من الاسمية،
وربما اعتد بعضهم باسميتها؛ فصرفها؛ وأما "أجدل" للصقر،
و"أخيل" لطائر ذي خيلان1، وأفعى للحية2، فإنها: أسماء في
الأصل والحال؛ فلهذا صرفت في لغة الأكثر، وبعضهم يمنع
صرفها لِلَمْحِ معنى الصفة فيها؛ وهي القوة والتلون
والإيذاء3؛ قال4: [الطويل]
478- فراخ القطا لاقين أجدل بازيا5
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 جمع خال؛ وهي النقطة التي يخالف لونها لون سائر الجسم،
وتسمي "الشامة"؛ وقيل: هو طائر أخضر اللون، على جناحيه
نقط؛ كالخيلان تخالف لونه، ويسمى "الشِقرَّاق"، والعرب
تتشاءم به؛ فتقول: أشأم من أخيل.
2 اختلف النحاة في أصل "أفعى"؛ فذهب أبو علي الفارسي إلى
أنها من مادة "ي ف ع"؛ وعليه يكون أصلها: "أيفع"؛ فأخرت
الياء -التي هي فاء الكلمة- إلى موضع اللام؛ فصارت "أفعى"؛
ثم تحركت الياء، وانفتح ما قبلها، فقلبت ألفا؛ فوزنها على
هذا: "أعلف"، وذهب ابن جني: إلى أن أصل مادتها: "ف و ع"؛
وعلي هذا، يكون أصلها: "أفوع"؛ فأخرت الواو التي هي عين
الكلمة إلى موضع اللام؛ فصارت: "أفعو"؛ ثم قلبت الواو
ألفًا؛ لتحركها وانفتاح ما قبلها؛ فصارت "أفعى" فوزنها على
هذا "أفلع". وقال غيرهما: إن أصل مادتها: "ف ع و"؛ بدليل
الأفعوان؛ فلا تقديم ولا تأخير؛ وعليه فوزنها: "أفعل"،
وإلى هذا مال ابن هشام. التصريح: 2/ 214.
3 القوة بالنسبة للأجدل؛ لأنه مشتق من الجدل، وهو الشدة.
واللون بالنسبة للأخيل؛ لأنه من المخيول، وهو الكثير
الخيلان، والإيذاء بالنسبة للأفعى؛ لما يلحظ فيها من
الإيذاء الذي اشتهرت به.
4 القائل: هو القطامي؛ عمير بن شييم، وقد مرت ترجمته.
5 تخريج الشاهد: هذا عجز بيت، وصدره قوله.
كأن العقيليِّين يوم لقيتهم
ج / 4 ص -118-
وقال1: [الطويل]
479 - فما طائري يوما عليك بأخيلا2
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
= وهو من شوا هد: التصريح: 2/ 214، والأشموني: "974/ 2/
513".
المفردات الغريبة: العقيليين: جمع عقيلي؛ نسبة إلى قبيلة
عقيل. فراخ القطا: الفراخ: جمع فرخ؛ وهو الصغير من الطيور.
والقطا: جمع قطاة؛ وهو نوع من الطير يشبه الحمام أجدل: هو
الصقر. بازيا: اسم فاعل من بزا عليه؛ إذا تطاول على وغلبه،
والبازي: طائر معروف؛ وهو نوع من الصقور.
المعنى: يصف الشارع نفسه بالقوة والشجاعة، ويرمي عقيلا
بالضعف وعدم الثبات، وأنهم حين تقاتلوا؛ كان العقيليون،
كفراخ القطا، وكان هو كالصقر والبازي، ولا تستطيع الفراخ
من القطا، أن تثبت أمام الصقور.
الإعراب: كأن: حرف مشبه بالفعل. العقيليين: اسم "كأن"
منصوب، وعلامة نصبه الياء؛ لأنه جمع مذكر سالم. "يوم":
متعلق بـ "كأن"؛ لتضمنها معنى "أشبه". لقيتهم: فعل ماضٍ
مبني على السكون؛ لاتصاله بضمير رفع متحرك، والتاء: فاعل،
و"هم": مفعول به؛ وجملة "لقيتهم": في محل جر بالإضافة بعد
"إذا". فراخ: خبر "كأن" مرفوع، وهو مضاف. القطا: مضاف إليه
مجرور، وعلامة جره الكسرة المقدرة على الألف للتعذر.
لاقين: فعل ماضٍ مبني على السكون؛ لاتصاله بنون النسوة؛
والنون ضمير متصل مبني على الفتح؛ في محل رفع فاعل. أجدل:
مفعول به منصوب، وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة. بازيا: صفة
لـ "أجدل" منصوب؛ أو بدل منه؛ أو معطوف عليه بعاطف مقدر؛
والأول: أفضل.
موطن الشاهد: "أجدل".
وجه الاستشهاد: منع "أجدل" من الصرف -مع أنه اسم لا وصف-
وذلك؛ لما فيه من معنى الوصفية -القوة والشدة- فضلا عن وزن
الفعل؛ فالتقي فيه سببان من الأسباب المانعة من الصرف.
1 القائل: هو حسان بن ثابت الأنصاري، الصحابي، وقد مرت
ترجمته.
2 تخريج الشاهد: هذا عجز بيت، وصدره قوله:
ذريني وعلمي بالأمور وشيمتي
وهو من كلام الشاعر يخاطب امرأته؛ وقبل الشاهد قوله:
لك الخير غضي اللوم عني، فإنني
أحب من الأخلاق ما كان أجملا
والشاهد من شواهد: التصريح: 2/ 214، والأشموني: "975/ 2/
514"، والعيني: 4/ 348، واللسان "خيل"، وديوان حسان بن
ثابت: 348. =
ج / 4 ص -119-
[ذو العدل]:
وأما ذو العدل1 فنوعان:
أحدهما:
موازن "فُعال" و"مفعل"؛ من الواحد إلى الأربعة باتفاق، وفي
الباقي؛
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
= المفردات الغريبة: ذريني: دعيني واتركيني، والمضارع يذر،
والماضي من هذه المادة غير مستعمل. شيمتي: خلقي وطبيعتي.
المعنى: اتركيني وخبرتي بالأمور وسجيتي؛ فما كنت في يوم من
الأيام شؤما عليك.
الإعراب: ذريني: فعل أمر مبني على حذف النون؛ لاتصاله بياء
المؤنثة المخاطبة، والنون: للوقاية، والياء: ضمير متصل في
محل نصب مفعول به. وعلمي: الواو واو المعية، علمي: مفعول
معه منصوب، وعلامة نصبه الفتحة المقدرة على ما قبل ياء
المتكلم، والياء: ضمير متصل مبنى على السكون في محل جر
بالإضافة. "بالأمور".
متعلق بـ "علم"؛ لأنه مصدر. وشيمتي: الواو عاطفة، شيمتي:
معطوف على "علمي" والياء: في محل جر بالإضافة. فما: الفاء
تعليلية، ما: نافية؛ وعاملة عمل ليس. طائري: مبتدأ مرفوع،
أو اسم "ما" النافية، وهو مضاف، والياء: مضاف إليه.
"يوما": متعلق بقوله: "أخيلا" الآتي؛ لتضمنه معنى الوصف.
"عليك": متعلق بقوله: "أخيلا" الآتي أيضا؛ لما ذكرنا.
بأخيلا: الباء حرف جر زائد، أخيلا: اسم مجرور لظفا، وعلامة
جره الفتحة؛ لأنه ممنوع من الصرف، مرفوع محلا على أنه خبر
المبتدأ على الوجه الأول، ومنصوب محلا على الوجه الثاني؛
وهو الأرجح.
موطن الشاهد: "بأخيلا".
وجه الاستشهاد: منع "أخيل" من الصرف؛ حيث جر لفظا بالفتحة
بدل الكسرة مع أنه اسم للطائر المعروف؛ وذلك لأنه لمحت فيه
صفة التلون؛ اجتمع في الوصفية المتخيلة؛ غير أن بعضهم
يمنعها من الصرف؛ لتخيل معنى الوصفية فيه على النحو الذي
بيناه في الإعراب.
1 العدل: تحويل الاسم، من هيئة إلى أخرى؛ تحقيقا أو
تقديرا؛ مع بقاء المعنى الأصلي؛ لغير قلب، أو تخفيف، أو
إلحاق، أو معنى زائد- فخرج؛ نحو: "أيس" مقلوب يئس، وفخْذ
مخفف فخِذ، وكوثر "بزيادة الواو" إلحاقا بجعفر، ورجيل
"مصغر رجل" لزيادة معنى التحقير؛ فهذا كله يمسى معدولا.
ج / 4 ص -120-
على الأصح1؛ وهي معدولة عن ألفاظ العدد
الأصول مكررة؛ فأصل "جاء القوم أحاد": جاءوا واحدا واحدا؛
وكذا الباقي، ولا تستعمل هذه الألفاظ إلا نعوتا؛ نحو:
{أُولِي أَجْنِحَةٍ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ}2،
أو أحوالا؛ نحو:
{فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ
مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ}3،
أو أخبارا نحو: "صلاة الليل مثنى مثنى"4 وإنما كرر لقصد
التوكيد، لا لإفادة التكرير.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 اختلف أهل اللغة: في وزن "فُعال، ومفعل" من واحد إلى
عشرة؛ أهما مسموعان عن العرب أم أن المسموع بعضها وما بقي
مقيس على ما سمع منهم؟
فالكوفيون يقولون: إن المسموع من واحد إلى خمسة وعشرة؛ وما
بين الخمسة والعشرة مقيس، وتبعهم في ذلك الزجاج. ويرى أبو
عبيدة: أن المسموع من واحد إلى أربعة ليس غير؛ واختار
المؤلف هنا ما ذهب إليه أبو عمرو الشيباني: من أن البناءين
مسموعان من الواحد إلى العشرة.
هذا، وقد ذكر السخاوي: أنه يعدل من الواحد إلى العشرة أيضا
على وزن: فعلان "بضم الفاء وسكون العين"؛ فيقال: "واحدان"
و"ثنيان"، ومن ذلك قول الشاعر:
وخيل كفاها ولم يكفها
ثُناء الرجال ووحدانها
التصريح: 2/ 214. الهمع: 1/ 26-27.
2 "35" سورة فاطر، الآية:1.
موطن الشاهد:
{مَثْنَى}.
وجه الاستشهاد: وقوع "مثنى" صفة لـ "أجنحة" مجرورًا،
وعلامة جره الفتحة المقدرة على الألف نيابة عن الكسرة؛
لأنه ممنوع من الصرف؛ للوصفية والعدل؛ و"ثلاث ورباع"
معطوفان على "مثنى"؛ وهذه الألفاظ، لا تثنى، ولا تجمع.
3 "3" سورة النساء، الآية: 3.
موطن الشاهد:
{مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ}.
وجه الاستشهاد: وقوع الألفاظ السابقة أحوالا من النساء.
4 "مثنى" الأولى: خبر "صلاة"، والثانية: للتوكيد، لا
للتكرير؛ لأنه حاصل بالأولى. ومثل "أحاد" موحد، "مثنى":
ثناء.
ج / 4 ص -121-
حكم آخر:
الثاني "أُخَر" في نحو: "مررت بنسوة أُخَر"؛
لأنها جمع الأخرى، والأخرى: أنثى آخر، بالفتح، بمعنى
مغاير، وآخر من باب اسم التفضيل، واسم التفضيل: قياسه أن
يكون في حال تجرده من "أل" والإضافة مفردا مذكرا؛ نحو:
{لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ أَحَبُّ إِلَى أَبِينَا مِنَّا}1؛
ونحو:
{قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ} إلى قوله سبحانه:
{أَحَبَّ إِلَيْكُمْ}2؛ فكان القياس أن يقال: "مررت
بامرأة آخر"، و"بنساء آخر"، و"برجال آخر" و"برجلين أخر"
ولكنهم قالوا: أخرى، وأخر، وآخرون، وآخران، قال الله
تعالى:
{فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَى}3،
{فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ
أُخَرَ}4،
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 "12" سورة يوسف، الآية: 8.
موطن الشاهد:
{لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ أَحَبُّ}.
وجه الاستشهاد: وقوع اسم التفضيل مفردا مذكرا، وهو جار على
مثنى؛ لتجرده من "أل" والإضافة.
2 "9" سورة التوبة، الآية: 24.
موطن الشاهد:
{إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ
وَأَبْنَاؤُكُمْ... أَحَبَّ إِلَيْكُمْ}.
وجه الاستشهاد: وقوع اسم التفضيل "أحب" مفردا مذكرا وهو
جارٍ على مجموع؛ لتجرده من "أل" والإضافة.
3 "2" سورة البقرة، الآية: 282.
موطن الشاهد:
{الْأُخْرَى}.
وجه الاستشهاد: مجيء اسم التفضيل "الأخرى" مؤنثا؛ لاقترانه
بـ "أل" و"الأخرى" ليست معدولة هنا.
4 "2" سورة البقرة، الآية: 184.
موطن الشاهد: "أُخَرَ".
وجه الاستشهاد: وقوع "أخر" صفة لأيام ممنوعا من الصرف
للوصفية والعدل. وقد اختلف في بيان العدل في "أخر"، فقال
أكثر النحويين: هو معدول عن الأخر معرفا بأل؛ لأنه أفعل
تفضيل، أو في حكمه. فحقه ألا يجمع ولا يؤنث إلا مقرونا بـ
"أل"، أو مضافًا إلى معرفة، فحيث وجد بدون ذلك؛ حكمنا
بعدله عما يستحقه من التعريف بـ "أل". والتحقيق: أنه معدول
عما كان يستحقه من لفظ الواحد المذكر، وهو آخر كما بينه
المصنف.
ج / 4 ص -122-
{وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا}1،
{فَآخَرَانِ يَقُومَانِ}2.
وإنما خص النحويون "أُخَر" بالذكر؛ لأن في أخرى ألف
التأنيث؛ وهو أوضح من العدل، وأخرون وآخران: معربان
بالحروف فلا مدخل لهما في هذا الباب، وأما "آخر" فلا عدل
فيه، وإنما العدل في فروعه، وإنما امتنع من الصرف للوصف
والوزن.
وإنما كانت أخرى بمعنى آخرة؛ نحو:
{وَقَالَتْ أُولاهُمْ لِأُخْرَاهُمْ}3؛ جمعت على أُخر مصروفا؛ لأن
مذكرها آخِر، بالكسر، بدليل:
{وَأَنَّ عَلَيْهِ
النَّشْأَةَ الْأُخْرَى}4،
{ثُمَّ اللَّهُ يُنْشِئُ النَّشْأَةَ الْآخِرَةَ}؛ فليس من باب اسم التفضيل.
وإذا سمي بشيء من هذه الأنواع6؛ بقي على منع الصرف؛ لأن
الصفة لما ذهبت
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 "9" سورة التوبة، الآية: 102.
موطن الشاهد:
{آخَرُونَ}.
وجه الاستشهاد: وقع "آخرون" معربا بالواو، وهو ليس من
الممنوع من الصرف؛ لأن الممنوع من الصرف إعرابه بالحركات.
2 "5" سورة المائدة، الآية: 107.
موطن الشاهد:
{آخَرَانِ}.
وجه الاستشهاد: وقع "آخران" معربا بالحرف "الألف"؛ لأنه
ملحق بالمثنى فهو ليس من باب الممنوع من الصرف المعرب
بالحركات.
3 "7" سورة الأعراف، الآية: 39.
موطن الشاهد:
{قَالَتْ أُولاهُمْ
لِأُخْرَاهُمْ}.
وجه الاستشهاد: مجيء "أُخرى" بمعنى آخرة بكسر الخاء، وهي
تجمع على "أخر" ومذكرها" آخر" بالكسر فليست من باب اسم
التفضيل.
5 "53" سورة النجم، الآية: 47.
موطن الشاهد:
{وَأَنَّ عَلَيْهِ النَّشْأَةَ
الْأُخْرَى}.
وجه الاستشهاد: وقوع "الأخرى" صفة لـ "النشأة"، فليست من
باب اسم التفضيل كما في المتن.
5 "29" سورة العنكبوت، الآية: 20.
موطن الشاهد:
{ثُمَّ اللَّهُ يُنْشِئُ
النَّشْأَةَ الْآخِرَةَ}.
وجه الاستشهاد: وقوع "الآخرة"صفة لـ "النشأة"؛ فهي ليست
اسم تفضيل.
6 أي: الأنواع الثلاثة التي تمنع من الوصفية؛ وهي: الوصف
ذو الزيادتين، والموازن للفعل، والمعدول؛ وفي الوصفية مع
العدل؛ يقول ابن مالك:
ومنع عَدْلٍ معَ وَصْفٍ مُعتبرْ
في لفظ "مثنى، وثلاث، وأُخَرْ
ووزن "مثنى وثلاث" كهما
من واحد لأربع فليعلما
والمعنى: أن الاسم، يمنع من الصرف، للوصفية والعدل، في لفظ
مثنى وثلاث: على وزن: "مفعل وفعال"، وفي لفظ: "أخر"؛ ومثل
مثنى وثلاث: ما كان على وزنهما، من ألفاظ الأعداد الأربعة
الأولى، وقد سمع في بقية الأعداد إلى "عشار"، و"معشرا" كما
ذكر المؤلف.
ج / 4 ص -123-
بالتسمية، خلفتها العلمية1.
النوع الثاني:
ما لا ينصرف معرفة وينصرف نكرة، هو سبعة:
أحدها:
العلم المركب تركيب المزج2؛ كـ "بعلبك"، و"حضرموت" وقد
يضاف أول جزأيه إلى ثانيهما3، وقد يبنيان على الفتح، وعلى
اللغات الثلاث؛ فإن كان آخر الأول معتلا؛ كـ "معد يكرب"،
و"قالي قلا"4؛ وجب سكونه مطلقًا5.
الثاني:
العلم ذو الزيادتين6 كـ "مروان، وعمران، وعثمان،
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 الذي ذهب إليه المؤلف من منع الصرف بعد التسمية في
الأنواع المذكورة- رأي الجمهور، وذهب الأخفش والمبرد
والفارسي إلى أنه إذا سمي بالممنوع من الصرف -للوصفية
والعدل- نحو: مثنى وثلاث، انصرف.
التصريح: 2/ 215-216.
2 أي: إذا كان معربا؛ بأن كان غير عددي وغير مختوم بـ
"ويه" ويفتح الجزء الأول؛ إلا إذا كان معتلا، فيسكن نحو:
معدي كرب. ويجعل الإعراب على الثاني؛ وهذا هو المشهور.
3 فيعرب الصدر بحسب العوامل، ويجر الثاني بالإضافة، ويعطى
العجز من الصرف وعدمه ما يستحقه لو كان مفردا، فإن كان فيه
مع العلمية سبب مؤثر منع الصرف وإلا صرف، وكذا حكم عجز
العلم المضاف أصالة: فيمنع في نحو أبي هريرة، وأبي عمر،
وأبي يعقوب، ويصرف في نحو عبد الله.
4 اسم موضع.
5 أي: رفعا ونصبا وجرا. معربا أو مبنيا: ويكون الجزء
الثاني ممنوعا من الصرف ومعدي كرب: اسم رجل في الأصل مركب
من جزأين، "معدي" اسم مكان أو زمان من "عدا"؛ بمعنى جاوز،
و"كرب" بمعنى فساد.
6 علامة زيادة الألف والنون: سقوطهما في بعض التصاريف؛ كما
في نسيان وكفران إذا ردَّا إلى نسي وكفر، فإن كانا فيما لا
يتصرف؛ فعلامة الزيادة أن يكون قبلهما أكثر من حرفين
أصليين من غير تضعيف الثاني؛ كعثمان؛ وهذا في غير المضاعف،
أما هو: فإن قدرت أصالة ما حصل به التضعيف؛ فالزيادة، وإلا
فالنون أصلية؛ فحسان وعفان وحيان إن قدرتهما من الحس
والعفة والحياة منعتها؛ ووزنها "فعلان"، وإن قدرتها من
الحسن، والعفن، والحين؛ صرفتها ووزنها "فعلال". انظر تفصيل
ذلك في التصريح: 2/ 217.
ج / 4 ص -124-
وغطفان1، وإصبهان"2.
الثالث:
العلم المؤنث، ويتحتم منعه من الصرف إن كان بالتاء؛ كـ
"فاطمة" و"طلحة"، أو زائدا على ثلاثة؛ كـ "زينب"، و"سعاد"،
أو محرك الوسط؛ كـ "سقر"، و"لظى"، وأعجميا، كـ "ماه"،
و"جور"، أو منقولا من المذكر إلى المؤنث3؛ كـ "زيد"، اسم
امرأة، ويجوز في نحو: "هند"، و"دعد" الصرف وتركه4؛ وهو
أولى، والزجاج يوجبه5، وقال عيسى والجرمي والمبرد6 في نحو:
"زيد"، اسم امرأة، إنه كهند7.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 اسم قبيلة من قبائل العرب؛ سميت باسم أبيها؛ وهو غطفان
بن قيس عيلان.
2 بكسر الهمزة وفتح الموحدة: اسم بلد بفارس؛ سميت بذلك لأن
أول من نزلها أصبهان بن فلوح بن لمطي بن يافث.
3 لأنه حصل بنقله إلى المؤنث ثقل يعادل خفة اللفظ بالسكون
ويجعلها كالعدم، فيرجع إلى تحتم المنع.
4 وعلى الوجهين ورد قول الشاعر:
لم تلفع بفضل مئزرها
دعدٌ، ولم تسق دعدُ في العلب
فقد صرف "دعد" في المرة الأولى، ومنع صرفه في المرة الثانية.
5 أي المنع: وحجته: أن سكون الوسط خفيف فلا يغير حكما
أوجبه اجتماع علتين تمنعان الصرف.
6 هم: عيسى بن عمر الثقفي، وأبو عمرو الجرمي، وأبو العباس
المبرد، وقد مرت ترجمتهم.
7 أي: في جوز الوجهين، وقد استدلوا بقوله تعالى:
{اهْبِطُوا مِصْرًا} مع قوله:
{وَقَالَ ادْخُلُوا مِصْرَ}،
فإن مصر -في الأصل- اسم لمذكر؛ وهو مصر بن نوح عليه
السلام. ثم نقل وجعل علما على البلدة؛ وهي مؤنثة؛ فصار
كزيد المذكور. وردَّ بأن يكون المراد مصرًا من الأمصار؛ لا
مصر المعروفة؛ فليس علما؛ أو المراد: المكان: فيكون علما
لمذكر.
الخلاصة: أن العلم المؤنث يجب منعه من الصرف، إلا إذا كان
ثنائيا، أو ثلاثيا ساكن الوسط غير أعجمي، وغير منقول عن
مذكر. ففي هاتين الحالتين يصح المنع وعدمه؛ هذا ويجوز في
أسماء القبائل والأرضين: الصرف على تأويلها بالحي والمكان
وعدمه على إرادة القبيلة والبقعة؛ إلا إذا سمع أحدهما فلا
يتجاوز. و"مصر" عند تأويله بالبقعة يتعين منعه؛ لأنه منقول
من مذكر، وليس كـ "هند". الهمع: 1/ 34، وكتاب سيبويه: 3/
242-256.
ج / 4 ص -125-
الرابع: العلم لأعجمي؛
إن كانت علميته في اللغة العجمية1، وزاد على ثلاثة؛ كـ
"إبراهيم"، و"إسماعيل"، وإذا سمي بنحو: "لجام"، و"فرند"
صرف؛ لحدوث علميته؛ ونحو: "نوح"، و"لوط"، و"شتر"3 مصروفة،
وقيل: الساكن الوسط ذو وجهين، والمحرَّكَهُ متحتم المنع.
الخامس: العلم
الموازن للفعل، والمعتبر من وزن الفعل
أنواع.
أحدها:
الوزن الذي يخص الفعل؛ كـ "خضم"؛ لمكان، و"شمر"؛ لفرس،
و"دئل"؛ لقبيلة، وكـ "انطلق"، و"استخرج، و"تقاتل" أعلاما.
الثاني:
الوزن الذي به الفعل أولى؛ لكونه غالبا فيه؛ كـ "إثمد"،
و"أصبع"، و"أبلم"، أعلاما؛ فإن وجود موازنها في الفعل أكثر
كالأمر من ضرب، وذهب، وكتب.
الثالث:
الوزن الذي به الفعل أولى؛ لكونه مبدوءا بزيادة تدل في
الفعل ولا تدل في الاسم؛ نحو: أفكل4 وأكلب؛ فإن الهمزة
فيهما لا تدل؛ وهي في موازنهما من الفعل؛ نحو: "أذهب
وأكتب" دالة على المتكلم.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 المراد بالأعجمي: ما عدا العربي. وتعرف العجمة بنقل
الأئمة، أو بخروج الاسم عن الأوزان العربية للأسماء كـ
"إبراهيم"، أو خلوه من أحرف الذلاقة الستة المجموعة في "مر
بنفقل"، وهي خماسي أو رباعي، وأن يجتمع فيه من الحروف ما
لا يجتمع في كلام العرب، كالجيم مع القاف كـ "جرموق"، أو
مع الصاد؛ كـ "صولجان"، وتبعية الراء للنون أول الكلمة؛ كـ
"نرجس"، والزاي للدال آخرها كـ "مهندز".
انظر التصريح: 2/ 219، والأشموني: 2/ 530.
2 الفرند: السيف وجوهره ووشيه، وهو فارسي معرب، كما قال
أبو منصور الجواليقي في كتاب "المعرب".
3 اسم قلعة من أعمال أران بأذربيجان.
4 اسم للرعدة والرعشة، يقال: نزل به الأفكل؛ أي: أصابته
رعدة.
ج / 4 ص -126-
ثم لا بد من كون الوزن لازما باقيا غير
مخالف لطريقة الفعل؛ فخرج بالأول؛ نحو: "امرؤ" علما؛ فإنه
في النصب نظير أذهب؛ وفي الجر نظير أضرب فلم يبق على حالة
واحدة؛ وبالثاني نحو: "رد"، و"قيل"، و"بيع"؛ فإن أصلها
فعل؛ ثم صارت بمنزلة قفل وديك؛ فوجب صرفها، ولو سميت
بضُرْبَ مخففا من ضُرِبَ؛ انصرف اتفاقا، ولو سميت بضرِبَ
ثم خففته؛ انصرف أيضا عند سيبويه، وخالفه المبرد؛ لأنه
تغيير عارض؛ وبالثالث نحو: "ألبُب"، بالضم، جمع لب علما؛
لأنه قد باين الفعل بالفك؛ قاله أبو الحسن1، وخولف لوجود
الموازنة2.
ولا يؤثر وزن هو بالاسم أولى3، ولا وزن هو فيمها على
السواء، وقال عيسى4: إلا أن يكونا منقولين من الفعل؛
كالأمر من "ضارب، وتضارب، ودحرج" أعلاما، واحتج بقوله5:
[الوافر]
480- أنا ابن جلا وطلاع الثنايا6
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 هو الأخفش البصري، وقد مرت ترجمته.
2 قال سيبويه: إنه يمنع من الصرف لموازنته اكتب، ولأن الفك
رجوع إلى أصل متروك؛ كتصحيح استحوذ مثلا، فلا يمنع من
اعتبار وزن الفعل، وأيضا، فوقوع الفك في الأفعال معهود كـ
"اشدد" في التعجب، و"اردد" و"لم يردد".
التصريح: 2/ 221.
3 كفاعل؛ نحو: "كاهل" علما؛ فإنه وإن وجد في الفعل؛
كضارَبَ؛ إلا أنه في الاسم أولى؛ لكثرته.
4 هو عيسى بن عمر الثقفي، شيخ سيبويه، والخليل، وقد مرت
ترجمته.
5 القائل: هو سحيم بن وثيل اليربوعي، وقد مرت ترجمته.
6 تخريج الشاهد: هذا صدر بيت، وعجزه قوله:
متى أضعِ العمامة تعرفوني
والبيت تمثل به الحجاج، وهو يخطب في أهل العراق.
وهو من شواهد التصريح: 2/ 221، والأشموني: "980/ 2/ 531"،
والهمع: 1/ 30، والدرر:/ 10، وسيبويه: 2/ 7، المعاني
الكبير: 530، الكامل: 128-215، مجالس ثعلب: 212، أمالي
القالي: 1/ 246، شرح المفصل: 1/ 6، 3/ 59، والعيني: 4/
356، وحاشية يس: 2/ 112، والقطر: "26/ 120"، والأصمعيات:
16، والمغني: "287/ 212" "626/ 440" "1060/ 817".
ج / 4 ص -127-
وأجيب بأنه يحتمل أن يكون سمي بـ "جلا"؛ من
قولك: "زيد جلا"؛ ففيه ضمير؛ وهو من باب المحكيات؛ كقوله:
نبئت أخوالي بني يزيدُ1 [38]
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
= المفردات الغريبة: جلا: كشف: طلاع: صيغة مبالغة من
الطلوع؛ وهو الصعود. الثنايا: جمع ثنية؛ وهي: العقبة، أو
الجبل، أو الطريق إليهما؛ والمراد: مقتحم الشداد.
العمامة: يريد ما تلبس في الحرب، وتوضع في السلم، وهي
البيضة أو المغفر.
المعنى: أنا ابن رجل كشف الأمور، ومقتحم صعابها، ومذلل
عظائمها، متى أضع على رأسي عمامة الحرب تعرفون شجاعتي،
ومبلغ مقدرتي. وقيل: المراد بوضع العمامة؛ إزالتها عن
الرأس استعداد للحرب.
الإعراب: أنا: ضمير رفع منفصل مبني على السكون في محل رفع
مبتدأ. ابن: خبر مرفوع، وهو مضاف. جلا: مضاف إليه مجرور-
على رأي عيسى بن عمر، وهو رأي مرجوح، وعلامة جره الفتحة
المقدرة على الألف؛ لأنه ممنوع من الصرف؛ للعلمية ووزن
الفعل؛ ومعلوم أن "جلا" اسم علم منقول من الفعل؛ وبعضهم
أعرب "جلا" فعلا ماضيا، وفاعله: ضمير مستتر جوازًا؛
تقديره: هو، يعود إلى رجل المقدر بعد ابن، والتقدير: أنا
ابن رجل جلا الأمور؛ وجملة "جلا": في محل جر صفة لـ" رجل"
المقدر؛ وهذا الوجه أفضل من الأول. وطلاع: الواو عاطفة،
طلاع: اسم معطوف على ابن مرفوع مثله، وهو مضاف. الثنايا:
مضاف إليه مجرور. متى: اسم شرط جازم مبني على السكون، في
محل نصب على الظرفية الزمانية. أضع: فعل الشرط مجزوم،
والفاعل: أنا. تعرفوني: جواب الشرط مجزوم. وعلامة جزمه
النون، والواو: في محل رفع فاعل، والنون: للوقاية، والياء:
في محل نصب مفعول به.
موطن الشاهد: "جلا".
وجه الاستشهاد: استدل عيسى بن عمر بـ "جلا" على أنه علم
منقول من الفعل الماضي، ومنع من الصرف للعلمية ووزن الفعل،
وأجاب الجمهور بما ذكره المصنف في المتن.
1 هذا الرجز من كلام رؤبة بن العجاج، وبعده قوله:
ظلمًا علينا لهم فديد
وقد مر تخريج الشاهد والتعليق عليه في باب العلم.
موطن الشاهد: "يزيد".
وجه الاستشهاد: مجيء "يزيد" علما منقولا عن فعل مضارع،
وضمير مستتر فيه؛ وقد حكي هذا العلم على ما كان عليه قبل
العلمية؛ بدلالة رفعه على الرغم من كونه مضافًا إليه؛ ولو
كان منقولا عن الفعل وحده؛ لكان مجرورا، وعلامة جره الفتحة
بدل الكسرة؛ لأنه حينئذ ممنوع من الصرف؛ للعلمية، ووزن
الفعل.
ج / 4 ص -128-
وأن يكون ليس بعلم، بل صفة لمحذوف؛ أي: ابن
رجل جلا الأمور.
السادس:
العلم المختوم
بألف الإلحاق المقصورة1، كـ "علقى"،
و"أرطى" علمين2.
السابع:
المعرفة
المعدولة؛ وهي خمسة أنواع.
أحدها:
فُعَل في التوكيد؛ وهي: جُمَع، وكُتَع، وبُصَع، وبُتَع3،
فإنها معارف بنية الإضافة إلى ضمير المؤكد4، ومعدولة عن
فعلاوات؛ فإن مفرداتها: جمعاء، وكتعاء، وبصعاء، وبتعاء،
وإنما قياس فعلاء إذا كان اسما أن يجمع على فعلاوات كـ
"صحراء وصحروات".
الثاني:
سَحَر؛ إذا أريد به سحر يوم بعينه، واستعمل ظرفا مجردا من
"أل" والإضافة" كـ "جئت يوم الجمعة سحر"5؛ فإنه معرفة
معدولة عن السحر6،
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 إنما منعت ألف الإلحاق المقصورة؛ لشبهها بألف التأنيث:
في أن كلا منهما زائدة، غير مبدلة من شيء، وأنها لا تقع
إلا في وزن صالح لألف التأنيث؛ وأن ما هي فيه، في حالة
العلمية، لا يقبل تاء التأنيث، كما لا يقبلها ما فيه ألف
التأنيث هذا، وألف الإلحاق في غير العلم تلحقها التاء
والتنوين، ولا يلحقان ألف التأنيث مطلقا، وقد استعمل بعض
الأسماء منونا بجعل ألفه للإلحاق، وغير منون، بجعلها
للتأنيث؛ وبهما قرئ:
{تَتْرَى}،
في السبع، في قوله تعالى:
{ثُمَّ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا
تَتْرَى}.
2 علقى: اسم لنبت، تتخذ من سيقانه المكانس، وأرطى: شجر له
نور وثمر كالعناب.
3 كتع: من تكتع الجلد، إذا اجتمع، وبصع، من البصع؛ وهو
العرق المجتمع، وبتع، ممن البتع؛ وهو طول العنق.
4 فاصل: جاء النساء جمع؛ جمعهن؛ فحذف الضمير؛ للعلم به،
ونوى، فأشبهت بذلك العلم؛ من جهة أنها معرفة، بدون قرينة
لفظية؛ وهذا هو الصحيح.
5 المراد باليوم: ما يشمل الليل، كما هو أحد إطلاقيه،
و"سحرا": ظرف منصوب- على أنه بدل بعض من يوم، على تقدير
الضمير ممنوع من الصرف؛ للعلمية والعدل؛ والسحر: الثلث
الأخير من الليل.
6 أما التعريف: فقيل بالعلمية؛ لأنه جعل علما؛ لهذا الوقت؛
وقيل: يشبهها؛ لأنه تعريف بغير أداة ظاهرة؛ كالعلم. وأما
العدل: فلأنه لما أريد به معين كان حقه أن يذكر معرفا
التصريح: 2/ 223. الأشموني: 2/ 535-536.
ج / 4 ص -129-
وقال صدر الأفاضل1: مبني؛ لتضمنه معنى
اللام.
واحترز بالقيد الأول من المبهم؛ نحو:
{نَجَّيْنَاهُمْ بِسَحَرٍ}2، وبالثاني من المعين المستعمل غير ظرف؛
فإنه يجب تعريفه بـ "أل" أو الإضافة؛ نحو: "طاب السحر سحر
ليلتنا"، وبالثالث من نحو: "جئتك يوم الجمعة السحر، أو
سحره".
الثالث:
فُعَلُ علما لمذكر؛ إذ سمع ممنوع الصرف، وليس فيه علة
ظاهرة غير العلمية؛ نحو: "عمر"، و"زفر"، و"زحل"، و"جمح3؛
فإنهم قدروهم معدولا؛ لأن العلمية لا تسقبل بمنع الصرف مع
أن صيغة فعل قد كثر فيها العدل؛ كـ "غدر، وفسق"، وكـ "جمع،
كتع"، وكـ "أخر"4.
وأما "طوى"5؛ فمن منع صرفه فالمعتبر فيه التأنيث باعتبار
البقعة، لا العدل عن طاوٍ؛ لأنه قد أمكن غيره فلا وجه
لتكلفه، ويؤيده نه يصرف باعتبار المكان.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 هو أبو الفتح، ناصر بن أبي المكارم المطرزي الخوارزمي،
أحد أئمة اللغة العربية، والنحو والفقه، والأدب، وكان
يقال: هو تلميذ الزمخشري؛ له مصنفات كثيرة؛ منها: شرح
المقامات الحريرية، ومختصر المصباح في النحو، والإقناع في
اللغة؛ وله كتاب: المغرب، وكتب أخرى... مات سنة: 610هـ.
البلغة: 272، بغية الوعاة: 2/ 311، وفيات الأعيان: 2/ 151،
الأعلام: 8/ 311.
2 "54" سورة القمر: الآية: 34.
موطن الشاهد: {بِسَحَرٍ}.
وجه الاستشهاد: صرف "سحر"؛ لأنه غير محدد، وإنما هو سحر من
الأسحار؛ وحكم صرفه هنا الوجوب باتفاق.
3 وكذلك: مضر، هبل، جثم، قثم، قزح، دلف، عصم، بلغ، هذل،
جحا، ثقل؛ فهذه خمسة عشر اسما، سمعت عن العرب، غير مصروفة،
وليست فيها علة ظاهرة سوى العلمية.
4 يقول المصنف: إنهم لما وجدوا هذا النوع ممنوعا من الصرف،
وقد خلا من سائر الموانع؛ إلا العلمية؛ اضطروا إلى تقدير
علة أخرى؛ لئلا يلزم ترتيب المنع على علة واحدة، وقدر
العدل من دون غيره؛ لإمكانه؛ فإن الغالب في الأعلام النقل،
على أن هذا الوزن جاء فيه العدل كثيرا.
5 اسم واد بالشام.
ج / 4 ص -130-
الرابع: فَعَال علما لمؤنث؛ كـ "حذام"،
و"قطام" في لغة تميم1؛ فإنهم يمنعون صرفه؛ فقال سيبويه:
للعلمية والعدل عن فاعله2؛ وقال المبرد: للعلمية والتأنيث
المعنوي؛ كـ "زينب"3؛ فإن ختم بالراء؛ كـ "سفارط؛ اسما
لماء، وك "وبار"؛ أسما لقبيلة؛ بنوه على الكسر4؛ إلا قليلا
منهم، وقد اجتمعت اللغات في قوله5: [مخلع البسيط].
481 ألم تروا إرما وعادا
أودى بها الليل والنهار6
ومر دهر على وبار
فهلكت جهرة وبار
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 تميم: أبو قبيلة؛ وهو تميم بن مر بن أد طلحة بن إلياس بن
مضر.
2 لأن الغالب على الأعلام أن تكون منقولة.
3 وهذا القول أقوى وأصح؛ لتحققه؛ بخلاف العدل؛ فإنه يلجأ
إليه إذا لم يمكن غيره.
4أي: في جميع الأحوال، ويكون في محل رفع، أو نصب، أو جر،
على حسب الجملة؛ ومثلهما "ظفار"؛ ولعل السبب في ذلك: أن
لغتهم الإمالة والكسر يوصل إليها.
5 القائل، هو: الأعشى ميمون بن قيس، وقد مرت ترجمته.
6 تخريج الشاهد: البيتان من قصيدة للأعشى، يفصل بينهما
أربعة أبيات؛ وهي هكذا:
أم ترو إرما وعادا
أودى بها الليل والنهار
وقبلهم غالت المنايا
طمسا فلم ينجه الحذار
وحل بالحي من جديس
يوم من الشر مستطار
وأهل جو أتى عليهم
وأفسدت عيشهم فباروا
فصبحتهم من الدواهي
نائحة عُقْبُهَا الدمار
ومر دهر على وبار
فهلكت جهرة وبار
والشاهد من شواهد: التصريح: 2/ 225، والأشموني: "984/ 2/
538"، وسيبويه: 2/ 41، والمقتضب: 3/ 50، 376، وأمالي ابن
الشجري: 2/ 115، وشرح المفصل: 4/ 64، والمقرب: 61، والهمع:
1/ 29، والدرر: 1/ 8، وديوان الأعشى: 194. والشذور: "40/
138".
المفردات الغريبة: إرم: اسم البلدة: عاد: اسم القبيلة.
أودى بها: ذهب بها وأهلكها.
وبار: اسم أمة قديمة، من العرب البائدة؛ كانت تسكن أرضا
بين اليمن ورمال يبرين، وسميت هذه الأرض: "وبار"، باسم
سكانها؛ ثم لما هلكت هذه الأمة، كما هلكت عاد، وثمود،
وطسم، وجديس، أضحت أرضها خرابا يبابا، فعز سلوكها، وخيف
طروقها، حتى اعتقد الناس فيما بعد أن الجن تسكن هذه الأرض.
المعنى: واضح.
ج / 4 ص -131-
وأهل الحجاز يبنون الباب كله على الكسر؛
تشبيها له بنزال1، كقوله2:
[الوافر]
482- إذا قالت حذامِ فصدقوها
فإن القول ما قالت حذامِ
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
= الإعراب: ألم: الهمزة حرف استفهام، لا محل لها من
الإعراب. لم: حرف نفي وجزم وقلب. تروا: فعل مضارع مجزوم بـ
"لم" وعلامة جزمه حذف النون؛ لأن من الأفعال الخمسة،
والواو: في محل رفع فاعل والألف للتفريق. إرما: مفعول به
أول لـ "تروا" منصوب، وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة. وعادا:
الواو عاطفة، عادا: اسم معطوف على "إرما" منصوب مثله.
أودي: فعل ماضٍ مبني على الفتح المقدر للتعذر. "بها":
متعلق بـ "أودى". الليل: فاعل مرفوع؛ وجملة "أودى..." في
محل نصب مفعول به ثانيا لـ "ترى"، أو في محل نصب على
الحال؛ إن عدت "ترى" بصرية. والنهار: الواو حرف عطف،
النهار: اسم معطوف على الليل مرفوع مثله. ومر: الواو
عاطفة، مر: فعل ماضٍ مبني على الفتح. دهر: فاعل مرفوع،
وعلامة رفعه الضمة الظاهرة. "على وبار": متعلق بـ "مر".
فهلكت: الفاء عاطفة، هلك: فعل ماضٍ مبني على الفتح،
والتاء: للتأنيث، لا محل لها من الإعراب. جهرة: مفعول مطلق
لفعل محذوف؛ أو حال منصوب؛ كما في قولهم: طلع زيد بغتة.
وبار: فاعل هلكت مرفوع.
موطن الشاهد: "وبار".
وجه الاستشهاد: مجيء "وبار" الأولى مبنية على الكسر على
لغة الحجازيين، وأكثر بني تميم؛ ومجيء "وبار" الثانية
معربة على رأي القلة؛ فأعربه إعراب ما لا ينصرف لما اضطر
إلى ذلك؛ عليه فقد لفق الشارع بين اللغتين؛ وقيل: إن
"وبار" الثانية، ليست علما، بل الواو عاطفة، وباروا بمعنى
"هلكوا": فعل ماضٍ مسند إلى واو الجماعة، والجملة معطوفة
على "هلكت" وأنه أنث "هلكت" على إرادة القبيلة، وذكر
"باروا" على معنى الحي؛ والأول أفضل؛ لأنه لا تكلف فيه.
1 أي: في العدل والتعريف، والوزن والتأنيث.
2 القائل: هو لجيم بن صعب، من بكر بن وائل، جد جاهلي، تفرع
نسله من بنيه حنيفة وعجل والدؤل.
الأعلام: 5/ 241، جمهرة الأنساب: 291.
3 تخريج الشاهد: هذا البيت يقوله الشاعر في امرأته حذام؛
وهو من شواهد: التصريح: 2/ 225، والأشموني: "983/ 2/ 537"،
وابن عقيل: "16/ 105"، والشذور: "38/ 136/، والقطر: "1/
26"، والعيني: 3/ 370، وأمالي ابن الشجري: 2/ 115،
والخصائص: 2/ 178، وشرح المفصل: 4/ 64، والمغني: "404/ 291
"، والسيوطي: 203. =
ج / 4 ص -132-
الخامس: "أَمْسِ" مرادا به اليوم الذي يلي يومك، ولم يضف، ولم يقرن بالألف
واللام، ولم يقع ظرفا1؛ فإن بعض بني تميم تمنع صرفه
مطلقا2؛ لأنه معدول عن الأمس؛ كقوله3: [الرجز]
483- لقد رأيت عجبا مذ أمسًا4
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
= المفردات الغريبة: حذام: قال السيوطي: هي: حذام بنت
الريان بن جسر بن تميم، وقيل: هي أمراة من عنزة وقيل: هي
زرقاء اليمامة.
المعنى: واضح.
الإعراب: إذا: ظرف لما يستقبل من الزمان خافض لشرطه منصوب
بجوابه مبني على السكون في محل نصب على الظرفية الزمانية.
قالت: فعل ماضٍ مبني على الفتح، والتاء: للتأنيث، لا محل
لها من الإعراب. حذام: فاعل "قالت" مبني على الكسر في محل
رفع؛ وجملة "قالت حذام": في محل جر بالإضافة بعد "إذا".
فصدقوها: الفاء واقعة في جواب الشرط غير الجازم. صدقوا:
فعل أمر مبني على حذف النون؛ لاتصاله بواو الجماعة؛
والواو: ضمير متصل مبني على السكون في محل رفع فاعل؛
و"ها": ضمير متصل مبني على السكون في محل نصب مفعول به؛
وجملة "صدقوها": جواب شرط غير جازم، لا محل لها. فإن:
الفاء تعليلية، إن: حرف مشبه بالفعل. القول: اسم "إن"
منصوب. ما: اسم موصول بمعنى الذي مبني على السكون، في محل
رفع خبر "إن". قالت: فعل ماضٍ مبني على الفتح؛ لاتصاله
بالتاء الساكنة؛ وتاء التأنيث، لا محل لها. حذام: فاعل
"قالت" مبني على الكسر في محل رفع؛ وجملة "قالت حذام": صلة
للموصول الاسمي، لا محل لها من الإعراب؛ والعائد إلى الاسم
الموصول محذوف؛ والتقدير: الذي قالته.
موطن الشاهد: "حذام".
وجه الاستشهاد: بناء "حذام" على الكسر في الموضعين على لغة
أهل الحجاز؛ ولو أعرب إعراب ما لا ينصرف؛ لرفع؛ لأنه فاعل؛
ودلت قوافي القصيدة على أن الثانية مكسورة؛ فهي التي تدل
دلالة ظاهرة على المقصود؛ و"حذام" الأولى محمولة عليها؛
ويتضح من ذلك أن المنع من الصرف للعلمية والعدل في وزن:
"فعال" المؤنث مقصور على بعض تميم؛ بشرط ألا يكون العلم
المؤنث مختوما بالراء.
1 وأن يكون غير مصغر، وغير مجموع جمع تكسير.
2 أي: رفعا ونصبا وجرا، فيكون مرفوعا بالضمة، من غير
تنوين، ومنصوبا ومجرورا بالفتحة من غير تنوين فيهما.
3 لم ينسب إلى قائل معين.
4 تخريج الشاهد: هذا صدر بيت، وعجزه قوله:
عجائزا مثل السعالي خمسا
ج / 4 ص -133-
وجمهورهم يخص ذلك بحالة الرفع؛ كقوله1:
[الخفيف]
484- اعتصم بالرجاء إن عَنَّ بأس
وتناسَ الذي تضمَّن أمسُ2
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
= وهو من شواهد: التصريح: 2/ 226، والأشموني: "981/ 2/
537"، والعيني: 4/ 357، وسيبويه: 2/ 44، والنوادر: 57،
والجمل: 291، وأمالي ابن الشجري: 2/ 260، وشرح المفصل: 4/
106، والخزانة: 3/ 219، والتصريح: 2/ 316، والقطر: "3/ 29،
والشذور: "42/ 140"، والهمع: 1/ 209، والدرر: 1/ 175.
المفردات الغريبة: عجبا، العجب: انفعال في النفس بسبب وصف
زائد في المتعجب منه. عجائز: جمع عجوز، وهي التي هرمت،
وشاخت من النساء، السعالي: جمع سعلاة؛ وهي أخبث الغيلان.
وتشبيه كل ما يبعث على الرعب بالغول؛ جارٍ على الألسنة.
المعنى: والله، لقد أبصرت منذ أمس أمرا يتعجب منه، وذلك
أني رأيت نسوة كبارا في السن مثل الغيلان، في القبح، عددهن
خمس.
الإعراب: لقد: اللام موطئة للقسم المحذوف، قد: حرف تحقيق.
رأيت: فعل ماضٍ مبني على السكون؛ لاتصاله بضمير رفع متحرك،
والتاء: ضمير متصل مبني على الضم في محل رفع فاعل؛ وجملة
"رأيت": جواب القسم، لا محل لها. عجبا: مفعول به منصوب.
مذ: حرف جر. أمسا: ظرف زمان مجرور بـ "مذ"، وعلامة جره
الفتحة بدل الكسرة؛ لأنه ممنوع من الصرف؛ لشبه العلمية
والعدل، والألف: للإطلاق. عجائزا: بدل من "عجبا" منصوب
مثله. مثل: صفة لـ "عجائزا" منصوب مثله، وهو مضاف.
السعالي: مضاف إليه مجرور، وعلامه جره الكسرة المقدرة على
الياء. خمسا: صفة ثانية لـ "عجائزا" منصوب، وعلامة نصبه
الفتحة الظاهرة.
موطن الشاهد: "مذ أمسا".
وجه الاستشهاد: جر "أمسا" بالفتحة بدل الكسرة؛ لأنه اسم لا
ينصرف؛ للعلمية والعدل عند بعض بني تميم في الأحوال كلها؛
وزعم بعضهم: أن "أمسى" فعل ماضٍ؛ والتقدير: مذ أمسى
المساء؛ وهذا احتمال ضعيف؛ لأنه يقتضي كتابة الألف مقصورة؛
لأنها رابعة؛ ومجيء كتابتها طويلة في الشاهد يقوي القول
باسمية "أمسا".
1 لم ينسب إلى قائل معين.
2 تخريج الشاهد: البيت من شواهد: التصريح: 2/ 226،
والأشموني: "982/ 2/ 537"، والعيني: 4/ 372، والهمع: 1/
209، والدرر: 1/ 175.
المفردات الغريبة: اعتصم: استمسك، واجعله عمصة لك، ترجع
إليه عند الشدة.
الرجاء: الأمل، وتوقع حصول ما تطلب. عن: عرض وظهر، ويروى
"عز" بمعنى غلب.
بأس: شدة ومشقة. ويروى "يأس".
ج / 4 ص -134-
والحجازيون يبنونه على الكسر مطلقا، على
تقديره مضمنا معنى اللام؛ قال1: [الكامل]
485- ومضى بفصل قضائه أمسِ2
والقوافي مجرورة.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
= المعنى: تمسك بالأمل، وتوقع بلوغ المراد إذا صادفتك
مشقة، ولا تيأس، ولا تلقِ بالا إلى ما حدث بالأمس، فقد
يجرك ذلك إلى اليأس وفقدان الأمل.
الإعراب: اعتصم: فعل أمر مبني على السكون، والفاعل: ضمير
مستتر وجوبا؛ تقديره: أنت. "بالرجاء": متعلق بـ "اعتصم".
إن: شرطية جازمة. عَنَّ: فعل ماضٍ -فعل الشرط- مبني على
الفتح في محل جزم. بأس: فاعل "عن" مرفوع؛ وجواب الشرط
محذوف؛ لدلالة سياق الكلام عليه. وتناس: الواو عاطفة،
تناس: فعل أمر مبني على حذف الألف، والفاعل: ضمير مستتر
وجوبا؛ تقديره: أنت. الذي: اسم موصول في محل نصب مفعول به
لـ "تناس". تضمن: فعل ماضٍ مبني على الفتح الظاهر على
آخره. أمس: فاعل مرفوع، وعلامة رفعه الضمة الظاهرة، وجمل
"تضمَّن أمس". صلة للموصول، لا محل لها، والعائد إلى الاسم
الموصول محذوف؛ والتقدير: تضمَّنَه.
موطن الشاهد: "تضمن أمس".
وجه الاستشهاد: وقوع "أمس" فاعلا مرفوعا غير منون، وفي هذا
دلالة على أن بعض العرب يعربون هذه اللفظة في حالة الرفع،
ولا يبنونها كالحجازيين.
1 ينسب هذا البيت إلى تبع بن الأقرن، أو إلى أسقف نجران.
2 تخريج الشاهد: هذا عجز بيت، وصدره قوله:
اليوم أعلم ما يجيء به
وهو من شواهد: التصريح: 2/ 226، والشذور: "41/ 139"،
والعيني: 4/ 373، وأمال القالي: 3/ 29، والهمع: 1/ 209،
والدرر: 1/ 175.
المفردات الغريبة: مضى: ذهب، بفصل قضائه: أي بقضائه
الفاصل، أي: القاطع، فهو مصدر بمعنى: اسم الفاعل؛ وإضافته
لما بعده؛ من إضافة الصفة للموصوف.
المعنى: أعلم بالدلائل بعض ما قد يقع في اليوم من الحوادث،
ومضى أمس بقضائه الفاصل وحوادثه التي وقعت.
الإعراب: اليوم: مبتدأ مرفوع؛ أو ظرف لـ "أعلم". أعلم: فعل
مضارع مرفوع، والفاعل: أنا؛ وجملة "أعلم ما يجيء به": في
محل رفع خبر المبتدأ. ما: اسم موصول بمعنى الذي في محل نصب
مفعول به لـ "أعلم". يجيء: فعل مضارع مرفوع، وعلامة
ج / 4 ص -135-
فإن أردت بأمس يوما، من الأيام الماضية
مبهما؛ أو عرفته بالإضافة؛ أو بالأداة؛ فهو معرب إجماعا1؛
وإن استعملت المجرد المراد به معين ظرفا؛ فهو مبني إجماعا.
[أسباب صرف ما
لا ينصرف]:
فصل: يعرض الصرف لغير المنصرف لأحد أربعة أسباب2:
الأول:
أن يكون أحد سببيه العلمية ثم ينكر؛ تقول: "رُبَّ فاطمةٍ،
وعمرانٍ، وعمرٍ، ويزيدٍ، وإبراهيمٍ، ومعد يكربٍ وأرطىً3"
ويستثنى من ذلك ما كان صفة قبل العلمية؛ كـ "أحمر"،
و"سكران".
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
رفعه الضمة الظاهرة، والفاعل: هو. "به" متعلق بـ "يجيء"؛
وجملة "يجيء به": صلة للموصول، لا محل لها. ومضى: الواو
عاطفة، مضى: فعل ماضٍ مبني على الفتح المقدر. "بفصل":
متعلق بـ "مضى"، وفصل مضاف. قضائه: مضاف إليه مجرور، وهو
مضاف، والهاء: مضاف إليه. أمس: فاعل "مضى" مبني على الكسر
في محل رفع.
موطن الشاهد: "أمس".
وجه الاستشهاد: وقوع "أمس" مكسورا، مع أنه فاعل؛ وذلك؛ على
لغة الحجازيين الذين يبنونه -في مختلف الأحوال- على الكسر
ولا يدخلونه في باب الممنوع من الصرف في بعض الحالات،
كغيرهم.
1 أي: عند التميميين، والحجازيين، وذلك لزوال علة البناء؛
وهي تضمنه معنى اللام. وكذلك، إذا كان مصغرا؛ نحو: أميس
كان يوما حارا؛ أو مجموعا جمع تكسير؛ نحو: أموس كانت
جميلة.
2 اختار ابن هشام القول بأنه لا يجوز صرف الاسم الذي اجتمع
فيه العلتان اللتان تقتضيان منعه من الصرف؛ إلا بسبب من
الأسباب المذكورة؛ وهناك قولان آخران:
أولهما: جواز صرف الاسم؛ الذي اجتمع فيه العلتان
المذكورتان مطلقا؛ سواء أوجد سبب من الأسباب الأربعة، أم
لم يوجد.
وثانيهما: جواز صرف الاسم الذي على صيغة منتهى الجموع -وهو
المعبر عنه بالجمع الذي لا نظير له في الآحاد- في الاختيار
مطلقا؛ سواء أوجد سبب أم لا أيضا.
3 أي: بالجر والتنوين في الجميع؛ لزوال أحد موجبي منع
الصرف؛ وهو العلمية، وقد مثل للأنواع السبعة؛ التي تمنع مع
العلمية.
ج / 4 ص -136-
فسيبويه: يبقيه غير منصرف، وخالفه الأخفش
في الحواشي1، ووافقه في الأوسط.
الثاني:
التصغير المزيل لأحد السببين؛ كـ "حميد"، و"عمير" في أحمد
وعمر2، وعكس ذلك؛ نحو: "تِحلئ" عَلَمًا، فإنه ينصرف مكبرا
ولا ينصرف مصغرا؛ لاستكمال العلتين بالتصغير3.
الثالث:
إرادة التناسب؛ كقراءة نافع والكسائي4: "سلاسلا"5؛ و:
"قواريرا"6، وقراءة الأعمش7 "وَلا يَغُوثًا وَيَعُوقًا
وَنَسْرًا"8.
الرابع:
الضرورة؛ كقوله9: [الطويل]
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 فقال بالصرف؛ بناء على أن الصفة إذا زالت بالعلمية، لا
تعود. "وللحواشي": كتاب يتضمن تعليقات للأخفش على كتاب
سيبويه؛ "والأوسط": كتاب آخر له.
2 فإن الوزن والعدل إلا بالتصغير؛ أما الوزن فواضح، وأما
العدل فإنما قدروه حفظا للقاعدة، فلا يصار إليه إلا عند
سماع الاسم ممنوعا من الصرف، ولم يسمع "عمير" إلا مصروفا.
3 وهما: العلمية والوزن؛ فإنه يصير بعد التصغير "تُحيلئ"؛
على وزن تدحرج: مضارع دحرج، و"تِحلئ": هو القشر الذي على
وجه الأديم، مما يلي منبت الشعر.
4 مرت ترجمة كل منهما.
5 "76" سورة الإنسان، الآية: 4.
موطن الشاهد: "سلاسلا".
وجه الاستشهاد: وقوع "سلاسلا" منونا؛ لمراعاة "أغلالا"
و"سعيرا" التي تليها؛ لأنهما كلمتان منصرفتان؛ ولأن
للتناسب إيقاعا عذابا على السمع، وأثرا في تقوية المعنى،
وتمكينه في نفس السامع والقارئ؛ ولذا جاز صرف ما لا ينصرف.
6 "27" سورة الإنسان، الآيتان: 15، 16.
موطن الشاهد: "قواريرًا".
وجه الاستشهاد: وقوع "قوايرا" ممنونا؛ لمراعاة آخر الآية؛
التي قبلها والتي بعدها، و"قوريرا" الثانية؛ لمراعاة
الأولى؛ لما ذكرنا في الآية السابقة.
7 مرت ترجمته.
8 "71" سورة نوح، الآية: 23.
موطن الشاهد: "ولا يغوثًًا ويعوقًا ونسرًا".
وجه الاستشهاد: وقوع "يغوثا" و"يعوقا" منونين مراعاة لما
حولهما من الكلمات المنونة؛ وهي: "ودا، سواعا، نسرا"؛ لما
ذكرنا سابقا.
9 القائل: هو امرؤ القيس بن حجر الكندي، وقد مرت ترجمته.
ج / 4 ص -137-
486- ويوم دخلت الخدر خدر عنيزة1
وعن بعضهم اطِّراد ذلك في لغة2.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 تخريج الشاهد: هذا صدر بيت، من معلقة الشاعر المشهور؛
وعجزه قوله:
فقال: لك الويلات إنك مرجلي
وهو من وشواهد: التصريح: 2/ 227، والأشموني: "988/ 2/ 541"،
والعيني: 4/ 374، والمغني: "642/ 449"، والسيوطي: 343،
وديوان امرئ القيس: 146.
المفردات الغريبة: الخدر: أصله المنزل تكون فيه المرأة،
والمراد هنا: الهودج: وهو أعواد تنصب فوق قتب البعير، ثم
ترخى فوقها ستور؛ لتكون النساء بداخله. عنيزة: لقب فاطمة
ابنة عمه. الويلات: جمع ويلة؛ وهي العذاب الشديد. مرجلي:
اسم فاعل مضاف لياء المتكلم؛ أي: مصيِّرِي راجلة أمشي على
رجلي؛ لعقرك ظهر بعيري.
المعنى: أنه لما دخل عليها الخدر، خافت أن يعقر بعيرها،
فتضطر للسير راجلة؛ فدعت عليه بالويل.
الإعراب: ويوم: الواو عاطفة، يوم: معطوف على ما قبله:
"ويوم عقرت للعذاري مطيتي". دخلت: فعل ماضٍ مبني على
السكون، والتاء ضمير متصل مبني على الضم في محل رفع فاعل.
الخدر: مفعول به منصوب، وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة؛ وجملة
"دخلت الخدر": في محل جر بالإضافة إلى "يوم" خدر: بدل من
الخدر منصوب مثله، وهو مضاف. عنيزة: مضاف إليه مجرور،
وعلامة جره الكسرة الظاهرة. فقالت: الفاء عاطفة، قالت: فعل
ماضٍ، والتاء: للتأنيث، لا محل لها. "لك": متعلق بمحذوف
خبر مقدم. الويلات: مبتدأ مؤخر مرفوع؛ وجملة: "لك
الويلات": مقول القول في محل نصب مفعول به. إنك: حرف مشبه
بالفعل، والكاف: ضمير متصل مبني على الفتح في محل نصب اسم
"إن". مرجلي: خبر "إن" مرفوع، وعلامة رفعه الضمة المقدرة
على ما قبل ياء المتكلم، وهو مضاف، والياء: مضاف إليه:
مضاف إليه؛ وجملة "إنك مرجلي": تعليلية، لا محل لها.
موطن الشاهد: "عنيزة".
وجه الاستشهاد: صرف "عنيزة" وجره اضطرارا؛ مع كونه علما
لمؤنث ممنوع من الصرف؛ للعلمية والتأنيث.
2 أي: صرف ما لاينصرف مطلقا؛ قال الأخفش: وكأنها لغة
الشعراء لاضطرارهم إلى ذلك في الشعر، فجرى على ألسنتهم في
النثر، وفي الحالتين السابقتين، تعرب الكلمة على حسب
موقعها من الجملة؛ والصرف جائز فيهما، لا واجب.
التصريح: 2/ 277.
ج / 4 ص -138-
وأجاز الكوفيون1، والأخفش، والفارسي للمضطر
أن يمنع صرف المنصرف، وأباه سائر البصريين، واحتج عليهم
بنحو قوله2: [الكامل]
487- طلب الأزارق بالكتائب؛ إذا هوت
بشبيب غائلة النفوس غدورُ3
وعن ثعلب أنه أجاز ذلك في الكلام.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 وافق أبو موسى الحامض -وهو من شيوخ الكوفيين-علماء
البصرة في هذا الموضوع، كما وافق الأخفش وأبو علي الفارسي
-وهما من شيوخ البصريين- علماء الكوفة على ما ذهبوا إليه
في هذا الموضوع.
التصريح: 2/ 228، والهمع: 1/ 37.
2 القائل: هو الأخطل التغلبي النصراني، وقد مرت ترجمته.
3 تخريج الشاهد: البيت من كلمة يمدح فيها الشارع سفيان بن
الأبيرد نائب الحجاج، ويذكر ما كان بينه وبين شبيب بن زيد
أحد رءوس الخوارج الأزارقة، وكان قد عظم أمره حتى أدعى
الخلافة وتسمى بأمير المؤمنين، في عهد عبد الملك بن مروان.
والشاهد من شواهد التصريح: 2/ 228، والأشموني: "994/ 2/
543"، والإنصاف: 493، والعيني: 362، وديوان الأخطل: 86.
المفردات الغريبة: الأزارق: جمع الأزرق؛ وأصله: الأزارقة،
فحذفت التاء؛ للضرورة؛ وهم فئة من الخوارج، تنسب إلى نافع
بن الأزرق، أحد رءوس الخوارج. الكتائب: جمع كتيبة؛ وهي
الفصيلة من الجيش. هوت: سقطت. غائلة النفوس: هي المنية؛
لأنها تغتال الناس، وتفتك بههم. غدور: صيغة مبالغة من
الغدر.
المعنى: أن سفيان تعقب الأزارقة الخوارج بكتائب من الجيش،
حتى هزمهم، وقتل رئيسهم شبيب بن يزيد.
الإعراب: طلب: فعل ماضٍ، والفاعل: ضمير مستتر جوازا؛
تقديره: هو. الأزارق: مفعول به منصوب. "بالكتائب": متعلق
بـ "طلب". إذ: ظرف بمعنى حين مبني على السكون، في محل نصب
بـ "طلب". هوت: فعل ماضٍ مبني على الفتح المقدر على الألف
المحذوفة؛ لالتقاء الساكنين، والتاء: لا محل لها من
الإعراب. "بشبيب": متعلق بـ "هوت" و"شبيب": ممنوع من
الصرف، على الرواية المذكورة. غائلة: فاعل مرفوع، وهو
مضاف. النفوس: مضاف إليه مجرور. غدور: صفة لـ "غائل
النفوس" مرفوع، وعلامة رفعه الضمة؛ وجملة "هوت..." في محل
جر بالإضافة بعد "إذ" الظرفية.
موطن الشاهد: "بشبيب".
وجه الاستشهاد: منع "شبيب" من الصرف ضرورة؛ لأنه ليس فيه
علة غير العلمية؛ فهو مصروف أصلا؛ ومعلوم أن الممنوع من
الصرف، قد يصرف لضرورة الشعر، أو للتناسب في الكلام.
فائدة:
إذا منع الاسم من التنوين للضرورة؛ يجوز جره بالكسر؛
كالأسماء المنصرفة، ويجوز جره بالفتحة، كالممنوع من الصرف؛
والأول أفضل.
ج / 4 ص -139-
[حكم المنقوص المستحق لمنع الصرف]:
فصل: المنقوص المستحق لمنع الصرف؛ إن كان غير
علم حذفت ياؤه رفعا وجرا، ونوِّن باتفاق؛ كـ "جوارٍ"،
و"أُعَيمٍ"، وكذا إن كان علما كـ "قاضٍ"؛ علم امرأة، وكـ
"يرمي"؛ علما، خلافا ليونس وعيسى1 والكسائي؛ فإنهم يثبتون
الياء ساكنة رفعا، ومفتوحة جرا، كما في النصب، احتجاجا
بقوله2: [الرجز]
488- قد عجبت مني ومن يُعَيْلِيَا3
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 الذي اختاره المؤلف هنا هو مذهب سيوبيه، والخليل، وأبي
عمرو، وابن اسحاق، وجمهور البصريين؛ ومخالفوهم في ذلك هم:
يونس، وعيسى بن عمر، من البصريين، والكسائي، وأبو زيد،
والبغداديون؛ وحاصل مذهبهم: أن المعرف تثبت ياؤه مطلقا،
وتسكن رفعا لثقل الضمة، وتفتح جرا ونصبا؛ لخفة الفتحة.
التصرح: 2/ 28، والأشموني: 2/ 541.
2 القائل: هو الفرزدق، وقد مرت ترجمته.
3 تخريج الشاهد: هذا صدر بيت، وعجزه قوله:
لما رأتني خَلَقًا مُقلوليا
وهو من شواهد: التصريح: 2/ 228، والأشموني: "986/ 2/ 541"،
والعيني: 4/ 359، وسيبويه: 2/ 59، ولم ينسبه، والمقتضب: 1/
142، والخصائص: 1/ 6، 3/ 54، والمنصف: 2/ 68، 79، والهمع:
1/ 36، والدرر: 1/ 11، واللسان "علا، قلا".
المفردات الغريبة: يعيليا: مصغر يعلى؛ علم لرجل. خلقا:
عتيقا باليا؛ والمراد: رث الهيئة ضعيفا. مقلوليا: متجافيا
منكمشا؛ والمراد: دميم الخلقة.
المعنى: عجبت هذه المرأة مني، ومن يعلى، حين رأتني رث
الهيئة، دميم الخلقة.
الإعراب: عجبت: فعل ماضٍ مبني على الفتح، والتاء: للتأنيث،
لا محل لها، والفاعل: هي. "منى": متعلق بـ "عجبت". ومن:
الواو عاطفة، من حرف جر، يعيليا: اسم مجرور، وعلامة جره
الفتحة؛ لأنه ممنوع من الصرف؛ للعلمية ووزن الفعل؛ والألف
للإطلاق. لما: ظرفية زمانية بمعنى "حين" مبنية على السكون
في محل نصب =
ج / 4 ص -140-
وذلك عند الجمهور ضرورة؛ كقوله1 في غير
العلم: [الطويل]
489- ولكن عبد الله مولى مواليا2
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
= بـ "عجب". رأتني: فعل ماضٍ مبني على الفتح المقدر على
الألف المحذوفة، والتاء: للتأنيث، والنون: للوقاية،
والياء: في محل نصب مفعول به أول، والفاعل: هي. خلقا:
مفعول به ثانٍ لـ "رأى" أو حال منصوبة إن عدت "رأى" بصرية؛
وهو الأفضل هنا. مقلوليا: صفة لـ "خلقا" منصوب، وعلامة
نصبه الفتحة الظاهرة؛ وجملة: "رأتني خلقا مقلوليا": في محل
جر بالإضافة بعد "لما".
موطن الشاهد: "يعيليا".
وجه الاستشهاد: مجيء "يعيليا" علما مصغرا من "يعلى" ولم
يزل بتصغيره سبب المنع؛ وجاء موازنا للفعل، ممنوعا من
الصرف؛ وهو منقوص، وقد عومل معاملة الصحيح، وفتحت ياؤه،
ولم ينون على مذهب يونس ومن معه؛ ومذهب سيبويه والخليل أنه
ضرورة.
انظر شرح التصريح: 2/ 228 -229.
1 القائل: هو الفرزدق، وقد مرت ترجمته.
2 تخريج الشاهد: هذا عجز بيت، وصدره قوله:
فلو كان عبد الله مولى هجوته
وهو من كلام الفرزدق يهجو فيه عبد الله بن أبي إسحاق النحوي
الحضرمي بالولاء وكان عبد الله يلحن الفرزدق كثيرا، حتى
قيل: إنه قال لما بلغه هذا البيت: قولوا له هجوتني، فلحنت
أيضا.
والبيت من شواهد: التصريح: 2/ 229، والأشموني: "987/ 2/
541"، والخزانة: 1/ 114 وسيبويه: 2/ 58، وابن سلام: 17،
والشعر والشعراء: 36، والمقتضب: 1/ 143، وطبقات الزبيدي:
275، وشرح المفصل: 1/ 64، والهمع: 1/ 36، والدرر: 1/ 10،
واللسان "ولي"، وليس في ديوان الفرزدق.
المفردات الغريبة: مولى: للمولى عدة معانٍ؛ والمراد هنا:
مولى العتاقة، وهو العبد.
المعنى: لو كان عبد الله "مولى" فقط؛ لهجوته -على ما في
الموالي من خسة وضعة في نظر العرب- ولكنه مولى موالٍ؛ فهو
رقٌّ لأرقاء، لا يستحق مني هجاء؛ لضعته؛ وكان عبد الله
مولى للحضرميين، وهم أرقاء لبني عبد شمس.
الإعراب: لو: حرف شرط غير جازم، لا محل له من الإعراب.
كان: فعل ماضٍ ناقص مبني على الفتح. عبد: اسم كان مرفوع،
وعلامة رفعه الضمة الظاهرة، وهو مضاف. الله: "لفظ الجلالة"
مضاف إليه مجرور. مولى: خبر كان منصوب؛ وجملة: "كان عبد
الله مولى": شرط "لو" لا محل لها. هجوته: فعل ماضٍ مبني
على السكون؛ لاتصاله بضمير =
ج / 4 ص -141-
..........................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
= رفع متحرك، والتاء: ضمير متصل مبني على الضم في محل رفع
فاعل، والهاء: ضمير متصل مبني على الضم في محل نصب مفعول
به؛ وجملة "هجوته": جواب شرط غير جازم، لا محل لها. ولكن:
الواو عاطفة، لكن: حرف مشبه بالفعل. عبد: اسم "لكن" منصوب،
وهو مضاف. الله: "لفظ الجلالة" مضاف إليه مجرور. مولى: خبر
"لكن" مرفوع، وعلامة رفعه الضمة المقدرة على آخره للتعذر،
وهو مضاف. مواليا: مضاف إليه مجرور، وعلامة جره الفتحة بدل
الكسرة؛ لأنه ممنوع من الصرف؛ لكونه على صيغة منتهى
الجموع، والألف: للإطلاق.
موطن الشاهد: "مواليا".
وجه الاستشهاد: وقوع "مواليا" منقوصا غير علم، ممنوعا من
الصرف؛ وقد عومل في حالة الجر معاملة الصحيح؛ فثبتت ياؤه،
وجُرَّ بالفتحة نيابة عن الكسرة؛ وحكم ذلك أنه شاذ وضرورة
عند جمهور النحاة؛ لأن القياس أن يقول: مولى موالٍ. |