أوضح المسالك إلى ألفية ابن مالك

ج / 4 ص -142-        [باب إعراب الفعل1]:
هذا باب إعراب الفعل
[علة ارتفاع الفعل المضارع]:
رافع المضارع تجرده من الناصب والجازم وفاقًا للفراء2، لا حلو له حمل الاسم3 خلافا للبصريين؛ لانتقاضه بنحو: "هلا تفعل"4.
[نواصب المضارع]:
وناصبه أربعة:
أحدها: "لن"؛ وهي لنفي "سيفعل"5، ولا تقتضي تأبيد النفي ولا تأكيده؛

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 الأفعال ثلاثة: ماضٍ، وأمر، ومضارع؛ فأما الماضي والأمر: فمبنيان دائما، وأما المضارع: فمعرب؛ إلا إذا اتصلت به اتصالا مباشرا نون التوكيد؛ فيبنى على الفتح، أو نون النسوة؛ فيبنى على السكون.
وعلة إعرابه -كما يقول النحاة: وقوعه في مواقع كثيرة، يقع فيها الاسم؛ كوقوعه خبرا، وصفة، وصلة؛ ثم جريانه في الحركات والسكنات على لفظ اسم الفاعل؛ وقبوله لام الابتداء؛ التي تتصل بخبر "إن" المكسورة؛ واحتماله الحال والاستقبال؛ وتخصيصه بأحدهما بالقرينة؛ وكذلك الاسم شائع بحسب وضعه، ويتحصص بـ "ال".
التصريح: 2/ 229. وحاشية الصبان: 3/ 277.
2 وعلى هذا جرى المعربون، فيقولون في مثل: "يقوم محمد": يقوم فعل مضارع مرفوع؛ لتجرده من الناصب والجازم؛ ولا يقال: إن التجرد علامة عدمية؛ فلا تكون علة للوجودي؛ لأن معنى التجرد: الإتيان بالمضارع، على أصله، قبل أن يسبقه شيء.
3 أي: فيما إذا كان خبرا، أو صفة، أو حالا؛ لأن الأصل في هذه الثلاثة الاسم.
4 لأن الاسم، لا يقع بعد أداة التحضيض، ولا بعد "سوف"، في مثل: سوف يقوم علي.
التصريح: 2/ 229.
5 أراد بذلك نفي الفعل في الزمن المستقبل غالبا، ونفي الفعل في الزمان المستقبل؛ إما أن يكون لغاية ينتهي إليها؛ كقوله تعالى:
{فَلَنْ أَبْرَحَ الْأَرْضَ حَتَّى يَأْذَنَ لِي أَبِي}؛ وإما أن يكون مستمرا إلى غير غاية؛ نحو قوله تعالى: {لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَابًا وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ}، فإن

 

ج / 4 ص -143-        خلافا للزمخشري1، ولا تقع دعائية؛ خلافًا لابن السراج2، وليس أصلها "لا" فأبدلت الألف نونا3؛ خلافا للفراء، ولا "لا أنْ"؛ فحذفت الهمزة تخفيفا والألف للساكنين4؛ خلافا للخليل والكسائي.
الثاني: "كي" المصدرية5؛ فأما التعليلية فجارَّةٌ والناصب بعدها "أن" مضمرة، وقد تظهر في الشعر، وتتعين المصدرية إن سبقتها اللام؛ نحو:
{لِكَيْلا

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
= انتفاء خلقهم الذباب مستمر أبدًا؛ لقيام الدليل العقلي، على أن خلقهم إياه محال؛ والمحال لا يقع؛ فإنه لو وقع؛ لانقلب ممكنا، وهو لا يجوز.
هذا؛ ولا يفصل الفعل من "لن" إلا للضرورة الشعرية، ويجوز تقديم معموله عليها تقول: محمدا لن أخاصم. التصريح: 2/ 229.
1 أي: دوامه واستمراره إلا بقرينة؛ بدليل قوله تعالى:
{فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنْسِيًّا}؛ لأنها لو كانت تفيد تأبيد النفي؛ لوقع التناقض بينها وبين كلمة "اليوم" في الآية؛ ولوقع التكرار بذكر "أبدا"، في قوله جل شأنه: {وَلَنْ يَتَمَنَّوْهُ أَبَدًا}؛ لأن "أبدا"، تدل على التأبيد، كما هو معلوم. التصريح: 2/ 229. وقطر الندى وبل الصدى: 58.
2 أي: بأن يكون معنى الفعل بعدها الدعاء، وذهب ابن السراج، وابن عصفور، وجماعة من النحويين إلى أن "لن" تقع دعائية، واختار هذا الرأي ابن هشام في "المغني"، واحتجوا بقول الشاعر.

لن تزالوا كذلكم ثم لا زلـ                       ـت لكم خالدا خلود الجبالِ

حيث تضمنت "لن" مع النفي الدعاء لهم بالاستمرار على ما هم عليه من الإنعام؛ ودليل ذلك: عطف الدعاء عليه. ومنه قوله تعالى: {فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيرًا لِلْمُجْرِمِينَ}؛ لأن أدب المتكلم مع ربه، وجهله بالغيب، يقتضيان أن يكون الكلام متضمنا الدعاء، لا النفي القاطع؛ لما سيكون في المستقبل.
انظر التصريح: 2/ 229.
3 لأن المعهود إبدال النون ألفا؛ نحون:
{لَنَسْفَعَا}، لا العكس.
4 لأن التركيب إنما يصح إذا كان الحرفان ظاهرين حالة التركيب؛ مثل: "لولا"، والظاهر هنا جزء كل منهما. والخلاف في تركيب "لن" أو عدمه لا طائل تحته.
5 علامتها: وقوعها بعد لام الجر المعروفة بلام التعليل -لفظا، أو تقريرا- وعدم وقوع "أن" المصدرية بعدها -ظاهرة أو مضمرة- وهي تقتضي سببية ما قبلها، فيما بعدها. إذا كان الكلام مثبتا؛ فإن كان منفيا؛ فقد تقتضي ذلك أولا تقتضيه.
مغني اللبيب: 241-242، التصريح: 2/ 230.

 

ج / 4 ص -144-        تَأْسَوْا}1، والتعليلية إن تأخرت عنها اللام أو أن2؛ نحو قوله3:

490- كي لتقضيني رقية ما                          وعدتني غير مختلسِ4


ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 "57" سورة الحديد، الآية: 23.
موطن الشاهد:
{لِكَيْلَا}.
وجه الاستشهاد: وقوع "كي" مصدرية؛ لأنها سبقت باللام، ولم تقع بعدها "أن"؛ ولا يصح اعتبارها تعليلية هنا؛ لأن حرف الجر، لا يدخل على مثله في الراجح. وانظر التصريح: 2/ 230-231، وحاشية الصبان: 3/ 279.
2 وكذلك إذا دخلت على "ما" الاستفهامية للسؤال عن العلة؛ نحو: كيمَه يغيب الطلاب في أخر العام؛ أي: لمهْ يغيبون؟ ولا يصح جعلها مصدرية؛ لوجود فاصل قوي بينها وبين المضارع؛ فضلا عن فساد المعنى مع المصدرية. أو دخلت على "ما" المصدرية؛ نحو: جئتك كيما تنصح وتوجه؛ أي: للنصح والتوجيه. ولا يصح اعتبارها مصدرية؛ لوجود الفاصل؛ ولأن حرف المصدر لا يدخل على مثله في الفصيح. وانظر ضياء السالك: 3/ 263، والتصريح: 2/ 230-231.
3 القائل: هو عبد الله بن قيس الرقيات، وقد مرت ترجمته
4 تخريج الشاهد: يروى قبل الشاهد قوله:

ليتني ألقى رقية في                             خلوة من غير ما أنسِ

والشاهد من شواهد: التصريح: 2/ 231، والأشموني: "1001/ 3/ 550"، والعيني: 4/ 379، والخزانة: 3/ 587، والهمع: 1/ 53، والدرر: 1/ 30.
المفردات الغريبة: لتقضيني: لتوفي بما وعدت. رقية: اسم امرأة. مختلس: مصدر ميمي بمعنى الاختلاس، أو اسم مفعول. والاختلاس: أخذ الشيء خطفا وبسرعة.
المعنى: يطلب الشاعر إلى رقية أن تفي بما وعدته به علانية من دون خوف، من الرقباء.
الإعراب: كي: تعليلية. لتقضيني: اللام لتعليل مؤكدة لـ "كي"، وتقضيني: فعل مضارع منصوب بـ "أن" المضمرة بعد اللام؛ وسكنت الياء للضرورة، والنون: للوقاية، والياء: في حل نصب مفعولا به أول. رقية: فاعل مرفوع، وعلامة رفعه الضمة الظاهرة.
ما: اسم موصول مبني على السكون، في محل نصب مفعول به ثانٍ بـ "تقضي".
وعدتني: فعل ماضٍ مبني على الفتح، والتاء: للتأنيث، والنون: للوقاية، والياء: ضمير متصل، في محل نصب مفعول به؛ وجملة "وعدتني": صلة للموصول، لا محل لها.
غير: صفة لموصوف محذوف؛ والتقدير: ما وعدتني قضاء غير مختلس؛ ويجوز أن تكون حالا من "ما"، وغير: مضاف. مختلس: مضاف إليه مجرور، وعلامة جره الكسرة الظاهرة.
موطن الشاهد: "كي".
وجه الاستشهاد: وقوع "كي" مفيدة التعليل؛ لمجيء اللام بعدها؛ وانتصاب الفعل المضارع بأن المضمرة بعد اللام؛ وسكنت ياء المضارع المنصوب ضرورة.

 

ج / 4 ص -145-        وقوله: [الطويل]

491- ... كيما أن تغر وتخدعا1

ويجوز الأمران في نحو: {كَيْ لا يَكُونَ دُولَةً}2؛ وقوله3: [الطويل]

492- أردت لكيما أن تطير بقربتي 4

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 البيت من كلام جميل بن معمر العذري، وتمام إنشاده:

فقالت: أكل الناس أصبحت مانحا                  لسانك كيما أن تغر وتخدعا؟

وقد مر تخريج هذا الشاهد والتعليق عليه في باب حروف الجر.
موطن الشاهد: "كي".
وجه الاستشهاد مجيء "كي" تعليلية؛ لظهور أن المصدرية بعدها؛ وفي هذه الصورة؛ والتي قبلها جاءت "كي" بمنزلة حرف الجر -معنى وعملا- وإذا وقعت بعدها اللام؛ كانت لتأكيدها، كما بيننا في إعراب الشاهد السابق.
2 "59" سورة الحشر، الآية: 7.
موطن الشاهد: "كي لا يكون".
وجه الاستشهاد: مجيء "كي" مجردة من لام الجر قبلها، ومن "أن" المصدرية بعدها؛ فإن قدرت اللام قبلها؛ فهي مصدرية تنصب المضارع بنفسها؛ وإن قدرت "أن" بعدها، فالفعل منصوب بـ "أن"؛ وهي تعليلية بمعنى: لام الجر؛ والوجهان جائزان.
فائدة: إذا توسطت "كي" بين لام الجر، ولا النافية وجب وصل الثلاثة في الكتابة.
3 لم ينسب البيت إلى قائل معين.
4 تخريج الشاهد: هذا صدر بيت، وعجزه قوله:

فتتركها شنا ببيداء بلقع

وهو من شواهد: التصريح: 2/ 231، والأشموني: "، 999/ 3/ 549"، والعيني: 5/ 405 والإنصاف: 580، وشرح المفصل: 7/ 19، 9/ 16، والخزانة: 3/ 585، والمغني: "332/ 242"، والسيوطي: 173.
المفردات الغريبة: تطير: تذهب بسرعة. شنا؛ الشن: الجلد الذي بلى وتخرق. بيداء: صحراء؛ سميت بذلك لأنها تبيد وتهلك صاحبها. بلقع: قفر خالية من كل شيء.
المعنى: يخاطب الشاعر طائرا جارحا، أو سارقا ماهرا؛ فيقول: رغبت أن تأخذ قربتين بسرعة، وتتركها قطعة ممزقة بصحراء، لا يصل إليها إنسان.

 

ج / 4 ص -146-        الثالث: "أن"1 في نحو: {وَأَنْ تَصُومُوا}2 {وَالَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
= الإعراب: أردت: فعل ماضٍ مبني على السكون؛ لاتصاله بضمير رفع متحرك، والتاء: ضمير متصل مبني على الضم، في محل رفع فاعل. لكيما: اللام حرف جر وتعليل، "كي": جارة تعليلية مؤكدة للام؛ أو مصدرية مؤكدة بـ "أن"، واللام جارة، وما: زائدة.
أن: مصدرية ناصبة. تطير: فعل مضارع منصوب بـ "أن"، وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة، والفاعل: هي، بقربتي: متعلق بـ "تطير" والياء: في محل جر بالإضافة. فتتركها: الفاء في محل نصب مفعول به أول. شنا: مفعول به ثانٍ بـ "تترك"، أو حال على التأويل؛ والتقدير: تتركها مثل الشن. "ببيداء": متعلق بـ "تتركها"، وبيداء: ممنوع من الصرف، بلقع: صفة لـ "بيداء" مجرور وعلامة جره الكسرة الظاهرة.
موطن الشاهد: "لكيما أن".
وجه الاستشهاد: جواز كون "كي" مصدرية، و"أن" بعدها مؤكدة لها؛ وجواز كونها تعليلية مؤكدة لـ "اللام"؛ ولولا وجود "أن" بعدها؛ لوجب كونها مصدرية؛ ولولا وجود اللام قبلها؛ لوجب أن تكون تعليلية؛ وفي مثل الشاهد السابق يرجح النحاة كونها تعليلية؛ لالتصاق "أن" بالفعل المضارع؛ ولأنها أقوى في نصبه -حيث تنصبه ظاهرة ومضمرة- ولأنها أكثر استعمالا من "كي".
1 أي: المصدرية؛ وعلامتها: أن تقع في كلام يدل على الشك، أو الرجاء، والأمل، وأن يقع بعدها فعل، وتدخل على الماضي والمضارع، وتنصب المضارع لفظا، أو تقديرا، أو محلا. ولا تنصب الماضي مطلقا، ولا تغير زمنه، وتتصل بالفعل الذي تدخل عليه، ولا يفصل بينهما بغير "لا" النافية، أو الزائدة، ويمتنع تقديم معمول فعلها عليها، على الصحيح؛ خلافا للفراء. وتسبك مع الجملة التي بعدها بمصدر مؤول يعرب حسب ما قبلها. وتقع في أول الكلام فتؤول مع ما بعدها بمصدر، يكون مبتدأ؛ نحو قوله تعالى:
{وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ}؛ أي: صيامكم خير لكم. وتقع في وسط الكلام؛ فيكون المصدر فاعلا؛ نحو قوله تعالى: {أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ}؛ والتقدير: ألم يأن للذين آمنوا خشوع قلوبهم. ومفعولا؛ ونحو قوله تعالى: {فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَهَا}؛ والتقدير: فأردت عيبها. ومجرورا بالإضافة؛ نحو قوله تعالى: {مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لا بَيْعٌ فِيهِ}؛ والتقدير: من قبل إتيان يوم. وبحرف الجر، نحو: عجبت من أن كشفت عن اللص؛ والتقدير: من كشفك اللص.
انظر التصريح: 2/ 232، والمغني: 41-43، ورصف المباني: 111.
2 "2" سورة البقر، الآية: 174.
موطن الشاهد:
{وَأَنْ تَصُومُوا}.
وجه الاستشهاد: مجيء "أن" مصدرية ناصبة، والمصدر المؤول من "أن" وما بعدها": في محل رفع مبتدأ.

 

ج / 4 ص -147-        لِي}1؛ وبعضهم يهملها حملا علي "ما" أختها؛ أي: المصدرية، كقراءة ابن محيصن2: "لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمُّ الرَّضَاعَةَ"3؛ وكقوله4: [البسيط]

493- أن تقرآن على أسماء ويحكما5

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 "26" سورة الشعراء، الآية: 82.
موطن الشاهد: "أَنْ يَغْفِرَ".
وجه الاستشهاد: مجيء "أن" مصدرية ناصبة، و"يغفر": فعل مضارع منصوب بها، والمصدر المؤول من "أن وما بعدها" في محل جر بـ "في" مقدرة، أو في محل نصب بعد حذف "في".
2 هو: محمد بن عبد الرحمن بن محيصن، أحد الأربعة؛ أصحاب القراءات الشاذة بعد العشرة؛ كان مقرئ أهل مكة مع ابن كثير؛ وكان نحويا جليلا، وقد قرأ القرآن علي ابن مجاهد. توفي بمكة سنة 123هـ.
معرفة القراء الكبار: 1/ 969- تهذيب التهذيب للذهبي: 3/ 88، غاية النهاية: 2/ 167.
3 "2" سورة البقرة، الآية: 233.
أوجه القراءات: قرأ مجاهد: "أَنْ يُتِمَّ"، وقرأ: "أَنْ يُتِمَّ الرَّضعَةَ"، وقرأ أبو رجاء: "أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ"، وقرأ ابن عباس: "أَنْ يُكْمِلَ الرَّضَاعَةَ"، وقرأ أبو حنيفة وابن أبي عبلة: "أَنْ تتِمَّ الرِّضَاعَةَ"، وقرأ الحسن وابن محيصن: "أَنْ تتِمَّ الرَّضَاعَةَ". انظر البحر المحيط 2/ 213، وا لكشاف 1/ 141، والطبري 5/ 43.
موطن الشاهد: "أن يتم".
وجه الاستشهاد: مجيء "أن" مهملة على هذه القراءة؛ حملا على أختها "ما" المصدرية بجامع أن كليهما حرف مصدري ثنائي.
4 لم ينسب البيت إلى قائل معين.
5 تخريج الشاهد: هذا صدر بيت، وعجزه قوله:

مني السلام، وأن لا تشعرا أحدا

ويروى قبل الشاهد قوله:

يا صاحبي فدت نفسي نفوسكما                 وحيثما كنتما لاقيتما رشدا

إن تقضيا حاجة لي خف محملها                   تستوجبا منَّةً عندي لها ويدا

والبيت من شواهد: التصريح: 2/ 232، والأشموني: "1011/ 3/ 553"، والعيني: 4/ 380. ومجالس ثعلب:390، والمنصف: 1/ 278، والإنصاف: 563، وشرح المفصل: 7/ 15، 8/ 143، والخزانة: 3/ 559، ورصف المباني: "133/ 113"، ومغني اللبيب: "34/ 46" "11292/ 915"، والسيوطي: 37. واللسان "أنن". =

 

ج / 4 ص -148-        وتأتي "أن" مفسرة، وزائدة، ومخففة من "أنَّ"؛ فلا تنصب المضارع؛ فالمفسرة

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
= المفردات الغريبة: تقرآن؛ المراد: تبلغان وتقولان، من قولهم: اقرأ السلام على فلان، أي بَلِّغْه؛ كأنك تتلوه عليه، والمراد بالسلام هنا: مطلق التحية. ويحكما: مصدر معناه: رحمة لكما.
المعنى: أرجو يا صاحبي أن تبلغا محبوبتي أسماء تحيتي، وألا تخبرا بذلك أحدا.
الإعراب: أن: حرف مصدري مهمل، لا محل له من الإعراب. تقرآن: فعل مضارع مرفوع، وعلامة رفعه ثبوت النون، والألف في محل رفع فاعل، والمصدر المؤول من "أن قرآن": في محل نصب بدلا من "حاجة" في البيت السابق:

إن تقضيا حاجة لي خف محملها                  تستوجبا منَّةً عندي لها ويدا

ويجوز أن يكون في محل رفع خبر لمبتدأ محذوف؛ والتقدير: هي أن تقرآن. "على أسماء": متعلق بـ "تقرآن"، و"أسماء": ممنوع من الصرف. ويحكما: مفعول مطلق؛ لفعل محذوف من معناه، وهو مضاف. "كما": في محل جر بالإضافة؛ وجملة: "الفعل المحذوف مع معموله المذكور": اعتراضية لا محل لها من الإعراب. "مني": متعلق بقوله: "تقرآن". السلام: مفعول به لـ "تقرآن". وأن لا: الواو عاطفة، أن: حرف مصدري ونصب، لا: نافية. تشعرا: فعل مضارع منصوب بـ "أن"، وعلامة نصبه حذف النون والألف ضمير متصل في محل رفع فاعل. أحدا: مفعول به لفعل "تشعرا" منصوب، وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة والمصدر المؤول من "أن وما بعدها": معطوف على السلام؛ وتقدير الكلام: أن تقرآ.. السلام، وعدم إشعار أحد.
موطن الشاهد: "أن تقرآن".
وجه الاستشهاد: ارتفاع الفعل المسبوق بـ"أن" المصدرية"؛ وفي هذا دلالة على أنها مهملة، غير أن الشاعر أعمل "أن" في عجز البيت؛ فلو كان الشاعر يستعمل لغة الإهمال؛ لما أعملها في الموضع الثاني؛ فإعمالها وإهمالها في بيت واحد يقدح في صحة هذا الشاهد؛ وذكر صاحب التصريح أن الكوفيين أنكروا إهمال "أن" في مثل هذا الشاهد، وقالوا: إن "أن" هنا ليست المصدرية الناصبة للمضارع؛ ولكنها المخففة من الثقيلة؛ واسمها: ضمير شأن محذوف، وجملة "الفعل المضارع": في محل رفع خبرها؛ ولكن الشاعر خالف القاعدة على هذا الاعتبار أيضا؛ لأنه لم يفصل بين "أن" المخففة وخبرها بفاصل من الفواصل المعروفة؛ لأن جملة خبر "أن" المخففة من الثقيلة إذا كان فعلية؛ فعلها متصرف غير دعاء؛ فصل بينهما بـ "قد، أو تنفيس أو لو..."؛ وحكم عدم الفصل في هذا الشاهد -على رأي الكوفيين- شاذ أيضا.
انظر التصريح: 2/ 232.

 

ج / 4 ص -149-        هي المسبوقة بجملة فيها معنى القول دون حروفه1؛ نحو {فَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ أَنِ اصْنَعِ الْفُلْكَ} {وَانْطَلَقَ الْمَلَأُ مِنْهُمْ أَنِ امْشُوا}3.
[أن الزائدة]:
والزائدة هي التالية لـ "لما"4؛ نحو:
{فَلَمَّا أَنْ جَاءَ الْبَشِيرُ}5؛ والواقعة بين

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ويشترط كذلك، أن تتأخر عنها جملة أخرى، تتضمن معنى الأولى، وتوضح معناها، وألا تقرن "أن" بحرف جر؛ ظاهرا، أو مقدرا، ومن هنا يتضح لنا: أن التفسير إنما هو بالجملة المتأخرة، وأما "أن"؛ فمجرد أداة؛ وهي حرف مهمل مثل: "أي "المفسرة؛ فإن لم تسبقها جملة كاملة؛ كانت في الغالب مخففة من الثقيلة؛ نحو: قوله تعالى:
{وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ}؛ وإن لم يتأخر عنها جملة؛ امتنع مجيء "أن"؛ فلا يقال: أخذت عسجدا؛ أن ذهبا، بل يجب حذف "أن" أو الإتيان بكلمة "أي" المفسرة. وإن اقترنت بحرف جر ظاهر أو مقدر؛ كانت مصدرية؛ نحو: كتبت إليه: بأن تقدم إلى الأمام؛ لأن حرف الجر لا يدخل إلا على اسم صريح أو مؤول.
انظر ضياء السالك: 3/ 265-366، والتصريح: 2/ 232-233.
تنبيه: إذا جاء بعد "أن" الصالحة للتفسير مضارع مسبوق بكلمة "لا"؛ نحو: أشرت إليه ألا يتكلم؛ جاز رفعه على اعتبار "لا" نافية، وجزمه على اعتبارها ناهية، وأن في الحالتين: مفسرة؛ والجملة بعدها مفسرة لما قبله، ولا محل لها من الإعراب؛ ويجوز نصب الفعل على تقدير "لا" نافية، و"أن" مصدرية، حذفت الجملة قبلها قياسا؛ فإن حذفت "لا" امتنع الجزم، وجاز الرفع أو النصب.
مغني اللبيب: 50، والجنى الداني: 221.
2 "23" سورة المؤمنون، الآية: 27.
موطن الشاهد:
{أَنِ اصْنَعِ}.
وجه الاستشهاد: مجيء "أن" مفسرة غير ناصبة؛ لأنها مسبوقة بجملة "أوحينا" المتضمنة معنى القول من دون حروفه؛ والتقدير: أوحينا إليه أنِ اصنع الفلك، ويجوز أن تكون "أن" هنا زائدة، والمعنى: أوحينا إليه لفظ "اصنع".
3 "38" سورة ص، الآية: 6.
موطن الشاهد:
{أَنِ امْشُوا}.
وجه الاستشهاد: مجيء "أن" مفسرة، والتقدير: أي: امشوا؛ إذ ليس المراد بالانطلاق هنا المشي بل انطلاق ألسنتهم؛ بهذا الكلام، كما أنه ليس المراد بالمشي المتعارف بل: الاستمرار على الشيء. انظر التصريح: 2/ 232.
4 أي: الحينية التي بمعنى حين ووقت؛ لا النافية.
5 "12" سورة يوسف، الآية: 96.
موطن الشاهد:
{أَنْ جَاءَ}.
وجه الاستشهاد: وقوع "أن" زائدة بعد "لما" التي بمعنى "حين"؛ فهي لا محل لا من الإعراب، ولا عمل لها، فيما بعدها.

 

ج / 4 ص -150-        الكاف ومجرورها؛ كقوله:

كأنْ ظبية تعطو إلى وارق السلمْ1

 أو بين القسم ولو2؛ كقوله3: [الطويل]

494- فأقسم أن لو التقينا وأنتمُ4

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 هذا عجز بيت، وصدره قوله.

ويومًا توافينا بوجه مقسم

وقد مر تخريج هذا الشاهد والتعليق عليه في باب "إن وأخواتها".
موطن الشاهد: "كان ظبية".
وجه الاستشهاد: زيادة "أن" بين الكاف ومجرورها "ظبية" على رواية الجر؛ وأما على رواية النصب؛ فتكون "كأن" مخففة من الثقيلة؛ وظبية: اسمها، والخبر محذوف؛ ولها أوجه أخرى من الإعراب، ذكرت سابقا.
2 زاد المؤلف موضعا رابعا، تزاد فيه "أن" المفتوحة الهمزة الساكنة النون في غير هذا الكتاب؛ وهو أن تقع بعد إذا الظرفية المجردة عن معنى الشرط، نحو قول الشاعر:

فأمهله حتى إذا أنْ كأنَّهُ                   معاطي يد في لُجَّة الماء غامرُ

فإذا في البيت ظرفية مجردة عن معنى الشرط -كما أسلفنا- وأن -بعدها- فعلا مقدرا، تضاف هي إلى جملته؛ والتقدير: فأمهله حتى إذا يقال فيه كأنه... إلخ.
وذكر الأخفش: أنها تزاد في غير هذه المواضع، وخرج على زيادتها قوله تعالى:
{وَمَا لَنَا أَلَّا نَتَوَكَّلَ عَلَى اللَّهِ}؛ حيث زعم: أن "أن" زائدة؛ وأن تقدير الكلام: وما لنا لا نتوكل على الله؛ لئلا يقع المصدر المنسبك من أن المصدرية ومدخولها حالا؛ والصواب: أن "أن" في الآية الكريمة: مصدرية ناصبة للمضارع، وأنَّ قبلها حرفَ جرٍّ مقدرًا؛ والأصل: وما لنا في ألا نتوكل على الله، فالواقع حالا؛ هو الجار والمجرور، لا المصدر، وحذف حرف الجر قبل أن المصدرية قياسي سائغ، انظر مغني اللبيب: 51.
القائل: هو المسيب بن علس بن مالك، أحد بني ربيعة، شاعر جاهلي، كان أحد الشعراء المقلين المفضلين في الجاهلية، وهو خال الأعشى، ويكني أبا فضة.
الشعر والشعراء: 1/ 174، الجمحي: 1/ 156، الأعلام: 7/ 225، الخزانة: 1/ 545.
4 تخريج الشاهد: هذا صدر بيت، وعجزه قوله:

لكان لكم يوم من الشر مظلم

 

ج / 4 ص -151-        [أن المخففة من الثقيلة]:
والمخففة من "أن" هي: الواقعة بعد عِلْمٍ1؛ نحو:
{عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ مِنْكُمْ

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
= وهو من كلمة يخاطب فيها بني عامر بن ذهل، ويروى قبله:

لعمري لئن جدت عداوة بيننا               لينتحين مني على العظم ميسم

والشاهد من شواهد: التصريح 2/ 233، والأشموني: "1010/ 3/ 553"، وسيبويه: 1/ 455، وشرح المفصل: 9/ 94، والخزانة: 4/ 224، والمغني: "39/ 50"، والسيوطي:40.
المفردات الغريبة: أقسم: أحلف؛ وهو فعل مضارع فاعله أنا.
المعنى: يقسم أنه لو التقى بأعدائه لخذلهم وأذلهم، وكان يوم اللقاء شرا ووبالا عليهم.
الإعراب: أقسم: فعل مضارع مرفوع، والفاعل ضمير مستتر وجوبا تقديره: أنا. أن: حرف زائد، لا محل له من الإعراب. لو: حرف شرط غير جازم، لا محل له من الإعراب. التقينا: فعل ماضٍ مبني على السكون لاتصاله بـ "نا" الدالة على الفاعلين و"نا" ضمير متصل في محل رفع فاعل، وجملة "التقينا": شرط "لو" لا محل لها. وأنتم: الواو عاطفة، أنتم: ضمير رفع منفصل معطوف على "نا" من غير فاصل للضرورة، والأصل أن يقول: لو التقينا نحو وأنتم، أو نحو ذلك. لكان: اللام واقعة في جواب شرط غير جازم، كان: فعل ماضٍ ناقص. "لكم": متعلق بمحذوف خبر "كان" متقدم على اسمه. يوم: اسم كان مرفوع، وهذا هو الوجه الأفضل. "من الشر": متعلق بمحذوف صفة بـ "يوم". مظلم: صفة ثانية لـ "يوم"؛ وجملة "جواب القسم": محذوفة؛ لدلالة جواب "لو" الشرطية عليها؛ والذي هو جملة: "لكان....".
موطن الشاهد: "أقسم أن لو".
وجه الاستشهاد: وقوع "أن" زائدة بين فعل القسم الظاهر و"لو"؛ وربما وقعت "أن" زائدة أيضا بعد فعل القسم المحذوف؛ كما في قول الشاعر:

أما والله أن لو كنت حرا                         وما بالحر أنت ولا العتيق

والتقدير: أقسم والله لو كنت حرا لعرفت منزلتي. انظر التصريح: 2/ 223.
1 أي: بعد كلام؛ مما يدل على اليقين والقطع. وإنما كانت في ذلك مخففة؛ لأن العلم يتعلق بالمحقق؛ فيقاسمه التوكيد الذي تفيده "أن" المخففة. وجعل سيبويه: الحذر والخوف كالعلم؛ إذا كان الشيء المحذور، والمخوف متيقنا؛ نحو: خشيت أن تفعل كذا، وخفت أن تذهب وحدك.
الأشموني: 3/ 552.

 

ج / 4 ص -152-        مَرْضَى}1 ونحو: {أَفَلا يَرَوْنَ أَلَّا يَرْجِعُ}2، أو بعد ظن؛ نحو: {وَحَسِبُوا أَلَّا تَكُون}3، ويجوز في تالية الظن أن تكون ناصبة، وهو الأرجح؛ ولذلك أجمعوا عليه في: {أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا}4، واختلفوا في: {وَحَسِبُوا أَلَّا تَكُونُ فِتْنَةٌ}5؛ فقرأه غير أبي عمرو

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 "73" سورة المزمل، الآية: 20.
موطن الشاهد:
{أَنْ سَيَكُونُ}.
وجه الاستشهاد: مجيء "أن" مخففة من الثقيلة؛ واسمها ضمير الشأن المحذوف؛ والتقدير: علم أنه سيكون.
2 "20" سورة طه، الآية: 89.
موطن الشاهد:
{أَنْ لَا يَرْجِعُ}.
وجه الاستشهاد: مجيء "أن" مخففة من الثقيلة؛ لأنها مسبوقة، بـ "يرون" المتضمنة معنى العلم؛ والتقدير: أفلا يرون أنه لا يرجع؛ فالهاء ضمير الشأن المحذوف في محل نصب اسمها وجملة "لا يرجع": في محل رفع خبرها.
3 "5" سورة المائدة، الآية: 71.
موطن الشاهد: 
{أَلَّا تَكُونُ}.
وجه الاستشهاد: مجيء "أن" مخففة من الثقيلة؛ لأنها وقعت بعد ظن مؤول بالعلم، ومستعمل فيه؛ والتقدير: وحسبوا أنه لا تكون فتنة؛ وتقديرها: كسابقتها.
4 "29" سورة العنكبوت، الآية:2.
موطن الشاهد:
{أَنْ يُتْرَكُوا}.
وجه الاستشهاد: ووقع "أن" مصدرية ناصبة، بعد الظن الجاري على أصله، من غير تأويل ووقوع الفعل بعدها، منصوبا بها، ووقوع "أن" بعد الظن؛ حكمه الرجحان.
5 "5" سورة المائدة، الآية: 71.
أوجه القراءات: قرأ أبو عمرو، وحمزة، والكسائي، وخلف برفع النون، وقرأ الباقون بنصبها.
توجيه القراءات: من رفع "تكون" جعل "أن" مخففة من الثقيلة، وأضمر معها الهاء؛ وجملة "تكون": خبر "أن"، ويجعل "حسبوا": بمعنى أيقنوا؛ لأنه للتأكيد؛ و"أن وما بعدها": سدت مسد مفعولي "حسب"، وعلى هذا الوجه ينبغي أن تكتب "أن" مفصولة عن "لا"؛ لأن الهاء المضمرة تحول بين "أن و"لام" "لا" في المعنى والتقدير. ومن نصب "يكون"، وجعل "أن" ناصبة للفعل بعدها، وجعل "حسب"، بمعنى الشك؛ لأنها لم يتبعها تأكيد؛ لأن" أن" الخفيفة ليست للتأكيد؛ إنما هي لأمر قد يقع، وقد لا يقع، فالشك نظير ذلك وعديله. انظر التيسير: 100، والنشر: 2/ 246، ومشكل إعراب القرآن: 1/ 239.
موطن الشاهد:
{أَلَّا تَكُونُ}.
وجه الاستشهاد: جواز كون "أن" مخففة من الثقيلة، أو ناصبة.

 

ج / 4 ص -153-        والأخوين1 بالنصب.
الرابع: "إذن"؛ وهي حرف جواب وجزاء2؛ وشرط إعمالها ثلاثة أمور: أحدها: أن تتصدر3؛ فإن وقعت حشوا أهملت2؛ كقوله4: [الطويل]

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 أبو عمرو بن العلاء، والأخوان؛ هما: حمزة والكسائي.
تنبيه: يجب حذف النون من "أن" الناصبة المصدرية كتابة؛ إذا وقعت بعدها "لا" نافية، أو زائدة، وإدغامها في "لا" نطقا؛ نحو:
{مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ} ويجب إظهارها كتابة، لا نطقا؛ إن كانت غير ناصبة؛ سواء كان بعدها اسم أو فعل؛ نحو: "أشهد ألا إله إلا الله"، وتدغم في "لا" عند النطق.
2 أي: حرف يقع في صدر كلام يكون مترتبا على كلام قبله؛ كترتب الجواب على السؤال، وليس بلازم أن يكون الكلام السابق مشتملا على استفهام، يتطلب جوابا. ومعنى كونها للجزاء: دلالتها على جملة بعدها، تكون في الغالب مسببة عما قبلها، وتعتبر أثرا من آثاره. والصحيح أنها بسيطة ثلاثية الحروف ناصبة بنفسها، وتبدل نونها ألفا في الوقف؛ والجمهور يكتبونها بالنون، وبعضهم يكتبها بالألف. وقيل: تكتب العاملة بالنون، والمهملة بالألف للتفرقة بين النوعين؛ وهذا هو السائد؛ وهو رأي حسن. غير أن هذا كله في غير القرآن؛ وأما فيه فيوقف عليها، وتكتب بالألف إجماعا؛ اتباعا للرسم العثماني.
انظر تفصيل هذه المسائل السابقة في: التصريح 2/ 234، ومغني اللبيب: 30-32، وهمع الهوامع: 2/ 6-7.
3 أي: أن لا تقع في صدر جملتها؛ فلا يرتبط ما بعدها بما قبلها، في الإعراب؛ على الرغم من ارتباطهما في المعنى.
4 يكثر وقوعها حشوا؛ بين المبتدا وخبره؛ نحو: أنا إذا أساعدك؛ والخبر هنا جملة مضارعية. وبين جملتي الشرط والجواب؛ سواء كانت أداة الشرط جازمة، أو غير جازمة؛ نحو: إن تزرني إذًا أشكرك؛ ونحو: إذا أنصف الناس إذًا يسعدون. أو بين القسم وجوابه؛ سواء كان القسم مذكورا؛ أو مقدرا؛ نحو: والله إذًا أكافئك؛ ونحو: لئن قصرت في عملك إذًا لا تكافأ. وكذلك تهمل إذا تأخرت عن صدر جملتها إلى آخرها.
التصريح: 2/ 234، والمراجع المذكورة نفسها.
5 القائل: هو كثير بن عبد الرحمن، المعروف بكثير عزة، وقد مرت ترجمته.

 

ج / 4 ص -154-       495- وأمكنني منها إذن لا أقيلها1

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 تخريخ الشاهد: هذا عجز بيت، وصدره قوله:

لئن عاد لي عبد العزيز بمثلها

والبيت من قصيدة مدح بها عبد العزيز بن مروان، وكان واليا على مصر، فأعجبته مدحته، فقال له تَمَنَّ عليَّ، فطلب أن يكون كاتبه، وصاحب أمره، فلم يجبه إلى ذلك وأعطاه جائزة؛ ويروى قبل الشاهد قوله:

حلفت برب الراقصات إلى منىً                     تغول الفيافي نصها وذميلها

عجبت لتركي خطة الرشد بعدما                  بدا لي من عبد العزيز قبولها

الراقصات: الإبل؛ والرقص: الخبب لها. تغول: تقطع. النص: السير الشديد. الذميل: السير اللين.
والشاهد من شواهد: التصريح: 2/ 334، والأشموني: "1012/ 3/ 554"، وسيبويه: 1/ 412، والجمل: 205، وشرح المفصل: 9/ 13، 22، والخزانة: 3/ 280، 540 عرضا، والعيني: 4/ 382، والهمع: 2/ 7، والدرر: 2/ 5، والمغني: "18/ 30"، والسيوطي: 24، والشذور: "144/ 379"، وديوان كثير: 2/ 78.
المفردات الغريبة: عاد: رجع. لا أقيلها: لا أتركها، ولا أردها، والضمير يعود إلى خطة الرشد.
المعنى: يقسم الشاعر بأنه إذا رجع الخليفة، وعرض عليه مثل الخطة التي عرضها وأمكنه من ذلك؛ لا يتركها، ولا يردها.
الإعراب: لإن: اللام موطئة للقسم، إن: شرطية جازمة. عاد: فعل ماضٍ مبني على الفتح في محل جزم فعل الشرط. "لي": متعلق بـ "عاد"، ومثل: مضاف، و"ها" العائدة إلى مقالة عبد العزيز "تمنَّ على": في محل جر مضاف إليه؛ وجواب الشرط محذوف. وأمكنني الواو عاطفة، أمكن: فعل ماضٍ معطوف على "عاد" والفاعل ضمير مستتر جوازا تقديره: هو، يعود إلى عبد العزيز، والنون للوقاية والياء في محل نصب مفعولا به. "منها": متعلق بـ "أمكن". إذًا: حرف جواب وجزاء مهمل، لا محل له من الإعراب. لا: نافية لا محل لها. أقيلها: فعل مضارع مرفوع، والفاعل ضمير مسترر وجوبا؛ تقد يره: أنا و"هنا" ضمير متصل في محل نصب مفعولا به؛ وجملة "لا أقيلها": جواب القسم لا محل لها؛ لقوله في بيت سابق:

حلفت برب الراقصات إلى منى                    تغول الفيافي نصها وذميلها

موطن الشاهد: "إذًا لا أقيلها".
وجه الاستشهاد: إهمال "إذًا"؛ لعدم تصدره، ووقوعها حشوا بين القسم وجوابه؛ ولهذا ارتفع الفعل "أقيلها" بعدها، ولم ينصب بها.

 

ج / 4 ص -155-        وأما قوله1: [الرجز]

496- إني إذن أهلِكَ أو أطيرَا2

فضرورة، أو الخبر محذوف؛ أي: إني لا أستطيع ذلك.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 لم ينسب البيت إلى قائل معين.
2 تخريج الشاهد: هذا عجز بيت، وصدره قوله:

لا تتركني فيهم شطيرا

والبيت من شواهد: التصريح: 2/ 234، والأشموني: "1013/ 3/ 544"، والعيني: 4/ 383، والإنصاف: 177، وشرح المفصل: 7/ 17، والمقتضب: 56، والخزانة: 3/ 574، والمغني: "20/ 31"، والسيوطي: 26، والهمع: 2/ 7، والدرر: 2/ 6، واللسان "شطر".
المفردات الغريبة: شطيرا: غريبا، أو بعيدا. أطير؛ المراد: أذهب بعيدا.
المعنى: لا تتركني وتصيرني مثل البعيد والغريب بين هؤلاء؛ فإني إذن أموت، أو أرحل بعيدا عنهم.
الإعراب: لا: ناهية جازمة، تتركني: فعل مضارع مبني على الفتح؛ لاتصاله بنون التوكيد الثقيلة، في محل جزم، بـ "لا" الناهية؛ والفاعل: ضمير مستتر وجوبا، تقديره: أنت، ونون التوكيد، لا محل لها من الإعراب، والياء: ضمير متصل في محل نصب مفعول به أول. "فيهم": متعلق بفعل "تترك". شطيرا: مفعول به ثانٍ، لفعل "تترك" منصوب، وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة ويجوز أن يكون حالا. إني: حرف مشبه بالفعل، والياء: ضمير متصل في محل نصب اسمه. إذن: حرف جواب وجزاء. أهلك: فعل مضارع منصوب بـ "إذًا"، وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة، والفاعل ضمير مستتر وجوبا؛ تقديره: أنا. أو: حرف عطف. أطير: فعل مضارع معطوف على "أهلك" منصوب مثله، والفاعل: ضمير مستتر وجوبا؛ تقديره: أنا، والألف: للإطلاق.
موطن الشاهد: "إني إذًا أهلك".
وجه الاستشهاد: انتصاب الفعل المضارع "أهلك" بعد "إذن" وهي غير واقعة في صدر الجملة؛ لأنها وقعت حشوا بين اسم "إن" وخبرها؛ وحكم إعمالها في هذه الحالة ضرورة؛ أو كما بين المصنف في المتن، على أن خبر "إن" محذوف والتقدير: إني لا أستطيع ذلك، ثم استأنف كلاما مترتبا، على ما ذكر؛ فقال: إذن أهلك أو أطير، فتكون "إذن" على هذا التقدير واقعة في صدر جملة مستأنفة، ولا ضرورة على هذا الوجه.

 

ج / 4 ص -156-        وإن كان السابق عليها واوا، أو فاء؛ جاز النصب1؛ وقد قرئ: {وَإِذًا لا يَلْبَثُوا} {فَإِذًا لا يُؤْتُوا}3، والغالب الرفع؛ وبه قرأ السبعة.
الثاني: أن يكون مستقبلا؛ فيجب الرفع في نحو: "إذن تصدُقُ"4؛ جوابا لمن قال: "أنا أحب زيدا".
الثالث: أن يتصلا5، أو يفصل بينهما القسم6 كقوله7: [الوافر]

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 أي: نصب المضارع على إعمال "إذن"، واعتبار الواو، أو الفاء للاستئناف؛ لتكون "إذن" في صدر الكلام. وتخصيص ابن هشام هذا الحكم بالفاء والواو؛ هو استدراك على تعميم ابن مالك، في أن حروف العطف كلها سواء. التصريح: 2/ 235.
2 "17" سورة الإسراء، الآية: 76.
أوجه القراءات: قرأ ابن مسعود: 
{لا يلبثوا}، وقرأ يعقوب: {لا يُلَبِّثُون}، وقرأ عطاء وروح: "يُلَبَّثُون"، وقرأ السبعة: {إِذًا لَا يَلْبَثُونَ} بالرفع من دون تشديد. انظر إتحاف الفضلاء: 285، والبحر المحيط: 6/ 66، والكشاف: 2/ 462، والقرطبي: 10/ 302.
موطن الشاهد: "إذن لا يلبثوا".
وجه الاستشهاد: وقوع "إذن" عالة النصب في الفعل المضارع بعدها؛ وعلى هذا الوجه؛ فالواو استئنافية؛ لتكون "إذن": في صدر الكلام؛ وحكم النصب بها في هذه الحال الجواز.
3 "4" سورة النساء: الآية: 53.
أوجه القراءات: قرأ أبي: "فإذا لا يأتوا" وقرأ السبعة:
{لَا يُؤْتُونَ}. انظر التصريح: 2/ 235.
موطن الشاهد: مجيء "إذا" عاملة النصب -على قراءة أُبَيّ- والفاء استئنافية؛ لتكون "إذن" في صدر الكلام؛ وحكم النصب بها في هذه الحال الجواز.
4 لأنه يدل على الحال، والناصب يخلص زمن المضارع للاستقبال، فيقع التعارض بينهما.
5 أي: أن يكون المضارع متصلا بها؛ لضعفها -مع الفصل- عن العمل فيما بعدها، وتخطي الفاصل.
6 أجاز في المغني النصب -مع الفصل- بالظرف، أو الجار والمجرور؛ وأجازه ابن بابشاذ، مع الفصل بالنداء، أو بالدعاء؛ وأجازه الكسائي، وهشام، مع الفصل بمعمول الفعل؛ إلا أن الكسائي، يرجح النصب، وهشاما يرجح الرفع. مغني اللبيب: 32.
7 القائل: هو حسان بن ثابت الأنصاري، وقد مرت ترجمته.

 

ج / 4 ص -157-       497- إذن والله نرميهم بحربٍ1

[مواضع إضمار "أن" وانتصاب الفعل بها وجوبا]:
فصل: ينصب المضارع بـ "أن" مضمرة وجوبا في خمسة مواضع:
أحدها: بعد اللام إن سبقت بكون ناقص ماضٍ منفي 2؛ نحو:
{وَمَا كَانَ اللَّهُ

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 تخريج الشاهد: هذا صدر بيت، وعجزه قوله:

يشيب الطفل من قبل المشيب

وهو من شواهد: التصريح: 2/ 235، والأشموني: "1014/ 3/ 554"، والعيني: 4/ 306، والشذور: "145/ 381"، والقطر: "13/ 82"، والهمع: 2/ 7، والدرر: 2/ 5، والمغني: "17/ 910"، والسيوطي: 327، وفي ديوان حسان بن ثابت: 22.
المفردات الغريبة: نرميهم؛ المراد نُصيبهم؛ وأصل الرمي: الطرح على الشيء، وقذْفه. بحرب: الحرب يذكر ويؤنث، والأكثر فيها التأنيث. المشيب: زمن الشيب.
المعنى: إذن والله نصيب هؤلاء القوم بقتال يصيب الولدان بالشيب، قبل أن يبلغوا سن المشيب؛ وذلك بسبب ما يحصل لهم من الفزع والرعب.
الإعراب: إذن: حرف جواب وجزاء، لا محل له من الإعراب. والله: الواو حرف قسم وجر، و"لفظ الجلالة" مقسم به مجرور، و"الجار والمجرور": متعلق بفعل القسم المحذوف. نرميهم: فعل مضارع منصوب بـ "إذن"، وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة، والفاعل: ضمير مستتر وجوبا تقديره: نحن، و"هم": ضمير متصل مبني على السكون، في محل نصب مفعول به. "بحرب": متعلق بـ "نرميهم". تشيب: فعل مضارع مرفوع، وعلامة رفعه الضمة الظاهرة والفاعل: هي، يعود إلى الحرب. الطفل: مفعول به منصوب. "من قبل": متعلق بـ "تشيب"، وقبل: مضاف. المشيب: مضاف إليه مجرور؛ وجملة "تشيب الطفل..." في محل جر صفة لـ "حرب".
موطن الشاهد: "إذن والله نرميهم".
وجه الاستشهاد: انتصاب الفعل المضارع "نرمي" بـ إذن" مع جود الفاصل؛ لأنه يغتفر الفصل بالقسم بين إذن والفعل؛ لكون القسم زائدا عن الأجزاء؛ التي يتركب منها الكلام؛ ولكونه -أي: القسم- يفصل به عادة بين الشيئين المتلازمين؛ كالمضاف والمضاف إليه، والجار والمجرور.
1 أشار المصنف بقوله: "بكون نا قص" إلى "كان" أو "يكون" دون غيرهما، من سائر الأفعال الناسخة أو التامة، فلا يجب الإضمار بعد كان التامة؛ لأن اللام بعدها لام "كي"، وشمل بقوله "ماضٍ": ما كان ماضيا لفظا ومعنى، فقط كأن يكون الفعل مضارعا وقع بعد "لم" الجازمة التي تقلب زمنه إلى المضي. وبقوله "منفي" إن كان هذا النافي "ما" المختصة بالدخول على "كان" أو "لم" الجازمة؛ الداخلة على المضارع؛ هذان وينبغي أن يلي فعل الكون الناسخ اسمه مباشرة، وأن يكن اسما ظاهرا لا ضميرا. ثم يأتي مضارع منصوب بمدوء بلام مكسورة، وفاعله ضمير مستتر جوازا في الغالب، يعود على اسم الناسخ السابق، كما مثل المصنف.
حاشية يس على التصريح: 2/ 237، الأشموني: 3/ 558-559، وهمع الهوامع: 2/ 10.

 

ج / 4 ص -158-        لِيَظْلِمَهُمْ} {لَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ}2؛ وتسمى هذه اللام لام الجحود3.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 "29" سورة العنكبوت، الآية: 40.
موطن الشاهد:
{مَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ}.
وجه الاستشهاد: انتصاب "يظلم" بـ "أن" مضمرة بعد لام الجحود؛ وحكم هذا الإضمار الوجوب، والمصدر المؤول من "أن وما بعدها": مجرور باللام؛ و"الجار والمجرور". متعلقان بخبر "كان" والتقدير: ما كان الله مريدا لظلمهم.
2 "4" سورة النساء، الآية: 137.
موطن الشاهد:
{لِيَغْفِرَ}.
وجه الاستشهاد: انتصاب "يغفر" بـ "أن" مضمرة وجوبا بعد لام الجحود المسبوقة بكون ناقص منفي بمعنى الماضي؛ والمصدر المؤول من "أن وما بعدها": في محل جر باللام، و"الجار والمجرور": متعلقان بخبر "يكن" المحذوف؛ كما في الآية السابقة.
3 أي: النفي؛ لأنها تقوي معنى النفي في الجملة كلها؛ فهي تقع بعد كون منفي؛ والمعنى بعدها منفي؛ لتعلقها مع المجرور بالخبر المحذوف المنفي. وما ذكره المصنف من أن الناصب بعد لام الجحود؛ هو "أن" المضمرة؛ هو مذهب البصريين، وقالوا: بأن اللام متعلقة بمحذوفة؛ وذلك المحذوف هو خبر كان. ويرى الكوفيون: أن الناصب؛ هو اللام نفسها، وهي عندهم حرف زائد، فيسري النفي منه إلى المصدر المؤول المجرور بها. وخبر كان هو الفعل المضارع المنصوب، فقولك: ما كان زيد ليفعل القبيح: اللام حرف جر عند البصريين، ويفعل: فعل مضارع منصوب بأن محذوفة، وأن المحذوفة مع مدخولها: في تأويل مصدر مجرور باللام؛ و"الجار والمجرور": متعلق بمحذوف يقع خبرا لكان؛ وتقدير الكلام عندهم: ما كان زيد مريدا لفعل القبيح، واللام فيما قال الكوفيون: حرف زائدة للتأكيد، ويفعل: فعل مضارع منصوب بهذه اللام الزائدة؛ وجملة: "الفعل المضارع مع فاعله المستتر": في محل نصب خبر كان. وقد صرح بالخبر الذي زعمه البصريون من قال:

سموت ولم تكن أهلا لتسمو                          ولكن المضيع قد يصاب

انظر التصريح: 2/ 235، والهمع: 2/ 7، والجنى الداني: 118، ورصف المباني: 225.

 

ج / 4 ص -159-        الثاني: بعد "أول" إذا صلح في موضعها "حتى" 1؛ نحو: "لألزمتك أو تقضيني حقي"؛ وكقوله2: [الطويل]

498- لأستسهلن الصعب أو أدرك المنى3

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 أي: الدالة على الغاية، وتسمى الغائية، أو التي بمعنى "إلى"، أو الدالة على التعليل، وتسمى التعليلية، أو التي بمعنى "كي" أو "لام التعليل".
2 لم ينسب البيت إلى قائل معين.
3 تخريج الشاهد: هذا صدر بيت، وعجزه قوله:

فما انقادت الآمال إلا لصابِرِ

والبيت من شواهد: التصريح: 2/ 236، والأشموني: "1016/ 3/ 558"، وابن عقيل: "322/ 4/ 98"، والشذور: "146/ 339"، والمغني: "104/ 94"، والسيوطي: 74.
المفردات الغريبة: لأستسهلن الصعب: لأعدنه وأصيرنه سهلا بالصبر. والصعب: الأمر العسير. أدرك: أبلغ. المنى: ما يتمناه الإنسان ويرغب فيه جمع منية. انقادت: سهلت وتيسرت. الأمال: جمع أمل؛ وهو ما يرجى من المطالب.
المعنى: لأصيرن كل أمر عسير سهلا، بالصبر والاحتمال؛ حتى أبلغ ما أتمناه وأرجوه؛ فما ذللت الصعاب وتيسرت الأمور التي يرجى الحصول عليه؛ إلا لمن يصبر، ويحبس نفسه عن الجزع.
الإعراب: لأستسهلن: اللام موطئة لقسم محذوف؛ أو واقعة في جواب قسم مقدر، استسهل: فعل مضارع مبني على الفتح؛ لاتصاله بنون التوكيد الثقيلة، في محل رفع؛ لتجرده عن الناصب والجازم؛ ونون التوكيد، لا محل لها من الإعراب، والفاعل ضمير مستتر وجوبا؛ تقديره: أنا. الصعب: مفعول به بـ "أستسهل"؛ وجملة "استسهلن الصعب": جواب القسم، لا محل لها. أو: حرف عطف، بمعنى "حتى" أو "إلى".
أدرك: فعل مضارع منصوب بـ "أن" المضمرة بعد "أو"، وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة، والفاعل: ضمير مستتر وجوبا؛ تقديره: أنا؛ والمصدر المؤول من "أن وما بعدها": معطوف على مصدر متصيد من الفعل المتقدم؛ والتقدير ليكن مني استسهال أو إدراك. المنى: مفعول به منصوب لـ "أدرك"، وعلامة نصبه الفتحة المقدرة على الألف. فما: الفاء تعليلية، ما: نافية. انقادت: فعل ماضٍ مبني على الفتح، والتاء: للتأنيث. الآمال: فاعل مرفوع، وعلامة رفعه الضمة الظاهرة. إلا: أداة حصر، لا محل لها من الإعراب.
"لصابر": متعلق بـ "انقادت".
موطن الشاهد: "أو أدرك".
وجه الاستشهاد: انتصاب الفعل المضارع "أدرك" بـ "أن" المضمر بعد "أو"؛ وحكم هذا الإضمار الوجوب؛ لأن "أو" في هذا الشاهد بمعنى "إلى" أو "حتى".

 

ج / 4 ص -160-        أو "إلا"؛ "لأقتلنه أو يسلم"؛ وقوله1: [الوافر]

499- كسرت كعوبها أو تستقيما2

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 القائل: هو زياد الاعجم، وقد مرت ترجمته.
2 تخريج الشاهد: هذا عجز بيت، وصدره قوله.

وكنت إذا غمزت قناة قوم

وهو من شواهد: التصريح: 2/ 236، والأشموني: "1017/ 3/ 558"، وابن عقيل: "323/ 4/ 9"، والشذور: "147/ 394"، والقطر: "17/ 99"، وسيبويه: 1/ 428، والمقرب: 57، والمقتضب: 2/ 29، وأمالي ا بن الشجري: 2/ 319، وشرح المفصل: 5/ 15، والعيني: 4/ 385، والمغني: "103/ 93"، والسيوطي: 74، واللسان: "غمز".
المفرادات الغريبة: غمزت: هززت، من الغمز وهو الهز والجس باليد. قناة: المراد الرمح. كعوبها: جمع كعب؛ هو من القصب ما بين عقدتين، ومن الرمح أطرافه. تستقيما: تعتدل بعد اعوجاج.
المعنى: يقصد الشاعر: أنه إذا شرع في إصلاح قوم مفسدين، لا يرجع عن ذلك؛ إلا إذا استقاموا، وصلحوا- وإلا كسرهم، وأذاهم، كما أنه إذا أراد إصلاح رمح معوج لا يتركه إلا إذا استقام واعتدل- وإلا كسره.
الإعراب: وكنت: كان فعل ماضٍ ناقص مبني على السكون؛ لاتصاله بضمير رفع متحرك، والتاء: ضمير متصل مبني على الضم في محل رفع اسمه. إذا: ظرف لما يستقبل من الزمان خافض لشرطه منصوب بجوابه. غمزت: فعل ماضٍ مبني على السكون، والتاء: في محل رفع فاعل. قناة: مفعول به منصوب، وهو مضاف. قوم: مضاف إليه مجرور؛ وجملة "غمزت قناة قوم": في محل جر بالإضافة. كسرت: فعل ماضٍ مبني على السكون، والتاء: في محل رفع فاعل. كعوبها: مفعول به منصوب، وهو مضاف، و"ها": مضاف إليه؛ وجملة "كسرت كعوبها": جواب شرط غير جازم، لا محل لها؛ وجملة "إذا وشرطها وجوابها": في محل نصب خبر كان. أو: حرف عطف بمعنى "إلا" الاستثنائية. تستقيما: فعل مضارع منصوب بـ "أن" المضمرة وجوبا بعد "أو" التي بمعنى "إلا"، والألف: للإطلاق، والفاعل: ضمير مستتر جوازا؛ تقديره: هي؛ والمصدر المؤول من "أن وما بعدها": معطوف على مصدر مأخوذ من الفعل السابق؛ والتقدير: ليكن كسر أو استقامة.
موطن الشاهد: "أو تستقيما".
وجه الاستشهاد: انتصاب فعل "تستقيما" بـ "أن" المضمرة وجوبا بعد "أو" التي بمعنى "إلا".

 

ج / 4 ص -161-        الثالث: بعد "حتى"1؛ إن كان الفعل مستقبلا باعتبار التكلم؛ نحو: {فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ}2، أو باعتبار ما قبلها؛ نحو: {وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ}3.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 أي: الجارة للمصدر المؤول من "أن" المضمرة وجوبا وما دخلت عليه. وهي إما أن تدل على الغاية، أو على التعليل، أو على الاستثناء؛ فتدل على الغاية؛ إذا كان المعنى بعدها نهاية وغاية، لما قبلها؛ وعلامتها: أن يصلح في موضعها "إلى"؛ ولهذا تسمى "حتى" الغائية، أو التي بمعنى "إلى" -كما أسلفنا- ولا بد من أن يكون المعنى السابق من الأمور التي تنقضي تدريجيا أي: شيئيا فشيئا؛ لا دفعة واحدة؛ نحو: يستمر الحر نهار الصيف حتى تغيب الشمس. وتدل على التعليل؛ إذا كان ما قبلها علة وسببًا فيما بعدها؛ وعلامتها: أن يصلح في موضعها "كي"؛ نحو: تعني سوريا بالصناعة حتى تستغني عن الخارج. وتدل على الاستثناء؛ كـ "إلا"؛ إذا لم تصلح للغاية، أو التعليل؛ وعلامتها أن يصلح مكانها "إلا أن"؛ نحو: لا يعفى المدين من دينه حتى يؤديه؛ فليست في هذا غائية؛ لأن ما قبلها لا ينقضي تدريجيا، ولا تعليلية؛ لأن ما قبلها ليس سببا لما بعدها. وقد تدل "حتى" على أكثر من معنى؛ إذا لم تكن هناك قرينة تعين المعنى المقصود.
تدل "حتى" على أكثر من معنى؛ إذا لم تكن هناك قرينة تعين المعنى المقصود.
انظر تفصيل ذلك في التصريح: 2/ 237-238، ومغني اللبيب: 166، ورصف المباني: 180، والأشموني: 2/ 559-562. وضياء السالك: 3/ 375.
2 "49" سورة الحجرات، الآية: 9.
موطن الشاهد:
{حَتَّى تَفِيءَ}.
وجه الاستشهاد: انتصاب "تفيء" بأن مضمرة وجوبا بعد "حتى".
3 "2" سورة البقرة، الآية: 214.
أوجه القراءات: قرأ نافع والكسائي وابن محيصن وشيبة برفع "يقول"، وقرأ الباقون بالنصب انظر إتحاف الفضلاء: 156، إعراب القرآن للنحاس: 1/ 255، التيسير: 890.
موطن الشاهد:
{حَتَّى يَقُولَ}.
وجه الاستشهاد: انتصاب "يقول" بأن المضمرة بعد "حتى" وجوبا.

 

ج / 4 ص -162-        ويرفع الفعل بعدها إن كان حالا1 مسبَّبا فضلة2؛ وهو: "مرض زيد حتى لا يرجونه"3؛ ومنه: "حَتَّى يَقُولُ الرَّسُولُ"4؛ في قراءة نافع؛ لأنه مؤول بالحال؛ أي: حتى حالة الرسول والذين آمنوا معه، أنهم يقولون ذلك5:
ويجب النصب في مثل "أسيرن حتى تطلع الشمس" نحو"ما سرت حتى أدخلها"، و"أسرت حتى تدخلها"؛ لانتفاء السببية6؛ بخلاف "أيهم سار حتى يدخلها" فإن السير ثابت؛ وإنما الشك في الفاعل؛ وفي نحو "سري حتى أدخلها"؛ لعدم الفضيلة؛7؛ وكذلك: "كان سيري أمس حتى أدخلها" إن قدرت كان ناقصة، ولم تقدر الظرف خبرا".8
 الرابع والخامس: بعد فاء السببية9 واو المعية، مسبوقين بنفي 10، أو

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 أي: بأن يكون زمنه زمن النطق بالكلام المشتمل على حتى.
2 أي ليس جزءا أساسيا في الجملة؛ كخبر المبتدأ، أو خبر الناسخ.
3 فقوله: لا يرجونه حال؛ لأنه في قوة؛ فهو الآن لا يرجي، ومسبب عما قبله؛ لأن عدم الرجاء مسبب، المرض، وفضله؛ لأن الكلام تم بدونه. وإذا فشروط الرفع بعد حتى ثلاثة.
4 مرت ترجمته.
5 فالرفع في قراءة نافع، على تقدير القول الماضي، واقعا في الحال، أي: في زمن التكلم، لاستحضار صورته التعجبية.
6 لأن طلوع الشمس، لا يتسبب عن السير، والدخول لا يتسبب عن عدم السير، والسير لم يتحقق في الثالث؛ فلو رفع، لزم تحقق وقوع المسبب مع الشك في السبب، وذلك لا يصح.
7 فلو رفع الفعل؛ لصار المبتدأ بلا خبر.
8 بل قدر متعلقا "بسيري" فإن قدرت "كان" تامة، أو قدر الظرف؛ وهو "أمس" خبرا؛ جاز الرفع؛ لأن ما بعد حتى حال فضله.
9 فاء السبية: هي التي تدل، على أن ما بعدها مسبب عما قبلها، ومترتب عليه.
واو المعية: هي التي تدل على أن معنى ما قبلها ما بعدها متلازمان، يحصلان معا، في وقت واحد؛ فهي بمعنى "مع" في دلالتها على الجمع والمصاحبة.
10 سواء كانت أداة النفي حرفا مثل: لا –ما –لم-لن؛ أو فعلا؛ مثل: ليس- زال؛ أو اسما؛ مثل: غير؛ نحو: أنت غير آت فتحدثنا. ويلحق بالنفي: التشبيه المراد به النفي بالقرينة؛ نحو: كأنك المعلم فنطيعَك؛ أي: ما أنت بالمعلم، وكذلك التقليل بـ "قلما" المقصود به النفي أحيانا؛ نحو: قلما يشيع الظلم في أمة فتنهض؛ أي: لا يشيع.

 

ج / 4 ص -163-        طلب1 محضين2؛ نحو: {لا يُقْضَى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا} {وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ} {يَا لَيْتَنِي كُنْتُ مَعَهُمْ فَأَفُوزَ} {يَا لَيْتَنَا نُرَدُّ وَلا نُكَذِّبَ} {وَلا تَطْغَوْا فِيهِ فَيَحِلَّ عَلَيْكُمْ

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 المراد بالطلب: الأمر والنهي، والدعاء، والاستفهام، والعرض، والتحضيض، والتمني، والترجي، على الصحيح، وقد جمع بعضهم أنواع الطلب والنفي في قوله:

مر وأنه وادع وسل وأعرض لحضهم               تمن وأرج، كذاك النفي قد كملا

2 المراد بالنفي المحض: الخالص من معنى الغثبات، فلا ينتقض معناه بـ "إلا" الاستثنائية؛ التي تنقض النفي والنهي، ولا بنفي آخر بعده، يزيل آثره، ويجعل الكلام مثبتا؛ لأن نفي النفي إثبات، وسيأتي إيضاح ذلك. أما الطلب المحض؛ فهو ما يدل لفظه صراحة نصا على الطلب، ويظهر ذلك في الأمر، والنهي، والدعاء. أما غيره من أنواع الطلب؛ فيجيء معنى الطلب تابعا لمعنى آخر يتضمنه انظر "5، 6، 7" في حاشية الصبان: 301-302، ورصف المباني: 379-386، وهمع الهوامع: 2/ 10-11، والتصريح: 2/ 238-249.
3 "35" سورة فاطر، الآية: 36.
موطن الشاهد:
{لَا يُقْضَى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا}.
وجه الاستشهاد: انتصاب فعل "يموتوا" بـ "أن" المضمرة بعد فاء السببية المسبوقة بنفي محض: "لا يقضى"؛ وحكم إضمار "أن"، بعد فاء السببية الوجوب.
4 "3" آل عمران، الآية: 142.
موطن الشاهد:
{وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ}.
وجه الاستشهاد: انتصاب "يعلم" بـ "أن" المضمرة بعد واو المعية، وحكم هذا الإضمار الوجوب، كما في الآية السابقة.
5 "4" النساء، الآية: 73.
موطن الشاهد:
{يَا لَيْتَنِي... فَأَفُوزَ}.
وجه الاستشهاد: انتصاب فعل "أفوز" بأن المضمرة، بعد فاء السببية المسبوقة بالتمني؛ وحكم إضمارها الوجوب، كما في الآيات السابقة.
6 "6" سورة الأنعام، الآية: 27.
موطن الشاهد:
{يَا لَيْتَنَا نُرَدُّ وَلا نُكَذِّبَ}.
وجه الاستشهاد: انتصاب فعل "نكذب" بأن المضمرة بعد واو المعية المسبوقة بالتمني؛ وحكم هذا الإضمار الوجوب كما في الآيات السابقة.

 

ج / 4 ص -164-        غَضَبِي}1؛ وقوله2: [الكامل]

500- لا تَنْهَ عن خلق وتأتِيَ مثلَهُ3

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 "20" سورة طه، الآية: 81.
موطن الشاهد:
{لا تَطْغَوْا فِيهِ فَيَحِلَّ}.
وجه الاستشهاد: انتصاب فعل "يحل" بأن مضمرة بعد فاء السببية المسبوقة بالنهي؛ وحكم هذا الإضمار الوجوب، كما في الآيات السابقة.
2 القائل: هو أبو الأسود الدؤلي، وقد مرت ترجمته.
3 تخريج الشاهد: هذا صدر بيت، وعجزه قوله:

عارٌ عليك إذا فعلت عظيم.

وهو من شواهد: التصريح: 2/ 238، والأشموني: "1036/ 3/ 566"، وابن عقيل: "328/ 4/ 15"، والشذور: "114/ 410"، والقطر: "23/ 107"، والمقتضب: 2/ 16، وسيبويه: 1/ 424، ونسبه للأخطل، والجمل: 198، وحماسة البحتري: 174، والمؤتلف: 179، ومعجم المرزباني: 410، وشرح المفصل: 7/ 24، والخزانة: 3/ 617، والمغني: "671/ 472"، والسيوطي: 261، والأغاني "بولاق": 11/ 39، ومعجم البلدان: 7/ 384، ونسباه إلى المتوكل الكتاني، وملحقات ديوان أبي الأسود: 130.
المفردات الغريبة: لا تنه: لا تطلب الكف وابعد عن الشيء. عار: عيب ونقص.
المعنى: لا تطلب من غيرك الكف عن شيء قبيح، وتفعل مثله؛ فذلك عار عظيم عليك.
الإعراب: لا: ناهية جازمة، لا محل لها من الإعراب. تنه: فعل مضارع مجزوم، وعلامة جزمه حذف حرف العلة من آخره، والفاعل: ضمير مستتر وجوبا؛ تقديره: أنت. "عن خلق": متعلق بـ "تنه". وتأتي: الواو واو المعية، لا محل لها من الإعراب. "تأتي": فعل مضارع منصوب بـ "أن" المضمرة وجوبا بعد واو المعية، وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة، والفاعل: ضمير مستتر وجوبا؛ تقديره: أنت؛ والمصدر المؤول من "أن وما دخلت عليه": معطوف على مصدر مأخوذ من الفعل السابق؛ والتقدير: لا يكن منك نهي وإتيان. مثله: مفعول به لـ "تأتي"، هو مضاف، والهاء: في محل جر بالإضافة. عار: خبر لمبتدأ محذوف؛ والتقدير: ذلك عار؛ ويجوز أن يكون مبتدأ؛ خبره "عليك" بعده؛ ويمكن أن يكون مبتدأ محذوف الخبر. "عليك": متعلق بـ "عار" على الوجهين؛ الأول والثالث. إذا: ظرف لما يستقبل من الزمان. فعلت: فعل ماضٍ وفاعله؛ وجملة" فعلت": في محل جر بالإضافة؛ وجواب "إذا" محذوف؛ لدلالة سياق الكلام عليه. عظيم: صفة لـ "عار" مرفوع، وعلامة رفعه الضمة الظاهرة.
موطن الشاهد: "وتأتي".
وجه الاستشهاد: انتصاب فعل "تأتي" بأن المضمرة بعد واو المعية؛ الواقعة في جواب النهي بـ "لا"؛ وحكم هذا الإضمار الوجوب.

 

ج / 4 ص -165-        وقوله1: [الرجز]

501- يا ناق سيري عنقا فسيحا                      إلى سليمان فنستريحا2

وقوله3: [الوافر]

502 – فقلت ادعي وأدعوا إن أندى4

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 القائل: هو أبو النجم؛ الفضل بن قدامة العجلي، وقد مرت ترجمته.
2 تخريج الشاهد: هذا بيت من الرجز، أو بيتان من مشطوره، من كلمة يمدح فيها الخليفةَ سليمانَ بنَ عبدِ الملك. وهو من شواهد: التصريح: 2/ 239، والأشموني: "1025/ 3/ 562"، وابن عقيل: "324/ 4/ 12"، والشذور: "150/ 401"، والقطر: "18/ 100"، وسيبويه: 1/ 421، والمقتضب: 2/ 14، وشرح المفصل: 7/ 26، والعيني: 387، والهمع: 1/ 182، 2/ 10، والدرر: 1/ 158، 2/ 7.
المفردات الغريبة: عنقا: العنق: ضرب من السير السريع. فسيحا: واسعًا، فهو وصف كاشف.
المعنى: سيري يا ناقة سيرا إلى سليمان، وجدي في ذلك؛ لنستريح معًا.
الإعراب: يا: حرف نداء، لا محل له من الإعراب. ناق: منادى مرخم مبني على ضم القاف أو التاء المحذوفة في حل نصب على النداء. سيري: فعل أمر مبني على حذف النون؛ لاتصاله بياء المؤنثة المخاطبة، والياء: في محل رفع الفاعل. عنقا: مفعول مطلق منصوب لفعل "سيري"؛ والأصل فيه: صفة لمصدر محذوف؛ والتقدير: سيرًا سيرًا عنقا. فسيحا: صفة لـ "عنقا". "إلى سليمان": متعلق بـ "سيري"؛ وسليمان: ممنوع من الصرف؛ لزيادة الألف والنون. فنستريحا: الفاء للسببية، نستريح: فعل مضارع منصوب بـ طأن" المضمرة وجوبا بعد فاء السببية، والفاعل: نحن؛ والألف: للإطلاق؛ وجملة "نستريح": صلة للموصول الحرفين لا محل لها؛ والمصدر المؤول من "أن وما بعدها": معطوف على مصدر مأخوذ من الفعل السابق؛ والتقدير: ليكن منك سير واسع فاستراحة.
موطن الشاهد: "فنستريحا".
وجه الاستشهاد: انتصاب فعل "نستريح" بـ "أن" المضمرة بعد فاء السببية الواقعة في جواب الطلب، الأمر؛ وحكم هذا الإضمار الوجوب.
1 ينسب البيت إلى الأعشى، والحطيئة، ودثار بن شيبان، وربيعة بن جشم، والفرزدق.
2 تخريج الشاهد: هذا صدر بيت، وعجزه قوله:

لصوت أن ينادي داعيان

 

ج / 4 ص -166-        وقد اجتمع الطلب والنفي في قوله تعالى: {وَلا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ}1.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
= هو من شواهد: التصريح: 2/ 239، والأشموني: "305/ 3/ 566"، وابن عقيل: "327/ 4/ 15"، وسيبويه: 1/ 326، ونسبه للأعشى، ومجالس ثعلب، وأمالي القالي: 1/ 90، ونسبه إلى الفرزدق، والإنصاف: 531، وشرح المفصل: 7/ 33، والمغني: "742/ 519" والسيوطي: 380، والعيني: 4/ 392، والهمع: 2/ 13، والدرر: 2/ 9، واللسان "لوم".
المفردات الغريبة: ادعي: أمر من الدعاء، وهو هنا بمعنى النداء، أندى: أفعل تفضيل؛ من النداء مقصورًا؛ وهو بعد ذهاب الصوت.
المعنى: قلت لهذه المرأة التي خافت أن يلحق بنا العدو: نادي مع ندائي للاستغاثة؛ فإن أرفع صوت نداء داعيين معا.
الإعراب: فقلت: الفاء عاطفة، قلت: فعل ماضٍ مبني على السكون، والتاء: في محل رفع فاعل. ادعي: فعل أمر مبني على حذف النون، والياء في محل رفع فاعل. وأدعو: الواو واو المعية، أدعو: فعل مضارع منصوب بـ "أن" المضمرة وجوبا بعد واو المعية، والفاعل: ضمير مستتر وجوبا؛ تقديره: أنا. إن: حرف مشبه بالفعل. أندى: اسم "إن" منصوب، وعلامة نصبه الفتحة المقدرة على الألف للتعذر. لصوت: اللام زائدة، وصوت: مضاف إليه مجرور؛ وهو الأفضل؛ ويجوز أن تكون اللام حرف جر وصوت اسم مجرور، و"الصوت": متعلق بـ "أندى". ينادي: فعل مضارع منصوب بـ "أن" وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة. داعيان: فاعل "ينادي" مرفوع، وعلامة رفعه الألف؛ لأنه مثنى، والنون عوض عن التنوين في الاسم المفرد، والمصدر المؤول من أن وما دخلت عليه في محل رفع خبر "إن"، والتقدير: إن أندى صوت نداء داعيين.
موطن الشاهد: "وأدعو".
وجه الاستشهاد: انتصاب الفعل المضارع "أدعوَ" بـ "أن" المضمرة بعد واو المعية في جواب الطلب؛ وحكم هذا الإضمار الوجوب.
ملحوظة: روى بعض النحاة:

فقلت: ادعي وادعُ؛ فإن أندى

على أن" أدع" مجزوم بلام أمر مقدرة للضرورة؛ والتقدير: ولأدع؛ ورجح ذلك عطفه على الأمر الصريح في قوله: ادعي، وسيمر ذلك في مبحث جوازم المضارع.
1 "6" سورة الأنعام، الآية: 52.
موطن الشاهد: "فتطردهم، فتكون".
وجه الاستشهاد: انتصاب فعل "تطردهم" بأن المضمرة وجوبا بعد فاء السببية المسبوقة بالنفي:
{مَا عَلَيْكَ مِنْ حِسَابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ}، وانتصاب "فتكون" بأن المضمرة وجوبا بعد فاء السببية المسبوقة بالنهي: {وَلا تَطْرُدِ الَّذِينَ}.

 

ج / 4 ص -167-        الآية؛ لأن "فتطردهم"؛ جواب النفي1، و"فتكون" جواب النهي2.
واحترز بتقيد النفي والطلب بمحضين من النفي التالي تقريرا، والمتلوَّ بنفي، والمنتقض بـ "إلا"3؛ نحو: "ألم تأتني فأحسن إليك" إذا لم ترد الاستفهام الحقيقي4 ونحو: "ما تزال تأتينا فتحدثنا" و"ما تأتينا إلا وتحدثنا".
ومن الطلب باسم الفعل5، وبما لفظه الخبر، وسيأتي.
وبتقيد الفاء بالسببية والواو بالمعية من العاطفتين على صريح الفعل، ومن الاستئنافيتين؛ نحو:
{وَلا يُؤْذَنُ لَهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ}6؛ فإنها للعطف؛ وقوله7: [الطويل]

503- ألم تسأل الربع القواء فينطقُ8

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 وهو قوله تعالى:
{مَا عَلَيْكَ مِنْ حِسَابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ}.
2 وهو قوله تعالى:
{وَلا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ}، ففي الكلام لف ونشر غير مرتب وقد اقتصر المصنف في التمثيل، على النفي، والتمني، والنهي، والأمر؛ لأنه لم يسمع نصب الفعل بعد الواو في غيرها. وزاد الأشموني الاستفهام؛ كقول الشاعر:

ألم أكُ جاركم ويكون بيني                           وبينكم المودة والإخاء؟

ثم قال: وقِسِ الباقي. وقال أبو حيان: لا ينبغي أن يقدم على ذلك إلا بسماع.
الأشموني: 3/ 566-567، والهمع: 2/ 13.
3 فيجب رفع الفعل بعدهما عند ابن مالك ومن تبعه؛ لأن معناهما الإثبات، وأجاز سيبويه وآخرون الرفع والنصب بعد المنتقض بـ  "إلا" الاستثنائية. انظر تفصيل ذلك في التصريح، وحاشية يس على التصريح: 2/ 239.
4 أي: بل أردت حمل مخاطبك على الإقرار والاعتراف بإثباته وإحسانك إليه.
5 وكذلك، بالمصدر الواقع بدلا من اللفظ بفعله؛ نحو: "سكوتا فيتكلم الخطيب".
6 "77" سورة المرسلات، ا لآية: 36.
موطن الشاهد:
{فَيَعْتَذِرُونَ}.
وجه الاستشهاد: ارتفاع فعل "يعتذرون"؛ لأنه عطف بالفاء، على "يؤذن" للدلالة على نفي الإذن، والاعتذار عقبه مطلقا؛ والتقدير: لا يؤذن لهم فلا يعتذرون.
7 القائل: هو جميل بن معمر العذري، وقد مرت ترجمته.
8 تخريج الشاهد: هذا صدر بيت، وعجزه قوله:

وهل تخبرنْك اليوم بيداءُ سَمْلَقُ

 

ج / 4 ص -168-        فإنها للاستئناف؛ إذ العطف يقتضي الجزم1، والسببية تقتضي النصب2.
وتقول: "لا تأكلِ السمك وتشرب اللبن" بالرفع إذا نهيته عن الأول فقط3،

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
= وهو من شواهد: التصريح: 2/ 240، والشذور: "148/ 395"، وسيبويه: 1/ 422، والجمل: 204، والأغاني: 8/ 145، وشرح المفصل: 7/ 63، والخزانة: 3/ 601، والمغني: "301/ 222"، والسيوطي: 162، والهمع: 2/ 11، 131، والدرر: 2/ 8/ 171، وديوان جميل: 144.
المفردات الغريبة: الربع: المنزل. القواء: الخالي الذي لا أنيس به. بيداء: صحراء قفر. سملق: لا تنبت شيئا.
المعنى: ألم تسأل هذا المنزل الخالي الذي لا أحد به فيخبرك عن الأحبة؟ ثم رجع إلى نفسه وقال: وهل تخبرنك صحراء جرداء لا نبات بها؟
الإعراب: ألم: الهمزة حرف للاستفهام الإنكاري، لم: حرف نفي وجزم وقلب. تسأل: فعل مضارع مجزوم بـ "لم" وعلامة جزمه السكون، وحرك بالكسر؛ لالتقاء الساكنين، والفاعل: أنت. الربع: مفعول به منصوب، وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة. القواء: صفة للربع، منصوب وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة. فينطق: الفاء استئنافية، ينطق: فعل مضارع مرفوع، وعلامة رفعه الضمة الظاهرة، والفاعل: ضمير مستتر جوازا،؛ تقديره: هو؛ وجملة "ينطق": في محل رفع خبر لمبتدأ محذوف؛ والتقدير: فهو ينطق. وهل: الواو عاطفة، هل: حرف استفهام. تخبرنك: فعل مضارع مبني على الفتح؛ لاتصاله بنون التوكيد الخفية؛ ونون التوكيد، لا محل لها من الإعراب، والكاف: في محل نصب مفعولا به. بيداء: فاعل مرفوع، وعلامة رفعه الضمة الظاهرة على آخره. سملق: صفة لـ "بيداء" مرفوع، وعلامة رفعه الضمة الظاهرة.
موطن الشاهد: "فينطق".
وجه الاستشهاد: ارتفاع فعل "ينطق" بعد الفاء مع أنه مسبوق باستفهام، وذلك؛ لأن هذه الفاء، ليست عاطفة، ولا بالسببية؛ وإنما هي حرف استنئاف كما بينا في الإعراب.
1 لأنه معطوف على مجزوم، وهو "تسأل".
2 لأنه في جواب استفهام، وقيل: إن الفاء هنا للعطف، والمعتبر بالعطف: الجملة، لا الفعل وحده. انظر التصريح: 2/ 241.
3 فتكون الواو: للاستئناف؛ أي: ولكَ شرب اللبن. ويحتمل أن تكون الواو: للحال و"تشرب": خبرا لمبتدأ محذوف؛ ويكون النهي عن المصاحبة.

 

ج / 4 ص -169-        فإن قدرت النهي عن الجمع؛ نصبت، أو عن كل منهما؛ جزمت1.
وإذا سقطت الفاء بعد الطلب، وقصد معنى الجزاء2؛ جزم الفعل جوابا لشرط مقدرا3؛ لا للطلب؛ لتضمنه معنى الشرط خلافا لزاعمي ذلك؛ نحو:
{قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ}4 بخلاف؛ نحو: {فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا، يَرِثُنِي}5؛ في قراءة الرفع؛ فإنه قدره صفة لـ "وليًّا"، لا جوابا لـ "هب"؛ كما قدره من جزم.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 أي: على أن الواو للمعية. ويكون من عطف الفعل على الفعل، لا كسابقه احترازا من سقوطها بعد النفي؛ فإنه لا يصح جزم المضارع معه بل يجب رفعه، وألحق الكوفيون بالواو "ثم" في الحديث: "لا يبولن أحدكم في الماء الدائم ثم يغتسل منه". حاشية يس على التصريح: 2/ 241.
2 أي: قصد بالفعل الذي سقطت منه الفاء، أن يكون جوابًا وجزءًا على الطلب المتقدم؛ أي: يكون مسببا عنه كتسبب جزاء الشرط على فعل الشرط.
3 أي: هو وفعل الشرط؛ لدلالة الطلب عليهما، ويتعين أن تكون أداة الشرط المقدرة "إن"؛ لأنه لا يحذف غيرها، وفي جزم الفعل المضارع الواقع جوابا لشرط مقدر ثلاثة أقوال؛ وهي:
الأول: أن جازمه أداة شرط مقدرة: ففي قولك: زرني أكرمك؛ التقدير: زرني؛ إن تزرني أكرمك؛ فالأداة المحذوفة؛ هي "إن" مقدرة، وفعل الشرط المتصيد من الكلام السابق؛ والمضارع: جواب الشرط، وهذا قول جمهور النحاة وصححه المتأخرون.
الثاني: أن الجازم؛ هو الطلب نفسه؛ لأنه يتضمن معنى أداة الشرط؛ وهذا قول الخليل، وسيبويه، وجاراهما ابن هشام في كتابه "قطر الندى" كما يظهر من عبارته هناك.
الثالث: أن الجازم؛ هو الطلب المتقدم نفسه؛ لأنه ناب عن أداة الشرط كما أن المصدر ينصب المفعول به؛ في نحو: ضربا زيدا"؛ لكونه قد ناب عن فعل الأمر؛ لا لأنه تضمن معناه؛ وهذا مذهب أبي سعيد السيرافي، وأبي علي الفارسي.
انظر حاشية الصبان: 3/ 309-310، وهمع الهوامع: 2/ 15.
4 "6" سورة الأنعام، الآية: 151.
موطن الشاهد:
{أَتْلُ}.
وجه الاستشهاد: جزم فعل "أتل" لوقوعه جوابا لشرط مقدر؛ لأنه تقدمه طلب:
{تَعَالَوْا} والمقصود به الجزاء؛ لأن التلاوة عليهم مسببة عن مجيئهم، فجزم "أتل"، بحرف شرط مقدر؛ والتقدير: إن تأتوا أتل.
5 "19" سورة مريم، الآية: 6.
أوجه القراءات: قرأ أبو عمرو والكسائي بجزم: يَرِثْنِي وَيَرِثْ"، وقرأ الباقون برفعهما. =

 

ج / 4 ص -170-        وشرط غير الكسائي لصحة الجزم بعد النهي صحة وقوع "أنْ لا" في موضعه1؛ فمن ثم جاز "لا تَدْنُ من الأسد تسلمْ" بالجزم، ووجب الرفع في نحو: "لا تَدْنُ من الأسد يأكلُك"2، وأما "فلا يقربْ مسجدنا يؤذِنا"3 فالجزم على الإبدال لا الجواب4.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
= توجيه القراءات: من جزم "يرثني" جعله جواب الطلب؛ لأنه كالأمر في الحكم، وجزم "يرث" عطفا عليه. وعلى قراءة الرفع؛ فـ "يرثني": في محل صب صفة لـ "وليا"، و"يرث": معطوف عليه؛ والتقدير: فهب لي من لدنك وليا وارثا علمي ونبوتي. انظر النشر: 2/ 304، التيسير: 148، الإتحاف: 297، المشكل: 2/ 50-51.
موطن الشاهد: "يرثْني".
وجه الاستشهاد: ارتفاع "يرثني" في قراءة الرفع؛ لأنه واقع في محل نصب صفة لـ "وليا"، لا جوابا لـ "هب"، كما في المتن.
1 أي: صحة وضع "إن" الشرطية وبعدها "لا" النافية موضع "لا" النهاية المحذوفة مع استقامة المعنى.
2 ذلك لعدم صحة حلول "إنْ لا" موضع "لا" الناهية المحذوفة؛ لأن الأكل لا يتسبب عن الانتهاء عن الدنو، وإنما على الدنو نفسه؛ ولهذا وجب الرفع في قوله تعالى:
{وَلا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ}.
3 هذا جزء من حديث شريف؛ وتمامه:
"من أكل من هذه الشجرة -يعني الثوم- فلا يقرب مسجدنا يؤذِنا"؛ والحديث؛ أخرجه البخاري: 9/ 575، وأخرجه أحمد بن حنبل في موطَّئه: 17، وكنز العمال: 40198.
وأخرجه مسلم: 1/ 394 برواية:
"فلا يقربن مسجدنا، ولا يؤذينا برائحة الثوم".
موطن الشاهد:
"يؤذنا".
وجه الاستشهاد: جرم فعل "يؤذنا" على أنه بدل اشتمال من "يقرب"؛ لا على أنه جواب النهي؛ لأنه لا يصح: إن لا يقرب.. يؤذنا؛ لكون الإيذاء متسببا عن القرب؛ لا عن عدمه. انظر التصريح: 2/ 242-243.
4 يذكر هنا أن الكسائي وبعض الكوفيين؛ لم يشترطوا إحلال "إن لا" محل "لا" الناهية ولا إحلال "إن" قبل بقية أدوات الطلب، ولا ما يترتب على ذلك من صحة المعنى، أو عدم صحته؛ بدعوى أن فهم المقصود من الجملة يرجع إلى القرائن وحدها، وأن كثيرا من الأمثلة التي جاز فيها جزم المضارع، لا يستقيم معناها بوضع "إن لا"، بلاد من "لا" الناهية.

 

ج / 4 ص -171-        وألحق الكسائي في جواز النصب بالأمر ما دل على معناه؛ من اسم فعل1؛ نحو: "نَزَالِ فنكرمَك"، أو خبر نحو: "حسبك حديث فينامَ الناس"2 ولا خلاف في جواز الجزم بعدهما إذا سقطت الفاء3؛ كقوله4: [الوافر]

504- مكانك تحمدي أو تستريحي5

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
 1 سواء كان من لفظ الفعل -كما مثل- أو لا كـ "صه فنحدثك"؛ أما المصدر النائب عن فعله فالحق نصب ما بعده كـ "ضربا عليا فيتأدب".
2 حسب: اسم فعل مضارع بمعنى "يكفي". حديث: فاعل. أو اسم فاعل بمعنى كافٍ: مبتدأ، وحديث: خبر، أو بالعكس وضمته على الأول بناء، وعلي الثاني إعراب، والجملة متضمنة معنى أكفف. ينام: منصوب على رأي الكسائي.
3 لأن امتناع النصب -عند الجمهور- بعدهما سببه: جمودهما، فلا يمكن تأويل مصدر يعطف على ما قبلهما؛ والجزم لا يقتضي السبك.
4 القائل: هو عمرو بن الإطنابة الخزرجي، شاعر جاهلي فارس، ينسب إلى أمه الإطنابة بنت شهاب من بني القين، كان من أشراف الخزرج، وقد عده حسان بن ثابت من أشعر الناس.
معجم الشعراء: 8.
5 تخريج الشاهد: هذا عجز بيت، وصدره قوله:

وقولي كلما جشأت وجاشت

وهو من قصيدة مشهورة؛ يقال: إن معاوية همَّ بالفرار يوم صفين، فما منعه إلا أبيات منها الشاهد المذكور، ومن هذه الأبيات قوله:

أبت لي همتي وأبى بلائي                     وأخذي الحمد بالثمن الربيح

وبعد الشاهد قوله:

وإقحامي على المكروه نفسي                  وضربي هامة البطل المشيح

لأدفع عن مآثر صالحات                            وأحمي بعدُ عن عرض صحيح

والشذور: "174/ 458، 532"، والقطر: "117/ 350"، والخصائص: 3/ 35، وشرح المفصل: 4/ 74، والمقرب: 59، والمغني: 4/ 415، والهمع: 2/ 13، والدرر: 2/ 9، والمغني: "365/ 268"، والسيوطي: 186.
المفردات الغريبة: جشأت: ثارت ونهضت من فزع أو حزن ونحوهما، والضمير للنفس. جاشت: فزعت وغلت من حملها الأثقال؛ كما تغلي القدر. تحمدي: يحمدك الناس. =

 

ج / 4 ص -172-        وقولهم: "أتقى الله امرؤ فعل خيرا يُثَبْ عليه" أي: ليتَّقِ الله وليفعل1، وألحق الفراء الترجي بالتمني؛ بدليل قراءة حفص2 {فَأطَّلِعَ} بالنصب.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
= المعنى: إن همتي وشجاعتي، جعلتني أقول لنفسي كلما فزعت وضجرت من مشقات الحرب: اثبتي تحمدي بالصبر والشجاعة، أو تستريحي من عناء الدنيا بالقتل في موطن الشرف والفخار.
الإعراب: وقولي: الواو عاطفة، قولي: معطوف على: "همتي وبلائي" في بيت سابق؛ مرفوع، وعلامة رفعه الضمة المقدرة على ما قبل ياء المتكلم، والياء: في محل جر بالإضافة؛ ويجوز إعراب "قولي": مبتدأ مرفوعا، وخبره: جملة مقول القول الآتية: كلما": متعلق بـ "قولي" وهو ظرف زمان منصوب، و"ما": مصدرية. جشأت: فعل ماضٍ مبني على الفتح، والتاء: للتأنيث، والفاعل: هي، وجملة "جشأت": صلة لموصول الحرفين لا محل لها. وجاشت: الواو عاطفة، جاشت: فعل ماضٍ مبني على الفتح، والتاء: للتأنيث، والفاعل: هي؛ وجملة "جاشت": معطوفة على جملة "جشأت": لا محل لها. مكان: اسم فعل أمر بمعنى: "أثبتي"، والفعل: أنتن والكاف: للخطاب؛ جملة: "مكانك تحمدي": مقول القول في محل نصب مفعول به؛ أو خبر للمبتدأ "قولي". تحمدي: فعل مضارع مجزوم؛ لوقوعه في جواب الطلب -اسم الفعل- وعلامة جزمه حذف النون، والياء: ضمير متصل، في محل رفع نائب فاعل. أو: حرف عطف. تستريحي: فعل مضارع معطوف على "تحمدي" مجزوم، وعلامة جزمه حذف النون، والياء: في محل رفع فاعل.
موطن الشاهد: "تحمدي".
وجه الاستشهاد: جزم فعل "تحمدي"؛ لوقوعه في جواب الطلب المتمثل باسم فعل الأمر؛ وحكم الجزم هنا الوجوب.
1 بدليل جزم الفعل المضارع؛ وهو "يثب" بعده، والمضارع؛ إنما يجزم في جواب الأمر.
2 مرت ترجمته.
3 "40" سورة غافر، الآية: 37.
أوجه القراءات: قرأ حفص "فاطلع" بالنصب، وقرأ نافع، وابن كثير، وأن عامر، وحمزة والكسائي وشعبة، وأبو جعفر "فاطلع" بالرفع البحر المحيط: 7/ 465، والتيسير: 191.
موطن الشاهد:
{فَأطَّلِعَ}.
وجه الاستشهاد: انتصاب فعل
{فَأَطَّلِعَ} بعد فاء السببية المسبوقة بـ "الترجي" في قوله تعالى: {لَعَلِّي أَبْلُغُ الْأَسْبَابَ.... فَأَطَّلِعَ}؛ وحكم النصب بأن المضمرة على هذه القراءة الوجوب.

 

ج / 4 ص -173-        [مواضع انتصاب الفعل المضارع بـ "أن" المضمرة جوازا]:
فصل: وينصب بـ "أن" مضمرة جوزا بعد خمسة أيضا:
أحدها: اللام إذا لم يسبقها كون ناقص ماضٍ منفي؛ ولم يقرن الفعل بـ "لا"؛ نحو:
{وَأُمِرْنَا لِنُسْلِمَ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ} {وَأُمِرْتُ لِأَنْ أَكُونَ أَوَّلَ الْمُسْلِمِينَ}2.
فإن سبقت بالكون المذكور؛ وجب إضمار "أن" كما مر3.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 "6" سورة الأنعام، الآية: 71.
موطن الشاهد:
{لِنُسْلِمَ}.
وجه الاستشهاد: انتصاب فعل "نسلم" بـ "أن" المضمرة بعد لام التعليل؛ وحكم هذا الإضمار الجواز؛ وانتصاب الفعل -بعد اللام الجارة- بأن المضمرة؛ هو مذهب البصريين؛ وأما الكوفيون، فذهبوا إلى أن الناصب للفعل هو اللام نفسها، وجوزوا إظهار "أن" بعدها توكيدا. انظر شرح التصريح: 2/ 243.
2 "39" سورة الزمر، الآية: 12.
موطن الشاهد:
{أُمِرْتُ لِأَنْ أَكُونَ}.
وجه الاستشهاد: إظهار "أن" بعد اللام الجارة؛ وانتصاب الفعل بها؛ وفي ذلك دلالة على جواز إظهار "أن" وإضمارها بعد اللام، كما أشرنا سابقا.
3 اللام التي لم يسبقها الكون الماضي المنفي؛ هي لام التعليل؛ وقد يعبر عنها بلام كي واللام التي سبقها الكون الماضي المنفي؛ هي لام الجحود؛ ومما سبق يتبين لنا أن لـ "أن" المصدرية بعد اللام ثلاث حالات.
الأولى: وجوب الإضمار؛ وذلك إذا كانت اللام لام الجحود؛ كقوله تعالى:
{لَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ}.
الثانية: وجوب الإظهار؛ وذلك إذا قرن الفعل المضارع بلا النافية؛ نحو قوله تعالى:
{لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ}.
الثالثة: جواز الإضمار والإظهار؛ وذلك إذا كانت اللام للتعليل؛ نحو: قوله تعالى:
{وَأُمِرْنَا لِنُسْلِمَ} بالإضمار؛ ونحو قوله جل شأنه: {وَأُمِرْتُ لِأَنْ أَكُونَ} بالإظهار والقول بأن ناصب المضارع بعد لام التعليل؛ هو "أن" المضمرة جوازا؛ هو قول جمهور البصريين؛ وفي المسألة ثلاثة أقوال أخرى.
الأول: أن الناصب للمضارع هو لام التعليل نفسها؛ وإذا ذكرت "أن" بعد اللام؛ فإنها تكون مؤكدة لـ "اللام" وهذا قول جمهور الكوفيين.
الثاني: أن الناصب للمضارع؛ هو اللام؛ لنيابتها عن أن المحذوفة؛ وهذا قول أبي العباس ثعلب.
والثالث: أن الناصب للمضارع؛ ليس اللام، وليس أن مضمرة بخصوصها بل يجوز أن يكون الناصب "أن" مضمرة، ويجوز أن يكون الناصب "كي" مضمرة؛ لأن كلا منهما، يظهر بعد اللام في بعض التراكيب؛ وهذا قول السيرافي وابن كيسان. همع الهوامع: 2/ 16-17.

 

ج / 4 ص -174-        وإن قرن الفعل بلا نافية، أو مؤكدة؛ وجب إظهارها1؛ نحو: {لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ} {لِئَلَّا يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتَابِ}3.
والأربعة الباقية: أو، والواو، والفاء، وثم؛ إذا كان العطف على اسم ليس في تأويل الفعل4؛ نحو:
{أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا}5 في قراءة غير نافع بالنصب؛ عطفا على

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 لئلا يتوالى مثلان من غير إدغام.
2 "2" سورة البقرة، الآية: 150.
موطن الشاهد:
{لِئَلَّا يَكُونَ}.
وجه الاستشهاد: انتصاب فعل "يكون بـ "أن" المدغمة بـ "لا" النافية؛ وحكم ظهور "أن الناصبة بعد اللام في هذه الحالة الوجوب.
3 "57" سورة الحديد، الآية: 29.
موطن الشاهد:
{لِئَلَّا يَعْلَمَ}.
وجه الاستشهاد: انتصاب "يعلم" بـ "أن" المدغمة بـ "لا" المؤكدة؛ وحكم ظهور "أن" الناصبة بعد اللام في هذه الحالة الوجوب.
4 هذا هو الموضع الثاني؛ والموضع الأول قوله: "أحدها" الذي ذكره المصنف بقوله: والأربعة الباقية؛ وهو أن تقع "أن" بعد حرف عطف من حروف أربعة هي: الواو، والفاء، وثم، وأو؛ بشرط أن يكون المعطوف عليه اسما مذكورا، ليس في تأويل الفعل؛ أي: يكون جامدا محضا؛ سواء كان مصدرا صريحا، أم غير مصدر، ويشترط أيضا ألا يدل حرف من هذه الحروف على معين يوجب إضمار "أن" كالسببية "مع الفاء" والمعية "مع الواو" و"ثم" والاستثناء مع "إلا".
5 "42" سورة الشورى، الآية: 51.
أوجه القراءات: قرأ نافع: "أو يُرسلُ" واختلف عن ابن ذكوان عن ابن عامر؛ فحكي عنه الوجهان؛ وقرأ باقي العشرة بالنصب في:
{أَوْ يُرْسِلَ}.
أوجه القراءات: من نصب "يرسل" و"يوحِيَ" عطفهما على معنى "وحيًا"؛ ومن رفعهما؛ فعلى الابتداء؛ كأنه قال: أو هو يرسل ويوحي، ويجوز أن يكون في موضع الحال؛ والتقدير: إلا موحيا أو مرسلا" انظر النشر: 2/ 352، والتيسير: 195، والمشكل: 2/ 280.
موطن الشاهد:
{أَوْ يُرْسِلَ}.
وجه الاستشهاد: انتصاب "يرسل" بأن مضمرة جوازا بعد "أو؛ والمصدر المؤول من "أن وما بعدها": معطوف على "وحيا"؛ والتقدير: إلا وحيا أو إرسالا؛ والاستثناء منقطع؛ لأن الوحي والإرسال ليسا تكليما؛ وقيل: استثناء مفرغ. انظر التصريح: 2/ 244.

 

ج / 4 ص -175-        {وَحْيًا}، وقوله1: [الوافر]

505- ولُبْسُ عباءةٍ وتَقَرَّ عيني2

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 القائل: هي ميسون بنت بحدل بن أنيف، من بني حارثة بن جناب الكلبي، زوج معاوية بن أبي سفيان وأم ولده يزيد، كانت بدوية، فثقلت عليها حياة الغربة -عند معاوية- وقالت في ذلك شعرًا، فطلَّقها معاوية. ماتت سنة: 80هـ.
الأعلام: 7/ 339، المحبر: 21، الكامل لابن الأثير: 4/ 4، 49، الخزانة: 3/ 593.
2 تخريج الشاهد: هذا صدر بيت، وعجزه قولها:

أحبُّ إلى من لبس الشفوفِ

وقبل الشاهد قولها:

لبيت تخفق الأرواح فيه                         أحب إلى من قصر منيف

والشاهد من شواهد: التصريح: 2/ 244، والأشموني: "1042/ 3/ 571"، وابن عقيل: "330/ 4/ 20"، والشذور: "156/ 413"، والقطر: "15/ 90"، وسيبويه: 1/ 426، ولم ينسبه، والمقتضب: 2/ 27، والجمل: 199، والمحتسب: 1/ 326، وأمالي ابن الشجري: 1/ 280، وشرح المفصل: 7/ 25، والخزانة: 3/ 529، 621، والعيني: "670/ 472"، والسيوطي: 224، 264.
المفردات الغريبة: عباءة: كساء معروف لا يلبسه أهل الحضر غالبا. تقرّ: تُسَرّ: يقال: قرت عينه؛ إذا بردت وانقطع بكاؤها؛ أو رأت ما كانت متشوقة إليه. الشفوف: جمع شف: وهو الثوب الرقيق الذي لا يحجب ما وراءه.
المعنى: ولبس كساء غليظ من صوف -مع سروري وفرحي- أحب إلى أنفسي من لبس الثياب الرفيعة القيمة مع استيلاء الهموم عليَّ.
الإعراب: ولبس: الواو عاطفة: لبس: مبتدأ مرفوع، وهو مرفوع، وهو مضاف. عباءة: مضاف إليه مجرور. وتقر: الواو عاطفة، تقر: فعل مضارع منصوب بـ "أن" المضمرة بعد الواو العاطفة. عيني: فاعل مرفوع، وعلامة رفعه الضمة المقدرة على ما قبل ياء المتكلم، وعين مضاف، والياء: في محل جر بالإضافة؛ وجملة "تقر عيني": صلة للموصول الحرفي، لا محل لها؛ والمصدر المؤول من "أن وما بعدها": معطوف على "لبس"؛ والتقدير. ولبس عباءة وقرة عيني. أحب: خبر المبتدأ مرفوع، وعلامة رفعه الضمة. =

 

ج / 4 ص -176-        وقوله1: [البسيط]

506- لولا تَوَقُّعُ مُعْتَرٍّ فأُرضِيَهُ2

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
= الظاهرة. "إلى": متعلق بـ "أحب". "من لبس": متعلق بـ "أحب"، و"لبس" مضاف. الشفوف: مضاف إليه مجرور، وعلامة جره الكسرة الظاهرة.
موطن الشاهد: "وتقر".
وجه الاستشهاد: انتصاب فعل "تقر" بأن المضمرة بعد الواو العاطفة؛ وهي مسبوقة باسم خالص من التقدير بالفعل؛ وهو "لبس"؛ وحكم هذا الإضمار الجواز.
تعقيب: قال الأعلم: نصب "تقر" بإضمار "أن"؛ ليعطف على "لبس"؛ لأنه اسم، و"تقر" فعل؛ فلا يمكن عطفه عليه؛ فحمل على إضمار "أن"؛ لأن "أن وما بعدها": اسم؛ فعطف اسما على اسم؛ وجعل الخبر عنهما واحدا؛ وهو "أحب" والمعنى: لبس عباءة مع قرة العين وصفاء العيش أحب إليَّ من لبس الشفوف مع سخونة العين ونكد العيش. انظر الدرر اللوامع: 2/ 10-11.
1 لم ينسب البيت إلى قائل معين.
2 تخريج الشاهد: هذا صدر بيت، وعجزه قوله:

ما كنت أوثِرُ إترابًا على تَرَبِ

وهو من شواهد التصريح: 2/ 244، والأشموني: "1043/ 3/ 571"، وابن عقيل: "332/ 4/ 22"، والشذور: "157/ 414"، والهمع: 2/ 17، والدرر: 2/ 11.
المفردات الغريبة: توقع: ترقب وانتظار. معتر: هو الفقير، أو الذي يتعرض للمعروف من غير أن يسأل بلسانه. إترابا: مصدر ترب الرجل؛ إذا كثرت أمواله، وصارت كالتراب؛ وقلت؛ فهو من الأضداد؛ والمراد هنا الأول. أما ترب، فمعناه: افتقر. ترب: فقر.
المعنى: لولا انتظار السائلين، وذوي الحاجات؛ لمساعدتهم، وسد عوزهم ما آثرت الغنى على الفقر. وقرأه البعض: أترابا جمع ترب؛ وهو المساوي في العمر والسن، ويكون المعنى: ما كنت أوثر أحدا على أترابي بالعطاء والبذل؛ أو ذلك كناية عن تركه وطنه، وأترابه والضرب في الأرض، ابتغاء الثراء؛ ليصير ملجأ للمحتاجين والسائلين، والمعنى الأول أرجح.
الإعراب: لولا: حرف امتناع لوجود، لا محل له من الإعراب؛ أو حرف شرط غير جازم. توقع: مبتدأ مرفوع، وعلامة رفعه الضمة الظاهرة، وهو مضاف. معتر: مضاف إليه مجرور؛ وخبر المبتدأ محذوف وجوبا؛ والتقدير: لولا توقع معتر موجود. فأرضيه: الفاء عاطفة، أرضيه: فعل مضارع منصوب بـ "أن" المضمرة جوازا بعد الفاء؛ والفاعل: =

 

ج / 4 ص -177-        وقوله1: [البسيط]

507- إني وقتلي سليكا ثم أعقله2

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
= أنا، و"الهاء" في محل نصب مفعول به. ما كنت: ما نافية، كنت: فعل ماضٍ ناقص، والتاء: في محل رفع اسمه. أوثر: فعل مضارع مرفوع، والفاعل: أنا؛ وجملة: "أوثر..." في محل نصب خبر كان. إترابا: مفعول به منصوب. "على ترب": متعلق بقوله: "أوثر"؛ وجملة" كنت أوثر إترابا على ترب": جواب شرط غير جازم، لا محل لها.
موطن الشاهد: "فأرضيه".
وجه الاستشهاد: انتصاب "أرضي" بـ "أن" المضمرة بعد الفاء العاطفة؛ على اسم صريح خالص ليس مؤولا بالفعل؛ وهو "توقع"؛ وحكم هذا الإضمار الجواز.
1 القائل: هو أنس بن مدركة الخثعمي، يكني أبا سفيان، شاعر فارس، من المعمرين كان سيد خثعم في الجاهلية وفارسها، أدرك الإسلام، وأسلم، ثم أقام بالكوفة، وانحاز إلى علي بن أبي طالب؛ فقُتِل في إحدى المعارك، وذلك سنة 35هـ، وقيل عاش 145سنة. الأعلام: 2/ 25، صفة الصفوة: 1/ 298، طبقات ابن سعد: 7/ 10.
2 تخريج الشاهد: هذا صدر بيت، وعجزه قوله:

كالثور يُضرب لما عافت البقر

وهو من شواهد: التصريح: 2/ 244، والأشموني: "1044/ 3/ 571"، وابن عقيل: "331/ 4/ 21"، والعيني: 4/ 399، والهمع: 2/ 17، والدرر: 2/ 11، والشذور: "158/ 415"، والحيوان: 1/ 18 وأنشد معه أبيات أخرى.
المفردات الغريبة: سليك: اسم رجل وأمه تسمى "سلكة"، وقد اشتهر بها؛ فيقال: سليك بن سلكة. وهو عدَّاء مشهور؛ يقال: إنه كان يسبق الخيل. أعقله: أدفع ديته، وسميت الدية "عقلا"؛ لأنهم كانوا يعقلونها؛ أي: يربطونها بجوار القتيل، وكانت من الإبل. الثور: هو فحل البقر؛ وقيل: هو ما يعلو وجه الماء من طحلب، ونحوه فتعافه الوارد.
المعنى: كان سليك قد مر بامرأة من خثعم، فوجدها وحدها فوقع عليها؛ فقتله الشاعر حمية، ودفع ديته؛ فهو يقول: إني حين قتلت سليكا، ودفعت ديته، فألحقت بمالي الضرر؛ لنفع غيري كالثور الذي يضرب؛ لتشرب البقر؛ وذلك أن البقر إذا امتنعت عن الشرب لا تضرب؛ لأنها ذات لبن، فيخاف عليها، فيضرب الثور.
الإعراب: إني حرف مشبه بالفعل، والياء: في محل نصب اسمه. وقتلي: الواو عاطفة، قتلي: اسم معطوف على اسم "إن" والياء: في محل جر بالإضافة؛ ويجوز أن تكون الواو =

 

ج / 4 ص -178-        وتقول: "الطائر فيغضبُ زيد الذباب" بالرفع وجوبا؛ لأن الاسم في تأويل الفعل؛ أي: الذي يطير1.
ولا ينصب "بأن" مضمرة في غير هذه المواضع العشرة2 إلا شاذا؛ كقول بعضهم: "تسمع بالمعيدي خير من أن تراه"3، وقول آخر: "خذ اللص قبل

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
= للمعية، وقتلي: مفعول معه، والياء: مضاف إليه. سليكا: مفعول به للمصدر "قتلي" منصوب، وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة. ثم: حرف عطف. أعقله: فعل مضارع منصوب بـ "أن" المضمرة جوازا بعد "ثم" العاطفة، والفاعل: أنا، والهاء: في محل نصب مفعولا به؛ والمصدر المؤول من "أن وما بعدها": معطوف على "قتلي". "كالثور": متعلق بمحذوف خبر "إن"، يضرب: فعل مضارع مبني للمجهول مرفوع، وعلامة رفعه الضمة الظاهرة؛ ونائب الفاعل: هو، يعود إلى الثور؛ وجملة "يضرب": في محل نصب حال من الثور. "لما": ظرفية حينية متعلقة بـ "يضرب"؛ على مذهب الفارسي؛ وهو الأفضل هنا. عافت: فعل ماض، والتاء: للتأنيث. البقر: فاعل مرفوع؛ وجملة "عافت البقر": في محل جر بإضافة "لما" الظرفية إليها.
موطن الشاهد: "ثم أعقله".
وجه الاستشهاد: انتصاب "أعقله" بأن المضمرة بعد "ثم" العاطفة فعلا على اسم صريح في الاسمية "قتلي"؛ وحكم هذا الإضمار الجواز باتفاق.
1 ذلك؛ لأنه صلة "لأل" وصلتها: في تأويل الفعل، و"أل": اسم موصول مرفوع بالابتداء، نقل إعرابها إلى ما بعدها؛ لأنها على صورة الحرف. الذباب: خبر. فيغضب: الفاء عاطفة؛ وغضب مضارع مرفوع، وزيد. فاعل، و"الجملة": معطوفة على صلة "أل"، ولا تحتاج إلى رابط؛ لعطفها بالفاء.
2 يزاد عليها ما سيأتي في الجوازم من جواز نصب الفعل المقرون بالفاء، أو الواو بعد الشرط، أو الجزاء؛ فإنه ينصب بأن مضمرة وجوبا. وإذا دخلت الفاء على مضارع مسبوق بـ "إنما" للحصر؛ نحو: إنما أنت المسافر فتنتفع؛ جاز نصب المضارعة على اعتبار الفاء السببية، وتنزيل الحصر منزلة الطلب، وعدم نصبه على اعتبارها غير سببية، ومثله: قوله تعالى:
{فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُون}؛ في قراءة من نصب "فيكونَ". الأشموني: 3/ 590.
3 هذا مثل قالته العرب، يُضرب لمن اشتهر وذاع صيته ويُزدَرَى مرآه. وقيل: إن أول من قاله المنذر بن ماء السماء.
انظر قصة المثل في مجمع الامثال، للميداني "تحقيق عبد الحميد": 1/ 129برقم: 655. تسمع: مضارع منصوب بـ "أن" مضمرة شذوذا، والمصدر المنسبك: مبتدأ؛ أي: "سماعك". خير: خبر؛ ونظيره قول طرفة:

ألا أيهذا الزاجري أحضرَ الوغى               وأن أشهد اللذات هل أنت مخلدي

الرواية بنصب "أحضر" بأن المصدرية محذوفة؛ والذي سهل حذفها: وجودها في قوله: "وأن أشهد اللذات". ابن عقيل: 4/ 24.

 

ج / 4 ص -179-        يأخذك"1، وقراءة بعضهم: "بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغَهُ"2.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 أي: بنصب "يأخذك"، بـ "أن" مضمرة شذوذا؛ هذا والقول بأن حذف أن المصدرية مع إبقاء عملها في غير المواضع العشرة السابق بيانها شاذ؛ هو قول جمهور البصريين؛ وذهب جمهور الكوفيين: إلى جواز حذفها، وبقاء عملها من غير قيد؛ قياسا على ما ورد من ذلك في بيت طرفة:

ألا أيهذا الزاجري أحضر الوغى               وأن أشهد اللذات هل أنت مخلدي

وكذا في بيت عامر بن جوين الطائي:

فلم أر مثلها خباسة واجد                ونهنهت نفسي بعدما كدت أفعلَهْ

والقراءة في الآيتين المثبتتين في المتن؛ وذهب الأخفش إلى جواز حذف "أن" المصدرية لكن بشرط أن يرتفع الفعل المضارع، فتقدر "أن" لسبك الفعل بالمصدر؛ أن احتج لذلك؛ كما في المثل: "نسمع بالمعيديّ خير من أن تراه"، وأما حذفها وبقاء عملها فغير جائز عنده أيضا؛ وذهب جماعة من متأخري النحاة: إلى أنه، لا يجوز حذف أن في غير المواضع العشرة السابق بيانها، لا مع بقاء عملها؛ كما يقول الكوفيون ولا مع رفع الفعل المضارع؛ كما ذهب إليه الأخفش. التصريح: 2/ 245، والأشموني: 3/ 572.
2 "21" سورة الأنبياء، الآية: 18.
أوجه القراءات: قرأ عيسى بن عمر: "فيدمغه"؛ وقرئ "فيدمغه" و"فتدمغه"؛ والقراءتان: غير منسوبتين؛ وقرأ الجمهور: "فيدمغه".
انظر البحر المحيط: 6/ 302، والكشاف: 2/ 566، ومختصر البديع: 91.
موطن الشاهد: "فَيَدْمَغَهُ".
وجه الاستشهاد: انتصاب فعل "يدمغ" بأن المضمرة شذوذا؛ ومعلوم أن الشاذ، يحفظ، ولا يقاس عليه.